الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٤
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 342
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 342
وفي نص آخر: فجاء به يحمله على عنقه، فقال: يا عائشة، كيف تري الشبه؟
فقلت ـ أنا غيرى ـ : ما أرى شبهاً(1) .
فقال: ولا باللحم؟!
فقلت: لعمري، لمن تغذى بألبان الضأن ليحسن لحمه.
قال: فجزعت عائشة وحفصة من ذلك، فعاتبته حفصة، فحرّمها، وأسرّ إليها سراً، فأفشته إلى عائشة، فنزلت آية التحريم، فأعتق رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) رقبة(2) .
وفي نص آخر أنه قال: ألا ترين إلى بياضه ولحمه؟!
فقالت: من قصرت عليه اللقاح أبيض وسمن(3) .
____________
1- الظاهر أن الصحيح: فقلت ـ وأنا غيرى ـ: ما أرى شبهاً.. كما يعلم من سائر المصادر.
2- الدر المنثور ج6 ص240 عن ابن مردويه. وراجع: الآحاد والمثاني ج5 ص448 والبداية والنهاية ج5 ص326 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص603.
3- تقدم هذا النص عن الحاكم في المستدرك، والذهبي في تلخيصه، والسيوطي عن = = ابن مردويه.
ونزيد هنا: الطبقات الكبرى لابن سعد ج1 قسم1 ص88 و (ط دار صادر) ج1 ص137 والبداية والنهاية ج3 ص305 وقاموس الرجال ج11 ص305 عن البلاذري وأنساب الأشراف ج1 ص450 والسيرة الحلبية ج3 ص309 من دون الفقرة الأخيرة من كلامها، وتاريخ اليعقوبي (ط دار صادر) ج2 ص87 مع حذف كلمة "ما" من قولها: "ما أرى شبهاً" لكن المقصود معلوم من اعتراضه (صلىاللهعليهوآله ). وقد تكون قد قالت ذلك على سبيل السخرية أو الاستفهام الإنكاري. وراجع: قاموس الرجال للتستري ج12 ص302 و 343 وإمتاع الأسماع ج5 ص336.
ولا نريد التعليق على ما ورد في هذه النصوص، ولا سيما ما دل منها على أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) لم يطمئن لأمر إبراهيم حتى سلم عليه جبرئيل بقوله: السلام عليك يا أبا إبراهيم. فإن المفروض: أن عائشة ادعت فيه ما ادعت بعد ذلك أيضاً. كما أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) لم يكن شاكاً في أمر ولده أبداً، بل كان على يقين ببراءة مارية، ولكنه كان يريد إظهار كذب من قرفها بالفاحشة..
ونكتفي بهذا القدر هنا ونعطف الحديث إلى سائر ما يرتبط بسيرة علي (عليهالسلام ).
ولكن يبقى أمر يحتاج إلى المعالجة هنا. وهو أن هناك اختلافاً بين الروايات.. فهل تعدد قذف مارية، فتعددت آليات البراءة؟! أو أن الاتهام كان واحداً لكن التبرئة قد تعددت أمام العديد من الفرقاء؟! أو أن هذه الإختلافات متعمدة لأجل إثارة الشبهة حول صحة الحديث؟!
علي (عليهالسلام ) في سرية حسمي:
ويقولون: إن النبي (صلىاللهعليهوآله ) أرسل زيد بن حارثة إلى حسمي ـ وهو وادٍ في ذات القرى ـ وذلك بعد أن أخذ رجل منهم اسمه
الهنيد، وابنه وناس من جذام طريق دحية الكلبي، وسلبوه ما معه.
فأخبر دحية النبي (صلىاللهعليهوآله )، فأرسل إليهم سريةً عليها زيد بن حارثة، فأغاروا عليهم، فقتلوا منهم رجلين، وقتلوا الهنيد وابنه، وأخذ ابلهم وشاءهم، ومئة من النساء والصبيان.
فشكا الجذاميون ذلك إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وقالوا: إنهم مسلمون.
فأراد أن يرسل علياً (عليهالسلام ) إلى زيد ليأمره برد ما أخذ منهم.
فقال علي (عليهالسلام ): يا رسول الله إن زيداً لا يطيعني، فأعطاه سيفه علامة.
فخرج (عليهالسلام )، فإذا رسول لزيد على ناقة من إبلهم، أرسله زيد بشيراً، فأنزله علي عن الناقة، وردها على القوم مع الجذاميين الذين كانوا قدموا المدينة لإنجاز هذه المهمة، وأردف علي (عليهالسلام )، ذلك البشير خلفه.
فقال: يا علي، ما شأني؟!
فقال: ما لهم، عرفوه، فأخذوه.
ثم ساروا، فلقوا الجيش، فطلب زيد من علي علامة.
فقال: هذا سيفه (صلىاللهعليهوآله )، فعرف زيد السيف، فرد عليهم
كل ما أخذ منهم(1) .
ونقول:
لا بأس بملاحظة ما يلي:
1 ـ إنه (صلىاللهعليهوآله ) انتدب علياً هنا لإرجاع الحقوق إلى أصحابها، وانتدبه أيضاً لإرجاع الحقوق إلى بني جذيمة.. وانتدبه للمبيت على فراشه ليلة الهجرة، وانتدبه لتبليغ مشركي مكة سورة براءة، وانتدبه لقتل مرحب، وانتدبه لرد الكتائب يوم أحد، وانتدبه لمبارزة الوليد في بدر، وانتدبه لقتل ابن صياد وانتدبه.. و.. و.. وقد أدى كل ما انتدبه له على أكمل وجه وأحسنه.
وانتدب غيره ـ وهو عمر بن الخطاب ـ لإبلاغ أهل مكة رسالته، فامتنع، بحجة أنه ليس له عشيرة تمنعه، وانتدبهم لمبارزة عمرو بن عبد ود، وضمن لهم على الله الجنة، فلم يستجيبوا..
وانتدبهم لإجابة أبي سفيان في حرب أحد بأمور بعينها، فخالفوه فيها، وانتدبهم ليأتوه بكتف ودواة ليكتب لهم كتاباً لن يضلوا بعده أبداً، فلم يستجيبوا لطلبه، واتهموه بأنه يهجر.. وانتدبهم ليحلقوا رؤوسهم في الحديبية، فتثاقلوا ولم يجيبوا طلبه إلا بعد لأي.. وانتدبهم لقتل ابن صياد،
____________
1- تاريخ الخميس ج2 ص9 و 10 والسيرة الحلبية ج3 ص179 و (ط دار المعرفة) ج3 ص180 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص88 و 89 وبحار الأنوار ج20 ص375.
فلم يجد عندهم ما يجدي.. و.. و..
وقد فشلوا في سائر المهمات الكبرى التي أوكلت إليهم أيما فشل..
فهل جاء ذلك كله على سبيل الصدفة.. أم أن الأمور جرت وفق ما أراد محبوهم إشاعته، والتسويق له؟!
2 ـ إنه (عليهالسلام ) يلتزم بدقة في تنفيذ ما يأمره النبي به.. حتى أنه حين قال له في خيبر: إذهب ولا تلتفت.
وقف ولم يلتفت، وقال: علام أقاتل الناس؟!
قال: قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله(1) ..
____________
1- راجع: أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص93 والإحسان بترتيب صحيح ابن حبان ج15 ص380 وإسناده صحيح، ومسند أحمد ج2 ص384 ـ 385 وصحيح مسلم ج7 ص121 وسنن سعيد بن منصور ج2 ص179 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص58 و 59 و 57 وترجمة الإمام علي بن أبي طالب من تاريخ دمشق (بتحقيق المحمودي) ج1 ص159 والغدير ج10 ص202 وج4 ص278 وفضائل الخمسة من الصحاح الستة ج1 ص200 ومسند الطيالسي ص320 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص110 وشرح أصـول الكـافي ج6 ص136 وج12 ص494 ومنـاقـب أمير المؤمنين ج2 = = ص503 والأمالي للطوسي ص381 والعمدة ص143 و 144 و 149 والطرائف ص59 وبحار الأنوار ج21 ص27 وج39 ص10 و 12 والنص والإجتهاد ص111 وعن فتح الباري ج7 ص366 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص111 ورياض الصالحين ص108 وكنز العمال ج1 ص86 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص82 و 83 و 84 و 85 والبداية والنهاية ج4 ص211 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص352 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي ج1 ص178 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص125 وينابيع المودة ج1 ص154.
وهنا أيضاً نلاحظ: أنه (عليهالسلام ) ينتزع الناقة من رسول زيد، ويردف الرسول خلفه، ويسلمها إلى أصحابها، ولا يسمح بركوب ناقة صدر أمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بإرجاعها إلى أربابها ولو خطوات يسيرة.
3 ـ قد ظن ذلك الرسول: أن أخذ الناقة منه، كان على سبيل العقوبة له، ولذلك قال: يا علي، ما شأني؟!.
فقال له علي (عليهالسلام ): مالُهم، عرفوه، فأخذوه.. فليس لأحد الحق في أن يتصرف بمال غيره إلا بإذنه..
4 ـ وأما قول علي (عليهالسلام ) لرسول الله (صلىاللهعليهوآله ) إن زيداً لا يطيعني، فهو مدح وثناء على زيد، من حيث أنه هو الآخر يراعي قواعد الإنضباط في تنفيذ الأوامر النبوية الصادرة إليه، ولا يتعامل على أساس العلاقات الشخصية، حين يطلب منه القيام بمسؤوليات معينة.. حتى لو كان ذلك من علي (عليهالسلام ) نفسه، الذي يعلم زيد أنه نفس النبي (صلىاللهعليهوآله )، لأن زيداً يرى أن الولاية الفعلية هي للنبي
(صلىاللهعليهوآله ) لا لعلي (عليهالسلام ).. وكان يعلم أن علياً (عليهالسلام ) يتعامل معه وفق ما تقتضيه الحياة العادية للناس، لا بالمعجزة والكرامة والغيب.
وكان النبي (صلىاللهعليهوآله )، وكذلك علي (عليهالسلام ) يريد من الناس أن يلتزموا بهذا النهج، لكي لا تبقى أية ثغرة يمكن أن يتسرب منها ما يفسد أو يعيق تنفيذ القرار النبوي.
ولم يكن زيد ـ من جهته ـ بالذي يجهل موقع علي (عليهالسلام ) من النبي (صلىاللهعليهوآله ) ومن هذا الدين.. ولكنه يريد أن يُرِي الناس بصورة تطبيقية، كيف يلتزم المسؤول بحرفية البيانات والبلاغات الصادرة إليه من القيادة العليا، وأنه لا مجال للمحاباة في هذا الأمر، ولا يصح الإعتماد على الإجتهادات الشخصية.
الذين يحاربون الله ورسوله:
روي عن أبي عبد الله الصادق (عليهالسلام )، قال: قدم على رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) قوم من بني ضبة، مرضى.
فقال لهم رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): أقيموا عندي، فإذا برئتم بعثتكم في سرية.
فقالوا: أخرجنا من المدينة.
فبعث بهم إلى إبل الصدقة، يشربون من أبوالها، ويأكلون من ألبانها،
فلما برئوا واشتدوا قتلوا ثلاثة ممن كان في الإبل.
فبلغ رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) ذلك، فبعث إليهم علياً (عليهالسلام )، فإذا هم في واد قد تحيروا فيه لا يقدرون أن يخرجوا منه، قريباً من أرض اليمن، فأسرهم، وجاء بهم إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).. فنزلت هذه الآية:( إِنَّمَا جَزَاؤُا الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَاداً أَن يُقَتَّلُواْ أَوْ يُصَلَّبُواْ أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلافٍ أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ ذَلِكَ لهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ ) (1) .
فاختار رسول الله القطع، فقطع أيديهم وأرجلهم من خلاف(2) .
بعث علي (عليهالسلام ) إلى بني سعد:
وفي شعبان سنة ست بعث (صلىاللهعليهوآله ) علياً (عليهالسلام ) في مئة رجل إلى بني سعد بن بكر بفدك التي كان بينها وبين المدينة ست ليال.
____________
1- الآية 33 من سورة المائدة.
2- راجع: نور الثقلين ج1 ص621 و 622 والبرهان ج1 ص465 و 467 عن الكليني، والعياشي، وغيرهما. والكافي ج7 ص245 وكنز الدقائق ج4 ص102 و 103 وتفسير العياشي ج1 ص314 وتفسير الصافي ج2 ص31 وتهذيب الأحكام ج10 ص135 والوسائل (ط دار الإسلامية) ج18 ص535 وميزان الحكمة ج10 ص574 وتفسير الميزان ج5 ص331 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص597.
وسببه أنه بلغ النبي (صلىاللهعليهوآله ) أن لهم جمعاً يريدون أن يمدوا يهود خيبر، وأن يجعلوا لهم تمر خيبر.
وفي الطريق أخذوا رجلاً هناك، فسألوه فأقر انه عين لبني سعد، وأنه مرسل من قبلهم ليهود خيبر، ليعرض عليهم نصرهم مقابل التمر، ثم دلهم على موضع تجمعهم..
فهاجمهم (عليهالسلام ) بمن معه، فهربوا بالظعن، وغنم المسلمون خمس مئة بعير وألفي شاة.
فعزل (عليهالسلام ) صفي المغنم لرسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وعزل الخمس، وقسم الباقي على السرية(1) .
ونقول:
لا حاجة إلى بسط القول في دلالات هذا الحدث غير أننا نشير إلى ما يلي:
1 ـ إن الحرب الوقائية هي التدبير السديد، إذا توفرت شروطها، وقد كانت هذه السرية وقائية، استطاع (عليهالسلام ) أن يورد ضربته في هؤلاء الأشرار قبل اكتمال استعدادهم، وقبل إحكام أمرهم، بل قبل أن يتمكنوا
____________
1- راجع: تاريخ الخميس ج2 ص12 والسيرة الحلبية ج3 ص182 و 183 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص97 وبحار الأنوار ج20 ص293 و 376 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص90.
من إتمام الإتفاق مع من يريدون أن يعينوهم على رسول الله..
وهذه الحرب الوقائية التي خاضها علي (عليهالسلام ) بأمر النبي (صلىاللهعليهوآله ) لها دلالاتها، ومن ذلك:
ألف: قوة جهاز جمع المعلومات عن الأعداء.
ب: دقة تلك المعلومات..
ج: أنها قد وصلت في الوقت المناسب..
د: أن المسلمين استطاعوا أن يفاجئوا عدوهم، وأن يصلوا إليه دون أن يشعر..
هـ: قدرتهم على إبطال نشاطات جهاز استخبارات العدو، وشل حركته، وضربه في المواقع الحساسة منه..
و: دلت على تمكنهم من الإسترشاد بعناصر استخبارات العدو أنفسهم، للحصول على معلومات ثمينة جداً وحساسة عن ذلك العدو..
ز: أعطت هذه الحرب الوقائية المسلمين المزيد من الهيبة في المحيط الذي سوف يستقبل صدى هذه الضربة الموفقة.. وسيزيد في تردد الآخرين في الإقدام على أي عمل يسيء إلى علاقتهم بالمسلمين..
ح: أنها ستزيد المؤمنين ثقة بأنفسهم، وتجرئهم على مواجهة أعدائهم..
ط: تفتح أمامهم آفاقاً جديدة تتمازج فيها القوة والفتوة مع الفكر والتدبير، واجتراح المفاجآت للعدو..
2 ـ إن بني سعد.. يسعون إلى العدوان على الناس وقتلهم، وإنزال أشد البلاء فيهم، لا لذنب أتوه إليهم، ولا نصرة منهم لمظلوم، أو مناوأة
منهم لظالم.. ولا لأجل تأييد حق وإحقاقه، وإبطال باطل وإزهاقه.
وإنما لمجرد الطمع في الدنيا!! ويا ليته كان طمعاً بشيء ذي بال، تهفوا إليه النفوس، كالحصول على الملك والجاه العريض، وقيادة العساكر، والدساكر، والأمر والنهي، أو يا ليته كان طمعاً بالحصول على الأراضي والدور والبساتين والقصور، وإنما هو طمع بشيء من التمر، الذي يحصل عليه كل أحد، ويستوي فيه الذكي والغبي، والغني والفقير، والقوي والضعيف، والوضيع والشريف.
ومن الواضح: أن التبرع بقتل الأنبياء والأولياء، وإنزال المصائب والبلايا بالأبرياء، من أجل الحصول على حفنة من تمر، لهو الغاية في قصر النظر، والغباء، وفي الرذالة والسقوط، ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك..
3 ـ على أنه لا شيء يضمن لهم أن يفي اليهود لهم بما تعهدوا به، لو تم لهم ما أرادوا، فاليهود هم أهل الطمع والجشع، ولا يمكن أن يتنازلوا لهذه القبيلة الضعيفة عن تمر خيبر، بعد قتلهم النبي والوصي، والقضاء على الإسلام وأهله، وصيرورتهم أسياد المنطقة، بل هم سوف يطردون هؤلاء الرعاع، وينكثون عهدهم.. ولليهود تاريخ عريق في نكث العهود، والخلف في الوعود.. ولا سيما إذا كانت الغلبة لهم، والقوة معهم.
حفيد إبليس:
وزعموا: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) كان على جبل من جبال تهامة، فجاءه حفيد إبليس، واسمه هامة بن الهيم، بن لاقيس بن إبليس، الذي
ادعى أنه تاب على يد نوح..
وذكر أنه عاتبه على دعوته على قومه حتى بكى، وعاتب هوداً على دعوته على قومه حتى بكى، وعاتب صالحاً على دعوته على قومه حتى بكى.. وزار يعقوب، وكان مع يوسف..
ولقي إلياس، ولا زال يلقاه، وكان مع إبراهيم حين ألقي في النار، ولقي موسى، وعيسى الذي حمَّله السلام لمحمد.
فقال (صلىاللهعليهوآله ): وعلى عيسى السلام.
فعلمه النبي (صلىاللهعليهوآله ) سورة المرسلات، وعم يتساءلون، وإذا الشمس كورت، والمعوذتين، وطلب منه (صلىاللهعليهوآله ) أن لا يدع زيارته(1) .
____________
1- سبل الهدى والرشاد ج6 ص438 و 439 عن ابن الجوزي في الموضوعات واللآلي المصنوعة، والنكت البديعات، وعن عبد الله بن أحمد في زوائد الزهد، والعقيلي في الضعفاء، وابن مردويه في التفسير، وأبي نعيم في حلية الأولياء والدلائل، والبيهقي في الدلائل، والمستغفري في الصحابة، وإسحاق بن إبراهيم المنجنيقي، والفاكهي في كتاب مكة، وبحار الأنوار ج60 ص303 و 83 ـ 84 وج38 ص54 ـ 57 وج27 ص14 ـ 17 وج18 ص84 وبصائر الدرجات ص27. وراجع: مستدرك الوسائل ج2 ص513 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص31 وج14 ص330 وج15 ص613 وكنز العمال ج6 ص164 ولسان الميزان ج1 ص356 والشفا لعياض ج1 ص362 والضعفاء للعقيلي ج1 ص98 وج4 ص96 وإكمال الكمال ج7 ص330 والموضوعات لابن الجوزي ج1 ص207 و 208 وميزان الإعتدال ج1 ص186 والإصابة ج6 ص407.
ونقول:
إننا لا نشك في أن هذه الرواية موضوعة:
أولاً: لما تضمنته من الإساءة إلى ساحة قدس الأنبياء، ونسبة الجهل أو الظلم، والخطأ إليهم..
ثانياً: إنها تنسب التعسف والظلم للساحة الإلهية أيضاً، لأنه تعالى كان يستجيب لدعوات أنبيائه، ويهلك الناس، وهم لا يستحقون ذلك.
ثالثاً: إن حفيد إبليس عندما يكون أتقى وأورع، أو أعقل وأحكم من الأنبياء، فالنبوة تصبح به أليق، وعنهم أبعد..
رابعاً: زعمت رواية حفيد إبليس: أنه كان مع هود في مسجده مع من آمن من قومه(1) مع أن القرآن يصرح بأن قوم هود هلكوا على بكرة أبيهم، ولم ينج منهم إلا هود وأهله إلا امرأته..
____________
1- بحار الأنوار ج27 ص16 وبصائر الدرجات ص118 ومدينة المعاجز ج1 ص128 وجامع أحاديث الشيعة ج14 ص330 وكنز العمال ج6 ص165 وضعفاء العقيلي ج1 ص99 وطبقات المحدثين بأصبهان ج3 ص267 والموضوعات لابن الجوزي ج1 ص207 وميزان الإعتدال ج1 ص187 ولسان الميزان ج1 ص356 والبداية والنهاية ج5 ص113 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص186.
إضافات وزيادات مشبوهة:
وقد أضافت النصوص المروية في كتب الشيعة: أنه لما طلب من النبي (صلىاللهعليهوآله ) أن يعلمه شيئاً من القرآن قال (صلىاللهعليهوآله ) لعلي (عليهالسلام ) علِّمه.
فقال هام: يا محمد، إنا لا نطيع إلا نبياً أو وصي نبي، فمن هذا؟!
قال: هذا أخي، ووصيي، ووزيري، ووارثي علي بن أبي طالب.
قال: نعم، نجد اسمه في الكتب إليَّا، فعلمه أمير المؤمنين.
فلما كانت ليلة الهرير بصفين جاء إلى أمير المؤمنين (عليهالسلام )(1) .
ونقول:
أولاً: هناك زيادة طويلة ذكرتها الرواية الواردة في روضة الكافي، وفيها ما يناقض هذا الذي ذكر آنفاً، فقد صرحت: بأن النبي (صلىاللهعليهوآله ) سأل حفيد إبليس، إن كان يعرف وصيه؟!
فقال: إذا نظر إليه يعرفه بصفته واسمه الذي قرأه في الكتب.
فقال له: انظر، فنظر في الحاضرين، فلم يجده فيهم.
وبعد حديث طويل سأله فيه النبي (صلىاللهعليهوآله ) عن أوصياء الأنبياء "عليهمالسلام "، وأجابه، ووصف له علياً (عليهالسلام )، جاء علي
____________
1- تفسير القمي ج1 ص375 والتفسير الصافي ج3 ص107 وبحار الأنوار ج60 ص84 وج27 ص14 و 16 وج18 ص84 عن تفسير القمي، ونور الثقلين ج3 ص8.
(عليهالسلام )، فعرفه بمجرد أن وقع نظره عليه.
ثم تذكر الرواية: أن الهام بن الهيم بن لاقيس قتل بصفين(1) .
ثانياً: إن نفس اعتراض هذا الجني على رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) حين طلب من علي (عليهالسلام ) أن يعلمه شيئاً من القرآن يدل على خلل أساسي في إيمانه، لأن الإيمان برسول الله (صلىاللهعليهوآله ) معناه الطاعة له، والإستسلام لأوامره ونواهيه، ومن يرفض ذلك لا يكون كذلك.
ثالثاً: ما الذي جعل لهذا الجني الحق في أن لا يطيع ما عـدا الأنبيـاء وأوصيائهم، حتى حين يأمره الأنبياء والأوصياء بتلك الطاعة؟! وما الذي يميزه عن غيره من بني جنسه في ذلك لو كان الأمر خاصاً به؟!
أليس ذلك يعدُّ معصية للنبي (صلىاللهعليهوآله ) نفسه؟! وألا يعتبر ذلك من التناقض غير المقبول ولا المعقول، إلا من الحمقى، الذين لا يقدِّرون الأمور كما ينبغي؟!
رابعاً: بل إن الجني ادعى: أن الجن جميعاً لا يطيعون غير الأنبياء وأوصسائهم، حيث قال: "إنَّا لا نطيع".
خامساً: يضاف إلى ذلك: أن الأمر قد صدر لعلي (عليهالسلام ) من
رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بحضور ذلك الجني، ولم يكن الأمر من غير النبي (صلىاللهعليهوآله )، وعلي (عليهالسلام ) إنما يريد أن يجري أمر الرسول، فما معنى اعتراض ذلك الجني على ذلك الأمر؟!
____________
1- بحـار الأنـوار ج38 ص54 ـ 57 وج27 ص15 ـ 17 وأشـار في هـامشـه إلـى: = = الروضة ص41 و 42 وبصائر الدرجات ص27 و الروضة في فضائل أمير المؤمنين (بتحقيق علي الشكرچي) ص223. وراجع: مدينة المعاجز ج1 ص136.
الفصل السابع :
أحداث جرت في الحديبية.. وبعدها..
ساقي العطاشى في الجحفة:
قال الشيخ المفيد: روى إبراهيم بن عمر، عن رجاله، عن فايد مولى عبد الله بن سالم، قال: "لما خرج رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في عمرة الحديبية نزل الجحفة، فلم يجد بها ماء، فبعث سعد بن مالك بالروايا، حتى إذا كان غير بعيد رجع سعد بالروايا، فقال: يا رسول الله، ما أستطيع أن أمضي، لقد وقفت قدماي رعباً من القوم!
فقال له النبي (صلىاللهعليهوآله ): اجلس.
ثم بعث رجلاً آخر، فخرج بالروايا حتى إذا كان بالمكان الذي انتهى إليه الأول رجع، فقال له النبي (صلىاللهعليهوآله ): "لم رجعت"؟!
فقال: والذي بعثك بالحق، ما استطعت أن أمضي رعباً.
فدعا رسول الله أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلوات الله عليهما،
فأرسله بالروايا، وخرج السقاة وهم لا يشكون في رجوعه، لما رأوا من رجوع من تقدمه.
فخرج علي (عليهالسلام ) بالروايا حتى ورد الحرار(1) فاستقى، ثم أقبل بها إلى النبي (صلىاللهعليهوآله ) وله زجل(2) .
فكبر النبي (صلىاللهعليهوآله )، ودعا له بخير"(3) .
ونقول:
1 ـ لا مبرر لرجوع أولئك الرجال الذين أرسلهم النبي (صلىاللهعليهوآله ) لإحضار الماء، بعد أن رأوا من المعجزات الظاهرة لرسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ما يدعوهما للتفاني والتنافس في تنفيذ أوامره (صلىاللهعليهوآله ) حباً بالفوز برضاه (صلىاللهعليهوآله )، ورغبة بالنجاة في الآخرة..
2 ـ إن هذه الحادثة تذكرنا أيضاً بما جرى لأبي بكر وعمر في خيبر وفدك وقريظة وذات السلاسل، حيث رجعا بالعسكر منهزمين، يجبن
____________
1- الحرار: جمع حرة، وهي أرض ذات أحجار سود نخرة. الصحاح ج2 ص626.
2- الزجل: رفع الصوت الطرب. لسان العرب ج11 ص302.
3- الإرشاد للمفيد (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص121 و 122 وبحار الأنوار ج20 ص359 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص623 وكشف الغمة ج1 ص210 والإصابة ج3 ص199 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص88 وكشف اليقين ص139.
بعضهم بعضاً.
3 ـ إن علياً (عليهالسلام ) وحده هو الذي كان الله ورسوله وجهاد في سبيله أحب إليه من كل شيء حتى من نفسه، وكانت لذته وسعادته في طاعة رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ونيل رضا الله تبارك وتعالى.. وقد ظهرت آثار هذه السعادة حين أقبل بالروايا وله زجل، أي رفع الصوت الطَّرِب..
4 ـ لا ندري لماذا كتمت الرواية اسم الشخص الثاني الذي أرسله النبي (صلىاللهعليهوآله ) بالروايا، فرجع خائفاً منهزماً؟! مع أنها ذكرت اسم الأول، وهو سعد بن مالك، وذكرت اسم الثالث، وهو علي (عليهالسلام )، فهل هو من الفئة التي تعودنا التعصب لها من بعض الفئات إلى حد تزوير الحقائق، إن لم يمكن إخفاؤها؟! هل هو أبو بكر، أو عمر مثلاً؟!
ونود أن لا تذهب بنا الظنون، فنحسب أن ذكر سعد بن مالك كان للتمويه وإبعاد الشبهة عمن يحبون؟!
لا ولكنه خاصف النعل:
وقالوا أيضاً: "وفي هذه الغزاة أقبل سهيل بن عمرو إلى النبي (صلىاللهعليهوآله )، فقال له: يا محمد، إن أرقاءنا لحقوا بك، فارددهم علينا.
فغضب رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، حتى تبين الغضب في وجهه، ثم قال: لتنتهن ـ يا معشر قريش ـ أو ليبعثن الله عليكم رجلاً امتحن الله قلبه للإيمان، يضرب رقابكم على الدين.
فقال بعض من حضر: يا رسول الله، أبو بكر ذلك الرجل؟!