الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٢
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 356
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 356
ونقول:
إن هذا الحديث ظاهر الدلالة على أن هذا الحدث قد حصل قبل الهجرة، وقد أشبها صلوات الله وسلامه عليهما أباهما إبراهيم الخليل(عليهالسلام) ، حين حطم في الخفاء أصنام قومه، فلما أصبحوا قالوا: من فعل هذا بآلهتنا؟!
وهذه هي نفس الكلمة التي قالها المكيون حين رأوا ما جرى لأصنامهم..
لماذا التعرض لأصنامهم سراً؟!:
وقد يسأل سائل عن سبب هذا التعرض للأصنام سراً، مع العلم بأن ذلك لا يجدي شيئاً، لأنهم سوف يعيدونها كما كانت، ولربما يكون ذلك سبباً في إصرارهم على غيهم، وعلى نصرة أصنامهم، وتعلقهم بها، والتشدد في المحافظة عليها..
ونجيب:
بأن المقصود هو تقديم العبرة لهم بصورة حية وعملية، ليروا بأم أعينهم كيف أن الأصنام لا تستطيع أن تدفع عن أنفسها، فكيف يمكنها أن تدفع الأسواء عن غيرها.
فما يدعي لها من قدرات، وآثار، ما هي إلا أباطيل وأضاليل، وترهات.
وهذا البرهان ليس مجرد معادلة ذهنية، وافتراضات تجريدية، بل هو عمل جوارحي مباشر، يجري على الأصنام نفسها، لكي يقطع دابر أي تعلل أو تمحل للأعذار، فلا يزعم زاعم أن الأسواء قد انتابت غيرها ولعلها لم تنتصر له، لأنها كانت غاضبة عليه.
وهذا هو نفس الدرس الذي أراد إبراهيم(عليهالسلام) لقومه أن يفهموه ويعوه، حين كاد أصنامهم.
وقول قوم إبراهيم في السابق، وأهل مكة في اللاحق: من فعل هذا بآلهتنا يمثل إعترافاً صريحاً بأن ثمة من هو أقوى من أصنامهم، وهو إقرار بعجزها عن الدفع عن نفسها، وحاجتها إلى غيرها ليحميها منه.
وكان المشركون قد سمعوا من النبي(صلىاللهعليهوآله) تسفيه أحلامهم، ورفضه لأصنامهم، وبيان أنها لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، وقد نزل القرآن بتقبيح وإدانة عبادتهم لها.
لم يقم بعدها في الكعبة صنم:
ويبقى أن نشير إلى ما ذكره في آخر هذه الرواية، من أنه لم يقم بعدها في الكعبة صنم يحتاج إلى توضيح، فإنه لا ينسجم ـ في ظاهره ـ مع القول: بأن تحطيم الأصنام كان في فتح مكة.
وقد يكون الجواب الأوضح عن ذلك أن يقال: إن الذي حطمه النبي(صلىاللهعليهوآله) وعلي(عليهالسلام) قبل الهجرة هو تلك الأصنام التي كانت في جوف الكعبة، بقرينة قوله: "خرجنا من الكعبة، ولم يقم بعدها صنم في جوف الكعبة..".
والتي حطمت يوم الفتح هي تلك الأصنام التي كانت منصوبة فوقها، أو عندها كما تشير التعبيرات الكثيرة الواردة في النصوص المتقدمة.
ويبدو أن بعض تلك الأصنام كان معلقاً في أعلى نقطة في جوف
الكعبة، فاحتاج في تنكيسه إلى أن يصعد على كتفي النبي(صلىاللهعليهوآله) ليتمكن منها..
علي(عليهالسلام) في حديث المعراج:
ذكرنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم(صلىاللهعليهوآله) أن المعراج قد حصل في السنة الثالثة من البعثة ـ كما روي عن علي(عليهالسلام) (1) . وقد ذكرنا دلائل ذلك في كتابنا المشار إليه(2) .
وعرفنا آنفاً: أن أبا ذر كان رابعاً في الإسلام، مع أنه قد أسلم بعد أن تأزمت الأمور بين النبي(صلىاللهعليهوآله) وبين قريش، وحيث كان الإتصال به تكتنفه المخاطر والأهوال، كما أن من يعلن إسلامه يتعرض للضرب الشديد الذي لا يرفعه عنه إلا خوف قريش على قوافل تجارتها إلى الشام فأنها كانت تمر على قوم أبي ذر بالقرب من المدينة.
وإذا أضفنا هذا الأمر إلى العديد من الدلائل والشواهد على تأخر إسلام أبي بكر إلى ما بعد السنة الخامسة أو السادسة من البعثة(3) ، فإن ذلك يدلنا على عدم صحة ما روي من أن ملكاً كان يكلم رسول الله "(صلىاللهعليهوآله) "
____________
1- بحار الأنوار ج18 ص379 والخرائج والجرائح ج1 ص141.
2- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلىاللهعليهوآله " (الطبعة الرابعة) ج3 ص10 و (الطبعة الخامسة) ج3 ص94.
3- ذكرنا ذلك في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم" صلىاللهعليهوآله " (الطبعة الرابعة) ج4 ص324 ـ 330 و (الطبعة الخامسة) ج3 ص53 ـ61.
في معراجه بصوت أبي بكر(1) .
والصحيح: أنه كلَّمه بلغة علي(عليهالسلام) .
فعن ابن عمر قال: سمعت النبي(صلىاللهعليهوآله) وقد سئل: بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج؟!
قال: خاطبني ربي بلغة علي بن أبي طالب، وألهمني أن قلت: يا رب خاطبتني أنت أم علي؟!
فقال: يا محمد، أنا شيء لا كالأشياء، ولا أقاس بالناس، ولا أوصف بالشبهات. خلقتك من نوري، وخلقت علياً من نورك، واطلعت على سرائر قلبك، فلم أجد في قلبك أحب إليك من علي بن أبي طالب، فخاطبتك بلسانه، كيما يطمئن قلبك(2) .
____________
1- المواهب اللدنية ج2 ص29 و 30 وروح البيان لإسماعيل البروسوي في تفسير سورة الإسراء، وتنوير الأذهان للمسعودي شرح سورة الإسراء، والغدير ج7 ص293 عن عمدة التحقيق ص154 والعهود المحمدية للشعراني ص685 والفتوحات المكية لابن عربي ج3 ص157 وج3 ص342 وراجع: الدر المنثور ج4 ص155 وراجع ص154.
2- راجع: المناقب للخوارزمي ص78 وينابيع المودة ج1 ص246 و 247 ومقتل الحسين للخوارزمي (ط الغرى) ص42 وأرجح المطالب (ط لاهور) ص507 والمناقب المرتضوية (ط بمبئي ـ الهند) ص104 وبحار الأنوار ج18 ص386 والصـافي ج3 ص177 وكشف الغمـة ج1 ص103 وشرح إحـقـاق الحـق = = (الملحقات) ج5 ص251 وج23 ص141 والطرائف لابن طاووس ص155 وكشف اليقين ص227.
كما أن الصحيح هو: ما روي عن أبي الحمراء، من أن رسول الله(صلىاللهعليهوآله) قال: لما أسري بي إلى السماء إذا على العرش مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أيدته بعلي(عليهالسلام) (1) .
____________
1- تاريخ الخميس ج1 ص313 ومجمع الزوائد ج9 ص121 والمعجم الكبير للطبراني ج22 ص200 وكنز العمال ج11 ص624 وتفسير أبي حمزة الثمالي ص186 و 187 وشواهد التنزيل ج1 ص297 و 298 وراجع 293 و 394 والدر المنثور ج4 ص153 وبشارة المصطفى ص405 والشفا لعياض ج1 ص174 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص92 وينابيع المودة ج1 ص69 و 282 ومستدركات علم رجال الحديث ج8 ص367 ومناقب الإمام أمير المؤمنين "عليهالسلام " للكوفي ج1 ص240 و 244 و 210 وقاموس الرجال للتستري ج11 ص295 والأمالي للصدوق ص284 وشرح الأخبار ج1 ص210 وج2 ص380 و وبحار الأنوار ج27 ص2 وج36 ص53 وراجع: ص321 و 325 و 332 و 348 و 355 و 390 وج38 ص345 والثاقب في المناقب ص118 والغدير ج2 ص50 والموضوعات لابن الجوزي ج1 ص14 وتهذيب الكمال ج33 ص260 وغاية المرام ج4 ص303 والأربعون حديثاً لمنتجب الدين ابن بابويه ص66 والعمدة لابن البطريق ص171 والفضائل لشاذان ص167 والجـواهـر السنية للحر العامـلي ص293 وراجع ص280 و 281 و 285 ومدينة المعاجز ج2 ص393 = = وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص142 وج14 ص587 وج16 ص488 و 490 وج22 ص495 و 496 وج31 ص76 وراجع: كفاية الأثر ص74 و 185 و 217 و 244 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص254 ولسان الميزان ج1 ص457 وج2 ص268 و 484 وميزان الاعتدال ج2 ص76 والصراط المستقيم ج1 ص294 وج2 ص117 وضعفاء العقيلي ج1 ص33 وج2 ص86 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص336 وج47 ص344.
لا ما روي من ذلك في حق أبي بكر(1) .
وعن النبي(صلىاللهعليهوآله) أنه قال: لما أسري بي إلى السماء لقيتني الملائكة بالبشارة في كل سماء، حتى لقيني جبرائيل في محفلٍ من الملائكة، فقال: يا محمد، لو اجتمع أمتك على حب علي بن أبي طالب ما خلق الله النار(2) .
____________
1- راجع الروايات التي ذكرت فضائل أبي بكر في الإسراء والمعراج، وقد حكم عليها العلماء بالوضع في ميزان الإعتدال ج3 ص609 وج2 ص117 واللآلي المصنوعة ج1 ص296 و 297 و 309 ولسان الميزان ج5 ص235 وتهذيب التهذيب ج5 ص138 وتاريخ بغداد ج11 ص204 وج3 ص63والغدير ج5 ص303 ومجمع الزوائد ج9 ص41 وتذكرة الموضوعات ص93 والوضاعون وأحاديثهم ص363.
2- ينابيع المودة ج2 ص290 ومودة القربى ص20 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج7 ص151 وج17 ص240 وج21 ص273 ونوادر المعجزات ص75 والأمالي للطوسي ص642 ومدينة المعاجز ج1 ص87 وبحار الأنوار ج18 ص388 وج40 ص35.
وعن أبي هريرة، عنه( صلىاللهعليهوآله) : لما أسري بي في ليلة المعراج، فاجتمع عليَّ الأنبياء في السماء، فأوحى الله تعالى إلي: سلهم يا محمد: بماذا بعثتم؟!
فقالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله وحده، وبنبوتك، والولاية لعلي بن أبي طالب(1) .
علي(عليهالسلام) الصديق الأكبر:
وعن النبي(صلىاللهعليهوآله) قال:
"قال لي ربي ليلة أسري بي: من خلفت على أمتك يا محمد.
قال: قلت: أنت أعلم يا رب.
قال: يا محمد، إني انتجبتك برسالتي، واصطفيتك لنفسي، وأنت نبيي وخيرتي من خلقي. ثم الصديق الأكبر، الطاهر المطهر، الذي خلقته من
____________
1- ينابيع المودة ج2 ص246 عن الحافظ أبي نعيم، والعمدة لابن البطريق ص352 والطرائف لابن طاووس ص101 والصراط المستقيم ج1 ص244 ومستدرك سفينة البحار ج4 ص408 وخصائص الوحي المبين ص170 وطرائف المقال ج2 ص299 ونهج الإيمان ص506 ومنهاج الكرامة ص130 وغاية المرام ج3 ص55 وبحار الأنوار ج36 ص155 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج3 ص144 وج4 ص238 وج7 ص129 والإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " للهمداني ص73 ونهج الحق ص183 وإلزام النواصب لمفلح بن راشد ص138.
طينتك، وجعلته وزيرك، وأبا سبطيك، السيدين الشهيدين، الطاهرين المطهرين، سيدي شباب أهل الجنة. وزوجته خير نساء العالمين. أنت شجرة، وعلي أغصانها، وفاطمة ورقها، والحسن والحسين ثمارها. خلقتكم (خلقتهما) من طينة عليين، وخلقت شيعتكم منكم، إنهم لو ضربوا على أعناقهم بالسيوف ما ازدادوا لكم إلا حباً.
قلت: يا رب، ومن الصديق الأكبر؟!
قال: أخوك علي بن أبي طالب"(1) .
ويبدو لنا: أن هذا قد حصل في معراج آخر لرسول الله( صلىاللهعليهوآله) ، وقد حصل بعد الهجرة بسنوات.
وقد أكد أمير المؤمنين في روايات كثيرة صحيحة، وكذلك النبي الكريم(صلىاللهعليهوآله) على أنه(عليهالسلام) وحده الصديق، وأن لا صحة لما يقال أنه أبوبكر.. وقد ذكرنا طائفة من هذه الأحاديث ومصادرها الكثيرة في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم( صلىاللهعليهوآله) (2) .
____________
1- مسند شمس الأخبار للقرشي ج1 ص89 ومسند زيد بن علي ص405 والغدير ج2 ص313 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج22 ص200 وشرح الأخبار ج2 ص490.
2- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلىاللهعليهوآله " (الطبعة الرابعة) ج4 ص45 ـ 50 و (الطبعة الخامسة) ج4 ص228 ـ 233.
الفاروق علي(عليهالسلام) أيضاً:
وقد ذكرت الأخبار أيضاً: أن علياً(عليهالسلام) هو فاروق هذه الأمة(1) ، وأما عمر بن الخطاب، فأهل الكتاب هم الذين سموه بالفاروق(2) .
____________
1- راجع: المصدر السابق.
2- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلىاللهعليهوآله " (الطبعة الرابعة) ج3 ص177 و (الطبعة الخامسة) ج3 ص306.
الفصل الرابع : تضحيات علي(عليهالسلام) في شعب أبي طالب
علي(عليهالسلام) في شعب أبي طالب:
وحين اشتد الأمر، وصعَّدت قريش من تحديها لرسول الله(صلىاللهعليهوآله) وبني هاشم، وقطعت عنهم الأسواق، بهدف قطع الأرزاق، فلا يتركون لهم طعاماً يقدم مكة، ولابيعاً إلا بادروهم إليه، يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم الرسول( صلىاللهعليهوآله) (1) .
وكانوا يتهددون من يبيعهم شيئاً بنهب أمواله، أو بمقاطعة تجارته.
نعم حين بلغت الأمور إلى هذا الحد، أمر أبو طالب(عليهالسلام) بني هاشم وبني عبد المطلب بدخول الشعب المعروف بشعب أبي طالب، وذلك في سنة سبع، حفظاً لهم من أن يتعرضوا لأي تحدٍ خطير يدفع بالأمور إلى حد الكارثة.
ووضعت قريش عليهم الرقباء حتى لا يأتيهم أحد بطعام. وكان المسلمون ينفقون من أموال خديجة، وأبي طالب، حتى نفدت، أو نفذ منها ما كان يمكنهم
____________
1- البداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج3 ص105 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص44 والنزاع والتخاصم ص67 وسبل الهدى والرشاد ج10 ص58.
صرفه في هذه الأحوال، حتى اضطروا إلى أن يقتاتوا بورق الشجر..
وكان صبيانهم يتضورون جوعاً.
وقد استمرت هذه المحنة سنتين أو ثلاثاً.
وكان علي أمير المؤمنين أثناءها يأتيهم بالطعام سراً من مكة، من حيث يمكن، ولو أنهم ظفروا به لم يبقوا عليه، كما يقول الاسكافي وغيره(1) .
وكان أبو طالب رضوان الله تعالى عليه كثيراً ما يخاف على النبي(صلىاللهعليهوآله) البيات (أي أن يغتاله المشركون ليلاً) فكان إذا أخذ الناس مضاجعهم، اضطجع النبي(صلىاللهعليهوآله) على فراشه حتى يرى ذلك جميع من في الشعب، فإذا نام الناس جاء فأقامه، وأضجع ابنه علياً مكانه(2) .
فقال له علي(عليهالسلام) ليلة: يا أبت إني مقتول..
فقال له:
____________
1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص256 والعثمانية للجاحظ ص320.
2- راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص64 وج13 ص256 والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص275 وتيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب ص49 والبداية والنهاية ج3 ص84 وراجع: الغدير ج7 ص357 و 358 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص64 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص140 و 141 والسيرة الحلبية ج1 ص342 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص44 ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص312.
اصـبرن يـا بني فالصبر أحجى كل حي مصيره لشعوبِ
قد بذلناك والبلاء شديد لفداء الحبيب وابن الحبيب
لفداء الأغر ذي الحسب الثا قب، والباع والكريم النجيب
إن تصبك المنون فالنبل تبرى فمصيب منها وغير مصيب
كل حي وإن تملى بعمرٍ آخـذ مـن مـذاقها بنصيب
فأجابه علي(عليهالسلام) بقوله:
أتأمرني بالصبر في نصر أحمد ووالله ما قلت الذي قلت جازعا
ولكنني أحببت أن ترى (رؤية) نصرتي وتعلم أني لم أزل لك طائعا
سأسعى لوجه الله في نصر أحمد نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعا(1)
وقال(عليهالسلام) بعد ذلك:
____________
1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص64 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص64 و 65 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص59 وأسنى المطالب ص21 والفصول المختارة ص58 والصراط المستقيم ج1 ص176 وبحار الأنوار ج35 ص93 وج36 ص46 ومناقب أهل البيت "عليهمالسلام " للشيرواني ص61 والغدير ج7 ص357 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص557 والدرجات الرفيعة ص42 والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص275 وإيمان أبي طالب للأميني ص39.
وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجْرِ
رسول إله الخلق إذ مكروا به فنجاه ذو الطول الكريم من المكر
وبت أراعيهم متى يثبتونني وقد صبرت نفسي على القتل والأسر
وبات رسول الله في الشعب آمناً وذلك في حفظ الإله وفي ستر
أردت به نصر الإله تبتلاً وأضمرته حتى أوسد في قبري(1)
مقارنة حديث الشعب بليلة الغار:
وقد وصف الاسكافي حال علي(عليهالسلام) في الشعب، قياساً له على حال أبي بكر في الغار بقوله:
"وعلي يقاسي الغمرات، ويكابد الأهوال، ويجوع ويظمأ، ويتوقع القتل صباحاً ومساءً، لأنه كان هو المتوصل المحتال في إحضار قوت زهيد من شيوخ قريش وعقلائها سراً، ليقيم به رمق رسول الله(صلىاللهعليهوآله) وبني هاشم، وهم في الحصار.
ولا يأمن في كل وقت مفاجأة أعداء رسول الله(صلىاللهعليهوآله) بالقتل، كأبي جهل بن هشام، وعقبة بن أبي معيط، والوليد بن المغيرة، وعتبة بن ربيعة، وغيرهم من فراعنة قريش وجبابرتها.
____________
1- بحار الأنوار ج34 ص413 وج36 ص46 وراجع: ج38 ص292 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص235 ونهج الإيمان لابن جبر ص309 وشجرة طوبى ج2 ص237 والفصول المختارة ص59.
ولقد كان يجيع نفسه ويطعم رسول الله(صلىاللهعليهوآله) زاده، ويظمئ نفسه ويسقيه ماءه، وهو كان المعلل له إذا مرض، والمؤنس له إذا استوحش، وأبو بكر في نجوة من ذلك، لا يمسه مما يمسهم ألم، ولم يلحقه مما يلحقهم مشقة، ولا يعلم بشيء من أخبارهم وأحوالهم إلا على سبيل الإجمال دون التفصيل، ثلاث سنين إلخ"(1) ..
ونحن لا ندري مدى صحة ما يقوله الاسكافي، من أن شيوخ قريش وعقلاءَها كانوا يرسلون الطعام إلى المحاصرين في الشعب، ولعل الأرجح هو أنه(عليهالسلام) كان يبذل لهم الأموال ويشتري به الطعام.. ولعله كان يعطي أموالاً طائلة ثمناً للقليل منه..
ولم يكن النبي(صلىاللهعليهوآله) ولا أبو طالب، ولا علي(عليهالسلام) بالذين يقبلون منّة أحد من الكافرين عليهم، كما دلت عليه النصوص..
فضيلة لعلي(عليهالسلام) تستلب منه:
وكما حاولوا أن يثيروا غبار التشكيك حول تفرد علي(عليهالسلام) بالولادة في جوف الكعبة، بادعاء ذلك لحكيم بن حزام.. فقد حاولوا منح ابن حزام نفسه أيضاً فضيلة أخرى في سياق التقليل من أهمية جهاد علي(عليهالسلام) وتضحياته في شعب أبي طالب.
____________
1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص256 والعثمانية للجاحظ ص320.
فقد زعموا: أن ابن حزام كان يرسل الطعام سراً إلى المسلمين في شعب أبي طالب(1) .
ونقول:
إننا نجزم بعدم صحة ذلك، فأولاً: إن ابن حزام كان أحد الذين انتدبتهم قريش لقتل رسول الله(صلىاللهعليهوآله) ليلة الهجرة(2) ، فرد
____________
1- السيرة النبوية لابن هشام ج1 ص379 و (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج1 ص236 والبداية والنهاية ج3 ص109 وج8 ص74 وتاريـخ الأمـم والملـوك ج2 ص74 = = وعيون الأثر ج1 ص167 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص50 والكامل في التاريخ ج2 ص88 وسيرة ابن إسحاق ج2 ص142 وتاريخ الإسلام للذهبي ج1 ص223 وج4 ص198 وسبل الهدى والرشاد ج2 ص378 والسيرة الحلبية ج2 ص34 ومستدركات علم رجال الحديث ج3 ص246 وخزانة الأدب ج3 ص77 وبحار الأنـوار ج19 ص19 وشرح نهـج البـلاغـة للمعتزلي ج14 ص59 والدرجـات الرفيعة ص46 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج15 ص104 وتهذيب الكمال ج7 ص179 وسير أعلام النبلاء ج3 ص47 وإمتاع الأسماع ج1 ص44.
2- بحار الأنوار ج19ص31 وراجع ص230 ومجمع البيان ج4 ص537 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج4 ص458 وراجع: الإتقان في علوم القرآن ج2 ص399 وتفسير السمرقندي ج2 ص20 وأسباب نزول الآيات للنيسابوري ص159 وتفسير السمعاني ج2 ص264 وتفسير البغوي ج2 ص247 وزاد المسير ج3 ص241 وتفسير الآلوسي ج9 ص204.
الله كيدهم إلى نحورهم بمبيت علي(عليهالسلام) على فراش رسول الله(صلىاللهعليهوآله) تلك الليلة.
وكان حكيم أيضاً يحتكر جميع الطعام الذي يأتي إلى المدينة في عهد الرسول ( صلىاللهعليهوآله)، وكان للنبي(صلىاللهعليهوآله) موقف إدانة منه(1) .
وهو أيضاً من المؤلفة قلوبهم(2) ، مما يعني: أنه لم يكن صحيح الإيمان، وأن ريبه قد استمر إلى أواخر حياة رسول الله(صلىاللهعليهوآله) .
____________
1- وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج17 ص428 و (ط دار الإسلامية) ج12 ص316 والكافي ج5 ص165 ومن لا يحضره الفقيه ج3 ص266 والإستبصار ج3 ص115 وتهذيب الأحكام ج7 ص160 ومستدرك الوسائل ج13 ص276 ودعائم الإسلام ج2 ص35 والتوحيد للصدوق ص389 ونور البراهين للجزائري ج2 ص369 وجامع أحاديث الشيعة ج18 ص71.
2- نسب قريش ص231 والإصابة ج1 ص349 و (ط دار الكتب العلمية) ج2 ص97 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج1 ص320 و (ط دار الجيل) ج1 ص362 ومجمع الزوائد ج6 ص188 والمعجم الكبير للطبراني ج3 ص186 والإكمال في أسماء الرجال ص49 وتاريخ مدينة دمشق ج15 ص96 وأسد الغابة ج2 ص40 وتهذيب الكمال ج7 ص172 وتهذيب التهذيب ج2 ص384 وتاريخ الإسلام للذهبي ج4 ص197 والوافي بالوفيات ج13 ص80
ثانياً: يدل على بوار هذا الإدعاء: أن النبي(صلىاللهعليهوآله) لم يكن يقبل أن يكون لفاجر أو فاسق عنده يداً ولا نعمة (منة)(1) ، وقد رد هدية حكيم بن حزام بالذات(2) ، كما رد هدية غيره.
____________
1- راجع: النصائح الكافية ص156 وراجع: من لا يحضره الفقيه (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج3 ص299 و (الطبعة الثانية) ج3 ص335 وبحار الأنوار ج83 ص186 وسنن النبي للطباطبائي ص378 وتخريج الأحاديث والآثار ج3 ص432 = = وكنز العمال ج2 ص211 والجامع لأحكام القرآن ج17 ص308 وأبو طالب مؤمن قريش للخنيزي، وتذكرة الموضوعات ص68 و 184 وتفسير القرآن العظيم ج4 ص353 والدر المنثور ج6 ص186 و 187 وفيض القدير ج6 ص462 وكشف الخفاء ج1 ص89 و 331 ج2 ص321 والتفسير الكبير للرازي ج29 ص277 وتفسير الآلوسي ج28 ص35 ومنتقى الجمان ج2 ص263 والنصائح الكافية ص156.
2- راجع: مسند أحمد ج3 ص402 ومجمع الزوائد ج4 ص151 وعمدة القاري ج13 ص168 وتحفة الأحوذي ج5 ص165 وفيض القدير ج2 ص697 وتاريخ مدينة دمشق ج15 ص100 وإمتاع الأسماع ج6 ص398 وسبل الهدى والرشاد ج9 ص30 والمستدرك للحاكم ج3 ص484 وتلخيصه للذهبي، بهامش نفس الصفحة، وصححاه. وحياة الصحابة ج2 ص258 و 259 و 260 وكنز العمال ج6 ص57 و 59 عن أحمد والطبراني، والحاكم، وسعيد بن منصور، والتراتيب الإدارية ج2 ص86.