• البداية
  • السابق
  • 364 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20900 / تحميل: 5876
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 3

مؤلف:
العربية

"عليه‌السلام ").

4 ـ وقال الشيخ المفيد "رحمه‌الله ": وقد ذكر أهل السير قتلى أحد من المشركين، وكان جمهورهم قتلى أمير المؤمنين "عليه‌السلام ".

ثم ذكر أسماء اثني عشر من الأبطال المعروفين ممن قتلهم "عليه‌السلام "(1) .

5 ـ ولسوف يأتي إن شاء الله: أن قريشاً قد عجلت بالمسير عن حمراء الأسد حينما علمت أن علياً "عليه‌السلام " قادم إليها.

6 ـ ويقول الحجاج بن علاط في وصف قتله "عليه‌السلام " لكبش الكتيبة، طلحة بن أبي طلحة، وحملاته "عليه‌السلام " في أحد:

لله أي مـذبـب عـن حــزبــه

أعني ابـن فـاطـمـة المعـم المخولا

جـادت يـداك لـه بـعـاجـل طعنة

تركت طـليحـة للجبين مـجـدلا

وشـددت شـدة بـاسل فكشفتهم بالسفح إذ يهوون أسـفـل أسفـلا

وعللت سيفك بـالـدمـاء ولم تكن

لترده حران حـتـى يـنـهـلا(2)

____________

1- الإرشاد ص54 و (ط دار المفيد) ج1 ص90 والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص66 وبحار الأنوار ج20 ص88 و 89 وكشف الغمة ج1 ص195.

2- الإرشاد للمفيد ص54 و (ط دار المفيد) ج1 ص91 وبحار الأنوار ج20 ص89 وكشف الغمة ج1 ص196 والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص332 ورسائل المرتضى ج4 ص120 ومناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص316 وتاريخ مدينة دمشق ج12 ص110 وج42 ص75 ومعجم البلدان ج2 ص125 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج7 ص372 وإمتاع الأسماع ج1 ص142 وأعيان الشيعة ج1 ص390 وج4 ص566 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج3 ص655 والدر النظيم ص397 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص194 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج30 ص222.

٢٨١

ومما يدل على مقدار ما فعله أمير المؤمنين "عليه‌السلام " بقريش في أحد: أن النص التأريخي يؤكد على أن قريشاً كانت ـ بعد ذلك ـ وإلى عشرات السنين تحقد على علي "عليه‌السلام "، وعلى أهل بيته لذلك.. وكانوا إذا واجهوه في حرب يوصي بعضهم إلى بعض.

بشير المدينة علي (عليه‌السلام ) :

ذكرنا في الفصول السابقة: أن رعب الناس قد بلغ حداً لم يجد النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " من يأتيه بالماء من المهراس، الذي كان بالقرب منه، ولا من يرسله ليأتيه بخبر المشركين.. فيضطر إلى إرسال علي "عليه‌السلام " إلى هنا وهناك رغم جراحه وآلامه..

فمن الطبيعي بعد هذا أن لا يجد "صلى‌الله‌عليه‌وآله " من يرسله إلى المدينة ليبشر الناس ويطمئنهم، ويزيل قلقهم سوى علي "عليه‌السلام "..

٢٨٢

وكان أهل المدينة قد عرفوا ما صنعه علي "عليه‌السلام " في بدر، وربما يكون قد بلغهم ما فعله "عليه‌السلام " بأصحاب اللواء وغيرهم في أحد..

وهذا من شأنه أن يسهل عليهم التصديق بما يخبرهم به علي "عليه‌السلام "، ويطمئنهم إلى صحته، كما أن رؤية علي "عليه‌السلام " بينهم تزيد في إحساسهم بالأمن، وتدفع عنهم الوساوس والتوهمات، فإذا كان "عليه‌السلام " بينهم، فلا خوف عليهم من المفاجآت، مهما كانت، فهو حامي الذمار، ومبيد الكفار، ومذل الفجار بسيفه البتار، الموسوم بذي الفقار..

عودة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى المدينة:

قالوا: "ورحل رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، والراية مع علي "عليه‌السلام " وهو بين يديه نحو المدينة، فلما أن أشرف بالراية من العقبة ورآه الناس نادى علي "عليه‌السلام ": أيها الناس، هذا محمد لم يمت ولم يقتل.

فقال صاحب الكلام الذي قال: "الآن يسخر بنا وقد هزمنا"؟!: هذا علي، والراية بيده..

فبينما هم كذلك إذ هجم عليهم النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، ونساء الأنصار في أفنيتهم على أبواب دورهم، وخرج الرجال إليه يلوذون به"(1) .

____________

1- الكـافي ج8 ص321 الحـديث رقم502 وبحار الأنوار ج20 ص109 وشرح = = أصول الكافي ج12 ص448 والصافي ج1 ص388 ونور الثقلين ج1 ص398 وكنز الدقائق ج2 ص246.

٢٨٣

فترى: أن علياً "عليه‌السلام "، وإن كان قد جاء أهل المدينة بالبشارة بسلامة رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، لكنهم ـ فيما يظهر ـ لم يصدقه بعضهم، بل قال بعضهم: الآن يسخر بنا وقدهزمنا؟!.

ثم لما جاء حاملاً لراية النبي، وأشرف بالراية على العقبة ونادى في الناس بسلامة النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، لم يصدقه ذلك البعض أيضاً.. ولعل ذلك لأنهم يفكرون وفق الحسابات المادية، التي كانت تشير كلها إلى أن من غير المعقول أن ينتصر الرسول بعد أن فر عنه أصحابه، رجع قسم منهم إلى بيوتهم في المدينة، وبقوا فيها.. وكان قسم منهم لا يزال متخفياً عن الأنظار، وعلم الناس أن سائر أصحابه قد هربوا إلى الجبل أيضاً، ولم يبق معه سوى علي "عليه‌السلام "، ليواجه هو وإياه آلافاً من العساكر الحاقدة، والمدججة بالسلاح.

ولعلهم حين طلع علي "عليه‌السلام " من العقبة وبشرهم بحياة النبي ظنوا: أن علياً فقط الذي بقي حياً، أما النبي فلا..

واللافت هنا: أن علياً "عليه‌السلام " قال لهم: هذا محمد لم يمت ولم يقتل مستعملاً ألفاظ الآية الكريمة( وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) (1) التي نزلت للتعريض بهم حيث صاروا يقولون: مات محمد أو قتل محمد. فإستعمل علي "عليه‌السلام "

____________

1- الآية 144 من سورة آل عمران.

٢٨٤

نفس تلك الكلمات، ولم يقل هذا النبي أو الرسول إذ قد يتوهم متوهم أنه يتحدث عن مقام النبوة والرسالة، لا عن النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله ". فذكر النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " باسمه، ليزيل أي ريب وشبهة في ذلك ولكن ذلك لم ينفع حتى طلع عليهم النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " نفسه.

علي (عليه‌السلام ) يناول فاطمة (عليها‌السلام ) سيفه:

ويقولون: إنه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " ناول فاطمة "عليها‌السلام " سيفه، وقال: اغسلي عن هذا دمه يا بنية، فوالله، لقد صدقني اليوم. فجاء علي "عليه‌السلام " فناولها سيفه، وقال مثل ذلك.

فقال "صلى‌الله‌عليه‌وآله ": لئن كنت صدقت القتال، لقد صدق معك سهل بن حنيف، وأبو دجانة(1) .

____________

1- تاريخ الأمم والملوك (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص210 وأسد الغابة ج2 ص352 وتاريخ الخميس ج1 ص444 عن ابن إسحاق، والسيرة الحلبية ج2 ص255 و (ط دار المعرفة) ج2 ص547 وعيون الأثر ج1 ص431 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص94 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص229 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص54 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد عـلي صبيح) ج3 ص614 وراجع: الثقـات لابن حبـان ج1 ص235 والمعجم الكبير للطبراني ج11 ص200 ووفاء الوفاء ج1 ص293 عن الطـبراني، ورجـالـه رجـال الصحيح، والمستـدرك للحاكم ج3 ص24 = = وتلخيصه للذهبي بهامشه، وصححاه على شرط البخاري، وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص35 ومجمع الزوائد ج6 ص123 وكنز العمال ج4 ص441.

٢٨٥

ولكن ذلك غير صحيح، لما يلي:

1 ـ إن الذي قتل معظم المشركين، وقتل أصحاب الألوية، وثبت في أحد، ونادى جبرئيل باسمه، وقتل أبناء سفيان بن عويف الأربعة إلى تمام العشرة، هو علي "عليه‌السلام " وليس أبا دجانة، ولا سهل بن حنيف، ولا غيرهما.

2 ـ هذه الرواية متناقضة النصوص؛ فعن ابن عقبة لما رأى رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " سيف علي "عليه‌السلام " مخضباً دماً قال: إن تكن أحسنت القتال، فقد أحسنه عاصم بن ثابت بن أبي الأقلح، والحرث بن الصمة، وسهل بن حنيف(1) . فأي الروايتين هو الصحيح؟!

3 ـ لقد رد ابن تيمية قولهم: بأنه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " قد أعطى فاطمة "عليها‌السلام " سيفه، بأنه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " لم يقاتل في أُحد بسيف(2) .

____________

1- السيرة الحلبية ج2 ص255 و (ط دار المعرفة) ج2 ص547 والمستدرك للحاكم ج3 ص410 ومجمع الزوائد ج6 ص123 والمعجم الكبير للطبراني ج6 ص76 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص35 و البداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص54 وإمتاع الأسماع ج1 ص153 وكشف الغمة ج1 ص188 وعيون الأثر ج1 ص431 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص94.

2- السيرة الحلبية ج2 ص255 و (ط دار المعرفة) ج2 ص547.

٢٨٦

والذي يبدو لنا هو:

أن الصحيح في القضية هو ما ذكره المفيد "رحمه‌الله ": من أنه بعد أن ناول علي فاطمة "عليهما‌السلام " سيفه وقال لها: خذي هذا السيف؛ فلقد صدقني اليوم، وأنشد:

أفاطم هـاك السـيـف غير ذميم

فلـست برعديد، ولا بلئـيـم

لعمري لقد أعذرت في نصر أحمد

وطــاعـة رب بالعباد عليـم

أميطي دمـاء الــقـوم عـنـه فـإنه

سـقـى آل عبد الدار كأس حميم

قال "صلى‌الله‌عليه‌وآله ": خذيه يا فاطمة؛ فقد أدى بعلك ما عليه، وقد قتل الله بسيفه صناديد قريش(1) .

فهذه الرواية هي الأنسب والأوفق بمسار الأحداث، وبأخلاق وسجايا النبي الأكرم "صلى‌الله‌عليه‌وآله ".

____________

1- الإرشاد للشيخ المفيد ص54 و (ط دار المفيد) ج1 ص90 وبحار الأنوار ج20 ص88 وراجع ص72 وإعلام الورى ج1 ص379 والدر النظيم ص161 وكشف الغمة ج1 ص195 وحلية الأبرار ج2 ص432 وأعيان الشيعة ج1 ص259.

٢٨٧

الفصل السادس :

بعد أحد.. وحمراء الأسد..

٢٨٨

٢٨٩

٢٩٠

المجروحون دون سواهم:

وبمجرد أن رجع "صلى‌الله‌عليه‌وآله " إلى المدينة من أحد، وقد قتل من المسلمين من قتل، وجرح من جرح، ولم ينله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " ـ حسب الرواية عن أمير المؤمنين "عليه‌السلام "ـ القتل والجرح، أوحى الله تعالى إلى رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، أن اخرج في وقتك هذا لطلب قريش، ولا تخرج معك من أصحابك إلا من كانت به جراحة.

فأعلمهم بذلك، فخرجوا معه على ما كان بهم من الجراح، حتى نزلوا منزلاً يقال له: حمراء الأسد(1) وهو موضع على ثمانية أميال من المدينة(2) ،

____________

1- تفسير القمي ج1 ص125 وبحار الأنوار ج20 ص110 و 111 و 64 وج90 ص24 عن تفسير النعماني، وأعيان الشيعة ج1 ص93 وراجع: مستدرك سفينة البحار ج2 ص414 وج7 ص573 ومجمع البيان ج2 ص447 والصافي ج1 ص400 ونور الثقلين ج1 ص410 وكنز الدقائق ج2 ص283.

2- معجم البلدان ج2 ص301 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص414 والدرر لابن عبد البر ص158 والتبيان للطوسي ج3 ص51 وجوامع الجامع ج1 ص350 وجـامـع البيـان ج4 ص234 ومعـاني القـرآن للنحـاس ج1 ص510 وتفسير = = السمعاني ج1 ص380 والمحرر الوجيز ج1 ص542 والجامع لأحكام القرآن ج4 ص277 وتفسير البيضاوي ج2 ص116 والتسهيل لعلوم التنزيل ج1 ص124 والبحر المحيط ج3 ص122 وتفسير الآلوسي ج4 ص125 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص27 وأعيان الشيعة ج1 ص259 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص97 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص313.

٢٩١

وكانوا ستين(1) ، أو سبعين راكباً(2) .

علي (عليه‌السلام ) في حمراء الأسد:

وكان علي "عليه‌السلام " حامل لواء النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " إلى

____________

1- البدء والتاريخ ج4 ص205.

2- مجمع البيان ج2 ص539 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص447 ومناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص167 وبحار الأنوار ج20 ص39 ومستدرك سفينة البحار ج2 ص414 وتفسير الثعلبي ج3 ص208 وتفسير البغوي ج1 ص373 وتفسير النسفي ج1 ص192 والتفسير الكبير للرازي ج9 ص97 وغاية المرام ج4 ص226 والبداية والنهاية ج4 ص50 و 51 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص58 والسيرة الحلبية ج2 ص257 و (ط دار المعرفة) ج2 ص551 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص101 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص313 وراجع: تفسير السمعاني ج1 ص380 والجامع لأحكام القرآن ج4 ص277.

٢٩٢

حمراء الأسد(1) ومر معبد الخزاعي ـ وهو مشرك ـ بالمسلمين، وهو في طريقه إلى مكة، فلما بلغ أبا سفيان وأصحابه أخبرهم أن محمداً يطلبهم في جمع لم ير مثله، وأنه قد اجتمع معه من تخلف عنه، وأن هذا علي بن أبي طالب قد أقبل على مقدمته في الناس(2) .

____________

1- راجع: إمتاع الأسماع ج7 ص167 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص57 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص49 والسيرة الحلبية ج2 ص257 و (ط دار المعرفة) ج2 ص551 وعيون الأثر ج2 ص6 وأعيان الشيعة ج1 ص259 و 338 وتفسير فرات ص174.

2- بحار الأنوار ج20 ص40 و 99 وإعلام الورى ج1 ص183 و 184 وشرح الأخبار ج1 ص283 وفتح الباري ج7 ص287 وج8 ص172 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص1428 ومجمع البيان ج2 ص447 وجامع البيان ج4 ص238 وتفسير الثعلبي ج3 ص208 والمحرر الوجيز ج1 ص523 والبحر المحيط ج3 ص83 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص439 والعجاب في بيان الأسباب ج2 ص792 وتفسير الثعالبي ج2 ص121 وتفسير الآلوسي ج4 ص125 وتاريخ خليفة بن خياط ص42 والثقات لابن حبان ج1 ص235 وأسد الغابة ج4 ص390 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص212 والكامل في التاريخ ج2 ص164 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص57 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج3 ص616 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص99 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص553.

٢٩٣

فزاد الرعب في قلوب المشركين، وأسرعوا السير إلى مكة.

قتل أبي عزة الجمحي:

وكان أبو عزة قد أُسِر يوم بدر، ثم منَّ عليه النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " لأجل بناته الخمس، على أن لا يعود لحرب المسلمين، ولا يظاهر عليه أحداً. فنقض العهد، وألب القبائل، وشارك في معركة أحد.

فلما سارت قريش من حمراء الأسد إلى مكة تركوه نائماً، فأدركه المسلمون هناك، وأخذوه، فطلب الإقالة مرة أخرى، فلم يقبل "صلى‌الله‌عليه‌وآله " ذلك منه، حتى لا يمسح عارضيه بمكة، ويقول: سخرت من محمد مرتين، ثم أمر علياً "عليه‌السلام " ـ وقيل غيره ـ فضرب عنقه(1) .

____________

1- راجع: الخرائج والجرائح ج1 ص149 وبحار الأنوار ج20 ص79 والفايق في غريب الحديث ج3 ص200 وكتاب الأم للشافعي ج4 ص252 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص65 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص45 وتخريج الأحاديث والآثار ج3 ص295 و 296 ونصب الراية ج4 ص261 وكشف الخفاء ج2 ص375 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص43 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص206 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج3 ص380 ـ 381 وج4 ص53 و 59 وإمتاع الأسماع ج1 ص172 وج10 ص6 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج3 ص617 وعيون الأثر ج1 ص406 والسيرة النبوية لابن كثير ج2 ص485 وج3 ص92 و 102 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص242 و 312.

٢٩٤

قتل معاوية بن المغيرة:

وكان معاوية بن المغيرة قد انهزم يوم أحد، ودخل المدينة، فأتى منزل ابن عمه عثمان بن عفان..

وكان "صلى‌الله‌عليه‌وآله " قد علم به من طريق الوحي، فأرسل علياً "عليه‌السلام " ليأتي به من دار عثمان، - فزعموا - أن أم كلثوم زوجة عثمان أشارت إلى الموضع الذي صيره عثمان فيه، فاستخرجوه من تحت حمّارة لهم، وانطلقوا به إلى رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، فشفع فيه عثمان، فقبل منه "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، وأجله ثلاثاً، وأقسم إن وجده بعدها في أرض المدينة وما حولها ليقتلنه، فجهزه عثمان، واشترى له بعيراً.

وسار "صلى‌الله‌عليه‌وآله " إلى حمراء الأسد، وأقام معاوية هذا إلى اليوم الثالث، ليعرف أخبار النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، ويأتي بها قريشاً، فلما كان في اليوم الرابع أخبرهم "صلى‌الله‌عليه‌وآله ": أن معاوية بات قريباً، وأرسل زيداً وعماراً، فقتلاه(1) .

____________

1- راجع: بحار الأنوار ج20 ص145 والمغازي للواقدي ج1 ص333 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص46 و 47 عن البلاذري، والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص555 والغدير ج9 ص328 والنزاع والتخاصم ص60 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص311 والكامل في التاريخ (ط صادر) ج2 ص165 وقاموس الرجال ج10 ص407 و 408 وبحار الأنوار ج20 ص145 والبداية والنهاية ج4 ص51 والسيرة النبوية لابن هشام (ط محمد علي صبيح) ج3 ص618 وعيون الأثر ج2 ص6.

٢٩٥

والصحيح: أرسل علياً وعماراً(1) .

وقال البلاذري، عن ابن الكلبي: ويقال: إن علياً "عليه‌السلام " هو الذي قتل معاوية بن المغيرة(2) .

ويذكر هنا: أن عثمان قد انتقم من أم كلثوم، لاتهامه إياها بدلالتها على ابن عمه.

بل يقال: إن ما فعله بها كان سبباً في موتها في اليوم الرابع، وحيث تلك الليلة بات ملتحفاً بجاريتها(3) .

ويذكرون هنا: أنه لما ضرب عثمان زوجته متهماً إياها بأنها هي التي دلت على مكان معاوية بن المغيرة، بعثت إلى النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " بشكواها ثلاث مرات، فأرسل في الرابعة علياً "عليه‌السلام " ليأتي بها، فإن

____________

1- راجع: أنساب الأشراف ج5 ص164 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص199 و 239.

2- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص47 وراجع ص54 وراجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص78 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص555 وأعيان الشيعة ج1 ص391 والنزاع والتخاصم ص60.

3- الكافي ج3 ص251 و 253 وبحار الأنوار ج22 ص160 ـ 161 وقاموس الرجال ج10 ص408 و (ط مركز النشر الإسلامي) ج12 ص219.

٢٩٦

حال بينه وبينها أحد، فليحطمه بالسيف.

وأقبل النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " كالواله إلى دار عثمان، فأخرجها علي "عليه‌السلام "، فلما نظرت إلى النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " رفعت صوتها بالبكاء، وبكى النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، وأخذها إلى منزله، وأرتهم ما بظهرها.

وبات عثمان ملتحفاً بجاريتها، وماتت في اليوم الرابع..

وقد منعه النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " من حضور جنازتها(1) .

ونقول:

قد تحدثنا عن بعض ما يرتبط بغزوة حمراء الأسد، في كتابنا،: الصحيح من سيرة النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، وليس من نيتنا أن نكرر هنا ما ذكرناه هناك، غير أننا نشير بإيجاز إلى بضعة نقاط، هي التالية:

1ـ بالنسبة لمعاوية بن المغيرة نقول:

إن الرواية وإن قالت: إنه قتل على يد علي "عليه‌السلام " وعمار، وزيد، أو على يد علي "عليه‌السلام " وعمار، كما تقدم، ولكننا نجد في المقابل: أن البلاذري وغيره قد جزموا بأن علياً "عليه‌السلام " هو الذي قتله(2) .

____________

1- راجع: الكافي ج3 ص251 و 253 وقاموس الرجال ج10 ص408 و 409 و والخرائج والجرائح ج1 ص94 ـ 96 وبحار الأنوار ج22 ص158 ـ 159 و 160 ـ 162 وج30 ص199 ـ 201 وج78 ص391 ـ 392 وشجرة طوبى ج2 ص242 ـ 244 وراجع: الإستيعاب ج4 ص301 والإصابة ج4 ص304.

2- أنساب الأشراف ج5 ص164 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج15 ص47 و 239 و 199 عن الجاحظ، وراجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص78 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص555 وأعيان الشيعة ج1 ص391 والنزاع والتخاصم ص60.

٢٩٧

2 ـ لقد ألفنا أربعة كتب لإثبات أنه لم يكن للنبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " بنات غير الزهراء "عليها‌السلام "، وقلنا: إن نسبة غيرها إليه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " يمكن أن تكون بسبب أنهن تربين في بيته، فراجع كتابنا: بنات النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " أم ربائبه، وكتابنا: البنات ربائب، وكتابنا: القول الصائب، وغير ذلك..

3 ـ إن قصة قتل معاوية بن المغيرة، وقتل أم كلثوم يدل على أن ام كلثوم لم تعش إلى أواخر حياة النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، بل قتلت على يد زوجها في وقت مبكر أي بعد غزوة أحد مباشرة.

ولعل تأخير الرواة وفاتها عدة سنوات يهدف إلى تضييع هذه الحقيقة، والتشكيك بها.

4 ـ قد يقال: إن بعض التهافت يظهر في السياقات التقريرية لهذه الغزوة، من حيث إن معبد الخزاعي أخبر قريشاً بأن النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " قد لحقهم بجموع كبيرة، وأنه قد انضوى إليه من لم يكن معه.

فإذا تبين للمشركين أن ذلك غير صحيح، وأن المجروحين فقط هم الذين خرجوا في أثرهم، فإن ذلك سيظهر معبداً على أنه يتعمد الكذب عليهم، وأن قريشاً كانت قادرة على ضرب هؤلاء والتخلص منهم وهذا

٢٩٨

يشكل خطراً على معبد نفسه أيضاً.

ونجيب: بأن ما أخبر به معبد الخزاعي قريشاً قد تحمله على أنه حدس وتخمين منه، وأنه قد رأى طليعة الجيش، فقدَّر أن الجيش آت في أثرها، ولا يكو ن ذلك إلا بمزيد من الحشد والإستعداد.

يضاف إلى ذلك: أن قريشاً سوف تنساق إلى نفس ما كان يرمي إليه النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، فإنه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " كان يريد أن يظهر لهم أن الجرحى هم الذين يريدون الإنتقام منهم.. بأشد ما يكون، مع علم قريش بأن هؤلاء هم الذين قاتلوها، وأنهم أصبحوا أشد حرصاً على كيل الصاع صاعين لها.. ولا بد أن يرعب هذا قريشاً، فقد رأت من خصوص واحد من هؤلاء الأعاجيب، التي اضطرتها للهرب.. فكيف إذا اجتمعوا عليها!!

ولم تعد تأمل بأن يكون وجود غيرهم معهم، سوف يكرر المشهد الأول الذي استفادت منه في أحد، حيث إن فرار أولئك أدى إلى فرار غيرهم، حتى وصلت النوبة إلى فرار حتى هؤلاء المجروحين أنفسهم، باستثناء واحد منهم فقط، كان النصر على يديه، وهو الذي أفسح المجال لبعض الآخرين أن يعودوا إلى القتال، فلحقت بهم بعض الجراحات قبل فرارهم وبعده..

فإذا لم يكن هناك من يتوقع منه الفرار، فالحرب ستكون أشد وأصعب على جموع قريش..

يضاف إلى ذلك: أنه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " يريد أن يعطي درساً قاسياً لأولئك الفارين، الذين لم يجرؤا حتى على الإتيان له بالماء ليغسل وجهه، ولم

٢٩٩

يجرؤا على رفع رؤوسهم لمراقبة حركة العدو من بعيد.

يريد أن يقول لهم: إن في هؤلاء القلة القليلة غنى عنهم ـ حتى لو كانوا في غاية الضعف بسبب جراحهم، وحتى لو كانوا قد هزموا قبل ذلك..

كما أنه يريد أن يعرفهم حجم رعب عدوهم، حتى لا تستحكم عقدة الخوف فيهم.. من جهة، وأن يؤكد هذه العقدة نفسها في قلوب أعدائهم، حتى لا يظنوا بأنفسهم أنه كان يمكنهم أن يفعلوا شيئاً ذا بال، وليتأكد لديهم أن ما جرى من نكسة للمسلمين لن يتكرر بعد الآن، وإنما كان أمراً عارضاً لا يصح أن يقاس عليه..

5 ـ إن التعبير الذي أوردناه عن بحار الأنوار عن تفسير النعماني، قد دل على: أن النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " خرج من حرب أحد سليماً معافى، لم ينله قتل ولا جرح، وهذا يؤكد ما روي عن الإمام الصادق "عليه‌السلام " أنه قال: إنه لا صحة لما يقال من أن رباعيته "صلى‌الله‌عليه‌وآله " قد كسرت يوم أحد(1) .

6 ـ إن علياً "عليه‌السلام " هو الذي ضرب عنق أبي عزة الجمحي بأمر من رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله ".. ثم كان هو الذي قتل معاوية بن المغيرة بن أبي العاص.

____________

1- راجع: بحار الأنوار ج20 ص73 و 96 وإعلام الورى ص83 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص179 ومعاني الأخبار ص406

٣٠٠