• البداية
  • السابق
  • 364 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21908 / تحميل: 6795
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 3

مؤلف:
العربية

وهو الذي قتل حملة اللواء التسعة، أو الأحد عشر(1) .. وقتل.. وقتل.. ولم يكن "صلى‌الله‌عليه‌وآله " يريد لأي كان من الناس أن يقوم بهذا الأمر، لأن قبيلة المقتول لن تترك ذلك القاتل دون أن تلحق به الأذى، وتأخذ بثارها منه، ولو في بعض من يمت إليه بصلة قربى.

فكان "صلى‌الله‌عليه‌وآله " يؤثر أن لا تتسع الثارات بين القبائل، وأن يحصر الأمور في فئة بعينها، وهم أهل بيته، وفي شخص بعينه، وهو علي "عليه‌السلام "، فتحمل هو وأهل بيته ثقل هذه المسؤولية، وهدفوا نحورهم للعرب دون كل أحد..

ولولا هذا لم يمكن أن ينتظم للمسلمين أمر، بل سوف تشيع الأحقاد بين القبائل، وتسعى كل قبيلة للثأر لقتيلها من القبيلة الأخرى، وسيختلط الحابل بالنابل، وتتمزق أوصال مجتمع أهل الإسلام، ويتسع الخرق على الراقع..

7 ـ ثم إنه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " أمر علياً "عليه‌السلام " بأن يأتيه بزوجة عثمان، لأنه كان يعلم أن عثمان لا يجرؤ على مواجهة علي "عليه‌السلام "..

8 ـ والأهم من ذلك كله.. تلك الأوامر الصارمة لعلي "عليه‌السلام ": أنه إن حال بينه وبينها أحد فليحطمه بالسيف..

وذلك لأن الذي يفعل ذلك إنما يرد ويتمرد على الله ورسوله، ويريد

____________

1- ونظن: أن حملة اللواء كانوا تسعة، ثم ألحق بهم "عليه‌السلام " اثنين آخرين لعلهما أرادا أخذ اللواء، فلم يمكنهما من ذلك.

٣٠١

أن يكون جباراً في الأرض، ويمارس الظلم والبغي على من لا ناصر له..

ولنفترض صحة الرواية التي تقول: إن زوجة عثمان دلت على ذلك الكافر المحارب، فإنها تكون بذلك قد عملت بواجبها الشرعي، وزوجها هو الذي خالف حكم الله، بإيوائه العدو المحارب لله، ولرسوله..

على أنه لم يكن لدى عثمان أي دليل يدينها به، بل هي مجرد ظنون وأوهام، لا ندري كيف سوغت له هذا الظلم الفاحش، الذي وصل به إلى حد قتلها، وهي مسلمة.. بذلك الكافر، كما أنها قد تربت في بيت النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " بل يدعي اتباع عثمان أنها بنت النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " على الحقيقة؟!

9 ـ واللافت هنا: أننا لم نسمع لعمر بن الخطاب حساً، حتى كأنه لم يحضر هذه الوقائع، فأين كان عنها يا ترى، ولماذا لم نسمع له هديراً وزئيراً على عثمان.. ولم نجده يقول ويلح في القول: دعني اقتله يا رسول الله!! تماما كما قال ذلك في قصة حاطب بن أبي بلتعة، والحكم بن كيسان، وأبي سفيان، وذي الخويصرة، وذي الثدية، وابن أبي، وشيبة بن عثمان، وأعرابي من بني سليم، وغيرهم..

غضب علي (عليه‌السلام ) من طلحة:

ومن آثار حرب أُحد على بعض الناس الذين تسطر لهم الفضائل، ما ذكره السدي في تفسير قوله تعالى:( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءَ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهم مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللهَ لا

٣٠٢

يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (1) من أنه لما أصيب النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " بأحد.. قال عثمان: لألحقن بالشام، فإن لي به صديقاً من اليهود، فلأخذن منه أماناً، فإني أخاف أن يدال علينا اليهود.

وقال طلحة بن عبيد الله: لأخرجن إلى الشام، فإن لي به صديقاً من النصارى، فلأخذن منه أماناً، فإني أخاف أن يدال علينا النصارى.

قال السدي: فأراد أحدهما أن يتهود، والآخر أن يتنصر.

قال: فأقبل طلحة إلى النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، وعنده علي "عليه‌السلام "، فأستأذنه طلحة في المسير إلى الشام، وقال: إن لي بهما [بها] مالاً، آخذه ثم أنصرف.

فقاله له النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله ": عن مثلها من حال تخذلنا؟! وتخرج، وتدعنا!! فأكثر على النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " من الإستئذان، فغضب علي "عليه‌السلام "، وقال: يا رسول الله، إئذن لابن الحضرمية، فوالله لا عزَّ من نصره، ولا ذل من خذله.

فكف طلحة عن الإستئذان عند ذلك؛ فأنزل الله تعالى فيهم:( أَهَؤُلاء الَّذِينَ أَقْسَمُواْ بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ ) (2) ، يعني أولئك.

يقول: إنّه يحلف لكم أنّه مؤمن معكم، فقد حبط عمله بما دخل فيه من

____________

1- الآية 51 من سورة المائدة.

2- الآية 53 من سورة المائدة.

٣٠٣

أمر الإسلام حتى نافق فيه(1) .

ونقول:

إن لنا مع هذا النص وقفات عديدة، نشير إليها ضمن العناوين التالية:

لماذا اليهود؟! ولماذا النصارى؟!:

أول ما لفت نظرنا هنا: أن عثمان وطلحة لم يذكرا المشركين بشيء!! بل اقتصرا على ذكر اليهود والنصارى، كجماعتين يمكن أن تعود لهما الغلبة على بلاد الحجاز. في حين أن الضربة التي تلقاها المسلمون في أحد كانت من المشركين، ولا تزال قوتهم هي المهيمنة على أكثر البلاد والعباد في تلك المنطقة، فكأن عثمان وطلحة كانا أمام احتمالات وأمور يرون أنه لا بدّ من مراعاتها:

أولها: أن صورة الشرك في المنطقة قد اهتزت، وفقدت تأثيرها إلى حدّ كبير، بسبب ما جرى في بدر، بل في أحد نفسها، حيث اضطروا فيها إلى الفرار تحت تأثير ضربات علي "عليه‌السلام ".

ولو كانوا منتصرين لأكملوا مهمتهم، وتوجوا نصرهم بالتخلص من النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " ومن الذين معه بصورة نهائية، ولو حصل ذلك. فهو غايـة أمانيهم، وأغلى منجزاتهم، وأعظمها وأجلها خطراً وأثـراً بنظرهم!!

____________

1- نهج الحق (مطبوع مع دلائل الصدق) ج3 ق1 ص204.

٣٠٤

الثاني: إن هيبة النصارى لا تزال قائمة، ولم يحدث بعد أي احتكاك بينهم وبين المسلمين، ليمكن تكوين تصور عن مسار الأمور بين الفريقين.

وما جرى في مؤتة لم يشهده كثير من الناس، ولا عرفوا تفاصيله، بعد أن ضيع خالد على المسلمين النصر فيه.. ولكن مؤتة لم تكن قد حصلت بعد، لأنها كانت في السنة الثامنة للهجرة، وإنما كانت أُحد في الثالثة.

الثالث: إن اليهود، وإن تعرضت بعض جماعاتهم لنكسة قوية، ولكن ذلك لا يعني أن تسير الأمور بنفس الإتجاه الذي سارت فيه مع تلك الجماعة، لأن عمدة قوتهم لا تزال على حالها. وإنّما ترك اليهود نصرة تلك الجماعة بسبب تحاسدهم فيما بينهم، ولأنهم كانوا لا يزالون يأملون بأن تكفيهم قوى الشرك المتواجدة في المنطقة، والتي تقودها قريش أمر محمد وصحبه، وتنتهي الأمور إلى ما يشبه الغنيمة الباردة بالنسبة إليهم.

وقد آثر عثمان: أن يحتفظ بعلاقته مع اليهود، لأنه لاحظ حضورهم المباشر في المنطقة. ولعل إدعاءاتهم، وإخباراتهم الغيبية عن أنفسهم، وعن دورهم، وعما تؤول إليه الأمور قد خدعت طلحة وسواه، ومناهم أمراً ظهرت بوادره في حرب الجمل.. ولعل هذا الأمر الذي أطمعوهم به قد فهمه اليهود من إخبارات النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " للزبير: بأنه يقاتل علياً وهو له ظالم. وهذا الأمر بالذات هو الذي جعل طلحة وغيره يبحثون عن صداقات وعلاقات، وربما تحالفات مع اليهود، أو مع النصارى..

ولعل طلحة قد لاحظ أيضاً: أن مسار الأحداث لا يطمئنه إلى تمكن اليهود والمشركين من حسم الأمر لصالحهم، فآثر اللجوء إلى القوة الأعظم،

٣٠٥

والتي يشعر معها بالأمن أكثر، بسبب بعدها عن مناطق القتال من جهة، ولأجل أنه توهم أن انقضاضها على المنطقة بعد ضعف القوى المتحاربة فيها سينتهي بحسم الأمور لصالحها.

إشتباه الأمر على السدي:

ثم إننا لا نوافق السدي على قوله: فأراد أحدهما أن يتهود، وأراد الآخر أن يتنصر، فإن اللجوء إلى صديق من اليهود أو النصارى، لأخذ الأمان منه، لو كانت لليهود، أو للنصارى دولة.. لا يعني الدخول في دينه.

إلاّ أن يكون السدي قد أخذ هذا الأمر من نص آخر، صرح بعزمهما على التنصر والتهود.

إن لي بها مالاً:

ثم إن ما جعله طلحة ذريعة للحصول على الأذن بالسفر إلى الشام وهو أن له بها مالاً، قد كان في غاية السخافة.. وقد أسقطه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " عن الاعتبار بكلمة واحدة. فإن من البديهي:

أولاً: أن المال لا يفوته بالتأجيل، ولا سيما إذا كان لمدة يسيرة، كشهر وشهرين.

ثانياً: حتى لو فات ذلك المال، لأجل ما هو أهم، مما يرتبط بالمصير للدين وأهله، فما هي المشكلة في ذلك؟! أليس من الأحكام العقلية الظاهرة تقديم الأهم على المهم؟!

٣٠٦

وكل عاقل يرى: أن حفظ الدين، والذود عن حياض الإسلام، وتأمين سلامة المسلمين أهم من المال.. بل قد يجب بذل النفس في هذا السبيل، فكيف بالمال؟!

ثالثاً: هناك شكوك لا بدّ من أن تراود الخاطر حول مدى صحة هذا الإدعاء الذي أطلقه طلحة حول أصل وجود مالٍ له بالشام!! وعند من؟! وكيف حصل ذلك؟!

رابعاً: إنّه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " اكتفى بإيكال الأمر إلى وجدان وعقل وإدراك الطرف الآخر، حين قال له: "عن مثلها من حال تخذلنا"؟! فإنّه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " قد عرض له الواقع، وأحضرها أمامه، ليكون هو بما يملك من عقل وتمييز، ووجدان الذي يحكم على قراره هذا.

وقد ضمّن النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " كلامه هذا تطبيق مفهوم الخاذل على من يرى هذا الواقع وتلك الحال، ثم يعرض عنه لينشغل بأمور شخصية ودنيوية لا قيمة لها.

ولكن طلحة تعامى عن رؤية ذلك، وأصرّ على ممارسة ذلك الخذلان، وإن كان ثمن ذلك وقوع الكارثة، حتى بالنبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " نفسه، وبدينه، وبالمؤمنين.

إئذن لابن الحضرمية:

ورغم وضوح الأمر إلى حد كبير، ومع تصريح النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " لطلحة: بأن فعله هذا يدخل في دائرة الخذلان، فإن طلحة، واصل إصراره وإلحاحه على رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " حتى لم يعد أمام

٣٠٧

رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " أي سبيل لردع هذا الرجل عن موقفه الذي لا بدّ من ردعه عنه.. لأن التصريح النبوي بالإذن له، وخروجه بالفعل من المدينة إلى الشام سوف يترك أثراً بالغ السلبية على معنويات الناس. وسيهز ثباتهم من الأعماق، فإحتاج إلى تدخل شخص آخر يساعد على كسر هذا الإصرار، ليمكن ردع هذا الرجل، بطريقة مثيرة له، تظهر للناس حجمه الواقعي من جهة، وتعرفهم بتصميمه على خذلان النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " من جهة أخرى حين قال للنبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله ": ائذن لابن الحضرمية، فوالله لا عز من نصره، ولا ذل من خذله.

أي أنّه "عليه‌السلام " بكلمته هذه قد حل المشكل، وحقق مراد رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، فهو "عليه‌السلام " لم يقدم بين يدي الله ورسوله، بل أكد ما يريده رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " وقد تضمن كلامه:

ألف: إظهار الإستهانة بمن يحرص على خذلان رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، ويستهين بالدين وأهله، طمعاً منه بالدنيا، فطلب منه أن يأذن له، وأن لا يكترث لغيابه لكي لا يظن بنفسه أن وجوده هو الذي يحفظ الدين وأهله.

ب: إنّه قد نسب طلحة إلى أمه الحضرمية، ربما لأنّه أراد أن يبعده عن قريش، وعمّا تفخر به على سائر العرب من خِلالٍ ومآثر، وما لها من قداسة فيهم، بسبب سدانة البيت، وغير ذلك..

ج: إنّه قد صرح له ـ وكان المطلوب التصريح ـ: بأنّه بموقفه هذا سببه

٣٠٨

أنه يتعمد خذلان الإسلام وأهله، وأن هذا هو مقصوده الحقيقي من استئذانه، ولذلك قال له "عليه‌السلام ": لا عز من نصره، ولا ذل من خذله.

وأفهمه بذلك: أن محاولته هذه مكشوفة ومعروفة، وذلك يعني: أن طلحة سوف يتحمل مسؤولية إصراره هذا، وسيبقى ذلك وصمة عار على جبينه، وعلى ذريته، في حياته، وبعد مماته.

"فكف طلحة عن الإستئذان عند ذلك".

حبطت أعمالهم:

وقد صرحت الآية التي نزلت في هذه المناسبة بحبط أعمال هذا الفريق الذي يقسم: إنّه مع المسلمين، ثم يظهر أنّه على خلاف ذلك.

ومن المعلوم: أن الكفر هو الذي يحبط الأعمال، فدل ذلك على أن هؤلاء قد تورطوا في أمر عظيم، لا بدّ لهم من الخروج منه، وقد نبهتهم الآية القرآنية إلى لزوم المبادرة إلى ذلك.

العزة لله ولرسوله وللمؤمنين:

وقد بات واضحاً: أن طلحة كان يريد أن يتخذ الكافرين أولياء من دون المؤمنين، وأنه يطلب بذلك العزة، وقد قال تعالى:( الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاء مِن دُونِ المُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِندَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ العِزَّةَ لِلهِ

٣٠٩

جَمِيعاً ) (1) .

فبينت له الآية: أنه مخطئ في هذا التفكير، وأن عليه أن يتراجع عنه.

مناقشات.. وردود:

وقد حاول بعضهم رد الرواية المذكورة، فذكر أموراً عديدة لا تصلح كلها لذلك، فلاحظ ما يلي:

1 ـ الآية نزلت في ابن أبي:

قال ابن روزبهان ما ملخصه: اتفق جميع أهل التفسير على أن الآية نزلت في عبادة بن الصامت، وعبد الله بن أُبي، حين قال عبادة: إني تركت كل مودة وموالاة كانت لي مع اليهود، ونبذت كل عهد لي كان معهم.

وقال عبد الله بن أُبي: لا أترك مودة اليهود، وموالاتهم، وعهدهم إلخ.. فنزلت آية النهي عن اتخاذ اليهود والنصارى أولياء(2) .

ويجاب:

أولاً: قد يقال: إن كلام ابن أبي إنما هو في ابقاء مودته لليهود، وحفظ عهوده معهم، والآية تنهي عن المبادرة إلى اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، فكأنها تنهي عن إحداث ذلك بعد أن لم يكن.

____________

1- الآية 139 من سورة النساء.

2- إبطال الباطل (مطبوع ضمن دلائل الصدق) ج3 ق 1 ص204 ـ 205.

٣١٠

ويمكن أن يجاب عن هذا: بأن الآية ضربت القاعدة، وجاءت بحكم كلي، ينطبق على المورد المذكور وعلى غيره.

غير أننا نقول:

الآية لا تنطبق على قصة عبادة من جهتين:

إحديهما: أنّها تحدثت عن خصوص اتخاذ اليهود والنصارى أولياء، ولم تذكر موضوع حفظ العهد معهم ونبذه.

الثانية: إنّ الآية تحدثت عن اليهود والنصارى، وحديث عبادة إنّما ذكر اليهود دون غيرهم.

ولو كان المراد ضرب القاعدة في اليهود والنصارى أيضاً لكان اللازم التعميم إلى المجوس، وإلى غيرهم من الكفار أيضاً.

ثانياً: لم يتفق المفسرون على نزول الآية في عبادة بن الصامت، وابن أبي، فعن عكرمة في تفسير الآية قال: كان طلحة والزبير يكاتبان النصارى، وأهل الشام إلخ..(1) .

وروي عن السدي ما تقدم(2) .

قال الشيخ محمد حسن المظفر "رحمه‌الله ": "وبالجملة: طلحة في قول عكرمة والسدي، ممن نزلت فيه الآية، واختلفا في الآخر، فقال عكرمة هو

____________

1- الدر المنثور ج2 ص291 عن ابن جرير، وابن المنذر.

2- وراجع: الدر المنثور، عن ابن جرير، وابن أبي حاتم، ولكنه لم يسم الرجلين الذين خافا أن يدال اليهود والنصارى.

٣١١

الزبير، وقال السدي: هو عثمان"(1) .

2 ـ طلحة بريء:

زعم بعضهم: أن ما ذكرته هذه الرواية مكذوب على طلحة، لأنه في أُحد حمى وجه رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " من السيف بيده، وقطعت يده، ومن المقررات أنّه ابتلي يوم أحد بما لم يبتل به أحد من المسلمين(2) .

ونقول:

أولاً: لم يذكر أحد أن يد طلحة قطعت في أُحد، ولا في غيرها، بل ذكروا: أن أصبعه شلت.

ثانياً: دلت النصوص على فرار طلحة في أُحد، فراجع.

ثالثاً: قال العلامة الشيخ محمد حسن المظفر "رحمه‌الله " عن وقاية طلحة وجه النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " بالسيف: "لم أجد في أخبارهم ذكر السيف، وإنّما رووا عنه أنّه وقاه بالسهم"(3) .

رابعاً: قولهم: إن طلحة قد ابتلي بما لم يبتل به أحد من المسلمين، غير ظاهر الوجه، ولا سيما مع ما ذكرناه من فراره في ذلك اليوم، بالإضافة إلى

____________

1- دلائل الصدق ج3 ق1 ص202.

2- راجع: كنز العمال للهندي ج 13 ص201 وإحقاق الحق (الأصل) ص260.

3- دلائل الصدق ج3 ق1 ص207.

٣١٢

ما جرى على حمزة رضوان الله تعالى عليه وعلى سائر الشهداء، والجرحى وما أكثرهم فقد كانوا ستين أو سبعين كما ظهر في غزوة حمراء الأسد.

هذا ما جرى على أمير المؤمنين "عليه‌السلام "، الذي يقول عنه أنس بن مالك كما تقدم:

"أُتي رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " بعلي "عليه‌السلام " يومئذٍ، وفيه نيف وسبعون جراحة، من طعنة وضربة، ورمية، فجعل رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله " يمسحها، وهي تلتئم بإذن الله تعالى كأن لم تكن"(1) .

3 ـ براءة عثمان:

وقد استدل بعضهم على عدم صحة الرواية التي نتحدث عنها: بأن عثمان كان قد تزوج ببنت رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، فكيف يتركها، ويغض النظر عن سوابقه في الإسلام، ويتهود هرباً من إدالة اليهود؟!

وأي ملك كان يهودياً في الشام، ويمكن أن يستولي على الحجاز؟!

ولِم لم يرجع إلى أبي سفيان ليأخذ الأمان منه، وهو ابن عمه؟ ورئيس قريش(2) .

ونجيب:

أولاً: قد أثبتنا: أن عثمان لم يتزوج بنات الرسول "صلى‌الله‌عليه‌وآله

____________

1- مجمع البيان ج2 ص509 وبحار الأنوار ج20 ص23.

2- إبطال الباطل لابن روزبهان (مطبوع مع دلائل الصدق) ج3 ق1 ص203.

٣١٣

بل تزوج بنتين ربيتا في بيت رسول الله "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، ولا أقل من وجود الشك في ذلك.

ثانياً: إن زواجه هذا ـ لو صحّ ـ فهو لا يمنعه من التوسل بما يرى أنّه يحفظ له حياته، كما دلّ عليه فراره في أحد، فإنه لم يعد إلا بعد ثلاثة أيام.

ثالثاً: إن المطلوب: هو أن يلجأ إلى يهودي ذي نفوذ، ويأخذ منه أماناً يرضاه منه يهود الحجاز لو ظهروا على الحجاز، ولا يجب أن يكون هذا اليهودي ملكاً في الشام، أو في غيرها.

رابعاً: إن رجوعه إلى أبي سفيان غير مأمون العواقب، لأن رجوعه هذا لا بدّ أن يظهر ويشتهر، وهو لم يكن مطمئناً إلى نجاح أبي سفيان في معاركه مع المسلمين، وإذا انتصر النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " فستحل بالذي يمالئ أبا سفيان الكارثة.

أما بالنسبة للشام، فيمكنه أن يتستر بالتجارة، ثم يفعل ما يشاء من دون حسيب أو رقيب!

٣١٤

٣١٥

الفصل السابع :

.. إلى بني النضير..

٣١٦

٣١٧

كتاب مفاداة سلمان بخط علي (عليه‌السلام ) :

ويذكر هنا الكتاب الذي كتبه النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " في مفاداة سلمان من عثمان بن الأشهل، فإن النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " أملاه وعلي "عليه‌السلام " كتبه، وكان من الشهود عليه، وهو مؤرخ بالسنة الأولى للهجرة..

وفي هذا الكتاب بعض المآخذ ذكرناها في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " غير أننا نذكِّر بما يلي:

1 ـ إن الكتاب، يصرح بأن النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " هو الذي كاتب عثمان بن الأشهل، فالمفروض أن يكون الدافع للفداء هو النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، وهذا هو صريح الكتاب.. وهو ما حصل بالفعل.

2 ـ إنه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " جعل ولاءه لنفسه وأهل بيته، ولم يدع أحد من زوجات النبي أن لها نصيباً من ولاء سلمان، أفلا يعتبر هذا إشارة إختصاص أهل البيت بغير الزوجات أيضاً؟!

تأدية المال لأصحابه:

وتذكر الروايات: أنه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " هو الذي أدى فداء سلمان،

٣١٨

في اتجاهين:

أحدهما: في غرس النخل المطلوب في الفداء.

فإن النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " باشر غرس النوى بنفسه، وكان علي "عليه‌السلام " يعينه.

وكان "صلى‌الله‌عليه‌وآله " قد أمر سلمان بأن يُفَقِّرَ لها، ولا يضع منها شيئاً، حتى يكون النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " هو الذي يضعها بيده، فغرسها "صلى‌الله‌عليه‌وآله "، فحملت من عامها(1) .

____________

1- راجع: الثقات لابن حبان ج1 ص256 و 257 وتاريخ الخميس ج1 ص468 وحلية الأولياء ج1 ص195 وتاريخ بغداد ج1 ص169 وراجع 163 و164 وطبقات المحدثين بأصبهان ج1 ص209 ـ 223 ودلائل النبوة لأبي نعيم (ط ليدن) ص213 ـ 219 والسيرة النبوية لابن هشام ج1 ص228 ـ 236 وأسد الغابة ج2 ص330 و الطبقات الكبرى لابن سعد ج4 ص197 ـ 199 عن أبي يعلى، والمصنف للصنعاني ج8 ص418 و 420 وتهذيب الأسماء ج1 ص227 ومجمع الزوائد ج9 ص335 و 337 و 340 وقاموس الرجال ج4 ص427 و 428 وأنساب الأشراف (سيرة النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله ") ج1 ص486 و 487 وبحار الأنوار ج22 ص265 و 367 و 390 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج18 ص35 و 39 والإستيعاب (بهامش الإصابة) ج2 ص57 وصفة الصفوة ج1 ص352 و 533 عن أحمد، وفي هامشه عن ابن هشام، وعن الطبراني في الكبير، وعن الخصائص للسيوطي ج1 ص48 عن دلائل البيهقي، ونفس الرحمن ص2 ـ 6 عن قصص الأنبياء للراوندي، وعن المنتقى للكازروني وعن السـيرة الحلبيـة، = = وعن السيرة النبوية لابن هشام، وراجع: مسند أحمد ج5 ص438 و 439 و 440 و 441 و 444.

٣١٩

الثاني: تهيئة الذهب المطلوب، فقد جاءه "صلى‌الله‌عليه‌وآله " بعض أصحابه بمثل البيضة من ذهب، فدعى سلمان، وأعطاه إياها ليفي بها مال الكتابة، فأخذها فوزن منها أربعين أوقية، فوفى بها مال كتابته، وبقي منها مثل ما أعطاهم(1) .

وذكروا أيضاً: أن عمر بن الخطاب حين رأى النبي "صلى‌الله‌عليه‌وآله " يغرس النوى، ويعينه علي "عليه‌السلام " بادر إلى غرس نخلة، فلم

____________

1- راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص185 وسير أعلام النبلاء ج1 ص511 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج2 ص383 والدرجات الرفيعة ص204 ومسند أحمد ج5 ص443 ومجمع الزوائد ج9 ص336 والمعجم الكبير للطبراني ج6 ص226 ودلائل النبوة للأصبهاني ج1 ص363 ونصب الراية ج6 ص188 والسيرة النبوية لابن هشام (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج1 ص145 والشفا بتعريف حقوق المصطفى ج1 ص332 وعيون الأثر ج1 ص91 والسيرة النبوية لابن كثير ج1 ص302 وسبل الهدى والرشاد ج1 ص109 وج9 ص504 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج1 ص311 ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص78.

٣٢٠