• البداية
  • السابق
  • 330 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23570 / تحميل: 6170
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 5

مؤلف:
العربية

الفصل الثالث:

الحجابة والسقاية..

٢٨١

٢٨٢

مفتاح الكعبة:

وحين فتحت مكة بعث رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً (عليه‌السلام ) إلى عثمان بن طلحة، فأبى أن يدفع المفتاح إليه، وقال: لو علمت أنه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم أمنعه منه، فصعد إلى السطح، فتبعه عليّ (عليه‌السلام ) ولوى يده، وأخذ المفتاح منه قهراً، وفتح الباب(1) .

فلما نزل قوله تعالى:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا.. ) (2) . أمره (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يدفع المفتاح إليه، متلطفاً به، (ويعتذر إليه. وقال له: قل له: خذوها يا بني طلحة بأمنة الله، فاعملوا فيها بالمعروف، خالدة تالدة الخ..)(3) .

فجاء علي (عليه‌السلام ) بالمفتاح متلطفاً، فقال له: أكرهت وآذيت، ثم

____________

1- تاريخ الخميس ج2 ص87 و 88 والسيرة الحلبية ج3 ص98 و (ط دار المعرفة) ج3 ص49 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص404 وبحار الأنوار ج21 ص116.

2- الآية 58 من سورة النساء.

3- راجع: تاريخ الخميس ج2 ص88 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص282 وكشف الخفاء ج1 ص374 وتاريخ مدينة دمشق ج38 ص388 وإمتاع الأسماع ج1 ص394 وج13 ص384 وعيون الأثر ج2 ص200.

٢٨٣

جئت ترفق؟!

فقال (عليه‌السلام ): لأن الله أمرنا بردها عليك.

فأسلم، فأقره النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في يده(1) .

وذكر نص آخر: أن عثمان بن طلحة ادعى: أنه هو الذي جاء بالمفتاح إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(2) .

فقام علي بن أبي طالب، ومفتاح الكعبة بيده، فقال: يا رسول الله، اجمع لنا الحجابة مع السقاية!

(وفي رواية: أن العباس تطاول يومئذٍ لأخذ المفتاح في رجال من بني هاشم. أي منهم علي (عليه‌السلام) (3) .

____________

1- راجع: السيرة الحلبية ج3 ص98 و (ط دار المعرفة) ج3 ص49 وبحار الأنوار ج21 ص116 و 117 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص404 و 405.

2- راجع: المصنف للصنعاني ج5 ص83 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص529 و 541 والدرر لابن عبد البر ص220 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص279 وكنز العمال ج2 ص384 وج10 ص535 ومواهب الجليل ج4 ص505 ومجمع الزوائد ج6 ص177 والمعجم الكبير للطبراني ج9 ص61 وفتح الباري ج3 ص371 وعمدة القاري ج9 ص243 ومسند الحميدي ج2 ص304.

3- راجع هذه الفقرة في: السيرة الحلبية ج3 ص100 و (ط دار المعرفة) ج3 ص52 وعيون الأثر ج2 ص200 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص244 وفي هامشه عن البداية والنهاية ج4 ص301.

٢٨٤

فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أين عثمان بن طلحة؟!

فدعي، فقال: (هاك مفتاحك يا عثمان، اليوم يوم بر ووفاء).

قالوا: وأعطاه المفتاح ورسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مضطبع(1) بثوبه عليه، وقال: (غيبوه. إن الله تعالى رضي لكم بها في الجاهلية والإسلام)(2) .

وعن ابن جريح: أن علياً (عليه‌السلام ) قال للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): اجمع لنا الحجابة والسقاية، فنزلت:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا.. ) (3) .

فدعا عثمان، فقال: (خذوها يا بني شيبة خالدة مخلدة).

وفي لفظ: (تالدة لا ينزعها منكم إلا ظالم)(4) .

____________

1- اضطبع: أدخل الرداء تحت إبطه الأيمن وغطى به الأيسر.

2- سبل الهدى والرشاد ج5 ص244 عن ابن سعد والواقدي، والسيرة الحلبية ج3 ص100 و 101 وراجع: المغازي للواقدي ج2 ص837 وتاريخ الخميس ج2 ص85 و 88 وعن البداية والنهاية ج4 ص301.

3- الآية 58 من سورة النساء.

4- سبل الهدى والرشاد ج5 ص244 و 245 عن ابن عائذ، والأزرقي، وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص100 ومواهب الجليل ج4 ص505 وشرح مسلم للنووي ج9 ص83 ومجمع الزوائد ج3 ص285 وفتح الباري ج8 ص15 وعمدة القاري ج4 ص248 والمعجم الأوسط ج1 ص156 وج11 ص98 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج3 ص1034 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2= = ص137 والكامل لابن عدي ج4 ص137 وتاريخ مدينة دمشق ج38 ص383 و 388 و 389 وأسد الغابة ج3 ص372 وسير أعلام النبلاء ج3 ص12 وميزان الإعتدال ج2 ص510 وذكر أخبار إصبهان ج1 ص248 وإمتاع الأسماع ج1 ص394 وج13 ص384 وتاريخ الإسلام للذهبي ج4 ص83 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج17 ص282 وكنز العمال ج12 ص222 وكشف الخفاء ج1 ص374 وتفسير الواحدي ج1 ص270 وتفسير الآلوسي ج5 ص63 وتفسير السمعاني ج1 ص440 والدر المنثور ج2 ص175 والمحرر الوجيز ج2 ص70 وتفسير الرازي ج10 ص138 والجامع لأحكام القرآن ج5 ص256 وتفسير الثعالبي ج1 ص104 وج2 ص252.

٢٨٥

وعن الزهري: أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لما خرج من البيت قال علي (عليه‌السلام ): (إنا أُعطينا النبوة والسقاية والحجابة، ما قوم بأعظم نصيباً منَّا).

فكره رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مقالته، ثم دعا عثمان بن طلحة، فدفع المفتاح إليه وقال: (غيبوه)(1) . فلذلك يغيب المفتاح(2) .

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج5 ص244 و 245 عن عبد الرزاق، والطبراني. ومواهب الجليل ج4 ص511 ومجمع الزوائد ج6 ص177 والمصنف للصنعاني ج5 ص84 والمعجم الكبير للطبراني ج9 ص62 وكنز العمال ج14 ص108 وتاريخ مدينة دمشق ج38 ص390.

2- سبل الهدى والرشاد ج5 ص244 عن الفاكهي، ومواهب الجليل ج4 ص511= = وفتح الباري ج8 ص15 والمعجم الكبير للطبراني ج2 ص125 وكنز العمال ج14 ص107.

٢٨٦

وعند الحلبي: أن علياً (عليه‌السلام ) أخذ المفتاح وقال: يا رسول الله، إجمع لنا الحجابة مع السقاية.

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي (عليه‌السلام ): أكرهت وآذيت، وأمره (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يرد المفتاح على عثمان ويعتذر إليه، فقد أنزل الله في شأنك. أي أنزل الله عليه ذلك وهو في جوف الكعبة. وقرأ عليه الآية، ففعل ذلك علي)(1) .

وسياق هذه الرواية يدل: على أن علياً كرم الله وجهه أخذ المفتاح على أن لا يرده لعثمان، فلما نزلت الآية أمره (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يرد المفتاح لعثمان..(2) .

وعن ابن جريح، عن ابن مليكة: أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال لعلي يومئذ حين كلمه في المفتاح: (إنما أعطيتكم ما تُرزؤون، ولم أعطكم ما تَرزؤون).

يقول: (أعطيتكم السقاية، لأنكم تغرمون فيها، ولم أعطكم حجابة البيت).

____________

1- السيرة الحلبية ج3 ص100 و (ط دار المعرفة) ج3 ص52 وتخريج الأحاديث والآثار ج1 ص329 وأسباب نزول الآيات ص105 وتفسير البغوي ج1 ص444 والعجاب في بيان الأسباب ج2 ص893 وتفسير أبي السعود ج2 ص193.

2- السيرة الحلبية ج3 ص100 و (ط دار المعرفة) ج3 ص52.

٢٨٧

قال عبد الرزاق: أي أنهم يأخذون من هديته(1) .

وعند الحلبي: إنما أعطيكم ما تبذلون فيه أموالكم للناس، أي وهو السقاية، لا ما تأخذون منه من الناس أموالهم، وهي الحجابة، لشرفكم، وعلو مقامكم(2) .

واللافت هنا: أن الواقدي يذكر نفس هذه القضية، بعين ألفاظها، وينسبها إلى العباس، لا إلى علي (عليه‌السلام )(3) .

وحديث طلب العباس من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يجمع لبني هاشم السقاية والحجابة مروي عن ابن أبي مليكة أيضاً(4) .

____________

1- المصنف للصنعاني ج5 ص84 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص245 عن عبد الرزاق، والمعجم الكبير للطبراني ج9 ص62 ومجمع الزوائد ج6 ص177 وتاريخ مدينة دمشق ج38 ص387 وفتح الباري ج3 ص393 وتاريخ الخميس ج2 ص85.

2- السيرة الحلبية ج3 ص100 و (ط دار المعرفة) ج3 ص52.

3- راجع: المغازي ج2 ص833 وتاريخ الخميس ج2 ص85 عن البحر العميق.

4- راجع: المصنف للصنعاني ج5 ص85 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص245 عنه، وراجع عن غير أبي مليكة: كنز العـمال ج14 ص108 وتاريخ مدينة دمشق ج38 ص387 و 389 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص52 وتفسير ابن زمنين ج1 ص381 وفتح الباري ج3 ص393 وزاد المسير ج2 ص143 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص528 وتنوير المقباس ص72 والعجاب في بيان = = الأسباب ج2 ص892 والدر المنثور ج2 ص174 ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص71 و (ط دار الكتب العلمية) ص60 وتفسير الآلوسي ج5 ص63 وكتاب المنمق لابن حبيب ص287.

٢٨٨

ونقول:

إن لنا مع النصوص المتقدمة وقفات عديدة، نذكر منها ما يلي:

أكرهت وآذيت:

تقدم أنهم زعموا: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال لعلي (عليه‌السلام )، حين طلب منه أن يجمع لهم الحجابة إلى السقاية: أكرهت وآذيت، وأمره أن يرد المفتاح إلى عثمان بن طلحة.

ونقول:

أولاً: تقدم: أن عثمان بن طلحة هو الذي قال لعلي (عليه‌السلام ) أكرهت وآذيت، فإنه لما تمنع عثمان من دفع المفتاح إليه لحقه إلى سطح الكعبة ولوى يده، وأخذ المفتاح منه..

ثانياً: حتى لو كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هو الذي قال ذلك لعلي (عليه‌السلام )، فإنه لا غضاضة فيه عليه، لأنه إكراه وأذى يحبه الله ورسوله، لأنه جاء في سياق تنفيذ أمر الرسول الذي كان عثمان بن طلحة بصدد التمرد عليه، وهو ذنب كبير يدعو علياً (عليه‌السلام ) إلى فرض الطاعة عليه..

ثالثاً: اعطاء المفتاح لبني شيعته يجعل لهم نوع ولاية نصرف فيه.. مع

٢٨٩

أنه تعالى قال:( وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلاَ المُتَّقُونَ ) (1) .

أعطيتكم ما ترزؤون:

وقد قرر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أنه أعطى بني هاشم، ما يوجب بذل أموالهم فيه، وهو السقاية.. أما الحجابة فأعطاها لبني شيبة، لأنها تجلب لهم المنافع، لأنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أراد بذل هذه المنافع لهم، لكي يتألفهم على الإسلام، ويسلّ سخيمتهم، ولو أنه أعطى الحجابة لبني هاشم، لوجد الحاسدون والطامعون، والمفسدون والمنافقون الفرصة لتعميق الشرخ بين هؤلاء وهؤلاء، وربما يتهمون النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بمحاباة أهل قرابته، وابتغاء المنافع لهم، وتخصيصهم بالمغانم، والمناصب.

والعباس، وإن كان يفكر بأن يستفيد من الحجابة، ويحصل على بعض المنافع، ولكن علياً لم يكن يفكر بهذه الطريقة حين طلب الحجابة، بل أراد أن يهيء الجو لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ليظهر هذه الحقيقة، حتى لا يشعر بنو شيبة، أو غيرهم بأن إعطاءه الحجابة لهم يدل على تميزهم في الدين، وعلى أن لهم موقعاً دينياً، استحقوه دون بني هاشم، أو لأجل خصوصيات وخصال خير، كامنة في حقيقة ذاتهم.. مثل الطهارة، أو الإخلاص، أو العلم، أو ما إلى ذلك..

____________

1- الآية 34 من سورة الأنفال.

٢٩٠

الأمر بأداء الأمانات:

وتقدم: أن قوله تعالى:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) (1) نزل في مناسبة إعطاء مفتاح الكعبة لبني شيبة.

غير أننا نقول:

1 ـ إن هذه الآية وردت في سورة النساء التي انتهى نزولها قبل فتح مكة بعدة سنوات..

ودعوى أن الآية ألحقت في موضعها من تلك السورة في فتح مكة.. لا شاهد لها، ولا دليل عليها سوى الإدعاء والتحكُّم.

2 ـ عن زيد بن أسلم، قال: أنزلت هذه الآية في ولاة الأمر، وفي من ولي من أمور الناس شيئاً(2) .

3 ـ عن شهر بن حوشب قال: (نزلت في الأمراء خاصة( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) )(3) .

____________

1- الآية 58 من سورة النساء.

2- الدر المنثور ج2 ص175 عن ابن المنذر وآخرين، والمصنف لابن أبي شيبة ج7 ص571 وراجع: التبيان للطوسي ج3 ص233 وجامع البيان ج5 ص200 وتفسير ابن أبي حاتم ج3 ص986 وأحكام القرآن للجصاص ج2 ص259 وتفسير العز بن عبد السلام ج1 ص330.

3- الدر المنثور ج2 ص175 عن ابن جرير، وابن أبي حاتم، وراجع: عمدة القاري ج12 ص227 وتفسير ابن أبي حاتم ج3 ص986 وتفسير القرآن العظيم ج1 ص528.

٢٩١

4 ـ عن ابن عباس في قوله تعالى:( إِنَّ اللهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) ، قال: يعني السلطان، يعطون الناس.

تناقضات تحتاج إلى حل:

إن الروايات التي ذكرت أن علياً (عليه‌السلام ) طلب الحجابة لنفسه، أو لبني هاشم تحتاج إلى تمحيص، لأنها تعاني من إشكالات، تصعِّب على الباحث الإطمئنان إلى صحتها، فلاحظ ما يلي:

1 ـ ذكرت إحدى تلك الروايات: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أعطى المفتاح لعثمان بن طلحة، ثم طلبه علي (عليه‌السلام ) من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وكان المفتاح في يده فأعطاه إلى عثمان في هذه اللحظة.

وروايات أخرى تقول: بل إن علياً (عليه‌السلام ) ذهب إليه، وأخذ المفتاح منه بالقوة.

فهل أخذ عثمان المفتاح قبل طلب علي (عليه‌السلام ) أم بعده؟!

ويمكن الجواب بأنه بعد أن أخذ علي (عليه‌السلام ) المفتاح من عثمان، حضر إلى مجلس رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وجرى ما جرى.

2 ـ هل قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أدعو لي عثمان، فدعوه، فأعطاه المفتاح، حين طلب علي الحجابة، أم أعطاه إياه حين كلمه العباس؟!

وقد يجاب: بأن علياً (عليه‌السلام ) والعباس قد كلم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بهذا الأمر، على التوالي، فأرسل إلى عثمان، فأعطاه المفتاح.

٢٩٢

3 ـ هل نزلت آية الأمر بأداء الأمانات لحظة استلام النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) المفتاح قبل دخول الكعبة؟! أم نزلت حين كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) داخل الكعبة؟!

4 ـ هل طلب العباس من النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يجعل الحجابة له، قبل دخوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى الكعبة؟! أم كان ذلك بعد خروجه منها؟!

5 ـ ومما يؤكد الشبهة في صحة ما نسب لعلي (عليه‌السلام ): أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بعد أن طمس الصور في داخل الكعبة أخذ بعضادتي بابها وخطب، وقال في خطبته: (إلا سدانة البيت، وسقاية الحاج فإنهما مردودتان إلى أهليهما).

فكيف يصح من العباس أن يطلب السدانة والسقاية بعد ذلك؟! أي بعد أن وضع مفتاح الكعبة في كمه، وتنحى ناحية المسجد، ورد الحجابة والسقاية إلى أهليهما.

6 ـ ينسب إلى علي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أنه قال: أعطينا النبوة، والسقاية والحجابة.. ما قوم بأعظم نصيب منا.. مع أن الروايات المتقدمة تقول: إن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يعطه الحجابة..

7 ـ على أنه لو كانت الحجابة حقاً لبني شيبة، فلماذا يرسل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً (عليه‌السلام ) ليأخذ المفتاح منه رغماً عنه؟!.. ألا يدل ذلك على أنه كان غاصباً لما لا حق له به؟!، وقد استرجعه منه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بواسطة علي (عليه‌السلام ).

٢٩٣

8 ـ وفي جميع الأحوال نقول:

إن كانت الحجابة حقاً لبني شيبة، فإن حشر اسم علي (عليه‌السلام ) في هذه القضية، يكون في غير محله، ولا بد من البحث عن مبررات ذلك، فلعله يراد إظهاره (عليه‌السلام ) طامعاً بأمر دنيوي، ليتساوى مع غيره في هذه الجهة.. ولعله.. ولعله..

وإن كانت الحجابة لبني هاشم، فلا بد أن يكونوا قد تنازلوا عنها تكرماً وتفضلاً لمصلحة حاضرة، مثل التأليف بطلب من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). ويكون أخذ المفتاح من عثمان بن أبي شيبة في بداية الأمر في محله..

وبذلك لا يبقى مجال للقول: بإن الروايات قد دلت على أن الحجابة لم تعط لبني هاشم. ولعله استعادها من بني شيبة، وردها لبني هاشم أصحابها الحقيقين.

بل قد يقال: إن المقصود بكلام علي (عليه‌السلام ) هو أن أمر الحجابة والسقاية أصبح لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ولبني هاشم، ولهم هم أن يعطوه لهذا ثم ينتزعونه منه ليعطوه لغيره..

فإعطاء الحجابة لبني شيبة ليس معناه سقوط حق بني هاشم فيها..

أو يقال: المقصود هو: أن أمر الحجابة يعود البت فيه لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فيصح لبني هاشم أن يقولوا: أعطينا الحجابة، كما صح لهم أن يقولوا: أعطينا النبوة، مع أن النبوة خاصة برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) دون كل أحد..

٢٩٤

مفاخرة شيبة والعباس وعلي (عليه‌السلام ):

عن ابن عباس، وعن الحارث الأعور قالا: افتخر شيبة بن عبد الدار والعباس بن عبد المطلب، فقال شيبة: في أيدينا مفاتيح الكعبة، نفتحها إذا شئنا، ونغلقها إذا شئنا، فنحن خير الناس بعد رسول الله.

وقال العباس: في أيدينا سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، فنحن خير الناس بعد رسول الله، (فقال: ظ) إذ مر عليهم أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) فأراد أن يفتخر، فقالا له: يا أبا الحسن! أنخبرك بخير الناس بعد رسول الله؟! ها أنا ذا.

فقال شيبة: في أيدينا مفاتيح الكعبة، نفتحها إذا شئنا ونغلقها إذا شئنا، فنحن خير الناس بعد النبي.

وقال العباس: في أيدينا سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام، فنحن خير الناس بعد رسول الله.

فقال لهما أمير المؤمنين (عليه‌السلام ): ألا أدلكما على من هو خير منكما؟!

قالا له: ومن هو؟!

قال: الذي ضرب رقبتكما حتى أدخلكما في الإسلام قهراً.

قالا: ومن هو؟!

قال: أنا.

فقام العباس مغضباً حتى أتى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وأخبره

٢٩٥

بمقالة علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، فلم يرد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) شيئاً.

فهبط جبرئيل (عليه‌السلام )، فقال: يا محمد! إن الله يقرؤك السلام، ويقول لك:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ.. ) (1) .

فدعا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) العباس، فقرأ عليه الآية، وقال: يا عم قم فاخرج، هذا الرحمان، يخاصمك في علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )(2) .

ولكن نصاً آخر عن السدي يقول:

(قال عباس بن عبد المطلب: أنا عم محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وأنا صاحب سقاية الحاج، فأنا أفضل من علي [بن أبي طالب. أ].

[و] قال عثمان بن طلحة وبنو شيبة: نحن أفضل من علي [بن أبي طالب. أ، ر] فنزلت هذه الآية:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ

____________

1- الآية 19 من سورة التوبة.

2- تفسير فرات ص165 و 166 وراجع ص167 و 168 وبحار الأنوار ج36 ص36 عنه، والفصول المهمة لابن الصباغ ص124 والبرهان (تفسير) ج3 ص384 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص69 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص343 وتفسير العياشي ج2 ص89 وشجرة طوبى ج1 ص153 وراجع: تفسير نور الثقلين ج2 ص194 وشواهد التنزيل ج1 ص329 وتأويل الآيات ج1 ص200 وغاية المرام ج4 ص76 ومجمع البيان ج5 ص27 و 28 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج14 ص609 وسفينة النجاة للتنكابني ص360.

٢٩٦

الحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ ) علي بن أبي طالب [(عليه‌السلام ). ب]( لَا يَسْتَوُونَ.. ) ،( الَّذِينَ آَمَنُوا ) علي( الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ ) (1)(2) .

عن جعفر عن أبيه [(عليهما‌السلام ). ر] قال: لما فتح النبي [ر: رسول الله] (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مكة أعطى العباس السقاية، وأعطى عثمان بن طلحة الحجابة، ولم يعط علياً شيئاً.

فقيل لعلي بن أبي طالب (عليه‌السلام ): إن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أعطى العباس السقاية، وأعطى عثمان بن طلحة الحجابة، ولم يعطك شيئاً.

قال: [فقال. ر، ب]: ما أرضاني بما فعل الله ورسوله.

[قال: أ، ب] فأنزل الله [تعالى هذه الآية:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَوُونَ.. ) إلى( أَجْرٌ عَظِيمٌ ) (3) ، نزلت في علي بن أبي طالب

____________

1- الآيات 19 ـ 21 من سورة التوبة.

2- تفسير فرات ص167 وبحار الأنوار ج36 ص37 عنه، وراجع ج41 ص63 وشواهد التنزيل للحسكاني ج1 ص325 و 327 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج14 ص608 وجامع البيان ج10 ص124.

3- الآيات 19 ـ 22 من سورة التوبة.

٢٩٧

(عليه‌السلام )(1) .

ونقول:

إن ملاحظة الروايات المختلفة يعطي:

اختلاف الروايات:

إن ثمة اختلافاً في بعض نصوص الرواية مثل: أن علياً (عليه‌السلام ) مر على المتفاخرين، فأرادا أن يفتخرا عليه، فقال لهما: إنه خير منهما، لأنه ضرب رؤوسهما حتى أدخلهما في الإسلام قهراً. كما في رواية الحارث الأعور وابن عباس.

____________

1- تفسير فرات ص168 و 169 وبحار الأنوار ج36 ص37 عنه. وقصة الإفتخار هذه مروية عن الإمامين الباقر والصادق (عليهما‌السلام ، وعبيد الله بن عبدة، وعروة وجابر، وعن الكلبي والحارث الأعور، والسدي. ورواها السيوطي في الدر المنثور ج3 ص218 عن ابن مردويه، وعبد الرزاق، وابن عساكر، وأبي نعيم، وابن أبي حاتم، وابن المنذر، وأبي الشيخ، وابن جرير، وابن أبي شيبة عن ابن عباس، وأنس، والشعبي، والحسن القرظي، وأسباب نزول الآيات ص182 عن بعض هؤلاء، ونقله في ينابيع المودة عن النسائي وجماعة آخرين. وراجع: الجامع لأحكام القرآن ج8 ص91 والتفسير الكبير للرازي ج4 ص422 وتفسير الخازن ج2 ص221 وتفسير النسفي ج2 ص22 والفصول المهمة لابن الصباغ ص123 وتفسير القرآن العظيم، ونظم درر السمطين، وغير ذلك.

٢٩٨

وفي رواية ثانية: أنا أشرف منكما، أنا أول من آمن بالوعيد من ذكور هذه الأمة، وهاجر، وجاهد(1) .

وفي رواية أخرى: أنه قال لهما: إنه آمن بالله قبلهما بسنوات، وإنه صاحب الجهاد(2) .

كما أن الروايات الكثيرة تذكر حصول المفاخرة بينهم على النحو الذي

____________

1- فرائد السمطين ج1 ص203 ونظم درر السمطين ص89 والدر المنثور ج3 ص219 وبحار الأنوار ج36 ص39 و 38 والغدير ج2 ص54 وشواهد التنزيل ج1 ص328 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص358 وغاية المرام ج4 ص72 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج14 ص197 و 198 و 609 وج20 ص30 وج30 ص33 وعن جامع البيان.

2- الطرائف لابن طاووس ص50 والعمدة لابن البطريق ص193 و 194 وبحار الأنوار ج22 ص37 وج36 ص38 ومناقب أهل البيت للشيرواني ص71 والغدير ج2 ص54 ومجمع البيان ج5 ص27 وجامع البيان ج10 ص124 وتفسير الثعلبي ج5 ص20 وأسباب نزول الآيات ص164 وتفسير البغوي ج2 ص275 وزاد المسير ج3 ص279 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص355 والدر المنثور ج3 ص219 ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص116 و(ط دار الكتب العلمية) ص103 وتنبيه الغافلين لابن كرامة ص80 ومطالب السؤول ص198 وكشف الغمة ج1 ص179 والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص581 وينابيع المودة ج1 ص277.

٢٩٩

تقدم، لكن رواية لفرات عن الإمام الصادق (عليه‌السلام ) تقول: لما فتح النبي مكة أعطى العباس السقاية، وأعطى عثمان بن طلحة الحجابة، ولم يعط علياً شيئاً.

فقيل لعلي: لم يعطك النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) شيئاً.

قال: ما أرضاني بما فعل الله ورسوله..

فأنزل الله تعالى: الخ..

وقد يقال: إن هذه الروايات غير متناقضة، فلعل كل ذلك قد حصل..

لكن التدقيق يعطي: أن الاختلاف موجود، فإن إحدى الروايات تقول: إن المفاخرة كانت مع شيبة بن عبد الدار، أو طلحة بن شيبة، أو شيبة بن طلحة، أو شيبة بن أبي طلحة، حسب اختلاف الروايات الناشئ من اشتباه الرواة بالاسم، أو من النسبة إلى الجد تارة، وإلى الأب أخرى، أو الإستفادة من الاسم في مورد، ومن الكنية في مورد آخر، وما إلى غير ذلك..

نعود فنقول:

إن المفاخرة هل كانت بين شيبة المذكور آنفاً والعباس مع علي (عليه‌السلام )، أو أن المفاخرة كانت بين العباس وعلي فقط(1) .

____________

1- الدر المنثور ج3 ص218 والعمدة لابن البطريق ص193 و 194 والطرائف ص50 وراجع: ينابيع المودة ص93 والمناقب لابن المغازلي ص321 و 322 ومجمع البيان ج5 ص15 ونور الثقلين ج2 ص194 والبرهان (تفسير) ج3 ص384 وتفسير المنار ج10 ص215.

٣٠٠