• البداية
  • السابق
  • 356 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20914 / تحميل: 6942
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 2

مؤلف:
العربية

وذلك قول الله عز وجل:( وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً ) (1) "(2) .

قال المجلسي "رحمه‌الله ": "يمكن أن يكون ذكر الآية لبيان وجه آخر لتسميته(عليه‌السلام) بأبي تراب، لأن شيعته لكثرة تذللهم له وانقيادهم لأوامره سُمّوا تراباً، كما في الآية الكريمة.

ولكونه(عليه‌السلام) صاحبهم، وقائدهم، ومالك أمورهم، سمي أبا تراب"(3) .

وقد قال عبد الباقي العمري مشيراً إلى ذلك:

يا أبا الأوصياء أنت لِطه صهره وابن عمه وأخوهُ

إن لله في معانيك سراً أكثر العالمين ما علموه

أنت ثاني الآباء في منتهى الدور وآبــاؤه تعــد بنـوه

____________

1- الآية 40 من سورة النبأ.

2- بحار الأنوار ج35 ص51 وج65 ص123 وغاية المرام للبحراني (ط إيران) ج1 ص58 و (ط أخرى) ج1 ص60 وعلل الشرايع ج1 ص187 و188 و (ط الحيدرية ـ النجف الأشرف) ج1 ص156 ومعاني الأخبار للشيخ الصدوق ص120 وشجرة طوبى ج2 ص220 والإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " للهمداني ص56 والصافي ج5 ص278 وج7 ص387 وتفسير نور الثقلين ج5 ص496 وبشارة المصطفى ص28 و29 والبرهان (تفسير) ج8 ص202 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص305.

3- راجع: بحار الأنوار ج35 ص51.

٢٦١

خلق الله آدماً من تراب وهو ابن له وأنت أبوه(1)

لماذا الوضع والإختلاق؟!:

ولعل سر وضع هذه الترهات هو:

1 ـ إنهم يريدون أن يظهروا: أنه قد كان في بيت علي(عليه‌السلام) من التناقضات والمخالفات مثل ذلك الذي كان في بيت النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، مما كانت تصنعه بعض زوجاته( صلى‌الله‌عليه‌وآله) .

وليمكن ـ من ثم ـ أن يقال: إن ذلك أمر طبيعي، ومألوف، وهو من مقتضيات الحياة الزوجية؛ فلا غضاضة فيه على أحد، ولا موجب للطعن والإشكال على أي كان، فزوجة النبي تتصرف كما كانت تتصرف بنت النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله) .

وكما كانت عائشة تغضب النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، فإن فاطمة كانت تغضب علياً(عليه‌السلام) ، وكانت خشنة معه.

2 ـ ومن الجهة الثانية، فكما أن قوله(صلى‌الله‌عليه‌وآله) من أغضبها

____________

1- راجع: الغدير للشيخ الأميني ج6 ص338 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص380 والإمام علي بن أبي طالب "عليه‌السلام " للهمداني ص56 و 373 واللمعة البيضاء للتبريزي الأنصاري ص130 والكنى والألقاب للشيخ عباس القمي ج2 ص98 وشجرة طوبى ج2 ص220.

٢٦٢

(أي فاطمة) فقد أغضبني، ينطبق على فلان وفلان، فإنه ينطبق على علي نفسه، إذاً فكما أغضب أبو بكر وعمر بن الخطاب فاطمة(عليها‌السلام) ، فقد أغضبها علي أيضاً..

وتكون واحدة بواحدة، فلا يكون ذلك موجباً للإشكال على أولئك دونه(عليه‌السلام) . ويكون كلام النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) عن غضبها من قبيل المجاملة، وأنه كلام لا معنى له وراء العاطفة الأبوية.

3 ـ هل يريدون أن يظهروا علياً(عليه‌السلام) بصورة الفظ الغليظ، وهي الصفات التي وصفوا بها عمر بن الخطاب، لكي يتشارك هو وإياه في ذلك؟!

4 ـ بل هم يريدون بذلك: أن يظهروا علياً(عليه‌السلام) بصورة الرجل الذي لم يكن مرضياً من فاطمة، وقد تزوجته وهي كارهة، وبدون رضى منها.

ولعل قبول النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) بتزويجه كان لأجل دفع غائلته وشره، وبذلك يسلبون عنه فضيلة الصهر للنبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله) .

قيمة هذه الكنية:

وقد كان علي(عليه‌السلام) يعتز ويأنس بكنية "أبي تراب"، لأنه كان لا يرى الدنيا هدفاً له، يعيش من أجله ويضحي في سبيله، وإنما يعتبرها وسيلة إلى هدفه الأسمى، وغايته الفضلى، ومن يرى نفسه منسجماً في تصرفاته مع هدفه، ومع نظرته؛ لابد أن يرتاح، وينشرح لذلك.

فكانت هذه الكنية من النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) له بمثابة إعلام له:

٢٦٣

بأنه سوف يبقى في مواقفه وتصرفاته محتفظاً بالخط المنسجم مع أهدافه، وأنه سوف يستمر في وضعه للدنيا في موضعها الذي يليق بها، ولن تغره بزبارجها وبهارجها، ولن يبتلي بالتناقض بين مواقفه وتصرفاته، وبين ما يعتبره هدفاً له.

فمن أجل ذلك وسواه كانت هذه الكنية أحب كناه إليه(عليه‌السلام) .

وأما الأمويون، الذين كانوا يعيِّرونه(عليه‌السلام) بهذه الكنية، فقد كان موقفهم أيضاً منسجماً مع نظرتهم ومع ما يمثل القيمة عندهم، فإن غايتهم وهدفهم هو الدنيا، وعلى أساس وجدانها وفقدانها يقيّمون الأشخاص والمواقف، فيحترمون أو يحتقرون.

وإذا كان علي أبا تراب، ولا يهتم بالدنيا، ولا يسعى لأن ينال منها إلا ما يحفظ له خيط حياته، انطلاقاً من الواجب الشرعي، ويبلغه إلى أهدافه التي رسمها الله سبحانه له، فإن بني أمية سوف يرونه فاقداً للعنصر الأهم الذي يكون به المجد الباذخ، والكرامة والسؤدد بنظرهم، ويصبح من الطبيعي أن يعيروه بكنية من هذا القبيل، فإن ذلك هو المنسجم كل الانسجام مع غاياتهم ونظرتهم تلك التي تخالف الدين والقرآن، ولا تنسجم مع الفطرة السليمة والمستقيمة.

الراية الترابية: علم وسخاء:

وقد أظهرت بعض النصوص: أن الترابية أصبحت نهجاً وطريقاً ولقباً لفئة من الناس، وأن هذا اللقب أصبح محوراً وشعاراً رائعاً في دلالاته

٢٦٤

في نطاق التداول بين الأفرقاء: من الأعداء والأصدقاء على حد سواء.

فمن يهتم بالعلم، ونشره، ويعرف بالسخاء والبذل صار يعتبر رافعاً راية ترابية، فقد روي: أنه دخل عبد الله بن صفوان على عبد الله بن الزبير، وهو يومئذٍ بمكة فقال: أصبحت كما قال الشاعر:

فإن تصبك من الأيام جائحة لا أبك منك على دنياً ولا دين

فقال: وما ذاك يا أعرج؟!

فقال: هذا عبد الله بن عباس يفقه الناس، وعبيد الله أخوه يطعم الناس، فما أبقيا لك؟!

فأحفظه ذلك، فأرسل صاحب شرطته، عبد الله بن مطيع، وقال له: انطلق إلى ابني عباس، فقل لهما: أعمدتما إلى راية ترابية قد وضعها الله، فنصبتماها؟! بددا عني جمعكما، ومن ضوى إليكما من أهل الدنيا، وإلا فعلت وفعلت.

فقال ابن عباس: ثكلتك أمك، والله ما يأتينا من الناس غير رجلين: طالب فقه، أو طالب فضل. فأي هذين تمنع؟!

فقال أبو الطفيل:

لا در در الليـالي كـيـف تضحكنـا منها خطـوب أعاجيب وتبكينــا

ومثـل مـا تحـدث الأيـام مـن غِـيَرٍ يـا ابـن الزبـير عـن الدنيا تسلينـا

كنـا نـجـيء ابن عباس فيقبـسنــا عـلماً، ويـكسبنا أجراً ويهــدينــا

ولا يــــزال عـبـيـد الله متــرعــة جفـانه، مطعـماً ضـيـفاً ومسكينـا

٢٦٥

فالـبر، والـديـن، والدنيا بدارهمـا ننــال منهــا الـذي نبغي إذا شينـا

إن الـنـبـي هو النور الذي كشـفت بـه عـمايــات بـاقينــا ومـاضينــا

ورهطـه عصمـة في ديننـا ولــهــم فضـل علينـا وحـق واجـب فينــا

ولست فـاعلمْه أولى مـنـهمُ رحمــاً يـا بـن الـزبــير ولا أولى بـه دينـا

فـفـيـم تـمـنـعهم عنــا وتمـنـعـنـا عنهـم وتـؤذيهـمُ فـينــا وتـؤذينـا

لـن يـؤتِيَ الله مـن أخـزى ببغضهم في الدين عزاً ولا في الأرض تمكيناً(1)

فابن الزبير يعتبر راية العلم، وراية الجود من الرايات الترابية التي اكتسبها أتباع أبي تراب منه "صلوات الله وسلامه عليه".

أترابية وعصبية؟!:

كما أن أتباع أمير المؤمنين(عليه‌السلام) (أبي تراب) كانوا كإمامهم أبعد عن العصبية للعرق والعشيرة، ويشهد لذلك قول كثيِّر عزَّة، حينما قتل آل المهلب بالعقر: ما أجل الخطب! ضحى آل أبي سفيان بالدين يوم الطف، وضحى بنو مروان بالكرم يوم العقر، ثم انتضحت عيناه باكياً.

فبلغ ذلك يزيد بن عبد الملك، فدعا به، فلما دخل عليه قال: "عليك

____________

1- الأغاني (ط ساسي) ج13 ص168 وأنساب الأشراف ج3 ص32 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص938 والدرجات الرفيعة ص148 وتاريخ مدينة دمشق ج26 ص129 وسير أعلام النبلاء ج3 ص356 وخزانة الأدب ج4 ص40.

٢٦٦

بهلة الله، أترابية وعصبية"؟!(1) .

مما يعني: أن هاتين الصفتين لا تجتمعان في علي(عليه‌السلام) وشيعته.

وموقف أهل البيت(عليهم‌السلام) من العصبيات، ومن التمييز القبلي والعنصري، معروف وواضح. والموقف الآخر المنقاض له من غيرهم واضح أيضاً.

وهذا موضوع طويل وهام، لا مناص لنا من إرجاء الإفاضة فيه إلى فرصة أخرى(2) .

____________

1- الأغاني ج8 ص6 وأعيان الشيعة ج1 ص169 و 325 ومختصر أخبار شعراء الشيعة ص69 والدرجات الرفيعة ص588.

2- راجع كتابنا: ) سلمان الفارسي في مواجهة التحدي (

٢٦٧

٢٦٨

الفصل الثالث: علي(عليه‌السلام) .. في بدر العظمى..

٢٦٩

٢٧٠

حرب بدر:

كانت حرب بدر في شهر رمضان في السنة الثانية من الهجرة، وكان لعلي فيها القدح المعلى، والحظ الأوفر.. ونحن هنا لا نريد استعراض جميع ما جرى في هذه الحرب، بل نريد أن نقدم لمحة عن حركة ومواقف أمير المؤمنين(عليه‌السلام) فيها، فنقول:

راية رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله) مع علي(عليه‌السلام) :

لقد كانت راية رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله) في حرب بدر مع علي(عليه‌السلام) (1) ، كما كانت معه في سائر المواقف. ومن الكلمات المألوفة

____________

1- المناقب للخوارزمي ص102 والآحاد والمثاني لابن أبي عاصم النبيل، مخطوط في مكتبة كوبرلي رقم235 و (ط دار الدراية) ج1 ص141 ومسند الكلابي في آخر مناقب ابن المغازلي ص434 ومناقب ابن المغازلي نفسه ص366 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج3 ص33 و 34 والمستدرك للحاكم ج3 ص11 وتلخيصه للذهبي بهامشه، ومجمع الزوائد ج9 ص125 ونقل ذلك عن: شرح نهج البلاغة للمعتزلي (ط أولى) ج2 ص102 وجمهرة الخطب ج1 ص428 والأغاني (ط دار الكتب) ج4 ص175 وتـاريـخ الأمـم والمـلـوك (ط دار المعـارف) ج2 ص430. وشرح الأخبـار ج1 = = ص321 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص311 وذخائر العقبى ص75 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص65 وبحار الأنوار ج19 ص290 وج41 ص79 ومجمع الزوائد ج5 ص321 والمعجم الأوسط للطبراني ج5 ص241 والمعجم الكبير للطبراني ج11 ص311 وكنز العمال ج10 ص406 والتبيان للطوسي ج2 ص579 وجوامع الجامع ج1 ص324 ومجمع البيان ج2 ص381 والكامل لابن عدي ج1 ص240 وج5 ص143 وتاريخ مدينة دمشق ج20 ص249 وج42 ص72 والبداية والنهاية ج7 ص39 وإعلام الورى ج1 ص374 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص189 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص526 و 527 و 528 وج18 ص73 وج20 ص331 وج30 ص219 و 220 و 221 وج32 ص341 و 342.

٢٧١

لدى المؤرخين قولهم: كان علي(عليه‌السلام) صاحب لواء (أو راية) رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله) في بدر وفي كل مشهد(1) .

____________

1- ترجمة الإمام أمير المؤمنين "عليه‌السلام " من تاريخ ابن عساكر (بتحقيق المحمودي) ج1 ص145 وذخائر العقبى ص75 عن أحمد في المناقب، والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 قسم1 ص14 و (ط دار صادر) ج3 ص23 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص74 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص625 وكفاية الطالب ص 336 وفي هامشه عن كنز العمال ج 6 ص 398 عن الطبراني، وراجع: هامش ص180 من احتجاج الطبرسي، عن الرياض النضرة ج 2 ص 267 و 202 عن نظام الملك في أماليه. وراجع أيضاً: مناقب أمير المؤمنين لابن المغازلي ص200 والمناقب للخوارزمي ص258 و 259 وعمدة القاري ج16= = ص216 والمستدرك للحاكم ج3 ص500 وتلخيصه بهامش نفس الصفحة للذهبي، وصححاه على شرط الشيخين، والمصنف للصنعاني ج5 ص288 وحياة الصحابة ج2 ص514 ـ 515 وتاريخ الخميس ج1 ص434 وفتح الباري ج6 ص89 عن أحمد، وأسد الغابة ج4 ص20 وأنساب الأشرف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص106 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص289 والغدير للعلامة الأميني ج10 ص168 عنه، وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص527 و 528 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص189.

٢٧٢

وسيأتي في حرب أحد نصوص عديدة تدل على ذلك..

فلا يصغى لما يقال: من أن اللواء كان بيد مصعب بن عمير، أو الحباب بن المنذر.. إلا إن كان مرادهم أن لواء أو راية المهاجرين كانت بيد مصعب، وراية أو لواء الأنصار بيد الحباب..

ولا يلتفت لمحاولاتهم التفريق بين اللواء والراية ـ لتصحيح الإدعاءات المتعارضة ـ، لأن النصوص قد دلت على اختصاص اللواء الأعظم، والراية العظمى بعلي(عليه‌السلام) (1) .

وقد نص جماعة من أهل اللغة على الترادف بين اللواء والراية(2) .. وإن

____________

1- راجع المصادر في الهامشين السابقين.

2- السيرة الحلبية ج2 ص147و 148 و (ط دار المعرفة) ج2 ص348 و 382 و 736 وج3 ص137 وراجع: فتح الباري ج6 ص90 وعمدة القاري ج14 ص233 وسبل الهدى والرشاد ج7 ص373.

٢٧٣

كان بعضهم ذكر: أن الراية قد اتخذت في واقعة خيبر(1) ، وسيأتي المزيد من الكلام حول هذا الموضوع في تلك المواضع إن شاء الله تعالى.

النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) لا يبدأ القتال:

وقد أمر النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) أصحابه في بدر أن لا يبدأوا عدوهم بقتال.. وهذا كان حال أمير المؤمنين(عليه‌السلام) في سائر حروبه، فإنه كان يأمر أصحابه أن لا يبدأوا أعداءه بقتال أيضاً..

فقد جاء أنه(عليه‌السلام) نادى في الناس يوم الجمل: لا يرمين رجل بسهم، ولا يطعن برمح، ولا يضرب بسيف، ولا تبدأوا القوم بالقتال، وكلموهم بألطف الكلام.

قال سعيد: فلم نزل وقوفاً حتى تعالى النهار؛ حتى نادى القوم بأجمعهم: يا ثارات عثمان إلخ..

وبذلك أيضاً أوصى(عليه‌السلام) أصحابه في صفين(2) .

____________

1- السيرة الحلبية ج2 ص147 و (ط دار المعرفة) ج3 ص137 و 140 وعمدة القاري ج14 ص233 وشرح السير الكبير للسرخسي ج1 ص71.

2- السنن الكبرى للبيهقي ج8 ص180 وحياة الصحابة ج2 ص503 عنه، وراجع: تذكرة الخواص ص72 و 91 والفتوح لابن أعثم ج3 ص45 وج2 ص490 وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص240 والمناقب للخوارزمي ص183 وكنز العمال ج11 ص338 وشرح إحقـاق الحق (الملحقـات) ج8 = = ص554 والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج1 ص67 و (تحقيق الشيري) ج1 ص91 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج9 ص111.

٢٧٤

وأوصى الإمام الحسين(عليه‌السلام) أصحابه في كربلاء.

وصار ذلك شعار الشيعة، حيث كانوا لا يبدأون أحداً بقتال، كما قال الجاحظ، وهو يتحدث عن كردويه الأقطع الأيسر (وهو من بطارقة سندان الشجعان)، وكان لا يضرب أحداً إلا حطمه، وكان إذا ضرب قتل:

"كان كردويه مع فتكه وإقدامه يتشيع؛ فكان لا يبدأ بقتال حتى يَبتدأ"(1) .

وبذلك يصبح البادىء بالقتال هو المعتدي والباغي. ويصبح المعتدى عليه معذوراً في الدفاع عن نفسه أمام الله وأمام العقلاء، وأمام وجدانه.

وما رميت إذ رميت:

وعن ابن عباس: في قوله تعالى:( وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللهَ رَمَى ) (2) قال: إن النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله) بأمر من جبرئيل قال لعلي(عليه‌السلام)

____________

1- البرصان والعرجان والعميان والحولان للجاحظ ص333.

2- الآية 17 من سورة الأنفال.

٢٧٥

: ناولني كفاً من حصباء (وفي رواية: عليه تراب)، فناوله كفاً من حصباء، فرمى به في وجوه القوم، فما بقي أحد إلا امتلأت عينه من الحصى.

وفي رواية: وأفواههم ومناخرهم.

ثم ردفهم المؤمنون يقتلونهم ويأسرونهم(1) .

عائشة تتشبه برسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله) :

وقد حاولت عائشة أن تتشبه برسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله) في هذا الأمر، فقالت في حرب الجمل: ناولوني كفاً من تراب، فناولوها، فحثت في وجوه أصحاب أمير المؤمنين(عليه‌السلام) ، وقالت: شاهت الوجوه، كما فعل رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله) بأهل بدر.

____________

1- المعجم الكبير للطبراني ج11 ص227 ومجمع الزوائد ج6 ص84 وزاد المسير ج3 ص226 وبحار الأنوار ج19 ص229 و 325 عن تفسير الثعلبي، ومناقب آل أبي طالب ج1 ص189 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص163 والدر المنثور ج3 ص175 وفتح القدير ج2 ص296 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص48 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص307 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص20 وتفسير مقاتل بن سليمان ج2 ص9 والبداية والنهاية ج3 ص347 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص435 وراجع: السيرة الحلبية ج2 ص167 وجامع البيان ج9 ص272 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص26.

٢٧٦

فقال أمير المؤمنين(عليه‌السلام) : وما رميت إذ رميت، ولكن الشيطان رمى، وليعودن وبالك عليك إن شاء الله تعالى(1) .

آيتان لم يعتبر الناس بهما:

ومن المناسب الإشارة هنا إلى ما يلي:

1 ـ إن ما فعله رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله) في أهل بدر كان ينبغي أن يترك أثره على قرار الحرب الذي اتخذوه ضد من لم تزل الآيات والمعجزات والكرامات الإلهية تظهر لهم فيه، وتدلهم على صدقه، ولزوم الإيمان به. وقصة رميه التراب في وجوههم واحدة منها.

فقد رأى المشركون بأعينهم، ولمسوا بأنفسهم كيف أن كفاً من تراب يدخل في عيون جيش بأكمله، وفي أفواههم ومناخرهم، ويملؤها، فإن هذا الأمر غير عادي..

ولنفترض: أن ذلك لم يقنع ذلك الجيش، ولم يجد فيه ما يثير أو ما يستهجن.. ولكن بعد أن تحقق ذلك النصر المؤزر، الذي لا يمكن تصديقه، بل ولا توهمه، لماذا لم يدركوا: أن هذا النصر بذاته معجزة إلهية تدعوهم إلى التخلي عن بغيهم وعنادهم وجحودهم؟!

ويزيد هذه المعجزة وضوحاً في دلالتها أن ثلاثة أرباع هذا النصر كان

____________

1- كتاب الجمل للمفيد ص347 ـ 348 و (ط مكتبة الداوري ـ قم) ص186 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص257 وقاموس الرجال للتستري ج12 ص303 وراجع: الفتوح لابن أعثم ج2 ص325 و (ط دار الأضواء) ج2 ص478.

٢٧٧

على يد رجل واحد هو علي بن أبي طالب(عليه‌السلام) .. مع أن هذا الرجل لم يسبق له أن خاض حروباً، أو قاد جيوشاً.. وها هو يقود جيشاً ليس فيه سوى فرس واحد، وليست هي لهذا القائد المنتصر، ولدى عدوه مئات الأفراس، وليس لدى جيشه سوى ثمانية دروع، في مقابل ست مئة دارع، وليس مع جيشه سوى ستة سيوف، ومع الباقين جريد نخل أو ما شابه.. وجيش عدوه مدجج بالسلاح، متخم بالإمكانات.

أما مواقع الجيشين فلا يحسد المسلمون على مواقعهم، لا سيما مع كونهم بالعدوة الدنيا، ومع عدم وجود ماء لديهم..

وكذلك الحال بالنسبة لتركيبة الحشد المقاتل لدى الطرفين، فإن الكثير من السلبيات المخيفة كانت مهيمنة على جيش أهل الإيمان، وكان يتوقع لها أن تترك آثاراً كبيرة وخطيرة.. في حين أن جيش الأعداء لم يكن يعاني من أي شيء من ذلك..

كل ذلك بالإضافة إلى الحاجة الملحة، والفقر والعدم الظاهر في هذا الجانب، والمفقود في الجانب الآخر.. وكل ذلك قد أوضحناه في كنابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم( صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، الجزء الخامس، في حرب بدر.

ومع ذلك كله يتحقق النصر الكبير والهائل على يد رجل واحد من هذا الجيش تقريباً، ألا وهو علي بن أبي طالب!! ألا يكفي ذلك لتكوين القناعة الراسخة لديهم بالرعاية الإلهية لهذا الدين ولأهله؟!

٢٧٨

2 ـ إن ما فعلته عائشة هو الآخر ينبغي أن يكون دليلاً للجيش الذي جاءت به على سقوط ما تدعيه، وعلى أنها ظالمة في حربها لعلي(عليه‌السلام) ، فإن التراب الذي ألقته لم يصل منه شيء إلى أحد من جيش علي.. في حين أن قول علي(عليه‌السلام) قد صدق في حقها، فقد قال: "وليعودن وبالك عليك إن شاء الله تعالى".. فقد هزمت هي وجيشها شر هزيمة.. وبقيت نادمة ونادبة، تبكي حظها وما جرى لها إلى إن ماتت..

وتلك دلالة أخرى كان على من عاش تلك الأحداث أن يستفيد منها، ويضمها إلى مثيلاتها من الدلائل والشواهد..

عائشة: فعل علي(عليه‌السلام) كفعل النبي( صلى‌الله‌عليه‌وآله) :

ونظرت عائشة إلى علي(عليه‌السلام) ، وهو يجول بين الصفوف في حرب الجمل، فقالت: انظروا إليه كأن فعله فعل رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله) يوم بدر، أما والله ما ينتظر بكم إلا زوال الشمس(1) ، وهكذا كان؟!

ومَنْ غير علي(عليه‌السلام) كان يتبع رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله) اتباع الفصيل إثر أمه؟!

إنه(عليه‌السلام) يرى أن هذه الحرب تقوم على أساس التغرير بالناس وخداعهم، ولم يكن(عليه‌السلام) يريد قتل الناس، ولا الإنتقام من أحد، بل كان(عليه‌السلام) يريد مجرد درء الفتنة، ورد الكيد.

____________

1- الفتوح لابن أعثم ج2 ص214 و (ط دار الأضواء) ج2 ص472 ومناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص341 وبحار الأنوار ج32 ص174.

٢٧٩

فإذا بدأت الحرب حين الزوال، وعضت الحرب أولئك البغاة بأنيابها، وجاءهم الليل بسرعة فسيُجْرون في هدأته حساباتهم بصورة أكثر دقة وواقعية، لأنهم يكونوا تذوقوا شيئاً من آلام الحرب، وعرفوا عملياً بعض الأثمان التي سيدفعونها من جراح وأرواح، فلا بد أن يعيد الكثيرون من هؤلاء الناس الذين غرر بهم النظر في قراراتهم السابقة، وسيندمون على الدخول في هذا المدخل، وبعد أن يجروا مقارنات بين الثمن الذي يدفعونه، وبين ما سيحصلون عليه، ويحققونه، سيظهر لهم أنهم هم الخاسر الأكبر، والمغبونون بجميع المقاييس: الدنيوية منها والدينية..

وربما ينصرف الكثيرون منهم عن مواصلتها، أو يحاولون إقناع غيرهم بإيجاد مخارج لها..

كما أن مجيء الليل سوف يسهل على من يحتاج إلى التخفي والإنسحاب، أن ينسل تحت جنح الظلام إلى الجهة التي يختارها..

ولعل ذلك كله وسواه هو بعض السر في أنه(عليه‌السلام) كان ينتظر زوال الشمس اقتداء منه بالرسول الأكرم( صلى‌الله‌عليه‌وآله) ..

كنا نتقي المشركين برسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله) :

ويصف علي(عليه‌السلام) لنا شجاعة رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله) في بدر، فيقول: لما كان يوم بدر اتقينا المشركين برسول الله( صلى‌الله‌عليه‌وآله) ، فكان أشد الناس بأساً، وما كان أحد أقرب إلى المشركين منه، أو

٢٨٠