الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٢
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 356
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 356
وكان(صلىاللهعليهوآله) يرد هدية المشرك المحارب، أما غيره، فكان يقبل هديته، حتى لو كان مشركاً(1) . والمقصود بغير المحارب الموادع الذي لا يمتن بهديته.
وأما حكيم بن حزام فقد بقي على صفة كونه محارباً إلى أواخر حياة رسول الله( صلىاللهعليهوآله) ، وواضح أنه كان من المؤلفة قلوبهم، يمن بهديته، ويتوقع المكافأة عليها.
ثالثاً: ان من يكون من أهل الأطماع إلى حد أن يحتكر الطعام في المدينة، ويحرم منه الناس بما فيهم الأطفال والنساء، طمعاً في حفنة من المال، لا يتوقع منه السعي لدفع غائلة حاجة المحاصرين في الشعب، على سبيل التكرم، أو بدافع العاطفة الإنسانية، وإنما هو يفعل ذلك طمعاً بالمال الوفير، حيث يرى أنهم كانوا على استعداد لبذل أعظم الأثمان في هذا السبيل، فلعله كان ينتهز الفرصة ويبيعهم الطعام، وربما بأغلى الأثمان.
حمية الدين هي الأقوى:
يحاول البعض أن يثير الشكوك حول إيمان أبي طالب: فيواجهه حديث الحصار في الشعب، وأن أبا طالب كان ينيم ولده على فراش النبي(صلىاللهعليهوآله) ليفدي به رسول الله( صلىاللهعليهوآله) .
فيحاول التملص والتخلص منه، بادعاء: أنه "رحمهالله " كان يفعل
____________
1- الروض الأنف ج4 ص196 وراجع: فيض القدير ج2 ص697.
ذلك بدافع من حبه الطبيعي لابن أخيه(1) .
وربما تجد من يدعي: أن حمية النسب والعصبية والقبلية، أو الكبرياء إلى حدّ العناد، أو التوثب للشهرة وخلود الذكر، هو الذي كان يدعو أبا طالب إلى أن يفدي ابن أخيه بولده..
ونقول:
ألف: بالنسبة للعاطفة النسبية والحب الطبيعي والحمية القبلية نقول:
1ـ إن العاطفة النسبية نحو الولد والحب الطبيعي له أشد وأقوى نحو ابن الأخ، فالمفروض أن يكون موقفه(عليهالسلام) على عكس ما كان عليه..
2ـ لو صح قولهم في ذلك لدعت العاطفة النسبية أبا لهب وحبه الطبيعي لابن أخيه وحميته القبلية إلى نصرة النبي( صلىاللهعليهوآله) ، كما نصره أبو طالب، مع أن أبا لهب كان أشد الناس عليه، ولم تتحرك عاطفته ولا حميته، ولا حبه حتى على الأطفال الذين كانوا في الشعب يتضاغون جوعاً..
3ـ إنه لا شك في أن حمية الدين هي الأقوى، بدليل أن أهل الدين يضحون بأموالهم وبإخوانهم، وبأبنائهم، وبأنفسهم في سبيل دينهم. وقد استأذن عبد الله بن أبيّ رسول الله(صلىاللهعليهوآله) بأن يقتل أباه، لأجل جرأته على رسول الله( صلىاللهعليهوآله) ..
____________
1- تفسير االقرآن العظيم ج3 ص394.
وفي صفين لم يرجع الأخ عن قتل أخيه، حتى أذن له أمير المؤمنين(عليهالسلام) (1) .
ب: بالنسبة للعصبية القبلية، والكبرياء إلى حد العناد، وحمية النسب، والطمع بتبوُّء مقام الكرامة، والإشتهار بالنبوة، نقول:
1 ـ إنما تكون هذه الأمور مؤثرة وفاعلة في صورة ما لو أمكن حفظ أساس الوجود، وفي حدود صيانة مصالح القبيلة، أو الأشخاص، أو من يتطلَّب منازل الكرامة والشهرة، أما لو كان ذلك من أسباب الدمار، والهلاك، وبوار المصالح، فإن أي عاقل يرضى بالتفريط بنفسه، وبولده، وعشيرته، وبكل مصالحه ومصالحهم، وينتهي به الأمر إلى حد الموت جوعاً، أو بحد السيف، في سبيل شيء تشير الدلائل كلها إلى أن حصوله عليه ضرب من الخيال، وفي مستوى الوهم، الذي لا يهتم له أي من عقلاء البشر..
2 ـ إن ذلك لو امكن وصح حصوله بالنسبة لواحد من الناس، بسبب عقدة نقص يعاني منها، فإنه لا يصح بالنسبة لغيره ممن لم يكونوا من قبيلة ولا من أقارب ذلك النبي، وكانوا يتعرضون لأقسى أنواع القهر والعذاب حتى الموت، من أمثال سمية وياسر والدي عمار وغيرهما من المعذبين في
____________
1- صفين للمنقري ص271 و 272 وبحار الأنوار ج32 ص475 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج5 ص251.
سبيل الله رضوان الله تعالى عليهما.
فأية شهرة، وأي مقام يطلبه هؤلاء، ولأية قبيلة يتعصبون وأية حمية نسب تدعوهم إلى تحمل ذلك كله، الذي بلغ بعضهم حد التضحية بأنفسهم؟!
وكيف يتوقعون لأنفسهم خلود الذكر في هذه الدنيا، وأي ذكر يطمع فيه عاقل يوازي أرواحهم التي يبذلونها، وآلامهم التي يقاسونها؟!
والحقيقة هي: أن السبب الحقيقي الكامن وراء اطلاق كل هذه الترهات هو العناد للحق إلى حد السفه، الناشئ عن كراهة الإعتراف به، وإن كانت كل الوقائع تلهج به، وتفصح عنه، وتدل عليه، أو تشير إليه..
فليبوؤا بخزي الإفتضاح وهم الصغار في أنفسهم في الحياة الدنيا، وبالعذاب الأليم الذي أعده الله تعالى للذين آذوا الله ورسله وأولياءه في الآخرة، بسعيهم إلى إطفاء نور الله، وطمس جهود وجهاد الأنبياء والأولياء بزخرف القول، وعوار الكلم، والله متم نوره ولو كره الكافرون، والمشركون، والحاقدون، والمنافقون.
3ـ ونقول أخيراً: إن هذا الرضا والتسليم ثم الإصرار والتصميم الذي نشاهده لدى علي(عليهالسلام) على تحقيق السلامة لرسول الله(صلىاللهعليهوآله) بقيمة تعريض نفسه للأخطار الهائلة، أمر مدهش ومثير.. لولا اننا نعلم: أن الله سبحانه قد امتحن قلب هذا الشاب للإيمان، وأودعه أقدس الاسرار، وحباه بمنازل الكرامة والزلفى، دون جميع الخلق..
الفصل الخامس: وفاة أبي طالب.. ووفاء علي(عليهالسلام)
علي(عليهالسلام) في وفاة أبيه:
قال المعتزلي: "إن أبا طالب لما مات جاء علي(عليهالسلام) إلى رسول الله( صلىاللهعليهوآله) ، فآذنه بموته، فتوجع عظيماً، وحزن شديداً، ثم قال: امض، فتولّ أمره وتولّ غسله، وتحنيطه وتكفينه، فاذا رفعته على سريره فأعلمني إلخ.."(1) .
____________
1- تفسير علي بن ابراهيم ج1 ص380 والأمالي للصدوق ص330 والفصول المختارة ص228 والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص265 وبحار الأنوار ج35 ص68 و 151 والدرجات الرفيعة ص61 وضياء العالمين، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص76 و81 وتذكرة الخواص ص8 والسيرة الحلبية ج1 ص147 والمصنف ج6 ص38 والسيرة النبوية لدحلان ج1 ص87 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص35 والطبقات الكبرى لابن سعدج1 ص78 وتاريخ بغداد للخطيب ج3 ص126 وج13 ص196 والبداية والنهاية لابن كثير ج3 ص125 والطرائف لابن طاووس ص305 عن الحنبلي في نهاية الطلب، والتعظيم المنة ص7 ولسان الميزان ج1 ص41 والإصابة ج4 ص116 والغدير ج7 ص372 و 374 ـ 375 عمن ذكر، وعن: شرح شواهد المغني للسيوطي = = ص136 وأعلام النبوة للماوردي ص77 وبدايع الصنايع ج1 ص283 وعمدة القاري ج3 ص435 وأسنى المطالب ص15 و 21 و 35 وطلبة الطالب ص43 ودلائل النبوة للبيهقي والبرزنجي، وابن خزيمة، وأبو داود، وابن عساكر.
ففعل، فاعترضه رسول الله( صلىاللهعليهوآله) ، وهو محمول على رؤوس الرجال، وقال ـ برقة وحزن وكآبة ـ: وصلتك رحم يا عم (أو وصلت رحما) وجزيت خيراً يا عم، فقد ربيت وكفلت صغيراً، ونصرت وآزرت كبيراً.
ثم تبعه إلى حفرته، فوقف عليه فقال: أما والله لأستغفرن لك، ولأشفعن فيك شفاعة يعجب لها الثقلان(1) .
لماذا لم يأمر النبي(صلىاللهعليهوآله) بالصلاة عليه؟!:
قالوا:
وإنما لم يأمر النبي(صلىاللهعليهوآله) علياً(عليهالسلام) بالصلاة على أبي طالب(عليهالسلام) ، لأن صلاة الجنازة لم تكن فرضت بعد.
____________
1- راجع: بحار الأنوار ج35 ص125و 163 وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص76 والإصابة (ط مصر سنة 1325 هـ) ج7 ص113 وشرح الأخبار للقاضي النعمان ج2 ص557 والغدير ج7 ص386 والدرجات الرفيعة لابن معصوم ص62.
ولأجل ذلك قالوا: إن النبي الأكرم(صلىاللهعليهوآله) لم يصل على خديجة "سلام الله عليها" حينما توفيت، مع أنها سيدة نساء العالمين في زمانها، وإن كانت السيدة الزهراء(عليهاالسلام) سيدة نساء العالمين من الأولين والآخرين..
وقد فصلت ذلك الرواية التي رواها علي بن ميثم، عن أبيه عن جده: أنه سمع علياً(عليهالسلام) يقول: تبع أبو طالب عبد المطلب في كل أحواله حتى خرج من الدنيا وهو على ملته، وأوصاني أن أدفنه في قبره، فأخبرت رسول الله(صلىاللهعليهوآله) بذلك، فقال: اذهب فواره، وانفذ لما أمرك به.
فغسلته، وكفنته، وحملته إلى الحجون، ونبشت قبر عبد المطلب، فرفعت الصفيح عن لحده، فإذا هو موجه إلى القبلة، فحمدت الله تعالى على ذلك، ووجهت الشيخ، وأطبقت الصفيح عليهما، فأنا وصي الأوصياء، وورثت خير الأنبياء.
قال ميثم: والله ما عَبَدَ علي، ولا عَبَدَ أحد من آبائه غير الله تعالى، إلى أن توفاهم الله تعالى(1) .
علي(عليهالسلام) والإستغفار لأبي طالب(عليهالسلام) :
سيأتي قول الشريف النسابة العلوي، المعروف بالموضح: أنه لما مات أبو
____________
1- سفينة البحار ج5 ص321.
طالب وشيع حمزة وجعفر(1) ، وعلي(عليهمالسلام)، جنازته، واستغفروا له.
قال قوم: نحن نستغفر لموتانا وأقاربنا المشركين أيضاً ـ ظناً منهم أن أبا طالب مات مشركاً؛ لأنه كان يكتم إيمانه.
فمن قال بكفر أبي طالب(عليهالسلام) ، فقد حكم على النبي بالخطأ، والله تعالى قد نزهه عنه في أقواله وأفعاله الخ..(2) .
وروي بسند صحيح ـ كما يقول الأميني ـ أن علياً(عليهالسلام) : سمع رجلاً يستغفر لأبويه، وهما مشركان؛ فذكر الإمام علي(عليهالسلام) ذلك للنبي( صلىاللهعليهوآله) ، فنزلت آية النهي عن الاستغفار للمشركين(3) .
وفي أخرى: أن المسلمين قالوا: ألا نستغفر لآبائنا؟! فنزلت(4) .
أما الرواية التي تقول: أن الآية نزلت حين استأذن(صلىاللهعليهوآله) الله تعالى في الاستغفار لأمه، فلم يأذن له، ونزلت الآية، فسأله أن
____________
1- لقد كان جعفر بالحبشة، فإما أن يكون قد جاء في زيارة قصيرة ثم رجع. وإما أن يكون الراوي ذكره من عند نفسه، سهواً أو عمداً.
2- الغدير ج7 ص399 عن كتاب الحجة لابن معد ص68.
3- الغدير ج8 ص12 ومصادر أخرى ستأتي إن شاء الله تعالى.
4- مجمع البيان ج5 ص76 عن الحسن، وتفسير القرآن العظيم لابن كثير ج2 ص393 وأبو طالب مؤمن قريش ص348 عنهما، وعن الأعيان ج39 ص158 و 159 عن ابن عباس والحسن، والكشاف ج2 ص246.
يزور قبرها، فأذن له(1) .
فلا يصح الأستدلال بها على ما نحن بصدده، ولا على غيره، لأننا أثبتنا أن أباء النبي(صلىاللهعليهوآله) كانوا من المؤمنين، فلا تصح دعوى نهي الله تعالى نبيه عن الإستغفار لأمه.
وفي جميع الأحوال نقول:
لا مجال لما يدعونه من أن الآية المذكورة قد نزلت في أبي طالب، خصوصاً إذا أضيف إليه ما قدمناه من شواهد وأدلة على إيمان شيخ الأبطح، وأضيف إليه أيضاً أن الآية بصدد نهي طائفة من المؤمنين الاستغفار لأقاربهم من أهل الشرك.
ويكون ذكر النبي(صلىاللهعليهوآله) في جملتهم في الآية الشريفة نظير قوله تعالى:( لَقَدْ تَابَ اللهُ عَلَى النَّبِيِّ وَالمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ الَّذِينَ
____________
1- جامع البيان للطبري ج11 ص31 والدر المنثور ج3 ص283 وإرشاد الساري ج7 ص282 و 158 عن مسلم في صحيحه، وتفسير القرآن العظيم ج2 ص394 وأحمد في مسنده، وأبو داود في سننه، والنسائي، وابن ماجة، والحاكم، والبيهقي، وابن أبي حاتم، والطبراني، وابن مردويه والكشاف ج2 ص49 وأبو طالب مؤمن قريش ص349. وراجع: تفسير الثعلبي ج5 ص100 وتفسير البغوي ج2 ص331 والغدير ج8 ص13 وفتح الباري ج8 ص390 والمحرر الوجيز لابن عطية الأندلسي ج3 ص90 وتفسير العز بن عبد السلام ج2 ص54 والعجاب في بيان الأسباب ج1 ص370 وإيمان أبي طالب ص123 و 124.
اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِنْ بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) (1) فإنه من أجل طمأنتهم، وتأنيسهم، والرفق بهم، والمداراة لهم، لا لأنه(صلىاللهعليهوآله) كان يفعل كفعلهم، فإن النبي(صلىاللهعليهوآله) لم يكن ليقدم على أمر حتى يعرف رضا الله به، ويستأذنه سبحانه وتعالى فيه.
أبو طالب(عليهالسلام) الشيخ المهتدي:
وزعموا أيضاً: أنه لما توفي أبو طالب، جاء علي(عليهالسلام) إلى النبي( صلىاللهعليهوآله) ، وقال له: إن عمك الشيخ الضال قد توفي(2) .
____________
1- الآية 117 من سورة التوبة.
2- المصنف للصنعاني ج6 ص39 والمصنف لابن أبي شيبة ج3 ص155 وج7 ص499 والسنن الكبرى للنسائي ج1 ص107 و 647 وج5 ص151 والمغني لابن قدامة ج2 ص401 وتلخيص الحبير ج5 ص149 وسنن أبي داود ج2 ص83 وسنن النسائي ج4 ص79 والسنن الكبرى للبيهقي ج3 ص398 وفتح الباري ج7 ص148 وتحفة الأحوذي ج4 ص61 والشرح الكبير لابن قدامة ج2 ص315 وخصائص أمير المؤمنين "عليهالسلام " للنسائي ص36 و 127 ومسند أبي يعلى ج1 ص335 وتنقيح التحقيق للذهبي ج1 ص307 ونصب الراية ج2 ص333 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج1 ص236 وكنز العمال ج13 ص119 وج14 ص36 و 37 وفيض القدير ج3 ص89 وأحكام القرآن لابن العربي ج2 ص87 والجامع لأحكام القرآن ج6 ص143 وتفسير القرآن = = العظيم ج2 ص409 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص124 والكامل لابن عدي ج2 ص326 وعلل الدارقطني ج4 ص146 وتاريخ مدينة دمشق ج66 ص335 وسير أعلام النبلاء ج7 ص385 وتاريخ الإسلام للذهبي ج1 ص234 والبداية والنهاية ج3 ص154 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص129 والسيرة الحلبية ج2 ص47.
بل في رواية: أن الإمام علياً(عليهالسلام) رفض ما أمره به النبي(صلىاللهعليهوآله) من تغسيله، ودفنه، فطلب من غيره أن يتولى ذلك(1) .
ونقول:
أولاً: قد روى أحمد في مسنده والبلاذري وغيرهما هذه الرواية، وفيها: إن عمك الشيخ قد توفي، من دون ذكر كلمة "الضال"(2) . فلماذا هذا الدس في الرواية؟!
ثانياً: إن نفس أن يخاطب علي(عليهالسلام) رسول الله(صلىاللهعليهوآله) بهذه الطريقة: "إن عمك الشيخ الضال.. الخ.." لهو أمر لا ينسجم
____________
1- المصنف للصنعاني ج6 ص39 وراجع: كنز العمال (ط الهند) ج17 ص32 و 33 ونصب الراية ج2 ص281 و 282 وفي هامشه عن عدد من المصادر.
2- مسند الإمام أحمد ج1 ص103 و 129 ـ 130 والسنن الكبرى للبيهقي ج1 ص304 ومسند أبي يعلى ج1 ص335 ح424 والمعجم الأوسط للطبراني ج6 ص251 وأنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص24 وفيه: أنه أمره هو فواراه.
مع أدب الخطاب مع الرسول، في الوقت الذي كان يمكن له أن يقول: إن أبي الشيخ "الضال" قد توفي.
ولا يمكن أن يحتمل أحد أن يصدر من علي(عليهالسلام) ما ينافي الآداب مع رسول الله(صلىاللهعليهوآله) أو مع غيره.
ثالثاً: لو لم يكن أبو طالب مؤمناً فلماذا يأمره بتغسيله؟! فهل يغسل الكافر؟!
رابعاً: ماذا يصنع هؤلاء بما ورد في كثير من المصادر، من أن الإمام علياً(عليهالسلام) هو الذي تولى تغسيل أبي طالب ودفنه، واغتسل بعد تغسيله إياه غسل المس الواجب على من مس أي ميت مسلم؟!(1) .
خامساً: هناك عشرات الأدلة والشواهد على ايمان ابي طالب "صلوات الله وسلامه عليه ".
سادساً: إن الأحاديث تصرح بأنه(صلىاللهعليهوآله) قد حزن على
____________
1- تاريخ الخميس ج1 ص301 وراجع: تذكرة الفقهاء (ط.ج) ج2 ص133 و (ط.ق) ج1 ص59 والسنن الكبرى للبيهقي ج1 ص304 و 305 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج14 ص76 والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص122 و (ط قم سنة 1410هـ) ص265 وشرح الأخبار ج2 ص557 وإيمان أبي طالب للمفيد ص25 وبحار الأنوار ج22 ص260 و 261 وج23 ص125 و 163 والغدير ج7 ص386 والدرجات الرفيعة ص61 وإعلام الورى ج1 ص282 وإيمان أبي طالب للأميني ص77.
أبي طالب، وترحم عليه، ودعا له، وعارض جنازته، ومشى فيها.. وو إلخ.. وهي تنافي هذا الحديث الذي يصف أبا طالب بالضال.
رثاء علي(عليهالسلام) لأبي طالب:
وقد رثى علي(عليهالسلام) أبا طالب بقوله:
أبا طالب عصمة المستجير وغيث المحول، ونور الظلم
لقد هد فقدك أهل الحفاظ فصـلى عـليك ولي النعم
ولَــقَّاكَ ربُكَ رِضوانَهُ فقد كنتَ لِلمصطفَى خَيرَ عَمّ(1)
ورثاه(عليهالسلام) أيضاً بقوله:
أرقت لطير آخر الليل غردا يذكرني شجوا عظيما مجددا
أبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى جواداً إذا ما أصدر الأمر أوردا
فأمست قريش يفرحون بموته ولست أرى حيا يكون مخلدا
أرادوا أمورا زينتها حلومهم ستوردهم يوما من الغي موردا
ويرجون تكذيب النبي وقتله وأن يُفترى قدما عليه ويُجحدا
____________
1- بحار الأنوار ج35 ص114 والغدير ج3 ص106 وج7 ص379 و 388 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص459 وج6 ص558 والدر النظيم ص219 والكنى والألقاب ج1 ص110 والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب ص122 وتذكرة الخواص ص9 وإيمان أبي طالب للأميني ص67 و 80 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج33 ص229.
كذبتم وبيتِ الله حتى نذيقكم صدور العوالي والحسام المهندا
فإما تبيدونا وإما نبيدكم وإما تروا سلم العشيرة أرشدا
وإلا فإن الحي دون محمد بني هاشم خير البرية محتدا
وهذه الأبيات توجد في الديوان المنسوب إلى مولانا أمير المؤمنين(عليهالسلام) مع تغيير يسير وزيادة، وإليك نصها:
أرقت لنوح (لطيرٍ) آخر الليل غردا يذكرني شجوا عظيما مجددا
أبا طالب مأوى الصعاليك ذا الندى وذا الحلم لا خلفا ولم يك قعددا
أخا الملك خلى ثلمة سيسدها بنو هاشم أو يستباح فيهمدا
فأمست قريش يفرحون بفقده ولست أرى حيا لشئ مخلدا
أرادت أمورا زينتها حلومهم ستوردهم يوما من الغي موردا
ويرجون تكذيب النبي وقتله وأن يفتروا بهتا عليه ويجحدا
كذبتم وبيتِ الله حتى نذيقكم صدور العوالي والصفيح المهندا
ويبدو منا منظر ذو كريهة إذا ما تسربلنا الحديد المسردا
فإما تبيدونا وإما نبيدكم وإما تروا سلم العشيرة أرشدا
وإلا فإن الحي دون محمد بنو هاشم خير البرية محتدا
وإن له فيكم من الله ناصرا ولست بلاق صاحب الله أوحدا
نبي أتى من كل وحي بحظه فسماه ربي في الكتاب محمدا
أغر كضوء البدر صورة وجهه جلا الغيم عنه ضوءه فتوقدا
أمين على مـا استـودع الله قلبـه وإن كان قولا كان فيه مسددا(1)
ونقول:
إن هذا الرثاء تضمن ما يلي:
1ـ الإشادة بخصال امتاز بها أبو طالب(عليهالسلام) ، ومنها جوده، وحصافة رأيه، وحسن تدبيره، وإيوائه للصعاليك والضعفة، واعتصام المستجيرين به. وهو يغيث الناس بعطاياه في أوقات العُدْم والمحل.
2 ـ إنه علم من أعلام الهداية، ونور للناس في الظلمات.
3 ـ إن فقد أبي طالب قد هدّ أهل الحفاظ.
4 ـ إنه يصلي على أبي طالب، ويطلب له رضوان الله..
5 ـ إنه يعبر عن عظيم حزنه لفقد أبي طالب.
6 ـ إن موته قد ترك ثلمة عظيمة، لا يسدها إلا قبيلة بني هاشم بأسرها.
____________
1- الغدير ج7 ص379 و 380 عن ديوان أمير المؤمنين، وعن ابن أبي الحديد. يضاف إلى ذلك ـ مع بعض الإختلاف ـ: تذكرة الخواص ج1 ص149 و 150 وترجمة أبي طالب من تاريخ دمشق ج66 ص344 وديوان الإمام علي (ط بيروت) ص69 70 وسيرة ابن إسحاق ص239. وراجع: حلية الأبرار ج1 ص105 وبحار الأنوار ج35 ص142 وتاريخ مدينة دمشق ج66 ص344 وإيمان أبي طالب للأميني ص67 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج33 ص229.
7 ـ إن قريشاً قد فرحت بموت هذا الطود الشامخ، مع أن من يشمت بموت الآخرين لا يمكنه أن يضمن الخلود لنفسه، وهذا يدل على عدم صحة الشماتة بالموت، لأنه سيحل بالشامت أيضاً كما حلّ بغيره..
8 ـ إنه يقرر أن من الخطأ الفادح الإقدام على أمور من دون النظر إلى عواقبها، وهذا ما وقعت فيه قريش، وليس من شيمة العقلاء الوقوع في مثل ذلك..
9 ـ لقد بين(عليهالسلام) أن الصراع مع قريش صراع مصير ووجود.. إلا إذا تراجعت قريش عن موقفها الظاهر، وأقرَّت بأن السلم مع العشيرة هو الأقرب إلى الرشد والعقل.
10 ـ إن ناصر النبي(صلىاللهعليهوآله) على المعاندين من قريش هو الله سبحانه، فلا يظنن أحد أن النبي(صلىاللهعليهوآله) لا ناصر له. فإن من كان الله معه لا يفقد شيئاً، ومن لم يكن الله معه، فلا شيء معه ينفعه.
11 ـ ثم إنه(عليهالسلام) يصف النبي الأكرم(صلىاللهعليهوآله) بصفات ظاهرية وباطنية، ويقول: إن صورة وجهه كضوء البدر، حين يجلو ضوؤه الغيم، فيبدوا متوقداً.
ويصفه بأنه أغرّ: أي كريم الأفعال واضحها، أو الأبيض من كل شيء(1) .
12 ـ ثم يصفه بما لا بد لهم من الإقرار به، وبما يقودهم إلى الإيمان
____________
1- لسان العرب ج10 ص43 و (نشر أدب الحوزة ـ قم) ج5 ص14.
والتصديق بنبوته، وهو صفتان:
الأولى: إنه أمين على ما استودع الله قلبه، فلا يفرط في الأمانة، ولا يستهين بها.
الثانية: أنه مسدّد في أقواله، وهو تعبير آخر عن صدقه.
ومن الواضح: أن الصادق والأمين هما من ألقاب رسول الله(صلىاللهعليهوآله) التي شاعت وذاعت وعرفت عنه منذ نشأته، ومن كان كذلك فلا بد من تصديقه فيما يقول، كما لا مجال لاتهامه بالتهاون فيما اؤتمن عليه، وبأنه زاد أو نقص، أو حرّف وتصرّف فيه..
في شعر أبي طالب علم كثير:
ورووا: "أن علياً(عليهالسلام) كان يعجبه أن يُروى شعر أبي طالب(عليهالسلام) ، وأن يدوَّن، وقال: تعلّموه، وعلموه أولادكم، فإنه كان على دين الله، وفيه علم كثير"(1) .
____________
1- راجع: بحار الأنوار ج35 ص115 والكنى والألقاب ج1 ص109 والغدير ج7 ص393 و 394 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج17 ص331 و (ط دار الإسلامية) ج12 ص248 ومستدرك الوسائل ج15 ص166 وجامع أحاديث الشيعة ج17 ص255 وج21 ص408 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص436 وج6 ص558 والكنى والألقاب ج1 ص109 وإيمان أبي طالب ص88 والحجة على الذاهب الى تكفير أبي طالب ص130 وضياء العالمين.