الصحيح من سيرة الإمام علي(عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٤
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 342
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 342
وفي نص آخر عن ابن مسعود: أبشر يا علي، فلو وزن عملك اليوم بعمل أمتي لرجح عملك بعملهم(1) .
____________
1- ينابيع المودة ص94 و (ط دار الأسوة) ج1 ص281 و 284 وشواهد التنزيل (ط سنة 1411هـ) ص12 وشجرة طوبى ج2 ص289 وبحار الأنوار ج20 ص216 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص439 وكنز الفوائد ص137 وجوامع الجامع ج3 ص52 ومجمع البيان (ط مؤسسة الأعلمي) ج8 ص132 وتأويل = = الآيات ج2 ص452 وغاية المرام ج4 ص275 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج16 ص405 وج20 ص140 و 625 وج21 ص584 وج31 ص234.
زاد المجلسي والطبرسي قوله: "وذلك أنه لم يبق بيت من بيوت المشركين إلا وقد دخله وهن بقتل عمرو. ولم يبق بيت من بيوت المسلمين إلا وقد دخله عز بقتل عمرو"(1) .
ونقول:
إن قيمة العمل ليست بمواصفاته المادية، ولا بكبره وصغره، ولا بقوته وضعفه، ولا بكثرته وقلته، ولا بشكله الظاهر، من حيث الجمال، وصفاء الألوان..
فالحديد مهما كثر وكبر، وازداد صلابةً، واتخذ اشكالاً جميلة ومتناسقة، واتخذ ألواناً لامعة وبديعة، فإنه لن تكون له قيمة الذهب أو الماس.
بل قيمته بخصوصيته الكامنة فيه، وبحقيقة جوهره، وشرف عنصره.
ولأجل ذلك نلاحظ: أن الله سبحانه قد أنزل سورة قرآنية في الثناء على أهل البيت هي سورة هل أتى، لمجرد أنهم "عليهمالسلام " تصدقوا بأقراص من شعير على مسكين ويتيم وأسير، كما أنه تعالى أنزل آية الولاية لتعلن لأمير المؤمنين (عليهالسلام ) أعظم وأجل مقام بعد مقام النبوة
____________
1- راجع: مجمع البيان ج8 ص343 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج8 ص132 وبحار الأنوار ج20 ص205 وج39 ص2 وشواهد التنزيل (ط سنة 1411هـ) ج2 ص12 وكنز الفوائد للكراجكي ص137 وتفسير الميزان ج16 ص298.
الخاتمة، وله مساس بمصير البشر إلى يوم القيامة، في خصوص مناسبة تصدقه بخاتم وهو راكع على سائل دخل المسجد.
وتنزل آية أخرى لتثني على علي (عليهالسلام ) وتخلد ذكره إلى يوم يبعثون، لمجرد تصدقه ببضعة دراهم، ليناجي رسول الله (صلىاللهعليهوآله )..
وكذلك الحال حين تصدق بدرهم ليلاً ودرهم نهاراً، وبدرهم سراً ودرهم جهراً.. فإن القرآن نزل أيضاً بالثناء عليه صلوات الله وسلامه عليه من أجل ذلك..
وفي المقابل نجد: أنه تعالى يؤكد على الخطورة القصوى لبعض الأمور التي يظن الناس أنها ليست بذات أهمية، فيذكر أن عدم الحض على طعام المسكين هو من سمات من يكذب بيوم الدين..
وقد يدخل في هذا السياق كشاهد أو مؤيد أن بعض الأعمال يذكر لها في الأخبار مقادير متفاوتة من الثواب، فتارة يكون ثواب زيارة قبر الإمام الحسين (عليهالسلام ) مثلاً حَجَّة، وتارة يكون ثواب كل خطوة يخطوها الزائر حَجَّة.. مما يعني: أن لدرجة الإخلاص وما يكتشف الفعل من مشقات ومخاوف وغيرها مدخلية في مقدار المثوبة. وربما تخضع المثوبة والعقوبة لخصوصيات تضاف إلى نفس العمل، فقول الحق محبوب للمولى، وله مثوبة معينة، لكنه إذا كان أمام سلطان جائر، زادت مثوبته..
وقد تزيد المثوبة بسبب أحوال أخرى لها مدخلية في زيادة الأثر، فلو أن عمرو بن عبد ود، وهو فارس جيوش الأحزاب.. قتل في بدر أو مات من جراحته فيها، لم يمنع ذلك من أن تغزو قريش المسلمين.. ولكنه حين قاد
جيش الأحزاب، وقتل في الخندق أدى ذلك إلى عجز المشركين عن غزو المسلمين بعدها.. مما يعني: أن هذه الضربة قد غيرت مجرى الأحداث بصورة أساسية، غير أن الأساس في اعتبار ضربة علي (عليهالسلام ) أفضل من عبادة الثقلين هو درجة الصفاء والنقاء، والإخلاص فيها، وقيمتها في ذاتها، وشرف عنصرها، وارتقاء جوهرها..
تمحلات وتعصبات ابن تيمية:
وقد اعتبر ابن تيمية حديث: قتل علي لعمرو أفضل من عبادة الثقلين، ونحوه، من الأحاديث الموضوعة، التي ليس لها سند صحيح، ولم يروه أحد من علماء المسلمين في شيء من الكتب التي يعتمد عليها. بل ولا يُعرف له أسناد صحيح ولا ضعيف.
وهو كذب لا يجوز نسبته إلى النبي (صلىاللهعليهوآله )، فإنه لا يجوز أن يكون قتل كافر أفضل من عبادة الجن والإنس، فإن ذلك يدخل فيه عبادة الأنبياء.
وقد قُتل من الكفار من كان قتله أعظم من قتل عمرو، مثل أبي جهل وعقبة بن أبي معيط، وشيبة. وقصته في الخندق لم تذكر في الصحاح(1) .
____________
1- منهاج السنة ج4 ص171 و 172 باختصار، والسيرة الحلبية ج2 ص320 و (ط دار المعرفة) ج2 ص643 وسيرة الرسول (ط دار الفكر للجميع سنـة 1968م) ص220 و القول الصراح في البخاري وصحيحه الجامع للأصبهاني ص37 وأعيان الشيعة ج1 ص264 و 397.
أما الذهبي، فقال عن حديث: ضربة علي أفضل من عبادة الثقلين: "قبح الله رافضياً افتراه"(1) .
ونقول:
أولاً: رد الحلبي استبعاد أن تكون ضربة عمرو أفضل من عبادة الثقلين بقوله: "فيه نظر، لأن قتل هذا كان فيه نصرة للدين، وخذلان للكافرين"(2) .
ونزيد على ذلك: أنه إذا كانت قد زاغت الأبصار، وبلغت القلوب الحناجر، وصاروا يظنون الظنون السيئة بالله سبحانه. وإذا كان المسلمون قد أحجموا عن مبارزة عمرو، خوفاً ورعباً، وكانوا كأن على رؤوسهم الطير.
وإذا كان عمرو هو فارس الأحزاب، الذين هم ألوف كثيرة، وقد جاؤوا لاستئصال المسلمين، وهم قلة، وقد جاءهم اليهود من جانب، وقريش من جانب، وغطفان من جانب، وكانوا في أشد الخوف على نسائهم وذراريهم.
وإذا كان المنافقون لا يألون جهداً في تخذيل الناس، وصرفهم عن
____________
1- تلخيص مستدرك الحاكم للذهبي ج3 ص32 والسيرة الحلبية ج2 ص320 و (ط دار المعرفة) ج2 ص643.
2- السيرة الحلبية ج2 ص320 و (ط دار المعرفة) ج2 ص643 وأعيان الشيعة ج1 ص265 و 397.
الحرب، حتى أصبح الرسول (صلىاللهعليهوآله ) في قلة قليلة، لا تزيد على ثلاث مئة رجل، بل قيل: لم يبق معه سوى اثني عشر رجلاً.
وإذا كان الجوع والبرد يفتكان في المسلمين، ويضعفان من عزائمهم..
نعم.. إذا كان ذلك، فمن الطبيعي: أن يكون قتل هذا الكافر فيه حياة الإسلام، وانتعاش المسلمين، وفيه خزي الأحزاب، وفشلهم، ولاسيما وأن النصر كان بسبب قتل عمرو كما ربما نشير إليه فيما يأتي إن شاء لله..
ثانياً: أما بالنسبة لضعف سند الحديث، وعدم ذكره في الصحاح، فلا يقلل ذلك من قيمته واعتباره، إذ ما أكثر الأحاديث الصحيحة، والمتواترة التي لم تذكر في كتب الصحاح.
وقد عرفنا تعصب أصحاب الصحاح على علي وأهل بيته "عليهمالسلام ".
ثالثاً: قول ابن تيمية ليس له سند ضعيف ولا صحيح، يكذبه رواية المستدرك لهذا الحديث عن بهز بن حكيم بن معاوية بن حيدة، عن أبيه، عن جده، وقد قال أبو داود: بهز بن حكيم أحاديثه صحاح(1) .
وهذا يسقط سائر دعاوى ابن تيمية حول سند هذا الحديث.
____________
1- خلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص381 وتهذيب الكمال ج28 ص173 وتاريخ الإسلام للذهبي ج9 ص79 والوافي بالوفيات ج10 ص193 وراجع سائر كتب الرجال والتراجم.
شهادة حذيفة:
قال المفيد: "روى قيس بن الربيع، قال: حدثنا أبو هارون العبدي، عن ربيعة السعدي، قال: أتيت حذيفة بن اليمان، فقلت له: يا أبا عبد الله، إنا لنتحدث عن علي (عليهالسلام ) ومناقبه، فيقول لنا أهل البصرة: إنكم تفرطون في علي (عليهالسلام ). هل أنت محدثي بحديث فيه؟!
فقال حذيفة: يا ربيعة، وما تسألني عن علي (عليهالسلام )! فوالذي نفسي بيده، لو وضع جميع أعمال أصحاب محمد (صلىاللهعليهوآله ) في كفة الميزان، منذ بعث الله محمداً إلى يوم الناس هذا، ووضع عمل علي (عليهالسلام ) في الكفة الأخرى لرجح عمل علي (عليهالسلام ) على جميع أعمالهم.
فقال ربيعة: هذا الذي لا يقام له ولا يقعد.
فقال حذيفة: يا لكع: وكيف لا تحمل؟! وأين كان أبو بكر، وعمر، وحذيفة، وجميع أصحاب محمد (صلىاللهعليهوآله ) يوم عمرو بن عبد ود دعا إلى المبارزة، فأحجم الناس كلهم ما خلا علياً (عليهالسلام )؟! فإنه برز إليه وقتله الله على يده.
والذي نفس حذيفة بيده، لعمله ذلك اليوم أعظم أجراً من عمل أصحاب محمد (صلىاللهعليهوآله ) إلى يوم القيامة(1) .
____________
1- الإرشاد ص55 و (ط دار المفيد) ج1 ص103 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص204 وسـيرة المصطـفـى ص504 وشـرح نهج البلاغـة للمعـتزلي ج19 = = ص60 و61 وإعلام الورى (ط دار المعرفة) ص195 و (ط مؤسسة آل البيت لإحياء التراث) ج1 ص379 وبحار الأنوار ج20 ص256 و 257 وج34 ص304 وج39 ص3 ونهـج الحـق ص249 و 250 وشـرح الأخبـار ج1 ص229 و300 وأعيان الشيعة ج1 ص265 و 598 والدر النظيم ص165 ومناقب الإمام أمير المؤمنين (عليهالسلام ) للكوفي ج1 ص222 وحلية الأبرار ج2 ص158 وكشف اليقين ص134.
شهادات ومواقف أخرى:
قال المعتزلي:
1 ـ "فأما الخرجة التي خرجها يوم الخندق إلى عمرو بن عبد ود، فإنها أجلُّ من أن يقال: جليلة، وأعظَمُ من أن يُقال: عظيمة.
2 ـ وما هي إلا كما قال شيخنا أبو الهذيل، وقد سأله سائل: أيما أعظم منزلة عند الله: علي أم أبو بكر؟!
فقال: يا ابن أخي، والله، لمبارزة علي عمرواً يوم الخندق تعدل أعمال المهاجرين والأنصار وطاعاتهم كلها، وتربي عليها، فضلاً عن أبي بكر وحده.
3 ـ وقد روي عن حذيفة بن اليمان ما يناسب هذا، بل ما هو أبلغ منه الخ..(1) .
وعن حذيفة: لو قسمت فضيلة علي (عليهالسلام ) بقتل عمرو يوم
____________
1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج19 ص60 وعنه في إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص8 وسيرة المصطفى ص503 وبحار الأنوار ج20 ص273 وج39 ص3.
الخندق بين المسلمين بأجمعهم لوسعتهم(1) .
4 ـ وقال أبو بكر بن عياش: لقد ضَرَبَ علي ضربة ما كان في الإسلام أعزّ منها ـ يعني ضربة عمرو بن عبد ود ـ ولقد ضُرِبَ علي ضربة ما ضرب الإسلام أشأم منها ـ يعني ضربة ابن ملجم لعنه الله(2) .
5 ـ وقال الحافظ يحيى بن آدم ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري: ما شبهت قتل علي عمرواً إلا بقوله تعالى:( فَهَزَمُوْهُم بِإِذْنِ اللهِ وَقَتَلَ دَاوُدُ جَالُوتَ ) (3) "(4) .
____________
1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص284 والغدير ج7 ص212 والعثمانية للجاحظ ص333 وأعيان الشيعة ج4 ص598 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج20 ص626.
2- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج19 ص61 والإرشاد ص61 و (ط دار المفيد) ج1 ص105 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص205 ومجمع البيان ج8 ص344 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج8 ص133 وبحار الأنوار ج20 ص206 و 258 وج41 ص91 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص138 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص327 وقاموس الرجال للتستري ج11 ص237 وأعيان الشيعة ج1 ص265 و 397 والدر النظيم ص165.
3- الآية 251 من سورة البقرة.
4- سبل الهدى والرشاد ج4 ص379 والإرشاد للمفيد ص60 و (ط دار المفيد) ج1 ص102 وكشف الغمـة للأربـلي ج1 ص205 والمستـدرك للحاكم ج3 = = ص34 وتلخيصه للذهبي بهامشه، وإعلام الورى (ط دار المعرفة) ص196 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص382 وبحار الأنوار ج20 ص256 وج39 ص4 وج41 ص91 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص7 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي الشافعي ج19 ص61 و 62 والمناقب للخوارزمي ص106 و (ط مركز النشر الإسلامي) ص171 وكنز الفوائد للكراجكي ص138 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص137 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص326 وأعيان الشيعة ج1 ص264 و 396 والدر النظيم ص164.
6 ـ وروي أن عمرواً قال لعلي: ما أكرمك قرناً(1) .
لا نأكل ثمن الموتى:
قال ابن إسحاق ـ كما رواه البيهقي ـ : وبعث المشركون إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) يشترون جيفة عمرو بن عبد ود بعشرة آلاف.
فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): هو لكم، لا نأكل ثمن الموتى(2) .
____________
1- مناقب آل أبي طالب ج3 ص136 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص325 وبحار الأنوار ج41 ص90.
2- راجع: سبل الهدى والرشاد ج4 ص379 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص7 والسيرة الحليبة ج2 ص320 و (ط دار المعرفة) ج2 ص643 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص198 (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص171 وبحار الأنوار ج20 ص205 ج41 ص90 وأعيان الشيعة ج1 ص264
وراجع: مستدرك سفينة البحار ج7 ص575 وسنن النـبي "صلىاللهعليهوآله " = = للطباطبائي ص232 ومجمع البيان ج8 ص133 وتفسير الميزان ج16 ص298 وتفسير الآلوسي ج21 ص156 والبداية والنهاية ج4 ص107 (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص122 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص205.
وقال أبو زهرة: "ويظهر: أنه كان عظيماً بين المشركين، يعتزونه، فأرسلوا يطلبون جثمانه(1) .
وقد ذكرت نفس هذه الحادثة: بالنسبة لجيفة نوفل بن عبد الله بن المغيرة، ونكاد نشك في صحة ذلك. ولعل الزبيريين قد حرفوا ما قيل عن جيفة عمرو ليكون لصالح جيفة نوفل، بهدف تضخيم شأن نوفل، ليصبح أهم من عمرو بن عبد ود، زعماً منهم أن روايتهم المكذوبة: أن الزبير قد قتل نوفلاً قد راجت على الناس.
مع أن علياً (عليهالسلام ) أيضاً هو الذي قتل نوفلاً وغيره كما سيأتي.
وإن كنا نحتمل أيضاً: أن يكون بنو مخزوم قد طلبوا جيفة صاحبهم، ليرفعوا من شأنه حتى لا يكون أقل من عمرو.
فرح الملائكة بقتل عمرو:
عن الصادق (عليهالسلام ): لما قتل علي (عليهالسلام ) عمرو بن عبد ود أعطى سيفه الحسن (عليهالسلام )، وقال: قل لأمك تغسل هذا الصيقل.
____________
1- خاتم النبيين ج2 ص938.
فردَّه ـ وعلي (عليهالسلام ) عند النبي (صلىاللهعليهوآله ) ـ وفي وسطه نقطة لم تنقَ، قال: أليس قد غسلته الزهراء؟!
قال: نعم.
قال: فما هذه النقطة؟!
قال النبي (صلىاللهعليهوآله ): يا علي، سل ذا الفقار يخبرك.
فهزه، وقال: أليس قد غسلتك الطاهرة، من دم الرجس النجس؟!
فأنطق الله السيف فقال: بلى، ولكنك ما قتلت بي أبغض إلى الملائكة من عمرو بن عبد ود، فأمرني ربي فشربت هذه النقطة من دمه، وهو حظي منه، فلا تنتضيني يوماً إلا ورأته الملائكة وصلَّت عليك(1) .
نقول:
ليس لدينا ما ينفي صحة هذه الرواية. ومجرد الإستبعاد، والإعلان بإنكارها، لا يكفي، لأن الجواب على ذلك هو أنه حين يصعب علينا فهم بعض ما ورد فيها، فإن علينا أن نكل علم ذلك إلى أهله، ما دام أنه لا يمس أساس العقيدة، ولا يؤثر على الضوابط والمرتكزات العامة للبحث العلمي الرصين.
____________
1- بحار الأنوار ج20 ص249 و 150 والخرائج والجرائح ج1 ص215 و 216 ومدينة المعاجز ج2 ص19 وشجرة طوبى ج2 ص289.
أين المخلصون؟!:
ويبقى هنا سؤال: أين كان المخلصون الأوفياء، والأبرار الأتقياء من أصحاب خاتم الأنبياء: كالمقداد، وعمار وسواهما عن إجابة طلب رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بمبارزة عمرو بن عبد ود، وقد وعدهم (صلىاللهعليهوآله ) بالجنة؟!
ونجيب:
أولاً: لم تصرح الروايات بحضور هؤلاء الأشخاص بين ذلك الجمع، فلعلهم غابوا لأعذار مختلفة، كالمرض، والسفر، ولعل بعضهم بقي في المدينة لحراستها من بني قريظة.
ثانياً: لقد رتب النبي (صلىاللهعليهوآله ) على أبواب الخندق الثمانية لحراستها أشخاصاً من قبائل شتى، كما أن من الطبيعي أن يكون للجيش المرابط حراس يمنعون الأعداء من الإيقاع بالمسلمين على حين غفلة منهم.. فلعل هؤلاء المخلصين كانوا من هؤلاء، أو من أولئك..
ولكن مما لا شك فيه: هو أن معظم المسلمين كانوا عند رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وفيهم الطامحون والطامعون، وأصحاب الدعاوى العريضة.. وقد تحداهم عمرو ومن معه، وطلب النبي (صلىاللهعليهوآله ) منهم مبارزته، فلم يستجب منهم أحد..
ثالثاً: لم يكن هؤلاء الذين تذكر أسماؤهم يدَّعون، ولا كان أحد يدَّعي لهم أنهم يقدرون؛ على مواجهة عمرو بن عبد ود. كما أنهم لا يرشحون أنفسهم لمقامات تفرض اتصافهم بصفات معينة، التي منها العلم الشامل،
والعصمة، والشجاعة التي تفوق شجاعة البشر كلهم.
الخوارج.. وقتل عمرو بن عبد ود:
هذا.. وقد أورد الحاكم النيسابوري العديد من الأحاديث عن قتل علي (عليهالسلام ) لعمرو، ثم قال:
"قد ذكرت في مقتل عمرو بن عبد ود من الأحاديث المسندة، ومما عن عروة بن الزبير، وموسى بن عقبة، ومحمد بن إسحاق بن يسار ما بلغني، ليتقرر عند المنصف من أهل العلم: أن عمرو بن عبد ود لم يقتله، ولم يشترك في قتله غير أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهالسلام ).
وإنما حملني على هذا الإستقصاء فيه قول من قال من الخوارج: إن محمد بن مسلمة أيضاً ضربه ضربة، وأخذ بعض السلب.
ووالله، ما بلغنا هذا من أحد من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم.
وكيف يجوز هذا وعلي (عليهالسلام ) يقول ما بلغنا: إني ترفعت عن سلب ابن عمي، فتركته. وهذا جوابه لأمير المؤمنين عمر بن الخطاب بحضرة رسول الله (صلىاللهعليهوآله )(1) " انتهى.
فظهر أن الخوارج كانوا يتعمدون وضع الحديث الذي يسيء إلى علي (عليهالسلام ).. وهذا هو المتوقع منهم، فقد تاب شيخ منهم ورجع عن مقالتهم، فقال: "إن هذه الأحاديث دين، فانظروا عمن تأخذون دينكم،
____________
1- المستدرك للحاكم ج3 ص34.
فإنَّا كنا إذا هوينا أمراً صيرناه حديثاً"(1) .
وقال الجوزجاني عن الخوارج في الصدر الأول: "نبذ الناس حديثهم إتهاماً لهم"(2) .
فكيف يروي البخاري إذن عن عمران بن حطان، مادح عبد الرحمان بن ملجم، لقتله علياً؟!(3) .
____________
1- لسان الميزان ج1 ص10 و 11 والكفاية في علم الرواية للخطيب ص123 و 156 وآفة أصحاب الحديث ص71 و 72 وتذكرة الموضوعات ص7 وفتح الملك العلى ص90 والجامع لأحكام القرآن ج1 ص78 والموضوعات لابن الجوزي ص38 واللآلي المصنوعة ج2 ص468 وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص29 وعن السنة ومكانتها في التشريع، للسباعي ص97 وراجع: العتب الجميل ص122.
2- أحوال الرجال ص34 وراجع: لسان الميزان ج1 ص10 و11 والكفاية للخطيب ص123 وآفة أصحاب الحديث ص71 و 72 واللآلي المصنوعة ج2 ص468 وبحوث في تاريخ السنة المشرفة ص29 عن الأولين، وعن: السنة ومكانتها في التشريع، للسباعي ص97 وعن: الموضوعات لابن الجوزي ص38 راجع: العتب الجميل ص122.
3- راجع: العتب الجميل (ط الهدف للإعلام والنشر) ص99 والسقيفة للمظفر ص186 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص286 والإمام علي بن أبي طالب (عليهالسلام ) للهمداني ص573 و 587 وفتح الباري (المقدمة) ص432 وج10 = = ص244 وعمدة القاري ج22 ص13 وأضواء البيان ج3 ص126 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص654 والنصائح الكافية ص31 ومستدرك الوسائل ج1 ص18 ومقاتل الطالبيين ص23 وأجوبة مسائل جار الله ص72 والنص والإجتهاد ص535 والغدير ج5 ص293 وج9 ص393.
وكيف يقول أبو داوود: "ليس في أهل الأهواء أصح حديثاً من الخوارج"(1) .
____________
1- ميزان الإعتدال ج1 ص10 و (ط دار المعرفة) ج3 ص236 وتهذيب الكمال ج22 ص323 وسير أعلام النبلاء ج4 ص214 وتهذيب التهذيب ج8 ص113 وتاريخ الإسلام للذهبي ج6 ص155 والعتب الجميل ص121 و (ط الهدف للإعلام والنشر) ص20 وفتح الباري (المقدمة) ص432 والإمام علي بن أبي طالب (عليهالسلام ) للهمداني ص587 وسؤالات الآجري لأبي داود ج2 ص117 والكفاية في علم الرواية للخطيب ص158 وتاريخ مدينة دمشق ج43 ص489
الفصل الرابع :
علي (عليهالسلام ) في نهايات حرب الخندق
قاتل عمرو، وحسل، ونوفل:
وذكر ابن هشام: أن علياً (عليهالسلام ) قتل عمرو بن عبد ود، وابنه حسل بن عمرو(1) ، وهو الذي قتل نوفل بن عبد الله أيضاً.
قال اليعقوبي: "وكبا بنوفل بن المغيرة بن عبد الله فرسه، فلحقه علي فقتله(2) .
وقال الطبرسي، وابن كثير، والطبري: إنه لما تورط في الخندق جعل يقول: قتلة أحسن من هذه يا معشر العرب، فنزل إليه علي فقتله، وطلب
____________
1- راجع: السيرة النبوية لابن هشام ج3 ص265 و (ط مكتبة محمد علي صبيح) ج3 ص732 وراجع: سيرة المصطفى ص502 و 503 عنه والبداية والنهاية ج4 ص116 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص133 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص222 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص32 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص198 و 198 وتاريخ الخميس ج1 ص492 وراجع: نهاية الأرب ج17 ص179.
2- تاريخ اليعقوبي ج2 ص50 وراجع: بهجة المحافل ج1 ص266.
المشركون رِمَّتَه، فمكنهم من أخذه(1) .
وذكرت بعض المصادر: أنه (عليهالسلام ) ضربه بالسيف فقطعه نصفين(2) .
وذكر ابن إسحاق: أن علياً طعنه في ترقوته حتى أخرجها من مراقه،
____________
1- راجع: تاريخ الأمم والملوك (ط مطبعة الإستقامة) و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص240 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص380 وتاريخ الخميس ج1 ص487 و 488 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص137 وبحار الأنوار ج41 ص90 وج20 ص274 وخاتم النبيين ج2 ص938 والبداية والنهاية ج4 ص107 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص123 والسيرة الحلبية ج2 ص315 و (ط دارالمعرفة) ج2 ص637 وراجع ص320 وسيرة المصطفى ص502 ومحمد رسول الله لمحمد رضا ص231 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص7 و 5 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج19 ص64 وبهجة المحافل ج1 ص267 وحبيب السير ج1 ص362 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص206 والإرشاد للمفيد ص60 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص204 وإعلام الورى ص195 وتفسير الثعلبي ج8 ص16.
2- تاريخ الخميس ج1 ص487 و 488 والسيرة الحلبية ج2 ص315 و (ط دارالمعرفة) ج2 ص637 وأعيان الشيعة ج1 ص396.