الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٤
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 342
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 342
أشجع الأمة:
قال المحقق التستري: تدل الآية بناء على قراءة ابن مسعود: "على كون علي أشجع من كل الأمة، وأنه تعالى به (عليهالسلام ) كفى شر العدو عنهم يوم الأحزاب، فيكون أفضل منهم،( وَفَضَّلَ اللهُ المُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً ) (1) "(2) .
وقال المظفر: "..فمنه حياة الإسلام والمسلمين، ولولا أن يكفيهم الله تعالى القتال بعلي لاندرست معالم الإسلام، لضعف المسلمين ذلك اليوم، وظهور الوهن عليهم الخ.."(3) .
الآن نغزوهم ولا يغزوننا:
وعن قول رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بعد قتل عمرو، أو بعد رحيل الأحزاب: الآن نغزوهم ولا يغزوننا، أو نحو ذلك(4) .نقول:
____________
1- الآية 95 من سورة النساء.
2- إحقاق الحق (الملحقات) ج3 ص381.
3- دلائل الصدق ج2 ص175.
4- راجع المصادر التالية: سبل الهدى والرشاد ج4 ص549 عن أحمد، والبخاري، والبزار، والبيهقي، وأبي نعيم، وفتح الباري ج7 ص312 والمواهب اللدنية ج1 ص115. =
= وراجع: ودلائل النبوة للبيهقي ج3 ص394 و 457 و 458 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص12 ووفاء الوفاء ج1 ص305 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج19 ص62 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص251 والسيرة الحلبية ج2 ص328.
وراجع: صحيح البخاري ج3 ص22 وبحار الأنوار ج20 ص258 و 273 و 209 والإرشاد للمفيد ص62 ونهاية الأرب ج17 ص178 وعيون الأثر ج2 ص66 وراجع ص76 وحدائق الأنوار ج2 ص592 والكامل في التاريخ ج2 ص184 والبداية والنهاية ج4 ص115 عن ابن إسحاق، ومجمع البيان ج8 ص344 وبهجة المحافل ج1 ص271 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص221 وتاريخ الخميس ج1 ص492.
كان المشركون قد أشاعوا زوراً أنهم قد انتصروا في حرب أحد، وبدأوا بالإستعداد للجولة التالية، فحزبوا الأحزاب، وجمعوا الجموع، واتفقوا مع يهود قريظة، وشاركتهم القبائل الفاعلة في المنطقة مشاركة واسعة، طمأنت زعماء قريش، الذين حشدوا كل ما لديهم من قوى بشرية ومادية إلى أن الأمر سيحسم لصالحهم..
وزين لهم الشيطان أن المسألة أصبحت مسألة وقت.
وجاءوا بقضهم وقضيضهم، وحدهم وحديدهم، ففوجئوا بالخندق.. وبحسن إدارة الحرب.
وطاولهم المسلمون في الحرب، حتى ملوا، وواجهوا مشاكل مختلفة ومنها مشكلة البرد، ومشكلة التموين، ومشكلة الريح، ومشكلة الإرهاق،
بسبب إستمرار الإستنفار، وغير ذلك، وفسد الأمر بينهم وبين بني قريظة..
ثم جاءتهم قاصمة الظهر بقتل علي (عليهالسلام ) فارسهم، وألحق به آخرين إلى درك الجحيم..
فآثروا الفرار على القرار، ورضوا بالخزي والعار على البوار والدمار، على يد حيدر الكرار (عليهالسلام )، الذي كان الحق معه وكان هو مع الحق يدور معه حيثما دار.
فإذا كان هذا أكبر حشد وأقواه، من حيث العدد والعدة، وقد طار صيته في طول البلاد وعرضها، وتوقع الناس في أرجاء الجزيرة العربية، وربما في خارجها نتائجه، فإن النتائج التي عاد بها هذا الحشد كانت بمثابة زلزال هز المنطقة بأسرها من الأعماق، وبث الوهن والفشل في كل قلب، وزرع الرعب في كل بيت، وسقط عنفوان الشرك، وتزلزل جبروته..
وبذلك تكون قريش قد فقدت هيبتها، والكثير من نفوذها في المنطقة، وانفك الإرتباط بينها وبين القبائل المختلفة في طول البلاد وعرضها، فلم تعد هذه القبائل ترى نفسها ملزمة بالخط، أو بالموقف التي تريد قريش أن تلزمها به، ولم يعد بإمكان قريش إقناع الكثير من القبائل بالمخاطرة بمستقبلها، وبأمنها، وبعلاقاتها مع المسلمين..
كما أن فساد العلاقة بين بني قريظة والأحزاب قد أعطى الإنطباع بأن الإعتماد والرهان على التحالفات والتفاهمات لم يعد مُطَمئناً، بل هو رهان يكاد يكون على يباب وسراب.
ولا بد لقريش من أن ترضى على مضض بأن ترى القبائل تسعى لمد
الجسور مع المسلمين، وترميم علاقاتها بهم، والتفاهم معهم في المجالات المختلفة. ما دام أن تيار الإسلام والمسلمين في حالة نمو وتعاظم مطرد في البلاد القريبة والبعيدة..
وظهر مصداق قوله (صلىاللهعليهوآله ): بعد ما جرى: الآن نغزوهم ولا يغزوننا.
شهداء المسلمين، وقتلى المشركين:
في عدد الشهداء من المسلمين اختلاف ـ يبدأ من أربعة إلى ثمانية.
كما أن الأقوال في عدد قتلى المشركين تتراوح ما بين ثلاثة إلى ثمانية(1) .
وقد قتل علي (عليهالسلام ) منهم حسب إحصائية ابن شهرآشوب خمسة، هم:
1 ـ عمرو بن عبد ود.
2 ـ حسل بن عمرو بن عبد ود.
3 ـ نوفل بن عبد الله بن المغيرة.
4 ـ منبه بن عثمان العبدري.
____________
1- للإطلاع على هذه الأقوال وبعض مصادرها راجع كتابنا: الصحيح من سيرة النبي (صلىاللهعليهوآله ) ج11 ص247 ـ 249.
5 ـ هبيرة بن أبي هبيرة المخزومي(1) .
غير أننا نقول:
ألف: بالنسبة لشهداء المسلمين: لم يثبت لنا أنهم قتلوا في سياق معركة جرت.. إذ لا نحسب ان شيئاً من ذلك قد حصل..
إلا إن كان بعض الناس الذين كانوا يترددون بالقرب من جيش الأحزاب كانوا يصادفون دوريات المشركين في ذلك المحيط، فيوقع بهم المشركون..
كما أن ما يثير الشبهة هو هذا الترديد في عدد الشهداء بين ثلاثة إلى ثمانية.. والحال أن ضبط عددهم وأسمائهم، وأسماء قاتليهم، وسائر ما جرى لهم كان مطلوباً لمناوئي علي (عليهالسلام )، لكي يخطفوا بعضاً من بهجة النصر الذي تحقق على يد علي (عليهالسلام )، ويقللوا من أهميته، بإيجاد شركاء له في الجهاد والتضحية..
ب: بالنسبة لعدد القتلى من المشركين أيضاً نقول: لقد عجز التاريخ عن الإفصاح بغير من قتلهم علي أمير المؤمنين (عليهالسلام )، ويبقى ما عدا ذلك في حيز الإدعاءات التي لا مجال لإثباتها.
ج: تقدم: أن قتل هبيرة موضع شك، مع أن ابن شهرآشوب قد عده في جملة من قتلهم علي (عليهالسلام )..
____________
1- مناقب آل أبي طالب ج2 ص83 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص355 وبحار الأنوار ج41 ص66.
الفصل الخامس :
علي (عليهالسلام ) في غزوة بني قريظة..
علي (عليهالسلام ) في بني قريظة:
قالوا: لما عاد النبي (صلىاللهعليهوآله ) والمسلمون إلى المدينة جاءه جبرئيل مباشرة يأمره بالمسير إلى بني قريظة، وكان حينئذ ـ كما يبدو ـ في بيت فاطمة (عليهالسلام )، وأنفذ علياً (عليهالسلام ) في ثلاثين من الخزرج، قال المفيد والأربلي وغيرهما: وقال له: انظر إلى بني قريظة، هل تركوا حصونهم؟!
فلما شارف حصونهم سمع منهم الهُجْر، فعاد إلى النبي (صلىاللهعليهوآله ) فأخبره، فقال: دعهم، فإن الله سيمكن منهم. إن الذي أمكنك من عمرو بن عبد ودّ لا يخذلك، فقف حتى يجتمع الناس إليك، وأبشر بنصر الله، فإن الله قد نصرني بالرعب بين يدي مسيرة شهر.
قال علي (عليهالسلام ): فاجتمع الناس إلي، وسرت حتى دنوت من سورهم، فأشرفوا عَلَيّ، فلما رأوني صاح صائح منهم: قد جاءكم قاتل عمرو.
وقال آخر: قد أقبل إليكم قاتل عمرو.
وجعل بعضهم يصيح ببعض، ويقولون ذلك، وألقى الله في قلوبهم
الرعب، وسمعت راجزاً يرتجز:
قتل عــلي عـمــــرواً |
صاد عــلي صقـــراً |
|
قصـــم علي ظــهراً |
أبــرم علي أمــــراً |
هتك عـلي سـتــــراً
فقلت: الحمد لله الذي أظهر الإسلام وقمع الشرك.
وكان النبي (صلىاللهعليهوآله ) قال لي حين توجهت إلى بني قريظة: سر على بركة الله، فإن الله قد وعدك (وعدكم) أرضهم وديارهم.
فسرت مستيقناً لنصر الله عز وجل حتى ركزت الراية في أصل الحصن، (وجعل (صلىاللهعليهوآله ) يسرّب إليه الرجال)، واستقبلوني في صياصيهم، يسبون رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فلما سمعت سبهم له (عليهالسلام ) كرهت أن يسمعه رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فعملت على الرجوع إليه، فإذا به (عليهالسلام ) قد طلع(1) .
ثم ذكر المفيد "رحمهالله " حصار النبي (صلىاللهعليهوآله ) لهم خمسة وعشرين يوماً، ثم نزولهم على حكم سعد بن معاذ، ثم قال:
____________
1- الإرشاد للمفيد (ط دار المفيد) ج1 ص109 و 110 وبحار الأنوار ج20 ص261 و 262 وج41 ص95 و 96 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص145 و (ط دار الأضواء) ج1 ص251 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص207 و 208 وكشف اليقين ص135.
ولما جيء بالأسارى إلى المدينة حبسوا في دار من دور بني النجار، وخرج رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) إلى موضع السوق اليوم، فخندق فيها خنادق، وحضر أمير المؤمنين (عليهالسلام ) معه والمسلمون، فأمر بهم أن يخرجوا، وتقدم إلى أمير المؤمنين أن يضرب أعناقهم في الخندق. فأخرجوا أرسالاً، وفيهم حيي بن أخطب وكعب بن أسد، وهما ـ إذ ذاك ـ رئيسا القوم، فقالوا لكعب بن أسد، وهو يُذْهَبُ بهم إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): يا كعب، ما تراه يصنع بنا؟!
فقال: في كل موطن لا تعقلون، ألا ترون الداعي لا ينزع، ومن ذهب منكم لا يرجع، هو والله القتل.
وجيء بحيي بن أخطب مجموعة يداه إلى عنقه، فلما نظر إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) قال: أما والله ما لمت نفسي على عداوتك، ولكن من يخذل الله يخذل.
ثم أقبل على الناس، فقال: يا أيها الناس، إنه لا بد من أمر الله، كتاب وقدر وملحمة كتبت على بني إسرائيل. ثم أقيم بين يدي أمير المؤمنين علي (عليهالسلام ) وهو يقول: قتلة شريفة بيد شريف.
فقال له أمير المؤمنين (عليهالسلام ): "إن خيار الناس يقتلون شرارهم، وشرار الناس يقتلون خيارهم، فالويل لمن قتله الأخيار الأشراف، والسعادة لمن قتله الأرذال الكفار".
فقال: صدقت، لا تسلبني حلتي.
قال: "هي أهون عَلَيّ من ذاك".
قال: سترتني سترك الله، ومد عنقه، فضربها علي (عليهالسلام ) ولم يسلبه من بينهم.
ثم قال أمير المؤمنين (عليهالسلام ) لمن جاء به: ما كان يقول حيي وهو يقاد إلى الموت؟!
فقال: كان يقول:
لعمـرك ما لام ابن أخطب نفسه |
ولكـنـه من يخـذل الله يخذل |
|
لجاهد حتى بلغ النفس جهدها |
وحاول يبغي العز كل مقـلقل |
فقال أمير المؤمنين (عليهالسلام ):
لقـد كـان ذا جد وجد بكفره |
فقيـد إلينـا في المجامع يعتـل |
|
فقلدته بالسيف ضربة محـفظ |
فصار إلى قعر الجـحيم يكبـل |
|
فذاك مآب الكافرين ومن يكن |
مطيعـاً لأمر الله في الخلد ينزل(1) |
الراية واللواء مع علي (عليهالسلام ):
روي عن جعفر بن محمد، عن أبيه "عليهماالسلام ": أن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بعث علياً (عليهالسلام ) يوم بني قريظة بالراية،
____________
1- الإرشاد للمفيد ص65 و (ط دار المفيد) ج1 ص111 ـ 113 وبحار الأنوار ج20 ص262 ـ 264.
وكانت سوداء تدعى العقاب، وكان لواؤه أبيض(1) .
وقال ابن إسحاق: "وقدَّم رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) علي بن أبي طالب برايته إلى بني قريظة"(2) .
____________
1- قرب الإسناد ص62 و (ط مؤسسة آل البيت) ص131 وبحار الأنوار ج20 ص246 عنه، ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص144 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص110 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص115 ومستدرك= = سفينة البحار ج4 ص257 وإمتاع الأسماع ج1 ص309.
2- العبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص31 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص245 وعيون الأثر ج2 ص50 و 69 و (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج3 ص716 وتفسير فرات (ط سنة 1410 ه. ق) ص174 ومجمع البيان ج8 ص351 وجامع البيان ج21 ص181 وبحار الأنوار ج20 ص277 و 210 وإمتاع الأسماع ج8 ص376 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص493 و 494 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص13 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص11.
وراجع ايضاً: تاريخ ابن الوردي ج1 ص162 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص227 والبداية والنهاية ج4 ص118 والكامل في التاريخ ج2 ص185 ووفاء الوفاء ج1 ص306 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص11 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص245 والسيرة الحلبية ج2 ص333 و (ط دار المعرفة) ج2 ص659 ونور اليقين ص166 ومحمد رسول الله وأثره في الحضارة ص245 وفقه السيرة للغزالي ص338 وخاتم النبيين ج2 ص946 والثقات ج1 ص274 وجوامع السيرة النبوية ص153.
وصرح القمي: بأنها كانت الراية العظمى(1) .
وقال البعض: وخرج علي بالراية، وكانت على حالها لم تطو بعد(2) .
ويظهر من روايات أخرى: أن راية المهاجرين أيضاً كانت مع علي (عليهالسلام )..
فقد روي: أن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) دعا علياً، فقال: قدم راية المهاجرين إلى بني قريظة، فقام علي (عليهالسلام )، ومعه المهاجرون، وبنو عبد الأشهل، وبنو النجار كلها، لم يتخلف عنه منهم أحد(3) .
ويظهر من روايات أخرى: أنه (صلىاللهعليهوآله ) قد دفع إلى علي اللواء أيضاً، فهي تقول:
"فدعا (صلىاللهعليهوآله ) علياً فدفع إليه لواءه. وكان اللواء على حاله، لم يحل من مرجعه من الخندق، فابتدر الناس"(4) .
____________
1- تفسير القمي ج2 ص189 و 190 وبحار الأنوار ج20 ص233 و 234 عنه.
2- تاريخ الإسلام السياسي ج1 ص121.
3- إعلام الورى (ط سنة 1390 هـ. ق) 93 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص195 وبحار الأنوار ج20 ص272 و 273 عنه، وتاريخ اليعقوبي ج2 ص52.
4- المغازي للواقدي ج2 ص497 وإمتاع الأسماع ج1 ص241 و 242 و (ط دار الكتب العلمية) ج1 ص245 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص74 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص4 والسيرة الحلبية ج2 ص33 و (ط دار المعرفة) ج2 ص659 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص13 وراجع: تاريخ الخميس ج1 ص493.
وفي نص آخر: وخرج رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) يحمل لواءه علي بن أبي طالب(1) .
وعن عروة بعث علياً (عليهالسلام ) على المقدمة، ودفع إليه اللواء، وخرج رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في أثره(2) .
وجمع نص آخر بين اللواء والراية فهو يقول: "وكان علي قد سبق في نفر من المهاجرين والأنصار فيهم أبو قتادة.. وغرز علي الراية عند أصل الحصن.
____________
1- الثقات ج1 ص274 وراجع: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص245 وعيون الأثر ج2 ص69 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص247.
2- عمدة القاري ج7 ص192 عن الحاكم، والبيهقي، وموسى بن عقبة، وفتح الباري ج7 ص318 عنهم، والمواهب اللدنية ج1 ص115 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص10 وتاريخ الإسلام للذهبي (المغازي) ص256 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص14 ومجمع البيان ج8 ص351 وبحار الأنوار ج20 ص210 عنه.
إلى أن قال أبو قتادة: وأمرني أن ألزم اللواء فلزمته، وكره أن يسمع رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أذاهم وشتمهم"(1) .
ونقول:
لا بأس بالإشارة إلى ما يلي:
الحرب خدعة:
وذكروا: أن علياً (عليهالسلام ) قال: إن الحرب خدعة، واستشهد على ذلك بأن النبي (صلىاللهعليهوآله ) هو الذي أوقع الخلاف بين بني قريظة، وجيش الأحزاب، فإنه حين بلغه أن بني قريظة بعثوا إلى أبي سفيان: إذا التقيتم أنتم ومحمد، أمددناكم وأعناكم، خطب فقال: إن بني قريظة بعثوا إلينا: أنا إذا التقينا نحن وأبو سفيان أمددونا وأعانونا..
فبلغ ذلك أبا سفيان، فقال: غدرت يهود، فارتحل عنهم(2) .
____________
1- المغازي للواقدي ج2 ص498 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج10 ص599 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج5 ص5 وراجع أيضاً: السيرة النبوية لدحلان ج2 ص14 وإمتاع الأسماع ج1 ص242 و (ط دار الكتب العلمية) ص245 وتاريخ الخميس ج1 ص493 و 494 وتاريخ مدينة دمشق ج9 ص92.
2- راجع: قرب الإسناد ص63 و (ط مؤسسة آل البيت) ص133 وبحار الأنوار ج20 ص246 عنه، وج97 ص31 وج100 ص31 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص134 و (ط دار الإسلامية) ج11 ص102 و 103 وجامع أحاديث الشيعة ج13 ص152 وموسوعة أحاديث أهل البيت "عليهمالسلام " للنجفي ج3 ص270.
ويستوقفنا في هذه الرواية:
أولاً: أن الضمير في هذه الرواية في قوله: فارتحل عنهم يرجع إلى المسلمين، وهذا معناه: أن فساد الأمر بين بني قريظة وبين أبي سفيان قد حصل قبل قتل عمرو بن عبد ود.
مع أن ذلك لا يستقيم، فإن ارتحال أبي سفيان كان بعد ذلك، وقتل عمرو بن عبد ود كان هو السبب في ارتحالهم.
ثانياً: ظاهر هذه الرواية: هو أن ارتحال أبي سفيان والأحزاب كان بسب فساد الأمر بين أبي سفيان وبين بني قريظة، مع أن السبب هو قتل عمرو بن عبد ود ومن معه من الفرسان، لأجل ما أصاب الأحزاب من رعب وخوف.
ثالثاً: إن كان الضمير في قوله: فارتحل عنهم يرجع إلى بني قريظة: فهو لا يستقيم أيضاً، لأن أبا سفيان لم ينزل عليهم، ولم يكن عندهم، وإنما بلغه كلام النبي (صلىاللهعليهوآله ) وهو في جيشه الذي كان عند الخندق..
على أنه لو كان قد قصد بني قريظة لينسق معهم، فبلغه كلام النبي (صلىاللهعليهوآله ).. فالسؤال هو:
كيف علم بخطبة رسول الله (صلىاللهعليهوآله )؟!
وهل لحقه لاحق إلى هناك وأخبره؟!
وإذا كان قد حصل ذلك، فلماذا لم يطالبهم؟! وإذا كان قد طالبهم، فبماذا أجابوه؟! ولِم لم يقبل منهم؟!
إن ذلك لم يتضح لنا من نص الرواية المذكورة.
والسؤال الأهم هو: إذا كان قد اتفق مع بني قريظة، وبلغ خبر الإتفاق إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فما الحاجة إلى الذهاب إليهم مرة أخرى؟!
وإذا كان لم يتفق بعد معهم، فلا معنى لقول الرواية: إنه بلغ رسول الله اتفاقهم على كذا، إذ لم يكن هناك اتفاق أصلاً..
رابعاً: المعروف: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) كان إذا أراد غزوة ورّى بغيرها، وهذا معناه: أنه (صلىاللهعليهوآله ) ينزه نفسه حتى عن الكذب الجائز، كالكذب في الحرب، إذ ليس كل جائز يليق أن يصدر من النبي والرسول، لأن الناس إذا رأوا النبي يكذب فيما يجوز، فإنهم يستحلون الكذب فيما لا يجوز أيضاً.
لماذا علي (عليهالسلام )؟! ولماذا الخزرج؟!:
وقد ذكر النص المتقدم: أنه (صلىاللهعليهوآله ) أرسل في أول الأمر علياً (عليهالسلام ) في ثلاثين من الخزرج، وقال له: انظر بني قريظة هل تركوا حصونهم؟!
فهنا أمور، لا بد من فهمها، هي:
1 ـ إرسال علي (عليهالسلام ).
2 ـ اختيار الخزرج دون غيرهم.
3 ـ اختيار ثلاثين رجلاً.
4 ـ توقع أن يترك بنو قريظة حصونهم.
ونوضح ذلك بما يلي:
ألف: إرسال علي (عليهالسلام ):
بالنسبة لاختياره (صلىاللهعليهوآله ) علياً (عليهالسلام ) لهذه المهمة نقول:
قد ظهر سببه من حال بني قريظة، حيث أرعبهم مجيء علي، وانبهروا بحضوره، ونادى بعضهم: جاءكم قاتل عمرو، ثم ما كان من تصايحهم، وخوفهم..
ب: إختيار الخزرج:
وعن سبب اختيار الخزرج نقول:
إن بني قريظة كانوا أو أكثرهم يميلون إلى الأوس، لوجود حلف بينهم، كانوا يظنون أنه سيفيدهم في الحالات الصعبة، ولا أصعب من هذه الحالة، ولأجل ذلك رفضوا النزول على حكم رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ورضوا بالنزول على حكم سعد بن معاذ، الأوسي.
فاختيار الخزرج دون أن يكون معهم أوسي واحد، ولا مهاجري واحد، يشير إلى تعمد هذا الإختيار، وإلى أن أمرهم عند النبي "صلىاللهعليهوآله "
شديد، وأنه سوف لا يتسامح معهم، وأنه لن تنفع فيهم الشفاعات، ولا مجال لمراعات الخواطر في أمرهم..
ولو أنه خلطهم بغيرهم، ولو من المهاجرين، فلربما يخيل إليهم أن انضمام الخزرج ولو بكثرة لا يشير إلى شيء من ذلك، لأنه قد يكون عفوياً..
ج: ثلاثون رجلاً:
ومما ذكرناه آنفاً يظهر الوجه في تكثير عددهم إلى ثلاثين، إذ لو كان العدد قليلاً: خمسة، أو ستة أو أكثر أو أقل مثلاً، لتخيلوا أن كونهم خزرجيين قد جاء على سبيل الصدفة، لحضورهم في المجلس مثلاً، أو لرابطة شخصية تدفع بعضهم للإلتحاق بالبعض الآخر، أو لغير ذلك من أسباب..
على أن طبيعة المهمة المعلنة لم تكن تحتاج إلى أكثر من رجل أو رجلين لإنجازها، إذ كان يكفي أن يذهب قلة قليلة ليتحسسوا أمر بني قريظة، ليعرفوا إن كانوا في حصونهم، أو خرجوا منها. ولا يجب أن يراهم بنو قريظة!!.
ولكنه (صلىاللهعليهوآله ) أراد لبني قريظة أن يروا هذه الكثرة، وأن يلتفتوا إلى خصوصيتها الخزرجية..
د: ترك الحصون:
ويبقى هنا سؤال يقول: إن الأمر الطبيعي هو أن يستقر الإنسان في بيته، وفي حصنه، وفي أرضه، فما هو المبرر إذن لتوقع النبي "صلىاللهعليهوآله "
أن يكون بنو قريظة قد تركوا حصونهم ـ وقد قال: "تركوا" ولم يقل: خرجوا.
ونجيب:
بأن بني قريظة قد نقضوا العهد باتفاقهم مع المشركين على رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وكانوا على يقين من أن نتيجة الحرب ستكون لصالح أهل الشرك، وأنهم سوف يتمكنون بمعونة بني قريظة من استئصال شأفة أهل الإيمان، وقتل رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) وخيار أصحابه..
فهم قد أقدموا على أمر كانوا قد تعاهدوا مع الرسول على عدم الإقدام عليه، فإن فعلوا ذلك فلا بد من الإنتقام منهم بمثل الفعل الذي أقدموا عليه، وسعوا إلى تحقيقه، وهو الإستئصال، والإخراج من الأرض، والقتل، وما إلى ذلك.. فللنبي (صلىاللهعليهوآله ) أن يتوقع منهم أن يتركوا حصونهم، ويهربوا إلى أرض أخرى..
فمقامهم في حصونهم يعد تحدياً سافراً ووقحاً، إمعاناً في البغي، والتجني.. لا سيما وأنها حصون يتمنعون بها ممن أعلنوا أنهم يسعون إلى قتلهم واستئصالهم.
فإن أمكن تبرير البغض والعداوة الدينية أو الثأرية، ولو بما هو غير مقبول ولا معقول، فإن تضحيتهم بالقيم، بارتكابهم جريمة الغدر، ونقض العهود، لا يمكن تبريريها، فكيف إذا جعلوا تلك القيم ثمناً لارتكاب جريمة استئصال مَنْ حَفِظَهم، وراعى جانبهم، ورضي بالتعامل معهم.