الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٥
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
وبعض الروايات زادت: حمزة وجعفراً(1) .
وحديث المناشدة يوم الشورى وبعده، وشهادتهم لعلي بذلك(2) . لا يدل على عدم صحة إضافة الحمزة وجعفر، لأن المطلوب هو بيان أنه لم يكن في الشورى غير علي (عليهالسلام )، وليس المطلوب حصر نزول الآية به نفي نزولها في حمزة وجعفر.
وثمة مفارقة أخرى بين الروايات، وهي: أن بعضها ذكر أن المفاخرة كانت بين بني شيبة، وبين بني العباس(3) .
الآية.. والإمامة:
وفيما يرتبط بالإمامة نلاحظ:
أولاً: أن علياً (عليهالسلام ) قد فضل نفسه على العباس (رحمهالله )، وطلحة بن شيبة (أو على شيبة) بما يقتضي أفضليته (عليهالسلام ) على الأمة بأسرها، حيث قال لهما: أنا أول الناس إيماناً، وأكثرهم جهاداً.
____________
1- الكافي ج8 ص204 وبحار الأنوار ج36 ص35 ونور الثقلين ج2 ص193 وغاية المرام ج4 ص74.
2- الإحتجاج للطبرسي ج1 ص202 وبحار الأنوار ج31 ص336 وتفسير البرهان ج3 ص383 ونور الثقلين ج2 ص194 ومصباح البلاغة للميرجهاني ج3 ص221 والمسترشد للطبري ص352 وغاية المرام ج2 ص132.
3- تفسير فرات ص168 والدر المنثور ج3 ص218.
ثم جاءت الآية لتؤكد صحة هذا التفضيل، وتلوم وتقرع من ينكره، فإذا كان (عليهالسلام ) هو أفضل الأمة، فيكون هو الأحق بالإمامة.
ثانياً: إن الآية التي بعدها، والتي جاءت للتأكيد على مضمونها تضمنت البشارة الإلهية لهذا المؤمن المجاهد برحمة من الله، وبرضوان، وبجنات لهم فيها نعيم مقيم..
ولا يكون هذا إلا لأعظم الناس عناء وفضلاً، والتزاماً بالطاعات، وعصمة لنفسه من المعاصي والمحرمات، إذ لا يمكن أن يعطى ذلك لمن لا يؤمَنُ أن يعصي الله، لأن إعطاءه الأمان يتضمن تشجيعاً له على الحرام، ولا يبقى شيئاً يحجزه عن المعصية.
فالبشارة بالجنة لا تعطى إلا لمن يعلم أن لديه ملكة تحجزه عن المعاصي حتى الصغائر، فكيف إذا كانت المعاصي من الكبائر، وقد تصل إلى حد غصب الخلافة، وشن الحروب على الإمام الحق كما جرى في حربي الجمل وصفين؟!
وهذا يدل على عدم صحة بشارة طلحة والزبير بالجنة، وكذلك الحال بالنسبة لمن قعد عن دفع البغاة على إمام زمانهم.
بين السقاية والعمارة، وبين الإيمان:
إن الآية قابلت بين السقاية والعمارة، وبين الشخص الذي آمن.. ولكن البعض حاول تفسير الآية، فقال: لا معنى لهذه المقابلة إذا أُبقي المعنى على ظاهره، لأن الإنسان لا يقابل بعمل من الأعمال كالسقاية، بل يقابل العمل بالعمل، أو الإنسان ذي العمل بإنسان آخر ذي عمل.
وذلك يدل: على أنه لا بد من تقدير الكلام بحيث يكون على هذا النحو: أجعلتم أهل سقاية الحاج، وأهل عمارة المسجد، كمن آمن؟! فصارت المقابلة بين إنسانين، فاستقام بذلك السياق.
ونقول:
أولاً: لا حاجة إلى هذا التقدير، فإن التعبير القرآني لم يجعل العمارة والسقاية مقابل المؤمن بالله، ليرد ما أوردوه، بل جعل هذين الفعلين الإختياريين مقابل شخص صدر منه هذا الفعل الإختياري أيضاً..
وإذا كان الفعلان الإختياريان، وهما: السقايةن والعمارة، يراد توصيف الشخص بهما، لإثبات فضيلة وشرف له. فتكون المقابلة الحقيقية بين شخص له عمل السقاية أو العمارة الإختياريين، وبين شحص آخر له عمل إختياري آخر، هو الإيمان والجهاد..
أو يقابل بين عملين: أحدهما: السقاية والعمارة. والآخر: الإيمان والجهاد..
ولعل هذا هو الأولى والأقرب، إن لم نقل: إنه هو الأصوب.
ثانياً: يلاحظ: أنه تعالى قد قابل بين أمرين حازهما علي (عليهالسلام )، وهما: الإيمان والجهاد، وأمرين آخرين لم يجمعهما شخص واحد، وهما: السقاية للعباس، والعمارة لشيبة.. وبذلك يكون (عليهالسلام ) قد امتاز على كل واحد منهما: من حيث الشكل، فجمع خصوصيتين مقابل خصوصية واحدة لهذا، وأخرى لذاك.
ومن حيث المضمون، لدلالة الآية على أن عملهما لم يكن فيه شيء لله،
بل هو عمل دنيوي جاهلي محض، خال من أية نفحة إلهية، أو أي نظرة إلى اليوم الآخر..
ثالثاً: يلاحظ أيضاً: أن مستوى التضحية في السقاية والعمارة لا يصل إلى مستوى البذل في الجهاد، الذي تبذل فيه الأرواح، ويقصد به الله واليوم الآخر، ويكون منطلقاً من هذا الإيمان، ولا يراد به الدنيا.
رابعاً: يلاحظ: أن الآية ذكرت السقاية والعمارة من دون إشارة للساقي والعامر، لأن المطلوب بيان: أن هذه السقاية خاوية من المعنى الروحي، فهي على حد أفعال أهل الجاهلية.. فلا داعي لفضح الناس بأن ينسبب لهم هذا الأمر الذي يعد منقصة، لأنهم صاروا في جملة المسلمين، الذين يريد تعالى حفظ ماء وجههم، وتهيئة الأجواء لهم، لتصفية نفوسهم، وتزكيتها وإصلاحها..
ولكنه تعالى حين ذكر الطرف الآخر، وهو المجاهد الباذل لنفسه في الله، أشار إلى شخصه، وجعله هو طرف الموازنة، والمقارنة، ليدل على مزيته وفضله، وعظيم منزلته، وسامق مقامه.
حديث النعمان بن بشير:
عن النعمان بن بشير الأنصاري، قال: كنت عند منبر رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في نفر من أصحابه، فقال رجل منهم: ما أبالي ألَّا أعمل عملاً بعد الإسلام، إلا أن أسقي الحاج.
وقال آخر: بل عمارة المسجد الحرام.
وقال آخر: بل الجهاد في سبيل الله خير مما قلتم.
فزجرهم عمر بن الخطاب، وقال: لا ترفعوا أصواتكم عند منبر رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) ـ وذلك يوم الجمعة ـ ولكن إذا صليت الجمعة دخلت على رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فاستفتيته فيما اختلفتم فيه.
قال: (فدخل بعد الصلاة، فاستفتاه)، فأنزل الله تبارك وتعالى:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ.. ) إلى قوله:( وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) (1)(2) .
قال السيد رشيد رضا بعد ذكره للروايات المختلفة: (والمعتمد من هذه الروايات حديث النعمان لصحة سنده، وموافقة متنه لما دلت عليه الآيات، من كون موضوعها في المفاضلة أو المساواة بين خدمة البيت وحجاجه من
____________
1- الآية 19 من سورة التوبة.
2- الفصول المئة ج2 ص189 و 190 وصحيح مسلم (ط دار الفكر) ج6 ص36 والمعجم الأوسط ج1 ص134 ومسند الشاميين ج4 ص108 وتفسير القرآن للصنعاني ج2 ص268 وجامع البيان ج10 ص122 وتفسير ابن أبي حاتم ج6 ص1767 والجامع لأحكام القرآن ج8 ص92 ومسند أحمد ج4 ص269 والسنن الكبرى للبيهقي ج9 ص158 وراجع: تفسير المنار ج10 ص215 وجامع البيان ج10 ص122 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص355 والدر المنثور ج3 ص218 ولباب النقول (ط دار إحياء العلوم) ص115 و (ط دار الكتب العلمية) ص102 وفتح القدير ج2 ص345 وتفسير الآلوسي ج10 ص67.
أعمال البر البدنية الهينة المستَلَذَّة، وبين الإيمان، والجهاد بالمال، والنفس والهجرة. وهي أشق العبادات النفسية، البدنية، المالية. والآيات تتضمن الرد عليها كلها الخ.. ((1) .
ونقول:
ذكر بعض العلماء الأمور التالية:
أولاً: إن الآيات لم تقارن بين ثلاثة أطراف هي: الجهاد، وسقاية الحاج، وعمارة المسجد الحرام، وإنما فاضلت بين طرفين هما: سقاية الحاج، وعمارة المسجد من جهة.. وبين الإيمان بالله، واليوم الآخر والجهاد من جهة أخرى.. أي أن القرآن يريد أن يبطل المقارنة بين هذين الأمرين.
فرواية النعمان بن بشير لا تنسجم مع مضمون الآية.
ثانياً: إن الآية تعتبر أن من يقوم بهذه المفاضلة ظالم معتدٍ، محروم من هداية الله سبحانه.. الأمر الذي يشير إلى أن الإفتخار إنما هو بما كان يحصل في الجاهلية، وهو السقاية والعمارة التي لا يقصد بها الله تعالى..
ورواية النعمان تتحدث عن المفاضلة بين السقاية، التي يقصد بها لله تعالى، والحجابة التي يقصد بها الله تعالى أيضاً، وكذلك الحال بالنسبة للجهاد في سبيل الله تعالى..
فلا يوجد ظلم في سقاية وحجابة كهذه، لكي يصح قوله تعالى:( وَاللهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ ) .
____________
1- تفسير المنار ج10 ص216.
وهذا دليل قاطع على أن حديث النعمان ـ إن صح ـ فلا ربط له بالآية.
ثالثاً: إن النعمان بن بشير لا يؤتمن على كل ما له مساس بعلي (عليهالسلام )، فهو حامل قميص عثمان إلى معاوية(1) . وهو عامل يزيد بن معاوية على الكوفة(2) . وقد سماه النبي (صلىاللهعليهوآله ) غدر، لأنه أعطاه عنقوداً ليوصله إلى أمه، فأكله، ولم يوصله إليها(3) .
ولعلك تقول: إن قوله تعالى بعد هذه الآية يدل على أن الكلام عن
____________
1- مروج الذهب، والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج7 ص255 والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص353 والكامل في التاريخ ج3 ص192.
2- راجع: أنساب الأشراف ص77 والإرشاد للمفيد ج2 ص41 وبحار الأنوار ج44 ص336 وروضة الواعظين ص173 والعوالم، الإمام الحسين (عليهالسلام ) ص185 وعمدة القاري ج6 ص199 وتاريخ مدينة دمشق ج62 ص122 وراجع: ينابيع المودة ج3 ص56 والإمامة والسياسة (تحقيق الزيني) ج2 ص4 والامامة والسياسة (تحقيق الشيري) ج2 ص8 وإعلام الورى ج1 ص437 ومطالب السؤول ص395 وكشف الغمة ج2 ص253 والفصول المهمة لابن الصباغ ج2 ص789.
3- سنن ابن ماجة ج2 ص1117 والمعجم الأوسط ج2 ص253 وتهذيب الكمال ج17 ص281 والوافي بالوفيات ج27 ص86 وسبل الهدى والرشاد ج7 ص205 والإستيعاب (ط دار الجيل) ج4 ص1497 وقاموس الرجال للتستري ج10 ص375.
السقاية والحجابة عمل جيد وحسن أيضاً، لكن الجهاد أفضل وأحسن، فلاحظ عبارة: (أعظم درجة) في قوله تعالى:( الَّذِينَ آَمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ ) (1) .
ونجيب:
إن هذا التعبير بكلمة (أعظم) لا يدل على وجود حسن في المفضل عليه أصلاً، فإن المقارنة والمفاضلة تصح بين عملين أحدهما في غاية الحسن، والآخر خال من ذلك بصورة نهائية، وشاهدنا على ذلك قوله تعالى:( وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ ) (2) ، وقوله تعالى:( لَمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَنْ تَقُومَ فِيهِ ) (3) مع أن مسجد الضرار لا يصح القيام فيه، وقال:( وَاللهُ خَيْرٌ وَأَبْقَى ) (4) ..
والآيات التي تعتبر بعض الأعمال خيراً من بعضها الآخر كثيرة جداً، فراجع المعجم المفهرس كلمة (خير)، لتجد أنها تستعمل في الآيات الشريفة للتفضيل حتى في مقابل خير موهوم في الطرف الآخر، أو في مقابل نفع دنيوي زائل.
____________
1- الآية 20 من سورة التوبة.
2- الآية 221 من سورة البقرة.
3- الآية 108 من سورة التوبة.
4- الآية 73 من سورة طه.
متى نزلت الآية؟!:
وقد أظهرت الروايات: أن حديث المفاخرة هذا قد كان بعد فتح مكة، وبعد أن جعل النبي (صلىاللهعليهوآله ) السقاية للعباس (رحمهالله )، والحجابة لبني شيبة..
وإنما أسلم شيبة الذي كان يتولى عمارة المسجد بعد الفتح. فكيف تكون طرفاً في المفاخرة المذكورة. فراجع.
حمزة وعمارة المسجد:
1 ـ ذكرت رواية صحيحة السند، رواها علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن صفوان، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي جعفر (عليهالسلام ) قال: (نزلت في علي والعباس وشيبة، قال العباس: أنا أفضل لأن سقاية الحاج بيدي.
وقال شيبة: أنا أفضل، لأن حجابة البيت بيدي.
وقال حمزة: أنا أفضل، لأن عمارة البيت بيدي.
وقال علي: أنا أفضل؛ فإني آمنت قبلكما، ثم هاجرت وجاهدت، فرضوا برسول الله (صلىاللهعليهوآله ).
فأنزل الله:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللهِ.. ) إلى قوله:( إِنَّ اللهَ
عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ ) (1)(2) .
2 ـ رواية أخرى صحيحة السند رواها الكليني، عن أبي علي الأشعري، عن صفوان بن يحيى، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أحدهما (عليهماالسلام ) في قول الله عز وجل:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ) (3) نزلت في حمزة وعلي وجعفر والعباس وشيبة، إنهم فخروا بالسقاية والحجابة، فأنزل الله عز وجل:( أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الحَاجِّ وَعِمَارَةَ المَسْجِدِ الحَرَامِ كَمَنْ آَمَنَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ ) .
وكان علي وحمزة وجعفر (صلوات الله عليهم) الذين آمنوا بالله واليوم الآخر وجاهدوا في سبيل الله لا يستوون عند الله(4) .
____________
1- الآيات 19 ـ 22 من سورة التوبة.
2- تفسير القمي ج1 ص283 والبرهان (تفسير) ج3 ص382 وتفسير نور الثقلين ج2 ص193 وبحار الأنوار ج22 ص289 وج36 ص34 والتفسير الأصفى ج1 ص457 والتفسير الصافي ج2 ص328 وتأويل الآيات ج1 ص201 ومجمع البحرين ج2 ص388 وغاية المرام ج4 ص74.
3- الآية 19 من سورة التوبة.
4- الكافي ج8 ص204 وبحار الأنوار ج36 ص36 وتفسير نور الثقلين ج2 ص193 وتفسير الميزان ج9 ص215 وغاية المرام ج4 ص74 والبرهان (تفسير) ج3 ص382 وقريب منه في تفسير العياشي ج2 ص89.
ونقول:
لا يمكن قبول هذه الرواية بالرغم من صحة سندها.
أولاً: لأن الآية تتحدث عن المؤمن المهاجر المجاهد في سبيل الله تعالى. كما أن الرواية ذكرت: أن علياً (عليهالسلام ) آمن قبلهم، ثم هاجر وجاهد.. فتكون الآية ـ بناء على هذا ـ قد نزلت بعد الهجرة.
فإذا كان شيبة قد أسلم قبل الفتح، أي في السنة الثامنة للهجرة(1) ، بل هو قد أراد أن يغتال النبي (صلىاللهعليهوآله ) يوم حنين، فقذف الله الرعب في قلبه(2) ، فإن الإشكال في الرواية يصبح واضحاً، لأن حمزة قد استشهد في واقعة أحد في سنة ثلاث بعد الهجرة.. ولم يجتمع هؤلاء الأربعة
____________
1- الإصابة ج2 ص161 و (ط دار الكتب العلمية) ج3 ص298 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص551 وراجع: المعجم الكبير ج 7 ص 297 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص168 والأعلام للزركلي ج3 ص181 والأنساب للسمعاني ج3 ص487
2- الإصابة ج2 ص161 و (ط دار الكتب العلمية) ج3 ص299 عن ابن أبي خيثمة، عن مصعب النميري، وذكره ابن إسحاق في المغازي، وأخرجه ابن سعد عن الواقدي، وذكره البغوي. وراجع: بحار الأنوار ج21 ص166 وتفسير القرآن العظيم ج2 ص359 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص583 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص381 وإمتاع الأسماع ج14 ص16 وإعلام الورى ج1 ص231 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص632.
علي (عليهالسلام ) وحمزة، والعباس، وشيبة.
ولو كان شيبة مشركاً آنئذٍ، فلا معنى لأن يرضى بتحكيم رسول الله في هذه القضية.
ثانياً: لو كان الأمر كذلك، لكان حمزة (رضوان الله تعالى عليه) في جملة الظالمين، الذين يهديهم الله تعالى حسب نص الآية.. مع أن سيد الشهداء في عهد رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وفضائله، وكلمات الرسول في حقه لا يجهلها أهل المعرفة والتتبع.
ثالثاً: إن رواية القمي جعلت حمزة في الفريق المناوئ لعلي (عليهالسلام )!! وراواية الكليني جعلته مع علي (عليهالسلام )!!
رابعاً: إن جعفراً لم يجتمع بحمزة بعد الهجرة، بل استشهد حمزة في واقعة أحد، وإنما قدم جعفر إلى المدينة من الحبشة في عام خيبر سنة ست..
خامساً: صرحت بعض الروايات: أن المفاخرة بين عباس وشيبة وعلي (عليهالسلام ) قد حصلت في مكة في المسجد الحرام، بعد أن أعطى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) مفاتيح الكعبة لشيبة، والسقاية لعباس (رحمهالله ).
تنفيذ أحكام وتولية حكام..
علي (عليهالسلام ) يلاحق الحويرث:
قالوا: كان الحويرث بن نقيدر يؤذي رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وقد نخس بزينب بنت رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) لما هاجرت إلى المدينة، فأهدر النبي (صلىاللهعليهوآله ) دمه.
فبينما هو في منزله قد أغلق عليه بابه، سأل عنه علي بن أبي طالب (عليهالسلام ).
فقيل: هو بالبادية.
فأخبر الحويرث أنه يُطْلَبُ، فتنحى علي (عليهالسلام ) عن بابه، فخرج الحويرث يريد أن يهرب من بيت إلى آخر، فتلقاه علي (عليهالسلام )، فضرب عنقه(1) .
____________
1- سبل الهدى والرشاد ج5 ص224 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص81 و 91 و (ط دار المعرفة) ص38 وبحار الأنوار ج21 ص131 والمغازي للواقدي ج2 ص857 وتاريخ الخميس ج2 ص92 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج18 ص13 وإمتاع الأسماع ج1 ص399 والإرشاد ج1 ص136 والمستجاد من كتاب الإرشاد ص78 وفتوح البلدان ج1 ص46 وسنن الدارقطني ج2 ص263 وتاريخ مدينـة دمشق = = ج2 ص32 وتهذيب الكمال ج11 ص114 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص336 والكامل في التاريخ ج2 ص250 وعيون الأثر ج2 ص195 والبداية والنهاية ج4 ص341 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص564 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص44 وكشف الغمة ج1 ص218 ونهج الحق وكشف الصدق ص250.
وقالوا أيضاً: كان العباس بن عبد المطلب حمل فاطمة، وأم كلثوم بنتي رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) من مكة يريد بهما المدينة، فنخس بهما الحويرث، فرمى بهما الأرض(1) .
وكان (يؤذي) يعظم القول في رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وينشد الهجاء فيه، ويكثر أذاه وهو بمكة(2) .
____________
1- سبل الهدى والرشاد ج5 ص225 عن ابن هشام، وراجع: السير ة الحلبية ج3 ص91 و (ط دار المعرفة) ص38 وتاريخ الخميس ج2 ص92 عن الإكتفاء، والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص868 والبداية والنهاية ج4 ص341 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص564 وتخريج الأحاديث والآثار ج3 ص451.
2- سبل الهدى والرشاد ج5 ص225 عن البلاذري، والسيرة الحلبية ج3 ص91 والكامل في التاريخ ج2 ص250 وتاريخ الإسلام ج4 ص184 والإرشاد ج1 ص136 وعيون الأثر ج2 ص195 وإحقاق الحق (الأصل) ص206 وشرح إحقاق الحق ج32 ص306 وتخريج الأحاديث والآثار ج3 ص452 والدرر لابن عبد البر ص220 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج18 ص13 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص44 وأعيان الشيعة ج1 ص409 وكشـف = = الغمة ج1 ص218 ونهج الحق وكشف الصدق ص250.
ونقول:
أخطاء تحتاج إلى تصحيح:
تضمنت النصوص المتقدمة أخطاءاً تحتاج إلى تصحيح، وهي التالية:
الأول: إن الذي حمل فاطمة بنت رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وسائر الفواطم، وبعض ضعفاء المؤمنين حين الهجرة من مكة إلى المدينة هو علي (عليهالسلام )، وليس العباس بن عبد المطلب.
الثاني: إن التي تعرضت للأذى، ونخس بها البعير، وروعت، وجرى عليها ما جرى هي زينب، وليست فاطمة الزهراء، ولا أم كلثوم..
فما معنى قولهم: إن العباس حمل فاطمة، وأم كلثوم من مكة يريد بهما المدينة، فنخس بهما الحويرث؟!
الثالث: إن أم كلثوم ورقية لم يحملهما العباس ولا علي (عليهالسلام ) إلى المدينة.
الرابع: إن هبار بن الأسود هو الذي نخس بزينب، وأضافت بعض الروايات إليه الحويرث بن نقيدر.. فلعل هذه الرواية هي الصحيحة.
الخامس: ذكرنا: أن الأدلة تسوقنا إلى التأكيد على أن البنت الوحيدة لرسول الله (صلىاللهعليهوآله ) هي فاطمة الزهراء (عليهاالسلام )، أما أم كلثوم، ورقية، وزينب فقد تربين في بيت النبي، فصح إطلاق عنوان (بنات
النبي) عليهن لأجل ذلك(1) ..
إستدراج الحويرث:
يلاحظ: أن أمير المؤمنين (عليهالسلام ) تحاشى مهاجمة الحويرث في بيته، واستدرجه ليخرج منه، والسبب في ذلك:
أولاً: قد يُخيَّل إلى بعض قاصري النظر أن قتل الحويرث في بيته نقض للأمان الذي أعطاه رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) للناس حيث تضمن: أن من أغلق بابه فهو آمن.. ويتحرك المغرضون للتشنيع على الإسلام وأهله، واتهام علي (عليهالسلام ) بنقض الأمان، واتهام النبي (صلىاللهعليهوآله ) بأنه تغاضى عن هذا النقض، ومالأ عليه، إن لم يتخذ إجراء ضده (عليهالسلام ).
مع أن حقيقة الأمر هي:
أن النداء بأن من أغلق بابه فهو آمن لا يشمل الذين أهدر النبي (صلىاللهعليهوآله ) دمهم. والحويرث هذا منهم.
____________
1- تاريخ الخميس ج2 ص92 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص224 والسيرة الحلبية ج3 ص81 و 91 والمغازي للواقدي ج2 ص857 وبحار الأنوار ج21 ص131 ونيل الأوطار ج8 ص75 وفتح الباري ج6 ص104 ونصب الراية ج4 ص263 والدراية في تخريج أحاديث الهداية ج2 ص120 وسير أعلام النبلاء ج2 ص247 ومقدمة فتح الباري ص288 وتاريخ مدينة دمشق ج40 ص526 والإصابة ج5 ص51 والأنساب ج4 ص573 وإمتاع الأسماع ج5 ص347 و 348.
ثانياً: إنه (عليهالسلام ) أراد أن يتجنب لحوق أي أذى بغير المجرم، ممن قد يكون حاضراً في ذلك البيت، ولو بمقدار جو الرهبة والخوف الذي يفرض نفسه في مثل هذا الحال.
فعمل (عليهالسلام ) على استدراج المجرم إلى الخروج من البيت، وأجرى فيه حكم الله، وأمر رسوله (صلىاللهعليهوآله ).
والأسلوب الذي اتبعه (عليهالسلام ) لذلك هو أنه سأل عنه بنحو أوصل إليه الخبر بأن ثمة من يبحث عنه، ومن الطبيعي أن يكون بيت الرجل هو الهدف الأول للبحث عنه، فيفتش البيت أولاً، ثم يسأل عنه الجار القريب، والصديق، والقريب، ثم يتوسع في البحث، وفق ما يتوفر من معطيات.
فلما سأل (عليهالسلام ) عن الحويرث بادر الحويرث إلى الإبتعاد عن هذه النقطة الحساسة، والمقصودة والمرصودة، إلى مكان يكون أكثر أمناً ليتدبر أمره، وفق ما يستجد من معطيات.. فلما خرج من موقعه تلقاه علي (عليهالسلام )، فأنزل به العقوبة التي أمر النبي (صلىاللهعليهوآله ) بإنزالها به..
قتل علي (عليهالسلام ) ابن الطلاطل الخزاعي:
وكان الحويرث بن الطلاطل (الحرث بن طلاطل) الخزاعي يؤذي النبي (صلىاللهعليهوآله ) وقد أهدر النبي (صلىاللهعليهوآله ) دمه، فقتله علي (عليهالسلام ).. ذكره أبو معشر(1) .
____________
1- سبل الهدى والرشاد ج5 ص225 وتاريخ الخميس ج2 ص94 ونيل الأوطار ج8 ص172 وج12 ص70 وفتح الباري ج8 ص10 وشرح الأخبار ج1 ص307.
قريبة مولاة ابن خطل:
وهناك قينة لابن خطل كانت تغني بهجاء رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).. وقد قتلها علي (عليهالسلام ) أيضاً، لأن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أهدر دمها(1) .
علي (عليهالسلام ) في رسالة النبي (صلىاللهعليهوآله ) للمكيين:
قالوا: لما فتح الله مكة أمَّر عتاب بن أسيد عليها، وكتب له عهداً، وهو التالي:
(من محمد رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) إلى جيران بيت الله الحرام، وسكان حرم الله.
أما بعد.. فمن كان منكم بالله مؤمناً، وبمحمد رسوله في أقواله مصدقاً، وفي أفعاله مصوباً، ولعلي أخي محمد رسوله، ونبيه، وصفيه، ووصيه، وخير خلق الله بعده موالياً، فهو منا وإلينا. ومن كان لذلك أو لشيء منه مخالفاً، فسحقاً وبعداً لأصحاب السعير، لا يقبل الله شيئاً من أعماله، وإن عظم وكبر، يصليه نار جهنم خالداً مخلداً أبداً.
وقد قلد محمد رسول الله عتاب بن أسيد أحكامكم ومصالحكم، وقد
____________
1- بحار الأنوار ج21 ص131 والإرشاد ج1 ص136 والمستجاد من كتاب الإرشاد (المجموعة) ص77 وتاريخ مدينة دمشق ج29 ص32 وتاريخ الخميس ج2 ص94: أما قريبة فقتلت مصلوبة.