الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٥
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
نبوية: أن الكتاب بيد علي بن أبي طالب.
وقال الطبراني: قال أبو محمد: وحدثني أبي قال: سمعت يقولون: هو خط علي بن أبي طالب (عليهالسلام )(1) .
علي (عليهالسلام ) وجلد المستحاضة:
عن علي (عليهالسلام ) قال: أرسلني رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) إلى أمة له سوداء، زنت، لأجلدها الحدّ، قال: فوجدتها في دمائها، فأتيت النبي (صلىاللهعليهوآله )، فأخبرته بذلك، فقال لي: إذا تعالت [تعافت] فاجلدها خمسين(2) .
ونقول:
1 ـ لا يقام الحدّ على المستحاضة حتى ينقطع الدم عنها، لأن الإستحاضة
____________
1- المعجم الكبير للطبراني ج2 ص30 ومجمع الزوائد ج8 ص173 ومكاتيب الرسول ج3 ص137.
2- مسند أحمد ج1 ص136 وراجع: تفسير القرآن العظيم ج1 ص476 وعن نيل الأوطار ج7 ص272 وعن صحيح مسلم ج3 ص537 ح34 كتاب الحدود، والجامع الصحيح للترمذي ج4 ص37 وعن سنن أبي داود ج1 ص164 ح4473، وليس في الثلاثة الأخيرة لفظ خمسين.
في معنى المرض، ولذلك قال (صلىاللهعليهوآله ): إذا تعافت، فاجلدها خمسين. أما الحيض فهو يدل على اعتدال المزاج. والحائض صحيحة، فيقام عليها الحدّ مطلقاً.
2 ـ إن علياً (عليهالسلام ) لم يبادر إلى إقامة الحد على تلك الأمة، بل تحرى عنها، لكي يعرف إن كانت واجدة لشرائط إقامة الحد أم لا.. فلما علم باختلال الشرائط لم يتركها انتظاراً لتوفر تلك الشرائط، واستناداً إلى ما يعرفه هو من الأحكام الخاصة في هذا المورد، بل راجع رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في أمرها، ليكون التأخير مستنداً إلى قرار الرسول (صلىاللهعليهوآله ) نفسه، لا إلى قرار علي (عليهالسلام ).
3 ـ قد يعترض بعضهم على علي (عليهالسلام ) بأنّه لم يلتزم بحرفية أمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، بل استلبث وتريث، حتى وجد فرصة لتأجيل تنفيذ الأمر الصادر إليه، فهو لم يكن كالسكة المحماة فيه، كما هو المفروض.
ونجيب: بأنّ هناك أموراً تكون في عهدة النبي أو في عهدة وصيه، الحاكم والحافظ لأحكام الشريعة، لا بد أن يتصدى لها الحاكم مثل: أن يصدر أمره بإقامة الحدّ على مستحقه.
وهناك أمور أخرى تكون من حق المحدود، وعلى المنفذ للأمر أن يراعيها فيه.
فالمورد هنا: من قبيل هذا الثاني، لا الأول، أي أنه مورد التأكد من جامعية المحدود لشرائط إقامة الحدّ، وهذا من وظائف علي (عليهالسلام )، فهو من موارد قاعدة: (الشاهد يرى ما لا يراه الغائب)، تماماً كما حصل له
(عليهالسلام ) في حديث الإفك، حيث أمر رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) علياً (عليهالسلام ) بقتل جريج القبطي إن وجده عند مارية، فلما وجده، وتأكد من فاقديته لشرط إقامة الحدّ رجع إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وقال له: تأمرني بالأمر أكون فيه كالسمكة المحماة، أم الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟!
فقال (صلىاللهعليهوآله ): بل الشاهد يرى ما لا يرى الغائب.
فهل هذا المورد من الموارد التي يكون فيها كالسكة المحماة؟! تماماً كما حدث حين أمره (صلىاللهعليهوآله ) بالإتيان بالحكم، كالشاة التي تساق لحلبها؟! أم أن الشاهد يرى ما لا يرى الغائب؟!
أي أنّه (عليهالسلام ) لم يرفع حكم رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بالرجم، بل هو سيمضيه، ويكون فيه كالسكة المحماة، حين تتحقق شرائط إجرائه، إذ هو بالنسبة لتوفر شرائط إقامة الحدّ، محكوم بقاعدة: الشاهد يرى ما لا يرى الغائب، لأن اليقين بتوفر الشروط من مسؤولية ذلك الشاهد نفسه.
كأنك في الرقة علينا منا:
نقل عن خط الشهيدرحمهالله ما يلي:
(قيل: كتب النجاشي كتاباً إلى النبي (صلىاللهعليهوآله )، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) لعلي (عليهالسلام ): اكتب جواباً وأوجز..
فكتب (عليهالسلام ):
(بسم الله الرحمان الرحيم: أما بعد، فكأنك في الرقة علينا منا، وكأنا من الثقة بك منك، لأنا لا نرجو شيئاً منك إلا نلناه، ولا نخاف منك أمراً
إلا أمناه، وبالله التوفيق).
فقال النبي (صلىاللهعليهوآله ): الحمد لله الذي جعل من أهلي مثلي، وشد أزري بك)(1) .
ونقول:
أولاً: قد تم الإستيلاء على هذا الوسام أيضاً، بالإستيلاء على سبب منحه، حيث زعموا: أن عمرو بن أمية قال للنجاشي: كأنك في الرقة علينا منا، وكأننا في الثقة بك منك، لأننا لم نظن بك خيراً قط إلا نلناه، ولم نحفظك على شر قط (ولا نخاف أمراً منك) إلا أمناه إلخ(2) ..
غير أن من الواضح: أن عمرو بن أمية قد ذهب إلى الحبشة بعنوان رسول، فمتى توطَّن الحبشة، ولمس رقة ملكها عليه، وتنامت ثقته به، حتى
____________
1- بحار الأنوار ج20 ص397 و (ط حجرية) ج6 ص571 ومستدرك سفينة بحار الأنوار ج9 ص541 ومكاتيب الرسول ج2 ص453 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج17 ص28 عن نزهة الجليس (ط المطبعة الحيدرية) ج1 ص354 وراجع: ناسخ التواريخ، ترجمة رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) ومدينة البلاغة ج2 ص244.
2- مكاتيب الرسول ج2 ص447 عن السيرة النبوية لدحلان ج3 ص68 والسيرة الحلبية ج3 ص279 وزاد المعاد ج3 ص60 والروض الأنف ج3 ص304 والمصباح المضيء ج2 ص39 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج1 ص572 وج2 ص654 وعيون الأثر ج2 ص329 والطبقات الكبرى لابن سعد ج1 ص259.
صار يشعر أنه منه، وحتى صار لا يظن به خيراً إلا ناله إلخ..؟!
على أننا لم نر في طريقة خطاب عمرو بن أمية ما يناسب خطاب مثله لمثله، ولا نرى أن ملك الحبشة وأعوانه يرضى ويرضون بأن يبدأه بعبارة: عليَّ القول، وعليك الإستماع.
وكذا قوله: (وإلا، فأنت في هذا النبي الأمي، واليهود كاليهود في عيسى..)، بل هم سوف يسكتونه فور سماع عبارته هذه.
ثانياً: إن حامل الرسالة لملك الحبشة هو جعفر بن أبي طالب، وملك الحبشة أسلم على يد جعفر، لا على يد عمرو بن أمية.
من صدقات علي (عليهالسلام ):
وقد أرسل النجاشي لرسول الله (صلىاللهعليهوآله ) بمناسبة زواجه بأم حبيبة (قميصاً وسراويل، وعطافاً، وخفين ساذجين)(1) .
وروى الكليني: أنه أهدى لرسول الله (صلىاللهعليهوآله ) حلة قيمتها ألف دينار، فكساها علياً (عليهالسلام )، فتصدق بها(2) .
____________
1- مكاتيب الرسول ج2 ص449 وموسوعة التاريخ الإسلامي ج1 ص576 وج2 ص660 وتحفة الأحوذي ج8 ص78 وكتاب المحبر للبغدادي ص76 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص311 وإمتاع الأسماع ج7 ص15.
2- راجع: الكافي ج1 ص288 و 289 الحديث رقم 3 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البـيـت) ج5 ص18 وج9 ص477 و (ط دار الإسـلاميـة) ج3 ص349 وج6 = = ص334 وحلية الأبرار ج2 ص279 وكتاب الأربعين للماحوزي ص184 وجامع أحاديث الشيعة ج8 ص441 وج16 ص685 والتفسير الصافي ج2 ص44 والتفسير الأصفى ج1 ص281 ونور الثقلين ج1 ص643 وشرح أصول الكافي ج6 ص116 وتأويل الآيات ج1 ص153.
ونقول:
1 ـ إن النبي (صلىاللهعليهوآله ) لم يعط علياً إلا ما هو ماله الخاص، وليس للمسلمين فيه نصيب..
2 ـ إنه (صلىاللهعليهوآله ) لم يشأ أن يلبس حلة بألف دينار، وهو يعلم: أن الكثيرين من المسلمين يحتاجون في كسوتهم إلى شيء، مهما كانت قيمته متواضعة.. فآثر أن يعطيها لمن يستحقها ويحتاجها.. وهو علي (عليهالسلام )..
3 ـ ولكن علياً (عليهالسلام ) أيضاً لم يشأ أن يلبس حلة بألف دينار، تأسياً برسول الله (صلىاللهعليهوآله ) من جهة، ومن جهة ثانية: ولعل في الحجاز أو اليمامة من لا عهد له باللباس اللائق به، ولا يقدر على تهيئة ما تكون قيمته متواضعة، فآثر بها غيره من أهل الحاجة لينال ثواب ذلك أيضاً.. وليكون المثل الأعلى في القناعة والإيثار، والزهد بالدنيا..
علي (عليهالسلام ) يقتل أصل الخوارج:
ونذكر هنا قضية جرت في حياة رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ولعلها حدثت في هذه السنة أو في غيرها وهي التاية:
رووا: أن أبا بكر قال للنبي (صلىاللهعليهوآله ): إني مررت بوادي كذا وكذا، فإذ رجل متخشع، حسن الهيئة، يصلي..
فقال له النبي (صلىاللهعليهوآله ): إذهب إليه فاقتله.
فذهب إليه، فلما رآه على تلك الحال كره أن يقتله، فرجع إلى النبي (صلىاللهعليهوآله )..
فقال النبي (صلىاللهعليهوآله ) لعمر: إذهب فاقتله.
فذهب إليه، فرآه على تلك الحال، فكره أن يقتله.
فقال (صلىاللهعليهوآله ) لعلي (عليهالسلام ): اذهب فاقتله.. فذهب إليه فلم يجده.
فقال النبي (صلىاللهعليهوآله ): إن هذا وأصحابه يقرؤون القرآن لا يجاوز تراقيهم. وذكر حديث الخوارج ومروقهم من الدين، وفي آخره: فاقتلوهم هم شرُّ البرية(1) .
____________
1- مسند أحمد ج3 ص15 والمصنف للصنعاني ج10 ص155 و 156 ومجمع الزوائد ج6 ص225 و 226 و 227 والبداية والنهاية ج7 ص299 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص266 و 267 والكامل في الأدب ج3 ص220 و221 ونيل الأوطار للشوكاني ج7 ص351 والمراجعات للسيد شرف الدين ص376 و 378 والنص والإجتهاد للسيد شرف الدين ص96 والغديرج7 ص216 وأهمية الحديث عند الشيعة للشيخ آقا مجتبي العراقى ص217 وفتح الباري ج12 ص266 والفصول المهمة للسيد شرف الدين ص121.
وفي نص آخر: فقال علي (عليهالسلام ): أفلا أقتله أنا يا رسول الله؟!
قال: بلى أنت تقتله إن وجدته.. فانطلق علي (عليهالسلام ) فلم يجده.. أو نحو ذلك(1) .
ونقول:
1 ـ لقد عودنا عمر بن الخطاب أن يطلب من النبي (صلىاللهعليهوآله ) أن يسمح له بقتل هذا تارة وذاك أخرى، وذلك ثالثة، ورابعة، وخامسة. ولم ينل مبتغاه في جميع مطالبه تلك، بل كان القرار النبوي دائماً على خلاف هواه..
أما هنا.. فإن النبي (صلىاللهعليهوآله ) هو الذي يطلب من عمر أن يقتل هذا الرجل، ولكن عمر لا يستجيب!!
2 ـ إن أبا بكر لم يكن في مجمل أحواله يتوافق مع عمر على القتل الذي كان عمر يطلب من النبي (صلىاللهعليهوآله ) أن يسمح له به، فلم يطلب
____________
1- كشف الأستار عن مسند البزار ج2 ص360 و 361 والعقد الفريد ج2 ص404 وراجع المصنف للصنعاني ج10 ص155 و 156 ومجمع الزوائد ج6 ص226 و 227 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص187 و 188 عن مسند أبي يعلى، والإعانة لابن بطة، والعكبري. وزينة أبي حاتم الرازي، وكتاب أبي بكر الشيرازي وغيرهم والطرائف ج2 ص429 والبداية والنهاية ج7 ص298 والغدير ج7 ص216 وحلية الأولياء ج2 ص317 و ج3 ص227 والإصابة ج1 ص484 والنص والإجتهاد ص93 و 94 عن بعض ما تقدم.
ما كان يطلبه عمر من ذلك، ولو مرة واحدة، بل هما قد اختلفا في العديد من الموارد، فقد اختلفا في الموقف من خالد حين قتل مالك بن نويرة، وزنى بامرأته.. واختلفا في الموقف من أسارى بدر.
3 ـ إن أبا بكر كان قرين عمر، وحبيبه، وصفيه، ونجيه، وكانا معاً يداً واحدة على الدوام.. غير أنهم يزعمون: أن أبا بكر يميل إلى السلم، وعمر يميل إلى القتل والحرب. حتى أصبح ذلك بمثابة القاعدة.
ولكن هذه القاعدة قد انخرمت مرتين:
إحداهما: في قتال مانعي الزكاة، حيث كان عمر يرى مسالمتهم، وأبو بكر يرى حربهم، وذلك على خلاف ما عهدناه منهما من ميل أبي بكر للسلم، وميل عمر للحرب.. فما هو السبب في ذلك؟!
ويزيد هذا الأمر غرابة حين نرى أن الأمور عادت بينهما إلى التوافق، ولكن لا برجوع أبي بكر إلى رأي عمر، بل برجوع عمر إلى رأي أبي بكر!
الثانية: في قتل أصل الخوارج، فإن عمر قد مال إلى طبع أبي بكر، ورأيه، فآثرا معاً عصيان رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ولم ينفذا أمره بقتله..
4 ـ إن الرجل الذي طلب النبي (صلىاللهعليهوآله ) قتله من أبي بكر وعمر، كان يتظاهر بالتخشع والعبادة والصلاح. ولكن ذلك لم يمنع النبي (صلىاللهعليهوآله ) من الأمر بقتله، فإن العبرة عنده بالجوهر لا بالمظهر.. وأفهمنا أن على المؤمن أن لا ينخدع بالمظاهر.
5-وقد جاءت هذه الحادثة لتكون التطبيق العملي لنهيه (صلىاللهعليهوآله )
الناس عن النظر إلى صلاة الرجل وصومه، وطنطنته بالليل، بل عليهم أن ينظروا إلى صدقه في الحديث، وأدائه الأمانة(1) .
5 ـ إن النبي (صلىاللهعليهوآله ) لم يرسل أبا بكر إلا بعد أن أخبره أبو بكر نفسه عنه بأنه رآه بمكان كذا متخشعاً، حسن الهيئة يصلي، أي أن النبي أمره بقتله بناء على ما سمعه من أوصاف أغدقها عليه، وحالات نسبها إليه، فما معنى أن يذهب أبو بكر إليه، ثم يرجع فيقول: إنه رآه يصلي فترك قتله؟! فإنه لم يأت للنبي (صلىاللهعليهوآله ) بشيء جديد يبرر إحجامه عن تنفيذ أمره.
6 ـ إنه (صلىاللهعليهوآله ) حين أمر أبا بكر وعمر وعلياً بقتل ذلك الرجل، لم يذكر لهم سبب إصداره لهذا الأمر ـ رغم إخبارهم إياه بصلاة ذلك الرجل وتخشعه ـ وهذا يدل على ضرورة أن يكون التعامل مع
____________
1- راجع: الأمـالي للصدوق ص379 وعيون أخبـار الرضـا ج1 ص55 و 56 وروضة الواعظين ص373 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج19 ص69 و (ط دار الإسلامية) ج13 ص220 ومستدرك الوسائل ج14 ص6 والإختصاص ص229 ومشكاة الأنوار ص109 و 164 وبحار الأنوار ج68 ص9 وج72 ص114 و 115 وشجرة طوبى ج2 ص443 وجامع أحاديث الشيعة ج18 ص526 ومستدرك سفينة البحار ج1 ص223 ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج1 ص274 وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج6 ص56 والرسائل الرجالية للكلباسي ج1 ص229.
المعصوم بمنطق الطاعة والإنقياد المطلق والتسليم، تطبيقاً لقوله تعالى:( ثُمَّ لاَ يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً ) (1) .
تماماً كما سلم إسماعيل نفسه لأبيه إبراهيم ليذبحه قائلاً:( يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ ) (2) .
7 ـ إن امتناع أبي بكر وعمر عن تنفيذ الأمر يدلنا على أنهما لم يتعاملا مع النبي (صلىاللهعليهوآله ) على أساس أنه مسدد بالوحي الإلهي، ولا ينطق عن الهوى.. ولا على أساس أنه عالم علم اليقين، بالمبررات الشرعية لحكمه عليه بالقتل.. أي أنهما رأيا أن النبي لم يكن مستجمعاً للشرائط المسوغة لحكمه على الرجل، ومعنى ذلك أنه مخطئ في قراره هذا، وأن ذلك الرجل مظلوم..
وهذا ما لا يمكن قبوله، لا من أبي بكر وعمر، ولا من غيرهما.
8 ـ إن قوله (صلىاللهعليهوآله ) لعلي (عليهالسلام ): (بلى أنت تقتله إن وجدته) يدل على أنه كان يعرف علياً حق المعرفة، حتى لقد أخبر عن فعل علي (عليهالسلام ) ـ الذي كان سيحصل ـ لو وجد ذلك الرجل.
9 ـ إن هذا الإختبار العملي، قد أظهر فضل ذي الفضل.. وبيّن ميزته (عليهالسلام ) على من سواه، وسجل معياراً ومقياساً تسقط به الكثير من الدعاوى التي يسوقها محبوا مناوئي علي (عليهالسلام )..
____________
1- الآية 65 من سورة النساء.
2- الآية 102 من سورة الصافات.
10 ـ إن قول النبي (صلىاللهعليهوآله ) عن الذين هم على شاكلة ذلك الرجل الذي أمر (صلىاللهعليهوآله ) بقتله: (فاقتلوهم هم شر البرية) قد أسقط الحصانة عن هذه الفئة من الناس، بإعطائه الأمر بقتلهم، لأنهم تجسيد للشر الذي يصيب البشرية، وتستُّرهم بالمظاهر الخادعة وإظهارهم التخشع، وممارسة العبادات إن كان يراد به حفظ الجحود والطغيان، لا ينفع في دفع العقوبة التي يستحقونها.
11 ـ وإنما كان هؤلاء شر البرية، لأنهم يتسترون بالدين للقضاء على الدين، وإشاعة رذيلة الظلم والطغيان، والعمل بالهوى، وأحكام الجاهلية..
12 ـ وقد أخبر (صلىاللهعليهوآله ): أن علياً (عليهالسلام ) لن يجد ذلك الرجل، ولو وجده لقتله، وأخبر أيضاً عن المارقين، مع بيان بعض حالاتهم، وما يكون منهم.. مبيناً التكليف الإلهي للأمة تجاههم.
13 ـ ويكون صدق ما أخبر به (صلىاللهعليهوآله ) عن أن علياً (عليهالسلام ) لن يجد ذلك الرجل بمثابة شاهد حسي على أنه (صلىاللهعليهوآله ) يخبر عن الله تعالى، وعلى أن ما يخبر به عن ظهور المارقين لا بد أن يتحقق أيضاً.
14 ـ إن النبي (صلىاللهعليهوآله ) لا يقدم على قتل رجل إلا إذا توفرت الأدلة له على استحقاقه للقتل..
ومن الذي قال: إن البينة لم تقم لدى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) على استحقاق ذلك الرجل للقتل..
أو من الذي قال: إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) لم يطلع على حال
ذلك الرجل بصورة مباشرة، وبنحو يجيز له قتله.. فرأى أن إظهاره التخشع، واعتصامه بالتظاهر بالدين لا يجديه، فقد قلنا: إن العبرة إنما هي بالجوهر لا بالمظهر..
من فتح مكة.. إلى فتح الطائف..
نقض العهد.. ومقدمات الفتح..
أبو سفيان في المدينة:
وبعد أن عقدت قريش في الحديبية مع رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) عهداً تضمن دخول خزاعة في عقد وعهد رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) نقضت قريش العهد، وأوقعت ببني نفاثة الخزاعيين، ثم بعثت أبا سفيان إلى المدينة، فطلب أن يشد العهد، ويزيد في المدة، وهو يظن أن خبر بني نفاثة لم يصل إلى النبي (صلىاللهعليهوآله )..
فسأله النبي (صلىاللهعليهوآله ) إن كان قد حدث حدث اقتضى هذا الطلب.
فقال: معاذ الله، نحن على عهدنا وصلحنا يوم الحديبية، لا نغير ولا نبدل.
فقال (صلىاللهعليهوآله ): فنحن على مدتنا وصلحنا يوم الحديبية، لا نغير ولا نبدل.
فطلب أبو سفيان من أبي بكر أن يجير بين الناس، ويشفع له عند رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وطلب ذلك ايضاً من عمر، ومن عثمان، وسعد بن عبادة، وعلي (عليهالسلام ) وأشراف المهاجرين، والأنصار وكان يسمع منهم رفضاً لطلبه أكيداً وشديداً.
فتوسل بالزهراء (عليهاالسلام )، ثم بالسبطين، الحسن والحسين (عليهماالسلام )، ربما بهدف الإستفادة من الأثر العاطفي بزعمه، ولكن قد خاب فأله، فقد كان الجواب هو الجواب يقول النص: فأتى علياً (عليهالسلام )، فقال: يا علي، إنك أمس القوم بي رحماً، وإني جئت في حاجة، فلا أرجع كما جئت خائباً، فاشفع لي إلى محمد.
فقال: ويحك يا أبا سفيان، والله، لقد عزم رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) على أمر ما نستطيع أن نكلمه فيه..
إلى أن يقول النص:
فلما أيس مما عندهم، دخل على فاطمة الزهراء (عليهاالسلام ) والحسن (عليهالسلام ) غلام يدب بين يديها، فقال: يا بنت محمد، هل لك أن تجيري بين الناس؟!
فقالت: إنما أنا امرأة، وأبت عليه(1) .
(وفي نص آخر: قالت: إنما أنا امرأة.
قال: قد أجارت أختك ـ يعني: زينب ـ أبا العاص بن الربيع، وأجاز ذلك محمد.
____________
1- سبل الهدى والرشاد ج5 ص207 والسيرة الحلبية ج3 ص73 و (ط دار المعرفة) ص3 والمغازي للواقدي ج2 ص794 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص321 و (ط مكتبة المعارف) ج2 ص278 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص533 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص263.