• البداية
  • السابق
  • 329 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22667 / تحميل: 8176
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٦

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

اقطع لسانه:

قالوا: كان (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد أعطى العباس بن مرداس أربعاً(١) (وقيل: أربعين ) من الإبل يوم حنين، فسخطها، وأنشد يقول:

أتجعل نهبي ونهب العبيد(٣) بين عيينة والأقرع

فما كان حصن ولا حابس يفوقان شيخي في المجمع

وما كان (كنت) دون امرئ منهما ومن تضع اليوم لا يرفع

فبلغ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ذلك، فاستحضره، وقال له: أنت القائل:

أتجعل نهبي ونهب العبيد بين الأقرع وعيينة

____________

١- تاريخ مدينة دمشق ج٢٦ ص٤١٤ والإرشاد (ط دار المفيد) ج١ ص١٤٧ وبحار الأنوار ج٢١ ص١٦٠ وتخريج الأحاديث والآثار ج٢ ص٢٧٢ وحلية الأبرار ج١ ص٢٩٤ وكشف الغمة ج١ ص٢٢٤ وإمتاع الأسماع ج٩ ص٢٩٨ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٤ ص٢٧٢ ومستدركات علم رجال الحديث ج٤ ص٣٥٨ وسبل الهدى والرشاد ج٥ ص٣٩٨.

٢- السيرة الحلبية ج٣ ص١٢٠ و (ط دار المعرفة) ج٣ ص٨٤ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٢ ص١٥٣ وعيون الأثر ج٢ ص٢٢٠.

٣- العبيد كزبير: فرس، قاموس المحيط ج١ ص٣١١ وهو اسم فرس عباس بن مرداس بالذات.

٦١

فقال له أبو بكر: بأبي أنت وأمي، لست بشاعر.

قال: وكيف؟!

قال: قال: بين عيينة والأقرع.

فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لأمير المؤمنين (عليه‌السلام ): (قم ـ يا علي ـ إليه، فاقطع لسانه).

قال: فقال العباس بن مرداس: فوالله، لهذه الكلمة كانت أشد علىَّ من يوم خثعم، حين أتونا في ديارنا.

فأخذ بيدي علي بن أبي طالب، فانطلق بي، ولو أرى أحداً يخلصني منه لدعوته، فقلت: يا علي، إنك لقاطع لساني؟!

قال: إني لممضٍ فيك ما أُمِرْتُ.

قال: ثم مضى بي، فقلت: يا علي، إنك لقاطع لساني.

قال: إني لممض فيك ما أمرت.

فما زال بي حتى أدخلني الحظائر، فقال لي: اعتد ما بين أربع إلى مائة.

قال: قلت: بأبي أنتم وأمي، ما أكرمكم، وأحلمكم، وأعلمكم!

قال: فقال: إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أعطاك أربعاً، وجعلك مع المهاجرين. فإن شئت فخذ المائة، وكن مع أهل المائة.

قال: قلت: أشر علي.

قال: فإني آمرك أن تأخذ ما أعطاك، وترضى.

٦٢

قلت: فإني أفعل(١) .

وذكروا في توضيح ما جرى: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لما قال: اقطعوا عني لسانه، قام عمر بن الخطاب، فأهوى إلى شفرة كانت في وسطه ليسلها، فيقطع بها لسانه.

فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لأمير المؤمنين (عليه‌السلام ): قم أنت فاقطع لسانه، أو كما قال(٢) .

وفي نص آخر: فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي، لم يقل كذلك، ولا والله ما أنت بشاعر، وما ينبغي لك، وما أنت براوية.

قال: فكيف قال؟!

فأنشده أبو بكر.

فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): اقطعوا عني لسانه.

ففزع منها ناس، وقالوا: أمر بالعباس بن مرداس أن يمثل به، وإنما

____________

١- الإرشاد للمفيد ج١ ص١٤٦ ـ ١٤٨ وبحار الأنوار ج٢١ ص١٦٠ و١٦١ و١٧٠ و١٧١ وإعلام الورى ص١٢٥ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١ ص٢٣٧ وراجع: سبل الهدى والرشاد ج٥ ص٣٩٨ و ٣٩٩ والسيرة الحلبية ج٣ ص١٢٠ وعن دلائل النبوة للبيهقي ج٥ ص١٨١ وكشف الغمة ج١ ص٢٢٥ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٤ ص٢٧٢ وتاريخ مدينة دمشق ج٢٦ ص٤١٥ وأعيان الشيعة ج١ ص٢٨١.

٢- راجع: الإرشاد للمفيد (هامش) ص١٤٧ وحلية الأبرار ج١ ص٢٩٤.

٦٣

أراد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بقوله: اقطعوا عني لسانه، أي يقطعوه بالعطية من الشاء والغنم(١) .

وقد ذكروا كذلك: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أرسل إليه بحلة(٢) .

وفي رواية: فأتم له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ماءة(٣) .

والظاهر: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أعطاه ذلك مكافأة، لقبوله ما عرضه عليه أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ).

ونقول:

____________

١- سبل الهدى والرشاد ج٥ ص٣٩٩ والسيرة الحلبية ج٣ ص١٢٠ و (ط دار المعرفة) ص٨٤ وراجع: زاد المسير ج٦ ص٢٨٠ وتاريخ مدينة دمشق ج٢٦ ص٤١٥.

٢- السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج٣ ص٨٥ وتخريج الأحاديث والآثار ج٢ ص٢٧٢ وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج٢٦ ص٤٢٥ وأحكام القرآن لابن العربي ج٣ ص٤٦٦ والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج٩ ص٢٩٠.

٣- صحيح مسلم ج٣ ص١٠٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج٧ ص١٧ ومسند الحميدي ج١ ص٢٠٠ ومعرفة السنن والآثار ج٥ ص١٩٩ وتخريج الأحاديث والآثار ج٢ ص٢٧١ وكنز العمال ج١٠ ص٥٤٣ وتفسير البغوي ج٢ ص٢٨٠ وتاريخ مدينة دمشق ج٢٦ ص٤١٣ وتاريخ الإسلام للذهبي ج٢ ص٦٠٢ والبداية والنهاية ج٤ ص٤١٢ والسيرة النبوية لابن كثير ج٣ ص٦٨٠ والسيرة الحلبية ج٣ ص١٢٠ و (ط دار المعرفة) ص٨٤ وسبل الهدى والرشاد ج٥ ص٣٩٩ والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج٢ ق٢ ص٤٨.

٦٤

إن لنا هنا بيانات عديدة، نذكر منها:

لا معنى للخوف إذن:

زعمت بعض المرويات:

أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال لأبي بكر: (اقطع لسانه عني، وأعطه مئة)(١) .. وهذا غير صحيح:

أولاً: لأن ابن مرادس توهم أنه يريد قطع لسانه بالفعل(٢) ، وظن ذلك ناس آخرون(٣) وهذا الظن لا يتلاءم مع كلمة (عني) فإنها تدل عند جميع الناس أنه يريد أن يكون العطاء هو يقطع لسانه عن الكلام حول هذا الموضوع..

يضاف على ذلك قوله: وأعطه مئة من الإبل، فإنها تشير إلى إرادة تكريمه، لا إلى معاقبته بقطع لسانه على الحقيقة.

ثانياً: إن أبا بكر قد سعى إلى تغيير قرار النبي بقطع لسان الرجل،

____________

١- السيرة الحلبية ج٣ ص١٢٠ و (ط دار المعرفة) ص٨٤ عن الكشاف، وتفسير أبي السعود ج٥ ص١٦٩ وتفسير الآلوسي ج١٥ ص٦٥.

٢- السيرة الحلبية ج٣ ص١٢٠ و (ط دار المعرفة) ص٨٤ والإرشاد للمفيد ج١ ص١٤٦ ـ ١٤٨ وكنز العمال ج١٠ ص٥١٧ وإعلام الورى ص١٢٥ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١ ص٢٣٧ وبحار الأنوار ج٢١ ص١٦٠ و ١٦١ و ١٧٠ و ١٧١ وتاريخ مدينة دمشق ج٢٦ ص٤١٣ وأعيان الشيعة ج١ ص٢٨١.

٣- السيرة الحلبية ج٣ ص١٢٠ و (ط دار المعرفة) ص٨٤ وسبل الهدى والرشاد ج٥ ص٣٩٩.

٦٥

وصار يوضح للنبي أن كلام ابن مرداس لا يتضمن إساءة تستحق قطع لسانه، متهماً النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأنه لم يفهم معنى كلام ابن مرداس.. فهل بعد هذا يمكن أن يأمن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على أبي بكر من أن يخطئ في فهم قوله: اقطع لسانه، فيقطع لسان الرجل على الحقيقة؟!..

ثالثاً: كانت هناك وحدة حال قائمة بين أبي بكر وعمر، فلعله ـ يتأثر بموقف عمر، ويقبل بتأويله لكلام النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ويفسح المجال له ليقطع لسان الرجل بشفرته التي أهوى إليها ليسلها من وسطه.. ولسوف لن ينفع الندم والأسف بعد ذلك..

إخافة الناس بالمزاح لا تجوز:

وقد يقال: إن من المعلوم: أنه لا يجوز إخافة الناس بلا سبب يرضاه الله تعالى.. فكيف يخيف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ابن مرداس بكلام كان أشد عليه من يوم خثعم، حين أتوهم في ديارهم؟!

وكيف يواصل علي (عليه‌السلام ) إخافته بإيهامه أنه سينفذ فيه أمر النبي الذي يخشاه؟!

ونجيب:

أولاً: إن الحرام هو الفعل والقول الذي يدل دلالة قاطعة على ضرر يخشاه ذلك الشخص.. ولكن لو فعل أو قال ما هو حلال، وما له دلالة صحيحة على أمر مباح، لكن السامع أخطأ في فهمه، بسبب قلة تدبره في معناه، أو لخطأ السامعة عنده.. فليس هذا من الحرام في شيء، لأن المتكلم

٦٦

لا يتحمل مسؤولية الأخطاء التي يقع فيها السامع المقصر أو المخطئ في فهم معنى الكلام أو في سماعه.. وهذا بالذات هو ما جرى لعباس بن مرداس..

ثانياً: إن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يخاطب ابن مرداس، بل كان خطابه موجهاً إلى علي (عليه‌السلام )، والمطلوب منه هو أن يُفْهِم مقاصده من يوجِّه خطابه إليه، بالطريقة التي يعرف أنه يفهم تلك المقاصد من خلالها.

وربما يكون هناك إشارات أو رموز بين المتخاطبين.. ولا يعنيه ما يفهمه الآخرون في شيء، فقد يفهمون شيئاً، وقد لا يفهمون، وقد يخطئون وقد يصيبون، وربما يكون قاصداً للتعمية عليهم.

وجواب علي لابن مرداس لم يتضمن جديداً، بل هو أكد له على عزمه على تنفيذ أمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. لكي تحصل المفاجأة السارة التي ستتضاعف آثارها على ابن مرداس، من خلال زيادة البهجة، وعمق الفرحة، والسعادة، والشعور بالإمتنان بصورة أعمق وأصدق..

مشورة علي (عليه‌السلام ) على ابن مرداس:

وتأتي نصيحة أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) لابن مرداس لتكون إسهاماً في تكامل هذا الرجل روحياً، وتعميق شعوره بالكرامة وبالقيمة الإنسانية، وليصبح معيار الربح والخسارة عنده ليس هو الحصول على الأموال، والمناصب، بل هو الحصول على الميزات الروحية والإيمانية، والسابقة في الدين، والتحلي بالشيم والميزات الإنسانية.

٦٧

وقد رسمت مشورة علي (عليه‌السلام ) لابن مرداس حدوداً أظهرت له: أن هناك نوعان من الناس، هم: أهل الهجرة والسابقة، والجهاد، والتضحية بالمال، والنفس، والولد، والتخلي عن الأوطان، وعن الأهل والعشيرة من أجل دينهم، وحفظ إيمانهم.

ويقابلهم: أهل الطمع وطلاب الدنيا، الذين يقيسون الأمور بالأرقام والأعداد.

وقد جاء رسم هذه الحدود له في نفس اللحظة التي انفتحت فيها بصيرته على معنى القيمة، حين ساقته تحولات الأمور معه إلى أن يلهج بالقول: (بأبي أنتم وأمي، ما أكرمكم، وأحلمكم، وأعلمكم..)!

فوجد نفسه أمام كرم لا يضاهى، تجلى له بهذا العطاء الجليل..

وأمام حلم لا يجارى، حيث اعترض على من دانت له العرب، ولم تقصر همته عن مناهضة العجم، ولم يجد فيه إلا الخلق الرضي، وإلا السماح، والسماحة، والحلم والنبل، وكمال الرصانة والعقل، والعفو، والإنصاف والعدل..

فقد استدعاه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وسأله سؤالاً واحداً، ولم ينتظر منه جواباً، بل بادر إلى اتخاذ القرار الحاسم بحقه.

ولكنه لم يكن قرار ملك أو جبار، بل كان قرار الرحمة والرضا، والكرم، والحلم.

ووجد نفسه كذلك أمام علم لا يوصف، اضطره إلى البخوع والتسليم، وطلب المشورة من علي (عليه‌السلام ) بالذات، فجاءته مشورته الصادقة، فلم يجد حرجاً من العمل والإلتزام بها..

٦٨

الفصل السابع:

سرايا حنين.. وغزوة الطائف..

٦٩

٧٠

سرايا تجاهلوها:

ونلاحظ: أن ثمة سرايا قام بها علي (عليه‌السلام ) بأمر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تجاهلها عامة المؤرخين الذين يؤيدون الفريق الذي ناوأ علياً (عليه‌السلام ) في حياته.

ونذكر من هذه السرايا التي حصلت ـ فيما يظهر بين حنين والطائف، ما يلي:

١ ـ سرايا لكسر الأصنام:

قال اليعقوبي، وغيره: (ووجه علياً (عليه‌السلام ) لكسر الأصنام فكسرها)(١) .

____________

١- تاريخ اليعقوبي ج٢ ص٦٤، وإعلام الورى ص١٢٣ و ١٢٤ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١ ص٣٨٧ و ٣٨٨ وكشف الغمة ج١ ص٢٢٦ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه‌السلام ) في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٢٦٥ وبحار الأنوار ج٢١ ص١٦٣ و ١٦٤ و ١٦٩ وج٤١ ص٩٥ ومكاتيب الرسول ج١ ص٣٣ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص٣٣٢ والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص٩٢ وأعيان الشيعة ج١ ص٢٨٠ والإرشاد للمفيد ج١ ص١٥١ ـ ١٥٣.

٧١

ونقول:

١ ـ سيأتي إن شاء الله أنه (عليه‌السلام ) بعد حنين لم يعد إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلا بعد الإنتهاء من حصار الطائف. فدلنا ذلك على أنه كان يقوم بمهمات جسام، توازي في أهميتها مواجهة أهل الطائف في أيام حصارهم.

٢ ـ إن النص لم يحدد لنا عدد هذه الأصنام، ولا أسماء، ولا أمكنة وجودها.. فإن كانت هي الأصنام المعهودة، وهي العزى، وود، وسواع، ومناة، وذو الكفين، واللات، وما إلى ذلك.. فهو يدل على عدم صحة ما ذكروه من أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أرسل المغـيرة وأبا سفيان لهدم الطاغية، وهو اللات، وفلاناً الآخر لهدم مناة، وفلانـاً لهدم العزى وما إلى ذلك.. وأن ذكر هؤلاء وعدم التصريح بما أوكل إلى علي (عليه‌السلام ) قد جاء للتعمية على الحقيقة، والتشكيك بها.

٢ ـ سرية لمواجهة خيل ثقيف:

وقالوا: (خرج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى الطائف، ووجه علي بن أبي طالب، فلقي نافع بن غيلان بن سلمة بن معتب في خيل من ثقيف (ببطن وج وهو واد بالطائف) فقتله، وانهزم أصحابه).

زاد المفيد وغيره قوله: ولحق القوم الرعب، فنزل منهم جماعة إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(١) .

____________

١- تاريخ اليعقوبي ج٢ ص٦٤ وإعلام الورى ص١٢٤ و (ط مؤسسة آل البيت) = = ج١ ص٣٨٨، وبحار الأنوار ج٢١ ص١٦٤ و ١٦٨ وج٤١ ص٩٥ والإرشاد للمفيد ج١ ص١٥٣ وأعيان الشيعة ج١ ص٢٨١ والدر النظيم لابن حاتم العاملي ص١٨٥ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه‌السلام ) في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٢٥٧ وعن مناقب آل أبي طالب ج١ ص٦٠٥ و ٦٠٦ والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص٩٣.

٧٢

٣ ـ سرية علي (عليه‌السلام ) إلى خثعم:

قالوا: سار (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بنفسه إلى الطائف (في شوال سنة ثمان، فحاصرهم بضعة عشر يوماً(١) أو) فحاصرهم أياماً.

وأنفذ أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام ) في خيل، وأمره أن يطأ ما وجد، وأن يكسر كل صنم وجده.

فخرج حتى لقيته خيل خثعم في جمع كثير، فبرز له رجل من القوم يقال له شهاب، في غبش الصبح، فقال: هل من مبارز؟!

فقال أمير المؤمنين (عليه‌السلام ): (من له)؟!

____________

١- إعلام الورى ص١٢٣ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١ ص٣٨٧ وبحار الأنوار ج٢١ ص١٦٤ و ١٦٨ ومستدرك سفينة البحار ج٦ ص٥٩٨ وراجع: قصص الأنبياء للراوندي ص٣٤٨ والدر النظيم ص١٨٥ وكشف الغمة ج١ ص٢٢٦ والإرشاد ج١ ص١٥٣ والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص٩٣ وأعيان الشيعة ج١ ص٢٨١ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه‌السلام ) في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٢٥٧.

٧٣

فلم يقم أحد، فقام إليه أمير المؤمنين (عليه‌السلام ).

فوثب أبو العاص بن الربيع، فقال: تكفاه أيها الأمير.

فقال: (لا، ولكن إن قتلت فأنت على الناس).

فبرز إليه أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) وهو يقول:

إن على كل رئيس حقاً أن يروي الصعدة أو تدقا(١)

ثم ضربه فقتله. ومضى في تلك الخيل، حتى كسر الأصنام، وعاد إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وهو محاصر لأهل الطائف (ينتظره).

فلما رآه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كبر (للفتح)، وأخذ بيده، فخلا به، وناجاه طويلاً(٢) .

____________

١- الصعدة: القناة المستوية من منبتها لا تحتاج إلى تعديل. راجع: الصحاح ـ صعد ـ ج٢ ص٤٩٨.

٢- راجع: إعلام الورى ص١٢٣ و ١٢٤ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١ ص٢٣٥ و ٣٨٨ و ٣٨٩، والدر النظيم ص١٨٥ والكنى والألقاب ج١ ص١١٥ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٦٠٥ و ٦٠٦ و (ط المكتبة الحيدرية) ص١٨٢ وج٢ ص٣٣٢. وبحار الأنوار ج٢١ ص١٦٣ و ١٦٤ و ١٦٩ وج٤١ ص٩٥ والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص٩٢ وأعيان الشيعة ج١ ص٢٨١ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه‌السلام ) في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٢٦٦ والإرشاد للمفيد ج١ ص١٥١ ـ ١٥٣ وفي هامشه قال: روي باختلاف يسير في سنن الترمذي ج٥ ص٣٠٣، وتاريخ بغداد ج٧ ص٤٠٢، = = ومناقب المغازلي ص١٢٤، وأسد الغابة ج٤ ص٢٧، وكفاية الطالب ص٣٢٧ وكشف الغمة ج١ ص٢٢٦.

٧٤

فروى عبد الرحمن بن سيابة، والأجلح جميعاً، عن أبي الزبير، عن جابر بن عبد الله الأنصاري: أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لما خلا بعلي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) يوم الطائف، أتاه عمر بن الخطاب، فقال: أتناجيه دوننا، وتخلو به دوننا؟!

فقال: (يا عمر، ما أنا انتجيته، بل الله انتجاه)(١) .

قال: فأعرض عمر وهو يقول: هذا كما قلت لنا قبل الحديبية:( لَتَدْخُلُنَّ المَسْجِدَ الحَرَامَ إِن شَاءَ اللهُ آمِنِينَ ) (٢) ، فلم ندخله، وصددنا عنه.

فناداه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (لم أقل: إنكم تدخلونه في ذلك العام)!(٣) .

____________

١- راجع المصادر المتقدمة.

٢- الآية ٢٧ من سورة الفتح.

٣- راجع: إعلام الورى ص١٢٤ و (ط مؤسسة آل البيت) ج١ ص٣٨٨ وبحار الأنوار ج٢١ ص١٦٤ و ١٦٩ والإرشاد للمفيد ج١ ص١٥٣ وقال في هامشه: أنظر قطعاً منه في سنن الترمذي ج٥ ص٦٣٩/٣٧٢٦. وجامع الأصول ج٨ ص٦٥٨/٦٥٠٥، وتاريخ بغداد ج٧ ص٤٠٢، ومناقب الإمام علي ( عليه‌السلام ) لابن المغازلي ص١٢٤ و ١٦٣، وكفاية الطالب ص٣٢٧، وأسد الغابة ج٤ ص٢٧، ومصباح الأنوار ص٨٨، وكنز العمال ج١١ ص٦٢٥/٣٣٠٩٨ = = عن الترمذي، والطبراني. انتهى.

وحديث المناجاة مذكور في كثير من مصادر أهل السنة، ولكنهم يتحاشون غالباً التصريح باسم المعترضين على رسول الله ( صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فراجع على سبيل المثال: إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٥٢٥ ـ ٥٣١ عن المصادر التالية:

صحيح الترمذي (ط الصاوي) ج١٣ ص١٧٣ والرسالة القوامية للسمعاني، والمناقب للخوارزمي (ط تبريز) ص٨٣، والنهاية في اللغة ج٤ ص١٣٨ وتذكرة الخواص (ط الغري) ص٤٧ ونهج البلاغة (ط القاهرة) ج٢ ص١٦٧ و ٤١١ ومسند أحمد، ودر بحر المناقب (مخطوط) ص٤٧ والرياض النضرة (ط الخانجي) ج٢ ص٢٠٠ وذخائر العقبى (ط القدسي) ص٨٥ والبداية والنهاية ج٧ ص٣٥٦ ومشكاة المصابيح (ط دهلي) ص٥٦٤ وشرح ديوان أمير المؤمنين للميبدي (مخطوط) ص١٨٧ والمناقب لعبد الله الشافعي (مخطوط) ص١٦٤ ومفتاح النجا للبدخشي (مخطوط) ص٤٧ وأسنى المطالب لمحمد الحوت، وتاج العروس ج١ ص٣٥٨ وينابيع المودة ص٥٨ وتجهيز الجيش ص٣٧٤ وسعد الشموس والأقمار (ط التقدم العلمية بمصر) ص٢١٠ وأرجح المطالب (ط لاهور) ص٥٩٤ عن الترمذي، والنسائي، والطبراني عن أبي هريرة.

٧٥

وعن جابر، عن أبي عبد الله (عليه‌السلام ): أن أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) قال يوم الشورى: نشدتكم بالله هل فيكم أحد ناجاه رسول الله يوم الطائف، فقال أبو بكر وعمر: (يارسول الله ناجيت علياً دوننا).

فقال لهما النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (ما أنا ناجيته، بل الله أمرني

٧٦

بذلك) غيري؟!

قالوا: لا(١) .

ونقول:

تضمنت الروايات المتقدمة أموراً عديدة، نقتصر منها على ما له ارتباط بأمير المؤمنين (عليه‌السلام )، فلاحظ المطالب التالية:

من دلالات شعر علي (عليه‌السلام ):

قد بين الشعر المنسوب إلى علي (عليه‌السلام ) ما يلي:

١ ـ أن المفروض بالرئيس والقائد أن يتصدى بنفسه لقتال العدو، وأن يكون قتالاً مؤثراً، بحيث يروي رمحه من دماء أعدائه، أو أن يتحطم ذلك الرمح ويتلاشى.

٢ ـ إن ذلك ينتج: أن سلاح القائد ليس لمجرد الدفاع عن شخصه، بل هو للدفاع عن القضية، إذ لو كان للدفاع عن الشخص، فربما يكفيه ما هو أقل من ذلك بكثير، أو ربما لم يحتج إليه من الأساس.

٣ ـ إن ذلك يستبطن: أن على الرئيس، والقائد أن لا يخرج نفسه من دائرة التصدي للقتال، بحيث يكون همه حفظ نفسه، ليضحي بغيره، ليكون دوره هو مجرد إصدار التوجيهات، كما يفعله الكثير من الرؤساء والقادة

____________

١- بحار الأنوار ج٢١ ص١٨٠ وج٣١ ص٣٣٧ والإحتجاج ج١ ص٢٠٢ و ٢٠٣ ومصباح البلاغة للميرجهاني ج٣ ص٢٢١ وغاية المرام ج٢ ص١٣٢.

٧٧

قديماً وحديثاً.

تعدد المناجاة:

وقد أظهرت المصادر التي ذكرت المناجاة: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ناجى علياً (عليه‌السلام ) في غير ذلك الموضع أيضاً.. فراجع(١) .

____________

١- إحقاق الحق (الملحقات) ج٦ ص٥٣٤ ـ ٥٣٦ وراجع: ج٤ ص٩٨ وج١٧ ص٥٦ وج١٨ ص١٨٥ و ١٨٦ وج٢٠ ص٣٣٥ وج٢١ ص٦٧٢ وج٢٢ ص٥٥٣ وج٢٣ ص٣٠ و ٣١ و ٥٢٤ و ٥٨٥ وج٣٠ ص٦٥٤.

وراجع: مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج١ ص٤٥٧ وج٢ ص٨٧ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٢٠٣ وج٢ ص٦٤ والعمدة لابن البطريق ص٢٨٧ وذخائر العقبى ص٧٢ وكتاب الأربعين للشيرازي ص١٢٨ وبحار الأنوار ج٢٢ ص٤٧٣ وج٣٨ ص٣١٢ ومسند أحمد ج٦ ص٣٠٠ ومجمع الزوائد ج٩ ص١١٢ وكتاب الوفاة للنسائي ص٥٢ والمعجم الكبير للطبراني ج٢٣ ص٣٧٥. وراجع أيضاً: والسنن الكبرى للنسائي ج٥ ص١٥٤ وخصائص أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) للنسائي ص١٣٠ والمصنف لابن أبي شيبة ج٧ ص٤٩٤ ومسند أبي يعلى ج١٢ ص٣٦٤ وكنز العمال ج١٣ ص١٤٦ ومعجم الرجال والحديث ج٢ ص١٧٢ وتاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٣٩٤ و ٣٩٥ وذكر أخبار إصبهان ج١ ص٢٥١ والبداية والنهاية ج٧ ص٣٩٧ وأعيان الشيعة ج١ ص٣٥٨ وسبل الهدى والرشاد ١٢ ص٢٥٥ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه‌السلام ) في الكتاب والسنة والتاريخ ج١ ص٣٠٥.

٧٨

دلالات مناجاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي (عليه‌السلام ):

إن مناجاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي (عليه‌السلام ) دلت على أنه (عليه‌السلام ) هو موضع سر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) دون غيره.. ولم يعد يمكن لأحد أن يدعي لنفسه خصوصية لدى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) تؤهله لمقام الخلافة بعده (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

ولعل هذا هو السبب في تغيظ بعض الناس، حتى جاهر بالإعتراض على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في هذا الأمر..

فجاءه الجواب الصاعق، الذي كان أشد ضرراً بطموحاته، حين أعلن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، أن الله تعالى هو الذي أمره بذلك.

بل زاد على ذلك بأن أعلن أنه (عليه‌السلام ) موضع سر الله أيضاً تماماً كما هو حال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نفسه، فقال: (بل الله انتجاه)، والفرق بينهما أن الله ينتجي رسوله مباشرة، وبالوحي إليه، وينتجي علياً (عليه‌السلام ) بواسطة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وقد روي عنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنه قال لعلي (عليه‌السلام ): (إنك لحجة الله على خلقه، وأمينه على سره، وخليفة الله على عباده(١) .

____________

١- ينابيع المودة ص٥٣ و (ط دار الإسوة) ج١ ص١٦٧ وفضائل أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) لابن عقدة ص١٣٥ وبشارة المصطفى للطبري ص٤٣٧ ومشارق الشموس للمحقق الخوانساري ج٢ ص٤٤٢ والأمالي للصدوق ص١٥٥ وعيون أخبار الرضا ج٢ ص٢٦٧ وفضائل الأشهر الثلاثة للصدوق ص٧٩ وروضة الواعظين = = ص٣٤٦ وإقبال الأعمال لابن طاووس ج١ ص٢٧ وبحار الأنوار ج٤٢ ص١٩١ وج٩٣ ص٣٥٨ وجامع أحاديث الشيعة ج٩ ص٢١ ومسند الإمام الرضا ( عليه‌السلام ) ج٢ ص١٨٧ وموسوعة أحاديث أهل البيت ( عليهم‌السلام ) ص٢٦٩ وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه‌السلام ) في الكتاب والسنة والتاريخ ج٢ ص١٤٦ وج٨ ص١٨٠ وغاية المرام ج١ ص١٠٩ و ١٧٠ وج٢ ص١٩١ وج٥ ص٢٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٤ ص٨٢ وج٥ ص٥٠ وج٢٢ ص٣٢٤ وج٢٣ ص٤٠٤.

٧٩

وعنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (هذا وصيي، وموضع سري، وخير من أترك بعدي)(١) .

____________

١- إحقاق الحق (قسم الملحقات) ج٤ ص٧٥ و ٧٦ و ٣٥٠ وراجع: ج١٥ ص١٥٣ و ١٥٤ وج٢١ ص٦٠٠ وج٢٣ ص٥٢١ و ٥٥٥ وج٣١ ص١٩٢ و ٢٤٧ عن ميزان الإعتدال (مطبعة السعادة بمصر) ج١ ص٢٩٨ و (ط البابي الحلبي بالقاهرة) ص ٦٣٥ و (ط دار الكتب العلمية) ج٦ ص٤٤٦ وج٧ ص٥ عن جامع الأحاديث (ط دمشق) تأليف عباس صقر، وأحمد عبد الجواد بمصر ج٣ ص٩٧، ومجمع الزوائد ج٩ ص١١٣ و ١١٤ ومنتخب كنز العمال (مطبوع بهامش مسند أحمد) ج٥ ص٣٢ عن الطبراني، وابن مردويه، وعن مفتاح النجا (مخطوط) ص٩٤ عن العقيلي، وعن در بحر المناقب (مخطوط) ص٦٠ عن ابن المغازلي، وأرجح المطالب ص٢٤ و ٥٨٩ وقرة العينين في تفضيل الشيخين ص٢٣٤ وراجع: مناقب أمير المؤمنـين (عليه‌السلام ) ج١ ص٣٣٥ و ٣٨٥ = = و ٣٨٧ و ٤٤٥ وشرح الأخبار ج١ ص١١٧ و ١٩٥ والأمالي للمفيد ص٦١ ومناقب آل أبي طالب لابن شهرآشوب ج٢ ص٢٤٦ و ٢٤٧ و ٢٥٦ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٤٩ وبحار الأنوارج٣٨ ص١٢ وميزان الحكمة ج١ ص١٣٧ والمعجم الكبير للطبراني ج٦ ص٢٢١ وكنز العمال ج١١ ص٢٨٠ و (ط مؤسسة الرسالة) ص٦١٠ والإكمال في أسماء الرجال ص٩٦ و ٢٠٤ وقاموس الرجال ج١٠ ص٣٣٥ والفوائد المجموعة والأحاديث الموضوعة ج١ ص٣٤٦ ومعجم الرجال والحديث ج٢ ص٦٢ وكتاب المجروحين ج١ ص٢٧٩ وج٣ ص٥ والموضوعات لابن الجوزي (ط المكتبة السلفية) ج١ ص٣٧٥ والموضوعات لأبي الفرج القرشي ص٢٥٩ و ٢٨١ و ٢٨٣ وتهذيب التهذيب ج٣ ص٩١ وأعيان الشيعة ج٦ ص٢٩٥ وكشف الغمة ج١ ص١٥٦ وكشف اليقين ص٢٥٥ وأهل البيت (عليهم‌السلام ) في الكتاب والسنة ص١٤٣ والكامل في ضعفاء الرجال ج٦ ص٣٩٧ واللآلي المصنوعة ج١ ص٣٢٨ وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج٤٢ ص٥٧ وذخيرة الحفاظ لابن القيسراني محمد بن طاهر المقدسي ج٣ ص١٥٨٨ ومعرفة التذكرة لابن القيسراني ج١ ص١١٧ ومحاضرات الأدباء للأصفهاني ج٢ ص٤٩٦.

٨٠

وورد هذا المعنى في روايات أخرى أيضاً(1) .

____________

1- راجع: الصحيح من سيرة النبي الأعظم ( صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ج25 ص157 و158.

٨١

التشكيك بما قاله النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

وأغرب ما قرأناه: أن عمر بن الخطاب حين سمع قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن علي (عليه‌السلام ): بل الله انتجاه، بادر إلى القول: هذا كما قلت لنا قبل الحديبية لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين، فلم تدخله وصددنا عنه..

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): لم أقل إنكم تدخلونه في ذلك العام..

أي أن عمر يريد أن يقول: كما أن ذلك الوعد لم يتحقق، وكنت تتكلم من دون ضابطة، فإن قولك هذا: إن الله انتجى علياً (عليه‌السلام )، ليس بصحيح أيضاً..

فإذا ظهر للناس أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يخبر عن أشياء لا واقع لها، ثم قُدِّم لهم شاهد على ذلك، فلا بد أن يستقر هذا الأمر في أذهانهم وقلوبهم، وسيصعب اقتلاعه بعد ذلك: وهذا يؤدي إلى محق الإيمان بالنبوة في قلوبهم وعقولهم..

فاجابه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بما دل على أن ذلك القائل أراد أن يوهم الناس بأمر لا واقع له، فإن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يقل: إن دخولهم مكة سيكون في ذلك العام، بل قال لهم: إنهم سوف يدخلونها من دون تحديد وقت، فلماذا ينسب إليه عمر ما لم يقله؟!

وهي إجابة واضحة، يفهمها كل أحد.. وهي تدين ذلك الرجل الذي اتهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بما لم يقله.. وتبقى هذه الإدانة ماثلة أمام أعين الأجيال والأحقاب، وتنبئ عن معان كان الأجدر بهم التسترُّ عليها.

٨٢

إجابات النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أحرجتهم:

وهذه الإجابات النبوية عن أسباب المناجاة، ثم إبطاله التهمة العمرية هو السبب في سعي أتباع أولئك المعترضين على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى التكتم على أسماء المعترضين عليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، كما تدل عليه تعابيرهم في رواياتهم، مثل قولهم:

فقال الناس.. فقالوا.. فقال ناس من أصحابه.. فقال رجل.. فقال بعض أصحابه.. فقال قوم.. حتى كره من الصحابة ذلك، فقال قائل منهم..

هذا بالإضافة إلى محاولاتهم إسقاط اعتراض عمر على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأنه وعد بدخول مكة وجوابه (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

تهديد أهل الطائف بعلي (عليه‌السلام ):

عن المطلب بن عبد الله، عن مصعب بن عبد الرحمن بن عوف، عن أبيه: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حاصر أهل الطائف إلى عشرة أو سبعة عشر يوماً، فلم يفتحها، ثم أوغل روحة أو غدوة، ثم نزل، ثم هجّر، فقال:

(أيها الناس، إني لكم فرط، وإن موعدكم الحوض، وأوصيكم بعترتي خيراً..).

ثم قال: (..والذي نفسي بيده، لتقيمنّ الصلاة، ولتأتنّ الزكاة، أو لأبعثنّ إليكم رجلاً مني، أو كنفسي، فليضربنّ أعناق مقاتليكم، وليسبين ذراريكم).

٨٣

فرأى أناس: أنه يعني أبا بكر أو عمر.

فأخذ بيد علي (عليه‌السلام )، فقال: هو هذا.

قال المطلب بن عبد الله: فقلت لمصعب بن عبد الرحمن بن عوف: فما حمل أباك على ما صنع؟!

قال: أنا ـ والله ـ أعجب من ذلك(1) .

وعن أبي ذر قال: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ـ وقد قدم عليه وفد أهل الطائف ـ: يا أهل الطائف، والله لتقيمنّ الصلاة، ولتؤتنّ الزكاة أو لأبعثنّ إليكم رجلاً كنفسي، يحب الله ورسوله، ويحبه الله ورسوله، يقصعكم بالسيف.

فتطاول لها أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فأخذ بيد علي (عليه‌السلام )، فأشالها، ثم قال: هو هذا.

فقال أبو بكر وعمر: ما رأينا كاليوم في الفضل قط(2) .

ونقول:

____________

1- بحار الأنوار ج21 ص152 وج40 ص30 والأمالي للطوسي ص516 و (ط دار الثقافة) ص504.

2- أمالي الطوسي ص590 و (ط دار الثقافة) ص579 وبحار الأنوار ج21 ص179 و180 وج38 ص324 ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج1 ص463 وج2 ص24 وموسوعة الإمام علي بن أبي طالب ( عليه‌السلام ) في الكتاب والسنة والتاريخ ج11 ص224.

٨٤

لا بد من ملاحظة الأمور التالية:

أفعال أفصح من الأقوال:

تضمنت النصوص المتقدمة:

1 ـ أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حاصر الطائف أسبوعين أو ثلاثة أو أكثر..

2 ـ ثم إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أوغل روحة، أو غدوة.

3 ـ ثم نزل.

4 ـ ثم هجّر.

5 ـ ثم أطلق تهديداته القوية: بأنه سوف يرميهم بعلي (عليه‌السلام )، ليضرب أعناق مقاتليهم، ويسبي ذراريهم، أو يقيمون الصلاة، ويؤتون الزكاة.. فما تفسير ذلك كله؟!

ونقول:

تظهر الإجابة على ذلك بالتأمل فيما يلي من نقاط:

1 ـ إن تحركات النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، على النحو المشار إليه آنفاً، حيث كان يتركهم، ثم يعود إليهم.. روحة أو غدوة، ثم ينزل، ثم يهجر، أمر لم يعرفه الناس في الحروب آنئذٍ.. ولا سيما حين يكون التحرك في وقت الهاجرة.. فإن هذه التحركات كانت مرصودة من قبل أهل الطائف، ولا بد أنها كانت تثير دهشتهم وتساؤلاتهم، وتوقعهم في حيرة بالغة..

ولا بد أن تكون قد أفهمتهم أموراً كثيرة، أهونها أنهم غير متروكين،

٨٥

وأن عليهم أن يتوقعوا مفاجأتهم في كل وقت، وزمان، فلا يمكنهم أن يأمنوا على أنفسهم بالخروج من حصونهم، والتخلي عن أسوارهم.. بل عليهم أن يبقوا في حالة تأهب وحذر.

كما لا بد أن تبقى ماشيتهم معهم، فلا يمكنهم تسريحها، ولا بد لها من أن تجد ما تأكله، ليمكنهم أن يستفيدوا منها في هذا الوقت الذي هم بأمس الحاجة إليها، كما أن عليهم أن يتدبروا أمرهم في إيجاد المؤن لأنفسهم، وربما ينفد منهم كل شيء.. ولا يبقى لهم حتى ماشيتهم.

2 ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هددهم بأنهم إن لم يستجيبوا لنداء العقل، فسيرميهم بأخيه علي (عليه‌السلام )، الذي هزمهم في حنين قبل أيام هزيمة مرة، وذليلة ومخزية، وقد كانوا عشرات الألوف، فهل يمكنهم الصمود الآن بعد أن تفرق ذلك الجمع عنهم؟!

3 ـ إن قذائف المنجنيق أضرت بهم.. مع علمهم بأن علياً (عليه‌السلام ) لم يشارك بعد في الحرب عليهم، بل هو لم يحضر بعد إلى ساحات النزال، لأنه كان منشغلاً بتطهير بعض الجهات من الجماعات الصغيرة المنتشرة في المنطقة، الأمر الذي يشير إلى أن المنطقة قد خرجت من أيديهم، ولم تعد قادرة على مد يد العون لهم..

4 ـ إن عليهم أن يتوقعوا أن مصيبتهم الكبرى ستكون حين يأذن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي (عليه‌السلام ) بمناجزتهم.. فإنه لا شيء يصده عن إنزال عقاب الله فيهم، وسوف لا تغني عنهم حصونهم شيئاً، كما لم تفد حصون قريظة وخيبر أهلها شيئاً.

٨٦

ولأجل ذلك هددهم بأن يبعث عليهم رجلاً منه كنفسه، يضرب أعناق مقاتليهم، ويسبى ذراريهم.

5 ـ وقد اقتصر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على هذين الأمرين: قتل المقاتلين، وسبي الذراري.. على قاعدة:( رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّاراً إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِراً كَفَّاراً ) (1) ، والمطلوب هو التخلص من الظلم، وقطع دابر الظالمين، وإفساح المجال للناس ـ من غير المصرين على القتال ـ ليمارسوا حريتهم في اختيار معتقداتهم، استناداً إلى الدليل القاطع للعذر، وليختاروا طريقة عيشهم بأنفسهم.

6 ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يصرح بإسم الذي يريد أن يرميهم به.. ووصفه بأوصاف جليلة وجميلة، ليطلق الناس العنان لخيالهم في التعرف على ذلك الشخص، ويتلمسوا تلك الميزات في هذا، ثم في ذاك، حتى يجدوها بأنفسهم في صاحبها المعهود والمقصود.. بعد أن يكونوا قد استحضروا ميزات هذا وذاك من الطامحين والطامعين..

7 ـ ولكن هذا الإبهام لم يدم طويلاً حيث جاءت المطالبة بالتصريح بإسمه، فصرح لهم بذلك الإسم الشريف.. الأمر الذي حمل المطلب بن عبد الله على أن يسأل مصعب بن عبد الرحمان بن عوف فقال: فما حمل أباك على ما صنع.

فقال مصعب: وأنا والله أعجب من ذلك.

____________

1- الآيتان 26 و 27 من سورة نوح.

٨٧

أي أنه سأله عن سبب عدم مبايعة عبد الرحمان بن عوف لعلي (عليه‌السلام ) بالخلافة، وتقديم عثمان عليه في يوم الشورى العمرية! إذا كان يعلم أن ذلك جرى له، فإن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد قال فيه ما قال..

فلم يجد عنده جواباً معقولاً، لأن الجواب المعقول لا يسعده، فإن السبب الحقيقي هو الطمع وعدم الورع..

فك الحصار لتسهيل الإستسلام:

وعن الإمام الصادق (عليه‌السلام ) أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لما واقع ـ وربما قال: فزغ(1) ـ رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من هوازن، سار حتى نزل الطائف، فحصر أهل وجٍ(2) أياماً، فسأله القوم أن يبرح عنهم ليقدم عليه وفدهم، فيشترط له، ويشترطون لأنفسهم.

فسار حتى نزل مكة، فقدم عليه نفر منهم باسلام قومهم. ولم يبخع القوم له بالصلاة ولا الزكاة.

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): إنه لا خير في دين لا ركوع فيه ولا سجود. أما والذي نفسي بيده ليقيمُنّ الصلاة، وليؤتُنّ الزكاة، أو لأبعثنّ إليهم رجلاً هو مني كنفسي، فليضربنّ أعناق مقاتليهم، وليسبينّ ذراريهم، وهو هذا.

____________

1- الصحيح: فرغ.

2- وجّ: موضع بناحية الطائف. أو اسم جامع حصونها. أو اسم واحد منها.

٨٨

وأخذ بيد علي (عليه‌السلام ) فأشالها.

فلما صار القوم إلى قومهم بالطائف أخبروهم بما سمعوا من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فأقروا له بالصلاة، وأقروا له بما شرط عليهم.

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): ما استعصى عليّ أهل مملكة، ولا أمة إلا رميتهم بسهم الله عز وجل.

قالوا: يا رسول الله: وما سهم الله؟!

قال: علي بن أبي طالب. ما بعثته في سرية إلا رأيت جبرئيل عن يمينه، وميكائيل عن يساره، وملكاً أمامه، وسحابة تظله، حتى يعطي الله عز وجل حبيبي النصر والظفر(1) .

وهذا معناه: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد حقق نصراً عظيماً، يوازي ما حققه في غزوة الخندق وخيبر وسواهما..

ويدل على ذلك أيضاً: ما تقدم من أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد قال لأصحابه حين أرادوا أن يرتحلوا عن الطائف: (قولوا: لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، صدق وعده، ونصر عبده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب

____________

1- الأمالي للطوسي ص516 و517 و (ط دار الثقافة ـ قم) ص505 وبحار الأنوار ج21 ص153 وج38 ص305 وج39 ص101 وج40 ص32 ومستدرك سفينة البحار ج5 ص315 ومناقب أمير المؤمنين ( عليه‌السلام ) ج1 ص359 وشرح الأخبار ج2 ص414 والثاقب في المناقب ص121 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص67 و 77 ومدينة المعاجز ج2 ص308.

٨٩

وحده)(1) .

فلو لم يكونوا منتصرين كانتصار يوم الأحزاب، لم يكن وجه لأمرهم بأن يقولـوا ذلك، فإن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا يطلق الشعـارات جزافاً.

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج5 ص388 عن الواقدي، وتاريخ الخميس ج2 ص112 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص114 وراجع المصادر المتقدمة.

٩٠

الباب التاسع:

إلى تـبـوك..

٩١

٩٢

الفصل الأول:

آل حاتم الطائي عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

٩٣

٩٤

هدم صنم طيء: الفُلْس:

قالوا: وفي شهر ربيع الآخر من سنة تسع بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) في خمسين ومائة رجل ـ أو مائتين كما ذكره ابن سعد ـ من الأنصار، على مائة بعير وخمسين فرساً، ومعه راية سوداء، ولواء أبيض إلى الفلس، ليهدمه.

فأغاروا على أحياء من العرب، وشنوا الغارة على محلة آل حاتم مع الفجر، فهدموا الفلس وخربوه، وملأوا أيديهم من السبي، والنعم، والشاء.

وكان في السبي سفانة أخت عدي بن حاتم، وهرب عدي إلى الشام.

ووجد في خزانة الفلس ثلاثة أسياف: رسوب، والمخذم ـ كان الحارث بن أبي شمر قلده إياهما ـ وسيف يقال له: اليماني، وثلاثة أدرع (وكان عليه ثياب يلبسونه إياها).

واستعمل علي (عليه‌السلام ) على السبي أبا قتادة، واستعمل على الماشية والرثة عبد الله بن عتيك.

فلما نزلوا ركك (أحد أجبال طي) اقتسموا الغنائم، وعزلوا للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) صفياً: رسوباً والمخذم، ثم صار له بعد السيف الآخر، وعزل الخمس.

٩٥

وعزل آل حاتم، فلم يقسمهم حتى قدم بهم المدينة.

ومرَّ النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأخت عدي بن حاتم، فقامت إليه وكلمته: أن يمن عليها.

فمنّ عليها، فأسلمت، وخرجت إلى أخيها، فأشارت عليه بالقدوم على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقدم عليه(1) .

وذكر ابن سعد في الوفود: أن الذي أغار، وسبى ابنة حاتم هو خالد بن الوليد(2) .

والفُلْس ـ بضم الفاء، وسكون اللام ـ: صنم لطيء ومن يليها(3) .

____________

1- راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص218 والمغازي للواقدي ج3 ص984 و 985 والسيرة الحلبية ج3 ص205 وراجع: المواهب اللدنية وشرحه للزرقاني ج4 ص48 و 49 و 50 وتاريخ الخميس ج2 ص120 و 121 والإصابة ج4 ص329 وتاريخ مدينة دمشق لابن عساكر ج69 ص194 ـ 203 وإحقاق الحق (الملحقات) ج23 ص234 ـ 237 وراجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص164 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص624 وإمتاع الأسماع ج2 ص45.

2- راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص218 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص322 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج69 ص193.

3- شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج4 ص48 وراجع: معجم البلدان ج4 ص273 وج5 ص205 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص194 والطبقات الكـبرى = = لابن سعد ج1 ص322 وج2 ص164 وتاريخ مدينة دمشق ج69 ص193 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص624 وإمتاع الأسماع ج2 ص45 و 142.

٩٦

وفي نص آخر ذكره الواقدي:

أن علياً (عليه‌السلام ) دفع رايته إلى سهل بن حنيف، ولواءه إلى جبار بن صخر السلمي، وخرج بدليل من بني أسد يقال له: حريث، فسلك بهم على طريق فيد (جبل)، فلما انتهى بهم إلى موضعٍ قال: بينكم وبين الحيّ الذي تريدون يوم تام، وإن سرناه بالنهار وطئنا أطرافهم ورعاءهم، فأنذروا الحيّ، فتفرقوا، فلم تصيبوا منهم حاجتكم، ولكن نقيم يومنا هذا في موضعنا حتى نمسي، ثم نسري ليلتنا على متون الخيل، فنجعلها غارة حتى نصبحهم في عماية الصبح.

قالوا: هذا الرأي!

فعسكروا، وسرحوا الإبل، واصطنعوا، وبعثوا نفراً منهم يتقصّون ما حولهم، فبعثوا أبا قتادة، والحباب بن المنذر، وأبا نائلة، فخرجوا على متون خيل لهم يطوفون حول المعسكر، فأصابوا غلاماً أسود، فقالوا: ما أنت؟!

قال: أطلب بغيتي.

فأتوا به علياً (عليه‌السلام )، فقال: ما أنت؟!

قال: باغ.

قال: فشدوا عليه.

فقال: أنا غلام لرجل من طيء من بني نبهان، أمروني بهذا الموضع

٩٧

وقالوا: إن رأيت خيل محمد فطر إلينا فأخبرنا، وأنا لا أدرك أسراً(1) (شراً)، فلما رأيتكم أردت الذهاب إليهم، ثم قلت: لا أعجل حتى آتي أصحابي بخبر بيِّن، من عددكم وعدد خيلكم، ورقابكم، ولا أخشى ما أصابني، فلكأني كنت مقيداً حتى أخذتني طلائعكم.

قال علي (عليه‌السلام ): أصدقنا ما وراءك.

قال: أوائل الحيّ على مسيرة ليلة طرادة، تصبحهم الخيل ومغارها حين غدوا.

قال علي (عليه‌السلام ) لأصحابه: ما ترون؟!

قال جبار بن صخر: نرى أن ننطلق على متون الخيل ليلتنا حتى نصبح القوم وهم غارون، فنغير عليهم، ونخرج بالعبد الأسود ليلاً، ونخلف حريثاً مع العسكر حتى يلحقوا إن شاء الله.

قال علي (عليه‌السلام ): هذا الرأي.

فخرجوا بالعبد الأسود، والخيل تعادى، وهو ردف بعضهم عقبة (نوبة)، ثم ينزل فيردف آخر عقبة، وهو مكتوف، فلما انهار الليل كذب العبد، وقال: قد أخطأت الطريق وتركتها ورائي.

قال علي (عليه‌السلام ): فارجع إلى حيث أخطأت.

فرجع ميلا أو أكثر، ثم قال: أنا على خطأ.

____________

1- أي لا أدرك لكي أؤخذ أسيراً.

٩٨

فقال علي (عليه‌السلام ): إنَّا منك على خدعة، ما تريد إلا أن تثنينا عن الحيّ، قدموه، لتصدقنا، أو لنضربن عنقك.

قال: فقدم وسل السيف على رأسه، فلما رأى الشر قال: أرأيت إن صدقتكم أينفعني؟!

قالوا: نعم.

قال: فإني صنعت ما رأيتم، إنه أدركني ما يدرك الناس من الحياء، فقلت: أقبلت بالقوم أدلهم على الحيّ من غير محنة ولاحق فآمنهم، فلما رأيت منكم ما رأيت، وخفت أن تقتلوني كان لي عذر، فأنا أحملكم على الطريق.

قالوا: أصدقنا.

قال: الحيّ منكم قريب.

فخرج معهم حتى انتهى إلى أدنى الحيّ، فسمعوا نباح الكلاب وحركة النعم في المراح والشاء.

فقال: هذه الأصرام (الجماعات) وهي على فرسخ، فينظر بعضهم إلى بعض.

فقالوا: فأين آل حاتم؟!

قال: هم متوسطو الأصرام.

قال القوم بعضهم لبعض: إن أفزعنا الحيّ تصايحوا، وأفزعوا بعضهم بعضاً، فتغيب عنا أحزابهم في سواد الليل، ولكن نمهل القوم حتى يطلع

٩٩

الفجر معترضاً، فقد قرب طلوعه فنغير، فإن أنذر بعضهم بعضاً لم يخفَ علينا أين يأخذون، وليس عند القوم خيل يهربون عليها، ونحن على متون الخيل.

قالوا: الرأي ما أشرت به.

قال: فلما اعترضوا الفجر أغاروا عليها، فقتلوا من قتلوا، وأسروا من أسروا، واستاقوا الذرية والنساء، وجمعوا النعم والشاء، ولم يخف عليهم أحد تغيب، فملأوا أيديهم.

قال: تقول جارية من الحي، وهي ترى العبد الأسود ـ وكان اسمه أسلم ـ وهو موثق: ما له؟! هُبِل(1) . هذا عمل رسولكم أسلم، لا سلم، وهو جلبهم عليكم، ودلهم على عورتكم!

قال يقول الأسود: أقصري يا ابنة الأكارم، ما دللتهم حتى قدّمت ليضرب عنقي.

قال: فعسكر القوم، وعزلوا الأسرى وهم ناحية نفير، وعزلوا الذرية، وأصابوا من آل حاتم أخت عدي، ونسيات معها، فعزلوهن على حدة.

فقال أسلم لعلي (عليه‌السلام ): ما تنتظر بإطلاقي؟!

فقال: تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله.

قال: أنا على دين قومي هؤلاء الأسرى، ما صنعوا صنعت.

____________

1- أي رماه الله بالهبل.

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329