الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٦
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 329
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 329
وفي رواية: فكتب خالد إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فقلت: ابعثني، فبعثني، فجعل يقرأ الكتاب وأقول: صدق، فإذا النبي (صلىاللهعليهوآله ) قد احمر وجهه، فقال: (من كنت وليه فعلي وليه).
ثم قال: (يا بريدة أتبغض علياً)؟!
فقلت: نعم.
قال: (لا تبغضه، فإن له في الخمس أكثر من ذلك)(1) .
____________
1- سبل الهدى ج6 ص236 وراجع: نيل الأوطار ج7 ص110 والعمدة لابن البطريق ص275 ونهج السعادة ج5 ص283 ومسند أحمد ج5 ص359 وصحيح البخاري (ط دار المعرفة) ج5 ص110 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص342 وفتح الباري ج8 ص53 وعمدة القاري ج18 ص6 وتحفة الأحوذي ج10 ص145 وخصائص أمير المؤمنين ( عليهالسلام ) للنسائي ص102 ومعرفة السنن والآثار ج5 ص156 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص194 و 195 وأسد الغابة ج1 ص176 وتهذيب الكمال ج20 ص460 والبداية والنهاية ج7 ص380 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي ( عليهالسلام ) لابن الدمشقي ج1 ص88 وشرح إحقاق الحق ج6 ص86 وج16 ص453 ج21 ص532 وج23 ص275 و 276 و 277 و 278 وج30 ص278.
وفي رواية: (والذي نفسي بيده لنصيب علي في الخمس أفضل من وصيفة، وإن كنت تحبه فازدد له حباً)(1) .
وفي رواية: (لا تقع في علي، فإنه مني وأنا منه، وهو وليكم بعدي)(2) .
____________
1- راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص236 ونيل الأوطار ج7 ص111 والعمدة لابن البطريق ص275 وبحار الأنوار ج39 ص277 ونهج السعادة ج5 ص285 ومسند أحمد ج5 ص351 ومجمع الزوائد ج9 ص127 وفتح الباري ج8 ص53 وعمدة القاري ج18 ص7 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص136 وخصائص أمير المؤمنين ( عليهالسلام ) للنسائي ص103 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص196 والبداية والنهاية ج5 ص121 وج7 ص381 وكشف الغمة ج1 ص293 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص202 وجواهر المطالب في مناقب الإمام علي ( عليهالسلام ) لابن الدمشقي ج1 ص87 وشرح إحقاق الحق ج6 ص85 وج16 ص451 ج21 ص630 وج23 ص6 و 275 و 276 وج30 ص272.
2- سبل الهدى ج11 ص297 وج6 ص236 وقال في هامشه: أخرجه أحمد في المسند ج5 ص356، وذكره الهيثمي في المجمع ج9 ص128 وراجع: ذخائر العقبى ص68 وبحار الأنوار ج37 ص220 وج38 ص326 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص560 وفتح الباري ج8 ص53 وعمدة القاري ج18 ص7 وتحفة الأحوذي ج10 ص146 و 147 وكنز العمال ج11 ص608 وفيض القدير ج4 ص471 وطبقات المحدثين بأصبهان ج3 ص388 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص190 والبداية والنهاية ج7 ص380 وكشف الغمة ج1 ص294 وجـواهـر = = المطالب لابن الدمشقي ج1 ص87 وينابيع المودة ج2 ص159 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص288 و 290 و 292 وج15 ص103 و 106 و 107 وج20 ص527 وج23 ص544.
قال بريدة: فما كان في الناس أحد أحب إلي من علي.
وعن بريدة: بعث (صلىاللهعليهوآله ) علي بن أبي طالب (عليهالسلام )، وخالد بن الوليد كل واحد منهما وحده، وجمعهما، فقال: إن اجتمعتما فعليكم علي.
قال: فأخذا يميناً ويساراً، فدخل علي، وأبعد وأصاب سبياً، وأخذ جارية من السبي، قال بريدة: وكنت من أشد الناس بغضاً لعلي.
قال: فأتى رجل خالد بن الوليد فذكر أنه أخذ جارية من الخمس.
فقال: ما هذا؟!
ثم جاء آخر، ثم تتابعت الأخبار على ذلك، فدعاني خالد، فقال: يا بريدة قد عرفت الذي صنع، فانطلق بكتابي هذا إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).
فكتب إليه، فانطلقت بكتابه حتى دخلت على رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فأخذ الكتاب بشماله، وكان كما قال الله عز وجل: لا يقرأ ولا يكتب، وكنت إذا تكلمت طأطأت رأسي حتى أفرغ من حاجتي، فطأطأت رأسي، فرأيت رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) غضب غضباً لم أره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير.
فنظر إليّ، فقال: يا بريدة، أحِبَّ علياً، فإنما يفعل ما أمر به، فقمت وما من الناس أحد أحب إليّ منه(1) .
____________
1- المعجم الأوسط للطبراني ج5 ص117 ومجمع الزوائد ج9 ص128 عنه.
وراجع روايات بريدة على اختلافها في المصادر التالية: شرح الأخبار ج1 ص94 والعمدة لابن البطريق ص198 والطرائف لابن طاووس ص66 وذخائر العقبى ص68 والصراط المستقيم ج2 ص59 وكتاب الأربعين للشيرازي ص111 وبحار الأنوار ج37 ص220 وج38 ص326 وكتاب الأربعين للماحوزي ص32 وخلاصة عبقات الأنوار ج9 ص306 و 307 والمراجعات للسيد شرف الدين ص223 والنص والإجتهاد ص339 و 560 والغدير ج3 ص244 ومكاتيب الرسول ج1 ص564 ونهج السعادة ج5 ص277 و 278 ومسند أحمد ج5 ص356 ومجمع الزوائد ج9 ص128 وفتح الباري ج8 ص53 وعمدة القاري ج16 ص214 وج18 ص7 وتحفة الأحوذي ج10 ص146 و 147 وكنز العمال ج11 ص608 وفيض القدير ج4 ص471 وطبقات المحدثين بأصبهان ج3 ص388 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص189 و 190 ومناقب علي بن أبي طالب ( عليهالسلام ) لابن مردويه ص119 والبداية والنهاية ج5 ص104 وج7 ص342 و344 و 380 وكشف الغمة للشعراني ج2 ص114 وكشف الغمة للأربلي ج1 ص294 ومجمع الفوائد ج2 ص68 والمنهل العذب المورود ج1 ص114 ومشكل الآثار ج4 ص160 ونهج الإيمان لابن جبر ص483 و 483 وجـواهـر المطـالب لابن الدمشقـي ج1 = = ص87 والسيرة الحلبية ج3 ص338 وينابيع المودة ج2 ص159 والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج3 ص243 وغاية المرام للسيد هاشم البحراني ج5 ص26 ونظرة في كتاب البداية والنهاية للشيخ الأمينيي ص93 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص288 و 290 و 291 و 292 وج15 ص103 و106 و 107 وج16 ص157 وج20 ص527 وج21 ص23 و 144 وج22 ص582 وج23 ص161 و 544 وج30 ص415 والفضائل لأحمد بن حنبل ج2 ص351 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص342 وخصائص أمير المؤمنين علي ( عليهاالسلام ) للنسائي (ط التقدم بمصر) ص25 وتيسير الوصول ج2 ص132 ومناقب علي ( عليهاالسلام ) للعيني الحيدر آبادي ص48 وإزالة الخفاء ج2 ص449 وقرة العين في تفضيل الشيخين ص169 والتاج الجامع للأصول ج3 ص298.
وعن بريدة: أنه لما استلم علي (عليهالسلام ) الغنائم من خالد بن الوليد في غزوتهم لبني زبيد، حصلت جارية من أفضل السبي في الخمس، ثم صارت في سهم آل علي، فخرج عليهم علي (عليهالسلام ) ورأسه يقطر، فسألوه؛ فأخبرهم: أنه وقع بالوصيفة التي صارت في سهم آل علي.
فقدم بريدة في كتاب من خالد على النبي (صلىاللهعليهوآله )، وصار يقرؤه عليه بريدة، ويصدق (أي بريدة) ما فيه، فأمسك (صلىاللهعليهوآله ) بيده، وقال: يا بريدة أتبغض علياً؟!
قال: نعم.
فقال (صلىاللهعليهوآله ): لا تبغضه، وإن كنت تحبه فازدد له حباً، فوالذي نفسي بيده لنصيب آل علي في الخمس أفضل من وصيفة.
وفي نص آخر: فتكلم بريدة في علي عند الرسول، فوقع فيه، فلما فرغ رفع رأسه، فرأى رسول الله غضب غضباً لم يره غضب مثله إلا يوم قريظة والنضير، وقال: يا بريدة، أحب علياً، فإنه يفعل ما آمره. وكذا روي عن غير بريدة(1) .
____________
1- راجع: المعجم الأوسط للطبراني ج5 ص117 مجمع الزوائد ج9 ص128 عنه، وخصائص النسائي ص102 و 103 ومشكل الآثار ج4 ص160 ومسند أحمد ج5 ص359 و 350 و 351 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص342 وقال: رواه البخاري في الصحيح، وحلية الأولياء ج6 ص294 وسنن الترمذي ج5 ص632 و 639 وكنز العمال ج15 ص124 و 125 و126 ـ 271 والمناقب للخوارزمي ص92 والمستدرك للحاكم ج3 ص110 و 111 على شرط مسلم، وتلخيص المستدرك للذهبي بهامشه وسكت عنه، والبداية والنهاية ج7 ص344 و345 عن أحمد والترمذي، وأبي يعلى وغيره بنصوص مختلفة. والغدير ج3 ص216 عن بعض من تقدم وعن نزل الأبرار للبدخشي ص22 والرياض النضرة ج3 ص129 و 130 وعن مصابيح السنة للبغوي ج2 ص257. والبحر الزخار ج6 ص435 وجواهر الأخبار والآثـار المستخرجـة من لجـة البحر الزخـار للصعدي (مطبوع بهامش المصدر السابق) نفس الجلد والصفحة، عن البخاري والترمذي. وراجع: الأمالي للطوسي ص250 والطرائف لابن طاووس ص67 وبحـار الأنـوار ج38 = = ص116 و 117 وج39 ص281 و 282 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص191 وبشارة المصطفى ص194 و 195 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج30 ص414.
وفي الرواية التي عند المفيد (رضوان الله عليه): (فسار بريدة، حتى انتهى إلى باب النبي (صلىاللهعليهوآله )، فلقيه عمر، فسأله عن حال غزوتهم، وعن الذي أقدمه؛ فأخبره: أنه إنما جاء ليقع في علي، وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه، فقال له عمر: امض لما جئت له؛ فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي)(1) .
قال الصالحي الشامي:
تنبيهات:
الأول: قال ابن إسحاق وغيره: كانت غزوة علي بن أبي طالب إلى اليمن مرتين، قال في العيون: ويشبه أن تكون هذه السرية الأولى، وما ذكره ابن سعد هي السرية الثانية كما سيأتي.
الثاني: قال الحافظ: كان بعث علي بعد رجوعهم من الطائف، وقسمة الغنائم بالجعرانة.
الثالث: قال الحافظ أبو ذر الهروي: إنما أبغض بريدة علياً، لأنه رآه أخذ من المغنم، فظن أنه غلّ.
____________
1- الإرشاد للمفيد ص93 و (ط دار المفيد) ج1 ص161 وقاموس الرجال ج2 ص173 عنه، والمستجاد من الإرشاد (المجموعة) ص98 وبحار الأنوار ج21 ص358 وكشف الغمة ج1 ص230.
فلما أعلمه رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أنه أخذ أقل من حقه أحبه.
قال الحافظ: وهو تأويل حسن، لكن يبعده صدر الحديث الذي رواه أحمد، فلعل سبب البغض كان لمعنى آخر وزال، ونهى النبي (صلىاللهعليهوآله ) عن بغضه.
الرابع: استشكل وقوع علي رضي الله تعالى عنه على الجارية.
وأجيب: باحتمال أنها كانت غير بالغ، ورأى أن مثلها لا يستبرأ، كما صار إليه غيره من الصحابة.
أو أنها كانت حاضت عقب صيرورتها له، ثم طهرت بعد يوم وليلة، ثم وقع عليها.
أو كانت عذراء.
الخامس: استشكل أيضاً قسمته لنفسه.
وأجيب: بأن القسمة في مثل ذلك جائزة ممن هو شريكه فيما يقسمه، كالإمام إذا قسم بين الرعية وهو منهم، فكذلك ممن نصبه الإمام، فإنه مقامه(1) .
لعله يغضب لابنته:
وذكرت بعض نصوص حديث بريدة المتقدم: أنه لما ارتد عمرو بن معد يكرب أرسل النبي (صلىاللهعليهوآله ) علياً (عليهالسلام ) إلى بني
____________
1- راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص236 وفتح الباري ج8 ص53.
زبيد، فغنم وسبى، واصطفى (عليهالسلام ) جارية، وذهب بريدة ليشتكي على علي (عليهالسلام ).
فسار حتى انتهى إلى باب النبي (صلىاللهعليهوآله )، فلقيه عمر بن الخطاب، فسأله عن حال غزوتهم، وعن الذي أقدمه. فأخبره أنه إنما جاء ليقع في علي (عليهالسلام )، وذكر له اصطفاءه الجارية من الخمس لنفسه.
فقال له عمر: امض لما جئت له، فإنه سيغضب لابنته مما صنع علي.
ثم ذكرت الرواية: أن بريدة دخل على النبي (صلىاللهعليهوآله ) وجعل يحدثه بما جرى، فتغير وجه النبي (صلىاللهعليهوآله )، فقال له بريدة: إنك إن رخصت للناس في مثل هذا ذهب فيؤهم..
فقال له (صلىاللهعليهوآله ): ويحك يا بريدة، أحدثت نفاقاً!
إن علي بن أبي طالب يحل له من الفيء ما يحل لي.
إن علي بن أبي طالب خير الناس لك ولقومك، وخير من أخلف بعدي لكافة أمتي.
يا بريدة، احذر أن تبغض علياً فيبغضك الله.
قال بريدة: فتمنيت أن الأرض انشقت لي فسخت فيها الخ..(1) .
____________
1- الإرشاد للمفيد ج1 ص160 و 161 وراجع: قاموس الرجال ج2 ص288 عنه. وراجع: المستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص98 وبحار الأنوار ج21 ص358 وكشف الغمة ج1 ص230.
ونقول:
ألف: لقد بادر بريدة إلى العودة إلى المدينة ليقع في علي (عليهالسلام ).. وكان يمكنه تأجيل ذلك إلى حين عودة السرية إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )..
فهل كان هو وخالد يريدان أن يدفعا رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) إلى إتخاذ قرار غيابي بحق علي (عليهالسلام )، دون أن يتمكن علي من الدفاع عن نفسه؟! أم أن حقدهما كان هو الدافع لعجلتهما هذه؟!
أم أنهما خشيا من أن يحن (صلىاللهعليهوآله ) إلى ابن عمه وصهره وهو بقربه، ولكنه حين يكون بعيداً عنه، فإن وطأة الحنين تكون أخف؟!
وإذا أصدر قراراً غيابياً، فإنه حتى لو أراد أن يتراجع عنه، فسيكون تراجعاً ضعيفاً، وترقيعياً، لا يفي بمحو ما أحدثه قراره الأول من ندوب وتشويهات.
ب: إن علياً (عليهالسلام ) قد بين لخالد ولبريدة الحكم الشرعي، فما المبرر للوقيعة فيه بعد ذلك؟! فإن كانوا يرون أن علياً (عليهالسلام ) قد أخطأ فيما قال، فلماذا لم يصرحا له بذلك؟!
ثم ألم يخطر على بالهما أن يجيبهما النبي (صلىاللهعليهوآله ) بمثل جواب علي (عليهالسلام )؟! وهذا هو ما حصل بالفعل، بل زاد (صلىاللهعليهوآله ) على ذلك قوله: إن نصيب علي (عليهالسلام ) في الخمس أكثر من وصيفة..
ج: لماذا يحرص عمر على أن يرى النبي (صلىاللهعليهوآله ) يغضب
لإبنته؟! هل كان يرى أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) يكيل بمكيالين، فيبيح للناس أمراً، فإذا تعلق الأمر به حرمه عليهم؟! انقياداً منه للهوى، وانسياقاً مع الرغبات الشخصية والعياذ بالله!
د: لماذا لم يقل عمر لبريدة: إن علياً (عليهالسلام ) عمل ما أحله الله تعالى له؟! ولو شئنا أن نتوهم أن عمر كان لا يعرف الحكم الشرعي في هذه المسألة لرمانا محبوه بألف تهمة وتهمة..
هـ: إن علياً (عليهالسلام ) كان ستِّيراً وحيياً، ولم يكن من عادته أن يتجاهر بما يشير إلى مقاربته لحليلته خارج دائرة ما تقتضيه الضرورات الدينية.
ولكننا رأيناه هنا يتصرف بطريقة تعطي أنه يتعمد دفعهم إلى تخيل شيء من هذا القبيل حيث خرج عليهم ورأسه يقطر، الأمر الذي أثار فضولهم، ودعاهم إلى سؤاله عن هذا الأمر، فلما سألوه أجابهم بما عمق شعورهم بالمرارة..
و: إن إجابته وإن كانت ليست نصاً في حدوث مقاربة جنسية فعلية، ولكنها توهم ذلك بصورة قوية.. ولعله (عليهالسلام ) استعمل التورية في هذا الأمر، فأتى بكلام ذي وجهين.
نقول ذلك: لوجود رواية تدل على أن الله قد حرم النساء على علي (عليهالسلام ) ما دامت فاطمة حية(1) .
____________
1- تهذيب الأحكام ج7 ص475 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص330 و (ط المطبعة = = الحيدرية ـ النجف الأشرف ـ سنة 1956م) ج3 ص110 وبشارة المصطفى ص306 والأمالي للطوسي ج1 ص42 ومقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص64 وبحار الأنوار ج43 ص16 و 153 وضياء العالمين (مخطوط) ج2 ق3 ص7 وعوالم العلوم ج11 ص387 و 66 ومستدرك الوسائل ج2 ص42 وراجع: فتح الباري ج9 ص287 ومجمع النورين ص23 والإمام علي بن أبي طالب ( عليهالسلام ) لأحمد الرحماني الهمداني ص231 واللمعة البيضاء للتبريزي الأنصاري ص201 والأسرار الفاطمية للمسعودي ص431 والحدائق الناضرة للمحقق البحراني ج23 ص108.
إلا أن يقال: هذا التحريم مشروط بعدم إذن النبي (صلىاللهعليهوآله )، أو فاطمة (عليهاالسلام ) له بذلك.
أو يدعى: أن المراد: أنه حرم عليه الزواج بالنساء، أما الوطء بملك اليمين فلا..
وإن كنا نرى أن هذا الإحتمال خلاف الظاهر..
علي (عليهالسلام ) خير الناس:
جاء في النص المروي عن المفيد (رحمهالله ) قول النبي (صلىاللهعليهوآله ) عن علي (عليهالسلام ): إنه خير لبريدة، ولقومه، بل هو خير من يخلِّف بعده لكافة أمته (صلىاللهعليهوآله )..
مما يعني: أنه (صلىاللهعليهوآله ) أراد أن يدخل علياً (عليهالسلام ) إلى قلب بريدة من باب الرغبة الطبيعية للإنسان بجلب المنافع لنفسه، ودرء
المضار عنها.
ثم أطلق (صلىاللهعليهوآله ) دعوته الشاملة للأمة إلى محبة علي (عليهالسلام )، بالإستناد إلى نفس هذه المعادلة التي قررها.
وبديهي: أن الناس قبل تصفية أرواحهم، والسمو بنظرتهم، وإطلاق عقولهم من أسر الأهواء والشهوات، ينطلقون في مواقفهم من حبهم وبغضهم، وارتباطاتهم العاطفية، ويكون إقدامهم وإحجامهم من منطلقات محسوسة لهم، أو قريبة من الحس، ولا يتفاعلون بعمق مع المُثل والقيم الشريفة، والمفاهيم والمعاني الإيمانية العالية، ذات القيمة الروحية والمعنوية.
من أجل ذلك كان لابد من الرفق بهم، وتيسير الأمور عليهم، بإبراز الجانب الحسي، أو القريب من الحس لتقريبهم من خط الإستقامة على طريق تصفية قلوبهم، وأرواحهم، ليتمكنوا من نيل المعاني السامية، والتفاعل الروحي معها، والإنصهار في بوتقة الإيمان، والإنشداد إلى كل حقائقه ودقائقه، والتفاعل معها بكل وجودهم.
لماذا يبغضون علياً (عليهالسلام )؟!:
لقد صرح بريدة بشدة بغضه لعلي (عليهالسلام )، دون أن يذكر مبرراً، مع أنه قد أسلم في السنوات الأولى للهجرة، ورأى تضحيات علي (عليهالسلام ) وسلوكه، وبعضاً من عبادته، ودلائل إخلاصه، وسمع من رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) الكثير مما يدل على فضله ومقامه..
ولم يتراجع عن بغضه هذا إلا بعد هذا الموقف القوي والصريح من رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، الذي أفقد مناوئي علي (عليهالسلام ) كل
شيء، وجعلهم يواجهون خطر السقوط المخزي والمريع، في وقت كان يظن بريدة ومن معه أنهم أمام الفرصة الذهبية الكبرى للإيقاع به (عليهالسلام )..
تتابع المخبرين:
وفي النص الذي رواه الطبري: أن المخبرين تتابعوا على خالد بما صنعه علي (عليهالسلام )، ثم تتابعت الأخبار.. وذلك يدل على كثرة الذين يتعاطفون مع خالد، أو يريدون التزلف إليه بهذه الأخبار..
وذلك ينتج أن الذين سيطلعون على ما جرى لبريدة مع رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) سيكونون كثيرين أيضاً، ولا سيما إذا انضم إليهم فريق كبير من أهل المدينة..
فإذا رأى الناس تبدل موقف بريدة مع علي (عليهالسلام )، فسيدفعهم ذلك لمعرفة السبب، مما يعني: أن هذا الخبر سوف يستمر في التوسع والإنتشار.
النبي (صلىاللهعليهوآله ) يأخذ الكتاب بشماله:
ومن الأمور التي لا مناص من الوقوف عندها، ومعرفة مبرراتها أنه (صلىاللهعليهوآله ) تناول كتاب خالد من بريدة بشماله.. مع أن المروي عنه (صلىاللهعليهوآله ) أنه (كان يمينه لطعامه وشرابه، وأخذه وإعطائه، فكان لا يأخذ إلا بيمينه، ولا يعطي إلا بيمينه إلخ..(1) .
____________
1- مكـارم الأخـلاق ص23 وبحـار الأنـوار ج16 ص237 وسنن النبي للسيد = = الطباطبائي ص120 وموسوعة أحاديث أهل البيت ( عليهمالسلام ) للنجفي ج1 ص144 ومستدرك سفينة البحار ج14 ص154 وتفسير الميزان ج6 ص313 ومعجم المحاسن والمساوئ لأبي طالب التبريزي ص471. وراجع: سنن النسائي ج8 ص133 ومنتهى المطلب (ط ق) ج1 ص306 ومغني المحتاج للشربيني ج1 ص55 وفتح المعين ج1 ص65 والمغني لابن قدامة ج1 ص90 والشرح الكبير ج1 ص19 و 110 وج2 ص87 وتلخيص الحبير ج1 ص419 ومسند أحمد ج6 ص94 و 130 و 147 و 210 وصحيح البخاري ج1 ص110 وج6 ص197 وج7 ص49 وصحيح مسلم ج1 ص156 وسنن أبي داود ج2 ص277 وشرح مسلم للنووي ج3 ص160 و 161 ومسند أبي داود الطيالسي ج1 ص200 ومجمع الزوائد ج5 ص171 وج10 ص139 وجامع الأحاديث والمراسيل ج5 ص519 ومشكاة المصابيح للهيثمي ج2 ص111 والفتح الكبير ج2 ص364 وعمدة القاري ج3 ص31 وج4 ص171 وج21 ص31 ومسند ابن راهويه ج3 ص820 و 821 ومسند ابي يعلى ج4 ص478 والجامع الصغير ج2 ص351 وكنز العمال ج7 ص124 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص386 و 481 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص411 وتاريخ مدينة دمشق ج4 ص61 وإمتاع الأسماع ج2 ص258 وسبل الهدى والرشاد ج8 ص93 وج9 ص354 والنهاية في غريب الحديث ج5 ص302 ولسان العرب ج13 ص458 ومجمع البحرين ج4 ص583.
ولم نسمع، ولم نقرأ أنه (صلىاللهعليهوآله ) أخذ أو أعطى بشماله في
أي مورد سوى هذا المورد.. ألا يدلنا هذا التصرف على أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) قد علم بمحتوى، وبغرض كتاب خالد، وهو مأمور بهذا الموقف منه تعالى، فإنه لا يفعل( وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (1) ..
فهو (صلىاللهعليهوآله ) يريد أن يفهمنا أن تلك الرسالة تحمل في طياتها أموراً لا خير ولا يمن فيها، بل هي بمثابة قاذورات، لا بد من التنزه عنها قولاً وفعلاً وممارسة، كما لا بد من إرفاقها بدلالات صريحة وعملية، من شأنها أن تتجذر في عمق الذاكرة من خلال دلالاتها على المعنى السلبي، حتى لا يتمكن أصحاب الأهواء من التعمية على هذا الأمر، والتدليس على الناس.
علي (عليهالسلام ) وليهم:
وقد قال (صلىاللهعليهوآله ) لبريدة في هذه المناسبة: (من كنت وليه فعلي وليه)، وهذا يدلنا على ما يلي:
أولاً: إنه (صلىاللهعليهوآله ) وجد الفرصة سانحة لتجديد الإخبار عن ثبوت الولاية لعلي (عليهالسلام )..
ثانياً: قد دل ما جرى على أن هذه الولاية ثابتة في زمن الرسول (صلىاللهعليهوآله ) أيضاً، حيث قرر (صلىاللهعليهوآله ) ثبوتها بالفعل، ولم يقل: فإن علياً سيكون وليه. أو فقل: هي ولاية فعلية، وليست إنشائية
____________
1- الآيتان 3 و4 من سورة النجم.
تصل إلى درجة الفعلية بعد وفاة النبي (صلىاللهعليهوآله )..
ثالثاً: إنه يشير إلى أن تصرف علي (عليهالسلام ) الذي تحدثت عنه تلك الرواية كان تصرفاً ولائياً..
رابعاً: إن ولايته (عليهالسلام ) للناس من سنخ ولاية النبي (صلىاللهعليهوآله ).
خامساً: إن سعة هذه الولاية وامتدادها لا يختلف عن سعة وامتداد ولاية النبي (صلىاللهعليهوآله )..
يفعل ما أمر به:
وقد صرح (صلىاللهعليهوآله ): بأن علياً (عليهالسلام ) لا يفعل ما يفعل انطلاقاً من الهوى والرغبات الشخصية، وإنما هو يفعل ما أمره الله تعالى به، وينفذ أحكامه الشرعية.. بل لعل النبي (صلىاللهعليهوآله ) كان هو الذي أمره بذلك.. ليدل على أن الله تعالى يريد أن يكشف بعض النوايا، أو يمهد لهذا الإعلان النبوي في حق علي (عليهالسلام ).. وإقامة الحجة به على القريب والبعيد..
غضب لم ير بريدة مثله:
صرح بريدة: بأنه رأى النبي (صلىاللهعليهوآله ) قد غضب غضباً لم يره غضب مثله، إلا يوم قريظة والنضير..
وكيف لا يغضب (صلىاللهعليهوآله )، وهؤلاء يصرون على الطعن في خير خلق الله من بعده. والمجاهد الذي يقذف نفسه في لهوات الأخطار
في سبيل الله.. وقد أظهر الله فضله وكراماته وآياته الباهرة في عشرات المناسبات والآيات..
كما أن آياته الجهادية الباهرة في بدر، وأحد، والخندق، وخيبر، وحنين، وذات السلاسل وغير ذلك لا تخفى على أحد.
ورغم ما بذله (صلىاللهعليهوآله ) من جهد في إعلام الناس بحق علي (عليهالسلام )، ونزول الآيات في الثناء عليه، وإظهار فضله، وتأكيد ولايته، فإنهم يصمون آذانهم، ويطبقون أعينهم، ويقفلون قلوبهم وعقولهم عن ذلك كله..
ومن الواضح: أن هذا العناد منهم، مع هذا الكم الهائل من الدلالات، ومع الوعد والوعيد الإلهي لهم يوازي هدم أساس الإسلام، وتقويض أركانه.
وهذا هو سر هذا الغضب الشديد الذي رآه بريدة في وجه رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).
قضاء علي (عليهالسلام ) في اليمن..