• البداية
  • السابق
  • 329 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 20078 / تحميل: 6061
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 6

مؤلف:
العربية

(أن الروايات متفقة على أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) اختار للمباهلة علياً وفاطمة وولديهما. ويحملون كلمة (نساءنا) على فاطمة، وكلمة (أنفسنا) على علي فقط).

ومصادر هذه الروايات الشيعة، ومقصدهم منها معروف، وقد اجتهدوا في ترويجها ما استطاعوا، حتى راجت على كثير من أهل السنة.

ولكن واضعيها لم يحسنوا تطبيقها على الآية، فإن كلمة (نساءنا) لا يقولها العربي ويريد بها بنته، لا سيما إذا كان له أزواج، ولا يفهم هذا من لغتهم.

وأبعد من ذلك أن يراد بأنفسنا علي عليه الرضوان.

ثم إن وفد نجران الذين قالوا: إن الآية نزلت فيهم، لم يكن معهم نساؤهم وأولادهم.

وكل ما يفهم من الآية أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يدعو المحاجين والمجادلين في عيسى من أهل الكتاب إلى الإجتماع رجالاً ونساءً، وأطفالاً، ويبتهلون إلى الله بأن يلعن هو الكاذب فيما يقول عن عيسى.

وهذا الطلب يدل على قوة يقين صاحبه، وثقته بما يقول. كما يدل امتناع من دعوا إلى ذلك من أهل الكتاب، سواء كانوا نصارى نجران أو غيرهم، على امترائهم في حجاجهم، ومماراتهم فيما يقولون، وزلزالهم فيما يعتقدون، وكونهم على غير بينة ولا يقين. وأنى لمن يؤمن بالله أن يرضى بأن يجتمع مثل هذا الجمع من الناس المحقين والمبطلين في صعيد واحد، متوجهين إلى الله تعالى في طلب لعنه، وإبعاده من رحمته؟! وأي جراءة على

١٤١

الله، واستهزاء بقدرته وعظمته أقوى من هذا؟!

قال: أما كون النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) والمؤمنين كانوا على يقين مما يعتقدون في عيسى (عليه‌السلام ) فحسبنا في بيانه قوله تعالى:( مِنْ بَعْدِ مَا جَاءكَ مِنَ الْعِلْمِ ) (1) فالعلم في هذه المسائل الإعتقادية لا يراد به إلا اليقين.

وفي قوله:( نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ.. ) (2) وجهان:

أحدهما: أن كل فريق يدعو الآخر، فأنتم تدعون أبناءنا، ونحن ندعو أبناءكم، وهكذا الباقي.

وثانيهما: أن كل فريق يدعو أهله، فنحن المسلمين ندعو أبناءنا ونساءنا وأنفسنا، وأنتم كذلك.

ولا إشكال في وجه من وجهي التوزيع في دعوة الأنفس، وإنما الإشكال فيه على قول الشيعة ومن شايعهم من القول بالتخصيص(3) .

ونقول:

إننا نذكر هنا ما أوردناه في كتابنا الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(4) . وهو كما يلي:

أولاً: ما زعمه من أن مصادر هذا الحديث هم الشيعة غير صحيح، فقد

____________

1- الآية 61 من سورة آل عمران.

2- الآية 61 من سورة آل عمران.

3- تفسير المنار ج3 ص322 و 323 وتفسير الميزان ج3 ص236.

4- الصحيح من سيرة النبي الأعظم ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ج29 ص12 ـ 17.

١٤٢

روي هذا الحديث في صحاح أهل السنة ومجاميعهم الحديثية والتفسيرية وبطرقهم. ومن غير المعقول أن يكون الشيعة قد دسوا هذه الروايات في تلك المجاميع.. إذ إن ذلك يؤدي إلى سقوطها، ومنها صحيح مسلم والترمذي، وتفسير الطبري، والدر المنثور، وسائر صحاح ومصادر أهل السنة..

ثانياً: لو صح ما زعمه، لأفسح المجال للقول: بأن الدس في كتب أهل السنة ميسور لكل أحد، من قبل الشيعة وغيرهم، والنتيجة هي: أن تصبح روايات أهل السنة كلها مسرحاً لتلاعب جميع الفئات، ولا مجال للوثوق بها، وتسقط بذلك عن الإعتبار..

ثالثاً: إن كان المقصود بالشيعة خصوص الصحابة والتابعين الذين رووا هذا الحديث، فالأمر يصبح أشد خطورة، إذ هو يؤدي إلى نسبة جماعة من أئمة أهل السنة، ورواة حديثهم، وفقهائهم، إلى التشيع والشيعة، مع أنه لا يرتاب أحد في تسننهم، بل فيهم من هو من الأركان في التسنن..

رابعاً: بالنسبة لقوله عن الشيعة: (ويحملون كلمة نساءنا على فاطمة، وكلمة أنفسنا على علي فقط) نقول:

إن التعبير بالنساء والأبناء جار وفق ما يقتضيه طبعه العام، وإن كان مصداقه ينحصر في فرد واحد، تماماً كما هو الحال في قوله تعالى:( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ ) (1) . إذ لا مصداق للمفهوم العام سوى علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )

____________

1- الآية 55 من سورة المائدة.

١٤٣

حين تصدق بالخاتم وهو راكع، وهي قضية يعرفها كل أحد.

وكذلك الحال في قوله:( أَطِيعُوا اللهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأمْرِ مِنْكُمْ ) (1) ، التي لا يقصد بها سوى الأئمة الإثني عشر..

ومن المعلوم: أن الله لا يأمر بإطاعة أمثال فرعون ويزيد ونمرود.

ومنه: آية التطهير التي قصد بها خصوص الخمسة أصحاب الكساء.

وكذلك الحال في قوله تعالى:( قُلْ لاَ أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلاَ المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (2) ، مع أن المقصود بها خصوص أصحاب الكساء والتسعة من ذرية الإمام الحسين (عليه‌السلام ). كما دلت عليه الروايات.

ولا يقصد بها من كان من الضالين، أو الجبارين، كالذين قتلوا واضطهدوا أبناء عمهم من أبناء علي (عليه‌السلام )، والذين أحرقوا قبر الأمام الحسين (عليه‌السلام )، وإن كانوا من قرابته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

ومنه: قوله تعالى: ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ ) (3) ، ونحن نعلم أن إثبات بنات للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله) غير الزهراء (عليها‌السلام) صعب المنال، فراجع كتابنا (بنات النبي أم ربائبه)، وكتاب: (القول الصائب في إثبات الربائب)، وكتاب: (البنات ربائب)، وكتاب (ربائب النبي شبهات وردود)..

____________

1- الآية 59 من سورة النساء.

2- الآية 23 من سورة الشورى.

3- الآية 59 من سورة الأحزاب.

١٤٤

خامساً: بالنسبة لقوله: (إن العربي لا يطلق كلمة نساءنا على بنت الرجل، لا سيما إذا كان له أزواج، ولا يفهم هذا من لغتهم) نقول:

ألف: إن الذين أوردوا هذه الروايات التي طبقت الآية على علي وفاطمة (عليهما‌السلام )، كانوا من العرب الأقحاح، الذين عاشوا في عصر النبوة وبعده، وقد سجلها أئمة اللغة، وعلماء البلاغة في كتبهم ومجاميعهم، ولم يسجلوا أي تحفظ على هذه الروايات..

ب: لو صح إشكال هذا الرجل، فهو وارد على قوله هو أيضاً، فإنه يزعم: أن وفد نجران لم يكن معه نساءٌ ولا أولادٌ، فما معنى أن تقول الآية:( نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُمْ؟!. فكيف يمكنه تطبيق الآية ) ؟!.

ج: إن المقصود هو أن يُبْلِغَهم أنه يباهلهم في قضية بشرية عيسى بجميع الأصناف البشرية التي لها خصوصية الإشتراك في العلم والأهلية، وفي الدعوى، وفي إثباتها. وهم هنا من النساء والأطفال والرجال، حتى لو لم يكن الجامعون للشرائط المشار إليها منهم سوى فرد واحد من كل صنف.

فهو كقول القائل: شرفونا وسنخدمكم: نساءً، ورجالاً، وأطفالاً. أي أن جميع الأصناف سوف تشارك في خدمتهم، حتى لو شارك واحد أو اثنان من كل صنف.

سادساً: زعم هذا القائل: أن ظاهر الآية هو أن المطلوب هو دعوة المحاجين والمجادلين في عيسى من أهل الكتاب جميع نسائهم ورجالهم

١٤٥

وأبنائهم، ويجمع النبي جميع أبناء ونساء ورجال المؤمنين، ثم يبتهلون.

ونقول:

إن هذا لا يمكن أن يكون هو المراد من الآية، لأنه من طلب المحال. ويحق للنصارى أن يرفضوا هذا الطلب، لأنه يثبت أن ثمة تعنتاً، وطلباً لما لا يكون. وهو يستبطن الإعتراف بصحة ما عليه النصارى.. إذ لو لم يكونوا على حق لما لجأ إلى التعنت وطلب المحال.

سابعاً: قد يقال: إن كان المقصود هو: نساء وأبناء الوفد، ونساء وأبناء النبي، فيرد إشكال: إنه لم يكن مع الوفد نساء وأبناء..

ويجاب عنه:

بأن الناس كثيراً ما كانوا يسافرون ومعهم نساؤهم وأبناؤهم. وكان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يصطحب معه في حروبه إحدى زوجاته، وكان المشركون يأتون بنسائهم في حروبهم، كما كان الحال في بدر، وأحد، رغم الأخطار المحدقة.

أما الوفود فلا يحتمل فيها مواجهة أخطار، أو تعرض لأذى، وأسر وسبي إلا في حدود ضئيلة، فالداعي إلى استصحاب النساء والأطفال، لا يواجهه أي مانع أو رادع..

ثامناً: زعم هذا القائل: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) والمؤمنين كانوا على يقين مما يعتقدون في عيسى (عليه‌السلام ). ونقول:

لا شك في أن الآية تدل على يقين النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بذلك، وقد دل فعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المباهلة على أن الذين أخرجهم

١٤٦

معه كانوا أيضاً على يقين من ذلك.

ودل على ذلك أيضاً قوله تعالى:( فَنَجْعَلْ لَعْنتَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (1) . حيث إنهم جميعاً كانوا شركاء في الدعوى، وعلى يقين من صحتها. ووعي تام لتفاصيلها، ومعرفة بدقائقها وحقائقها.

وأما بالنسبة لسائر المؤمنين فلا شيء يثبت أنهم كانوا على يقين من ذلك، فلعل بعضهم كان خالي الذهن عن كثير من التفاصيل. وربما لو عرضت عليه لتحير فيها.

بل لقد صرح القرآن بأن الشكوك كانت تراود أكثرهم، فقال:( وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللهِ إِلاَ وَهُمْ مُشْرِكُونَ ) (2) .

تاسعاً: ونضيف إلى ما تقدم:

ألف: إنه لا معنى لقوله: إن الآية قد تعني أن يفوض إلى النصارى دعوة الأبناء والنساء من المؤمنين، ويدعو المؤمنون أبناء ونساء النصارى في المباهلة، إذ كيف يسلط النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) النصارى على أبناء ونساء المؤمنين، ثم يطلب من النصارى أن يسلطوه على دعوة نسائهم وأبنائهم.. في حين أن المباهلة لا تحتاج إلى ذلك، بل يمكن أن يأتي كل فريق بمن أحب، لكي يباهل بهم الجماعة التي تأتي من قبل الفريق الآخر؟!

ب: لو صح ما ذكره، فقد كان المطلوب هو المشاركة في دعوة الفريقين

____________

1- الآية 61 من سورة آل عمران.

2- الآية 106 من سورة يوسف.

١٤٧

لمن ذكرتهم الآية من الفريقين معاً، أي أن يدعو المسلمون أبناءهم وأنفسهم ونساءهم، وأبناء وأنفس ونساء النصارى أيضاً.

ج: لو صح ذلك، لتخير كل فريق ما قد لا يتوقعه الفريق الآخر، إذ قد يتخير من الزوجات زينب بنت جحش مثلاً، وليس عائشة، ولا يتخير فاطمة.

وقد يتخير من الأبناء الحسن فقط دون الحسين، وقد يتخير من الأنفس نفس رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

عاشراً: بالنسبة لدعوة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نفسه نقول:

إن الشيعة لا يقولون بأن الآية تفرض ذلك، بل هم يقولون: إن المراد بقوله:( وَأَنْفُسَنَا ) (1) هو الرجال من أهل بيت الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، الذين يكون حضورهم بمثابة حضور نفس النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وهم إنما يحضرون بدعوة بعضهم بعضاً(2) .

المباهلة بأعز الناس:

زعم بعضهم: أن آية المباهلة قد دلت على لزوم إحضار كل فريق أعز شيء عنده، وأحب الخلق إليه في المباهلة، والأعز والأحب هو الأبناء، والنساء، والأنفس (الأهل والخاصة).

____________

1- الآية 61 من سورة آل عمران.

2- راجع: تفسير الميزان ج3 ص242 و 243.

١٤٨

ثم تقدم بعض آخر خطوة أخرى فزعم: أن إشراك أهل البيت في المباهلة أسلوب اتبعه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) للتأثير النفسي على الطرف الآخر، ليوحي لهم بثقته بما يدَّعيه.

ونقول:

1 ـ إن قوله هذا الأخير يؤدي إلى إبعاد قضية المباهلة عن مستوى الجدية، لتصبح مجرد مناورة، تهدف إلى التأثر النفسي على الطرف الآخر..

2 ـ إن هذه المباهلة لم تكن إقتراحاً نبوياً، بل هي تدبير إلهي، يكون دور النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فيه هو الإبلاغ والإجراء للأمر الصادر من الله تعالى.

3 ـ إن الإختيار الإلهي لهؤلاء الصفوة، يدل على أن لهم قيمة كبرى عند الله تعالى، فليست القضية مجرد حب شخص النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لابنته أو لصهره، أو لابن بنته.

4 ـ إن ما يراد إثباته بالمباهلة هو بشرية عيسى (عليه‌السلام ).. والآية تدل على أن نفس المشاركين في المباهلة هم الذين يدعون بشرية عيسى، ويتحملون مسؤولية الكذب والصدق في دعواهم هذه، ولأجل ذلك قال:( فَنَجْعَلْ لَعْنَةَ اللهِ عَلَى الْكَاذِبِينَ ) (1) ..

وهذا معناه: أن الحسنين (عليهما‌السلام ) قد بلغا في الفهم، والعلم والفضل، ووضوح الرؤية والإختيار حداً يجعلون أنفسهم أمام الله ضمانة

____________

1- الآية 61 من سورة آل عمران.

١٤٩

على صدقهم في هذا الأمر..

فعليٌّ، وفاطمة، والحسنان(عليهم‌السلام) شركاء في الدعوى، وفي الدعوة إلى المباهلة لإثباتها. وهذا من أفضل المناقب التي خص الله بها أهل بيت نبيه(1) .

وتقدم قول الزمخشري: (وفيه دليل لا شيء أقوى منه على فضل أصحاب الكساء).

وقال الطبرسي وغيره: (قال ابن أبي علان ـ وهو أحد أئمة المعتزلة ـ: هذا يدل على أن الحسن والحسين كانا مكلفين في تلك الحال، لأن المباهلة لا تجوز إلا مع البالغين.

وقال أصحابنا: إن صغر السن ونقصانها عن حد البلوغ لا ينافي كمال العقل، وإنما جعل بلوغ الحلم حداً لتعلق الأحكام الشرعية)(2) .

على أن من الثابت عندنا: أنه يجوز أن يخرق الله العادات للأئمة، ويخصهم بما لا يشاركهم فيه غيرهم، فلو صح أن كمال العقل غير معتاد في تلك السن، لم يمنع ذلك من كونهم أكمل البشر عقلاً.. إبانة لهم عمن سواهم، ودلالة على مكانهم من الله تعالى، واختصاصهم.

ويؤيده من الأخبار قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (ابناي هذان

____________

1- راجع: تفيسر الميزان ج3 ص224 ودلائل الصدق ج2 ص84 والإمام علي بن أبي طالب ( عليه‌السلام ) للهمداني ص270.

2- ومن الواضح: أنه قد لوحظ في ذلك عامة الناس وغالبهم.

١٥٠

إمامان، قاما، أو قعدا)(1) .

ونكتفي هنا بهذا المقدار، وبقية الكلام حول حديث المباهلة أوردناه في كتابنا: الصحيح من سيرة النبي الأعظم (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أواخر الجزء الثامن والعشرين، وأوائل الجزء التاسع والعشرين، وإنما ذكرنا هنا خصوص ما يرتبط بأمير المؤمنين (عليه‌السلام ).

____________

1- مجمع البيان ج2 ص452 و 453 و 311 وغنية النزوع للحلبي ص299 والسرائر لابن إدريس ج3 ص157 وجامع الخلاف والوفاق للقمي ص404 والإرشاد للمفيد ج2 ص30 والفصول المختارة للشريف المرتضى ص303 والمسائل الجارودية للمفيد ص35 والنكت في مقدمات الأصول للمفيد ص48 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص141 و 368 وبحار الأنوار ج16 ص307 وجوامع الجامع للطبرسي ج3 ص70 وإعلام الورى ج1 ص407. وكلام ابن أبي علان موجود في التبيان أيضاً ج2 ص485، وفي بحار الأنوار للمجلسي بحث حول إيمان علي ( عليه‌السلام )، وهو لم يبلغ الحلم.

١٥١

١٥٢

الفصل الثالث:

علي (عليه‌السلام ) في اليمن..

١٥٣

١٥٤

خالد وعلي في اليمن:

عن البراء بن عازب قال: بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خالد بن الوليد إلى أهل اليمن يدعوهم إلى الإسلام.

قال البراء: فكنت فيمن خرج مع خالد بن الوليد، فأقمنا ستة أشهر ندعوهم إلى الإسلام، فلم يجيبوا.

ثم إن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بعث علي بن أبي طالب مكان خالد، وأمره أن يقفل خالداً، وقال:

(مر أصحاب خالد: من شاء منهم أن يعقب معك فليعقب، ومن شاء فليقبل).

قال البراء: فكنت فيمن عقب مع علي، فلما دنونا من القوم خرجوا إلينا، فصلى بنا علي، ثم صفنا صفاً واحداً، ثم تقدم بين أيدينا وقرأ عليهم كتاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فأسلمت همدان جميعاً.

فكتب علي إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بإسلامهم.

فلما قرأ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الكتاب خر ساجداً، ثم رفع رأسه وقال: (السلام على همدان)، مرتين.

زاد في نص آخر أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال أيضاً: نِعم الحي همدان،

١٥٥

ما أسرعها إلى النصر! وأصبرها على الجهد ! فيهم أبدال، وفيهم أوتاد(1) .

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج6 ص235 و 427 عن البيهقي في السنن بإسناد صحيح، والدلائل، والمعرفة، وعن البخاري مختصراً، وقال في الهامش: أخرجه البيهقي في السنن ج2 ص366 و 369 وفي الدلائل ج5 ص369 والبخاري ج7 ص663 (4349). وراجع: المواهب اللدنية للزرقاني ج5 ص176 و 177 وج4 ص34.

وأشار في مكاتيب الرسول ج3 ص387 إلى المصادر التالية أيضاً: السيرة الحلبية ج3 ص259 والسيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج3 ص31 والكامل في التاريخ لابن الأثير ج2 ص300 وتاريخ الأمم والملوك للطبري ج3 ص131 و 132 وأنساب الأشراف للبلاذري ج1 ص384 وعن فتح الباري ج8 ص53 وينابيع المودة ص219 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ص833 و (في ط أخرى) ج2 ق2 ص55 وبحار الأنوار ج21 ص360 و 363 عن إعلام الورى، وغيره، وج38 ص71 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص129 والإرشاد للمفيد (رحمه‌الله) ص28 والبداية والنهاية ج5 ص105 وزاد المعاد ج3 ص36 ومجموعة الوثائق السياسية ص132/80 عن إمتاع الأسماع للمقريزي ج1 ص504 و 509 و 510، وحياة الصحابة ج1 ص95 والعدد القوية ص251 والتنبيه والإشراف ص238 وذخائر العقبى ص109 وتاريخ الخميس ج2 ص145 وملحقات إحقاق الحق ج18 ص64 وج21 ص620 عن: الجامع بين الصحيحين ص731 ونثر الدر المكنون ص43 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص201 من طرق كثيرة، والتدوين للقزويني ج2 ص429.

١٥٦

وعند البخاري عن البراء أنه قال عن سفره ذاك: (فغنمت أواق ذوات عدد)(1) .

علي (عليه‌السلام ) في اليمن:

قال محمد بن عمر، وابن سعد، واللفظ للأول: بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً إلى اليمن في شهر رمضان، وأمره أن يعسكر بقناة، فعسكر بها حتى تتامّ أصحابه. فعقد له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لواءً، وأخذ عمامته فلفها مثنية مربعة، فجعلها في رأس الرمح، ثم دفعها إليه. وعممه بيده عمامة ثلاثة أكوار، وجعل له ذراعاً بين يديه، وشبراً من ورائه، وقال له: (امض ولا تلتفت).

فقال علي (عليه‌السلام ): يا رسول الله، ما أصنع؟!

قال: (إذا نزلت بساحتهم فلا تقاتلهم حتى يقاتلوك، وادعهم إلى أن يقولوا: لا إله إلا الله، محمد رسول الله، فإن قالوا: نعم، فمرهم بالصلاة، فإن أجابوا، فمرهم بالزكاة، فإن أجابوا فلا تبغ منهم غير ذلك. والله، لَأَن يهدي الله بك رجلاً واحداً خير لك مما طلعت عليه الشمس أو غربت).

فخرج علي (عليه‌السلام ) في ثلاثمائة فارس، فكانت خيلهم أول خيل دخلت تلك البلاد. فلما انتهى إلى أدنى الناحية التي يريد من مذحج فرق أصحابه، فأتوا بنهب وغنائم وسبايا، نساءً وأطفالاً، ونعماً وشاءً، وغير ذلك.

____________

1- صحيح البخاري (ط دار الفكر) ج5 ص110 وراجع: عمدة القاري ج18 ص6 وسبل الهدى والرشاد ج6 ص235.

١٥٧

فجعل علي (عليه‌السلام ) على الغنائم بريدة بن الحصيب الأسلمي، فجمع إليه ما أصابوا قبل أن يلقى لهم جمعاً. ثم لقي جمعهم، فدعاهم إلى الإسلام، فأبوا، ورموا أصحابه بالنبل والحجارة.

فلما رأى أنهم لا يريدون إلا القتال صف أصحابه، ودفع اللواء إلى مسعود بن سنان السلمي، فتقدم به، فبرز رجل من مذحج يدعو إلى البراز، فبرز إليه الأسود بن خزاعي، فقتله الأسود، وأخذ سلبه.

ثم حمل عليهم علي (عليه‌السلام ) وأصحابه، فقتل منهم عشرين رجلاً، فتفرقوا وانهزموا، وتركوا لواءهم قائماً، وكفَّ علي (عليه‌السلام ) عن طلبهم، ثم دعاهم إلى الإسلام، فأسرعوا وأجابوا.

وتقدم نفر من رؤسائهم، فبايعوه على الإسلام وقالوا: نحن على من وراءنا من قومنا. وهذه صدقاتنا، فخذ منها حق الله تعالى.

وجمع علي (عليه‌السلام ) ما أصاب من تلك الغنائم، فجزأها خمسة أجزاء، فكتب في سهم منها لله، ثم أقرع عليها، فخرج أول السهمان سهم الخمس، وقسم علي (عليه‌السلام ) على أصحابه بقية المغنم. ولم ينفل أحداً من الناس شيئاً.

وكان من كان قبله يعطون خيلهم الخاص دون غيرهم من الخمس، ثم يخبرون رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بذلك فلا يردُّه عليهم، فطلبوا ذلك من علي (عليه‌السلام )، فأبى، وقال: الخمس أحمله إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يرى فيه رأيه(1) .

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج6 ص238 والسيرة الحلبيـة ج3 ص206 والطبقـات = = الكبرى لابن سعد ج2 ق1 ص122 وشرح المواهب اللدنية ج5 ص177 عن ابن سعد، وراجع: إمتاع الأسماع ج2 ص96 و 97 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج21 ص627.

١٥٨

وأقام فيهم يقرئهم القرآن، ويعلمهم الشرائع، وكتب إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كتاباً مع عبد الله بن عمرو بن عوف المزني يخبره الخبر.

فأتى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يوافيه الموسم، فانصرف عبد الله بن عمرو بن عوف إلى علي (عليه‌السلام ) بذلك، فانصرف علي (عليه‌السلام ) راجعاً.

فلما كان بالفتق تعجل إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يخبره الخبر، وخلَّف على أصحابه والخمس أبا رافع، فوافى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بمكة قد قدمها للحج.

وكان في الخمس ثياب من ثياب اليمن، أحمال معكومة، ونعم وشاء مما غنموا، ونعم من صدقة أموالهم. فسأل أصحاب علي (عليه‌السلام ) أبا رافع أن يكسوهم ثياباً يحرمون فيها، فكساهم منها ثوبين ثوبين.

فلما كانوا بالسدرة داخلين خرج علي (عليه‌السلام ) ليتلقَّاهم ليقدم بهم، فرأى على أصحابه الثياب، فقال لأبي رافع: ما هذا؟!

فقال: (كلموني، ففرِقْت من شكايتهم، وظننت أن هذا ليسهل عليك، وقد كان مَنْ قبلك يفعل هذا بهم).

فقال: (قد رأيت امتناعي من ذلك، ثم أعطيتهم؟! وقد أمرتك أن

١٥٩

تحتفظ بما خلَّفت، فتعطيهم)؟!.

فنزع علي (عليه‌السلام ) الحلل منهم.

فلما قدموا على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) شكوه، فدعا علياً (عليه‌السلام )، فقال: (ما لأصحابك يشكونك)؟!

قال: ما أشكيتهم، قسمت عليهم ما غنموا، وحبست الخمس حتى يقدم عليك، فترى فيه رأيك.

فسكت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(1) .

ونقول:

إن هذا النص قد تضمن أموراً عديدة يحسن الوقوف عندها، وهي التالية:

امضِ ولا تلتفت:

تقدم: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حين أرسل علياً (عليه‌السلام ) إلى اليمن قال له: إذهب ولا تلتفت.. وهذه هي نفس الكلمة التي قالها (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) له في خيبر حين أرسله لقتل مرحب فقتله، وقلع باب الحصن، ولا ندري إن قد قال له هذه الكلمة في غير هذين الموردين.

ولعل سبب ذلك هو:

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج6 ص239 وراجع: إمتاع الأسماع ج2 ص97 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج21 ص628.

١٦٠