الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٥
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
قلع باب خيبر في الحديث والتاريخ..
علي (عليهالسلام ) قالع باب خيبر:
ومن الأمور التي لا يرتاب منها أحد، وقد شاعت وذاعت بين الناس: قلع علي باب حصن خيبر.
فقد قالوا: (وقتل علي يومئذٍ ثمانية من رؤسائهم، وفر الباقون إلى الحصن، فتبعهم المسلمون. فبينما علي يشتد في أثرهم، إذ ضربه يهودي على يده ضربة سقط منها الترس، فبادر يهودي آخر، فأخذ الترس، فغضب علي، فتناول باب الحصن، وكان من حديد، فقلعه، وترس به عن نفسه)(1) .
____________
1- تاريخ الخميس ج2 ص51 وراجع: ذخائر العقبى ص73 ومسند أحمد ج6 ص8 والدرر لابن عبد البر ص198 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص411 والبداية والنهاية (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص216 والسيرة النبوية لابن هشام (ط محمد علي صبيح) ج3 ص798 والمناقب للخوارزمي ص172والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص359 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص128 وينابيع المودة ج2 ص164 وبحار الأنوار ج21 ص4 و مجمع البيان ج9 ص202 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص301 والكامل في التاريخ ج2 ص220.
قال ابن إسحاق: حدثني عبد الله بن حسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع مولى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) قال: خرجنا مع علي بن أبي طالب (عليهالسلام ) حين بعثه رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) برايته، فلما دنا من الحصن خرج إليه أهله فقاتلهم، فضربه رجل من يهود ـ وقد صرحوا بأنه مرحب(1) ـ فطرح ترسه من يده، فتناول علي باباً كان عند الحصن فترَّس به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل، حتى فتح الله تعالى عليه الحصن.
ثم ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في نفر سبعة أنا ثامنهم، نجهد على أن نقلب ذلك الباب، فما نقلبه(2) .
____________
1- السيرة الحلبية ج3 ص37 و (ط دار المعرفة) ج2 ص737 وإمتاع الأسماع ج1 ص310 وأعيان الشيعة ج1 ص405 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص419 وج8 ص389.
2- السيرة النبوية لابن هشام (ط المكتبة الخيرية بمصر) ج3 ص175 و (ط محمد علي صبيح) ج3 ص798 والمناقب للخوارزمي ص172 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص30 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص301 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص128 ومطالب السؤول ص210 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص110 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله ص70 والكامل في التاريخ ج2 ص220 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص411 و 626 وشرح أصول الكافي ج6 ص137 وج12 ص498 وبحـار الأنـوار ج21 ص4 ومنـاقب أهل البيت = = للشيرواني ص140 ومستدرك سفينة البحار ج3 ص11 ومجمع الزوائد ج6 ص152 وفتح الباري ج7 ص367 والدرر لابن عبد البر ص198 ومجمع البيان ج9 ص202 وتفسير الثعلبي ج9 ص51 والدر النظيم ص175 وكشف الغمة ج1 ص212 وعيون الأثر ج2 ص139 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص359 وراجع: الإصابة ج2 ص502.وراجع: تذكرة الخواص ص27 والبداية والنهاية ج4 ص185 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج4 ص216 وذخائر العقبى (ط مكتبة القدسي) ص74 و 75 والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص185 ـ 188 ومعارج النبوة ص219 والسيرة الحلبية ج3 ص37 و (ط دار المعرفة) ج2 ص737 ومسند أحمد ج6 ص8 وتاريخ الخميس ج1 ص51 عن المنتقى، والتوضيح، عن الطبراني، وأحمد.
وعن زرارة، عن الإمام الباقر (عليهالسلام ): انتهى إلى باب الحصن، وقد أغلق الباب في وجهه، فاجتذبه اجتذاباً، وتترس به، ثم حمله على ظهره، واقتحم الحصن اقتحاماً، واقتحم المسلمون، والباب على ظهره..
إلى أن قال (عليهالسلام ): ثم رمى بالباب رمياً الخ..(1) .
قال الدياربكري: ثم لما وضعت الحرب أوزارها ألقى علي ذلك الباب الحديد وراء ظهره ثمانين شبراً.. وفي هذا قال الشاعر:
____________
1- بحار الأنوار ج21 ص22 وج41 ص280 وإعلام الورى ج1 ص208 ومدينة المعاجز ج1 ص176 ومناقب آل أبي طالب ج2 ص125 ونهج الإيمان ص324.
علي رمى باب المدينة خيبر |
ثمانين شبراً وافياً لم يثلم(1) |
غير أن الحلبي قال: (قال بعضهم: في هذا الخبر جهالة وانقطاع ظاهر.
قال: وقيل: ولم يقدر على حمله أربعون رجلاً. وقيل: سبعون.
وفي رواية: أن علياً كرم الله وجهه لما انتهى إلى باب الحصن اجتذب أحد أبوابه، فألقاه بالأرض، فاجتمع عليه بعده سبعون رجلاً، فكان جهداً أن أعادوه إلى مكانه)(2) .
وقال القسطلاني وغيره: (قلع علي باب خيبر، ولم يحركه سبعون رجلاً إلا بعد جهد)(3) .
وروى البيهقي من طريقين: عن المطلب بن زياد، عن ليث بن أبي سليم، عن أبي جعفر محمد بن علي (عليهالسلام ) عن آبائه، قال: حدثني جابر بن عبد الله: أن علياً (عليهالسلام ) حمل الباب يوم خيبر، حتى صعد عليه المسلمون فافتتحوها. وأنه جرب بعد ذلك فلم يحمله أربعون رجلاً.
____________
1- تاريخ الخميس ج2 ص51 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص37 و (ط دار المعرفة) ج2 ص737.
2- السيرة الحلبية ج3 ص37 و (ط دار المعرفة) ج2 ص737 وتاريخ الخميس ج2 ص51 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص128 والإصابة ج2 ص502 والبداية والنهاية ج4 ص184 وعن البيهقي، والحاكم.
3- شرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص383 عن الأنوار المحمدية (ط بيروت) ص98.
رجاله ثقات إلا ليث بن أبي سليم، وهو ضعيف(1) .
وفي شواهد النبوة: روي أن علياً (عليهالسلام ) بعد ذلك حمله على ظهره، وجعله قنطرة حتى دخل المسلمون الحصن(2) .
وهذا إشارة إلى وجود خندق كان هناك.
فلما أغلقوا باب الحصن صار أمير المؤمنين (عليهالسلام ) إليه، فعالجه حتى فتحه، وأكثر الناس من جانب الخندق لم يعبروا معه، فأخذ أمير المؤمنين (عليهالسلام ) باب الحصن فجعله على الخندق جسراً لهم، حتى عبروا، فظفروا بالحصن، ونالوا الغنائم.
فلما انصرفوا من الحصن أخذه أمير المؤمنين (عليهالسلام ) بيمناه، فدحا به أذرعاً من الأرض. وكان الباب يغلقه عشرون رجلاً(3) .
____________
1- سبل الهدى والرشاد ج5 ص128 و 129 ودلائل النبوة للبيهقي ج4 ص212 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص90 والبداية والنهاية ج4 ص189 والسيرة الحلبية ج3 ص37 وراجع: تذكرة الخواص ص27 والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص185 ـ 188 ومعارج النبوة ص219 وتاريخ الخميس ج2 ص51 عن الحاكم، والبيهقي، وبحار الأنوار ج21 ص19 وفي هامشه عن المجالس والأخبار ص6.
2- تاريخ الخميس ج2 ص51 وراجع: تحف العقول ص346.
3- بحار الأنوار ج21 ص16 وج41 ص281 والإرشاد للمفيد ج1 ص128 وعن مناقب آل أبي طالب ج2 ص126 ومدينة المعاجز ج1 ص175.
وخُبِّر النبي (صلىاللهعليهوآله ) عن رميه (عليهالسلام ) باب خيبر أربعين شبراً، فقال (صلىاللهعليهوآله ): والذي نفسي بيده، لقد أعانه عليه أربعون ملكاً(1) .
قال الشيخ المفيد (رحمهالله ): روى أصحاب الآثار عن الحسن بن صالح، عن الأعمش، عن أبي عبد الله الجدلي قال: سمعت أمير المؤمنين (عليهالسلام ) يقول: لما عالجت باب خيبر، جعلته مجناً لي، فقاتلتهم به، فلما أخزاهم الله، وضعت الباب على حصنهم طريقاً، ثم رميت به في خندقهم.
فقال له رجل: لقد حملت منه ثقلاً.
فقال: ما كان إلا مثل جنتي التي في يدي في غير ذلك المقام(2) .
ولا عجب في ذلك، فإنه هو الذي يقول: إنه ما قلع باب خيبر بقوة جسمانية، ولكن بقوة إلهية(3) .
وقال بعض الصحابة: ما عجبنا ـ يا رسول الله ـ من قوته في حمله ورميه وإتراسه، وإنما عجبنا من إجساره، وإحدى طرفيه على يده!
____________
1- بحار الأنوار ج21 ص19 وفي هامشه عن مناقب آل أبي طالب ج2 ص78.
2- الإرشاد للمفيد ج1 ص128 وأعيان الشيعة ج1 ص339 والثاقب في المناقب ص258 وشرح مئة كلمة لأمير المؤمنين لابن ميثم البحراني ص257 ومدينة المعاجز ج1 ص171 وبحار الأنوار ج21 ص16 و 17 وكشف الغمة ج1 ص215 ونهج الإيمان ص323.
3- ستأتي مصادر ذلك إن شاء الله.
فقال النبي (صلىاللهعليهوآله ) كلاما معناه: يا هذا، نظرت إلى يده، فانظر إلى رجليه.
قال: فنظرت إلى رجليه، فوجدتهما معلقين، فقلت: هذا أعجب، رجلاه على الهواء؟!
فقال (صلىاللهعليهوآله ): ليستا على الهواء، وإنما هما على جناحي جبرئيل(1) .
ونقول:
لا مجال لاعتبار هذا من الخرافة، فإن الله تبارك وتعالى يفعل أعظم من ذلك لمن يشاء من عباده المخلصين والمجاهدين. وقد قال تعالى في كتابه:( إِنْ تَنْصُرُوا اللهَ يَنْصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ ) (2) .
وأن يضع جبريل جناحه تحت قدمي علي (عليهالسلام ) هو أحد مفردات تثبيت الأقدام، ومن أجلى مظاهر النصر الإلهي.
التشكيك غير المنطقي:
قال القسطلاني: قال شيخنا: (قال بعضهم: وطرق حديث الباب كلها واهية، ولذا أنكره بعض العلماء)(3) .
____________
1- بحار الأنوار ج41 ص281 عن روض الجنان.
2- الآية 7 من سورة محمد.
3- تاريخ الخميس ج2 ص51 عن المواهب اللدنية وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص37 و (ط دار المعرفة) ج2 ص737.
وفي بعضها قال الذهبي: إنه منكر.
وفي الإمتاع: وزعم بعضهم: أن حمل علي كرم الله وجهه الباب لا أصل له، وإنما يروونه عن رعاع الناس، وليس كذلك.
ثم ذكر جملة ممن خرجه من الحفاظ)(1) .
ونقول:
إن لنا هنا العديد من الوقفات، نجملها فيما يلي:
خبر قلع الباب صحيح:
وتقدم أنهم زعموا: أن خبر قلع باب خيبر بعضه فيه جهالة، وبعضه فيه انقطاع، وبعضه ضعيف أو منكر..
بل فيهم من يقول: طرق حديث الباب كلها واهية، أو يقول: حديث الباب لا أصل له، أو أنه يروي عن رعاع الناس..
ونقول:
أولاً: إذا ثبت حديث قلع الباب أو غيره من طريق أهل البيت (عليهالسلام ) فذلك يكفينا عن كل حديث، لأن أهل البيت هم سفينة نوح، وهم أحد الثقلين الذين لن يضل من تمسك بهما.
ثانياً: لقد روى حديث قلع باب خيبر محدثوا أهل السنة، وأثبته علماء
____________
1- إمتاع الأسماع ج1 ص310 والسيرة الحلبية ج3 ص37 و (ط دار المعرفة) ج2 ص737. وراجع: كشف الخفاء للعجلوني ج1 ص232
المسلمين في كتبهم، وذكروا أن أربعين أو سبعين رجلاً عَجَزوا عن حمله.. فإذا كان هذا الحديث مكذوباً أو مختلقاً، فمعنى ذلك اتهام محدثي أهل السنة وعلمائهم بالكذب والإختلاق، لأنهم قد رووه وتناقلوه بأسانيدهم وفي مصادرهم.. لأن رواية هذا الحديث لا تنحصر بشيعة أهل البيت (عليهمالسلام ).
ثالثاً: ضعف سند الحديث لا يبرر الحكم عليه بأنه مكذوب أو موضوع، لأن الكذاب والوضاع لا يكون جميع ما يرويه مكذوباً، بل يكون الكثير أو ربما أكثر ما يرويه صحيحاً، ولكنه يدخل فيه بعض الموضوعات أو التحريفات التي توافق أغراضه.
إذ لو كان جميع ما يقوله الوضاع والكذاب موضوعاً لم يجد من يروي عنه، فلا معنى للحكم الجازم بكذب حديث قلع الباب حتى لو فرضنا أن راويه يتهم بالكذب أو بالوضع..
رابعاً: لقد حكموا على بعض طرق الحديث: بأن فيه انقطاعاً.
وقالوا عن خبر آخر: إن رجاله ثقات، باستثناء شخص واحد هو ليث بن أبي سليم، مع أنه وإن ضعَّف الكثيرون منهم ليثاً هذا، ولكن آخرين منهم قد أثنوا عليه، ووصفوه بالصلاح والعبادة، وبغير ذلك، ولم يصفه أحد بالكذب، ولا بالوضع على الإطلاق..
بل غاية ما قالوه عنه: إنه ضعيف في الحديث، أو مضطرب الحديث، أو ليِّن الحديث، أو نحو ذلك.. وذكروا هم أنفسهم أن سبب قولهم هذا: هو أنه اختلط في آخر عمره.
فذلك يدل على: أنه في نفسه ليس من رعاع الناس، وإليك طائفة من كلماتهم فيه، نأخذها من كتاب تهذيب التهذيب متناً وهامشاً.
قال الذهبي: أحد العلماء، كوفي.
وقال ابن حجر في تقريب التهذيب: صدوق، اختلط أخيراً، ولم يتميز حديثه، فترك.
وقال العجلي: جائز الحديث.
وقال عبد الوارث: من أوعية العلم.
وقال ابن معين: منكر الحديث، صاحب سنة.
وقال عثمان ابن أبي شيبة: صدوق ضعيف الحديث.
وقال ابن شاهين: في الثقات.
وقال الساجي: صدوق فيه ضعف، كان سيِّئ الحفظ، كثير الغلط.
وقال البزار: كان أحد العُبَّاد، إلا أنه أصابه اختلاط، فاضطرب حديثه، وإنما تكلم فيه أهل العلم بهذا، وإلا فلا نعلم أحداً ترك حديثه..
وقال ابن سعيد: كان رجلاً صالحاً عابداً.. وكان ضعيفاً في الحديث..
ثم ذكر: أنه كان يسأل عطاء، وطاووساً، ومجاهداً، فيختلفون فيه، فيروي أنهم اتفقوا من غير تعمد.
وقال ابن حِبان: اختلط في آخر عمره، فكان يقلب الأسانيد، ويرفع المراسيل الخ..
وقال الدارقطني: صاحب سنة، يكتب حديثه، إنما أنكر عليه الجمع
بين عطاء، وطاووس، ومجاهد حسب..
وسئل عنه يحيى، فقال: لا بأس به.
وقال ابن عدي: له أحاديث صالحة، وقد روى عنه شعبة والثوري، ومع الضعف الذي فيه يكتب حديثه.
وقال محمد: ليث صدوق، يهم.
وقال فضيل بن عياض: كان ليث أعلم أهل الكوفة بالمناسك.
وسأل ابن أبي حاتم أباه عنه، فقال: ليث عن طاووس أحب إلي من سلمة بن وهرام عن طاووس.
قلت: أليس تكلموا في ليث؟!
قال: ليث أشهر من سلمة. ولا نعلم روى عن سلمة إلا ابن عيينة، وربيعة.
فهذه العبارات وأمثالها أفادت: أن اختلاطه في آخر عمره هو السبب في تكلمهم في حديثه، أما هو نفسه فقد وصفوه بأجل الأوصاف كما رأينا..
فإذا حصل الإطمئنان: بأن ما رواه إنما رواه قبل الإختلاط، خصوصاً إذا تأيدت صحته من طرق أخرى، كما في رواية عبد الله بن حسن، عن بعض أهله، عن أبي رافع، وكذلك غيرها من الطرق التي ذكرها البيهقي في دلائل النبوة، وما أورده في الإمتاع، فإن الرواية تصبح صحيحة، ولا يكون رواتها من الرعاع، وليس فيها انقطاع ولا جهالة، ولا غير ذلك.
رابعاً: ذكر العلماء: أن تعدد طرق الحديث يعد من الشواهد التي
توصله إلى درجة الحسن(1) .
وقال الزرقاني: (..ومن القواعد: أن تعدد الطرق يفيد: أن للحديث أصلاً)(2) .
خامساً: ما معنى وصف رواة هذا الحديث بأنهم من رعاع الناس.. وفيهم جعفر بن محمد، عن آبائه (عليهمالسلام )، وفيهم أبو رافع، وعبد الله بن حسن، وسواهم ممن يعتمد عليهم نفس هؤلاء الجارحين ويصفونهم بالأوصاف الحميدة، ويثنون عليهم الثناء الجميل، ويعظمونهم؟!
اختلافات لا أثر لها:
إن الروايات المتعارضة هي تلك التي يكون موضوعها ومحمولها واحداً ذاتاً، وزماناً ومكاناً، وجهةً، وشرطاً وإضافة، وقوة، وفعلاً، وفي الكل والجزء وغير ذلك.. ولكن إحداها تثبت هذا المحمول لذلك الموضوع، والأخرى تنفيه..
وفي مثل هذه الحال لا بد من طرح الروايتين، إن لم يمكن ترجيح إحداهما بمرجح مقبول ومعقول، وطرح الأخرى، أو إذا لم يمكن الأخذ بهما معاً بإسقاط التناقض، باكتشاف الخلل في أحد العناصر التي يتحقق بها التنافي، بشرط أن لا يكون جمعاً تبرعياً اقتراحياً، ليس له شاهد يؤيده.
____________
1- راجع: نسيم الرياض ج3 ص10 و 11 وتحفة الأحوذي ج2 ص372.
2- شرح المواهب اللدنية للزرقاني ج6 ص490.
وقد نجد في أحاديث ما جرى في خيبر بعض الروايات التي يظن لأول وهلة أنها متناقضة، فإذا تأمل فيها الباحث اكتشف أنها ليست كذلك، ونذكر منها ما يلي:
1 ـ أربعون أم سبعون:
تقدم: أن الذين حاولوا حمل الباب الذي أخذه علي (عليهالسلام ) بيده هم ثمانية رجال، وفي أخرى أنهم أربعون، وفي ثالثة: سبعون رجلاً.. فقد يتخيل أن ثمة تناقضاً..
ويمكن الجواب بأن من الممكن أن تكون هناك أكثر من محاولة لحمل ذلك الباب، أو لتحريكه، فحاول ثمانية رجال، ثم أربعون، وفي مرة ثالثة حاول سبعون، فعجزوا جميعاً عن حمله..
فلا يمكن إحراز توفر عناصر التناقض في هذا المورد، ليكون ذلك من موجبات ضعف أو سقوط الرواية عن الإعتبار..
2 ـ باب واحد أو بابان..
وفي بعض الروايات: أن علياً (عليهالسلام ) اقتلع باب الحصن، وبعضها الآخر يقول: إن ترسه طرح من يده، فوجد عند الحصن باباً، فأخذه فترس به عن نفسه.
ويجاب: بأن الروايتين صريحتان بالإختلاف الموجب لدفع الشبهة، فإحداهما: تصرح بأنه قد اقتلع باب الحصن حين كان يهاجمه.. والأخرى: تصرح بأنه وجد باباً عند الحصن فترس به عن نفسه، أي قبل اقتلاع باب
الحصن.. ولا مانع من حصول كلا الأمرين.
وبذلك تنحل الإختلافات الأخرى التي تقول: تارة إن الباب من الحجر تارة، وإنه من الحديد تارة أخرى..
ولعل بعض الرواة قد خلط في توصيفه للباب المقتلع بما هو وصف للباب الملقى على الأرض، أو عكس ذلك.
ولعل إحدى الروايتين، التي تقول: إنه لم يستطع الثمانية أن يقلبوه ناظرة إلى أحد البابين، والأخرى تتحدث عن عجز الأربعين والسبعين عن الباب الآخر..
3 ـ المناداة من السماء:
وكذلك الحال بالنسبة للمناداة من السماء:
ولا فتـى إلا عــلي |
لا سـيــف إلا ذو الفَـقـار |
حيث ذكرت روايات أن ذلك كان في أحد، وأخرى إنه كان في بدر، وثالثة إنه كان في خيبر، أو غيرها..
فظهر التناقض بين هذه الأخبار..
ونجيب: بأنه لا مانع من أن يكون النداء بذلك من السماء قد حصل في المواطن الثلاثة: بدر، وأحد، وخيبر.. وسواها.. إذ لم تصرح أية واحدة منها بنفي حصول ذلك في غير موردها.. بل اقتصرت على التنويه بحصول ذلك في الواقعة التي تتحدث عنها..
لا سيف إلا ذو الفقار في المواطن الثلاثة:
قلنا: إن الروايات ذكرت أن الناس سمعوا تكبيراً من السماء في ذلك اليوم، وسمعوا نداء يقول:
ولا فتى إلا علي |
لا سيف إلا ذو الفقار |
ورووا أيضاً: أن علياً (عليهالسلام ) لما شطر مرحباً شطرين نزل جبرئيل من السماء متعجباً، فقال له النبي (صلىاللهعليهوآله ): ممَّ تعجبت؟!
فقال: إن الملائكة تنادي في صوامع جوامع السماوات:
ولا فتى إلا علي |
لا سيف إلا ذو الفقار(1) |
وذكر أحمد في الفضائل: أنهم سمعوا تكبيراً من السماء في ذلك اليوم، وقائلاً يقول:
ولا فتى إلا علي |
لا سيف إلا ذو الفقار |
فاستأذن حسان بن ثابت رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أن ينشد شعراً، فأذن له، فقال:
جبريل نادى معلناً |
والنقع ليس بمنجلي |
____________
1- بحار الأنوار ج21 ص40 عن مشارق أنوار اليقين، وراجع: حلية الأبرار للبحراني ج2 ص161 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص319 ومجمع النورين ص178 و 194 وشجرة طوبى ج2 ص292.
والمسلمون قد احدقوا |
حول النبي المرسل |
|
ولا فتى إلا علي |
لا سيف إلا ذو الفقار(1) |
قال سبط ابن الجوزي: (فإن قيل: قد ضعَّفوا لفظة: لا سيف إلا ذو الفقار.
قلنا: الذي ذكروه: أن الواقعة كانت في يوم أحد.
ونحن نقول: إنها كانت في يوم خيبر). وكذا ذكر أحمد بن حنبل في الفضائل.
وفي يوم أحد، فإن ابن عباس قال: لما قتل علي (عليهالسلام ) طلحة بن أبي طلحة حامل لواء المشركين صاح صائح من السماء:
ولا فتى إلا علي |
لا سيف إلا ذو الفقار |
قالوا: في أسناد هذه الرواية عيسى بن مهران، تكلم فيه، وقالوا: كان شيعياً.
أما يوم خيبر فلم يطعن فيه أحد من العلماء)(2) .
وقيل: إن ذلك كان يوم بدر. والأول أصح.
____________
1- راجع: الإحتجاج للطبرسي ج1 ص167 ونهج الإيمان لابن جبر ص177 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج6 ص17 والسيرة النبوية لابن هشام ج3 ص52 والغدير ج2 ص59 وج7 ص205 وتذكرة الخواص ص16.
2- الغدير للأميني ج2 ص60 عن تذكرة الخواص لسبط ابن الجوزي ص16.
مضمون النداء دلالة ومعنى:
قد تحدثنا في واقعة أحد عن بعض ما نستفيده من هذا النداء، ونزيد هنا الأمور التالية:
الأول: إن هذا التكبير وذلك النداء حجة قاطعة على الأعداء، وعلى الأولياء، يفرض عليهم اليقين بحقانية هذا الدين، وبأنه مرعي من الله، وأنه ظاهر ومنصور لا محالة.
فلا معنى لاستمرار المكابرة، ولا مبرر للقتال، إلا إذا اعتقد هؤلاء الناس أنهم أقوى من الله، وأن بإمكانهم أن يغلبوا ربهم، ويفرضوا عليه إراداتهم.
لا بد أن تزيل عنهم هذه الكرامة (المعجزة) كل شبهة، وتغنيهم عن الأدلة والبراهين.. وتفهمهم أن حربهم على الإسلام والمسلمين، حرب باغية وظالمة وبلا مبرر، وأنهم إنما ينقادون فيها لشهواتهم، وعصبياتهم وأهوائهم..
كما أنه لا بد لأهل هذا الدين من أن يتعمق ويترسخ إيمانهم به، ويزول كل ترديد أو شبهة لهم فيه، ولا بد أيضاً من أن يزول الخوف عنهم، وأن تزيد صلابتهم في الدفاع عنه..
فما معنى فرارهم من الزحف هنا.. وما المبرر لفرارهم في حنين وأحد، وذات السلاسل، وقريظة وغيرها من المواطن؟!
ثم إن ذلك لا بد أن يسقط هيمنة القوة من نفوسهم، فلا مجال بعد للإنبهار بكثرة الأعداء، أو بحسن عدتهم وظهور قوتهم..
الثاني: إن هذا النداء يتضمن تعريضاً بأولئك الهاربين، ويبين أن سيوفهم ليست سيوفاً حقيقة، وإنما هي أشكال سيوف.. لأن السيف لا بد أن يجد موقعه في رقاب أهل البغي والطغيان، والجحود، ودوره في الذب عن الحق وأهله، فإذا لم يحصل ذلك فإن وجوده يكون كعدمه.. فيصح نفي صفة السيف عنه..
الثالث: إن الفتوة والرجولة، تعني القوة، والمنعة، والقوة تؤثر فيما عداها وتفعل فيه، والضعف منفعل ومحل لظهور الأثر.. فإذا أصبحت القوة بلا أثر، فإن وجودها أيضاً كعدمها.. ولذلك صح النداء:
ولا فتى إلا علي |
لا سيف إلا ذو الفقار |
الرابع: إن أهم سبب للعناد والجحود، والمكابرة لدى المشركين واليهود هو الشعور بالقوة، والإعتماد على الكثرة في العدد، وعلى حسن العدة وتوفرها. وقد أظهرت الحروب التي سلفت، ابتداء من بدر، مروراً بأحد، وحمراء الأسد، والنضير، وقينقاع، والخندق وقريظة، وظهر الآن في خيبر: أن ما اعتمد عليه المشركون واليهود في هذه المواطن وسواها لم يكن مفيداً، ولا مؤثراً، بل سقط كله تحت أقدام رجل واحد اسمه أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليهالسلام )، وكان نصيب أهل الكثرة والعدة والعدد هو الفناء، والدمار، والسقوط والبَوار، وظهر لهم أن الله أكبر من كل شيء عندهم، وأن كل ما سوى الله يباب وسراب..
اهتزاز حصن خيبر:
ورووا: أنه لما اقتلع علي (عليهالسلام ) باب خيبر اهتز الحصن كله،