• البداية
  • السابق
  • 352 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 21346 / تحميل: 6166
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سرة المرتضى) الجزء 8

مؤلف:
العربية

ويحزنون لحزننا(1) . فهل يمكن أن نتصور علياً (عليه‌السلام ) لا يفرح لفرح رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وهما قد خلقا من نور واحد، ومن شجرة واحدة، وسائر الناس من شجر شتى؟!(2) .

____________

1- شجرة طوبى ج1 ص3 و 6 وراجع: الخصال ص635 وبحار الأنوار ج10 ص114 وج44 ص287 والعوالم، الإمام الحسين (عليه‌السلام " ص525 وعيون الحكم والمواعظ للواسطي ص152 ولواعج الأشجان ص5 ومستدرك سفينة البحار ج6 ص117 وتأويل الآيات ج2 ص667 وغاية المرام ج4 ص266 ومكيال المكارم ج2 ص156 والمجالس الفاخرة في مصائب العترة الطاهرة ص73 و 162.

2- المستدرك للحاكم ج2 ص241 ومجمع الزوائد ج9 ص100 والمعجم الأوسط ج4 ص263 ونظم درر السمطين ص79 وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج11 ص608 وتاريخ مدينة دمشق ج42 ص64 وميزان الإعتدال ج2 ص306 وسبل الهدى والرشاد ج11 ص296 ومناقب علي بن أبي طالب لابن مردويه ص265 وشواهد التنزيل ج1 ص375 و 554 والجامع لأحكام القرآن ج9 ص283 والدر المنثور ج4 ص44 وتفسير الثعلبي ج5 ص270 ومجمع البيان ج2 ص311 وج6 ص11 وخصائص الوحي المبين ص242 و 246 والخصال للصدوق ص21 وعيون أخبار الرضا ج1 ص78 ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج1 ص476 و 480 وشرح الأخبار ج2 ص578 وإقبال الأعمال لابن طاووس ج1 ص506 والصراط المستقيم ج1 ص228 وبحار = = الأنوار ج21 ص279 وج22 ص278 وج35 ص25 و 301 وج36 ص180 وج37 ص38 وج40 ص78 وج99 ص106 ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج1 ص135 وكشف الغمة ج1 ص323 وراجع: إحقاق الحق (الملحقات) ج5 ص255 ـ 266 وج7 ص180 ـ 184 وج9 ص150 ـ 159 وكتاب فضائل الخمسة ج1 ص171.

٢٨١

ضغائن تبدو بعد وفاة الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

وعن الضغائن التي أشار إليها رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) نقول:

إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يخبر عن أمر غيبي، تلقاه من جبرئيل، وحدد له من تفاصيله، ما تقشعر له الأبدان، وتنبو عنه وتأباه النفوس.

ولا شيء يوجب نشوء هذه الضغائن إلا أنه (عليه‌السلام ) قد وترهم، وأبار كيدهم، وأسقط عنفوان الباطل فيهم..

أو أنهم حسدوه لفضائله وميزاته، وما حباه الله به.

أو أنهم وجدوا فيه ما يمنعهم من بلوغ أهدافهم، وتحقيق مآربهم، وطموحاتهم الباطلة..

أو أنهم أبغضوا فيه التزامه بالحق، وحمايته له، وسحقه مناوئيه..

ما يهمُّ علياً (عليه‌السلام ):

وقد بين علي (عليه‌السلام ): أن ما يهمه ليس هو ما يتعرض له من ظلم، ومنع حق، وقتال، وقتل للأولاد والذرية، وسائر أنواع الأذى، بل ما

٢٨٢

يهمه هو: حفظ الدين والحق، ولذلك قال: (أتخاف فيها هلاك ديني)؟!(1) .

آية اللعن:

والذي يدعو للتأمل قول النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله ):( أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ ) (2) ، مع أن هؤلاء الملعونين يعدون أنفسهم، ويعدهم كثير من جملة المسلمين، والآية ترشد إلى مطلوبية لعن الناس لهم، ومحبوبيته. فدعوى مرجوحية اللعن بصورة مطلقة تصبح في غير محلها. ولهذا البحث مجال آخر..

مبغض علي (عليه‌السلام ) رديء الولادة:

عن زيد بن يثيع قال: سمعت أبا بكر الصديق يقول: رأيت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قال ـ وقد خيَّم خيمة، وهو متكئ على قوس عربية، وفي الخيمة علي، وفاطمة، والحسن، والحسين (عليهم‌السلام ) ـ: أنا سلم لمن سالم أهل الخيمة، وحرب لمن حاربهم، وولي لمن والاهم، لا يحبهم إلا سعيد الجد، طيب المولد، ولا يبغضهم إلا شقي الجد، رديء الولادة

فقال رجل: يا زيد، أنت سمعت من أبي بكر هذا؟!

____________

1- بحار الأنوار ج41 ص5 ومناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج2 ص121 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص386.

2- الآية 159 من سورة البقرة.

٢٨٣

قال: إي ورب الكعبة(1) .

ونقول:

1 ـ إن الروايات المصرحة بأن مبغض علي(عليه‌السلام ) رديء الولادة أو ابن زنا كثيرة، رواها أهل السنة والشيعة على حد سواء.. وهذا الخبر واحد منها. وكذلك الخبر الآتي.

2 ـ إن زيد بن يثيع يقسم على أنه قد سمع ذلك من أبي بكر بعد أن سأله سائل: إن كان قد سمع ذلك منه حقيقة.. حيث يبدو أن السائل لم يتعقل صدور هذا الأمر من أبي بكر، الذي نازع علياً (عليه‌السلام ) في الخلافة، وجرت الأمور على النحو المعروف. وحصل ما حصل..

3 ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد جعل رداءة الولادة وطيبها مرتبطة بحب ثلاثة آخرين غير علي (عليه‌السلام )، وهم فاطمة والحسنان (عليهم‌السلام ).. وهذا لا ينافي إقتصار سائر الروايات على ذكر علي (عليه‌السلام ) ،

____________

1- الفصول المئة ج3 ص288 عن فرائد السمطين ج2 ص373 والأربعون حديثاً لمنتجب الدين بن بابويه ص19 والمناقب للخوارزمي ص296 وجواهر المطالب لابن الدمشقي ج1 ص174 وشرح إحقاق الحق ج9 ص165 وج18 ص415 وج25 ص238 وج26 ص259 وج27 ص95 وج33 ص89 وشرح الأخبار ج3 ص515 والغدير ج1 ص336 وج4 ص323 والنص والإجتهاد ص90 عن سمط النجوم ج2 ص488 والرياض النضرة (ط مكتبة الخانجي بمصر) ج2 ص189.

٢٨٤

فإن إثبات شيء لشيء لا يعني الإنحصار به، بل قد يشاركه غيره فيه..

النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يشهر علياً (عليه‌السلام ):

عن أنس بن مالك قال: كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إذا أراد أن يشهر علياً في موطن أو مشهد علا على راحلته، وأمر الناس أن ينخفضوا دونه.

وإن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) شهر علياً يوم خيبر، فقال:

يا أيها الناس، من أحب أن ينظر إلى آدم في خلقه ـ وأنا في خلقي ـ وإلى إبراهيم في خلته، وإلى موسى في مناجاته، وإلى يحيى في زهده، وإلى عيسى في سنه، فلينظر إلى علي بن أبي طالب، إذا خطر بين الصفين كأنما يتقلع من صخر، أو يتحدر من دهر.

يا أيها الناس، امتحنوا أولادكم بحبه، فإن علياً لا يدعو إلى ضلالة، ولا يبعد عن هدى، فمن أحبه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم.

قال أنس بن مالك: وكان الرجل من بعد يوم خيبر يحمل ولده على عاتقه، ثم يقف على طريق علي، وإذا نظر إليه يوجِّهه بوجهه تلقاءه، وأومأ بإصبعه: أي بني تحب هذا الرجل المقبل؟!

فإن قال الغلام: نعم، قبله.

وإن قال: لا، حرف (لعل الصحيح: ضرب) به الأرض، وقال له: الحق بأمك، ولا تلحق أبيك بأهلها [كذا]، فلا حاجة لي فيمن لا يحب علي

٢٨٥

بن أبي طالب (عليه‌السلام )(1) .

ونقول:

نستفيد من هذا النص أموراً، نذكر منها:

1 ـ إنه قد تكرر إشهار النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) علياً (عليه‌السلام ) في المواطن والمشاهد حتى أصبح مألوفاً للناس..

2 ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) كان يتخذ وضعاً خاصاً للقيام بعمله هذا، صار الناس يعرفون طريقته، وحالاته، فإذا رأوا تلك الحالات عرفوا أن ثمة أمراً يرتبط بعلي، وأنه يريد إشهاره وإعلانه، وهو أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يعلو على راحلته، ويأمر الناس بالإنخفاض دونه، وهذا الذي جرى في خيبر كان أحد تلك المشاهد.

3 ـ ودلت الصفات التي أطلقها (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) على أنه قد حوى من صفات الكمال والجمال أتمها وأفضلها، فقد حوى من صفات آدم (عليه‌السلام ) صفات كماله في خلقته، ومن صفات النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أخلاقه الفاضلة، وأخذ أيضاً خلة إبراهيم، ومناجاة موسى، وزهد يحيى، وسن (أو سنة) عيسى.

أي أنه (عليه‌السلام ) قد حاز الصفات التي امتاز بها الأنبياء، وجاراهم

____________

1- ترجمة الإمام علي بن أبي طالب (ط بيروت) ج2 ص224 وتاريخ مدينة دمشق (ط دار الفكر) ج42 ص288 و (ط مكتبة المرعشي) ج15 ص611 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج15 ص611 وج21 ص364.

٢٨٦

بها، حتى إن النظر إليه يكفي عن النظر إلى جميع الأنبياء، لأن الناظر إلى كل شخص لا بد أن ينجذب إلى الصفة التي كملت فيه حتى امتاز بها. ولكنه حين ينظر إلى علي (عليه‌السلام )، فإنه ينجذب إلى جميع الصفات، لأنها امتازت كلها فيه..

4 ـ ويلاحظ: أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد وقف هذا الموقف في خيبر بالذات، ليدل على أن ما جرى على يد علي (عليه‌السلام ) لا ينبغي أن يتعامل معه بنظرة ضيقة ومحدودة، تجعل من علي (عليه‌السلام ) مجرد رجل شجاع وقوي. بل لا بد أن ينظر إلى علي (عليه‌السلام ) كله في صفاته الخلقية، والخلقية، والنفسية، والإيمانية، ومقاماته الروحية، وفضائله، وفي نهجه، وفي هداه وكمالاته كلها.

5 ـ وأقوى تحذير يمكن أن نتصوره لمن يختار مناوأة أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ومعاداته هو هذا البيان الصريح والقاطع الذي يضع من يعاديه من أهل الهوى والعصبية الجاهلية أمام أصعب الخيارات، حيث يطعن في شرفه، ويضع علامة استفهام على طهارة مولده.

6 ـ وقد أصبح هذا البيان النبوي معياراً، يكشف الناس به الخفايا، ويظهرون به الخبايا، لأنهم على يقين من صدق نبيهم، ومن أنه لا ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى

وقد كان جابر (رحمه‌الله ) يقول: كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي

٢٨٧

طالب(1) ، وعن عبادة بن الصامت مثله. والروايات حول ذلك كثيرة.

وقد اضطر كثير من الناس من أعداء علي (عليه‌السلام ) إلى التظاهر بحب علي (عليه‌السلام ) لإثبات براءتهم مما يرميهم به الناس، مع أن قرائن الأحوال لا تؤيد هذه البراءة..

إمتحان الأولاد بحب علي (عليه‌السلام ):

روى الصفوري الشافعي: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أمر أصحابه يوم خيبر بأن يمتحنوا أولادهم بحب علي بن أبي طالب، فإنه لا يدعو إلى ضلالة ولا يبعد عن هدى، فمن أحبه فهو منكم، ومن أبغضه فليس منكم.

قال أنس: فكان الرجل بعد ذلك يقف بولده على طريق علي، فيقول: يا بني أتحب هذا؟!

فإن قال: نعم، قبله.

____________

1- شرح الأخبار ج1 ص446 وتفسير نور الثقلين ج5 ص45 وشواهد التنزيل ج1 ص449 وراجع: الرواشح السماوية للأسترآبادي ص137والغدير ج3 ص26 وج4 ص322 وتفسير مجمع البيان ج9 ص177 وراجع: الإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص158 و 160 وتفسير جوامع الجامع ج3 ص372 والتفسير الصافي ج5 ص30 وج6 ص482 ونهج الإيمان ص456 والنهاية في غريب الحديث ج1 ص161 وشرح إحقاق الحق ج7 ص266 وج14 ص656 وج17 ص250 وج21 ص365 ـ 367.

٢٨٨

وإن قال: لا، طلق أمه وتركه معها(1) .

عن عبادة الصامت قال: كنا نبور أولادنا بحب علي بن أبي طالب (عليه‌السلام )، فإذا رأينا أحدهم لا يحب علي بن أبي طالب علمنا أنه ليس منا، وأنه لغير رشدة.

ثم قال الجزري: لغير رشدة: ولد زنا. وهذا مشهور من قديم وإلى اليوم، أنه ما يبغض علياً إلا ولد زنا(2) .

عن أبي سعيد الخدري: كنا معشر الأنصار نبور أولادنا بحبهم علياً (عليه‌السلام )، فإذا ولد فينا مولود فلم يحبه، عرفنا أنه ليس منا.

قوله: نبور: نختبر ونمتحن(3) .

ونقول:

إن هذه الأحاديث قد تضمنت أموراً تحتاج إلى بسط في البيان، ربما لا نستطيع أن نوفره في الوقت الحاضر، غير أننا نشير إلى ما يلي:

____________

1- نزهة المجالس ج2 ص208 والمحاسن المجتمعة (مخطوط) ص161 عن الزهر الفاتح، وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج17 ص249 وج30 ص301.

2- أسنى المطالب ص57 والغدير ج3 ص26 وج4 ص322.

3- أسنى المطالب ص58 والغدير ج4 ص322 والإمام علي بن أبي طالب للهمداني ص159 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج21 ص367 و 368.

٢٨٩

اختبار المولود:

إن موضوع الحب والبغض أمر قلبي جوانحي، لا بد من الإحساس به وإدراكه قبل التعبير عنه بالكلمة، أو بالإشارة ونحوها. والمولود لا يكون مؤهلاً عادة لمثل هذا الإمتحان..

وإذا كان الحب والبغض يحتاج إلى محفزات، ولنفترض أن ذلك الطفل قد كبر حتى صار عمره عدة سنوات، فإن أجواءه قد لا تسمح له بالتعرف على محاسن علي (عليه‌السلام )، حيث يكون له عالمه الخاص به، واهتماماته المناسبة لسنه، فما معنى أن يمتحن المولود بحب علي (عليه‌السلام )..

وهل يمكن الإعتماد على ما يظهره المولود إذا كان لا يتعقل ما يقول، ويتابع غيره فيما يقول وفيما يفعل؟! فلعله ابتلى بمن كان يعلمه بغض علي (عليه‌السلام )، ويوحي إليه بما ينفره منه.. فكيف تؤاخذ أمه على أمر من هذا القبيل، ثم تتهم به، وتطلق، وتمزق العائلة؟!

ويمكن أن يجاب: بأن الله تعالى يقول:( لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْساً إِلَّا مَا آَتَاهَا ) (1) . فلو لم يؤته الله سبحانه حب علي (عليه‌السلام ) وإمكان التعبير عنه، وإلهامه الصواب والصدق فيه، لم يعرِّض الله كرامة أمه للخطر، وحياتها للإنتكاس.

ومن الذي قال: إنه تعالى لم يوجد بين القلوب والأرواح علاقات وروابط لا تنالها إدراكاتنا، تجعلها تتواصل، وتتحابب وتتنافر بصورة

____________

1- الآية 7 من سورة الطلاق.

٢٩٠

طبيعية، وحتى من دون أن يتم لقاء وتعارف مباشر بين الأشخاص. فقد روي: أن الأرواح جند مجندة، فما تعارف منها ائتلف، وما تناكر منها اختلف(1) .

وقيل: من القلب إلى القلب سبيل(2) .

هذا المعيار حساس:

وقد لوحظ: أن هذا المعيار الذي جعله الله، قد جاء في غاية الحساسية والأهمية، بالنسبة للناس الغيورين على نسائهم، والمهتمين بسلامة شرفهم، وطهارة ذيلهم.

____________

1- راجع: روضة الواعظين ص492 والأمالي للصدوق ص209 وعلل الشرائع ج1 ص84 ومن لا يحضره الفقيه ج4 ص380 ومختصر بصائر الدرجات ص214 وراجع: المسائل السروية ص37 والتحفة السنية (مخطوط) ص84 ونهج السعادة ج8 ص254 وعون المعبود ج13 ص124 وراجع: بصائر الدرجات ص109 و 411 وكتاب المؤمن للحسين بن سعيد ص39 والإعتقادات في دين الإمامية للصدوق ص48 والإختصاص للمفيد ص311 وعوالي اللآلي ج1 ص288 ومدينة المعاجز ج2 ص197 وبحار الأنوار ج2 ص265 وج5 ص241 و 261 وج6 ص294 وج25 ص14 وج45 ص404 وج58 ص31 و 63 و 64 و 79 و 80 و 106 و 134 و 139 و 144 وج65 ص205 و 206.

2- راجع: تفسير الآلوسي ج23 ص214.

٢٩١

وهو بنفسه يثير الحماس لممارسة هذا الإختبار، ويثير الخوف والرهبة منه أيضاً.. ويدعو للحذر من مخالفته مقتضياته. والتحفظ من تبعات الفشل في الإمتحان فيه.

كما أنه معيار لمدى ثقة الإنسان المؤمن، بربه ونبيه.

الحادثة في خيبر:

وبما أن العنايات الإلهية، والألطاف الربانية، والكرامة الظاهرة لكل ذي عينين قد تجلت في معركة خيبر، بنحو يوجب اليقين، وزوال أدنى شك أو ريب بها، فمن الطبيعي أن يطلق النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) هذا المعيار البالغ في دقته وحساسيته، وآثاره على المشاعر، وخطورته على البنية العائلية ـ من الطبيعي أن يطلقه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ـ في خصوص هذه المناسبة، ليمكن للناس أن يفهموه وأن يستوعبوه، وأن يتقبلوه بنفوس أبية، وبأريحية وحمية، وهكذا كان..

٢٩٢

الباب الثالث عشر:

المرض.. والوفاة..

٢٩٣

٢٩٤

الفصل الأول:

وصايا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في مرض الوفاة..

٢٩٥

٢٩٦

إبعثي بها إلى علي (عليه‌السلام ):

عن سهل بن سعد قال: كان عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سبعة دنانير وضعها عند عائشة، فلما كان في مرضه قال: يا عائشة، ابعثي الذهب إلى علي، ثم أغمي عليه، وشغل عائشة ما به، حتى قال ذلك مراراً، كل ذلك يغمى على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ويشغل عائشة ما به، فبعث به إلى علي فتصدق به(1) .

ونقول:

1 ـ لا نرى مبرراً لتواني عائشة عن امتثال أمر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ولا سيما بعد أن كرره عليها مراراً، إلا أنها لم تشأ أن ترسلها إلى علي (عليه‌السلام )، الذي كانت لا تطيق ذكره بخير أبداً..

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج12 ص250 عن ابن سعد والطبراني برجال الصحيح، وراجع: مجمع الزوائد ج3 ص124 والعهود المحمدية للشعراني ص158 والطبقات الكبرى لابن سعد ج2 ص239 وإمتاع الأسماع ج14 ص515 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج8 ص627 والمعجم الكبير ج6 ص198 و السيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص472.

٢٩٧

2 ـ ألا يعتبر ما فعلته عائشة من موجبات الأذى لرسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

3 ـ لا نستطيع أن نصدق أن الناس قد تركوا النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وحده في مرض موته، بحيث تنشغل به زوجته بمفردها، وهل يمكن أن تتركه فاطمة، وسائر زوجاته، والحسنان، وزينب، وغيرهن؟!..

بل إن نفس الرواية قد صرحت بوجود أشخاص آخرين كان يمكنها أن تبعث الدنانير مع واحد منهم.. وهو نفس الشخص الذي بعث النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) الدنانير معه، بعد أن استنقذها من عائشة..

بل إن نفس قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): ابعثي الذهب إلى علي، يدل على تمكنها من فعل ذلك، وأن الأشخاص الذين يمكن أن يطلب منهم ذلك كانوا في متناول يدها.

وصية رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

عن إبراهيم بن شيبة الأنصاري، قال: جلست إلى الأصبغ بن نباته، قال: ألا أقرئك ما أملاه علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ).

فأخرج إلي صحيفة، فإذا مكتوب فيها:

بسم الله الرحمن الرحيم

(هذا ما أوصى به محمد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أهل بيته وأمته. وأوصى أهل بيته بتقوى الله ولزوم طاعته.

وأوصى أمته بلزوم أهل بيته.

٢٩٨

وأهل بيته يأخذون بحجزة نبيهم (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وإن شيعتهم يأخذون بحجزهم يوم القيامة.

وإنهم لن يدخلوكم باب ضلالة، ولن يخرجوكم من باب هدى)(1) .

ونقول:

1 ـ إن هذه الرواية ذكرت: أن علياً (عليه‌السلام ) أملى وصية رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) على الأصبغ، ولم تذكر: أن هذه الوصية كانت مكتوبة عند علي (عليه‌السلام )، فيحتمل أن يكون (عليه‌السلام ) قد أملاها على الأصبغ من حفظه.

2 ـ لا يشترط في الوصية أن تكون مكتوبة، بل تكفي الوصية بالقول.

3 ـ ويؤكد هذه الوصية شهرة علي (عليه‌السلام ) باسم الوصي.. وقد ذكرنا في موضع آخر من هذا الكتاب طائفة من الأشعار المتضمنة لإطلاق لفظ (الوصي) عليه.. وهذه النصوص بالقياس إلى سائر ما تضمن هذا الوصف له، نقطة من بحر، لا مجال للإحاطة به..

4 ـ إن علياً (عليه‌السلام ) لا يكتفي بمجرد نقل الوصية إلى الأصبغ بالقول. بل هو يمليها عليه ليكتبها، لتكون وثيقة يمكن أن تتداولها

____________

1- راجع: نظم درر السمطين ص240 وينابيع المودة ص273 و(ط دار الأسوة) ج2 ص365 ومناقب الإمام أمير المؤمنين للكوفي ج2 ص166 وكتاب الأربعين للشيرازي ص376 وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج9 ص477 وج18 ص504.

٢٩٩

الأيدي، وليثبت مضمونها، كنص ثابت المضمون، في منأى عن النسيان، وعن النقيصة والزيادة، أو النقل بالمعنى.

5 ـ والوصية صرحت بأنها معنية بفريقين من الناس هما: أهل بيت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أولاً. والأمة ثانياً.

وقد أوصى أهل بيته (عليهم‌السلام ) بأمرين:

أولهما: تقوى الله سبحانه..

والثاني: لزوم الطاعة له تبارك وتعالى..

ولو اقتصر على الأمر بتقوى الله، فقد يفسَّر ذلك بمجرد الخوف، الذي لا يستتبع عملاً. ولكنه حين ذكر لزوم الطاعة والإستقامة عليها، فإنه يكون قد قرن الشعور القلبي بالحركة العملية، التي أرادها حائزة لوصف الدوام والمثابرة الدؤوب، لأنه يريدهم أسوة، وقدوة للأمة، أي أن المطلوب هو الكون معهم، وعدم الإستقلال، أو الإستبداد بشيء دونهم.

وهذه هي حقيقة اتخاذهم أئمة وقادة في كل الأمور. إذ لا يكفي مجرد الخضوع لسلطتهم، إن تسلموا زمام السلطة.

6 ـ قد أكد ذلك (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حين بين أن المطلوب هو أن يكون التعامل معهم على حدّ تعاملهم هم مع نبيهم، حيث قال عن أهل البيت (عليهم‌السلام ): (وأهل بيته يأخذون بحجزة نبيهم).

7 ـ إن المراد بأهل بيته، أهل بيت النبوة، وليس المراد الساكنين معه في البيت، ولا مطلق الذرية.

وهم ـ أعني أهل بيت النبوة ـ أناس مخصوصون، بينهم (صلى‌الله‌عليه‌وآله )

٣٠٠