الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٥

مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
فوض إليه تنبيه غافلكم، وتعليم جاهلكم، وتقويم أَوَدَ مضطربكم، وتأديب من زال عن أدب الله منكم، لما علم من فضله عليكم، من موالاة محمد رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ومن رجحانه في التعصب لعلي ولي الله، فهو لنا خادم، وفي الله أخ، ولأوليائنا موال، ولأعدائنا معاد، وهو لكم سماء ظليلة، وأرض زكية، وشمس مضيئة، قد فضله الله على كافتكم، بفضل موالاته ومحبته لمحمد وعلي، والطيبين من آلهما، وحكَّمه عليكم، يعمل بما يريد الله، فلن يخليه من توفيقه.
كما أكمل من موالاة محمد وعلي (عليهالسلام ) شرفه وحظه، لا يؤامر رسول الله ولا يطالعه، بل هو السديد الأمين.
فليطمع المطيع منكم بحسن معاملته شريف الجزاء، وعظيم الحباء.
وليتوق المخالف له شديد العذاب، وغضب الملك العزيز الغلاب.
ولا يحتج محتج منكم في مخالفته بصغر سنه، فليس الأكبر هو الأفضل، بل الأفضل هو الأكبر. وهو الأكبر في موالاتنا، وموالاة أوليائنا، ومعاداة أعدائنا، فلذلك جعلناه الأمير عليكم، والرئيس عليكم، فمن أطاعه فمرحباً به. ومن خالفه فلا يبعد الله غيره).
قال: فلما وصل إليهم عتاب وقرأ عهده، ووقف فيهم موقفاً ظاهراً، ونادى في جماعتهم حتى حضروه، وقال لهم:
معاشر أهل مكة، إن رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) رماني بكم(١) شهاباً
____________
١- لعل الصحيح: رماكم بي.
محرقاً لمنافقكم، ورحمة وبركة على مؤمنكم، وإني أعلم الناس بكم وبمنافقكم، وسوف آمركم بالصلاة فيقام بها، ثم أتخلف أراعي الناس، فمن وجدته قد لزم الجماعة التزمت له حق المؤمن على المؤمن، ومن وجدته قد بعد عنها فتشته، فإن وجدت له عذراً عذرته، وإن لم أجد له عذراً ضربت عنقه، حكماً من الله مقضياً على كافتكم، لأطهر حرم الله من المنافقين.
أما بعد.. فإن الصدق أمانة، والفجور خيانة، ولن تشيع الفاحشة في قوم إلا ضربهم الله بالذل، قويكم عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه، وضعيفكم عندي قوي حتى آخذ الحق له.
اتقو الله، وشرفوا بطاعة الله أنفسكم، ولا تذلوها بمخالفة ربكم.
ففعل والله كما قال، وعدل، وأنصف، وأنفذ الأحكام، مهتدياً بهدى الله، غير محتاج إلى مؤامرة ولا مراجعة(١) .
ونقول:
إننا نشك في صحة هذا الكتاب لأسباب كثيرة، نذكر منها ما يلي:
آثار الكلفة والصنعة:
قال العلامة الأحمدي (رحمهالله ): (لا يخفى ما في هذا الكتاب من آثار الكلفة والصنعة، مع ضعف هذا التفسير في الإنتساب إليه (صلوات الله
____________
١- بحار الأنوار ج٢١ ص١٢٢ ـ ١٢٤ والتفسير المنسوب للإمام العسكري (عليهالسلام ) ص٥٥٥ و ٥٥٧ وراجع: الإقبال ص٣١٨ ومدينة البلاغة ج٢ ص٢٩٢.
عليه)، هذا مضافاً إلى أنه يخالف أسلوب كتبه (صلىاللهعليهوآله )(١) .
عتاب لم يكن أفضل المكيين:
لقد أسلم عتاب يوم الفتح.. وكان في المهاجرين المكيين من هو أفضل وأكثر تجربة من عتاب، بل كان في مكة عدد من المسلمين مضت لهم سنوات فيها، وهم على الإسلام، فهل أصبح هذا الشاب حديث الإسلام أفضل من هؤلاء أيضاً وهم قد مضى لهم سنوات طويلة وظهرت صحة إيمانهم وصبرهم على الأذى؟!
إن الحقيقة هي: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) كان يريد والياً من سكان مكة بالذات، ومن مسلمة الفتح أيضاً، ليتمكن من التعامل مع أهل مكة، ولا يكون متهماً عندهم.
ثم أراده بهذا السن أميراً على الكبير والصغير في مكة، وأراد أيضاً أن تستمر ولايته إلى حين وفاته (صلىاللهعليهوآله ).. لأن المكيين هم الذين سوف يطعنون في خلافة علي (عليهالسلام ) استناداً إلى مقدار عمره الشريف.. الذي كان يزيد على عمر عتاب أمير عاصمة الإسلام والإيمان وبلد قريش، ويزيد أيضاً على عمر أسامة بن زيد الأمير على كبار المهاجرين والأنصار ـ بعشر سنوات تقريباً.
____________
١- مكاتيب الرسول ج٢ ص٦٦٢.
ولاء عتاب لعلي (عليهالسلام ):
وإذا كان عتاب حديث الإسلام، أو فقل: قد أسلم للتوّ، فلم يتحقق بعد الإتجاه الذي سيتجه إليه ولاؤه، هل هو لعلي أو لغيره، فضلاً عن أن يكون قد أصبح متعصباً لعلي بصفتهِ وَلِيَّ الله، ولآل علي الطيبين الأطهار..
فقه عتاب وفضله:
وإذا كان عتاب قد أسلم للتو، فمتى تفقه في الدين، وعرف الأحكام، ليمكن تفويضه تعليمهم؟!
إنه ـ لا شك ـ يحتاج هو الآخر إلى من يفقهه في الدين، ويزيل جهله.. كما هم يحتاجون إلى ذلك.. فلا بد أن يجلس معهم بين يدي معاذ أو غيره، ليعلمه ويعلّمهم أبسط الأحكام، وأوليات القواعد..
كما أنه لم يمض وقت يمكن أن يظهر فيه فضل عتاب على غيره، ويتميز به على أهل مكة.
وكيف يمكن أن يتقبلوا هـذا الأمـر في شـاب أسلم للتو، فـلا مـبرر ـ بنظرهم ـ لإعطائه هذه الأوسمة، ولا يرون لها مبرراً على أرض الواقـع، بل هم لا ينظرون إلى النبي (صلىاللهعليهوآله ) نفسه بعين التقديس، ولا يتقبلون نبوته إلا رغماً عنهم فهل يتقبلون مثل هذا الامر في عتاب؟!
عتاب يتحدث عن المنافقين:
أما حديث عتاب عن معرفته بالمنافقين من أهل مكة.. فهو أيضاً من موجبات الريب، لأن أهل مكة كانوا في أول أيام قبولهم بهذا الدين، ولم
يتميز بعد المنافق عن صحيح الإيمان.. ولم يكن لأحد إلا الله تعالى أن يطلع على قلوبهم، ويعرف ويميز المؤمن من المنافق في هذا البلد الكبير..
وسيتلقون ذلك منه على أنه كلام طائش، وغير ذي قيمة من شاب في مقتل العمر مثله.
عتاب سماء ظليلة:
لا معنى لوصف عتاب الذي أسلم للتو بأنه سماء ظليلة، وأرض زكية، وشمس مضيئة، والحال أنه كان لا يزال معانداً إلى ما قبل يوم أو أيام، ولم يتفقه بعد في الدين، ولا أدب نفسه بآداب الإسلام، ولا تخلق بأخلاق أهل الإيمان..
إجراء مضحك:
ومن المضحك المبكي أن يكون أول إجراء يتخذه هذا الوالي الجديد، ـ الذي تدعي الرسالة المنسوبة للنبي (صلىاللهعليهوآله ) له الفضل والأمانة والسداد، وغير ذلك، ـ هو أنه سوف يأمرهم بالصلاة، ويقيم لهم إماماً، ثم يتخلف هو ليراقب من يحضر ومن لا يحضر، ثم يثيب ويعاقب.
فإن هذا لا يعدو كونه إجراءً صبيانياً مضحكاً.
أولاً: لأنه كان يمكنه أن يوظف من يراقبهم، ويخبره بما يرى، ليتخذ الإجراء المناسب..
ثانياً: إن عدم حضورهم الصلاة حتى لو كان بلا عذر لا يوجب ضرب عنق من لم يحضر..
ثالثاً: كيف صار ضرب عنق من لم يحضر الصلاة حكماً مقضياً من الله على كافة أهل مكة؟! ومن الذي أخبره بهذا الحكم؟! ولماذا اختص هذا الحكم بأهل مكة دون سائر الناس؟!.. ولم نسمع ان الله قد أوجب الصلاة جماعة عليهم دون سائر الناس..
رابعاً: إن عدم حضور الصلاة ليس دليلاً على النفاق..
سرقة كلمات علي (عليهالسلام ):
وقد لاحظنا: أن بعض الفقرات التي نسبت لعتاب قد استعيرت له من كلام علي أمير المؤمنين (عليهالسلام )، فقوله مثلاً: قويكم عندي ضعيف حتى آخذ منه الحق، وضعيفكم عندي قوي حتى آخذ الحق له، مأخوذ من كلام علي (عليهالسلام ) في نهج البلاغة، ففي الخطبة رقم ٣٧ قال (عليهالسلام ): الذليل عندي عزيز حتى آخذ الحق له، والقوي عندي ضعيف حتى آخذ الحق منه.
ففعل ـ والله ـ كما قال:
وأكثر ما لفت نظرنا في النص المتقدم قوله: (ففعل ـ والله ـ كما قال، وعد وأنصف، وأنفذ الأحكام، مهتدياً بهدي الله، غير محتاج إلى مؤامرة ولا مراجعة).
فقد تضمنت هذه الفقرة أموراً لا واقع لها فلاحظ:
ألف: قول الرواية: إنه فعل كما قال، ولو فعل ذلك وقتل أحداً ممن لم يحضر الصلاة لضج التاريخ بالحديث عن ذلك..
ب: إن هذا النص يصور عتاب بن أسيد الأموي، وكأنه رجل يوحى إليه.. حيث إنه يقول: إنه كان مهتدياً بهدي الله، فإذا ضممنا ذلك إلى حقيقة: أنه لم يدخل في الإسلام إلا قبل ذلك بساعات أو بيوم، او بأيام. فلا بد أن نفهم أنه يقصد بالهدي الإلهي ما يجعله مستغنياً عن تعليم أحد..
ج: قوله: من غير حاجة إلى مؤامرة ولا مراجعة، قد جاء ليؤكد ما يسعون إليه من الإيحاء بأنه كان يتمتع بالإكتفاء الذاتي حتى بالنسبة لرسول الله (صلىاللهعليهوآله )..
ولذلك لم يحتج إلى أن يؤامره في شيء، ولا أن يراجعه بشيء، ولا يمكن تفسير ذلك إلا على أساس نزول الوحي على عتاب..
كما أن ذلك يطرح الإشكال في أن يكون قد احتاج إلى الإعتراف بنبوة النبي (صلىاللهعليهوآله )، طيلة حياة النبي (صلىاللهعليهوآله )، أو أنه كان في غنى عن ذلك أيضاً!..
كلمتنا الأخيرة عن عتاب:
ونحن أمام هذه المبالغات لا نريد أن نستبعد مقولة أن يكون المقصود إعطاء الأوسمة لعتاب، لأنه كان أموياً من حيث النسب(١) ، وقد توفي يوم
____________
١- الإستيعاب ج٣ ص١٠٢٣ وطبقات خليفة بن خياط ص٤٨٥ و ٧٧ وتاريخ مدينة دمشق ج٢١ ص١٨١ وج٣٧ ص١١ والوافي بالوفيات ج١٩ ص٢٨٩ والبداية والنهاية ج٧ ص٤١ وأسد الغابة ج٣ ص٣٠٨ والكاشف في معرفة من له رواية = = في كتب الستة للذهبي ج١ ص٦٩٥ والإصابة ج٥ ص٣٥ والأعلام للزركلي ج٤ ص١٩٩ والمعارف لابن قتيبة ص٢٨٣ واللباب في تهذيب الأنساب ج٢ ص٣١٩ وتاريخ الإسلام للذهبي ج٢ ص٦١٢ وج٣ ص٩٧ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١١ ص١٢٣ وج١٥ ص٢٦٥ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٥ ص٤٤٦ والآحاد والمثاني ج١ ص٤٠٣ والمعجم الكبير للطبراني ج١٧ ص١٦١ والمستدرك للحاكم ج٣ ص٥٩٥ وعمدة القاري ج١٧ ص١٥٨ وتفسير مقاتل بن سليمان ج١ ص١٤٩ وتاريخ الأمم والملوك ج٢ ص٣٤٧ وتفسير الثعلبي ج٢ ص٢٨٥ وج٦ ص١٢٨ والأحكام لابن حزم ج٧ ص٩٨٣ والثقات لابن حبان ج٢ ص٦٧ وج٣ ص٣٠٤ والدرر لابن عبد البر ص٢٢٥ وإمتاع الأسماع ج٢ ص١٠ والسيرة النبوية لابن هشام ج١ ص١٨١ والسيرة النبوية لابن كثير ج٣ ص٦١٥.
موت أبي بكر، وقيل غير ذلك(١) .
____________
١- أسد الغابة ج٣ ص٣٥٨ وتهذيب التهذيب ج٧ ص٨٢ و ١٩١ والإصابة في تمييز الصحابة ج٢ ص٤٥١/٥٣٩١ والطبقات الكبرى لابن سعد ج٥ ص٤٤٦ وشرح مسند أبي حنيفة ص٥٤٦ وتهذيب الكمال ج١٩ ص٢٨٢ و ٢٨٣ والأعلام للزركلي ج٤ ص١٩٩ و ٢٠٠ والإصابة ج٤ ص٣٥٦ وراجع: مكاتيب الرسول ج١ ص٣٠ وتحفة الأحوذي ج٣ ص٢٤٤ وعون المعبود ج٤ ص٣٤٥ والبداية والنهاية ج٧ ص٤١ والوافي بالوفيات ج١٩ ص٢٨٩ وتاريخ الإسـلام للذهبي ج٣ ص٩٨ والمعـارف لابن قتيبـة ص٢٨٣ والكاشـف في = = معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي ج١ ص٦٩٥ والثقات لابن حبان ج٣ ص٣٠٤ وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج١١ ص١٢٣.
وقد أبقاه أبو بكر على مكة إلى أن مات(١) مما يشير إلى مدى التوافق والإنسجام بين عتاب وبين السلطة القائمة آنئذ..
____________
١- الأعلام للزركلي ج٤ ص٢٠٠ والمعارف لابن قتيبة ص٢٨٣ والكاشف في معرفة من له رواية في كتب الستة للذهبي ج١ ص٦٩٥ وتاريخ الإسلام للذهبي ج٢ ص٦١٢ وج٣ ص٩٨ والوافي بالوفيات ج١٩ ص٢٨٩ والبداية والنهاية ج٧ ص٤١ وإمتاع الأسماع ج٢ ص١٠.
الفهرس
الصحيح من سيرة الإمام علي ( عليهالسلام ) ١
الفصل الرابع ٥
الفصل الخامس: ٤١
الفصل السادس: ٧٧
الباب السابع: ١٠٩
الفصل الأول: ١١١
الفصل الثاني: ١٤٣
الفصل الثالث: ١٦٧
الفصل الرابع: ١٨٧
الباب الثامن : ٢١٥
الفصل الأول: ٢١٧
الفصل الثاني: ٢٥٣
الفصل الثالث: ٢٨١
الفصل الرابع: ٣١٣
الفهرس ٣٣٠