الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٥
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
وقد وضع معاوية قوماً من الصحابة والتابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليهالسلام )، تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلاً يرغب فيه، فاختلقوا ما أرضاه. منهم أبو هريرة(1) .
ثانياً: لو صح هذا الحديث، فلعل أبا هريرة قد دلس فيه، ورواه عن شخص آخر. ويكون قول النبي (صلىاللهعليهوآله ): لم تحبس الشمس إلا ليوشع، قد صدر عنه قبل رد الشمس لعلي (عليهالسلام ) في خيبر وفي بدر..
ثالثاً: إن هذا الحديث لو صح: فإنما ينفي حبس الشمس لغير يوشع، ولا ينفي ردها..
رابعاً: حديث أبي هريرة مردود عليه، فقد روي حبس الشمس لرسول الله (صلىاللهعليهوآله ) صبيحة الإسراء، وفي الخندق(2) .
____________
1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج4 ص63 و 64 وكتاب الأربعين للشيرازي ص294 وبحار الأنوار ج30 ص401 وج33 ص215 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص528 وقاموس الرجال للتستري ج11 ص554 وشيخ المضيرة أبو هريرة ص199 و 236 وصلح الحسن للسيد شرف الدين ص326.
2- راجع: عمدة القاري ج15 ص42 و43 وراجع: فتح الباري ج6 ص155 والسيرة النبوية لدحلان ج2 ص202 والسيرة الحلبية ج1 ص383 ونسيم الرياض ج3 ص11 و12 و13 وبهامشه شرح الشفاء للقاري ج3 ص13 وفيض القدير ج5 ص440 وبحار الأنوار ج17 ص359 والمواهب اللدنية ج2 ص210 و211.
خامساً: قد حبست الشمس، وردَّت لغير رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أيضاً، فقد روي: أنها حبست لداود (عليهالسلام ).
وردت لسليمان (عليهالسلام ).
وحبست لموسى (عليهالسلام ).
وحبست في أيام حزقيل.
وزعموا: أنها حبست لأبي بكر.
وزعموا: أنها حبست للحضرمي(1) .
سادساً: ورد عن الشافعي وغيره: ما أوتي نبي معجزة إلا أوتي نبينا (صلىاللهعليهوآله ) نظيرها أو أبلغ منها(2) .
سابعاً: قال الشافعي: إن الشمس إذا كانت قد حبست ليوشع ليالي قتال الجبارين، فلا بد أن يقع نظير ذلك في هذه الأمة أيضاً(3) . فيدل ذلك على أن ما ثبت ليوشع، وهو وصي موسى، ولحزقيل، وداود، وسليمان،
____________
1- راجع كتابنا: رد الشمس لعلي (عليهالسلام ) ص63 ـ 65 للإطلاع على بعض تفاصيل ذلك، وعلى بعض مصادره.
2- عمدة القاري ج15 ص144 راجع: رسائل في حديث رد الشمس للشيخ المحمودي ص108 وتفسير البغوي ج1 ص236 وتفسير البحر المحيط ج2 ص283.
3- نسيم الرياض ج3 ص12 واللآلي المصنوعة ج1 ص341 ورسائل في حديث رد الشمس للمحمودي ص108 وعن الصواعق المحرقة ص197.
وموسى (عليهالسلام ) لا بد أن يثبت لوصي محمد في هذه الأمة، ولنبينا محمد نفسه (صلىاللهعليهوآله ).. وذلك للأخبار الواردة عن النبي (صلىاللهعليهوآله ) في أنه سيجري في أمته ما جرى في الأمم السابقة(1) .
ثامناً: إن كلام أبي هريرة ليس صريحاً في نفي ردها لعلي (عليهالسلام ). إذ لعل المراد: أن الله تعالى لم يردها قبل علي (عليهاالسلام ) لغير يوشع.. ويقصد بالغير: من عدا الأنبياء طبعاً. أو يكون المقصود لم يحبسها لأحد من الأوصياء لغير يوشع وصي موسى (عليهماالسلام )، وعلي (عليهالسلام ) وصي محمد (صلىاللهعليهوآله )..
الذين يرون المعجزة:
وبعد.. فإن الذين يجب أو يمكن أن يروا المعجزة كمعجزة شق القمر، أو رد الشمس هم:
إما الصفوة الأخيار، الذين تزيدهم يقيناً وإيماناً.
وإما الذين يراد إقامة الحجة عليهم، أو ردّ التحدي الوارد من قبلهم، وتحطيم كبريائهم، وبغيهم.
ويراها أيضاً أولئك الذين خدعوا بالباطل، من أجل تعريفهم بزيف الذين خدعوهم، وبباطلهم، وجحودهم..
____________
1- راجع: المستدرك للحاكم ج1 ص129 ومجمع الزوائد ج7 ص260 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص636 والمعجم الكبير ج17 ص13 ومسند الشاميين ج2 ص100 وكنز العمال ج11 ص170 و230.
وأما الآخرون الغافلون فقد يجب أن لا يراها الكثيرون منهم، وهم الذين يصابون بالخوف، والهلع، الذي يُفقِدُ إيمانهم قدرته على التأثير في جلب المثوبة لهم، لأن المناط في جلب المثوبة هو الإختيار، البعيد عن أجواء الإلجاء، والاضطرار، ليكون إيماناً مستنداً إلى الوعي والالتفات، وإلى القناعة الناتجة عن روية وتبصر، وعن تأمل وتفكر، ووعي وتدبر.
إختلال النظام الكوني:
وقد زعموا أيضاً: أن رد الشمس لعلي (عليهالسلام ) غير ممكن، لأنها لو تخلفت أو ردّت لاختلت الأفلاك، وفسد النظام(1) .
ونقول:
أولاً: إن أمر الكون بيد الله تعالى، فهو يخضعه للمعجزة، دون أن يوجب حدوثها أي اختلال في نظامه.. لأن صانع المعجزة هو إله قادر عالم حكيم.. وليس عاجزاً ولا جاهلاً.
ثانياً: هذا الكلام لو صح للزم تكذيب جميع المعجزات التي لها ارتباط بالنظام الكوني، ومن ذلك معجزة انشقاق القمر. ومعجزة حبس الشمس ليوشع. وغير ذلك..
____________
1- راجع: السيرة الحلبية ج3 ص385 و (ط دار المعرفة) ج2 ص101 وبحار الأنوار ج41 ص175 وتذكرة الخواص ص52 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص359 ـ 365 و (ط المكتبة الحيدرية) ج2 ص146.
لو ردت لعلي (عليهالسلام ) لردت للنبي (صلىاللهعليهوآله ):
وقالوا: لو ردت الشمس لعلي (عليهالسلام ) لردت للنبي (صلىاللهعليهوآله )، حينما نام هو وأصحابه عن صلاة الصبح في الصهباء، وهو راجع من غزوة خيبر نفسها(1) .
ونقول:
أولاً: حديث نوم النبي (صلىاللهعليهوآله ) عن صلاة الصبح لا يمكن قبوله.
ثانياً: إن الشمس ردت على رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في غزوة الخندق وغيرها، وحبست له (صلىاللهعليهوآله ) حين الإسراء.
وتقدم أيضاً: أنها ردَّت وحبست لغيره من الأنبياء والأوصياء السابقين..
بل زعموا: أنها حبست للحضرمي، ولأبي بكر أيضاً. كما أن من يصدق بهذا وذاك، فعليه أن يعتقد أن ذلك لا يوجب اختلال النظام الكوني أيضاً.
ثالثاً: قال الخفاجي: (إنما ردت إلى علي (عليهالسلام ) ببركة دعائه (صلىاللهعليهوآله ). مع أن كرامات الأولياء في معنى معجزات الأنبياء).
____________
1- البداية والنهاية ج6 ص79 و 80 و 87 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج6 ص88 وراجع: منهاج السنة ج4 ص187 و 189.
إلى أن قال: (مع أن المفضول قد يوجد فيه ما لا يوجد في الفاضل. كما يلزم منه القول بعدم حبسها ليوشع)(1) .
ولعله يقصد بقوله: قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل: أن بعض المصالح قد توجب حدوث أمر للمفضول، ولا يكون هناك ما يوجب حدوثه للفاضل..
فإذا كان هناك من سوف يعاند علياً (عليهالسلام ) في إمامته، وفي خصوصيته، وفي أفضليته على البشر جميعاً، باستثناء رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فإن الله يختصه (عليهالسلام ) بكرامات تثبت له ذلك كله، وتقيم عليهم الحجة فيه، فيولد علي (عليهالسلام ) في الكعبة، ولا يولد رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) فيها، ويقلع علي (عليهالسلام ) باب حصن خيبر، وترد له الشمس و.. و.. الخ.. ولا يكون هناك ما يقتضي حدوث ذلك لرسول الله (صلىاللهعليهوآله )..
علي (عليهالسلام ) لا يترك الصلاة:
وقالوا: إن علياً (عليهالسلام ) أجلُّ من أن يترك الصلاة(2) . فإذا ورد ما ينسب ذلك إليه، فلابد من ردِّه.
ونقول:
أولاً: صرح النص الذي ذكر رد الشمس لعلي (عليهالسلام ) في منزل
____________
1- شرح الشفاء للقاري (مطبوع مع نسيم الرياض) ج3 ص13.
2- منهاج السنة ج4 ص186 و 195.
رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في المدينة، بأن علياً (عليهالسلام ) قد صلى إيماءً، وأراد الله أن يظهر كرامته، فردها عليه ليصلي صلاة المختار.
ثانياً: إذا كان الغروب يتحقق بذهاب الحمرة المشرقية، فإذا أردت فور غيابها عن النظر، فإن الصلاة لا تكون قضاء في هذه الحالة، لأن المفروض أن الغروب لم يتحقق بعد.. فلا يصح القول: إن الصلاة قد فاتته، وقد روي في صحيح مسلم وغيره: أنه (صلىاللهعليهوآله ) قال: إذا غابت الشمس من ها هنا وأشار إلى المغرب، وأقبل الليل من ها هنا، وأشار إلى المشرق، فقد أفطر الصائم(1) .
ثالثاً: ذكرت بعض النصوص: أن الله تعالى رد الشمس عليه، أو حبسها له بعدما كادت تغرب.
وهذا معناه: أن صلاة العصر لم تكن قد فاتته، لأن وقتها يمتد إلى وقت غروب الشمس.
وقال ابن إدريس في السرائر: (ولا يحل أن يعتقد أن الشمس غابت، ودخل الليل، وخرج وقت العصر بالكلية، وما صلى الفريضة (عليهالسلام )، لأن هذا من مٌعْتَقِدِهِ جهل بعصمته (عليهالسلام )، لأنه يكون مخلاً بالواجب
____________
1- صحيح مسلم ج3 ص132 والمجموع للنووي ج6 ص303 وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج2 ص328 و 329 وتفسير القرآن العظيم ج3 ص578 والسنن الكبرى للبيهقي ج4 ص216 ومسند الحميدي ج1 ص12 والسنن الكبرى للنسائي ج2 ص252 والإستذكار لابن عبد البر ج3 ص288
المضيق عليه. وهذا لا يقوله من عرف إمامته، واعتقد بعصمته)(1) .
وعلى كل حال: فإن مناوئي علي (عليهالسلام ) قد سعوا بكل ما لديهم من طاقة وحول إلى إبطال هذه الكرامة الكبرى له (عليهالسلام )، أو إثارة الشبهات والتشكيكات حولها، ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره، ولو كره الشانئون، والحاقدون، والحاسدون لعلي (عليهالسلام )، وللأئمة الطاهرين من ولده (عليهمالسلام )..
فمن أراد الاطلاع على المزيد مما يرتبط بهذا الموضوع، فليرجع إلى كتابنا الموسوم بـ: (رد الشمس لعليعليهالسلام )، والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
____________
1- راجع: السرائر ج1 ص265 وبحار الأنوار ج80 ص318.
إلى فتح مكة..
ذات السلاسل..
سرية ذات السلاسل:
1 ـ ورد في بعض الروايات عن الإمام الصادق (عليهالسلام ): أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) وجَّه عمر بن الخطاب في سرية فرجع منهزماً، يجبِّن أصحابه ويجبنونه، فأرسل علياً (عليهالسلام ) وأمره أن لا يفارقه العين، فأغار عليهم، فنزلت:( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً.. ) إلى آخر السورة(1) .
2 ـ وروي: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) لما بعث سرية ذات السلاسل، عقد الراية وسار بها أبو بكر، حتى إذا صار بها بقرب المشركين اتصل بهم خبرهم، فتحرزوا ولم يصل المسلمون إليهم.
فأخذ الراية عمر وخرج مع السرية، فاتصل بهم خبرهم، فتحرزوا، ولم يصل المسلمون إليهم.
فأخذ الراية عمرو بن العاص، فخرج في السرية فانهزموا.
فأخذ الراية علي، وضم إليه أبا بكر، وعمر، وعمرو بن العاص، ومن
____________
1- أمالي ابن الشيخ ص259 و 260 وبحار الأنوار ج21 ص75 و 76 عنه، والبرهان (تفسير) ج4 ص498 و 499 ونور الثقلين ج5 ص652 والتفسير الصافي ج5 ص361.
كان معه في تلك السرية.
وكان المشركون قد أقاموا رقباء على جبالهم، ينظرون إلى كل عسكر يخرج إليهم من المدينة على الجادة، فيأخذون حذرهم واستعدادهم.
فلما خرج علي (عليهالسلام ) ترك الجادة، وأخذ بالسرية في الأودية بين الجبال.
فلما رأى عمرو بن العاص وقد فعل علي ذلك، علم أنه سيظفر بهم، فحسده، فقال لأبي بكر، وعمر، ووجوه السرية: إن علياً رجل غر، لا خبرة له بهذه المسالك، و نحن أعرف بها منه، وهذا الطريق الذي توجه فيه كثير السباع، وسيلقى الناس من معرتها أشد ما يحاذرونه من العدو، فاسألوه أن يرجع عنه إلى الجادة.
فعرَّفوا أمير المؤمنين (عليهالسلام ) ذلك، فقال: من كان طائعاً لله ولرسوله منكم فليتبعني، ومن أراد الخلاف على الله ورسوله فلينصرف عني.
وفي نص آخر: فقال لهم أمير المؤمنين (عليهالسلام ): الزموا رحالكم، وكفوا عما لا يعنيكم، واسمعوا وأطيعوا، فإني أعلم بما أصنع(1) .
فسكتوا، وساروا معه، فكان يسير بهم بين الجبال في الليل، ويكمن في الأودية بالنهار، وصارت السباع التي فيها كالسنانير، إلى أن كبس المشركين
____________
1- راجع هذه الفقرة في: بحار الأنوار ج21 ص74 وتفسير القمي ج2 ص439 ونور الثقلين ج5 ص657.
وهم غارون آمنون وقت الصبح، فظفر بالرجال، والذراري، والأموال، فحاز ذلك كله، وشد الرجال في الحبال كالسلاسل، فلذلك سميت غزاة ذات السلاسل.
فلما كانت الصبيحة التي أغار فيها أمير المؤمنين (عليهالسلام ) على العدو ـ ومن المدينة إلى هناك خمس مراحل ـ خرج النبي (صلىاللهعليهوآله ) فصلى بالناس الفجر، وقرأ: (والعاديات) في الركعة الأولى، وقال: (هذه سورة أنزلها الله عليَّ في هذا الوقت، يخبرني فيها بإغارة علي على العدو. وجعل حسده (أي حسد الإنسان) لعلي حسداً له، فقال:( إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) (1) . والكنود: الحسود(2) .
3 ـ وذكر نص آخر: أن أعرابياً أخبر النبي (صلىاللهعليهوآله ) باجتماع قوم من العرب في وادي الرمل ليبيتوه في المدينة.. فأخبر النبي (صلىاللهعليهوآله ) المسلمين..
فانتدب إليهم جماعة من أهل الصفة، فأقرع بينهم، فخرجت القرعة على ثمانين رجلاً، فاستدعى أبا بكر، فقال له: خذ اللواء، وامض إلى بني سليم، فإنهم قريب من الحرة..
فمضى إليهم. وهم ببطن الوادي، والمنحدر إليهم صعب. فخرجوا
____________
1- الآية 6 من سورة العاديات.
2- بحار الأنوار ج21 ص76 و 77 والخرائج والجرائح ج1 ص167 و 168 وراجع: إثبات الهداة ج2 ص118.
إليه ـ حين أرادوا الإنحدار ـ فهزموه، وقتلوا من المسلمين جمعاً كثيراً.
فعقد (صلىاللهعليهوآله ) لعمر بن الخطاب، وبعثه إليهم.. فهزموه أيضاً.
فأرسل إليهم عمرو بن العاص بطلب من عمرو نفسه، فخرجوا إليه، فهزموه، وقتلوا جماعة من أصحابه..
فدعا علياً (عليهالسلام )، فعقد له، ثم قال: (أرسلته كراراً غير فرار).
وشيعه إلى مسجد الأحزاب، وأنفذ معه أبا بكر، وعمر، وعمرو بن العاص.
فسار بهم (عليهالسلام ) نحو العراق متنكباً للطريق، حتى ظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه، ثم انحدر بهم على محجة غامضة، حتى استقبل الوادي من فمه..
وكان يسير بالليل، ويكمن بالنهار.
فلما قرب من الوادي أمرهم أن يعكموا الخيل..
فعرف عمرو بن العاص أنه الفتح.
ثم ذكرت الرواية نحو ما تقدم في الرواية السابقة.
ثم قالت: قالوا: وقتل منهم مئة وعشرين رجلاً. وكان رئيس القوم الحارث بن بشر، وسبى منهم مئة وعشرين.
فلما رجع واستقبله النبي (صلىاللهعليهوآله ) والمسلمون.. قال له: (لولا أني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في
المسيح عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمر بملأ من الناس إلا وأخذوا التراب من تحت قدميك)(1) .
4 ـ وجاء في نص آخر: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) أخبر الناس بما أنذر به الإعرابي، وقال لهم: (فمن للوادي)؟!
فقام رجل من المهاجرين، فقال: أنا له يا رسول الله، فناوله اللواء، وضم إليه سبع مائة رجل، فسار إليهم، فسألوه عن شأنه، فأخبرهم، فقالوا: (ارجع إلى صاحبك، فإنَّا في جمع لا تقوم له)، فرجع.
فأرسل مهاجرياً آخر، فمضى، ثم عاد بمثل ما عاد به صاحبه.
فأرسل علياً (عليهالسلام ) فمضى إلى وادي الرمل، فوافى القوم بسحر، فأقام حتى أصبح، ثم عرض على القوم أن يسلموا أو يضربهم بالسيف، فطلبوا منه أن يرجع كما رجع صاحباه، فأبى، وأخبرهم أنه علي، فاضطربوا لما عرفوه، ثم اجترأوا على مواقعته، فقتل منهم ستة أو سبعة، وانهزموا، وظفر المسلمون بالغنائم، ورجعوا.
فاستقبله المسلمون والنبي، فلما بصر بالنبي (صلىاللهعليهوآله ) ترجل عن فرسه، وأهوى إلى قدميه يقبلهما.
فقال له (صلىاللهعليهوآله ): (اركب، فإن الله تعالى ورسوله عنك
____________
1- الإرشاد للمفيد ج1 ص 164 و 165 وبحار الأنوار ج21 ص77 ـ 79 وراجع ص83 و 84 وتفسير فرات، والبرهان (تفسير) ج4 ص498 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص103 وكشف الغمة ج1 ص203 و 231.
راضيان).
فبكى علي (عليهالسلام ) فرحاً، ونزلت سورة العاديات في هذه المناسبة(1) .
5 ـ وفي حديث ابن عباس: أنه (صلىاللهعليهوآله ) دعا أبا بكر إلى غزوة ذات السلاسل، فأعطاه الراية فردها..
ثم دعا عمر، فأعطاه الراية فردها.
ثم دعا خالد بن الوليد فأعطاه الراية، فرجع.
فأعطاها علياً (عليهالسلام ) فانطلق بالعسكر، فنزل في أسفل جبل كان بينه وبين القوم، وقال: اركبوا (لعل الصحيح: اكعموا) دوابكم.
فشكا خالد لأبي بكر وعمر: أنه أنزلهم في واد كثير الحيات، كثير الهام، كثير السباع، فإما يأكلهم مع دوابهم سبع، أو تعقرهم ودوابهم حيات، أو يعلم بهم العدو فيقتلهم..
فراجعوا علياً (عليهالسلام ) بالأمر، فلم يقبل منهم.
____________
1- راجع: الإرشاد للمفيد ج1 ص 114 ـ 117 وبحار الأنوار ج21 ص80 ـ 82 عنه وج36 ص178 و 179 وج41 ص92 و 93 وعن إعلام الورى ص 116 و 117 ومناقب آل أبي طالب ص328 ـ 330 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص100 ـ 103 وشجرة طوبى ج2 ص295 و 296 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص574 ـ 576 وعن كشف الغمة ج1 ص230 ـ 232 وكشف اليقين ص151 و 152 وتأويل الآيات ج2 ص840 و 841.
ثم راجعوه مرة أخرى فلم يقبل.
فلما كان السحر أمرهم فطلعوا الجبل، وانحدروا على القوم، فأشرف عليهم، وقال لأصحابه: انزعوا عكمة دوابكم، فشمَّت الخيل ريح الإناث، فصهلت، فسمع القوم صهيل الخيل فهربوا.
فقتل مقاتليهم، وسبى ذراريهم. فنزلت سورة (والعاديات) على النبي (صلىاللهعليهوآله )، ثم جاءته البشارة(1) .
إختلافات لها حل:
وقد ظهرت في النصوص المتقدمة بعض الإختلافات التي تحتاج إلى معالجة معقولة ومقبولة.
وهذه المعالجة ليست بعيدة المنال في هنا.
ونحن نذكر نماذج من تلك الإختلافات، ثم نعقب ذلك بما نراه معالجة مناسبة، فنقول:
من اختلافات الروايات:
ظهرت إختلافات كثيرة في الروايات التي ذكرناها، وفي سواها مما لم نذكر، مما تعرض لهذه الحادثة.. فلاحظ ما يلي:
1 ـ هل بعث النبي (صلىاللهعليهوآله ) هذه السرية إلى قضاعة،
____________
2- 1- بحار الأنوار ج21 ص82 و 83 وج41 ص92 و 93 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص328 و 329 وشجرة طوبى ج2 ص295 وتفسير فرات ص591.
وعاملة، ولخم، وجذام، وكانوا مجتمعين؟!(1) .
أو إلى قضاعة فقط(2) .
أو إلى بني سليم(3) .
أو بعث عمرو بن العاص يستنفر العرب إلى الشام؟!(4) .
2 ـ هل المقتولون من الأعداء حين هاجمهم علي (عليهالسلام ) مئة
____________
1- سبل الهدى والرشاد ج6 ص168 عن البلاذري.
2- سبل الهدى والرشاد ج6 ص167 والمغازي للواقدي ج2 ص770 وعيون الأثر ج2 ص171 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص131 وفتح الباري ج8 ص59 وعمدة القاري ج18 ص13 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص199.
3- بحار الأنوار ج20 ص308 وج21 ص77 و 80 وج36 ص178 وتفسير فرات ص592 وكشف اليقين ص151 وتأويل الآيات ج2 ص840 و 841 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص174 والإرشاد للمفيد ج1 ص162 وكشف الغمة ج1 ص230.
4- سبل الهدى والرشاد ج6 ص167 والمغازي للواقدي ج2 ص770 وتاريخ مدينة دمشق ج2 ص23 وأسد الغابة ج4 ص116 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص314 والبداية والنهاية ج4 ص311 و 312 وج5 ص238 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1040 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص516 وج4 ص435 وفتح الباري ج8 ص59.