الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٢
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 356
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 356
الفصل الثالث: حتى شعب أبي طالب..
علي(عليهالسلام) يقرأ ويكتب:
قد ذكروا: أن علياً(عليهالسلام) كان من السبعة عشر رجلاً من قريش، الذين كانوا حين دخل الإسلام يعرفون القراءة والكتابة بالعربية(1) .
ولكن اللافت هنا أمور:
أحدها: أن البلاذري قد وصف هؤلاء العارفين بالقراءة والكتابة بأنهم رجال، مع أن عمر علي(عليهالسلام) كان حين البعثة كما دلت عليه الروايات المعتبرة لا يزيد على عشر سنوات، كما سيأتي إن شاء الله تعالى، إلا إن كان قد عده في جملة الرجال على سبيل التغليب..
الثاني: إنه عد فيهم من دلت الشواهد على انه لم يكن يحسن القراءة، فضلاً عن الكتابة.. فإن عمر بن الخطاب مثلاً لم يكن ـ كما ورد في حديث اسلامه ـ يحسن القراءة(2) .
____________
1- فتوح البلدان (ط مكتبة النهضة المصرية ـ القاهرة) ج3 ص580 ومكاتيب الرسول ج1 ص102 وراجع: العقد الفريد ج4 ص157.
2- راجع كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم " صلىاللهعليهوآله" (الطبعة الخامسة) ج3 ص307 و (الطبعة الرابعة) ج3 ص177.
الثالث: إن أحداً لم يذكر لنا شيئاً عن الشخص الذي تعلم علي(عليهالسلام) القراءة والكتابة عنده. ولو كان ثمة من يعرف شيئاً من ذلك لسارع إلى إظهاره، ليطالب علياً(عليهالسلام) : بأن يعترف بهذا الجميل، وأن ينوه به، وأن يذكره بين الفينة والفينة.
والذي نراه هو أن الله سبحانه قد حبا هؤلاء الأصفياء من الأنبياء والأوصياء بالمنح والألطاف، والكرامات بحيث أغناهم عن الجلوس بين يدي المعلمين والمؤدبين سواء في القراءة والكتابة أو في غيرها..
وإذا كانت السيدة زينب عالمة (غير معلمة) فما بالك بأخي رسول الله، وباب مدينة علمه، وخير الخلق بعده؟!!
الخمس في مكة لعلي(عليهالسلام) :
ذكرت نصوص المناشدة: أن علياً(عليهالسلام) كان دون كل أحد يأخذ هو وفاطمة (عليهماالسلام ) الخمس في مكة.
فقد قال(عليهالسلام) لأهل الشورى التي جعلها عمر وسيلة لإيصال عثمان إلى الخلافة : "نشدتكم بالله، أفيكم أحد كان يأخذ الخمس مع النبي(صلىاللهعليهوآله) قبل أن يؤمن أحد من قرابته غيري، وغير فاطمة؟!
قالوا: اللهم لا"(1) .
____________
1- ترجمة الإمام علي )عليهالسلام ( من تاريخ ابن عساكر (بتحقيق المحمودي) ج3 ص90 وراجع ص95 وفي هامش ص88 و 89 مصادر كثيرة لحديث المناشدة، = = وراجع: مناقب الخوارزمي ص225 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص315 وفرائد السمطين ج1 ص322. وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص432 و 435 ونهج السعادة ج1 ص131 و 139 وكنز العمال ج5 ص725 وينابيع المودة ج2 ص344 وكتاب الولاية لابن عقدة ص177 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص30 وج15 ص685 وج31 ص324 وراجع: الأمالي للطوسي ص333 و 667 وبشارة المصطفى ص243 والطرائف لابن طاووس ص413 والموضوعات لابن الجوزي ج1 ص379 ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه الأصفهاني ص128 و 131 والدر النظيم ص331 وبناء المقالة الفاطمية ص412 وغاية المرام ج5 ص78 وج6 ص6 وسفينة النجاة للتنكابني ص362. وراجع أيضاً: الضعفاء الكبير ج1 ص211 وليس فيه كلمة: "قبل أن يؤمن أحد من قرابته" واللآلي المصنوعة ج1 ص362.
ولعلك تقول:
لماذا لم يعط حمزة أو جعفر من الخمس؟! فإنهما كانا مسلمين آنئذ؟!
ونجيب: بما تقدم: من أن إسلام جعفر وحمزة قد تأخر عن مطلع البعثة إلى مدة طويلة، ربما إلى ما بعد انذار العشيرة الأقربين. وسيأتي بعض الحديث عن ذلك حين الكلام عن مناشدات أمير المؤمنين(عليهالسلام) لأهل الشورى ، فلعل الخمس كان يعطى لعلي(عليهالسلام) قبل اسلام حمزة، وجعفر..
ولا يصح أن يجاب بأنه: لعل حمزة لم يكن بحاجة إلى الخمس، وكذلك
جعفر، على أنه قد ورد أن أبا طالب لم يكن بحاجة إلى المال آنئذٍ أيضاً، وقد كان هو ينفق على بني هاشم في الشعب.
إلى جانب أموال خديجة، التي كان يستفاد منها في هذا المجال.. ويكون حمزة وجعفرغنيين بما كان يقدمه لهما ابو طالب، أو خديجة أو كانا غنيين بالاستقلال..
نعم، لا يصح هذا الجواب، فإن علياً(عليهالسلام) يصرح بأنه قد أخذ هو وفاطمة الخمس قبل أن يسلم أحد من قرابة الرسول حتى جعفر "رضوان الله عليه".
وهذا دليل على تأخر إسلام جعفر وحمزة إلى ما بعد ولادة الزهراء(عليهاالسلام) ، أي بعد البعثة بخمس سنين. إلا أن يقال: المراد أنه هو أخذ الخمس من النبي(صلىاللهعليهوآله) ، ثم لما ولدت فاطمة صارت هي الأخرى تأخذ من الخمس.
أما بالنسبة لمصدر هذا الخمس أن فيمكن أن يكون هو النبي(صلىاللهعليهوآله) نفسه، أو من الركاز، أو غيرها.
كما أن خديجة التي كانت تملك أموالاً طائلة، وقد أسلمت في أول البعثة، يمكن أن تكون قد خمست أموالها، واستفاد علي(عليهالسلام) من هذا الخمس آنئذٍ.
القُضَم.. علي(عليهالسلام) :
قال ابن الأثير في مادة قضم: "ومنه حديث علي(عليهالسلام) : كانت
قريش إذا رأته قالت: احذروا الحطم، احذروا القضم، أي الذي يقضم الناس، فيهلكهم"(1) .
وعن ابن عباس، قال: لما نكل المسلمون عن مقارعة طلحة العبدري، (أي الذي كان من بني عبد الدار)، تقدم إليه أمير المؤمنين(عليهالسلام) ، فقال طلحة: من أنت؟!
فحسر عن لثامه، فقال: أنا القضم، أنا علي بن أبي طالب.
زاد في نص آخر قوله حكاية عن طلحة: قد علمت يا قضم أنه لا يجسر علي أحد غيرك(2) .
وحين قال النبي(صلىاللهعليهوآله) لعلي(عليهالسلام) في أحد: قدم الراية، تقدم(عليهالسلام) وقال: أنا أبو القصم (ولعل الصحيح: أبو القضم)(3) .
____________
1- النهاية لابن الأثير (ط المطبعة الحيدرية) ج3 ص293 و (ط مؤسسة إسماعيليان) ج4 ص78 وبحار الأنوار ج20 ص67 عنه، ومستدرك سفينة البحار ج8 ص538 ولسان العرب ج12 ص488.
2- بحار الأنوار ج35 ص60 وج20 ص50 عن تفسير القمي ج1 ص108 ـ 112 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص56 ـ 58 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص305.
3- تاريخ الخميس ج1 ص427. وراجع: الغدير ج7 ص205 والبدايـة والنهاية ج4 ص22 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص593 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص39 وجواهـر المطالـب لابن الـدمشقي ج2 ص119 وسبل الهـدى = = والرشاد ج4 ص194 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص19 وج18 ص82 وج23 ص552 وج30 ص149 و 150 وج32 ص356.
وروي عن أبي وائل شقيق بن سلمة قال: كنت أماشي عمر بن الخطاب، إذ سمعت همهمة، فقلت له: مه يا عمر!!
فقال: ويحك، أما ترى الهزبر، القضم ابن القضم، والضارب بالبهم، الشديد على من طغا وبغا، بالسيفين والراية؟!
فالتفت، فإذا هو علي بن أبي طالب(1) .
لماذا سمي بالقُضَم؟!:
وأما السبب في تسميته (عليهالسلام) بـ "القُضَم"، فقد رواه القمي " رحمهالله "، عن أبيه عن ابن أبي عمير، عن هشام، عن الصادق (عليهالسلام) : أنه سئل عن قول طلحة بن أبي طلحة لما بارزه علي (عليهالسلام) : يا قضم، قال:
إن رسول الله(صلىاللهعليهوآله) كان بمكة لم يجسر عليه أحد لموضع أبي طالب، وأغروا به الصبيان، وكانوا إذا خرج رسول الله يرمونه بالحجارة
____________
1- تفسير القمي ج1 ص114 وبحار الأنوار ج20 ص52 و 53 وج41 ص73 وراجع: مناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص383 وحلية الأبرار ج2 ص427 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص370 ومدينة المعاجز ج2 ص81.
والتراب.
وشكى ذلك إلى علي (عليهالسلام) ، فقال: بأبي أنت وأمي يا رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، إذا خرجت فأخرجني معك.
فخرج رسول الله(صلىاللهعليهوآله) ومعه أمير المؤمنين(عليهالسلام) ، فتعرض الصبيان لرسول اله(صلىاللهعليهوآله) كعادتهم، فحمل عليهم أمير المؤمنين(عليهالسلام) ، وكان يقضمهم في وجوههم، وآنافهم، وآذانهم.
فكان الصبيان يرجعون باكين، ويقولون: قضمنا علي، قضمنا علي، فسمي لذلك القضم(1) .
النبي(صلىاللهعليهوآله) يشكو لعلي(عليهالسلام) لا إلى أبي طالب:
عرفنا: أن النبي(صلىاللهعليهوآله) شكى ما يلقاه من صبيان المشركين إلى علي(عليهالسلام) ، لا إلى أبي طالب، ولا إلى حمزة، ربما لأنه(صلىاللهعليهوآله) لا يريد أن يدخل عليهما أي قدر من الأذى النفسي في أمر ليس باستطاعتهما مواجهته بصورة مباشرة..
يضاف إلى ذلك: أن من المتوقع في هذه الحال ـ لجوء أبي طالب إلى الآباء لمنع الأبناء من أذى النبي(صلىاللهعليهوآله) وهو قد يفسر على أنه
____________
1- تفسير القمي ج1 ص113 وبحار الأنوار ج20 ص52 عنه، وراجع: البرهان ج1 ص311.
تعبير عن الضعف والعجز، وربما يدعوهم ذلك إلى إذكاء هذه الحالة ضد رسول الله(صلىاللهعليهوآله) من جهات مختلفة تخولهم الإعتذار عن التدخل للمساعدة فيها..
بالاضافة إلى أن ذلك قد يعطيهم ذريعة للتمنن على أبي طالب، والظهور بمظهر المحسن والمتفضل، والحال أنهم هم في الحقيقة أساس البلاء، وذلك قد يفسح لهم المجال للتلاعب بأبي طالب، والتذاكي عليه وعلى الهاشميين، والشماتة بهم.
ولو أنه(صلىاللهعليهوآله) شكى لأبي طالب(عليهالسلام) ، وصدر من أبي طالب أمر لعلي(عليهالسلام) ولغيره من أبناء بني هاشم بالمقابلة بالمثل، فإن ذلك سيضع أبا طالب موضع الملوم، بدعوى أنه يتصرف بصورة لا تليق بمقامه، ويأمر بما لا يتوقع من مثله الأمر به.. في حين أن المشركين لا يعترفون بأنهم هم الذين أغروا الصبيان بأذى أحد..
خذني معك:
وكل ما ذكرناه يعطي: أنه لا بد أن يترك القرار الحاسم لأهله، وليس هو إلا علي، ذلك الإنسان الإلهي الذي يراه الناس صغيراً.. وهو الكبير الكبير، الذي لا تستطيع أوهامهم أن تلامس أدنى شوامخه.. وليكن القرار من صبي ـ بنظرهم ـ عرفوا عنه أنه يقرر وينفذ، كل ما يراه حقاً وصواباً، ولا يتراجع ولا يتوقف عن العمل بالحق، حتى لو عارضه فيه الشيوخ والكبار من قومه أو من غيرهم.. فلا يمكنهم اتهام أي كان من الناس بأنه أغرى علياً في أمر لم يدرك علي صوابه من خطأهِ، فبادر إلى ما أغري به..
وهكذا كان.. فقد قال علي(عليهالسلام) لرسول الله(صلىاللهعليهوآله) : خذني معك، ولم يخبر رسول الله(صلىاللهعليهوآله) بتفصيل ما صمم عليه..
ويأخذه(صلىاللهعليهوآله) معه.. ويواجه طغيان الصبيان، فلا يقابلهم بالمثل أي برميهم بالتراب والحجارة، إذ يمكنهم حشد الكثيرين الذين يمكن أن يتوزعوا فرقاً، ثم ليتصدى فريق منهم لعلي(عليهالسلام) ، ويتولى الفريق الآخر إيذاء رسول الله(صلىاللهعليهوآله) بالحجارة والتراب، بل قرر أن يحسم الأمر، وأن يفهم أولئك الصبيان وآباءهم أن ثمرة عملهم هو لحوق الأذى بكل واحد منهم بشخصه، وأن الأمر لن يكون مجرد مراماةٍ بالتراب والحجارة، تصيب أو لا تصيب، أو تؤلم أو لا تؤلم، بل ثمة ألم حقيقي لكل فرد منهم لا نجاة لهم منه، من دون أن يكون لهم قدرة على المقابلة بالمثل.
أبو ذر في ضيافة علي(عليهالسلام) :
ويقولون: إن أبا ذر "رحمهالله " كان رابع أو خامس من أسلم(1) ،
____________
1- دلائل النبوة للبيهقي ج1 ص458 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 قسم1 ص164 وحلية الأولياء ج1 ص157 ومستدرك الحاكم ج3 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج1 ص313 والإصابة ج4 ص63 وأسد الغابة ج5 ص186 و (ط دار الكتاب العربي) ج1 ص301 والبداية والنهاية ج7 ص185 والغدير ج8 ص308 ـ 309 عن بعض من تقدم، وعن شرح الجامع الصغير للمناوي ج5 ص423. والمجموع للنووي ج2 ص76 وج4 ص35 وشرح مسلم للنووي ج2 ص51 وعمـدة القـاري ج1 ص205 ومستدرك = = سفينة البحار ج3 ص435 وراجع: الإحتجاج ج1 ص231 وبحار الأنوار ج27 ص319 وج31 ص276 والفوائد الرجالية ج2 ص152 وتقريب المعارف ص268 والدرجات الرفيعة ص225 وتذكرة الحفاظ ج1 ص17 وسير أعلام النبلاء ج2 ص46 وشيخ المضيرة أبو هريرة ص223 والسيرة الحلبية ج3 ص109.
حيث إنه سمع بمبعث النبي(صلىاللهعليهوآله) ، فأرسل أخاه ليستقصي له الخبر، فرجع إليه، ولم يشف له غليلاً.
فذهب إلى مكة بنفسه، فكره أن يسأل عن النبي(صلىاللهعليهوآله) علانية، فاضطجع في ناحية المسجد الحرام، فرآه علي(عليهالسلام) ، فعرف أنه غريب، فدعاه إلى بيته، فاستضافه ثلاثة أيام لا يسأله عن شيء.
ثم سأله أبو ذر عن رسول الله(صلىاللهعليهوآله) فاقترح عليه أمير المؤمنين(عليهالسلام) أن يتبعه أبو ذر، فإن رأى ما يخاف منه عطف كأنه يريد أن يقضي حاجة، أو يصلح نعله..
فأوصله (عليهالسلام) إلى النبي (صلىاللهعليهوآله) وأسلم أبو ذر، فخرج إلى المسجد الحرام، فأعلن إسلامه، فضربوه حتى اضجعوه.
فأتى العباس فأكب عليه، وقال: ويحكم ألستم تعلمون أنه من غفار، وإنها طريق تجارتكم إلى الشام؟! فتركوه..
وعاد في اليوم التالي فصنع مثلما صنع في اليوم الأول، فخلصه العباس أيضاً(1) .
ونقول:
قد تحدثنا عن بعض ما يرتبط بهذه الحادثة في كتابنا الصحيح من سيرة النبي (صلىاللهعليهوآله) ولذلك فنحن نكتفي هنا بتسجيل ما يلي:
1ـ دلت هذه الرواية على أن الناس قد تأخروا كثيراً في قبول الإسلام، حيث علمنا: أن خديجة وعلياً وجعفراً (عليهمالسلام) كانوا أسبق الناس إلى الإسلام، فإذا كان أبو ذر رابع من أسلم، فذلك يعني أن أحداً لم يدخل
____________
1- هذا ملخص ما في البخاري (ط سنة 1309هـ) ج2 ص206 ـ 207 و (ط دار الفكر) ج4 ص241 والبداية والنهاية ج3 ص34 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج3 ص46 وحلية الأولياء ج1 ص159 ومستدرك الحاكم ج3 ص339 والغدير ج8 ص309 ـ 310 عن بعض من تقدم، وصحيح مسلم ج7 ص155 و 156 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج4 ص63 و (ط دار الجيل) ج4 ص1652 ـ 1653 ودلائل النبوة لأبي نعيم ج2 ص86 والطبقات الكبرى لابن سعد ج4 قسم1 ص161 ـ 162 و 164 ـ 165 والإصابة ج4 ص63 و (ط دار الكتب العلمية) ج7 ص106 وعمدة القاري ج17 ص2 والدرجات الرفيعة ص228 وأسد الغابة ج5 ص187 وإمتاع الأسماع ج4 ص370 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص447 وسبل الهدى والرشاد ج2 ص314 و 315 والسيرة الحلبية ج1 ص451 ـ 452.
بعد هؤلاء في الإسلام إلى ما بعد سنوات، أي إلى أن طار خبر بعثة النبي(صلىاللهعليهوآله) في البلاد، وبلغ بني غفار الذين كانوا يسكنون قرب المدينة، ثم أرسل أبو ذر أخاه إلى مكة ليستطلع الأمر، ثم عاد إليه، فلم يجد أبو ذر عنده ما يشفي غليله، ثم سافر أبو ذر إلى مكة وبقي أياماً حتى وصل إلى رسول الله(صلىاللهعليهوآله) وأسلم على يديه.
فإن هذا لو فرض أنه قد تواصل واستمر، فهو يحتاج إلى المسير الجاد ذهاباً وإياباً حوالي شهر ونصف.
فإذا أضيف إلى ذلك أن الرواية تذكر ما يدل على أن مجيئ أبي ذر إلى مكة قد حصل حيث كان النبي(صلىاللهعليهوآله) في وضع صعب، وكان الإتصال به يحتاج إلى تخف وتستر، مما يعني أن العداوات كانت قد ظهرت بين المشركين والمسلمين، وهو يدل على أن إسلام أبي ذر قد حصل ربما حين كان النبي في دار الأرقم أو بعد ذلك. وأن أحداً لم يسلم طيلة هذه المدة، لكي يصح أن يكون أبو ذر رابع من أسلم.
ولعل هذا يفسر لنا عدم استجابة أحد لرسول الله(صلىاللهعليهوآله) في حديث:( وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الأَقْرَبِينَ ) ، حتى حمزة وجعفر (عليهماالسلام ).
وهذا كله يؤذن بوجود فاصل زمني طويل، يمتد إلى ثلاث أو أربع سنوات فيما بين إسلام أبي ذر، وبين تاريخ بعثة الرسول( صلىاللهعليهوآله) .
ويكون إسلامه الذي أعلنه وفق هذه الطريقة، التي تحدثت عنها رواية اسلامه بداية عهد جديد، جرأ الناس على الدخول في هذا الدين، والمباهاة
به، وتحدي المشركين فيه.
فما يدعى من سبق أبي بكر وغيره إلى الإسلام وأنه سبق علياً أو قاربه ليست له أدنى درجة من المقبولية أو المعقولية.
2 ـ إن سن علي (عليهالسلام) في أول البعثة كان لا يتجاوز العشر سنوات، والمفروض أنه لا يملك لنفسه بيتاً مستقلاً يستضيف به الغرباء، الأمر الذي يعني أنه قد دعا أبا ذر إلى منزل أبيه أبي طالب صلوات الله عليه.. أو فقل إلى المكان المخصص له من قبل رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، أو من قبل والده العظيم..
وقد اتضح من هذه الحادثة أن تصرفات أمير المؤمنين(عليهالسلام) في صغره كانت ملزمة لوالده، ولم يكن يعترض عليه حتى حين يدعو الغرباء إلى بيته لينزلهم فيه، لا يوماً واحداً وحسب، وإنما ثلاثة أيام.
وهذا التصرف لا يقبل عادة ممن كان في سن علي (عليهالسلام) ، الأمر الذي يشير إلى امتياز ظاهر له على من سواه وعلى مكانته (عليهالسلام) المتميزة لدى أبيه، ومدى ثقته به وبحصافة رأيه، وعلى أنه " رحمهالله " كان يحترم له هذا التصرف النبيل، ويقدر فيه هذا الخلق الجميل.
3ـ إن عنصر السرية الذي اعتمده (عليهالسلام) في أسلوب إيصال أبي ذر إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله) ، يدل على دراية وروية، وتبصر وتدبر للأمور.
وقد وثق أبو ذر بهذا الفتى اليافع، ومنحه كل حبه واحترامه.. وأدرك أنه فتى المهمات الصعبة، منذ أن دعاه ليكون في ضيافته ثلاثة أيام، ثم زاد
إكباره له، وهو يقترح عليه هذا الأسلوب الحكيم.. الذي لا يصدر إلا من أعقل العقلاء، ومن أهل التبصر والحكمة، والروية والتدبير.
4 ـ إن هذا الأسلوب الذي اقترحه(عليهالسلام) من شأنه أن يحفظ أبا ذر، ويحفظ من خلاله الدعوة نفسها من أن تتعرض للأذى وللحصار، من خلال تهديد أمن وسلامة من يسعى للوصول إلى صاحبها للتعرف عليه، والإستفادة منه إيماناً، ومعرفة، ووعياً، وإلتزاماً.
5 ـ إن عدم سؤال علي(عليهالسلام) أبا ذر عن شأنه مدة ثلاثة أيام.. ربما لكي لا يشعر أبو ذر أن مضيفه قد مل وجوده. كما أنه يريد له أن يأنس في هذا البلد، وتذهب وحشة الغربة عنه، ويرتاح نفسياً كما ارتاح جسدياً.. وليكون من ثم اكثر طمأنينة، وأنفذ بصيرة في بيان حاجته، وأعرف بالمسالك التي توصله إليها. وبالأسباب التي تمكنه من الحصول عليها..
علي(عليهالسلام) يتوسط لزيد بن حارثة:
قال الحلبي الشافعي: "ذكر مقاتل: أن زيد بن حارثة لما أراد أن يتزوج زينب جاء إلى النبي ( صلىاللهعليهوآله) ، وقال: يا رسول الله اخطب عليَّ.
قال له: من؟!
قال: زينب بنت جحش.
قال: لا أراها تفعل. إنها أكرم من ذلك نفساً.
فقال: يا رسول الله، إذا كلمتها أنت، وقلت: زيد أكرم الناس عليَّ، فعلت.
فقال( صلىاللهعليهوآله) : إنها امرأة لسناء.
فذهب زيد "رضي الله تعالى عنه" إلى علي (عليهالسلام) ، فحمله على أن يكلم له النبي ( صلىاللهعليهوآله) .
فانطلق معه إلى النبي(صلىاللهعليهوآله) فكلمه، فقال: إني فاعل ذلك، ومرسلك يا علي إلى أهلها فتكلمهم، ففعل. ثم عاد بكراهتها، وكراهة أخيها ذلك.
فأرسل إليهم النبي(صلىاللهعليهوآله) يقول: قد رضيته لكم، وأقضي أن تُنكحوه. فأنكحوه، وساق لهم عشرة دنانير الخ.."(1) .
ونقول:
أولاً: إن من غير المعقول أن يتحدث النبي الأعظم (صلىاللهعليهوآله) بمنطق الطبقية والاستعلاء على هذا النحو، فإن المعايير التي جاء بها الإسلام، والقرآن، ومنها قوله تعالى: ( إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللهِ أَتْقَاكُمْ) (2) لا تسمح بهذا، فإن زيداً لم يكن يعاني من أي نقص، أو عيب، لا في نفسه، ولا في دينه، ولا في خلقه، بل هو قد حاز شرف الإنتساب للإسلام، ولرسول الله ( صلىاللهعليهوآله) ، وترك أهله وأباه، ورضي بأن يتبرأ أبوه منه حباً برسول الله ( صلىاللهعليهوآله) ..
ورسول الله(صلىاللهعليهوآله) هو القائل: "إذا جاءكم من ترضون
____________
1- السيرة الحلبية ج3 ص320.
2- الآية 13 من سورة الحجرات.
دينه وخلقه فزوجوه، وإلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير"(1) .
وقرر: أن معيار الكفاءة في النكاح هو الإسلام والإيمان.
ثانياً: إن هذا يعارض ما رووه، من أنها أرسلت إلى النبي (صلىاللهعليهوآله) تستشيره في أمر زواجها. بعد أن خطبها عدة أشخاص من صحابته ( صلىاللهعليهوآله) .
فقال ( صلىاللهعليهوآله) : أين هي ممن يعلمها كتاب ربها، وسنة نبيها؟! (2) .
ثالثاً: إذا كان النبي(صلىاللهعليهوآله) يريد لها أن تتزوج بمن تختاره، ويعلم أنها لا تختار زيداً، وكان ذلك هو سبب امتناعه عن تلبية طلب زيد بأن يخطبها له، فلماذا أقدم على إرسال علي(عليهالسلام) إليها، ليطلبها لزيد بالذات؟! فإنه لم يتغير شيء من ذلك قبل توسط علي(عليهالسلام) وبعده.
____________
1- الدر المنثور ج1 ص257 والثقات ج5 ص499 وتهذيب الكمال ج9 ص355 وكنز العمال ج16 ص318 وإعانة الطالبين ج3 ص308 وسبل الهدى والرشاد ج9 ص47 وأحكام القرآن للجصاص ج1 ص487 وج3 ص413 وإيضاح الفوائد ج3 ص23 والمعجم الأوسط ج1 ص142 وغوالي اللآلي ج3 ص340 ونيل الأوطار ج6 ص361 والمجموع ج16 ص183 ـ 188.
2- مجمع الزوائد ج9 ص246 والمعجم الكبير ج24 ص39 وسنن الدارقطني ج3 ص208 والدر المنثور ج5 ص208 وتاريخ مدينة دمشق ج50 ص231.
وإن كان يريد فرض الزواج عليها بزيد، فلماذا أرجعه خائباً في المرة الأولى، ثم استجاب له بعد توسط علي(عليهالسلام) ؟!
تحطيم الأصنام قبل الهجرة:
عن علي(عليهالسلام) ، قال: دعاني رسول الله( صلىاللهعليهوآله) ، وهو بمنزل خديجة(عليهاالسلام) ذات ليلة، فلما صرت إليه قال: اتبعني يا علي..
فما زال يمشي وأنا وراءه، ونحن نخترق بيوت مكة حتى أتينا الكعبة، وقد أنام الله كل عين، فقال لي رسول الله( صلىاللهعليهوآله) : يا علي.
قلت: لبيك يا رسول الله.
قال: إصعد يا علي فوق كتفي، وكسّر الأصنام.
قلت: بل أنت يا رسول الله، إصعد فوق كتفي.
قال: بل أنت إصعد يا علي.
ثم انحنى( صلىاللهعليهوآله) ، فصعدت على كتفه، فأقبلت (ولعل الصحيح: فقلبت) الأصنام على رؤوسها، ونزلت، وخرجنا من الكعبة شرفها الله تعالى، حتى أتينا منزل خديجة(عليهالسلام) ، فقال لي: يا علي، إنه أول من كسّر الأصنام جدك إبراهيم(عليهالسلام) ، ثم أنت يا علي آخر من كسّر الأصنام.
قال: فلما أصبحوا أهل مكة، وجدوا الأصنام منكسة، مقلوبة على رؤوسها، فقالوا: ما فعل هذا بآلهتنا إلا محمد، وابن عمه.
ثم لم يقم بعدها في الكعبة صنم(1) .
____________
1- إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص689 عن ابن حسنويه في درر بحر المناقب، وليراجع ص680 ـ 687 عن مصادر كثيرة، وتاريخ بغداد (ط القاهرة) ج13 ص302 وفرائد السمطين ج1 ص249 و 250 ونظم درر السمطين ص125 ومسند أحمد ج1 ص84 وموضح أوهام الجمع والتفريق ج2 ص432 وكنز العمال ج15 ص151 والمناقب لابن المغازلي ص202 و 429 وترجمة الإمام علي "عليهالسلام " من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج1 ص327 وبحار الأنوار ج38 ص76 وجمع الفوائد ج2 ص26 وتذكرة الخواص ج1 ص247 وراجع هامشه، فقد أشار إلى مصادر كثيرة.
وراجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص236 عن ابن أبي شيبة، والحاكم، وتاريخ الخميس ج2 ص86 عن الطبراني، وأحمد، والترمذي، والصالحاني، والتبصرة لابن الجوزي ص442 ومناقب الأخيار ص3 ومستدرك الحاكم ج3 ص5 وج2 ص366 و 367 وتلخيص المستدرك بهامشه، والمصنف لابن أبي شيبة ج14 ص488 والسيرة الحلبية ج3 ص86 عن خصائص العشرة للزمخشري وبدايع الأمثال ص148 وينابيع المودة ص139 و 420 والمناقب للخوارزمي ص71 و 73 وخصائص الإمام علي "عليهالسلام " للنسائي (ط التقدم بمصر) ص225 و 31 وصفة الصفوة ج1 ص119 ومجمع الزوائد ج6 ص23 و 24 عن أبي يعلى والبزار، ومفتاح النجا ص27 وذخائر العقبى (ط مكتبة القدس) ص85 ومنتخب كنز العمال ج5 ص54 وتفريح الأحباب ص316 وبذل القوة للسندي الحنفي ص224 وغالية المواعظ ج2 ص88.