الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٥

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
وقد وضع معاوية قوماً من الصحابة والتابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليهالسلام )، تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلاً يرغب فيه، فاختلقوا ما أرضاه. منهم أبو هريرة(١) .
ثانياً: لو صح هذا الحديث، فلعل أبا هريرة قد دلس فيه، ورواه عن شخص آخر. ويكون قول النبي (صلىاللهعليهوآله ): لم تحبس الشمس إلا ليوشع، قد صدر عنه قبل رد الشمس لعلي (عليهالسلام ) في خيبر وفي بدر..
ثالثاً: إن هذا الحديث لو صح: فإنما ينفي حبس الشمس لغير يوشع، ولا ينفي ردها..
رابعاً: حديث أبي هريرة مردود عليه، فقد روي حبس الشمس لرسول الله (صلىاللهعليهوآله ) صبيحة الإسراء، وفي الخندق(٢) .
____________
١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٤ ص٦٣ و ٦٤ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٢٩٤ وبحار الأنوار ج٣٠ ص٤٠١ وج٣٣ ص٢١٥ ومستدرك سفينة البحار ج١٠ ص٥٢٨ وقاموس الرجال للتستري ج١١ ص٥٥٤ وشيخ المضيرة أبو هريرة ص١٩٩ و ٢٣٦ وصلح الحسن للسيد شرف الدين ص٣٢٦.
٢- راجع: عمدة القاري ج١٥ ص٤٢ و٤٣ وراجع: فتح الباري ج٦ ص١٥٥ والسيرة النبوية لدحلان ج٢ ص٢٠٢ والسيرة الحلبية ج١ ص٣٨٣ ونسيم الرياض ج٣ ص١١ و١٢ و١٣ وبهامشه شرح الشفاء للقاري ج٣ ص١٣ وفيض القدير ج٥ ص٤٤٠ وبحار الأنوار ج١٧ ص٣٥٩ والمواهب اللدنية ج٢ ص٢١٠ و٢١١.
خامساً: قد حبست الشمس، وردَّت لغير رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أيضاً، فقد روي: أنها حبست لداود (عليهالسلام ).
وردت لسليمان (عليهالسلام ).
وحبست لموسى (عليهالسلام ).
وحبست في أيام حزقيل.
وزعموا: أنها حبست لأبي بكر.
وزعموا: أنها حبست للحضرمي(١) .
سادساً: ورد عن الشافعي وغيره: ما أوتي نبي معجزة إلا أوتي نبينا (صلىاللهعليهوآله ) نظيرها أو أبلغ منها(٢) .
سابعاً: قال الشافعي: إن الشمس إذا كانت قد حبست ليوشع ليالي قتال الجبارين، فلا بد أن يقع نظير ذلك في هذه الأمة أيضاً(٣) . فيدل ذلك على أن ما ثبت ليوشع، وهو وصي موسى، ولحزقيل، وداود، وسليمان،
____________
١- راجع كتابنا: رد الشمس لعلي (عليهالسلام ) ص٦٣ ـ ٦٥ للإطلاع على بعض تفاصيل ذلك، وعلى بعض مصادره.
٢- عمدة القاري ج١٥ ص١٤٤ راجع: رسائل في حديث رد الشمس للشيخ المحمودي ص١٠٨ وتفسير البغوي ج١ ص٢٣٦ وتفسير البحر المحيط ج٢ ص٢٨٣.
٣- نسيم الرياض ج٣ ص١٢ واللآلي المصنوعة ج١ ص٣٤١ ورسائل في حديث رد الشمس للمحمودي ص١٠٨ وعن الصواعق المحرقة ص١٩٧.
وموسى (عليهالسلام ) لا بد أن يثبت لوصي محمد في هذه الأمة، ولنبينا محمد نفسه (صلىاللهعليهوآله ).. وذلك للأخبار الواردة عن النبي (صلىاللهعليهوآله ) في أنه سيجري في أمته ما جرى في الأمم السابقة(١) .
ثامناً: إن كلام أبي هريرة ليس صريحاً في نفي ردها لعلي (عليهالسلام ). إذ لعل المراد: أن الله تعالى لم يردها قبل علي (عليهاالسلام ) لغير يوشع.. ويقصد بالغير: من عدا الأنبياء طبعاً. أو يكون المقصود لم يحبسها لأحد من الأوصياء لغير يوشع وصي موسى (عليهماالسلام )، وعلي (عليهالسلام ) وصي محمد (صلىاللهعليهوآله )..
الذين يرون المعجزة:
وبعد.. فإن الذين يجب أو يمكن أن يروا المعجزة كمعجزة شق القمر، أو رد الشمس هم:
إما الصفوة الأخيار، الذين تزيدهم يقيناً وإيماناً.
وإما الذين يراد إقامة الحجة عليهم، أو ردّ التحدي الوارد من قبلهم، وتحطيم كبريائهم، وبغيهم.
ويراها أيضاً أولئك الذين خدعوا بالباطل، من أجل تعريفهم بزيف الذين خدعوهم، وبباطلهم، وجحودهم..
____________
١- راجع: المستدرك للحاكم ج١ ص١٢٩ ومجمع الزوائد ج٧ ص٢٦٠ والمصنف لابن أبي شيبة ج٨ ص٦٣٦ والمعجم الكبير ج١٧ ص١٣ ومسند الشاميين ج٢ ص١٠٠ وكنز العمال ج١١ ص١٧٠ و٢٣٠.
وأما الآخرون الغافلون فقد يجب أن لا يراها الكثيرون منهم، وهم الذين يصابون بالخوف، والهلع، الذي يُفقِدُ إيمانهم قدرته على التأثير في جلب المثوبة لهم، لأن المناط في جلب المثوبة هو الإختيار، البعيد عن أجواء الإلجاء، والاضطرار، ليكون إيماناً مستنداً إلى الوعي والالتفات، وإلى القناعة الناتجة عن روية وتبصر، وعن تأمل وتفكر، ووعي وتدبر.
إختلال النظام الكوني:
وقد زعموا أيضاً: أن رد الشمس لعلي (عليهالسلام ) غير ممكن، لأنها لو تخلفت أو ردّت لاختلت الأفلاك، وفسد النظام(١) .
ونقول:
أولاً: إن أمر الكون بيد الله تعالى، فهو يخضعه للمعجزة، دون أن يوجب حدوثها أي اختلال في نظامه.. لأن صانع المعجزة هو إله قادر عالم حكيم.. وليس عاجزاً ولا جاهلاً.
ثانياً: هذا الكلام لو صح للزم تكذيب جميع المعجزات التي لها ارتباط بالنظام الكوني، ومن ذلك معجزة انشقاق القمر. ومعجزة حبس الشمس ليوشع. وغير ذلك..
____________
١- راجع: السيرة الحلبية ج٣ ص٣٨٥ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص١٠١ وبحار الأنوار ج٤١ ص١٧٥ وتذكرة الخواص ص٥٢ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٣٥٩ ـ ٣٦٥ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص١٤٦.
لو ردت لعلي (عليهالسلام ) لردت للنبي (صلىاللهعليهوآله ):
وقالوا: لو ردت الشمس لعلي (عليهالسلام ) لردت للنبي (صلىاللهعليهوآله )، حينما نام هو وأصحابه عن صلاة الصبح في الصهباء، وهو راجع من غزوة خيبر نفسها(١) .
ونقول:
أولاً: حديث نوم النبي (صلىاللهعليهوآله ) عن صلاة الصبح لا يمكن قبوله.
ثانياً: إن الشمس ردت على رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في غزوة الخندق وغيرها، وحبست له (صلىاللهعليهوآله ) حين الإسراء.
وتقدم أيضاً: أنها ردَّت وحبست لغيره من الأنبياء والأوصياء السابقين..
بل زعموا: أنها حبست للحضرمي، ولأبي بكر أيضاً. كما أن من يصدق بهذا وذاك، فعليه أن يعتقد أن ذلك لا يوجب اختلال النظام الكوني أيضاً.
ثالثاً: قال الخفاجي: (إنما ردت إلى علي (عليهالسلام ) ببركة دعائه (صلىاللهعليهوآله ). مع أن كرامات الأولياء في معنى معجزات الأنبياء).
____________
١- البداية والنهاية ج٦ ص٧٩ و ٨٠ و ٨٧ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج٦ ص٨٨ وراجع: منهاج السنة ج٤ ص١٨٧ و ١٨٩.
إلى أن قال: (مع أن المفضول قد يوجد فيه ما لا يوجد في الفاضل. كما يلزم منه القول بعدم حبسها ليوشع)(١) .
ولعله يقصد بقوله: قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل: أن بعض المصالح قد توجب حدوث أمر للمفضول، ولا يكون هناك ما يوجب حدوثه للفاضل..
فإذا كان هناك من سوف يعاند علياً (عليهالسلام ) في إمامته، وفي خصوصيته، وفي أفضليته على البشر جميعاً، باستثناء رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فإن الله يختصه (عليهالسلام ) بكرامات تثبت له ذلك كله، وتقيم عليهم الحجة فيه، فيولد علي (عليهالسلام ) في الكعبة، ولا يولد رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) فيها، ويقلع علي (عليهالسلام ) باب حصن خيبر، وترد له الشمس و.. و.. الخ.. ولا يكون هناك ما يقتضي حدوث ذلك لرسول الله (صلىاللهعليهوآله )..
علي (عليهالسلام ) لا يترك الصلاة:
وقالوا: إن علياً (عليهالسلام ) أجلُّ من أن يترك الصلاة(٢) . فإذا ورد ما ينسب ذلك إليه، فلابد من ردِّه.
ونقول:
أولاً: صرح النص الذي ذكر رد الشمس لعلي (عليهالسلام ) في منزل
____________
١- شرح الشفاء للقاري (مطبوع مع نسيم الرياض) ج٣ ص١٣.
٢- منهاج السنة ج٤ ص١٨٦ و ١٩٥.
رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في المدينة، بأن علياً (عليهالسلام ) قد صلى إيماءً، وأراد الله أن يظهر كرامته، فردها عليه ليصلي صلاة المختار.
ثانياً: إذا كان الغروب يتحقق بذهاب الحمرة المشرقية، فإذا أردت فور غيابها عن النظر، فإن الصلاة لا تكون قضاء في هذه الحالة، لأن المفروض أن الغروب لم يتحقق بعد.. فلا يصح القول: إن الصلاة قد فاتته، وقد روي في صحيح مسلم وغيره: أنه (صلىاللهعليهوآله ) قال: إذا غابت الشمس من ها هنا وأشار إلى المغرب، وأقبل الليل من ها هنا، وأشار إلى المشرق، فقد أفطر الصائم(١) .
ثالثاً: ذكرت بعض النصوص: أن الله تعالى رد الشمس عليه، أو حبسها له بعدما كادت تغرب.
وهذا معناه: أن صلاة العصر لم تكن قد فاتته، لأن وقتها يمتد إلى وقت غروب الشمس.
وقال ابن إدريس في السرائر: (ولا يحل أن يعتقد أن الشمس غابت، ودخل الليل، وخرج وقت العصر بالكلية، وما صلى الفريضة (عليهالسلام )، لأن هذا من مٌعْتَقِدِهِ جهل بعصمته (عليهالسلام )، لأنه يكون مخلاً بالواجب
____________
١- صحيح مسلم ج٣ ص١٣٢ والمجموع للنووي ج٦ ص٣٠٣ وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج٢ ص٣٢٨ و ٣٢٩ وتفسير القرآن العظيم ج٣ ص٥٧٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج٤ ص٢١٦ ومسند الحميدي ج١ ص١٢ والسنن الكبرى للنسائي ج٢ ص٢٥٢ والإستذكار لابن عبد البر ج٣ ص٢٨٨
المضيق عليه. وهذا لا يقوله من عرف إمامته، واعتقد بعصمته)(١) .
وعلى كل حال: فإن مناوئي علي (عليهالسلام ) قد سعوا بكل ما لديهم من طاقة وحول إلى إبطال هذه الكرامة الكبرى له (عليهالسلام )، أو إثارة الشبهات والتشكيكات حولها، ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره، ولو كره الشانئون، والحاقدون، والحاسدون لعلي (عليهالسلام )، وللأئمة الطاهرين من ولده (عليهمالسلام )..
فمن أراد الاطلاع على المزيد مما يرتبط بهذا الموضوع، فليرجع إلى كتابنا الموسوم بـ: (رد الشمس لعليعليهالسلام )، والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.
____________
١- راجع: السرائر ج١ ص٢٦٥ وبحار الأنوار ج٨٠ ص٣١٨.
إلى فتح مكة..
ذات السلاسل..
سرية ذات السلاسل:
١ ـ ورد في بعض الروايات عن الإمام الصادق (عليهالسلام ): أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) وجَّه عمر بن الخطاب في سرية فرجع منهزماً، يجبِّن أصحابه ويجبنونه، فأرسل علياً (عليهالسلام ) وأمره أن لا يفارقه العين، فأغار عليهم، فنزلت:( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً.. ) إلى آخر السورة(١) .
٢ ـ وروي: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) لما بعث سرية ذات السلاسل، عقد الراية وسار بها أبو بكر، حتى إذا صار بها بقرب المشركين اتصل بهم خبرهم، فتحرزوا ولم يصل المسلمون إليهم.
فأخذ الراية عمر وخرج مع السرية، فاتصل بهم خبرهم، فتحرزوا، ولم يصل المسلمون إليهم.
فأخذ الراية عمرو بن العاص، فخرج في السرية فانهزموا.
فأخذ الراية علي، وضم إليه أبا بكر، وعمر، وعمرو بن العاص، ومن
____________
١- أمالي ابن الشيخ ص٢٥٩ و ٢٦٠ وبحار الأنوار ج٢١ ص٧٥ و ٧٦ عنه، والبرهان (تفسير) ج٤ ص٤٩٨ و ٤٩٩ ونور الثقلين ج٥ ص٦٥٢ والتفسير الصافي ج٥ ص٣٦١.
كان معه في تلك السرية.
وكان المشركون قد أقاموا رقباء على جبالهم، ينظرون إلى كل عسكر يخرج إليهم من المدينة على الجادة، فيأخذون حذرهم واستعدادهم.
فلما خرج علي (عليهالسلام ) ترك الجادة، وأخذ بالسرية في الأودية بين الجبال.
فلما رأى عمرو بن العاص وقد فعل علي ذلك، علم أنه سيظفر بهم، فحسده، فقال لأبي بكر، وعمر، ووجوه السرية: إن علياً رجل غر، لا خبرة له بهذه المسالك، و نحن أعرف بها منه، وهذا الطريق الذي توجه فيه كثير السباع، وسيلقى الناس من معرتها أشد ما يحاذرونه من العدو، فاسألوه أن يرجع عنه إلى الجادة.
فعرَّفوا أمير المؤمنين (عليهالسلام ) ذلك، فقال: من كان طائعاً لله ولرسوله منكم فليتبعني، ومن أراد الخلاف على الله ورسوله فلينصرف عني.
وفي نص آخر: فقال لهم أمير المؤمنين (عليهالسلام ): الزموا رحالكم، وكفوا عما لا يعنيكم، واسمعوا وأطيعوا، فإني أعلم بما أصنع(١) .
فسكتوا، وساروا معه، فكان يسير بهم بين الجبال في الليل، ويكمن في الأودية بالنهار، وصارت السباع التي فيها كالسنانير، إلى أن كبس المشركين
____________
١- راجع هذه الفقرة في: بحار الأنوار ج٢١ ص٧٤ وتفسير القمي ج٢ ص٤٣٩ ونور الثقلين ج٥ ص٦٥٧.
وهم غارون آمنون وقت الصبح، فظفر بالرجال، والذراري، والأموال، فحاز ذلك كله، وشد الرجال في الحبال كالسلاسل، فلذلك سميت غزاة ذات السلاسل.
فلما كانت الصبيحة التي أغار فيها أمير المؤمنين (عليهالسلام ) على العدو ـ ومن المدينة إلى هناك خمس مراحل ـ خرج النبي (صلىاللهعليهوآله ) فصلى بالناس الفجر، وقرأ: (والعاديات) في الركعة الأولى، وقال: (هذه سورة أنزلها الله عليَّ في هذا الوقت، يخبرني فيها بإغارة علي على العدو. وجعل حسده (أي حسد الإنسان) لعلي حسداً له، فقال:( إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) (١) . والكنود: الحسود(٢) .
٣ ـ وذكر نص آخر: أن أعرابياً أخبر النبي (صلىاللهعليهوآله ) باجتماع قوم من العرب في وادي الرمل ليبيتوه في المدينة.. فأخبر النبي (صلىاللهعليهوآله ) المسلمين..
فانتدب إليهم جماعة من أهل الصفة، فأقرع بينهم، فخرجت القرعة على ثمانين رجلاً، فاستدعى أبا بكر، فقال له: خذ اللواء، وامض إلى بني سليم، فإنهم قريب من الحرة..
فمضى إليهم. وهم ببطن الوادي، والمنحدر إليهم صعب. فخرجوا
____________
١- الآية ٦ من سورة العاديات.
٢- بحار الأنوار ج٢١ ص٧٦ و ٧٧ والخرائج والجرائح ج١ ص١٦٧ و ١٦٨ وراجع: إثبات الهداة ج٢ ص١١٨.
إليه ـ حين أرادوا الإنحدار ـ فهزموه، وقتلوا من المسلمين جمعاً كثيراً.
فعقد (صلىاللهعليهوآله ) لعمر بن الخطاب، وبعثه إليهم.. فهزموه أيضاً.
فأرسل إليهم عمرو بن العاص بطلب من عمرو نفسه، فخرجوا إليه، فهزموه، وقتلوا جماعة من أصحابه..
فدعا علياً (عليهالسلام )، فعقد له، ثم قال: (أرسلته كراراً غير فرار).
وشيعه إلى مسجد الأحزاب، وأنفذ معه أبا بكر، وعمر، وعمرو بن العاص.
فسار بهم (عليهالسلام ) نحو العراق متنكباً للطريق، حتى ظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه، ثم انحدر بهم على محجة غامضة، حتى استقبل الوادي من فمه..
وكان يسير بالليل، ويكمن بالنهار.
فلما قرب من الوادي أمرهم أن يعكموا الخيل..
فعرف عمرو بن العاص أنه الفتح.
ثم ذكرت الرواية نحو ما تقدم في الرواية السابقة.
ثم قالت: قالوا: وقتل منهم مئة وعشرين رجلاً. وكان رئيس القوم الحارث بن بشر، وسبى منهم مئة وعشرين.
فلما رجع واستقبله النبي (صلىاللهعليهوآله ) والمسلمون.. قال له: (لولا أني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في
المسيح عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمر بملأ من الناس إلا وأخذوا التراب من تحت قدميك)(١) .
٤ ـ وجاء في نص آخر: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) أخبر الناس بما أنذر به الإعرابي، وقال لهم: (فمن للوادي)؟!
فقام رجل من المهاجرين، فقال: أنا له يا رسول الله، فناوله اللواء، وضم إليه سبع مائة رجل، فسار إليهم، فسألوه عن شأنه، فأخبرهم، فقالوا: (ارجع إلى صاحبك، فإنَّا في جمع لا تقوم له)، فرجع.
فأرسل مهاجرياً آخر، فمضى، ثم عاد بمثل ما عاد به صاحبه.
فأرسل علياً (عليهالسلام ) فمضى إلى وادي الرمل، فوافى القوم بسحر، فأقام حتى أصبح، ثم عرض على القوم أن يسلموا أو يضربهم بالسيف، فطلبوا منه أن يرجع كما رجع صاحباه، فأبى، وأخبرهم أنه علي، فاضطربوا لما عرفوه، ثم اجترأوا على مواقعته، فقتل منهم ستة أو سبعة، وانهزموا، وظفر المسلمون بالغنائم، ورجعوا.
فاستقبله المسلمون والنبي، فلما بصر بالنبي (صلىاللهعليهوآله ) ترجل عن فرسه، وأهوى إلى قدميه يقبلهما.
فقال له (صلىاللهعليهوآله ): (اركب، فإن الله تعالى ورسوله عنك
____________
١- الإرشاد للمفيد ج١ ص ١٦٤ و ١٦٥ وبحار الأنوار ج٢١ ص٧٧ ـ ٧٩ وراجع ص٨٣ و ٨٤ وتفسير فرات، والبرهان (تفسير) ج٤ ص٤٩٨ والمستجاد من كتاب الإرشاد ص١٠٣ وكشف الغمة ج١ ص٢٠٣ و ٢٣١.
راضيان).
فبكى علي (عليهالسلام ) فرحاً، ونزلت سورة العاديات في هذه المناسبة(١) .
٥ ـ وفي حديث ابن عباس: أنه (صلىاللهعليهوآله ) دعا أبا بكر إلى غزوة ذات السلاسل، فأعطاه الراية فردها..
ثم دعا عمر، فأعطاه الراية فردها.
ثم دعا خالد بن الوليد فأعطاه الراية، فرجع.
فأعطاها علياً (عليهالسلام ) فانطلق بالعسكر، فنزل في أسفل جبل كان بينه وبين القوم، وقال: اركبوا (لعل الصحيح: اكعموا) دوابكم.
فشكا خالد لأبي بكر وعمر: أنه أنزلهم في واد كثير الحيات، كثير الهام، كثير السباع، فإما يأكلهم مع دوابهم سبع، أو تعقرهم ودوابهم حيات، أو يعلم بهم العدو فيقتلهم..
فراجعوا علياً (عليهالسلام ) بالأمر، فلم يقبل منهم.
____________
١- راجع: الإرشاد للمفيد ج١ ص ١١٤ ـ ١١٧ وبحار الأنوار ج٢١ ص٨٠ ـ ٨٢ عنه وج٣٦ ص١٧٨ و ١٧٩ وج٤١ ص٩٢ و ٩٣ وعن إعلام الورى ص ١١٦ و ١١٧ ومناقب آل أبي طالب ص٣٢٨ ـ ٣٣٠ والمستجاد من كتاب الإرشاد ص١٠٠ ـ ١٠٣ وشجرة طوبى ج٢ ص٢٩٥ و ٢٩٦ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج٢ ص٥٧٤ ـ ٥٧٦ وعن كشف الغمة ج١ ص٢٣٠ ـ ٢٣٢ وكشف اليقين ص١٥١ و ١٥٢ وتأويل الآيات ج٢ ص٨٤٠ و ٨٤١.
ثم راجعوه مرة أخرى فلم يقبل.
فلما كان السحر أمرهم فطلعوا الجبل، وانحدروا على القوم، فأشرف عليهم، وقال لأصحابه: انزعوا عكمة دوابكم، فشمَّت الخيل ريح الإناث، فصهلت، فسمع القوم صهيل الخيل فهربوا.
فقتل مقاتليهم، وسبى ذراريهم. فنزلت سورة (والعاديات) على النبي (صلىاللهعليهوآله )، ثم جاءته البشارة(١) .
إختلافات لها حل:
وقد ظهرت في النصوص المتقدمة بعض الإختلافات التي تحتاج إلى معالجة معقولة ومقبولة.
وهذه المعالجة ليست بعيدة المنال في هنا.
ونحن نذكر نماذج من تلك الإختلافات، ثم نعقب ذلك بما نراه معالجة مناسبة، فنقول:
من اختلافات الروايات:
ظهرت إختلافات كثيرة في الروايات التي ذكرناها، وفي سواها مما لم نذكر، مما تعرض لهذه الحادثة.. فلاحظ ما يلي:
١ ـ هل بعث النبي (صلىاللهعليهوآله ) هذه السرية إلى قضاعة،
____________
٢- ١- بحار الأنوار ج٢١ ص٨٢ و ٨٣ وج٤١ ص٩٢ و ٩٣ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص٣٢٨ و ٣٢٩ وشجرة طوبى ج٢ ص٢٩٥ وتفسير فرات ص٥٩١.
وعاملة، ولخم، وجذام، وكانوا مجتمعين؟!(١) .
أو إلى قضاعة فقط(٢) .
أو إلى بني سليم(٣) .
أو بعث عمرو بن العاص يستنفر العرب إلى الشام؟!(٤) .
٢ ـ هل المقتولون من الأعداء حين هاجمهم علي (عليهالسلام ) مئة
____________
١- سبل الهدى والرشاد ج٦ ص١٦٨ عن البلاذري.
٢- سبل الهدى والرشاد ج٦ ص١٦٧ والمغازي للواقدي ج٢ ص٧٧٠ وعيون الأثر ج٢ ص١٧١ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٢ ص١٣١ وفتح الباري ج٨ ص٥٩ وعمدة القاري ج١٨ ص١٣ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج٣ ص١٩٩.
٣- بحار الأنوار ج٢٠ ص٣٠٨ وج٢١ ص٧٧ و ٨٠ وج٣٦ ص١٧٨ وتفسير فرات ص٥٩٢ وكشف اليقين ص١٥١ وتأويل الآيات ج٢ ص٨٤٠ و ٨٤١ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص١٧٤ والإرشاد للمفيد ج١ ص١٦٢ وكشف الغمة ج١ ص٢٣٠.
٤- سبل الهدى والرشاد ج٦ ص١٦٧ والمغازي للواقدي ج٢ ص٧٧٠ وتاريخ مدينة دمشق ج٢ ص٢٣ وأسد الغابة ج٤ ص١١٦ وتاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٣١٤ والبداية والنهاية ج٤ ص٣١١ و ٣١٢ وج٥ ص٢٣٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج٤ ص١٠٤٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج٣ ص٥١٦ وج٤ ص٤٣٥ وفتح الباري ج٨ ص٥٩.
وعشرون رجلاً، والسبايا منهم مئة وعشرون ناهداً؟!(1) .
أم قتل منهم ستة، أو سبعة، ثم انهزموا؟!(2) .
3 ـ هل المحرض لأبي بكر وعمر على الإعتراض على علي في مسيره في الطريق الوعر هو عمرو بن العاص؟!(3) .
أم هو خالد بن الوليد؟!(4) .
4 ـ هل اعترض أبو بكر وعمر، وابن العاص على المنزل الذي أنزلهم فيه علي (عليهالسلام )(5) .
أم اعترضوا على الطريق التي سلكها بهم؟!(6) .
____________
1- تفسير فرات ص592 وبحار الأنوار ج21 ص84 عنه.
2- بحار الأنوار ج21 ص81 والإرشاد للمفيد ج1 ص116 وإعلام الورى ص116 و 117 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص576 وأعيان الشيعة ج1 ص285 ومنهاج الكرامة ص167.
3- بحار الأنوار ج21 ص77 و 78 وج36 ص179 وج41 ص92 والخرائج والجرائح ج1 ص167 والإرشاد ج1 ص164 وتأويل الآيات ج2 ص842 وكشف اليقين ص151 و 152.
4- بحار الأنوار ج21 ص82 وج41 ص92 وتفسير فرات ص591.
5- بحار الأنوار ج21 ص82 وج36 ص179 وج41 ص92 وتفسير فرات ص591 وشجرة طوبى ج2 ص295.
6- الإرشاد ج1 ص164 وتأويـل الآيـات ج2 ص842 وكشف اليقين ص151 = = و 152 وكشف الغمة ج1 ص231 وبحار الأنوار ج21 ص77 و 78.
5ـ من الذي أخبر النبي (صلىاللهعليهوآله ) بجمع الأعـداء، وبعددهم، وبما تعاقدوا عليه؟!
هل هو جبرائيل؟!(1) أم رجل أَعرابي؟!(2) .
6 ـ هل أغار علي (عليهالسلام ) على الأعداء عند الفجر؟!(3) أم عند السحر؟!(4) .
7 ـ هل خرج إلى أبي بكر مئتا رجل، فكلموه، وخوفوه، فرجع؟!(5) أم
____________
1- بحار الأنوار ج21 ص68 وتفسير القمي ج2 ص434 ونور الثقلين ج5 ص652 وتفسير الصافي ج5 ص362 وتأويل الآيات ج2 ص844.
2- بحار الأنوار ج21 ص77 و 80 والإرشاد ج1 ص114 و 162 وكشف الغمة ج1 ص230 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص844.
3- راجع: بحار الأنوار ج21 ص76 و 77 و 79 و 83 وج41 ص92 والأمالي للشيخ ص259 و 260 وشجرة طوبى ج2 ص295 وتفسير فرات ص602 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص329 والخرائج والجرائح ج1 ص168 والإرشاد ج1 ص165 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص103 وكشف الغمة ج1 ص232.
4- بحار الأنوار ج1 ص83 و 84 وتفسير فرات ص592.
5- بحار الأنوار ج21 ص69 و 70 وتفسير القمي ج2 ص435 وتفسير فرات ص599 وتفسير الصافي ج5 ص362 وإعلام الورى ص116 و 117 وتأويل الآيات ص845 ونور الثقلين ج5 ص653.
أنه لما صار إلى الوادي، وأراد الإنحدار هاجموه، وهزموه، ثم أرسل إليهم عمر فهزموه، ثم عمرو بن العاص فكذلك؟!(1) .
8 ـ هل تمكن علي من كبس المشركين وهم غارون فظفر بهم؟!(2) ، أم أنهم سمعوا صهيل خيله فولوا هاربين؟!(3) .
أم أنه لم يباغتهم، بل خاطبهم، وأخبرهم أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) أرسله إليهم، فأجترأوا عليه وقاتلوه؟!(4) .
9 ـ هل ذهبت السرية إلى وادي اليابس؟!(5) أو أنها ذهبت إلى وادي
____________
1- بحار الأنوار ج21 ص78 وج36 ص179 وج41 ص92 والإرشاد ج1 ص163 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص328 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص101 و 102 وتأويل الآيات ج2 ص840 وكشف الغمة ج1 ص231 وكشف اليقين ص151.
2- بحار الأنوار ج21 ص79 و 84 وتفسير فرات ص593 ص602 والخرائج والجرائح ج1 ص168 وراجع: الإرشاد ج1 ص165 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص103.
3- بحار الأنوار ج21 ص83 وج41 ص93 وتفسير فرات ص592 ومناقب آل أبي طالب ج2 3 ص329.
4- بحار الأنوار ج21 ص81 والإرشاد للمفيد ج1 ص116 وإعلام الورى ص116 و 117 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص576.
5- بحار الأنـوار ج21 ص68 وشـجرة طوبى ج2 ص295 وتفسـير القمي ج2 = = ص434 وتفسير فرات ص599 والتفسير الصافي ج5 ص362 والتفسير الأصفى ج2 ص1469 وبحوث في تاريخ القرآن للزرندي ص51 وتأويل الآيات ج2 ص844.
الرمل؟!(1) .
10 ـ هل فر المشركون بمجرد سماعهم صهيل خيل علي (عليهالسلام )؟!(2) أو أنهم فروا بعد أن كلمهم علي، وأخبرهم بأن النبي (صلىاللهعليهوآله ) أرسله إليهم؟!(3) .
11 ـ بعض النصوص اقتصرت على أن عمرو بن العاص هو المهاجم، لأولئك القوم، الذي دوَّخ البلاد.
وفي بعضها: أنه أرسل عمر ففشل، فأرسل علياً (عليهالسلام )، فكان
____________
1- مستدرك الوسائل ج4 ص161 وبحار الأنوار ج20 ص308 وج21 ص80 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص574 وإعلام الورى ج1 ص382 وكشف الغمة ج1 ص230 والإرشاد ج1 ص162 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص100 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص174 والنص والإجتهاد ص336 وكشف اليقين ص151 وتأويل الآيات ج2 ص840.
2- بحار الأنوار ج21 ص83 وج41 ص93 وتفسير فرات ص592 ومناقب آل أبي طالب ج2 3 ص329.
3- بحار الأنوار ج21 ص81 والإرشاد للمفيد ج1 ص116 وإعلام الورى ص116 و 117 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص576.
الفتح على يديه(1) .
وفي بعضها: أرسل أبا بكر، وعمر، وعلياً(2) .
وفي بعضها: أرسل رجلاً من المهاجرين ثم رجلاً من الأنصار، ثم علياً (عليهالسلام )(3) .
وفي بعضها: أرسل أبا بكر، ثم عمر، ثم ابن العاص، ثم علياً(4) .
ونص آخر: يذكر أبا بكر، ثم عمر، ثم خالداً، ثم علياً(5) .
13 ـ وهل كان عدد أفراد السرية خمس مئة مقاتل، مئتان منهم جاء
____________
1- بحار الأنوار ج21 ص75 والأمالي للشيخ ص259 و 260 والصافي (تفسير) ج5 ص361 والتفسير الأصفى ج2 ص1469.
2- بحار الأنوار ج21 ص68 وتفسير القمي ج2 ص434 وتأويل الايات ج2 ص844 ونور الثقلين ج5 ص652 وتفسير الصافي ج5 ص362.
3- بحار الأنوار ج21 ص80 وراجع ص66 والإرشاد للمفيد ج1 ص114 وإعلام الورى ص116 و 117 ومجمع البيان ج10 ص528 و 529 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص574.
4- بحار الأنوار ج21 ص77 وج41 ص92 والخرائج والجرائح ج1 ص167 والإرشاد ج1 ص163 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص328 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص101 وكشف الغمة ج1 ص231.
5- بحار الأنوار ج21 ص82 وتفسير فرات ص591.
بهم أبو عبيدة مدداً لعمرو بن العاص؟!(1) .
أو كان العدد أربعة آلاف؟!(2) ، أو سبع مئة مقاتل؟!(3) .
أو أنه أرسل ثمانين رجلاً مع علي أخرجتهم له القرعة؟!(4) .
14 ـ وهل إن أبا بكر وعمر عادا إلى النبي (صلىاللهعليهوآله )، ولم يباشرا قتالاً، كما في رواية القمي؟!..
أم أن أولئك القوم خرجوا إلى أبي بكر فهزموه، وقتلوا من المسلمين
____________
1- راجع: سبل الهدى والرشاد ج6 ص167 و 168 والمغازي للواقدي ج2 ص770 وتاريخ الخميس ج2 ص175 وعن عيون الأثر ج2 ص171 وعن فتح الباري ج8 ص59 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص131 وغير ذلك كثير.
2- بحار الأنوار ج21 ص67 ـ 73 وتفسير القمي ج2 ص435 وتفسير فرات ص599 والتفسير الصافي ج5 ص362 ونور الثقلين ج5 ص652 وتأويل الآيات ج2 ص844.
3- بحار الأنوار ج21 ص80 و 82 والإرشاد للمفيد ج1 ص114 و 117 وعن إعلام الورى ص116 و 117 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص575.
4- بحار الأنوار ج21 ص77 ـ 79 و 83 و 84 وج36 ص178 وراجع: الإرشاد للمفيد ج1 ص164 ـ 166 وتفسير فرات ص592 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص101 وكشف اليقين ص151 وتأويل الآيات ج2 ص840 وكشف الغمة ج1 ص23.
جمعاً كثيراً؟!(1) .
15 ـ هل يبعد موقع هذا الحدث عن المدينة اثنتي عشرة مرحلة؟!(2) أو أربع عشرة؟!(3) أو خمس مراحل؟!(4) .
أم أنها كانت أقرب من ذلك، حيث كان المشركون قد جعلوا رقباءهم فوق جبالهم ينظرون إلى كل عسكر يخرج من المدينة إليهم؟!(5) ، أم أنهم كانوا من بني سليم، وكانوا قريبين من الحرة؟!(6) .
____________
1- الإرشاد للمفيد ج1 ص163 وبحار الأنوار ج21 ص78 عنه ومناقب آل أبي طالب ج2 ص328 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص101 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج2 ص577 وكشف الغمة ج1 ص231.
2- معجم البلدان ج2 ص15 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص479 وكتاب العين للفراهيدي ج5 ص342.
3- راجع: فتح الباري ج8 ص448 وشرح النووي على صحيح مسلم (ط دار الكتاب العربي) ج15 ص45 و (ط دار الفكر) ص58 وتحفة الأحوذي (ط دار الفكر) ج5 ص312 وج8 ص405 و (ط دار الكتب العلمية) ج5 ص310 وج8 ص402 وشجرة طوبى ج2 ص312 وعون المعبود ج1 ص174 وعمدة القاري ج9 ص64 ومجمع البحرين ج1 ص265.
4- بحار الأنوار ج21 ص77 والخرائج والجرائح ج1 ص168.
5- بحار الأنوار ج21 ص77 والخرائج والجرائح ج1 ص167.
6- الإرشاد للمفيد ج1 ص163 ـ 165 وبحار الأنوار ج21 ص77 ـ 79 و 83 = = و 84 عنه، وعن تفسير فرات ص592 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص101 وكشف الغمة ج1 ص231.
16 ـ وهل حدث ذلك قبل مؤتة؟! أو بعدها؟! أو سنة سبع؟!(1) ، أو ثمان في جمادي الآخرة؟! أو بعد قريظة، وقبل المريسيع؟!(2) .
فإن كانت سنة سبع، أو قبل المريسيع، فلا يتلاءم ذلك مع قولهم: إن إسلام عمرو بن العاص كان سنة ثمان.
كانت تلك طائفة من الإختلافات بين الروايات، وهناك اختلافات أخرى أعرضنا عنها اكتفاءً بما ذكرناه.. وهذه الإختلافات وإن أمكن معالجة قسم منها، ولكن القسم الآخر لا بد أن يبقى على لائحة الإنتظار.
وربما يمكن القول بأن هناك أكثر من واقعة حدثت، وقد تشابهت في بعض الخصوصيات، وظهر التباين في البعض الآخر.
وفي جميع الأحـوال لا بـد من معالجـة بعض ما ورد في هـذا المقام، فنقول:
____________
1- سبل الهدى والرشاد ج6 ص172 وتاريخ الخميس ج2 ص75 والنص والإجتهاد ص336 عن السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص272 و 274 وعن الكامل لابن الأثير ج2 ص156 والسيرة الحلبية ج3 ص190 وراجع: معجم قبائل العرب ج3 ص974 وعن فتح الباري ج8 ص58.
2- بحار الأنوار ج21 ص80.
تحرزوا، بدل: انهزموا:
وقد ذكرت بعض الروايات: أن أبا بكر وعمر، انهزما بمن معهما من وجه المشركين، ولكننا نجد الرواية رقم(2) تقول: (حتى إذا صار بقرب المشركين اتصل بهم، خبرهم، فتحرزوا، ولم يصل المسلمون إليهم).
ولكن حين يصل الحديث إلى ابن العاص نجد الرواية تصرح بهزيمته ومن معه، فما هذا العطف والحنان على أبي بكر وعمر، الذي حرم منه عمرو بن العاص، مع أن عمرواً كان من حزبهم أيضاً!
ولكن قد فات هؤلاء أن القارئ والسامع لا بد أن يشك في الأمر هنا ويقول: لماذا تحرز المشركون من أبي بكر وعمر، ولم يتحرزوا من عمرو بن العاص؟! ولماذا هاجموه، وتحاشوا مهاجمتهما؟!
كرار غير فرار، مرة أخرى:
وقد ذكرت الرواية الثانية قول النبي (صلىاللهعليهوآله ) عن علي (عليهالسلام ): إنه كرار غير فرار.. وهي العبارة نفسها التي كان (صلىاللهعليهوآله ) قد قالها في خيبر، بعد هزيمة أبي بكر وعمر وغيرهما، وأعطى الراية لعلي، فعاد بالفتح..
وقد ظهر مصداق هذه الكلمة في علي (عليهالسلام )، وفي مناوئيه في مناسبات عدة أخرى، فهم فرارون، حتى عن علي (عليهالسلام ) الذي كان كراراً في نفس تلك المواطن التي فرَّ فيها أولئك، فضلاً عما عداها..
فقد حصل ذلك في:
1 ـ قريظة.
2 ـ خيبر.
3 ـ فدك.
4 ـ وادي الرمل بمشاركة عمرو بن العاص..
5 ـ ذات السلاسل قرب المدينة بمشاركة خالد.
6 ـ وربما في بني سليم.
7 ـ وربما في قضاعة في بلاد الشام..
هذا كله.. عدا ما جرى في أحد، وحنين، والخندق.. وغير ذلك.. فهل هذه محض صدف؟! ولماذا يصر النبي (صلىاللهعليهوآله ) على تكرار إعطاء الراية لغير علي أولاً، وربما لعدة أشخاص، فينهزمون، ثم يعطيها علياً (عليهالسلام ) فيعود بالنصر المؤزر؟!
ثم يكرر هذا الفعل في مورد آخر.
ثم في ثالث ورابع و.. و.. الخ..؟! ألا ترى معي أنه كان يريد أن يفهم الناس أمراً بعينه؟!
على خلاف ما يتوقع:
وقد رأينا أنه (صلىاللهعليهوآله ) قد أرسل مع علي (عليهالسلام ) نفس أولئك المهزومين بالراية قبله.. ولعل سبب ذلك هو:
1 ـ أن يريهم بأم أعينهم أن النصر قد تحقق بوسائله الطبيعية، من خلال شجاعة، وحكمة وتدبير القائد.
2 ـ إنه قد يكون هناك رغبة لدى بعضهم لإفشال علي في مهمته، ولو بالإتصال بالمشركين، وتحذيرهم من هجومه (عليهالسلام ).
النصر بالقائد، لا بالعسكر:
وقد رأينا: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) أرسل علياً (عليهالسلام ) في ثمانين رجلاً فقط، وهم من أهل الصفة كما تقدم، وأهل الصفة هم من الضعفاء الذين ليس لهم أموال، يعتمدون عليها..
أما أبو بكر وعمر، وابن العاص، فقد كان معهم الجيش الكثيف، المؤلف من خمس مئة، أو سبع مئة مقاتل، أو من آلاف المقاتلين.. وإذ بالنصر يأتي على يد علي (عليهالسلام )، ويأبى أن يأتي على يد أولئك، رغم كثرة جموعهم.
مع العلم بأن هزيمة الجيش أولاً ثلاث أو أربع مرات، من شأنها أن تجعل الهزيمة في المرة التالية أكثر احتمالاً، لأن الهمم تكون قد تضاءلت، والرهبة والرغبة في السلامة تأكدت..
كما أن الأعداء يصبحون أكثر جرأة، وحملاتهم أشد شراسة.
فالنصر في هذه المرة يكون أبعد منالاً، وأقل احتمالاً.
ولكن حين يكون المنتدب لهذه المهمة هو علي (عليهالسلام )، فإنه يجعل من الضعف لدى أصحابه قوة له، ومن رهبتهم جرأة وإقداماً، ومن الهزيمة الروحية لهم اندفاعاً وبأساً ومراساً.
الحسد القاتل:
وإن تحريض عمرو بن العاص لأبي بكر وعمر على نقض تدبير علي (عليهالسلام )، حين أدرك أنه سوف يأتي بالنصر، لا نجد له مبرراً إلا الحسد الغبي، والحقد الأرعن لإنسان مهزوم، كان يمكن أن يلمِّع صورته ببعض الأعذار حتى لو كانت باهتة وشوهاء، ولو بأن يقر بما انتابه من رعب وخَوَر، وخوف، ناشيء عن ضعف البصيرة، وضعف الصلة بالله، الأمر الذي هوَّن عليه مخالفة التكليف الإلهي، وليدَّع ـ بعد ذلك ـ أنه قد ندم وتاب، وأسف لما بدر منه.
ولكن لا يمكن تصور إنسان يؤمن بالله واليوم الآخر يسعى لتضييع النصر على الدين وأهله، استجابة منه لرذيلة الحسد، والحقد غير المبرر ولا المقبول!
استجابة الشيخين لتحريض ابن العاص:
ولا ندري كيف نفسر انقياد أبي بكر وعمر لتحريض عمرو لهما على العمل لكسر إرادة علي (عليهالسلام )، والإخلال بعزيمته، وإبطال تدبيره.
فإن كانا لم يلتفتا إلى حقيقة ما يرمي إليه ابن العاص.. فالسؤال هو أين ما يدعيه محبوهما لهما من حصافة في الرأي، ومن بعد نظر، وحكمة وتبصر في الأمور..
وإن كانا قد التفتا إلى مقاصد عمرو بن العاص، ورضيا بأن يشاركاه في سعيه هذا، فالمصيبة أعظم، وأشد مرارة، ولا نريد أن نقول أكثر من ذلك.
منطق علي (عليهالسلام ):
ويظهر من جواب أمير المؤمنين (عليهالسلام ) لهؤلاء المعترضين: أنه يعتبر اتباعهم له (عليهالسلام ) إطاعة لله ولرسوله (صلىاللهعليهوآله )، وأن الاعتراض عليه عصيان لله ولرسوله..
وهو يصرح: بأن إصرارهم على اعتراضهم سوف ينتج طردهم من صفوف الجيش الذي يقوده (عليهالسلام ). وعليهم أن يواجهوا عاقبة فعلهم هذا، وأن يقدموا تفسيراً مقبولاً ومرضياً لدى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )..
وإذا أضيف إلى ذلك جوابه الآخر، المتضمن لأمرهم بلزوم رحالهم، والكف عما لا يعنيهم، فإنه يكون قد أفهمهم:
1 ـ أنه سوف يكون حازماً في موقفه هذا بنحو لا مجال فيه لأي جدل، أو اعتراض، لأنه في موقف لا مكان لغير الحزم فيه، وسيكون إفساح المجال للجدل، وللتشكيك، والأخذ والرد فيه سبباً في خلق مشكلات، ونشوء عراقيل قد تؤثر على المهمة التي انتدبه الرسول (صلىاللهعليهوآله ) لإنجازها.
2 ـ إن الانضباط في المهمات القتالية، والكون في المواقع التي تحددها من قبل القيادة للأفراد، يعطي القدرة على التخطيط، والطمأنينة لسلامة التنفيذ، ويمكِّن من تحقيق النتائج، بعيداً عن المفاجآت التي يهيئ لها الخلل في الإعداد والاستعداد..
3 ـ إن تدخل الجنود فيما لا يعنيهم، وخصوصاً فيما يرتبط بالقرارات
الحربية للقيادة.. معناه: أن يفقد القائد قدرته على التأثير في فرض قراراته، وفي سلامة تنفيذها حرفياً.
4 ـ إنه (عليهالسلام ) قد عرَّف الناس: أن اعتراض هؤلاء يهدف إلى تهيئة الأجواء لعصيان أوامر القائد، والتمرد على قراراته، وليس من مصلحة المعترضين أن يظهر هذا الأمر للناس عنهم، ولذلك لم يعد أمامهم أي خيار سوى التراجع عن موقفهم..
5 ـ إنه قد عرفهم وعرف الناس: أن ما يتذرعون به من أنهم يعرفون أمراً لم يكن علي (عليهالسلام ) عارفاً به غير صحيح، فهو عالم بما يصنع، فلا مجال لتضليل الناس بذرائع من هذا القبيل.
خطة علي (عليهالسلام ):
إن حذر القوم الذين يراد مهاجمتهم، واستعدادهم لابد أن يكون له أسبابه الواقعية.. وهي أحد أمرين:
1 ـ أن يكون لهم عين في المسلمين، يرسل إليهم بما يجري، ويعلمهم بتوجه السرية نحوهم، وبطبيعة تحركاتها وبغير ذلك من أمور..
2 ـ أن يكون لهم رقباء في الجبال المشرفة، يخبرونهم بما يرونه، فيحتاطون ويستعدون للأمر قبل وقوعه.
وقد كان سلوك علي (عليهالسلام ) لطريق آخر يكفي لتعريف أولئك القادة الذين هزموا أو هربوا بأن علياً (عليهالسلام ) يتصرف بحكمة، وبدقة بالغة..
ولذلك عرف عمرو بن العاص: أنه (عليهالسلام ) سيظفر بهم.. فكيف لم يعرف ذلك أبو بكر وعمر؟! ولعل وضوح هذا الأمر وبداهته قد دلَّ علياً (عليهالسلام ) على أن المعترضين يسعون إلى مجرد الخلاف عليه، وأنهم يريدون معصية الله ورسوله بذلك..
هل أغار عليهم وهم غارّون؟!:
تقدم قولهم : إن علياً أغار على هؤلاء المشركين، وهم غارون..
ونقول:
إننا على يقين من أن علياً (عليهالسلام ) لا يحارب قوماً إلا بعد أن يحتج عليهم، ويعظهم، ويذكرهم، فإن أصروا على الحرب استعان بالله عليهم، وهذه هي وصية رسول الله (صلىاللهعليهوآله )
له: (يا علي، لا تقاتل أحداً حتى تدعوه إلى الإسلام(1) .
وعن الإمام الصادق (عليهالسلام ): (ما بيّت رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) عدواً قط ليلاً)(2) .
وعن الإمام الصادق (عليهالسلام ): (كان أمير المؤمنين (عليهالسلام ) لا يقاتل حتى تزول الشمس، ويقول: تفتح أبواب السماء، وتقبل الرحمة، وينزل النصر).
ويقول: هو أقرب إلى الليل، وأجدر أن يقل القتل، ويرجع الطالب، ويفلت المهزوم(3) .
فإن كان (عليهالسلام ) قد هاجمهم على حين غرة منهم ليلاً ـ وهذا ما نفته الرواية التي قدمناها عن الإمام الصادق (عليهالسلام ) ـ فلا بد أن يكون ذلك قد حصل بعد إقامة الحجة عليهم، وظهور عدوانيتهم،
____________
1- بحار الأنوار ج19 ص167 وج97 ص34 وج98 ص364 ووسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج11 ص30 و (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص43 وفي هامشه عن تهذيب الأحكام ج2 ص47 وغيره، والكافي ج5 ص36 ومستدرك الوسائل ج11 ص30 وج17 ص210 وكتاب النوادر ص140 ومستدرك سفينة البحار ج10 ص502 ومنتهى المطلب (ط ق) ج2 ص904 وتذكرة الفقهاء (ط ج) ج9 ص44 و 45 ورياض المسائل (ط ج) ج1 ص486 و 493 ومشكاة الأنوار ص193.
2- وسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج11 ص46 و (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص63 وفي هامشه عن فروع الكافي ج1 ص334 ومنتهى المطلب (ط ق) ج2 ص909 وتذكرة الفقهاء (ط ق) ج1 ص412 ورياض المسائل (ط ق) ج1 ص489 و (ط ج) ج7 ص511 وجواهر الكلام ج21 ص82 وتهذيب الأحكام ج6 ص174.
3- وسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج11 ص46 و (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص63 وفي هامشه عن علل الشرايع ج2 ص603 وعن تهذيب الأحكام ج2 ص56 وبحار الأنوار ج33 ص453 وج97 ص22 والكافي للحلبي ص256 ورياض المسائل (ط ج) ج7 ص511 وجواهر الكلام ج21 ص81 والكافي للكليني ج5 ص28.
وإصرارهم على القتال، ووقوع مواجهات عسكرية معهم من خلال أبي بكر، وعمر، وعمرو بن العاص، وإن كانت هذه المواجهات قد انتهت لغير صالح المسلمين، ولا تجب دعوتهم مرة أخرى في مثل هذا الحال، كما دلت عليه الرواية عن الإمام الصادق (عليهالسلام )(1) .
بل تقدم: أنه (صلىاللهعليهوآله ) أمر علياً (عليهالسلام ) أن يدعوهم إلى الإسلام قبل أن يقاتلهم، وقد فعل (عليهالسلام ) ذلك.
وقد يجوز أن يكون هؤلاء القوم قد تمردوا وتآمروا مرتين، فأرسل إليهم النبي (صلىاللهعليهوآله ) فلاناً وفلاناً في المرأة الأولى فهزموهم، ثم أرسل إليهم علياً (عليهالسلام )، فأقام عليهم الحجة.
ثم نكثوا، فتكرر ما يشبه المرة الأولى، ولكن علياً (عليهالسلام ) لم يعد بحاجة إلى إقامة الحجة فأغار عليهم ليلاً.
تبييت العدو ليس غدراً:
وقد ذكرت الروايات المتقدمة، وسواها: أنه (عليهالسلام )، قد بيت المشركين وكبسهم، وهم غارون فظفر بهم..
ونعتقد: أن ذلك قد كان بعد الاحتجاج عليهم كما دلت عليه رواية
____________
1- وسائل الشيعة (ط دار الإسلامية) ج11 ص30 و (ط مؤسسة آل البيت) ج15 ص43 وراجع: جواهر الكلام ج21 ص18 والكافي (ط دار الكتب الإسلامية) ج5 ص20 وتهذيب الأحكام (ط دار الكتب الإسلامية) ج6 ص135.
القمي الآتية، التي ذكرت: أنه (صلىاللهعليهوآله ) أمر أبا بكر (أن إذا رآهم أن يعرض عليهم الإسلام، فإن تابعوا وإلا واقعهم).
كما أنه سيأتي: أنه (صلىاللهعليهوآله ) ما كان يقاتل قوماً حتى يدعوهم، ويحتج عليهم. وعلى كل حال، فإنه إن أمكن إثبات أن هؤلاء القوم قد حاولوا مهاجمة المسلمين مرتين: فأرسل إليهم النبي (صلىاللهعليهوآله ) من احتج عليهم وهاجموه وهزموه مرة بعد أخرى، ثم أرسل إليهم علياً (عليهالسلام )، فاحتج عليهم وقتل منهم.. ثم نكثوا مرة أخرى، فجرى لهم كما جرى في المرة الأولى.. فبيَّتهم علي (عليهالسلام ) وهاجمهم. فإن أمكن إثبات ذلك أو اعتماده فلا إشكال. وإن لم يكن إثبات ذلك، أو اعتماده، فإننا نقول:
إن علياً (عليهالسلام )، بعد أن فرض المعركة على أعدائه، في الموقع والمكان، والوقت والزمان الذي أحب، لم يعد يمكنهم التخلي عن مواقعهم إلى أي موقع آخر، لأن ذلك معناه: الإستيلاء على كل ما لديهم، وعلى منازلهم وأموالهم، بل وسبي نسائهم وأطفالهم أيضاً..
فإذا أبوا الاستجابة لأي منطق، ورفضوا الانصياع لأي خيار مقبول أو معقول، واختاروا طريق البغي والعدوان، فلا مانع من أن يكبسهم وهم غارون في أي وقت شاء..
وليس في هذا العمل أية مخالفة للشرايع، أو الأخلاق. بل هو العمل الحكيم الذي يؤيده الخلق الإنساني، ويرضاه الشرع، وتقره الضمائر.. لأنه ليس من حق العدو المحارب، والمعتدي والظالم أن يعتبر نفسه في مأمن، في
الوقت الذي يعطي لنفسه الحق بالغدر بالآخرين، ويسمح لنفسه في تبييتهم، والفتك فيهم، ظلماً وعتواً، وبغياً وعلواً..
بل إن أخذ ذلك الظالم على حين غرة يعد إحساناً لكلا الفريقين المتحاربين، لأن من شأنه أن يقلل من عدد القتلى في صفوف هؤلاء، وأولئك لأنه يسقط قدرتهم على المقاومة. وينتهي الأمر بالاستسلام.
وإذا استسلموا لأهل الدين.. فإن معاملتهم لابد أن تخضع لأحكام الشرع، ووفق ما تفرضه الأخلاق الفاضلة، وتقضي به العقول، ولن يكون متأثراً بالأهواء، والنزوات والميول..
علي (عليهالسلام ) يقبل قدمي الرسول (صلىاللهعليهوآله ):
وفي الرواية الرابعة: أن علياً (عليهالسلام ) أهوى إلى قدمي النبي (صلىاللهعليهوآله ) يقبلهما.. وفي هذا دلالة على جواز التبرك بالأنبياء وآثارهم، لا سيما مع عدم اعتراض النبي (صلىاللهعليهوآله ) على فعله هذا.
ومن الواضح: أنه (عليهالسلام ) إنما فعل ذلك طلباً لمرضاة الله، ورغبة في ثوابه، والتماساً للبركة التي تعني المزيد من العطاء الهنيء، والخير النامي، والمقام السامي، ولا يمكن لأحد أن يتوهم في حقه الإخلال بأي درجة من درجات التوحيد الصحيح والخالص..
وفي هذه البادرة إشارة إلى شدة خضوع علي (عليهالسلام ) لرسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ومدى تقديسه له. رغم أنه أقرب الناس إليه، وأكثرهم إطلاعاً على تفاصيل حياته..
ثم هو يشير إلى شدة صفاء روح علي (عليهالسلام )، وطهارة ذاته، وخلوص نواياه..
واللافت هنا: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) نفسه كان يتبرك بعرق علي (عليهالسلام ) أيضاً(1) .
رضى الله ورسوله عن علي (عليهالسلام ):
وقد كانت الجائزة العظمى التي نالها علي (عليهالسلام ) هنا هي أن الله تعالى ورسوله (صلىاللهعليهوآله ) راضيان عنه.. فتكون هذه الكلمات هي البشارة الكبرى التي يبكي علي (عليهالسلام ) فرحاً بها، وشوقاً إليها..
____________
1- راجع: مستدرك الوسائل ج17 ص335 ومناقب أمير المؤمنين (عليهالسلام ) للكوفي ج1 ص394 والمسترشد للطبري ص602 ومائة منقبة لمحمد بن أحمد القمي (ابن شاذان) ص58 والتحصين للسيد ابن طاووس ص555 واليقين للسيد ابن طاووس ص179 و 196 و 197 و 243 و 367 وبحار الأنوار ج37 ص300 و 324 وج38 ص2 وج40 ص15 و 82 و 315 وج89 ص91 وكتاب الأربعين للشيرازي ص55 وحلية الأبرار ج2 ص446 وكتاب الأربعين للماحوزي ص249 ومناقب أهل البيت (عليهمالسلام ) للشيرواني ص116 والغدير ج8 ص87 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص194 و 381 والإمام علي (عليهالسلام ) للهمداني ص92 و 148 وتفسير فرات ص406 والمناقب للخوارزمي ص85 وكشف الغمة ج1 ص112 وكشف اليقين ص266 وتأويل الآيات ج1 ص185 وتنبيه الغافلين ص28.