• البداية
  • السابق
  • 352 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21347 / تحميل: 6166
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سرة المرتضى) الجزء 8

مؤلف:
العربية

أما العصبية المحمودة، فقد بينها أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) في خطبته المفصلة، بقوله: (فإن كان لا بد من العصبية، فليكن تعصبكم لمكارم الخصال، ومحامد الأفعال، ومحاسن الأمور)(1) .

سادساً: إن ملاحظة نصوص الحديث تشير: إلى أن أنس بن مالك قد موَّه على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

بل في بعضها: أنه كذب عليه ثلاث مرات.. وهذا يضع علامة استفهام كبيرة حول مدى استقامة أنس، وحول ما يدعى عدالة كل من رأى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، يستدلون على ذلك بآيات القرآن، وقد ذكرنا أن الآيات لا تدل على ذلك(2) .

والحديث الذي يكذب فيه أنس على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ويعترف هو بذلك هو التالي:

عن أنس: بعثتني أم سليم إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بطير مشوى، ومعه أرغفة من شعير، فأتيته به، فوضعته بين يديه، فقال: يا أنس، ادع لنا من يأكل معنا من هذا الطير، اللهم آتنا بخير خلقك.

____________

1- راجع: نهج البلاغة (بشرح عبده) ج2 ص150 وبحار الأنوار ج14 ص472 ومستدرك سفينة البحار ج7 ص251 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج13 ص166 ونور الثقلين ج4 ص338 وحياة الإمام الحسين (عليه‌السلام) للقرشي ج1 ص416.

2- راجع: صراع الحرية في عصر المفيد.

٢٤١

فخرجت فلم تكن لي همة إلا رجل من أهلي آتيه فأدعوه، فإذا أنا بعلي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، فدخلت فقال: أما وجدت أحداً؟!

قلت: لا.

قال: انظر فنظرت، فلم أجد أحداً إلا علياً.

ففعلت ذلك ثلاث مرات، ثم خرجت، فرجعت، فقلت: هذا علي بن أبي طالب يا رسول الله.

فقال: ائذن له. اللهم وإلي، اللهم وإلي، وجعل يقول ذلك بيده، وأشار بيده اليمنى يحركها(1) .

بل هو قد صرح في رواية أخرى عنه: بأنه إنما رد علياً (عليه‌السلام ) في المرات كلها حسداً منه، فراجع(2) . فإن هذا أشنع وأبشع أن تجد صحابياً يحسد أحب الخلق إلى الله ورسوله، ويجعل نفسه مصداقاً لقوله تعالى:( أَمْ يَحْسُدُونَ النَّاسَ عَلَى مَا آَتَاهُمُ اللهُ مِنْ فَضْلِهِ ) (3) ، ولقوله تعالى:( حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ) (4) .

سابعاً: في حديث آخر يعترف أنس: أنه يرد على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وأنه كذب على علي أيضاً.

____________

1- حلية الأولياء ج6 ص339 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص346.

2- تقدمت مصادر ذلك.

3- الآية 54 من سورة النساء.

4- الآية 109 من سورة البقرة.

٢٤٢

فهو يقول: لما وضع بين يديه قال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير.

قال أنس: أريد أن يأكله رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وحده. فجاء علي: فقلت رسول الله نائم.

قال: فرفع يده ثانية، وقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير، فجاء علي فقلت: رسول الله نائم.

قال: فرفع يده الثالثة: فقال: اللهم ائتني بأحب خلقك إليك، يأكل معي من هذا الطير.

قال أنس: كم أرد على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). أدخل.

فلما رآه قال: اللهم وإلي، فأكلا جميعاً(1) .

ملاحظة: قوله: اللهم وإلي، يريد أن يعطف كلمة إلي على كلمة إليك، ليصير الكلام هكذا: بأحب خلقك إليك وإليّ..

دلالات أخرى في حديث الطير:

وفي نص آخر يقول أنس: فلما دخل مسح رسول الله وجهه، ثم مسح رسول الله بوجه علي، ثم مسح وجه علي فمسحه بوجهه. فعل ذلك ثلاث مرات.

فبكى علي، ثم قال: ما هذا يا رسول الله؟!

____________

1- كفاية الطالب ص155 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص344.

٢٤٣

فقال: ولم لا أفعل بك هذا؟! وأنت تسمع صوتي، وتؤدي عني، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي.

ثم قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): اللهم إني سألتك أن تأتيني بأحب خلقك إليك، يأكل معي من هذا الطير، فجئت به. اللهم وإنه أحب خلقك إلي(1) .

ونقول:

دل هذا الحديث على أمور عديدة، نذكر منها:

1 ـ أن الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد مسح وجهه أولاً، ثم مسح وحه علي (عليه‌السلام ). أي أنه أراد أن يبارك على علي (عليه‌السلام ) بآثار وجهه هو (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). ثم مسح وجه علي (عليه‌السلام )، وأخذ من آثاره ومسح بها (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وجهه الشريف، لينال هو (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من بركات وجه علي (عليه‌السلام ).

وقد كرر ذلك ثلاث مرات، طلباً للمزيد من الثواب، ولتأكيد المعنى في الأذهان بصورة نهائية..

وهذا يبطل ما يزعمه بعض الناس من حرمة التبرك، واعتباره من الشرك.

2 ـ إن علياً (عليه‌السلام ) قد بكى فرحاً برضوان الله تبارك وتعالى،

____________

1- مقتل الحسين للخوارزمي ج1 ص46 ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه ص141 و 142 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص328.

٢٤٤

ولم يبك حزناً على شيء فاته، كما لم يأخذه الزهو والغرور، بل اعترف لله بالعبودية، وأن ما به من نعمة وفضل فمن الله سبحانه..

ولأجل ذلك سأل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن السبب الذي أوجب أن يفعل به ما فعله، فإنه لم ير نفسه مستحقاً لشيء من ذلك.

3 ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علل تبركه بعلي (عليه‌السلام ) بثلاثة أمور:

الأول: أنه يسمع صوته. أي بنحو لا يتيسر لغيره. أي أنه يسمعه في كل زمان ومكان.. وحيثما كان. فدل ذلك على أن الله تعالى قد حباه بهذه المنحة التي لا ينالها إلا من اختاره الله لأمر عظيم.. ولأنه يستحق هذا الأمر لأهلية واستعداد كان فيه.

كما أنه يشير بذلك إلى أنس ليعرفه أن علياً كان مطلعاً على الأمر، غير أنه كان يعامله بالعفو والصفح. كما أن ذلك يتضمن دلالة وإشارة إلى صفة من صفات إمامته (عليه‌السلام ).

الثاني: إنه يؤدي عنه. فدل ذلك على خلافته له، وعلى أنه حامل الأمانة بعده، ولا يكلف بهذه المهمة إلا من كان من الأولياء والأصفياء، الذين تلتمس البركة والزيادة والسمو الروحي والمادي منه.

الثالث: إنه يملك من المعارف والعلوم ما ليس لدى أحد سواه، فهو القادرعلى حل المشكلات، وإزالة الخلافات بعلمه الصائب، وحرصه على شرع الله، وعلى كل حقائق الدين، ومن كان كذلك، فإن التماس البركة منه يكون أولى وآكد، لأنه عالم عامل بعلمه.

٢٤٥

لا أهمية لأكل الطير:

وقال ابن تيمية: إن أكل الطير ليس فيه أمر عظيم هنا يناسب أن يجيء أحب الخلق إلى الله ليأكل معه. فإن إطعام الطعام مشروع للبر والفاجر، وليس في ذلك زيادة وقربة عند الله لهذا الآكل، ولا معونة على مصلحة دين ولا دنيا(1) .

وأجاب العلامة الحجة الشيخ محمد حسن المظفر بما يلي:

بل هنا أمر عظيم، وهو تعريف الأحب إلى الله للناس، بدليل وجداني، فإنه آكد من اللفظ، وأقوى في الحجة. كما عرفهم نبي الهدى (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): أن علياً حبيب الله في قصة خيبر، بإخبارهم: بأنه يعطي الراية من يحبه الله ورسوله، ويحب الله ورسوله، وأن الفتح على يده.

على أنه يكفي في المناسبة رغبة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بأن يأكل مع أحب الخلق إلى الله، وإليه(2) .

ألا يعرف النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أحب الخلق إلى الله؟!:

وقال ابن تيمية أيضاً: هذا الحديث يناقض مذهب الرافضة، لأنهم يقولون: إن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان يعرف أحب الخلق إلى الله. وإنه جعله خليفة من بعده. وهذا الحديث يدل على أنه ما كان يعرف أحب

____________

1- دلائل الصدق ج2 ص283.

2- دلائل الصدق ج2 ص283.

٢٤٦

الخلق إلى الله..

وأجاب العلامة الحجة المظفر أيضاً: بإنَّا لا نعرف وجه الدلالة على أنه لا يعرف.

أتراه لو قال: ائتني بعلي، يدل على عدم معرفته له؟!

وكيف لا يعرفه، وقد قال كما في بعض الأخبار: اللهم ائتني بأحب الخلق إليك وإلي؟!

وقال لعلي في نصٍ آخر: ما حبسك عليَّ؟!

وقال له في بعضها: ما الذي أبطأ بك؟!

فالنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان عارفاً، لكنه أبهم في الكلام ليحصل التعيين من الله سبحانه، فيعرف الناس: أن علياً (عليه‌السلام ) هو الأحب إلى الله تعالى بنحو الإستدلال(1) .

حديث الطير لا ينافي النبوة:

قال علي بن عبد الله الداهري: سألت ابن أبي داود بالري عن حديث الطير، فقال: إن صح حديث الطير فنبوة النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله ) باطلة، لأنه يحكي عن حاجب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) خيانة، وحاجب النبي لا يكون خائناً(2) .

____________

1- دلائل الصدق ج2 ص283.

2- تاريخ مدينـة دمشـق ج29 ص179 و (ط دار الفكـر) ج29 ص179 ترجمـة = = عبد الله بن سليمان بن الأشعث، المعروف بأبي بكر بن أبي داود الأزدي السجستاني، والكامل لابن عدي ج4 ص266 وسير أعلام النبلاء ج13 ص231 و 517.

٢٤٧

ونقول:

أولاً: لا ملازمة بين خيانة حاجب النبي، وبين بطلان نبوة ذلك النبي.. فقد يكون الحاجب مؤمناً، وقد يكون منافقاً وفاسقاً، وقد يكون عالماً وقد يكون جاهلاً.. وقد.. وقد..

ثانياً: قال تعالى:( ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَامْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلَا النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ ) (1) . فهل كفر زوجة نبي، أو كفر ابن نوح يبطل نبوة ذلك النبي؟!

حديث الطير وعموم الأفضلية:

وأشكل في المواقف وشرحها على الحديث: بأنه لا يفيد أنه أحب إليه في كل شيء، لصحة تقسيم وإدخال لفظ الكل والبعض، ألا ترى أنه يصح أن يستفسر ويقال: أحب إليه في كل الأشياء، أو في بعض الأشياء، فلا يدل على الأفضلية مطلقاً.

والجواب: أن الإطلاق مع عدم القرينة على الخصوص يفيد العموم في مثل المقام، ألا ترى أن كلمة الشهادة تدل على التوحيد، وبمقتضى ما ذكرناه

____________

1- الآية 10 من سورة التحريم.

٢٤٨

ينبغي أن لا تدل عليه، لإمكان الإستفسار بأنه لا إله إلا هو في كل شيء، أو في السماء، أو في الأرض، إلى غير ذلك، فلا تفيد نفي التشريك مطلقاً، وهذا لا يقوله عارف، والعجب منهمما أن يقولا ذلك، وهما يستدلان على فضل أبي بكر بقوله تعالى:( وَسَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى ) (1) . زاعمين: أن المراد بالأتقى أبو بكر، فيكون أفضل. والحال أنه يمكن الإستفسار بأنه الأتقى في كل شيء، أو في بعض الأشياء، مضافاً إلى أنه لا يصح حمل الحديث على إرادة الأحب في بعض الأمور، وإلا لجاء مع علي (عليه‌السلام ) كل من هو أحب منه بزعمهم في بعض الأمور كالشيخين، لاستجابة دعاء النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، والحال أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد ردهما كما في حديث النسائي، ونحن نمنع أن يكون أحد أحب إلى الله سبحانه بعد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) من علي (عليه‌السلام ) في شيء من الأشياء، لما سبق في المبحث الثاني من مباحث الإمامة: أن الإمام أفضل الناس في كل شيء، فيكون أحب إلى الله تعالى في كل شيء(2) .

____________

1- الآية 17 من سورة الليل.

2- دلائل الصدق ج2 ص282 ـ 283.

٢٤٩

٢٥٠

الفصل التاسع:

من أحاديث الإمامة..

٢٥١

٢٥٢

النداء بالولاية بعد الغدير:

وقبل وفاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بتسعة عشر يوماً كان النداء بالولاية، الذي رواه الإمام الكاظم، عن أبيه عن جده (عليهم‌السلام )، عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) قال:

أمرني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن أخرج فأنادي في الناس: ألا من ظلم أجيراً أجره فعليه لعنة الله. ألا من توالى غير مواليه فعليه لعنة الله. ألا ومن سب أبويه فعليه لعنة الله.

قال علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ): فخرجت فناديت في الناس كما أمرني النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

فقال لي عمر بن الخطاب: هل لما ناديت به من تفسير؟!

فقلت: الله ورسوله أعلم.

قال: فقام عمر وجماعة من أصحاب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فدخلوا عليه، فقال عمر: يا رسول الله، هل لما نادى علي من تفسير؟!

قال: نعم، أمرته أن ينادي: ألا من ظلم أجيراً أجره فعليه لعنة الله، والله يقول:

٢٥٣

( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) ، فمن ظلمنا فعليه لعنة الله.

وأمرته أن ينادي: من توالى غير مواليه فعليه لعنة الله، والله يقول:( النَّبِيُّ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ) (2) ، ومن كنت مولاه فعلي مولاه، فمن توالى غير علي فعليه لعنة الله.

وأمرته أن ينادي: من سب أبويه فعليه لعنة الله، وأنا أشهد الله وأشهدكم أني وعلياً أبوا المؤمنين، فمن سب أحدنا فعليه لعنة الله.

فلما خرجوا قال عمر: يا أصحاب محمد، ما أكد النبي لعلي في الولاية في غدير خم، ولا في غيره، أشد من تأكيده في يومنا هذا.

قال خباب بن الأرت: كان هذا الحديث قبل وفاة النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بتسعة عشر يوماً(3) .

ونقول:

1 ـ إن هذا النداء بمضمونه، لا بد أن يثير لدى الناس أكثر من سؤال، فإن الأمور التي نادى بها لا يجهل الناس حرمتها، وليس في النداء بها إبهام في معناها القريب والظاهر. ولكن نفس هذا الوضوح هو منشأ الغموض،

____________

1- الآية 23 من سورة الشورى.

2- الآية 6 من سورة الأحزاب.

3- بحار الأنوار ج22 ص489 عن ابن طاووس، وغاية المرام ج3 ص232 والصراط المستقيم ج2 ص93.

٢٥٤

فإنهم يعلمون: أن وضوحه يجعل النداء به على هذا النحو غير مفهوم.

ولو كان ثمة من يحتاج إلى تذكير وتأكيد على الحرمة، فيمكن القيام بذلك في الجلسات، وفي خطب الجمعة، وعند حضورهم لصلاة الجماعة وما إلى ذلك.

فإذا وجد الناس للوهلة الأولى أنه ضرورة للنداء، فلا بد أن تثور الأسئلة لديهم عن سبب ذلك ومغزاه..

2 ـ ثم إنهم لا بد أن يتساءلوا عن الجامع الذي برر جمع هذه الثلاثة، في نداء واحد، إذ لماذا ربط (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بين ظلم الأجير أجره، وبين تولي الإنسان غير مواليه؟! ثم ما الذي برر ضم هذين إلى موضوع سب الأبوين؟!

3 ـ كما أن تولي أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، وانتدابه للقيام بهذا النداء، يثير هو الآخر التعجب والتساؤل..

4 ـ ولأجل ذلك بادر عمر بن الخطاب إلى سؤال علي (عليه‌السلام ) عن تفسير ذلك، ولكنه لم يجد الجواب عند علي (عليه‌السلام )، بل أحال علم ذلك على الله ورسوله.. فزاد بذلك الحماس لمعرفة الدوافع والأسباب، واتسعت دائرة الإتهامات، وكثر المهتمون باستجلاء الحقيقة..

5 ـ ولم يعد الأمر مقصوراً على عمر، بل تعداه إلى غيره، فقام معه جماعة من أصحاب النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فدخلوا على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وسألوه عن الأمر.. ولم نجدهم يفعلون مثل ذلك في الحالات المشابهة، فدل ذلك على أنهم رأوا أن النداء يتضمن أمراً خفياً، وأنه

٢٥٥

يعنيهم الإطلاع عليه.

6 ـ وكانت المفاجأة الكبرى لعمر في تفسير رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لمضمون النداء، حيث ظهر له أنه يضارع في خطورته وأهميته ما جرى في يوم عرفة، وفي يوم الغدير. وأنه مكمل لهما..

فالمراد بالأجير: أهل البيت (عليهم‌السلام )، وعلى الأمة أن تؤدي لهم (عليهم‌السلام ) أجر إبلاغ الرسالة بنص القرآن الكريم:( قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً إِلَّا المَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى ) (1) .

والمراد بالمولى الذي يجب توليه، ويلعن الله من تولى غيره هو علي (عليه‌السلام )، الذي هو أولى بالمؤمنين من أنفسهم. وهو ـ كرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ـ مولى كل مؤمن ومؤمنة..

والمراد بالأب الذي لا يجوز سبه، ويلعن الله تعالى من يسبه هو علي أيضاً..

7 ـ يبدو لنا: أن قوله في الفقرة الثالثة: من سب أبويه فعليه لعنة الله، كان هو المفتاح الذي أراد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يفتح به أبواب الحيرة أمام عمر وغيره من الصحابة، حيث لا بد أن يستوقفهم الحديث عن سب الأبوين ، في حين أن المتعارف هو الحديث عن عقوقهما في مقابل برهما..

واللافت هنا: أن علياً (عليه‌السلام ) قد سب على منبر أهل الإسلام

____________

1- الآية 23 من سورة الشورى.

٢٥٦

حوالي ألف شهر.

8 ـ وقد اعترف عمر بن الخطاب نفسه مباشرة هنا بأن التأكيد على الولاية في هذا النداء أشد مما جرى في غدير خم وغيره من شأن هذا أن يضاعف من مسؤوليته عما جرى حين وفاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وسوف يصعب عليه التماس العذر لنفسه. وكذلك التماس الناس له العذر في ذلك..

9 ـ ولا ينبغي أن نهمل الإشارة هنا إلى أنه قد ظهر أن الذي تعارف عليه الناس هو إرادة الأب والأم معاً من كلمة (الأبوين)، ولكن قد ظهر في هذه الرواية: أن المراد بهما: النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وعلي (عليه‌السلام ).. وذلك على القاعدة التي أطلقها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): (أنا وعلي أبوا هذه الأمة).

10 ـ وقد أظهر ما جرى: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان يمارس أرقى الأساليب المؤثرة في تركز المفهوم في اذهان الناس.. وبصورة تفرض على الآخرين الحرص بأقوى صوره على اقتناص الفكرة التي يريد إبلاغهم إياها قبل أن يتفوه بها.. رغم أن تلك الفكرة قد تكون مُرَّةً بالنسبة لأولئك الناس.. وربما يكونون في الحالات العادية من أشد الناس اهتماماً بخنقها، وبالتعتيم عليها، ومصادرتها، أو اغتيالها من عقول الناس، فإن لم يمكنهم ذلك عملوا على مسخها، وتشويهها بكل الوسائل..

إخراج الإمامة عن دائرة الإختيار:

1 ـ عن ثابت، عن أنس، قال: انقضَّ كوكب على عهد رسول الله

٢٥٧

(صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): انظروا إلى هذا الكوكب، فمن انقضَّ في داره، فهو الخليفة من بعدى.

فنظروا، فإذا هو قد انقضَّ في منزل علي (عليه‌السلام )، فأنزل الله تعالى:( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) (1) )(2) .

2 ـ وفيه أيضاً: بسنده إلى سعيد بن جبير، عن ابن عباس، قال: كنت جالساً مع فتية من بني هاشم عند النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، إذ انقضَّ كوكب، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): من انقضَّ هذا النجم في منزله، فهو الوصي من بعدى.

فقام فتية من بني هاشم، فنظروا، فإذا الكوكب قد انقضَّ في منزل علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ). قالوا: يا رسول الله، قد غويت في حب علي (عليه‌السلام )، فأنزل الله تعالى :( وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا

____________

1- الآيات 1 ـ 4 من سورة النجم.

2- المناقب لابن المغازلي ص266 رقم الحديث 313، والعمدة لابن البطريق ص90 وبحار الأنوار ج35 ص280 وراجع: مدينة المعاجز ج2 ص435 وشواهد التنزيل ج2 ص275 و 276 وميزان الإعتدال ج2 ص45 ولسان الميزان ج2 ص449 وكشف اليقين ص408 والشهب الثواقب للشيخ محمد آل عبد الجبار ص61 وغاية المرام ج1 ص228 و ج4 ص231 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج4 ص86 و 353 وج14 ص297 و15 ص210

٢٥٨

غَوَى وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الهَوَى إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ) إلى قوله تعالى:( وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَ ) (1) )(2) .

3 ـ عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: اجتمع أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ليلة في العام الذي فتح فيه مكة، وقالوا: يا رسول الله، من شأن الأنبياء، أنهم إذا استقام أمرهم أن يوصوا إلى وصي، أو من يقوم مقامه بعده، ويأمر بأمره، ويسير في الأمة بسيرته.

فقال (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): قد وعدني ربي بذلك، أن يبين لي ربي عز وجل من يختاره للأمة خليفة بعدي. ومن هو الخليفة على الأمة: بأنه ينزل

____________

1- الآيات 1 ـ 7 من سورة النجم.

2- المناقب لابن المغازلي ص310 رقم الحديث 353، والعمدة لابن البطريق ص78 وشواهد التنزيل ج2 ص278 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص392 وراجع: مناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج1 ص556 والصراط المستقيم ج1 ص232 والطرائف لابن طاووس ص22 وكتاب الأربعين للشيرازي ص42 وحلية الأبرار ج2 ص444 ومدينة المعاجز ج2 ص436 وبحار الأنوار ج35 ص283 وكتاب الأربعين للماحوزي ص119 وتفسير فرات ص451 وخصائص الوحي المبين ص95 ونهج الإيمان ص198 وتأويل الآيات ج2 ص620 والشهب الثواقب للشيخ محمد آل عبد الجبار ص57 وغاية المرام ج2 ص145 وج4 ص231 وشرح إحقاق الحق (المحقات) ج3 ص336 وج4 ص85 وج14 ص294 وج15 ص136 وج30 ص78.

٢٥٩

من السماء نجم، ليعلموا من الوصي بعدي.

قال: فلما فرغوا من صلاتهم، صلاة العشاء الآخرة، في تلك الساعة. والناس ينظرون ما يكون، وهي ليلة مظلمة، لا قمر فيها، وإذا بضوء قد أضاء منه المشرق والمغرب.

وقد نزل نجم من السماء إلى الأرض، وجعل يدور على الدور، حتى وقف على حجرة علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) وله شعاع عظيم هائل.

وقد أضاءت بشعاعه الدور، وقد فزع الناس، وصار على الحجرة.

قال: فجعل الناس يكبرون ويهللون، وقالوا: يا رسول الله، نجم من السماء، قد نزل على ذروة حجرة دار علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ).

قال: فقام، وقال: هو ـ والله ـ الوصي من بعدي، والقائم بأمري، فأطيعوه ولا تخالفوه، وقدموه ولا تتقدموا عليه، فهو والله خليفة الله في أرضه بعدي.

قال: فخرج الناس من عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

فقال واحد من المنافقين: ما يقول محمد في ابن عمه إلا بالهوى، وقد ركبته الغواية حتى لو أمكن أن يجعله نبياً، لجعله نبياً.

قال: فنزل جبرئيل (عليه‌السلام ) وقال: يا محمد، ربك يقرؤك السلام، ويقول لك إقرأ:

( بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى، مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا

٢٦٠