• البداية
  • السابق
  • 330 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 25453 / تحميل: 7348
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٥

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

وقد وضع معاوية قوماً من الصحابة والتابعين على رواية أخبار قبيحة في علي (عليه‌السلام )، تقتضي الطعن فيه، والبراءة منه، وجعل لهم على ذلك جُعلاً يرغب فيه، فاختلقوا ما أرضاه. منهم أبو هريرة(١) .

ثانياً: لو صح هذا الحديث، فلعل أبا هريرة قد دلس فيه، ورواه عن شخص آخر. ويكون قول النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): لم تحبس الشمس إلا ليوشع، قد صدر عنه قبل رد الشمس لعلي (عليه‌السلام ) في خيبر وفي بدر..

ثالثاً: إن هذا الحديث لو صح: فإنما ينفي حبس الشمس لغير يوشع، ولا ينفي ردها..

رابعاً: حديث أبي هريرة مردود عليه، فقد روي حبس الشمس لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) صبيحة الإسراء، وفي الخندق(٢) .

____________

١- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج٤ ص٦٣ و ٦٤ وكتاب الأربعين للشيرازي ص٢٩٤ وبحار الأنوار ج٣٠ ص٤٠١ وج٣٣ ص٢١٥ ومستدرك سفينة البحار ج١٠ ص٥٢٨ وقاموس الرجال للتستري ج١١ ص٥٥٤ وشيخ المضيرة أبو هريرة ص١٩٩ و ٢٣٦ وصلح الحسن للسيد شرف الدين ص٣٢٦.

٢- راجع: عمدة القاري ج١٥ ص٤٢ و٤٣ وراجع: فتح الباري ج٦ ص١٥٥ والسيرة النبوية لدحلان ج٢ ص٢٠٢ والسيرة الحلبية ج١ ص٣٨٣ ونسيم الرياض ج٣ ص١١ و١٢ و١٣ وبهامشه شرح الشفاء للقاري ج٣ ص١٣ وفيض القدير ج٥ ص٤٤٠ وبحار الأنوار ج١٧ ص٣٥٩ والمواهب اللدنية ج٢ ص٢١٠ و٢١١.

١٠١

خامساً: قد حبست الشمس، وردَّت لغير رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أيضاً، فقد روي: أنها حبست لداود (عليه‌السلام ).

وردت لسليمان (عليه‌السلام ).

وحبست لموسى (عليه‌السلام ).

وحبست في أيام حزقيل.

وزعموا: أنها حبست لأبي بكر.

وزعموا: أنها حبست للحضرمي(١) .

سادساً: ورد عن الشافعي وغيره: ما أوتي نبي معجزة إلا أوتي نبينا (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نظيرها أو أبلغ منها(٢) .

سابعاً: قال الشافعي: إن الشمس إذا كانت قد حبست ليوشع ليالي قتال الجبارين، فلا بد أن يقع نظير ذلك في هذه الأمة أيضاً(٣) . فيدل ذلك على أن ما ثبت ليوشع، وهو وصي موسى، ولحزقيل، وداود، وسليمان،

____________

١- راجع كتابنا: رد الشمس لعلي (عليه‌السلام ) ص٦٣ ـ ٦٥ للإطلاع على بعض تفاصيل ذلك، وعلى بعض مصادره.

٢- عمدة القاري ج١٥ ص١٤٤ راجع: رسائل في حديث رد الشمس للشيخ المحمودي ص١٠٨ وتفسير البغوي ج١ ص٢٣٦ وتفسير البحر المحيط ج٢ ص٢٨٣.

٣- نسيم الرياض ج٣ ص١٢ واللآلي المصنوعة ج١ ص٣٤١ ورسائل في حديث رد الشمس للمحمودي ص١٠٨ وعن الصواعق المحرقة ص١٩٧.

١٠٢

وموسى (عليه‌السلام ) لا بد أن يثبت لوصي محمد في هذه الأمة، ولنبينا محمد نفسه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).. وذلك للأخبار الواردة عن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في أنه سيجري في أمته ما جرى في الأمم السابقة(١) .

ثامناً: إن كلام أبي هريرة ليس صريحاً في نفي ردها لعلي (عليه‌السلام ). إذ لعل المراد: أن الله تعالى لم يردها قبل علي (عليها‌السلام ) لغير يوشع.. ويقصد بالغير: من عدا الأنبياء طبعاً. أو يكون المقصود لم يحبسها لأحد من الأوصياء لغير يوشع وصي موسى (عليهما‌السلام )، وعلي (عليه‌السلام ) وصي محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

الذين يرون المعجزة:

وبعد.. فإن الذين يجب أو يمكن أن يروا المعجزة كمعجزة شق القمر، أو رد الشمس هم:

إما الصفوة الأخيار، الذين تزيدهم يقيناً وإيماناً.

وإما الذين يراد إقامة الحجة عليهم، أو ردّ التحدي الوارد من قبلهم، وتحطيم كبريائهم، وبغيهم.

ويراها أيضاً أولئك الذين خدعوا بالباطل، من أجل تعريفهم بزيف الذين خدعوهم، وبباطلهم، وجحودهم..

____________

١- راجع: المستدرك للحاكم ج١ ص١٢٩ ومجمع الزوائد ج٧ ص٢٦٠ والمصنف لابن أبي شيبة ج٨ ص٦٣٦ والمعجم الكبير ج١٧ ص١٣ ومسند الشاميين ج٢ ص١٠٠ وكنز العمال ج١١ ص١٧٠ و٢٣٠.

١٠٣

وأما الآخرون الغافلون فقد يجب أن لا يراها الكثيرون منهم، وهم الذين يصابون بالخوف، والهلع، الذي يُفقِدُ إيمانهم قدرته على التأثير في جلب المثوبة لهم، لأن المناط في جلب المثوبة هو الإختيار، البعيد عن أجواء الإلجاء، والاضطرار، ليكون إيماناً مستنداً إلى الوعي والالتفات، وإلى القناعة الناتجة عن روية وتبصر، وعن تأمل وتفكر، ووعي وتدبر.

إختلال النظام الكوني:

وقد زعموا أيضاً: أن رد الشمس لعلي (عليه‌السلام ) غير ممكن، لأنها لو تخلفت أو ردّت لاختلت الأفلاك، وفسد النظام(١) .

ونقول:

أولاً: إن أمر الكون بيد الله تعالى، فهو يخضعه للمعجزة، دون أن يوجب حدوثها أي اختلال في نظامه.. لأن صانع المعجزة هو إله قادر عالم حكيم.. وليس عاجزاً ولا جاهلاً.

ثانياً: هذا الكلام لو صح للزم تكذيب جميع المعجزات التي لها ارتباط بالنظام الكوني، ومن ذلك معجزة انشقاق القمر. ومعجزة حبس الشمس ليوشع. وغير ذلك..

____________

١- راجع: السيرة الحلبية ج٣ ص٣٨٥ و (ط دار المعرفة) ج٢ ص١٠١ وبحار الأنوار ج٤١ ص١٧٥ وتذكرة الخواص ص٥٢ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص٣٥٩ ـ ٣٦٥ و (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص١٤٦.

١٠٤

لو ردت لعلي (عليه‌السلام ) لردت للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

وقالوا: لو ردت الشمس لعلي (عليه‌السلام ) لردت للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، حينما نام هو وأصحابه عن صلاة الصبح في الصهباء، وهو راجع من غزوة خيبر نفسها(١) .

ونقول:

أولاً: حديث نوم النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن صلاة الصبح لا يمكن قبوله.

ثانياً: إن الشمس ردت على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في غزوة الخندق وغيرها، وحبست له (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حين الإسراء.

وتقدم أيضاً: أنها ردَّت وحبست لغيره من الأنبياء والأوصياء السابقين..

بل زعموا: أنها حبست للحضرمي، ولأبي بكر أيضاً. كما أن من يصدق بهذا وذاك، فعليه أن يعتقد أن ذلك لا يوجب اختلال النظام الكوني أيضاً.

ثالثاً: قال الخفاجي: (إنما ردت إلى علي (عليه‌السلام ) ببركة دعائه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). مع أن كرامات الأولياء في معنى معجزات الأنبياء).

____________

١- البداية والنهاية ج٦ ص٧٩ و ٨٠ و ٨٧ و (ط دار إحياء التراث العربي) ج٦ ص٨٨ وراجع: منهاج السنة ج٤ ص١٨٧ و ١٨٩.

١٠٥

إلى أن قال: (مع أن المفضول قد يوجد فيه ما لا يوجد في الفاضل. كما يلزم منه القول بعدم حبسها ليوشع)(١) .

ولعله يقصد بقوله: قد يوجد في المفضول ما لا يوجد في الفاضل: أن بعض المصالح قد توجب حدوث أمر للمفضول، ولا يكون هناك ما يوجب حدوثه للفاضل..

فإذا كان هناك من سوف يعاند علياً (عليه‌السلام ) في إمامته، وفي خصوصيته، وفي أفضليته على البشر جميعاً، باستثناء رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فإن الله يختصه (عليه‌السلام ) بكرامات تثبت له ذلك كله، وتقيم عليهم الحجة فيه، فيولد علي (عليه‌السلام ) في الكعبة، ولا يولد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فيها، ويقلع علي (عليه‌السلام ) باب حصن خيبر، وترد له الشمس و.. و.. الخ.. ولا يكون هناك ما يقتضي حدوث ذلك لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

علي (عليه‌السلام ) لا يترك الصلاة:

وقالوا: إن علياً (عليه‌السلام ) أجلُّ من أن يترك الصلاة(٢) . فإذا ورد ما ينسب ذلك إليه، فلابد من ردِّه.

ونقول:

أولاً: صرح النص الذي ذكر رد الشمس لعلي (عليه‌السلام ) في منزل

____________

١- شرح الشفاء للقاري (مطبوع مع نسيم الرياض) ج٣ ص١٣.

٢- منهاج السنة ج٤ ص١٨٦ و ١٩٥.

١٠٦

رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في المدينة، بأن علياً (عليه‌السلام ) قد صلى إيماءً، وأراد الله أن يظهر كرامته، فردها عليه ليصلي صلاة المختار.

ثانياً: إذا كان الغروب يتحقق بذهاب الحمرة المشرقية، فإذا أردت فور غيابها عن النظر، فإن الصلاة لا تكون قضاء في هذه الحالة، لأن المفروض أن الغروب لم يتحقق بعد.. فلا يصح القول: إن الصلاة قد فاتته، وقد روي في صحيح مسلم وغيره: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال: إذا غابت الشمس من ها هنا وأشار إلى المغرب، وأقبل الليل من ها هنا، وأشار إلى المشرق، فقد أفطر الصائم(١) .

ثالثاً: ذكرت بعض النصوص: أن الله تعالى رد الشمس عليه، أو حبسها له بعدما كادت تغرب.

وهذا معناه: أن صلاة العصر لم تكن قد فاتته، لأن وقتها يمتد إلى وقت غروب الشمس.

وقال ابن إدريس في السرائر: (ولا يحل أن يعتقد أن الشمس غابت، ودخل الليل، وخرج وقت العصر بالكلية، وما صلى الفريضة (عليه‌السلام )، لأن هذا من مٌعْتَقِدِهِ جهل بعصمته (عليه‌السلام )، لأنه يكون مخلاً بالواجب

____________

١- صحيح مسلم ج٣ ص١٣٢ والمجموع للنووي ج٦ ص٣٠٣ وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج٢ ص٣٢٨ و ٣٢٩ وتفسير القرآن العظيم ج٣ ص٥٧٨ والسنن الكبرى للبيهقي ج٤ ص٢١٦ ومسند الحميدي ج١ ص١٢ والسنن الكبرى للنسائي ج٢ ص٢٥٢ والإستذكار لابن عبد البر ج٣ ص٢٨٨

١٠٧

المضيق عليه. وهذا لا يقوله من عرف إمامته، واعتقد بعصمته)(١) .

وعلى كل حال: فإن مناوئي علي (عليه‌السلام ) قد سعوا بكل ما لديهم من طاقة وحول إلى إبطال هذه الكرامة الكبرى له (عليه‌السلام )، أو إثارة الشبهات والتشكيكات حولها، ولكن الله يأبى إلا أن يتم نوره، ولو كره الشانئون، والحاقدون، والحاسدون لعلي (عليه‌السلام )، وللأئمة الطاهرين من ولده (عليهم‌السلام )..

فمن أراد الاطلاع على المزيد مما يرتبط بهذا الموضوع، فليرجع إلى كتابنا الموسوم بـ: (رد الشمس لعليعليه‌السلام )، والله الموفق، وهو الهادي إلى سواء السبيل.

____________

١- راجع: السرائر ج١ ص٢٦٥ وبحار الأنوار ج٨٠ ص٣١٨.

١٠٨

الباب السابع:

إلى فتح مكة..

١٠٩

١١٠

الفصل الأول:

ذات السلاسل..

١١١

١١٢

سرية ذات السلاسل:

١ ـ ورد في بعض الروايات عن الإمام الصادق (عليه‌السلام ): أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وجَّه عمر بن الخطاب في سرية فرجع منهزماً، يجبِّن أصحابه ويجبنونه، فأرسل علياً (عليه‌السلام ) وأمره أن لا يفارقه العين، فأغار عليهم، فنزلت:( وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحاً.. ) إلى آخر السورة(١) .

٢ ـ وروي: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لما بعث سرية ذات السلاسل، عقد الراية وسار بها أبو بكر، حتى إذا صار بها بقرب المشركين اتصل بهم خبرهم، فتحرزوا ولم يصل المسلمون إليهم.

فأخذ الراية عمر وخرج مع السرية، فاتصل بهم خبرهم، فتحرزوا، ولم يصل المسلمون إليهم.

فأخذ الراية عمرو بن العاص، فخرج في السرية فانهزموا.

فأخذ الراية علي، وضم إليه أبا بكر، وعمر، وعمرو بن العاص، ومن

____________

١- أمالي ابن الشيخ ص٢٥٩ و ٢٦٠ وبحار الأنوار ج٢١ ص٧٥ و ٧٦ عنه، والبرهان (تفسير) ج٤ ص٤٩٨ و ٤٩٩ ونور الثقلين ج٥ ص٦٥٢ والتفسير الصافي ج٥ ص٣٦١.

١١٣

كان معه في تلك السرية.

وكان المشركون قد أقاموا رقباء على جبالهم، ينظرون إلى كل عسكر يخرج إليهم من المدينة على الجادة، فيأخذون حذرهم واستعدادهم.

فلما خرج علي (عليه‌السلام ) ترك الجادة، وأخذ بالسرية في الأودية بين الجبال.

فلما رأى عمرو بن العاص وقد فعل علي ذلك، علم أنه سيظفر بهم، فحسده، فقال لأبي بكر، وعمر، ووجوه السرية: إن علياً رجل غر، لا خبرة له بهذه المسالك، و نحن أعرف بها منه، وهذا الطريق الذي توجه فيه كثير السباع، وسيلقى الناس من معرتها أشد ما يحاذرونه من العدو، فاسألوه أن يرجع عنه إلى الجادة.

فعرَّفوا أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ذلك، فقال: من كان طائعاً لله ولرسوله منكم فليتبعني، ومن أراد الخلاف على الله ورسوله فلينصرف عني.

وفي نص آخر: فقال لهم أمير المؤمنين (عليه‌السلام ): الزموا رحالكم، وكفوا عما لا يعنيكم، واسمعوا وأطيعوا، فإني أعلم بما أصنع(١) .

فسكتوا، وساروا معه، فكان يسير بهم بين الجبال في الليل، ويكمن في الأودية بالنهار، وصارت السباع التي فيها كالسنانير، إلى أن كبس المشركين

____________

١- راجع هذه الفقرة في: بحار الأنوار ج٢١ ص٧٤ وتفسير القمي ج٢ ص٤٣٩ ونور الثقلين ج٥ ص٦٥٧.

١١٤

وهم غارون آمنون وقت الصبح، فظفر بالرجال، والذراري، والأموال، فحاز ذلك كله، وشد الرجال في الحبال كالسلاسل، فلذلك سميت غزاة ذات السلاسل.

فلما كانت الصبيحة التي أغار فيها أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) على العدو ـ ومن المدينة إلى هناك خمس مراحل ـ خرج النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فصلى بالناس الفجر، وقرأ: (والعاديات) في الركعة الأولى، وقال: (هذه سورة أنزلها الله عليَّ في هذا الوقت، يخبرني فيها بإغارة علي على العدو. وجعل حسده (أي حسد الإنسان) لعلي حسداً له، فقال:( إِنَّ الْإِنسَانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ ) (١) . والكنود: الحسود(٢) .

٣ ـ وذكر نص آخر: أن أعرابياً أخبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) باجتماع قوم من العرب في وادي الرمل ليبيتوه في المدينة.. فأخبر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) المسلمين..

فانتدب إليهم جماعة من أهل الصفة، فأقرع بينهم، فخرجت القرعة على ثمانين رجلاً، فاستدعى أبا بكر، فقال له: خذ اللواء، وامض إلى بني سليم، فإنهم قريب من الحرة..

فمضى إليهم. وهم ببطن الوادي، والمنحدر إليهم صعب. فخرجوا

____________

١- الآية ٦ من سورة العاديات.

٢- بحار الأنوار ج٢١ ص٧٦ و ٧٧ والخرائج والجرائح ج١ ص١٦٧ و ١٦٨ وراجع: إثبات الهداة ج٢ ص١١٨.

١١٥

إليه ـ حين أرادوا الإنحدار ـ فهزموه، وقتلوا من المسلمين جمعاً كثيراً.

فعقد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعمر بن الخطاب، وبعثه إليهم.. فهزموه أيضاً.

فأرسل إليهم عمرو بن العاص بطلب من عمرو نفسه، فخرجوا إليه، فهزموه، وقتلوا جماعة من أصحابه..

فدعا علياً (عليه‌السلام )، فعقد له، ثم قال: (أرسلته كراراً غير فرار).

وشيعه إلى مسجد الأحزاب، وأنفذ معه أبا بكر، وعمر، وعمرو بن العاص.

فسار بهم (عليه‌السلام ) نحو العراق متنكباً للطريق، حتى ظنوا أنه يريد بهم غير ذلك الوجه، ثم انحدر بهم على محجة غامضة، حتى استقبل الوادي من فمه..

وكان يسير بالليل، ويكمن بالنهار.

فلما قرب من الوادي أمرهم أن يعكموا الخيل..

فعرف عمرو بن العاص أنه الفتح.

ثم ذكرت الرواية نحو ما تقدم في الرواية السابقة.

ثم قالت: قالوا: وقتل منهم مئة وعشرين رجلاً. وكان رئيس القوم الحارث بن بشر، وسبى منهم مئة وعشرين.

فلما رجع واستقبله النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) والمسلمون.. قال له: (لولا أني أشفق أن تقول فيك طوائف من أمتي ما قالت النصارى في

١١٦

المسيح عيسى بن مريم لقلت فيك اليوم مقالاً لا تمر بملأ من الناس إلا وأخذوا التراب من تحت قدميك)(١) .

٤ ـ وجاء في نص آخر: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أخبر الناس بما أنذر به الإعرابي، وقال لهم: (فمن للوادي)؟!

فقام رجل من المهاجرين، فقال: أنا له يا رسول الله، فناوله اللواء، وضم إليه سبع مائة رجل، فسار إليهم، فسألوه عن شأنه، فأخبرهم، فقالوا: (ارجع إلى صاحبك، فإنَّا في جمع لا تقوم له)، فرجع.

فأرسل مهاجرياً آخر، فمضى، ثم عاد بمثل ما عاد به صاحبه.

فأرسل علياً (عليه‌السلام ) فمضى إلى وادي الرمل، فوافى القوم بسحر، فأقام حتى أصبح، ثم عرض على القوم أن يسلموا أو يضربهم بالسيف، فطلبوا منه أن يرجع كما رجع صاحباه، فأبى، وأخبرهم أنه علي، فاضطربوا لما عرفوه، ثم اجترأوا على مواقعته، فقتل منهم ستة أو سبعة، وانهزموا، وظفر المسلمون بالغنائم، ورجعوا.

فاستقبله المسلمون والنبي، فلما بصر بالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ترجل عن فرسه، وأهوى إلى قدميه يقبلهما.

فقال له (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (اركب، فإن الله تعالى ورسوله عنك

____________

١- الإرشاد للمفيد ج١ ص ١٦٤ و ١٦٥ وبحار الأنوار ج٢١ ص٧٧ ـ ٧٩ وراجع ص٨٣ و ٨٤ وتفسير فرات، والبرهان (تفسير) ج٤ ص٤٩٨ والمستجاد من كتاب الإرشاد ص١٠٣ وكشف الغمة ج١ ص٢٠٣ و ٢٣١.

١١٧

راضيان).

فبكى علي (عليه‌السلام ) فرحاً، ونزلت سورة العاديات في هذه المناسبة(١) .

٥ ـ وفي حديث ابن عباس: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) دعا أبا بكر إلى غزوة ذات السلاسل، فأعطاه الراية فردها..

ثم دعا عمر، فأعطاه الراية فردها.

ثم دعا خالد بن الوليد فأعطاه الراية، فرجع.

فأعطاها علياً (عليه‌السلام ) فانطلق بالعسكر، فنزل في أسفل جبل كان بينه وبين القوم، وقال: اركبوا (لعل الصحيح: اكعموا) دوابكم.

فشكا خالد لأبي بكر وعمر: أنه أنزلهم في واد كثير الحيات، كثير الهام، كثير السباع، فإما يأكلهم مع دوابهم سبع، أو تعقرهم ودوابهم حيات، أو يعلم بهم العدو فيقتلهم..

فراجعوا علياً (عليه‌السلام ) بالأمر، فلم يقبل منهم.

____________

١- راجع: الإرشاد للمفيد ج١ ص ١١٤ ـ ١١٧ وبحار الأنوار ج٢١ ص٨٠ ـ ٨٢ عنه وج٣٦ ص١٧٨ و ١٧٩ وج٤١ ص٩٢ و ٩٣ وعن إعلام الورى ص ١١٦ و ١١٧ ومناقب آل أبي طالب ص٣٢٨ ـ ٣٣٠ والمستجاد من كتاب الإرشاد ص١٠٠ ـ ١٠٣ وشجرة طوبى ج٢ ص٢٩٥ و ٢٩٦ وموسوعة التاريخ الإسلامي ج٢ ص٥٧٤ ـ ٥٧٦ وعن كشف الغمة ج١ ص٢٣٠ ـ ٢٣٢ وكشف اليقين ص١٥١ و ١٥٢ وتأويل الآيات ج٢ ص٨٤٠ و ٨٤١.

١١٨

ثم راجعوه مرة أخرى فلم يقبل.

فلما كان السحر أمرهم فطلعوا الجبل، وانحدروا على القوم، فأشرف عليهم، وقال لأصحابه: انزعوا عكمة دوابكم، فشمَّت الخيل ريح الإناث، فصهلت، فسمع القوم صهيل الخيل فهربوا.

فقتل مقاتليهم، وسبى ذراريهم. فنزلت سورة (والعاديات) على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ثم جاءته البشارة(١) .

إختلافات لها حل:

وقد ظهرت في النصوص المتقدمة بعض الإختلافات التي تحتاج إلى معالجة معقولة ومقبولة.

وهذه المعالجة ليست بعيدة المنال في هنا.

ونحن نذكر نماذج من تلك الإختلافات، ثم نعقب ذلك بما نراه معالجة مناسبة، فنقول:

من اختلافات الروايات:

ظهرت إختلافات كثيرة في الروايات التي ذكرناها، وفي سواها مما لم نذكر، مما تعرض لهذه الحادثة.. فلاحظ ما يلي:

١ ـ هل بعث النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هذه السرية إلى قضاعة،

____________

٢- ١- بحار الأنوار ج٢١ ص٨٢ و ٨٣ وج٤١ ص٩٢ و ٩٣ ومناقب آل أبي طالب ج٢ ص٣٢٨ و ٣٢٩ وشجرة طوبى ج٢ ص٢٩٥ وتفسير فرات ص٥٩١.

١١٩

وعاملة، ولخم، وجذام، وكانوا مجتمعين؟!(١) .

أو إلى قضاعة فقط(٢) .

أو إلى بني سليم(٣) .

أو بعث عمرو بن العاص يستنفر العرب إلى الشام؟!(٤) .

٢ ـ هل المقتولون من الأعداء حين هاجمهم علي (عليه‌السلام ) مئة

____________

١- سبل الهدى والرشاد ج٦ ص١٦٨ عن البلاذري.

٢- سبل الهدى والرشاد ج٦ ص١٦٧ والمغازي للواقدي ج٢ ص٧٧٠ وعيون الأثر ج٢ ص١٧١ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٢ ص١٣١ وفتح الباري ج٨ ص٥٩ وعمدة القاري ج١٨ ص١٣ والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج٣ ص١٩٩.

٣- بحار الأنوار ج٢٠ ص٣٠٨ وج٢١ ص٧٧ و ٨٠ وج٣٦ ص١٧٨ وتفسير فرات ص٥٩٢ وكشف اليقين ص١٥١ وتأويل الآيات ج٢ ص٨٤٠ و ٨٤١ ومناقب آل أبي طالب ج١ ص١٧٤ والإرشاد للمفيد ج١ ص١٦٢ وكشف الغمة ج١ ص٢٣٠.

٤- سبل الهدى والرشاد ج٦ ص١٦٧ والمغازي للواقدي ج٢ ص٧٧٠ وتاريخ مدينة دمشق ج٢ ص٢٣ وأسد الغابة ج٤ ص١١٦ وتاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٣١٤ والبداية والنهاية ج٤ ص٣١١ و ٣١٢ وج٥ ص٢٣٨ والسيرة النبوية لابن هشام ج٤ ص١٠٤٠ والسيرة النبوية لابن كثير ج٣ ص٥١٦ وج٤ ص٤٣٥ وفتح الباري ج٨ ص٥٩.

١٢٠

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330