الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام)(المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء ٥
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 330
الصحيح من سيرة الإمام علي (عليهالسلام )
(المرتضى من سيرة المرتضى)
الجزء الخامس
تأليف
السيد جعفر مرتضى العاملي
هذا الكتاب
نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف
شبكة الإمامين الحسنين (عليهماالسلام ) للتراث والفكر الإسلامي
بانتظار أن يوفقنا الله تعالى لتصحيح نصه وتقديمه بصورة أفضل في فرصة أخرى قريبة إنشاء الله تعالى.
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليهالسلام )
(المرتضى من سيرة المرتضى)
الجزء الخامس
الفصل الرابع :
قتل مرحب..
علوتم، والذي أنزل التوراة:
تقدم: أن اليهودي لما سمع باسم علي (عليهالسلام ) قال: علوتم، والذي أنزل التوراة على موسى.
ونقول:
ألف: إن أبا نعيم قال: (فيه دلالة على أن فتح علي لحصنهم مقدم في كتبهم، بتوجيه من الله وجهه إليهم، ويكون فتح الله تعالى على يديه).
وهي التفاتة جليلة من أبي نعيم، ويؤيدها:
أولاً: ما روي من أنه (صلىاللهعليهوآله ) قال لعلي (عليهالسلام ): خذ الراية، وامض بها فجبرئيل معك، والنصر أمامك، والرعب مبثوث في قلوب القوم..
واعلم يا علي، أنهم يجدون في كتابهم: أن الذي يدمر عليهم اسمه (إيليا)، فإذا لقيتهم فقل: أنا علي.
فإنهم يُخذلون إن شاء الله تعالى الخ..(1) .
____________
1- بحار الأنوار ج21 ص15 عن الإرشاد للمفيد ج1 ص126 وراجع: كتاب الأربعين للماحوزي ص295 وكشف الغمة للإربلي ج1 ص213.
ثانياً: إن مرحباً نفسه قد هرب لما سمع باسم علي (عليهالسلام )، وكانت ظئره قد أخبرته: بأن اسم قاتله حيدرة، وذلك يدل على أنها قد أخذت ذلك من أحبارهم، الذين كانوا يخبرون عما يجدونه في كتبهم..
أما ما زعموه، من أنها قالت له ذلك: لأنها كانت تتعاطى الكهانة.
فهو مردود:
بأن تعاطيها الكهانة لا يعطيها القدرة على معرفة الغيب الإلهي، فإنه تعالى وحده( عَالِمُ الْغَيْبِ فَلَا يُظْهِرُ عَلَى غَيْبِهِ أَحَداً، إِلَّا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ.. ) (1) .
ويشهد لما قلناه من أنهم يجدون ذكر ما يجري عليهم في كتبهم: أننا وجدنا في جملة الأقوال في تسمية علي (عليهالسلام ) بحيدرة: أن اسمه في الكتب المتقدمة أسد، والأسد هو الحيدرة..
وتقدم وسيأتي أيضاً بعض الحديث عن ذلك، تحت عنوان: (من سمى علياً (عليهالسلام ) بحيدرة) إن شاء الله تعالى.
ب: لعل هناك من يريد اعتبار قول اليهودي: علوتم (أو غلبتم) والذي أنزل التوراة على موسى، قد جاء على سبيل التفؤل بالاسم..
ونحن وإن كنا لا نصر على بطلان هذا الاحتمال، باعتبار أن الذين يشتد تعلقهم بالدنيا يتشبثون ولو بالطحلب، ويخافون حتى من هبوب الرياح، ويتشاءمون ويتفاءلون بالخيالات والأشباح..
غير أننا نقول:
____________
1- الآيتان 26 و 27 من سورة الجن.
إنه مع وجود الشواهد والمؤيدات لما ذكره أبو نعيم، لا يبقى مجال لترجيح هذا الإحتمال..
ونزيد هنا: أن ما أكد لهم صحة ما ورد في كتبهم، هو ما تناهى إلى مسامعهم من مواقف علي (عليهالسلام ) التي تظهر أنه أهل لما أهَّله الله تعالى له، كما دلت عليه معالي أموره في المواقع المختلفة في الحرب، وفي السلم على حد سواء.
ومن ذلك مبيته (عليهالسلام ) على فراش النبي (صلىاللهعليهوآله ) ليلة الهجرة، وجهاده في بدر، وأحد، والخندق، وقريظة، والنضير، و.. و.. الخ..
قتل علي (عليهالسلام ) مرحباً والفرسان الثمانية:
قالوا: ثم خرج أهل الحصن إلى ساحة القتال..
أما رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فإنه لما أصبح أرسل إلى علي (عليهالسلام ) وهو أرمد، فتفل في عينيه.
قال علي (عليهالسلام ): فما رمدت حتى الساعة. ودعا له، ومن معه من أصحابه بالنصر.
فكان أول من خرج إليهم الحارث أبو زينب، أخو مرحب في عادية (أي ممن يعدون للقتال على أرجلهم) ـ قال الحلبي: وكان معروفاً بالشجاعة ـ فانكشف المسلمون، وثبت علي (عليهالسلام )، فاضطربا ضربات، فقتله علي (عليهالسلام ).
ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن، وأغلقوا عليهم، ورجع المسلمون
إلى موضعهم..
وخرج مرحب وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب الـخ..
فحمل عليه علي (عليهالسلام ) فقطَّره (أي ألقاه على أحد قطريه، أي جانبيه) على الباب، وفتح الباب، وكان للحصن بابان(1) .
ورجع أصحاب الحارث إلى الحصن، وبرز عامر، وكان رجلاً جسيماً طويلاً، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) حين برز وطلع عامر: (أترونه خمسة أذرع)؟ وهو يدعو إلى البراز.
فخرج إليه علي بن أبي طالب (عليهالسلام )، فضربه ضربات، كل ذلك لا يصنع شيئاً، حتى ضرب ساقيه فبرك، ثم ذفَّف عليه، وأخذ سلاحه.
قال ابن إسحاق: ثم برز ياسر وهو يقول:
قد علمت خيبر أني ياسرَ |
شاكي السلاح بطل مغاور |
|
إذا الليوث أقبلت تبادرَ |
وأحجمت عن صولة تساور |
إن حسامي فيه موت حاضرَ
قال محمد بن عمر: وكان من أشدائهم، وكان معه حربة يحوس الناس بها حوساً.
فبرز له علي بن أبي طالب، فقال له الزبير بن العوام: أقسمت إلا خليت
____________
1- المغازي للواقدي ج2 ص653 و 654 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص34.
بيني وبينه، ففعل.
فقالت صفية لما خرج إليه الزبير: يا رسول الله، يقتل ابني؟
فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): (بل ابنك يقتله، إن شاء الله)، فخرج إليه الزبير وهو يقول:
قد علمت خيبر أني زبار |
قرم لقرم غير نكس فرار |
|
ابن حماة المجد، ابن الأخيار |
ياسر لا يغررك جمع الكفار |
فجمعهم مثل السراب الختار
ثم التقيا فقتله الزبير.
قال ابن إسحاق: وذكر أن علياً هو الذي قتل ياسراً.
قال محمد بن عمر: وقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) للزبير لما قتل ياسراً: فداك عم وخال.
ثم قال: (لكل نبي حواري، وحواريي الزبير وابن عمتي)(1) .
وفي حديث سلمة بن الأكوع عند مسلم، والبيهقي: أن مرحباً خرج وهو يخطر بسيفه.
وفي حديث ابن بريدة، عن أبيه: خرج مرحب وعليه مغفر معصفر يماني، وحجر قد ثقبه مثل البيضة على رأسه، وهو يرتجز ويقول:
____________
1- راجع: المغازي للواقدي ج2 ص657 وسبل الهدى والرشاد ج5 ص125 و 126 وتاريخ الخميس ج2 ص51.
قد علمت خيبر أني مرحب |
شاكي السلاح بطل مجرب |
إذا الليوث أقبلت تلهب
قال سلمة: فبرز له عامر (أي عامر بن الأكوع) وهو يقول:
قد علمت خيبر أني عامر |
شاكي السلاح بطل مغامر |
قال: فاختلفا ضربتين، فوقع سيف مرحب في ترس عامر، فذهب عامر يسفل له، وكان سيفه فيه قصر، فرجع سيفه على نفسه، فقطع أكحله.
وفي رواية: أصاب عين ركبته، وكانت فيها نفسه.
قال بريدة: فبرز مرحب وهو يقول:
قد علمت خيبر أني مرحب |
شاكي السلاح بطل مجرب |
|
إذا الليوث أقبلت تلهب |
وأحجمت عن صولة المغلب |
فبرز له علي بن أبي طالب (عليهالسلام )، وعليه جبة أرجوان حمراء قد أخرج خملها، وهو يقول:
أنا الذي سمتني أمي حيدَرَة |
كليث غاباتٍ كريه المنَظَرة |
أوفـيـهم بالصـاع كيـلَ السنـدَرَة
فضرب مرحباً ففلق رأسه، وكان الفتح(1) .
____________
1- صحيح مسلم ج5 ص195 ومسند أحمد ج5 ص333 و 351 والمستدرك للحاكم ج3 ص38 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص30 ومناقب الإمام علي لابن المغازلي (ط المكتبة الإسلامية بطهران) ص176 ولباب التأويل ج4 ص182 = = و183 والرياض النضرة (ط محمد أمين بمصر) ج1 ص185 و 187 والبداية والنهاية ج4 ص185 فما بعدها ومعالم التنزيل (ط مصر) ج4 ص156 وحياة الحيوان ج1 ص237 وطبقات ابن سعد (مطبعة الثقافة الإسلامية) ج3 ص157 وينابيع المودة (ط بمبي) ص41 والمغازي للواقدي ج2 ص657.
وفي نص آخر: أن علياً (عليهالسلام ) أجاب مرحباً بقوله:
أنا الذي سمتني أمي حَيْدَرَة |
كليث غابات كريه المَنْظَرَة |
|
عبل الذراعين شديد القسورة |
أضرب بالسيف وجوه الكَفَرَة |
|
ضرب غلام ماجد حزوَّرَة |
أكيلكم بالسيف كيلَ السندَرَة(1) |
وفي حديث بريدة، فاختلفا ضربتين، فبدره علي (عليهالسلام ) بضربة (بذي الفقار) فقدَّ الحجر، والمغفر، ورأسه، ووقع في الأضراس، وأخذ المدينة.
وفي نص آخر: سمع أهل العسكر صوت ضربته. وقام الناس مع علي حتى أخذ المدينة(2) .
____________
1- تذكرة الخواص ص26.
2- سبل الهدى والرشاد ج5 ص126 و 125 وراجع: السيرة الحلبية ج3 ص32 و 37 و 38 ومسند أحمد ج5 ص358 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص30 والبداية والنهاية ج4 ص185 فما بعدها، ولباب التأويل ج4 ص182 و 183 ومعارج النبوة ص219 والإصابة ج2 ص502 والكامل في التاريخ ج2 ص220 والمستدرك للحاكم ج3 ص437 ومعالم التنزيل ج4 ص156 وتاريخ الخميس ج2 ص50 وراجع بعض ما تقدم في: إمتاع الأسماع ص315 و 316.
وفي نص آخر: ضربه على هامته حتى عض السيف منها بأضراسه، وسمع أهل العسكر صوت ضربته.
قال: وما تَتَامَّ آخر الناس مع علي (عليهالسلام ) حتى فتح لأولهم(1) .
وفي نص آخر: (فخرج يهرول هرولة، فوالله ما بلغت أخراهم حتى دخل الحصن.
قال جابر: فأعجلنا أن نلبس أسلحتنا.
وصاح سعد: اربع، يلحق بك الناس.
فأقبل حتى ركزها قريباً من الحصن الخ..)(2) .
____________
1- مسند أحمد ج5 ص358 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص300 والمستدرك للحاكم ج3 ص437 وراجع: العمدة لابن البطريق ص141 ومجمع الزوائد ج6 ص150 والسنن الكبرى للنسائي ج5 ص110 و 178 وخصائص أمير المؤمنين للنسائي ص55 وكنز العمال ج10 ص464 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص95 وعن الإصابة ج4 ص466 وفضائل الصحابة لابن حنبل ج2 ص604 وراجع: مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج2 ص509 والمصنف لابن أبي شيبة ج8 ص522 وكتاب السنة لابن أبي عاصم ص594 وتاريخ الإسلام للذهبي ج2 ص411 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص422 وج22 ص650 وج23 ص116 و 119 و 131 وج30 ص186 وج32 ص374.
2- بحار الأنوار ج21 ص22 عن إعلام الورى ج1 ص208 وفي هامشه قال: انظر الإرشاد للمفيد ج1 ص125 والخرائج والجرائح ج1 ص159 و 249.
وفي بعض النصوص: (أن مرحباً لما رأى أن أخاه قد قتل خرج سريعاً من الحصن في سلاحه، أي وقد كان لبس درعين، وتقلد بسيفين، واعتم بعمامتين، ولبس فوقهما مغفراً، وحجراً قد ثقبه قدر البيضة، ومعه رمح لسانه ثلاثة أسنان، وذكر أن ياسراً خرج بعد مرحب)(1) .
ولم يكن بخيبر أشجع من مرحب ولم يقدر أحد من أهل الإسلام أن يقاومه في الحرب(2) .
وزعموا: أن محمد بن مسلمة قتل أسيراً أيضاً(3) .
وعن علي (عليهالسلام ) قال: لما قتلت مرحباً، جئت برأسه إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )(4) .
قال الدياربكري: قيل هذا ـ أي قتل علي مرحباً ـ هو الصحيح، وما نظمه بعض الشعراء يؤيده، وهو:
علي حمى الإسلام من قتل مرحب |
غداة اعتلاه بالحسام المضخم |
____________
1- السيرة الحلبية ج3 ص37 و 38 وراجع: تاريخ الخميس ج2 ص50.
2- تاريخ الخميس ج2 ص50.
3- إمتاع الأسماع ص315.
4- سبل الهدى والرشاد ج5 ص127 ومسند أحمد ج1 ص111 وتذكرة الخواص ص26 وعن البداية والنهاية ج4 ص185 فما بعدها، ومجمع الزوائد للهيثمي ج6 ص152 والسيرة النبوية لابن كثير ج3 ص357.
وفي رواية: قتله محمد بن مسلمة(1) .
وسيأتي الكلام حول ذلك، وأنه مكذوب ومختلق.
ولنا مع هذه النصوص وقفات عديدة، نكتفي منها بما يلي:
ضربات علي (عليهالسلام ) لا تصنع شيئاً:
لا مجال لقبول ما ذكرته بعض الروايات المتقدمة من أن علياً (عليهالسلام ) ضرب عامر الخيبري ضربات، فلم تصنع شيئاً.
فإن علياً (عليهالسلام ) كان إذا علا قدّ.. وإذا اعترض قطّ(2) ..
____________
1- تاريخ الخميس ج2 ص50 وراجع: مناقب آل أبي طالب ج1 ص5 عن جماعة من السفساف والمعاندين ادَّعوا: أن مرحباً قتله محمد بن مسلمة، وادّعوا، وادَّعوا.
2- مناقب آل أبي طالب ج1 ص355 وبحار الأنوار ج21 ص179 وج41 ص67 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص50 ومجمع البيان ج1 ص252 و 389 والهاشميات والعلويات (قصائد الكميت وابن أبي الحديد) ص153 والصحاح ج2 ص597 وج3 ص1153 والفروق اللغوية ص432 و 433 ولسان العرب ج3 ص344 وج4 ص80.
وراجع: مختار الصحاح لمحمد بن عبد القادر ص39 ومجمع البحرين ج1 ص232 وتاج العروس ج2 ص460 وج3 ص58 وج5 ص207 وأعيان الشيعة ج1 ص330 و 340 و 382 و 397 وشرح إحقـاق الحق ج8 ص328 و 329 = = وج18 ص79 وج31 ص569 وج32 ص305 و 336 و 337 وتفسير أبي السعود ج4 ص267 وتفسير الآلوسي ج12 ص218 والنهاية في غريب الحديث ج1 ص149.
وكانت ضرباته وتراً(1) ..
قطع رأس مرحب:
ذكرت بعض الروايات المتقدمة: أن علياً (عليهالسلام ) كان قد قطع رأس عمرو بن عبد ود في حرب الخندق، وجاء به إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).. ولم يقل له النبي (صلىاللهعليهوآله ) شيئاً..
وذكرت الروايات المتقدمة عن قريب: أنه (عليهالسلام ) قطع رأس مرحب، وجاء به إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أيضاً، ولم يعترض عليه رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في فعله هذا..
ونحن لا نرى أن لهذين الخبرين أساساً من الصحة.
أولاً: إنه (عليهالسلام ) لم يقطع رأس الوليد في بدر، ولا رأس غيره ممن قتلهم في تلك الحرب، كما أنه لم يقطع رأس كبش الكتيبة ولا غيره من بني عبد الدار حملة اللواء في أحد، ولم يقطع أيضاً رؤوس العشرة الذين قتلهم في بني النضير، ولا رأس أي ممن قتلهم في الخندق غير ما زعموه عن عمرو بن عبد ود، ولا رأس أحدٍ من بني قريظة..
____________
1- شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص20 والصراط المستقيم ج1 ص161 وكتاب الأربعين للشيرازي ص415 وبحار الأنوار ج41 ص143.
وأما قطعه لرأس الأسيرين في بدر، فلأن قتلهما قد تم بهذه الصورة. ولعل ذلك كان أهون أنواع القتل.. لأن غير هذه الطريقة يطيل أمد موت القتيل، ويعرِّضه معها لآلام هائلة..
ثانياً: لم نجد مبرراً لقطع الرؤوس، والإتيان بها من ساحة المعركة إلى محضر رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) للتشفي، ولا لغيره.. وذلك بعيد عن منطق الرسول، وعن منهجه..
وقد كان هدف خوض هذه الحرب، هو دفع شر هؤلاء الطغاة عن أهل الإسلام، ولم يكن يراد التشفي بهم، بقطع رؤوسهم بعد موتهم، ولا بتعذيبهم في حياتهم..
وقد علمنا: أن علياً (عليهالسلام ) لم يجهز على عمرو بن عبد ود حين أساء إليه وشتم أمه، إلا بعد أن زال غضبه، لأنه أراد أن يكون قتله خالصاً لله تعالى.. كما تقدم.
ولما ضربه ابن ملجم (لعنه الله)، قال: (ما فعل ضاربي؟! أطعموه من طعامي، واسقوه من شرابي، فإن عشت فأنا أولى بحقي، وإن مت، فاضربوه ولا تزيدوه)(1) .
وفي نص آخر: (احبسوه، وأطيبوا طعامه، وألينوا فراشه، فإن أعش
____________
1- المناقب للخوارزمي ص280 و281 وكشف الغمة ج2 ص111 والفصول المهمة لابن الصباغ ج1 ص623 وأشار في الهامش إلى العديد من المصادر.
فعفو، أو قصاص)(1) .
ثالثاً: إذا كانت ضربته (عليهالسلام ) قد شقت رأس مرحب وجسده نصفين، حتى بلغ السرج كما في بعض النصوص(2) ، فإن قطع رأسه وحمله في هذه الحالة يصبح بمثابة جمع أشلاء، ولملمة قطع من جسد بشري، بصورة غير مستساغة، ولا يرضى الإنسان العادي بالإقدام عليها، فكيف بأنبل الناس، وأكرمهم وأشرفهم؟!
ولو أنه (عليهالسلام ) قطع رأس عمرو بن عبد ود أو غيره لرأيت قريشاً، وسائر من حاربهم من اليهود والمشركين يقطعون رؤوس قتلى المسلمين طيلة كل تلك الحروب التي دارت فيما بينهم.
أحداث خيبر بصيغة أخرى:
تقدم: أن النبي (صلىاللهعليهوآله )، قال لعلي (عليهالسلام ): قاتلهم حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً عبده ورسوله..
ولكن نصاً آخر ذكر تفصيلاً لهذه الوصية يحتاج إلى الكثير من التأمل، وهو أنه (صلىاللهعليهوآله ) حين دفع إليه الراية قال له:
____________
1- الثقات ج2 ص303 والأخبار الطوال ص215 والطبقات الكبرى لابن سعد = = ج3 ق1 ص25 و26 وراجع: أنساب الأشراف (بتحقيق المحمودي) ج2 ص459 و502 و504.
2- معارج النبوة ص323 و219.
(سر في المسلمين إلى باب الحصن، وادعهم إلى إحدى ثلاث خصال: إما أن يدخلوا في الإسلام، ولهم ما للمسلمين، وعليهم ما عليهم، وأموالهم لهم..
وإما أن يذعنوا للجزية والصلح، ولهم الذمة، وأموالهم لهم.
وإما الحرب.
فإن اختاروا الحرب فحاربهم.
فأخذها وسار بها والمسلمون خلفه، حتى وافى باب الحصن، فاستقبله حماة اليهود، وفي أولهم مرحب يهدر كما يهدر البعير.
فدعاهم إلى الإسلام فأبوا، ثم دعاهم إلى الذمة فأبوا، فحمل عليهم أمير المؤمنين (عليهالسلام )، فانهزموا بين يديه، ودخلوا الحصن، وردوا بابه، وكان الباب حجراً منقوراً في صخر، والباب من الحجر في ذلك الصخر المنقور كأنه حجر رحى، وفي وسطه ثقب لطيف.
فرمى أمير المؤمنين (عليهالسلام ) بقوسه من يده اليسرى، وجعل يده اليسرى في ذلك الثقب الذي في وسط الحجر دون اليمنى، لأن السيف كان في يده اليمنى، ثم جذبه إليه، فانهار الصخر المنقور، وصار الباب في يده اليسرى.
فحملت عليه اليهود، فجعل ذلك ترساً له، وحمل عليهم فضرب مرحباً فقتله، وانهزم اليهود من بين يديه؛ فرمى عند ذلك الحجر بيده اليسرى إلى خلفه، فمر الحجر الذي هو الباب على رؤوس الناس من المسلمين إلى أن وقع في آخر العسكر.
قال المسلمون: فذرعنا المسافة التي مضى فيها الباب فكانت أربعين ذراعاً، ثم اجتمعنا على الباب لنرفعه من الأرض، وكنا أربعين رجلاً حتى