• البداية
  • السابق
  • 356 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20916 / تحميل: 6942
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 2

مؤلف:
العربية

الآَفِلِينَ، فَلَمَّا رَأَى الْقَمَرَ بَازِغاً قَالَ هَذَا رَبِّي فَلَمَّا أَفَلَ قَالَ لَئِنْ لَمْ يَهْدِنِي رَبِّي لاَكُونَنَّ مِنَ الْقَوْمِ الضَّالِّينَ، فَلَمَّا رَأَى الشَّمْسَ بَازِغَةً قَالَ هَذَا رَبِّي هَذَا أَكْبَرُ فَلَمَّا أَفَلَتْ قَالَ يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ، إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأرْضَ حَنِيفاً وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ

إلى أن قال:

..وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ) (1) .

____________

1- الآيات 76 ـ 83 من سورة الأنعام.

١٢١

الفصل السادس : من شعب أبي طالب.. وحتى الهجرة..

١٢٢

١٢٣

وفاة شيخ الأبطح:

وبعد سقوط حصار المشركين للهاشميين في شعب أبي طالب ووفاة الولي والناصر والصفي أبي طالب "صلوات الله وسلامه عليه". الذي كان لوفاته عظيم الأثر على مسار الأحداث، حتى انتهى الأمر باضطرار النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى الهجرة، حيث لم يعد له في مكة ناصر.

وسنحاول عرض الأحداث التي تلت وفاة هذا الرجل العظيم.. والتي كان لعلي(عليه‌السلام) اثر وحضور فيها. وذلك في المطالب التالية:

النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلي(عليه‌السلام) في الطائف:

وبعد وفاة أبي طالب(عليه‌السلام) ، وبالذات، في السنة العاشرة من البعثة.. خرج(صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى الطائف وحده(1) .

____________

1- تفسير الثعلبي ج9 ص19 وتفسير البغوي ج4 ص172 والجامع لأحكام القرآن ج16 ص210 وعيون الأثر ج1 ص175وسبل الهدى والرشاد ج2 ص438 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص51 و 60 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص80 والبداية والنهاية ج3 ص166 وإمتاع الأسماع ج8 ص305 والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص285 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص149.

١٢٤

وقيل: كان معه علي(عليه‌السلام) (1) .

وقيل: زيد بن حارثة(2) .

وقيل: هما معاً(3) ، وذلك لليال بقين من شوال سنة عشر.

فأقام(صلى‌الله‌عليه‌وآله) في الطائف عشرة أيام يدعوهم، فلم يجبه أحد، وخافوا على أحداثهم، فطلبوا منه أن يخرج عنهم، وأغروا به سفهاءهم فجلسوا له في الطريق صفين يرمونه بالحجارة، وعلي(عليه‌السلام) يدافع عنه حتى شج في رأسه، وقيل: إن زيد بن حارثة هو الذي شج في رأسه.

____________

1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص127 وج14 ص97 عن الشيعة، وبحار الأنوار ج38 ص293 وأعيان الشيعة ج1 ص375.

2- الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص211 وإمتاع الأسماع ج1 ص45 وج9 ص181 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص127 وج14 ص96 وبحار الأنوار ج19 ص15 و 22 وج38 ص293 والإستيعاب ج1 ص39 وأسد الغابة ج1 ص19 وعيون الأثر ج1 ص174 و 175 والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص262 وفتح الباري ج7 ص131 وج8 ص514 وتحفة الأحوذي ج7 ص144 وج9 ص168 والمعارف لابن قتيبة ص151 وأعيان الشيعة ج1 ص375 وسبل الهدى والرشاد ج2 ص438 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص51 و 60 وحلية الأبرار ج1 ص345.

3- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص127 وج14 ص97

١٢٥

وعاد(صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى مكة، فحاولت قريش مواجهته بأنواع من الأذى، فقال لعلي أو لزيد: إن الله جاعل لما ترى فرجاً ومخرجاً، وإن الله ناصر دينه، ومظهر نبيه.

النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلي(عليه‌السلام) في بني عامر:

وخرج علي(عليه‌السلام) مع النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) مرة أخرى إلى بني عامر بن صعصعة، يدعوهم إلى الإسلام والإيمان، فلم يجيبوه، وغاب عن مكة عشرة أيام(1) .

النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) وعلي(عليه‌السلام) في بني شيبان:

وخرج(عليه‌السلام) مع رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، ومعهما أبو بكر إلى بني شيبان، ولم يستجيبوا لدعوته، وغاب عن مكة ثلاثة عشر يوماً(2) .

ونقول:

إن لنا بعض الوقفات مع ما تقدم، وهي التالية:

بالنسبة لخروج علي(عليه‌السلام) ، أو زيد بن حارثة مع النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى الطائف، نقول:

____________

1- بحار الأنوار ج38 ص293 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص128.

2- بحار الأنوار ج38 ص293 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص126.

١٢٦

وجود علي(عليه‌السلام) هو الأرجح:

إن الذي رافق النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) في سفره ذاك، كان شخصاً واحداً كما يدل عليه ظاهر خطاب النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) لمن كان معه، فإنه كان يتكلم مع شخص واحد، وهذا هو أيضاً ظاهر كلمات المؤرخين حيث ظهر منها أن المدافع عن رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، والذي شج رأسه أيضاً شخص واحد..

فالقول بأن زيداً وعلياً(عليه‌السلام) معاً كانا مع النبي يصبح بعيد الإحتمال.

وربما يكون قول المدائني: إن كلا من زيد وعلي(عليه‌السلام) كان مع النبي قد جاء ليبرر ذكر زيد، حيث ظهر منه أن المدائني لم يقو على إنكار حضور علي(عليه‌السلام) ولم يرد إنكار وجود زيد، فلجأ إلى هذا الجمع الذي يكرس صحة قول الشيعة في علي، ويسجل اعتراف المدائني لهم بهذا الأمر، ولكنه يحاول التسويق لحضور غيره معه.

فإذا أضيف إلى ذلك ما نعرفه عن مناوئي علي(عليه‌السلام) من السعي الحثيث لإبعاده(عليه‌السلام) عن أي مقام هو له قدر الإمكان.. فإن ذلك يجعلنا نؤكد حضور علي(عليه‌السلام) ، ونشك كثيراً في حضور غيره..

وربما يمكن تأييد ذلك ايضاً بأنه(عليه‌السلام) كان هو الذي رافقه إلى بني عامر بن صعصعة، وإلى بني شيبان، ولم يذهب معه زيد بن حارثة ولا غيره.

على أننا لا نجد مبرراً لتخلف علي(عليه‌السلام) عن النبي في أي

١٢٧

مقام، إلا إذا رأى النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) ضرورة لوجود علي(عليه‌السلام) في موقع آخر، ولم يظهر لنا هنا ذلك..

لماذا علي(عليه‌السلام) ؟!:

إن النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يتول بنفسه الرد على سفهاء أهل الطائف، ربما لأن أي مبادرة منه للرد على تصرفاتهم من شأنها أن تفرح قلب الذين أغروهم بإيذائه، لأنهم يكونون قد نجحوا ـ بزعمهم ـ في وضع النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) في مواجة السفهاء، وهو يدافع عن نفسه.

ونحن لم نر للنبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) أي موقف يحاول فيه مناوئوه إيذاءه لم نره أظهر لهم أنه يقصدهم بسوء. حتى إنه حين يظفر بمن ارتكب من الجرائم ما يستحق معه القتل، فإنه(صلى‌الله‌عليه‌وآله) لم يبادر بنفسه إلى قتلهم، بل كان يتولى ذلك علي(عليه‌السلام) أو حمزة أو غيره..

وذلك لأنه يطلب من الناس الإيمان به، ويريد الله منهم أن يحبوه(صلى‌الله‌عليه‌وآله) كحب الله. ومن رأى النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) يحمل السيف أو السوط لقتله، أو يبادر إلى ضربه، أو يتذكر حصول ذلك منه، فإنه قد لا يستطيع أن يحبه هذا الحب العظيم.. وسيكون خلوص اسلامه وصحته موضع ريب وشك كبير..

ولذلك شككنا في صحة قولهم: إنه(صلى‌الله‌عليه‌وآله) قتل أبي بن خلف.

وحين شكا لأبي طالب ما فعلوه به حين وضعوا عليه سلا ناقة، بادر أبو

١٢٨

طالب وبنو هاشم لنصرته، وحمل حمزة السلاح، فأمرَّه على لحاهم واسبلتهم.

واشتكى أيضاً لعلي(عليه‌السلام) أذى صبيان المشركين له، فبادر علي لمنعهم وصار يقضمهم في وجوههم وآنافهم وآذانهم ثم، واستصحبه معه إلى الطائف، فدافع وحامى، ورد كيد سفهاء ثقيف عنه.

أما حين يتعلق الامر بدفع الظلم عن الآخرين، فإن النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) يبادر إلى ذلك، ويتخذ قرار الحرب ضد الظالمين والمعتدين، لأن الآثار السلبية تصبح إيجابية، لأن الدفاع عن المظلوم شرف، وكرامة، والإنتصار له نبل وشهامة، وتتضاءل فيه فرص الإتهام بالتجني والتحامل، أو الإتهام بالمبالغة في ردة الفعل، من الرجل الحليم الذي لا ينبغي أن يصدر منه ذلك تجاه تصرف سفيه، قد يجد الناس له من جهله وطيشه بعض العذر فيما ندَّ عنه من تصرفات رعناء، أو أعمال قبيحة شنعاء..

ولأجل ذلك كان دفاع علي(عليه‌السلام) عن النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) الذي كان في موقع المعتدى عليه والمظلوم، هو الأصح والأصلح في سياسة النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، والأعظم أثراً في تحقيق الغرض، من دون أن يكون له أي أثر سلبي على الإطلاق..

بل قد يكون له الكثير من الآثار الإيجابية، حين يستيقظ الضمير من غفوته، ويعود الوجدان في هدأة الأمور إلى صحوته، فيجد السفاهة والجهالة كلها في جانب، ويجد النبل والطهارة، والحلم والرصانة في الجانب الآخر، حيث يكتشف أن هذا الذي صب عليه السفهاء كل الحقد والسوء والظلم لم يشأ حتى أن يرميهم ولو بوردة، حتى لا يفهم هذا الرمي على أنه

١٢٩

تعبير عن الكراهية لهم والتباين معهم، بل كان غيره هو المبادر للدفع عنه، وللتضحية في سبيله.

علي(عليه‌السلام) في بيعة العقبة:

ويقولون: إنه حين قدم أهل المدينة إلى مكة في موسم الحج، اجتمعوا بالنبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) عند العقبة فبايعوه، فعلمت قريش بالأمر، فجاءت على بكرة أبيها، قد حملوا السلاح.

وخرج حمزة ومعه السيف، هو وعلي بن أبي طالب(عليه‌السلام) إلى فم الشعب، فلما نظروا إلى حمزة قالوا: ما هذا الذي اجتمعتم له؟!

فقال: ما اجتمعنا، وما ها هنا أحد. والله، لا يجوز أحد هذه العقبة إلا ضربته بسيفي(1) . فصدهم عما كانوا دبروه وقصدوه..

____________

1- راجع فيما تقدم أي كتاب تاريخي أو حديثي شئت مثل: بحار الأنوار ج19 ص12 و 13 و 48 والصافي ج2 ص294 ونور الثقلين ج2 ص147 والميزان ج9 ص78 وحلية الأبرار ج1 ص94 وإعلام الورى ص57 و (ط مؤسسة آل البيت) ج 1 ص 144 وتفسير القمي ج1 ص272 و 273 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص318 و 319 ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص450 والبداية والنهاية ج3 ص158 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص193 و 210 والسيرة الحلبية ج2 ص17 وما قبلها وما بعدها، والسيرة النبوية لابن هشام ج2 ص88 وقبلها وبعدها، وغير ذلك كثير.

١٣٠

ونقول:

لعلك تقول:

كيف استطاع رجلان هما حمزة بن عبد المطلب، وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب أن يردا كيد قريش كلها، وهي قد جاءت بسلاحها؟! لا سيما وهي في أوج غضبها وهيجانها؟!

ونجيب:

إن الروايات تصرح: بأن حمزة وعلياً (عليهما‌السلام ) قد وقفا على فم الشعب، وهو بمثابة مضيق لا يمر فيه إلا جماعة صغيرة من الرجال، فإذا أخذ الفارس أو الفارسان بفم المضيق، فإنه يتمكن بشجاعته وحسن رويته، وسرعة حركته من صد من يريد الورود في ذلك المضيق، وبالتالي صد من خلفهم أيضاً..

وقد ذكر الرواة: أن عمرو بن عبد ود ـ أو غيره كان يعد بألف فارس، لأنه أخذ عليهم فم الوادي، وكان ضيقاً جداً، فلم يتمكنوا من وروده(1) . إلا

____________

1- راجع: بحار الأنوار ج20 ص202 وج31 ص445 وج41 ص88 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص324 ورسائل المرتضى ج4 ص122 ومصباح البلاغة (مستدرك نهج البلاغة) ج3 ص183 وشجرة طوبى ج2 ص287 وجوامع الجامع ج3 ص52 ومجمع البيان ج8 ص130 والميزان ج16 ص296 وتفسير الآلوسي ج21 ص155 وإعلام الورى ج1 ص380 وتأويل الآيات ج2 ص451 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص486 وحبيب السير ج1 ص361 وينابيع المودة ص95 وغاية المرام ج4 ص274 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص378 وج20 ص625 وج31 ص233 وج32 ص368.

١٣١

أشتاتاً متفرقين، فحيث قد صدت الطليعة منهم، امتنع التقدم على من بعدهم.

المؤاخاة الأولى في مكة:

وتذكر الروايات: أن النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) آخى بين المسلمين في مكة قبل هجرتهم.. على الحق والمواساة. فآخى بين أبي بكر وعمر، وبين حمزة وزيد بن حارثة، وبين عثمان وعبد الرحمان بن عوف، وبين الزبير، وابن مسعود، وبين عبيدة بن الحارث بن المطلب وبلال، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقاص.

وبين أبي عبيدة، وسالم مولى أبي حذيفة. وبين سعيد بن زيد وطلحة، وبين علي(عليه‌السلام) ونفسه( صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وقال: أما ترضى أن أكون أخاك؟!

قال: بلى يا رسول الله رضيت.

قال: فأنت أخي في الدنيا والآخرة(1) .

____________

1- السيرة الحلبية ج2 ص20 و (ط دار المعرفة) ج2 ص181 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص155 عن الإستيعاب. و مناقب الإمام أمير المؤمنين "عليه‌السلام " للكوفي ج1 ص325 و 328 و 346 وشرح الأخبار ج2 ص178 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص96 وعيون الأثر ج1 ص264 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص69 وسبل الهدى والرشاد ج3 ص363 ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه الأصفهاني ص101 وأعيان الشيعة ج1 ص236 و 337 و 377 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص191 و 194 و 197 وج30 ص576. وراجع أيضاً: مستدرك الحاكم ج3 ص14 وتاريخ الخميس = = ج1 ص353 وتلخيص المستدرك للذهبي (مطبوع مع المستدرك) ج3 ص14 والإكمال في أسماء الرجال ص177 وغير ذلك..

١٣٢

وسيأتي: أنه(صلى‌الله‌عليه‌وآله) قد آخى بين المهاجرين والأنصار بعد الهجرة، وهناك أمور سوف نتعرض لها حين الحديث عن المؤاخاة هناك..

١٣٣

الفصل السابع : هجرة النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى المدينة..

١٣٤

١٣٥

حديث الهجرة:

اجتمعت قريش في دار الندوة، واتفقوا على أن يقتلوا رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، فاختاروا عشرة أو خمسة عشر رجلاً، من كل قبيلة من قريش ـ وكانوا عشر أو خمس عشرة قبيلة أو أكثر ـ ليبِّيتوا النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) بضربة واحدة من سيوفهم.

فأخبر الله تعالى نبيه بمكرهم، فأخبر(صلى‌الله‌عليه‌وآله) علياً(عليه‌السلام) بمكر قريش، وأمره أن يتغشى ببرده الحضرمي، وينام في فراشه.

فقال علي(عليه‌السلام) : أوتسلم بمبيتي هناك يا نبي الله؟!

١٣٦

قال: نعم.

فتبسم علي(عليه‌السلام) ضاحكاً، وأهوى إلى الأرض ساجداً شكراً لله.

فنام على فراشه، واشتمل ببرده الحضرمي، وخرج النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) في فحمة العشاء، والرصد قد أطافوا بداره ينتظرون، وهو يقرأ( وَجَعَلْنَا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدّاً وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدّاً فَأَغْشَيْنَاهُمْ فَهُمْ لاَ يُبْصِرُونَ ) (1) وذهب(صلى‌الله‌عليه‌وآله) إلى الغار.

وقالوا: إن أبا بكر جاء وأمير المؤمنين(عليه‌السلام) نائم، فخاطبه، وهو يحسبه نبي الله، فقال له علي: إن نبي الله انطلق نحو بئر ميمونة فأدركه(2) .

____________

1- الآية 9 من سورة يس.

2- راجع ما تقدم في المصادر التالية: المناقب للخوارزمي الحنفي ص73 والمستدرك للحاكم ج3 ص133 وتلخيصه للذهبي بهامشه وصححاه، ومسند أحمد ج1 ص321 وتذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص34 وشواهد التنزيل ج1 ص99 و 100 و 101 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص100 والبرهان ج1 ص207 والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص30 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي (ط النجف) ص63 والسيرة الحلبية ج2 ص35 ومجمع الزوائد ج9 ص120 عن أحمد، ورجاله رجال الصحيح غير واحد وهو ثقة، وعن الطبراني في الكبير والأوسط، وبحار الأنوار ج19 ص60 و 78 و 93 عن الطبري وأحمد، والعياشي، وكفاية الطالب، وفضائل الخمسة ج1 ص231 وذخائر العقبى ص87 وكفاية الطالب ص242. وقال: إن ابن عساكر ذكره في الأربعين الطوال، وترجمة الإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام "، من تاريخ ابن عساكر (تحقيق المحمودي) ج1 ص186 و 190 ونقله المحمودي في هامشه عن: الفضائل لأحمد بن حنبل، حديث291 وعن غاية المرام ص66 عن الطبراني ج3 في الورق 168/ب وفي هامش كفاية الطالب عن: الرياض النضرة ج2 ص203. وأما الفقرات الأخرى فهي موجودة في مختلف كتب الحديث والتاريخ. وراجع: حلية الأبرار ج1 ص144 والميزان ج9 ص81 وأعيان الشيعة ج1 ص237 و 376 والأمالي للطوسي ص466 ومستدرك الوسائل ج5 ص155 و 465 وجامع أحاديث الشيعة ج5 ص475 وكشف الغمة ج2 ص30.

١٣٧

قالوا: وجعل المشركون يرمون علياً(عليه‌السلام) بالحجارة، كما كانوا يرمون رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، وهو يتضور (أي يتلوى ويتقلب)، وقد لف رأسه في الثوب، لا يخرجه حتى أصبح.

فهجموا عليه.

فلما بصر بهم علي(عليه‌السلام) قد انتضوا السيوف، وأقبلوا عليه، يقدمهم خالد بن الوليد، وثب له علي(عليه‌السلام) فختله، وهمز يده، فجعل خالد يقمص قماص البكر، ويرغو رغاء الجمل، وأخذ من يده السيف، وشد عليهم بسيف خالد، فأجفلوا أمامه إجفال النعم إلى خارج الدار، وتبَصّروه، فإذا هو علي، قالوا: وإنك لعلي؟!

قال: أنا علي.

١٣٨

قالوا: فإنا لم نردك، فما فعل صاحبك؟!

قال: لا علم لي به(1) .

فأسرعوا إلى قومهم فأخبروهم، فهبت قريش لتدارك الأمر قبل فوات الأوان، وأذكوا العيون، وركبوا في طلب النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله) . وكان في الغار، وواصلوا اقتفاء أثره إلى قرب باب الغار، فوجدوا العنكبوت قد نسجت على بابه، وباضت في مدخله حمامة وحشية، وغطته أغصان شجرة(2) فرجعوا عنه.

وأمهل أمير المؤمنين(عليه‌السلام) إلى الليلة التالية، فانطلق ليلاً هو وهند بن أبي هالة حتى دخلا الغار على رسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، فأمر الرسول الأعظم هنداً أن يبتاع له ولصاحبه بعيرين، فقال أبو بكر: قد كنت أعددت لي ولك يا نبي الله راحلتين، ترتحلهما إلى يثرب.

____________

1- أمالي الشيخ الطوسي ج2 ص82 و 83 و (ط دار الثقافة) ص467 وبحار الأنوار ج19 ص61 و 62 وأعيان الشيعة ج1 ص237 و 376 وحلية الأبرار ج1 ص145 وج2 ص108.

2- راجع: تاريخ الخميس ج1 ص328 والسيرة الحلبية ج2 ص37 والبداية والنهاية ج3 ص181 و 182 والدرر لابن عبد البر ص81 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص144 والمحرر الوجيز ج3 ص35 والشفا للقاضي عياض ج1 ص313 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص39 وتفسير السمعاني ج2 ص311.

١٣٩

فقال: إني لا آخذهما، ولا أحدهما إلا بالثمن.

قال: فهي لك بذلك.

فأمر علياً(عليه‌السلام) فأقبضه الثمن(1) .

ثم أوصاه(صلى‌الله‌عليه‌وآله) بحفظ ذمته، وأداء أماناته، وكانت قريش ومن يقدم مكة من العرب في الموسم يستودعون النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، ويستحفظونه أموالهم وأمتعتهم.

وأمره أن ينادي صارخاً بالأبطح غدوة وعشياً: من كان له قبل محمد أمانة فليأت، فلنؤد إليه أمانته..

وقال(صلى‌الله‌عليه‌وآله) لعلي آنئذٍ، أي بعد أن ذهب الطلب عنه( صلى‌الله‌عليه‌وآله) : إنهم لن يصلوا من الآن إليك يا علي بأمر تكرهه، حتى تقدم علي، فأد أمانتي على أعين الناس ظاهراً.

ثم إني مستخلفك على فاطمة ابنتي، ومستخلف ربي عليكما، ومستحفظه فيكما(2) .

____________

1- راجع: بحار الأنوار ج19 ص62 والأمالي للطوسي ج2 ص83 و (ط دار الثقافة) ص467 ووفاء الوفاء ج1 ص237 والدرجات الرفيعة ص411 وحلية الأبرار ج1 ص146 والميزان ج9 ص81 وكشف الغمة ج2 ص31.

2- الأمالي للطوسي ج2 ص83 و (ط دار الثقافة) ص468 وحلية الأبرار ج1 ص147 وبحار الأنوار ج19 ص62 والميزان ج9 ص82 والدرجات الرفيعة ص411 وأعيان الشيعة ج1 ص237 و 376 وكشف الغمة ج2 ص32.

١٤٠