الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٢

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 356
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 356
ونقول:
إن هذا الحديث ظاهر الدلالة على أن هذا الحدث قد حصل قبل الهجرة، وقد أشبها صلوات الله وسلامه عليهما أباهما إبراهيم الخليل(عليهالسلام) ، حين حطم في الخفاء أصنام قومه، فلما أصبحوا قالوا: من فعل هذا بآلهتنا؟!
وهذه هي نفس الكلمة التي قالها المكيون حين رأوا ما جرى لأصنامهم..
لماذا التعرض لأصنامهم سراً؟!:
وقد يسأل سائل عن سبب هذا التعرض للأصنام سراً، مع العلم بأن ذلك لا يجدي شيئاً، لأنهم سوف يعيدونها كما كانت، ولربما يكون ذلك سبباً في إصرارهم على غيهم، وعلى نصرة أصنامهم، وتعلقهم بها، والتشدد في المحافظة عليها..
ونجيب:
بأن المقصود هو تقديم العبرة لهم بصورة حية وعملية، ليروا بأم أعينهم كيف أن الأصنام لا تستطيع أن تدفع عن أنفسها، فكيف يمكنها أن تدفع الأسواء عن غيرها.
فما يدعي لها من قدرات، وآثار، ما هي إلا أباطيل وأضاليل، وترهات.
وهذا البرهان ليس مجرد معادلة ذهنية، وافتراضات تجريدية، بل هو عمل جوارحي مباشر، يجري على الأصنام نفسها، لكي يقطع دابر أي تعلل أو تمحل للأعذار، فلا يزعم زاعم أن الأسواء قد انتابت غيرها ولعلها لم تنتصر له، لأنها كانت غاضبة عليه.
وهذا هو نفس الدرس الذي أراد إبراهيم(عليهالسلام) لقومه أن يفهموه ويعوه، حين كاد أصنامهم.
وقول قوم إبراهيم في السابق، وأهل مكة في اللاحق: من فعل هذا بآلهتنا يمثل إعترافاً صريحاً بأن ثمة من هو أقوى من أصنامهم، وهو إقرار بعجزها عن الدفع عن نفسها، وحاجتها إلى غيرها ليحميها منه.
وكان المشركون قد سمعوا من النبي(صلىاللهعليهوآله) تسفيه أحلامهم، ورفضه لأصنامهم، وبيان أنها لا تضر ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، وقد نزل القرآن بتقبيح وإدانة عبادتهم لها.
لم يقم بعدها في الكعبة صنم:
ويبقى أن نشير إلى ما ذكره في آخر هذه الرواية، من أنه لم يقم بعدها في الكعبة صنم يحتاج إلى توضيح، فإنه لا ينسجم ـ في ظاهره ـ مع القول: بأن تحطيم الأصنام كان في فتح مكة.
وقد يكون الجواب الأوضح عن ذلك أن يقال: إن الذي حطمه النبي(صلىاللهعليهوآله) وعلي(عليهالسلام) قبل الهجرة هو تلك الأصنام التي كانت في جوف الكعبة، بقرينة قوله: "خرجنا من الكعبة، ولم يقم بعدها صنم في جوف الكعبة..".
والتي حطمت يوم الفتح هي تلك الأصنام التي كانت منصوبة فوقها، أو عندها كما تشير التعبيرات الكثيرة الواردة في النصوص المتقدمة.
ويبدو أن بعض تلك الأصنام كان معلقاً في أعلى نقطة في جوف
الكعبة، فاحتاج في تنكيسه إلى أن يصعد على كتفي النبي(صلىاللهعليهوآله) ليتمكن منها..
علي(عليهالسلام) في حديث المعراج:
ذكرنا في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم(صلىاللهعليهوآله) أن المعراج قد حصل في السنة الثالثة من البعثة ـ كما روي عن علي(عليهالسلام) (١) . وقد ذكرنا دلائل ذلك في كتابنا المشار إليه(٢) .
وعرفنا آنفاً: أن أبا ذر كان رابعاً في الإسلام، مع أنه قد أسلم بعد أن تأزمت الأمور بين النبي(صلىاللهعليهوآله) وبين قريش، وحيث كان الإتصال به تكتنفه المخاطر والأهوال، كما أن من يعلن إسلامه يتعرض للضرب الشديد الذي لا يرفعه عنه إلا خوف قريش على قوافل تجارتها إلى الشام فأنها كانت تمر على قوم أبي ذر بالقرب من المدينة.
وإذا أضفنا هذا الأمر إلى العديد من الدلائل والشواهد على تأخر إسلام أبي بكر إلى ما بعد السنة الخامسة أو السادسة من البعثة(٣) ، فإن ذلك يدلنا على عدم صحة ما روي من أن ملكاً كان يكلم رسول الله "(صلىاللهعليهوآله) "
____________
١- بحار الأنوار ج١٨ ص٣٧٩ والخرائج والجرائح ج١ ص١٤١.
٢- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلىاللهعليهوآله " (الطبعة الرابعة) ج٣ ص١٠ و (الطبعة الخامسة) ج٣ ص٩٤.
٣- ذكرنا ذلك في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم" صلىاللهعليهوآله " (الطبعة الرابعة) ج٤ ص٣٢٤ ـ ٣٣٠ و (الطبعة الخامسة) ج٣ ص٥٣ ـ٦١.
في معراجه بصوت أبي بكر(١) .
والصحيح: أنه كلَّمه بلغة علي(عليهالسلام) .
فعن ابن عمر قال: سمعت النبي(صلىاللهعليهوآله) وقد سئل: بأي لغة خاطبك ربك ليلة المعراج؟!
قال: خاطبني ربي بلغة علي بن أبي طالب، وألهمني أن قلت: يا رب خاطبتني أنت أم علي؟!
فقال: يا محمد، أنا شيء لا كالأشياء، ولا أقاس بالناس، ولا أوصف بالشبهات. خلقتك من نوري، وخلقت علياً من نورك، واطلعت على سرائر قلبك، فلم أجد في قلبك أحب إليك من علي بن أبي طالب، فخاطبتك بلسانه، كيما يطمئن قلبك(٢) .
____________
١- المواهب اللدنية ج٢ ص٢٩ و ٣٠ وروح البيان لإسماعيل البروسوي في تفسير سورة الإسراء، وتنوير الأذهان للمسعودي شرح سورة الإسراء، والغدير ج٧ ص٢٩٣ عن عمدة التحقيق ص١٥٤ والعهود المحمدية للشعراني ص٦٨٥ والفتوحات المكية لابن عربي ج٣ ص١٥٧ وج٣ ص٣٤٢ وراجع: الدر المنثور ج٤ ص١٥٥ وراجع ص١٥٤.
٢- راجع: المناقب للخوارزمي ص٧٨ وينابيع المودة ج١ ص٢٤٦ و ٢٤٧ ومقتل الحسين للخوارزمي (ط الغرى) ص٤٢ وأرجح المطالب (ط لاهور) ص٥٠٧ والمناقب المرتضوية (ط بمبئي ـ الهند) ص١٠٤ وبحار الأنوار ج١٨ ص٣٨٦ والصـافي ج٣ ص١٧٧ وكشف الغمـة ج١ ص١٠٣ وشرح إحـقـاق الحـق = = (الملحقات) ج٥ ص٢٥١ وج٢٣ ص١٤١ والطرائف لابن طاووس ص١٥٥ وكشف اليقين ص٢٢٧.
كما أن الصحيح هو: ما روي عن أبي الحمراء، من أن رسول الله(صلىاللهعليهوآله) قال: لما أسري بي إلى السماء إذا على العرش مكتوب: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، أيدته بعلي(عليهالسلام) (١) .
____________
١- تاريخ الخميس ج١ ص٣١٣ ومجمع الزوائد ج٩ ص١٢١ والمعجم الكبير للطبراني ج٢٢ ص٢٠٠ وكنز العمال ج١١ ص٦٢٤ وتفسير أبي حمزة الثمالي ص١٨٦ و ١٨٧ وشواهد التنزيل ج١ ص٢٩٧ و ٢٩٨ وراجع ٢٩٣ و ٣٩٤ والدر المنثور ج٤ ص١٥٣ وبشارة المصطفى ص٤٠٥ والشفا لعياض ج١ ص١٧٤ وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج١ ص٩٢ وينابيع المودة ج١ ص٦٩ و ٢٨٢ ومستدركات علم رجال الحديث ج٨ ص٣٦٧ ومناقب الإمام أمير المؤمنين "عليهالسلام " للكوفي ج١ ص٢٤٠ و ٢٤٤ و ٢١٠ وقاموس الرجال للتستري ج١١ ص٢٩٥ والأمالي للصدوق ص٢٨٤ وشرح الأخبار ج١ ص٢١٠ وج٢ ص٣٨٠ و وبحار الأنوار ج٢٧ ص٢ وج٣٦ ص٥٣ وراجع: ص٣٢١ و ٣٢٥ و ٣٣٢ و ٣٤٨ و ٣٥٥ و ٣٩٠ وج٣٨ ص٣٤٥ والثاقب في المناقب ص١١٨ والغدير ج٢ ص٥٠ والموضوعات لابن الجوزي ج١ ص١٤ وتهذيب الكمال ج٣٣ ص٢٦٠ وغاية المرام ج٤ ص٣٠٣ والأربعون حديثاً لمنتجب الدين ابن بابويه ص٦٦ والعمدة لابن البطريق ص١٧١ والفضائل لشاذان ص١٦٧ والجـواهـر السنية للحر العامـلي ص٢٩٣ وراجع ص٢٨٠ و ٢٨١ و ٢٨٥ ومدينة المعاجز ج٢ ص٣٩٣ = = وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص١٤٢ وج١٤ ص٥٨٧ وج١٦ ص٤٨٨ و ٤٩٠ وج٢٢ ص٤٩٥ و ٤٩٦ وج٣١ ص٧٦ وراجع: كفاية الأثر ص٧٤ و ١٨٥ و ٢١٧ و ٢٤٤ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٢٥٤ ولسان الميزان ج١ ص٤٥٧ وج٢ ص٢٦٨ و ٤٨٤ وميزان الاعتدال ج٢ ص٧٦ والصراط المستقيم ج١ ص٢٩٤ وج٢ ص١١٧ وضعفاء العقيلي ج١ ص٣٣ وج٢ ص٨٦ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٣٣٦ وج٤٧ ص٣٤٤.
لا ما روي من ذلك في حق أبي بكر(١) .
وعن النبي(صلىاللهعليهوآله) أنه قال: لما أسري بي إلى السماء لقيتني الملائكة بالبشارة في كل سماء، حتى لقيني جبرائيل في محفلٍ من الملائكة، فقال: يا محمد، لو اجتمع أمتك على حب علي بن أبي طالب ما خلق الله النار(٢) .
____________
١- راجع الروايات التي ذكرت فضائل أبي بكر في الإسراء والمعراج، وقد حكم عليها العلماء بالوضع في ميزان الإعتدال ج٣ ص٦٠٩ وج٢ ص١١٧ واللآلي المصنوعة ج١ ص٢٩٦ و ٢٩٧ و ٣٠٩ ولسان الميزان ج٥ ص٢٣٥ وتهذيب التهذيب ج٥ ص١٣٨ وتاريخ بغداد ج١١ ص٢٠٤ وج٣ ص٦٣والغدير ج٥ ص٣٠٣ ومجمع الزوائد ج٩ ص٤١ وتذكرة الموضوعات ص٩٣ والوضاعون وأحاديثهم ص٣٦٣.
٢- ينابيع المودة ج٢ ص٢٩٠ ومودة القربى ص٢٠ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٧ ص١٥١ وج١٧ ص٢٤٠ وج٢١ ص٢٧٣ ونوادر المعجزات ص٧٥ والأمالي للطوسي ص٦٤٢ ومدينة المعاجز ج١ ص٨٧ وبحار الأنوار ج١٨ ص٣٨٨ وج٤٠ ص٣٥.
وعن أبي هريرة، عنه( صلىاللهعليهوآله) : لما أسري بي في ليلة المعراج، فاجتمع عليَّ الأنبياء في السماء، فأوحى الله تعالى إلي: سلهم يا محمد: بماذا بعثتم؟!
فقالوا: بعثنا على شهادة أن لا إله إلا الله وحده، وبنبوتك، والولاية لعلي بن أبي طالب(١) .
علي(عليهالسلام) الصديق الأكبر:
وعن النبي(صلىاللهعليهوآله) قال:
"قال لي ربي ليلة أسري بي: من خلفت على أمتك يا محمد.
قال: قلت: أنت أعلم يا رب.
قال: يا محمد، إني انتجبتك برسالتي، واصطفيتك لنفسي، وأنت نبيي وخيرتي من خلقي. ثم الصديق الأكبر، الطاهر المطهر، الذي خلقته من
____________
١- ينابيع المودة ج٢ ص٢٤٦ عن الحافظ أبي نعيم، والعمدة لابن البطريق ص٣٥٢ والطرائف لابن طاووس ص١٠١ والصراط المستقيم ج١ ص٢٤٤ ومستدرك سفينة البحار ج٤ ص٤٠٨ وخصائص الوحي المبين ص١٧٠ وطرائف المقال ج٢ ص٢٩٩ ونهج الإيمان ص٥٠٦ ومنهاج الكرامة ص١٣٠ وغاية المرام ج٣ ص٥٥ وبحار الأنوار ج٣٦ ص١٥٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٣ ص١٤٤ وج٤ ص٢٣٨ وج٧ ص١٢٩ والإمام علي بن أبي طالب "عليهالسلام " للهمداني ص٧٣ ونهج الحق ص١٨٣ وإلزام النواصب لمفلح بن راشد ص١٣٨.
طينتك، وجعلته وزيرك، وأبا سبطيك، السيدين الشهيدين، الطاهرين المطهرين، سيدي شباب أهل الجنة. وزوجته خير نساء العالمين. أنت شجرة، وعلي أغصانها، وفاطمة ورقها، والحسن والحسين ثمارها. خلقتكم (خلقتهما) من طينة عليين، وخلقت شيعتكم منكم، إنهم لو ضربوا على أعناقهم بالسيوف ما ازدادوا لكم إلا حباً.
قلت: يا رب، ومن الصديق الأكبر؟!
قال: أخوك علي بن أبي طالب"(١) .
ويبدو لنا: أن هذا قد حصل في معراج آخر لرسول الله( صلىاللهعليهوآله) ، وقد حصل بعد الهجرة بسنوات.
وقد أكد أمير المؤمنين في روايات كثيرة صحيحة، وكذلك النبي الكريم(صلىاللهعليهوآله) على أنه(عليهالسلام) وحده الصديق، وأن لا صحة لما يقال أنه أبوبكر.. وقد ذكرنا طائفة من هذه الأحاديث ومصادرها الكثيرة في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم( صلىاللهعليهوآله) (٢) .
____________
١- مسند شمس الأخبار للقرشي ج١ ص٨٩ ومسند زيد بن علي ص٤٠٥ والغدير ج٢ ص٣١٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٢٢ ص٢٠٠ وشرح الأخبار ج٢ ص٤٩٠.
٢- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلىاللهعليهوآله " (الطبعة الرابعة) ج٤ ص٤٥ ـ ٥٠ و (الطبعة الخامسة) ج٤ ص٢٢٨ ـ ٢٣٣.
الفاروق علي(عليهالسلام) أيضاً:
وقد ذكرت الأخبار أيضاً: أن علياً(عليهالسلام) هو فاروق هذه الأمة(١) ، وأما عمر بن الخطاب، فأهل الكتاب هم الذين سموه بالفاروق(٢) .
____________
١- راجع: المصدر السابق.
٢- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم "صلىاللهعليهوآله " (الطبعة الرابعة) ج٣ ص١٧٧ و (الطبعة الخامسة) ج٣ ص٣٠٦.
الفصل الرابع : تضحيات علي(عليهالسلام) في شعب أبي طالب
علي(عليهالسلام) في شعب أبي طالب:
وحين اشتد الأمر، وصعَّدت قريش من تحديها لرسول الله(صلىاللهعليهوآله) وبني هاشم، وقطعت عنهم الأسواق، بهدف قطع الأرزاق، فلا يتركون لهم طعاماً يقدم مكة، ولابيعاً إلا بادروهم إليه، يريدون بذلك أن يدركوا سفك دم الرسول( صلىاللهعليهوآله) (١) .
وكانوا يتهددون من يبيعهم شيئاً بنهب أمواله، أو بمقاطعة تجارته.
نعم حين بلغت الأمور إلى هذا الحد، أمر أبو طالب(عليهالسلام) بني هاشم وبني عبد المطلب بدخول الشعب المعروف بشعب أبي طالب، وذلك في سنة سبع، حفظاً لهم من أن يتعرضوا لأي تحدٍ خطير يدفع بالأمور إلى حد الكارثة.
ووضعت قريش عليهم الرقباء حتى لا يأتيهم أحد بطعام. وكان المسلمون ينفقون من أموال خديجة، وأبي طالب، حتى نفدت، أو نفذ منها ما كان يمكنهم
____________
١- البداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج٣ ص١٠٥ والسيرة النبوية لابن كثير ج٢ ص٤٤ والنزاع والتخاصم ص٦٧ وسبل الهدى والرشاد ج١٠ ص٥٨.
صرفه في هذه الأحوال، حتى اضطروا إلى أن يقتاتوا بورق الشجر..
وكان صبيانهم يتضورون جوعاً.
وقد استمرت هذه المحنة سنتين أو ثلاثاً.
وكان علي أمير المؤمنين أثناءها يأتيهم بالطعام سراً من مكة، من حيث يمكن، ولو أنهم ظفروا به لم يبقوا عليه، كما يقول الاسكافي وغيره(١) .
وكان أبو طالب رضوان الله تعالى عليه كثيراً ما يخاف على النبي(صلىاللهعليهوآله) البيات (أي أن يغتاله المشركون ليلاً) فكان إذا أخذ الناس مضاجعهم، اضطجع النبي(صلىاللهعليهوآله) على فراشه حتى يرى ذلك جميع من في الشعب، فإذا نام الناس جاء فأقامه، وأضجع ابنه علياً مكانه(٢) .
فقال له علي(عليهالسلام) ليلة: يا أبت إني مقتول..
فقال له:
____________
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٥٦ والعثمانية للجاحظ ص٣٢٠.
٢- راجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٤ ص٦٤ وج١٣ ص٢٥٦ والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص٢٧٥ وتيسير المطالب في أمالي الإمام أبي طالب ص٤٩ والبداية والنهاية ج٣ ص٨٤ وراجع: الغدير ج٧ ص٣٥٧ و ٣٥٨ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٦٤ وتاريخ الإسلام للذهبي ج٢ ص١٤٠ و ١٤١ والسيرة الحلبية ج١ ص٣٤٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج٢ ص٤٤ ودلائل النبوة للبيهقي (ط دار الكتب العلمية) ج٢ ص٣١٢.
اصـبرن يـا بني فالصبر أحجى كل حي مصيره لشعوبِ
قد بذلناك والبلاء شديد لفداء الحبيب وابن الحبيب
لفداء الأغر ذي الحسب الثا قب، والباع والكريم النجيب
إن تصبك المنون فالنبل تبرى فمصيب منها وغير مصيب
كل حي وإن تملى بعمرٍ آخـذ مـن مـذاقها بنصيب
فأجابه علي(عليهالسلام) بقوله:
أتأمرني بالصبر في نصر أحمد ووالله ما قلت الذي قلت جازعا
ولكنني أحببت أن ترى (رؤية) نصرتي وتعلم أني لم أزل لك طائعا
سأسعى لوجه الله في نصر أحمد نبي الهدى المحمود طفلاً ويافعا(١)
وقال(عليهالسلام) بعد ذلك:
____________
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٤ ص٦٤ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٦٤ و ٦٥ و (ط المكتبة الحيدرية) ج١ ص٥٩ وأسنى المطالب ص٢١ والفصول المختارة ص٥٨ والصراط المستقيم ج١ ص١٧٦ وبحار الأنوار ج٣٥ ص٩٣ وج٣٦ ص٤٦ ومناقب أهل البيت "عليهمالسلام " للشيرواني ص٦١ والغدير ج٧ ص٣٥٧ ومستدرك سفينة البحار ج٦ ص٥٥٧ والدرجات الرفيعة ص٤٢ والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص٢٧٥ وإيمان أبي طالب للأميني ص٣٩.
وقيت بنفسي خير من وطأ الحصى ومن طاف بالبيت العتيق وبالحجْرِ
رسول إله الخلق إذ مكروا به فنجاه ذو الطول الكريم من المكر
وبت أراعيهم متى يثبتونني وقد صبرت نفسي على القتل والأسر
وبات رسول الله في الشعب آمناً وذلك في حفظ الإله وفي ستر
أردت به نصر الإله تبتلاً وأضمرته حتى أوسد في قبري(١)
مقارنة حديث الشعب بليلة الغار:
وقد وصف الاسكافي حال علي(عليهالسلام) في الشعب، قياساً له على حال أبي بكر في الغار بقوله:
"وعلي يقاسي الغمرات، ويكابد الأهوال، ويجوع ويظمأ، ويتوقع القتل صباحاً ومساءً، لأنه كان هو المتوصل المحتال في إحضار قوت زهيد من شيوخ قريش وعقلائها سراً، ليقيم به رمق رسول الله(صلىاللهعليهوآله) وبني هاشم، وهم في الحصار.
ولا يأمن في كل وقت مفاجأة أعداء رسول الله(صلىاللهعليهوآله) بالقتل، كأبي جهل بن هشام، وعقبة بن أبي معيط، والوليد بن المغيرة، وعتبة بن ربيعة، وغيرهم من فراعنة قريش وجبابرتها.
____________
١- بحار الأنوار ج٣٤ ص٤١٣ وج٣٦ ص٤٦ وراجع: ج٣٨ ص٢٩٢ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٢٣٥ ونهج الإيمان لابن جبر ص٣٠٩ وشجرة طوبى ج٢ ص٢٣٧ والفصول المختارة ص٥٩.
ولقد كان يجيع نفسه ويطعم رسول الله(صلىاللهعليهوآله) زاده، ويظمئ نفسه ويسقيه ماءه، وهو كان المعلل له إذا مرض، والمؤنس له إذا استوحش، وأبو بكر في نجوة من ذلك، لا يمسه مما يمسهم ألم، ولم يلحقه مما يلحقهم مشقة، ولا يعلم بشيء من أخبارهم وأحوالهم إلا على سبيل الإجمال دون التفصيل، ثلاث سنين إلخ"(١) ..
ونحن لا ندري مدى صحة ما يقوله الاسكافي، من أن شيوخ قريش وعقلاءَها كانوا يرسلون الطعام إلى المحاصرين في الشعب، ولعل الأرجح هو أنه(عليهالسلام) كان يبذل لهم الأموال ويشتري به الطعام.. ولعله كان يعطي أموالاً طائلة ثمناً للقليل منه..
ولم يكن النبي(صلىاللهعليهوآله) ولا أبو طالب، ولا علي(عليهالسلام) بالذين يقبلون منّة أحد من الكافرين عليهم، كما دلت عليه النصوص..
فضيلة لعلي(عليهالسلام) تستلب منه:
وكما حاولوا أن يثيروا غبار التشكيك حول تفرد علي(عليهالسلام) بالولادة في جوف الكعبة، بادعاء ذلك لحكيم بن حزام.. فقد حاولوا منح ابن حزام نفسه أيضاً فضيلة أخرى في سياق التقليل من أهمية جهاد علي(عليهالسلام) وتضحياته في شعب أبي طالب.
____________
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١٣ ص٢٥٦ والعثمانية للجاحظ ص٣٢٠.
فقد زعموا: أن ابن حزام كان يرسل الطعام سراً إلى المسلمين في شعب أبي طالب(١) .
ونقول:
إننا نجزم بعدم صحة ذلك، فأولاً: إن ابن حزام كان أحد الذين انتدبتهم قريش لقتل رسول الله(صلىاللهعليهوآله) ليلة الهجرة(٢) ، فرد
____________
١- السيرة النبوية لابن هشام ج١ ص٣٧٩ و (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج١ ص٢٣٦ والبداية والنهاية ج٣ ص١٠٩ وج٨ ص٧٤ وتاريـخ الأمـم والملـوك ج٢ ص٧٤ = = وعيون الأثر ج١ ص١٦٧ والسيرة النبوية لابن كثير ج٢ ص٥٠ والكامل في التاريخ ج٢ ص٨٨ وسيرة ابن إسحاق ج٢ ص١٤٢ وتاريخ الإسلام للذهبي ج١ ص٢٢٣ وج٤ ص١٩٨ وسبل الهدى والرشاد ج٢ ص٣٧٨ والسيرة الحلبية ج٢ ص٣٤ ومستدركات علم رجال الحديث ج٣ ص٢٤٦ وخزانة الأدب ج٣ ص٧٧ وبحار الأنـوار ج١٩ ص١٩ وشرح نهـج البـلاغـة للمعتزلي ج١٤ ص٥٩ والدرجـات الرفيعة ص٤٦ وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج١٥ ص١٠٤ وتهذيب الكمال ج٧ ص١٧٩ وسير أعلام النبلاء ج٣ ص٤٧ وإمتاع الأسماع ج١ ص٤٤.
٢- بحار الأنوار ج١٩ص٣١ وراجع ص٢٣٠ ومجمع البيان ج٤ ص٥٣٧ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج٤ ص٤٥٨ وراجع: الإتقان في علوم القرآن ج٢ ص٣٩٩ وتفسير السمرقندي ج٢ ص٢٠ وأسباب نزول الآيات للنيسابوري ص١٥٩ وتفسير السمعاني ج٢ ص٢٦٤ وتفسير البغوي ج٢ ص٢٤٧ وزاد المسير ج٣ ص٢٤١ وتفسير الآلوسي ج٩ ص٢٠٤.
الله كيدهم إلى نحورهم بمبيت علي(عليهالسلام) على فراش رسول الله(صلىاللهعليهوآله) تلك الليلة.
وكان حكيم أيضاً يحتكر جميع الطعام الذي يأتي إلى المدينة في عهد الرسول ( صلىاللهعليهوآله)، وكان للنبي(صلىاللهعليهوآله) موقف إدانة منه(١) .
وهو أيضاً من المؤلفة قلوبهم(٢) ، مما يعني: أنه لم يكن صحيح الإيمان، وأن ريبه قد استمر إلى أواخر حياة رسول الله(صلىاللهعليهوآله) .
____________
١- وسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج١٧ ص٤٢٨ و (ط دار الإسلامية) ج١٢ ص٣١٦ والكافي ج٥ ص١٦٥ ومن لا يحضره الفقيه ج٣ ص٢٦٦ والإستبصار ج٣ ص١١٥ وتهذيب الأحكام ج٧ ص١٦٠ ومستدرك الوسائل ج١٣ ص٢٧٦ ودعائم الإسلام ج٢ ص٣٥ والتوحيد للصدوق ص٣٨٩ ونور البراهين للجزائري ج٢ ص٣٦٩ وجامع أحاديث الشيعة ج١٨ ص٧١.
٢- نسب قريش ص٢٣١ والإصابة ج١ ص٣٤٩ و (ط دار الكتب العلمية) ج٢ ص٩٧ والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج١ ص٣٢٠ و (ط دار الجيل) ج١ ص٣٦٢ ومجمع الزوائد ج٦ ص١٨٨ والمعجم الكبير للطبراني ج٣ ص١٨٦ والإكمال في أسماء الرجال ص٤٩ وتاريخ مدينة دمشق ج١٥ ص٩٦ وأسد الغابة ج٢ ص٤٠ وتهذيب الكمال ج٧ ص١٧٢ وتهذيب التهذيب ج٢ ص٣٨٤ وتاريخ الإسلام للذهبي ج٤ ص١٩٧ والوافي بالوفيات ج١٣ ص٨٠
ثانياً: يدل على بوار هذا الإدعاء: أن النبي(صلىاللهعليهوآله) لم يكن يقبل أن يكون لفاجر أو فاسق عنده يداً ولا نعمة (منة)(١) ، وقد رد هدية حكيم بن حزام بالذات(٢) ، كما رد هدية غيره.
____________
١- راجع: النصائح الكافية ص١٥٦ وراجع: من لا يحضره الفقيه (ط مؤسسة النشر الإسلامي) ج٣ ص٢٩٩ و (الطبعة الثانية) ج٣ ص٣٣٥ وبحار الأنوار ج٨٣ ص١٨٦ وسنن النبي للطباطبائي ص٣٧٨ وتخريج الأحاديث والآثار ج٣ ص٤٣٢ = = وكنز العمال ج٢ ص٢١١ والجامع لأحكام القرآن ج١٧ ص٣٠٨ وأبو طالب مؤمن قريش للخنيزي، وتذكرة الموضوعات ص٦٨ و ١٨٤ وتفسير القرآن العظيم ج٤ ص٣٥٣ والدر المنثور ج٦ ص١٨٦ و ١٨٧ وفيض القدير ج٦ ص٤٦٢ وكشف الخفاء ج١ ص٨٩ و ٣٣١ ج٢ ص٣٢١ والتفسير الكبير للرازي ج٢٩ ص٢٧٧ وتفسير الآلوسي ج٢٨ ص٣٥ ومنتقى الجمان ج٢ ص٢٦٣ والنصائح الكافية ص١٥٦.
٢- راجع: مسند أحمد ج٣ ص٤٠٢ ومجمع الزوائد ج٤ ص١٥١ وعمدة القاري ج١٣ ص١٦٨ وتحفة الأحوذي ج٥ ص١٦٥ وفيض القدير ج٢ ص٦٩٧ وتاريخ مدينة دمشق ج١٥ ص١٠٠ وإمتاع الأسماع ج٦ ص٣٩٨ وسبل الهدى والرشاد ج٩ ص٣٠ والمستدرك للحاكم ج٣ ص٤٨٤ وتلخيصه للذهبي، بهامش نفس الصفحة، وصححاه. وحياة الصحابة ج٢ ص٢٥٨ و ٢٥٩ و ٢٦٠ وكنز العمال ج٦ ص٥٧ و ٥٩ عن أحمد والطبراني، والحاكم، وسعيد بن منصور، والتراتيب الإدارية ج٢ ص٨٦.