الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سرة المرتضى) الجزء ٨
0%
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 352
مؤلف: السيد جعفر مرتضى العاملي
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 352
حين نزلت آية التطهير، وهم الذين كانوا معه تحت الكساء: علي وفاطمة، والحسنان (عليهمالسلام ).
وأضافت نصوص أخرى: بقية الأئمة الاثني عشر (صلوات الله وسلامه عليهم).
8 ـ ثم انتقل (صلىاللهعليهوآله ) لبيان: أن من كان من شيعتهم في الدنيا سوف ينتفع بهذا التشيع في الآخرة، حيث سيأخذ بحجزته، ليدخل الجنة معهم.
9 ـ قد ذكر (صلىاللهعليهوآله ) ما دل على أن التشيع لهم، معناه الإلتزام بخطهم واتباعهم، والكون معهم، لأنهم لا يدخلون من يكون معهم في باب ضلالة، ولا يخرجونه من باب هدى.
10 ـ قلنا فيما سبق: إن هذه الروايات قد رواها غير الشيعة، ودونوها في كتبهم، فإن أراد بعض الناس أن يرفضها، فعليه أن يقدم مبرراً معقولاً، يوضح سبب رواية علمائهم ورواتهم لها، وعلل إيرادهم لها في مصادرهم..
درع وسيف وبغلة الرسول (صلىاللهعليهوآله ):
عن إبراهيم بن إسحاق الأزدي ، عن أبيه قال: أتيت الأعمش سليمان بن مهران أسأله عن وصية رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، فقال: ائت محمد بن عبد الله فاسأله.
قال: فأتيته، فحدثني عن زيد بن علي (عليهالسلام ).
قال: لما حضرت رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) الوفاة، ورأسه في
حجر علي (عليهالسلام )، والبيت غاص بمن فيه من المهاجرين والأنصار، والعباس قاعد قدامه، فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): يا عباس، أتقبل وصيتي، وتقضي ديني، وتنجز موعدي؟!
فقال: إني امرؤ كبير السن، كثير العيال، لا مال لي.
فأعادها عليه ثلاثاً كل ذلك يردها عليه.
فقال رسول الله (صلىاللهعليهوآله ): سأعطيها رجلاً يأخذها بحقها، لا يقول مثل ما تقول ثم قال: يا علي أتقبل وصيتي، وتقضي ديني، وتنجز موعدي؟!
قال: فخنقته العبرة، ولم يستطع أن يجيبه، ولقد رأى رأس رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) يذهب ويجيء في حجره.
ثم أعاد عليه.
فقال له علي (عليهالسلام ): نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله.
فقال: يا بلال، ائت بدرع رسول الله.
فأتى بها.
ثم قال: يا بلال، ائت براية رسول الله (صلىاللهعليهوآله ).
فأتى بها.
ثم قال: يا بلال، ائت ببغلة رسول الله بسرجها ولجامها.
فأتى بها.
ثم قال: يا علي، قم فاقبض هذا بشهادة من في البيت من المهاجرين
والأنصار، كي لا ينازعك فيه أحد من بعدي.
قال: فقام علي (عليهالسلام ) حتى استودع جميع ذلك في منزله، ثم رجع(1) .
ونقول:
1 ـ لعل إسحاق الأزدي قد لاحظ: أن الشريعة السمحاء تحث على الوصية، وأن الله تعالى ورسوله قد أمرا بالوصية قبل حلول المنية، فلا يعقل أن يكون (صلىاللهعليهوآله ) أول من خالفه، فسأل عنها ليعرف مضمونها، وما آل حالها في مجال الإلتزام والتطبيق..
كما أنه كان يرى أن الناس على اختلاف مذاهبهم ومشاربهم يقرون لعلي (عليهالسلام ) بالوصاية وإن كان بعضهم يحاول التكتم على مضمونها بإظهار عدم العلم بها وبه، أو يضطرب ويتناقض في بيان ذلك المضمون، فأحب أن يسمع ما يقوله الأعمش في ذلك..
2 ـ لقد رأينا الأعمش قد أحال السائل على غيره فلماذا أحاله؟! ولماذا اختار محمد بن عبد الله بالذات، ليكون هو المجيب؟!
ونجيب بما يلي:
ألف: بالنسبة لسبب الإحالة فالذي يبدو لنا هو أن الأعمش كان يحاذر من الجهر بالحقيقة، لأنها سوف تكلفه غالياً عند السلطان، وعند الأخطبوط الأموي، ومن يدور في فلكه وسائر المناوئين لعلي أميرالمؤمنين
____________
1- علل الشرائع ج1 ص168 وبحار الأنوار ج22 ص459.
(عليهالسلام ) من الخوارج وغيرهم.
ب: إنه آثر أن يعطي إحالته على الغير قدراً من الصدق والواقعية، حين اختار من يعرف أنه سيجهر بالحقيقة ولو بدرجة محدودة، ويكون قد دلنا بذلك على أنه هو أيضاً ـ أعني الأعمش ـ يقول بنفس ما يقول محمد بن عبد الله..
3 ـ صرحت الرواية: بأن النبي (صلىاللهعليهوآله ) حين مات كان رأسه في حجر علي (عليهالسلام ) وهذا يكذب ما ينقل عن عائشة من أنه (صلىاللهعليهوآله ) مات ورأسه بين حاقنتها وذاقنتها.
4 ـ تقول الرواية: إن النبي (صلىاللهعليهوآله ) قد أوصى والبيت غاص بمن فيه من المهاجرين والأنصار.. فدل على أن المنع من كتابة الكتاب لم يفدهم في صد رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) عن الوصية لعلي، وإتمام الحجة على الناس في هذا الشأن.. وإن كانت وصيته غير مكتوبة. فإن ذلك لا يقلل من قيمته، إذ لا يشترط في الوصية أن تكون مكتوبة.
5 ـ إن المطلوب هو: الوصية بأمور محدودة جداً مثل قضاء الدين، وإنجاز العدات.. وليس المطلوب الوصية بالخلافة والإمامة، لأن الأمر لله تعالى في يضعه حيث يشاء، كما صرح به رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أكثر من مرة وقد عينه الله ورسوله لهم، وصدر منه النص عليه في مناسبات عديدة، ثم نصبه لهم يوم غدير خم وبايعوه.
6 ـ وقد عرض النبي (صلىاللهعليهوآله ) في وصيته هذه أموراً يسيرة، وهي قبول وصيته، وقضاء دينه، وإنجاز عداته.. وبدأ بعرض هذه الأمور
على عمه العباس.
ولكن العباس رفض قبول ذلك، متذرعاً بكبر السن، وكثرة العيال، وبأنه لا مال له ويلاحظ على ذلك الأمور التالية:
ألف: إن العباس هو أقرب الناس نسباً إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ويفترض أن يعتبره مصدر كرامته وعزته حتى بمنطق العصبية، فضلاً عن كرامة الله تعالى له بمقام النبوة، فيندفع إلى تلبية أي طلب له، وتوفير كل الحاجات، والمساعدة في أي شأن يحتاج فيه إلى المساعدة.
ب: إن العباس كان مبجلاً عند أقرانه لأسباب عديدة، وسيزيده اعتماد النبي (صلىاللهعليهوآله ) عليه، وإيكال تنفيذ الأمور إليه رفعة شأن، وعلو مقام..
ج: إن العباس ـ فيما نعلم ـ كان من أصحاب الأموال، الذين نحروا الإبل ليطعموا المشركين في مسيرهم إلى بدر لحرب النبي (صلىاللهعليهوآله )، وكانوا ينحرون يوماً تسعاً ويوماً عشراً من الإبل، فأين ذهبت أمواله، وعلى أي شيء أنفقها؟!
وكيف يكون عند عثمان من الأموال ما جهز به جيش العسرة إلى تبوك حسب زعمهم الذي أثبتنا كذبه، ويصبح العباس بين ليلة وضحاها لا مال له يقضي به دين رسول الله الذي قد لا يكون سوى دراهم يسيرة جداً لعلها لا تصل إلى عدد أصابع اليد الواحدة؟! إذ لا شك في أن العباس لم ينفق أمواله في سبيل الله.. ولا في الصدقات، ولا في غير ذلك من الطاعات والمبرات!!
فهل من المعقول أن يفضل العباس بضعة دراهم على الفوز بمقام (الوصي)لأكرم رسول، وأفضل الخلائق؟!
د: ما شأن كبر السن بهذه الأمور اليسيرة التي طلبها منه رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، والتي لا تحتاج لأي حركة أو جهد؟
مع أن مع العباس أبناءه القادرين على معاونته، والمستعدين لطاعة أوامره.
5 ـ ألم يفهم العباس من تكرار الرسول طلبه ثلاث مرات أنه (صلىاللهعليهوآله ) كان حريصاً على أن يقبل العباس منه هذه المهمة؟!
و: على أنه لا شيء يدل على أنه (صلىاللهعليهوآله ) كان يريد من العباس أن ينفق أمواله في قضاء دين الرسول، بل لعله يريد منه أن يتولى إنجاز عداته، وقضاء دينه مما تركه هو نفسه (صلىاللهعليهوآله ).
غير أن العباس قد فهم ذلك وقد ترك النبي (صلىاللهعليهوآله ) ليفهم ما يشاء، وليسمع الناس، وليروا إصرار النبي (صلىاللهعليهوآله )، ورفض العباس فإن ذلك مطلوب له أيضاً، لأنه يريد أن يفهم الناس معنى بعينه، كما سيتضح..
7 ـ وقد ظهر ذلك المعنى الذي أراده (صلىاللهعليهوآله ) في تعامل وفي كلمات النبي (صلىاللهعليهوآله ) مع علي (عليهالسلام ) فقد أشهد الحاضرين في ذلك البيت على إقباض علي (عليهالسلام ) درعه، ورايته، وبغلته بسرجها وبلجامها، ففهم أن الغرض من هذا الإشهاد هو المنع من منازعة أحد له في ذلك..
8 ـ إنه (صلىاللهعليهوآله ) لم يطلب أن يقبل وصيته في هذه الأمور الثلاثة بعد صرفه النظر عن العباس إلا من علي (عليهالسلام ).. مخاطباً إياه باسمه، كما خاطب العباس باسمه، ليدل على أن هذا التحديد والتعيين مقصود له (صلىاللهعليهوآله )..
ولعل من ثمراته أن يبطل دعاوى العباسيين المتوقعة بن لهم حقاً بشيء من الأمر، استناداً إلى الأقربية النسبية إلى رسول الله (صلىاللهعليهوآله )..
وإذا بطل الإستناد إلى الأقربية النسبية، فستبطل كل دعاوى الحق بالإستناد إلى الإشتراك إلى القرشية بطريق أولى، حيث استدل أبو بكر وعمر على الأنصار في السقيفة: بأنهم أولياء النبي (صلىاللهعليهوآله ) وعشيرته، فهم أحق بسلطانه.
9 ـ ولا بد من التأمل ملياً في سر اختيار رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) هذه الأمور الثلاثة دون سواها، واختصاص علي (عليهالسلام ) بها، وهي: الدرع، والراية ، والبغلة ، ثم اشتراطه (صلىاللهعليهوآله ) على بلال أن يأتي بالبغلة بسرجها ولجامها.
فهل يريد (صلىاللهعليهوآله ) أن يقول لنا: إن الدرع رمز للحرب، التي يحتاج إليها خليفته (صلىاللهعليهوآله ) للدفاع عن الإسلام وأهله، فإذا انضم إلى الراية التي رمز القيادة، وعنوان السلطان، فإن الصورة تصبح أكثر وضوحاً، وأقوى تعبيراً..
أما البغلة فهي التي عرف اختيار رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) لها للتنقل في المواقع المختلفة، وفي أكثر الحالات، في السلم، وفي الحرب أيضاً،
مصرحاً بأنه اختارها لأنها تتواضع عن خيلاء الخيل، وترتفع عن الحمار، وشيمة الأنبياء التواضع، والتوسط في أمورهم كلها..
وهذا كله يشير إلى أنه لعلي (عليهالسلام ) مواقعه، وصفاته وسماته، وأخلاقه، وحالاته.
10 ـ وفي نفس هذا السياق نلاحظ: أنه (صلىاللهعليهوآله ) لم يقل: يا بلال إئت بدرعي، ورايتي، وبغلتي، بل أضاف الكلام في المواضع الثلاثة إلى كلمة (رسول الله)، فقال: درع رسول الله، وراية رسول الله، وبغلة رسول الله، مع أنه لو أورد الكلام على النحو الأول لكان أيسر وأخصر..
ولكنه (صلىاللهعليهوآله ) أراد أن يؤكد هذا المفهوم في ذهن القارئ، ويرسخه ملفَّعاً بخصوص هذا اللثام، ليظهر به الخصوصية التي يريد للناس أن يتلقفوها بوضوح تام.
11 ـ ثم يزيد الأمر وضوحاً، بتصريحه (صلىاللهعليهوآله ) بأنه يريد أن يُشْهِد الحاضرين من المهاجرين والأنصار على إقباضه هذه الأمور الثلاثة لعلي (عليهالسلام ): فدل ذلك على أنه ليس بصدد إعطائه أمراً عادياً، فإن الناس حين يريدون إعطاء درع أو راية لأحد، لا يرون أنهم بحاجة إلى الإشهاد، فضلاً عن إشهاد من حضر من المهاجرين والأنصار.
12 ـ ثم إنه (صلىاللهعليهوآله ) بالغ بالتصريح والتوضيح حين أعرب عن هدفه من هذا الإشهاد، فقال: (كي لا ينازعك فيه أحد من بعدي)، إذ لماذا يتخوف رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) من منازعة أحد علياً (عليهالسلام ) في خصوص هذه الأمور؟!
وما المبرر لأن يتوقع (صلىاللهعليهوآله ) منهم ذلك، وألم ينازع الناس علياً في بعض ما هو أغلى ثمناً، وأعظم أهمية وشأناً بنظر الناس من درع وراية وبغلة؟!
أليس لأن لهذه الأمور الثلاثة معنى هاماً يدعوهم إلى النزاع عليها، واستلابها من علي (عليهالسلام )؟! ويريد النبي (صلىاللهعليهوآله ) أن يضيِّق ويضيِّع عليهم الفرص للحصول عليها؟!
وهل لهذا كله تفسير معقول غير ما قلناه في معناه ومغزاه؟!
وصايا النبي (صلىاللهعليهوآله ) لعلي (عليهالسلام ):
عن علي (عليهالسلام ) قال: (أوصاني النبي (صلىاللهعليهوآله ) إذا أنا مت، فغسلني بست قرب من بئر غرس، فإذا فرغت من غسلي، فادرجني في أكفاني، ثم ضع فاك على فمي.
قال: ففعلت. فأنبأنى بما هو كائن إلى يوم القيمة).
وروي نحو ذلك عن الإمام الصادق (عليهالسلام )(1) .
وعن عمرو بن أبي شعبة قال: (لما حضر رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) الموت دخل عليه علي (عليهالسلام ) فأدخل رأسه معه ثم قال: يا
____________
1- بصائر الدرجات ص304 وبحار الأنوار ج40 ص213 و 214 و 215 وج22 ص517 و 514 عنه، ومستدرك الوسائل ج2 ص189 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص190 ومستدركات علم رجال الحديث ج1 ص649.
علي، إذا أنا مت فاغسلني، وكفني، ثم أقعدني، وسائلني، واكتب)(1) .
وكان فيما أوصى النبي (صلىاللهعليهوآله ) به علياً (عليهالسلام ) قوله:
(ضع يا علي رأسي في حجرك، فقد جاء أمر الله تعالى، فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك، وأمسح بها وجهك).
ثم وجهني إلى القبلة.
وتول أمري.
وصل علي أول الناس.
ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي.
فأخذ علي (عليهالسلام ) رأسه، فوضعه في حجره..
إلى أن تقول الرواية:
ثم قُبِضَ (صلىاللهعليهوآله )، ويد أمير المؤمنين تحت حنكه، ففاضت نفسه (صلىاللهعليهوآله ) فيها، فرفعها إلى وجهه، فمسحه بها.
ثم وجَّهَهُ، وغمضه، ومد عليه إزاره، واشتغل بالنظر في أمره(2) .
____________
1- بصائر الدرجات ص303 وبحار الأنوار ج40 ص213 و 214 وج22 ص518 عن بصائر الدرجات، وعن الخرائج والجرائح، والكافي. وراجع: مكاتيب الرسول ج1 ص415 ومستدركات علم رجال الحديث ج6 ص75.
2- الإرشاد للمفيد ص94 ـ 98 و (ط دار المفيـد) ج1 ص187 وبحار الأنـوار = = ج22 ص470 و 521 عنه، وعن إعلام الورى ص82 ـ 84 و (ط أخرى) 143 ـ 144 و (ط مؤسسة آل البيت) ج1 ص267 وعن مناقب آل أبي طالب ج1 ص203 ومصباح الفقيه (ط.ق) ج1 ق2 ص346 وجواهر الكلام ج4 ص11 وراجع: قصص الأنبياء للراوندي ص357 والدر النظيم ص194 والحجة على الذاهب إلى تكفير أبي طالب للسيد فخار بن معد ص304.
وكان مما أوصى به رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) أن يدفن في بيته الذي قبض فيه.
ويكفن بثلاثة أثواب. أحدهما: يمان.
ولا يدخل قبره غير علي (عليهالسلام )(1) .
وفي نص آخر عن ابن عباس: لما مرض رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وعنده أصحابه قام إليه عمار بن ياسر، فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله، من يغسلك منا، إذا كان ذلك منك؟!
قال: ذاك علي بن أبي طالب، لأنه لا يهم بعضو من أعضائي إلا أعانته الملائكة على ذلك.
فقال له: فداك أبي وأمي يا رسول الله، فمن يصلي عليك منا إذا كان
____________
1- بحار الأنوار ج22 ص 493 و 494 وج87 ص379 عن الطرائف ص42 و 43 و45 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص231 و 234 و350 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص83 و (ط دار الإسلامية) ج2 ص779 ومستدرك الوسائل ج2 ص206.
ذلك منك؟!
قال: مه رحمك الله!
ثم قال لعلي: يا ابن أبي طالب، إذا رأيت روحي قد فارقت جسدي فاغسلني.
إلى أن قال: واحملوني حتى تضعوني على شفير قبري، [ثم أخرجوا عني ساعة، فإن الله تعالى أول من يصلي علي] فأول من يصلي علي الجبار جل جلاله من فوق عرشه، ثم جبرئيل، وميكائيل، وإسرافيل [ثم ملك الموت]. في جنود من الملائكة لا يحصي عددهم إلا الله عز وجل، ثم الحافون بالعرش، ثم سكان أهل سماء فسماء، [ثم ادخلوا علي زمرة زمرة، فصلوا علي، وسلموا تسليماً].
ثم جلُّ أهل بيتي ونسائي، الأقربون فالأقربون. يومون إيماءً، ويسلمون تسليماً، لا يؤذوني بصوت نادبة، ولا مرنَّة.
[قال أبو بكر: فمن يدخل قبرك؟!
قال: الأدنى فالأدنى من أهل بيتي، مع ملائكة لا ترونهم.
قوموا نادوا عني إلى من وراءكم.
فقلت للحارث بن مرة: من حدثك هذا الحديث؟!
قال: عبد الله بن مسعود].
وذكر الثعلبي ما يقرب من هذه القضية، لكنه ذكر اسم أبي بكر بدل عمار، وعلي.
ثم إن ما وضعناه بين قوسين إنما هو من رواية الثعلبي(1) .
وفي نص آخر: أوصى أن يخرجوا عنه، حتى تصلي عليه الملائكة(2) .
ويذكر نص آخر: أن مما أوصى به النبي (صلىاللهعليهوآله ) علياً (عليهالسلام ) قوله:
(يا علي، كن أنت وابنتي فاطمة، والحسن والحسين، وكبروا خمساً وسبعين تكبيرة، وكبر خمساً وانصرف. وذلك بعد أن يؤذن لك في الصلاة.
قال علي (عليهالسلام ): بأبي وأمي، من يؤذن غداً؟!
قال: جبرئيل (عليهالسلام ) يؤذنك.
قال: ثم من جاء من أهل بيتي يصلون علي فوجاً فوجاً، ثم نساؤهم، ثم الناس بعد ذلك(3) .
____________
1- الأمالي للصدوق ص732 و 733 وبحار الأنوار ج22 ص507 و 531 عنه، وكشف الغمة ص6 ـ 8 و (ط دار الأضواء ـ بيروت) ج1 ص17 عن الثعلبي، وروضة الواعظين ص72 وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص231.
2- سبل الهدى والرشاد ج 12 ص 329 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص527 والبداية والنهاية ج5 ص285.
3- بحار الأنوار ج22 ص 493 و 494 وج78 ص42 و 43 و45 عن الطرائف، وجامع أحاديث الشيعة ج3 ص350 ووسائل الشيعة (ط مؤسسة آل البيت) ج3 ص83 و (ط دار الإسلامية) ج2 ص779.
الوصية حين الإحتضار:
وحين أغمي على رسول الله (صلىاللهعليهوآله ) في مرض موته جاء الحسن والحسين (عليهماالسلام ) يصيحان ويبكيان حتى وقعا على رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وأراد علي (عليهالسلام ) أن ينحيهما عنه.
فأفاق رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، ثم قال: يا علي، دعهما، أشمهما ويشماني، وأتزود منهما ويتزودان مني.
ثم جذب علياً (عليهالسلام ) تحت ثوبه، ووضع فاه على فيه، وجعل يناجيه.
فلما حضره الموت قال له: ضع رأسي يا علي في حجرك، فقد جاء أمر الله، فإذا فاضت نفسي، فتناولها بيدك، وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري، وصل علي أول الناس، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي، واستعن بالله عز وجل.
وأخذ علي (عليهالسلام ) برأسه فوضعه في حجره، وأغمي عليه، فبكت فاطمة، فأومأ إليها بالدنو منه، فأسر إليها شيئاً تهلل وجهها، القصة.
ثم قضى، ومد أمير المؤمنين يده اليمنى تحت حنكه، ففاضت نفسه فيها، فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه، ومد عليه أزاره، واستقبل بالنظر في أمره(1) .
____________
1- مناقب آل أبي طالب (ط دار الأضواء) ج1 ص293 و 294 و (ط المكتبة الحيدرية) ج1 ص203 وبحار الأنوار ج22 ص521 و 522 والأمالي للصدوق ص736.
ونقول:
إن لنا مع النصوص المتقدمة عدة وقفات هي التالية:
هل أغمي على النبي (صلىاللهعليهوآله ):
لا مجال لتأييد حديث إغماء الرسول الأعظم (صلىاللهعليهوآله )، الذي معناه: الغيبوبة، وفقد الشعور بما حوله. أما إن أريد به معنى لا يتضمن الغيبوبة، ولا ينافي معرفته وشهوده لكل ما هو مكلف بالشهادة عليه فلا مانع منه.. كأن يكون المراد بالإغماء: عدم قدرته على التكلم مع الناس أو نحو ذلك، مما لا ينافي كمال إدراكه لكل ما كان يدركه قبل عروض هذه الحالة له..
أما بالنسبة لسائر ما تضمنته الرواية، فربما يكون قد مضى بعض ما يفيد في بيان ما يرمي إليه، وقد يمر معنا بعضه الآخر، إن اقتضى الأمر ذلك..
النبي (صلىاللهعليهوآله ) بعد موته:
تقدم قوله (صلىاللهعليهوآله ): اغسلني، وكفني، ثم أقعدني، وسائلني، واكتب.. وهو يدل على أمرين:
أولهما: إنه (صلىاللهعليهوآله ) حي حتى بعد موته، وأن حياته هذه هي غير حياة الشهداء..
الثاني: أن كلامه حجة بعد مماته، كما هو حجة في حال حياته..
ويشهد لحياته بعد الموت ما يلي:
1 ـ ورد في زيارتنا للمعصومين (عليهالسلام ) ـ والنبي أعظم منهم
شأناً ـ: (أشهد أنك ترى مقامي، وتسمع كلامي، وترد سلامي)(1) .
2 ـ بل قالوا: إن الأخبار قد تواترت بحياة النبي (صلىاللهعليهوآله ) في قبره، وكذلك سائر الأنبياء (عليهمالسلام )(2) .
3 ـ وقالوا أيضاً: إن صلاتنا معروضة على النبي (صلىاللهعليهوآله )، وإن سلامنا يبلغه، وهم أحياء عند ربهم كالشهداء(3) .
ويؤكد ذلك النص القرآني على: أن النبي (صلىاللهعليهوآله ) شاهد على أمته، قال تعالى:( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ شَاهِداً وَمُبَشِّراً وَنَذِيراً ) (4) . وقال تعالى عن شهادة النبي (صلىاللهعليهوآله ) على جميع الأنبياء:( فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلَاءِ شَهِيداً ) (5) . فهو
____________
1- راجع: عدة الداعي ص56 وجامع أحاديث الشيعة ج12 ص364 و 516 و 523 ومستدرك الوسائل ج10 ص345 وبحار الأنوار ج97 ص295.
2- سبل الهدى والرشاد ج10 ص466 و 486 وج12 ص355 و 356 و 360 عن إنباه الأزكياء بحياة الأنبياء، وعن التذكـرة للقرطبي، والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج2 ص82 و 84 و 432 وج35 ص385.
3- سبل الهدى والرشاد ج12 ص355 عن الأنوار في أعمال الأبرار للأردبيلي الشافعي، وعن التذكرة للقرطبي. وراجع: فتاوى عبد القاهر بن طاهر البغدادي، وتنوير الحلك للسيوطي ص5.
4- الآية 45 من سورة الأحزاب.
5- الآية 41 من سورة النساء.
شهيد على الأنبياء السابقين، مع أنه (صلىاللهعليهوآله ) لم يكن قد ولد بعد.. بل كان ولا يزال نوراً محدقاً بالعرش.. فذلك يدل على أن شهادته على الأمة لا تقتصر على خصوص من عاشوا معه في حال حياته..
علي (عليهالسلام ) الوصي والإمام:
وقد دل أمره (صلىاللهعليهوآله ) علياً (عليهالسلام ) بأن يضع فمه على فمه، وسماعه منه ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة على:
أن لعلي (عليهالسلام ) خصوصية ليست لأحد سواه، وهي ترتبط بعلم الإمامة، واختيار الله تعالى له، ليختصه بهذا العلم، ليكون دليلاً وشاهداً على اختصاصه بالإمامة نفسها.
لأن الإمامة تثبت بطرق ثلاثة:
الطريق الأول: الإختيار الإلهي لشخص معين، والدلالة عليه بالنص الصريح.
الطريق الثاني: ثبوت أن لديه العلم الخاص الذي يؤثر الله به من يشاء من عباده، وقد دلت الرواية المتقدمة على أن لدى علي (عليهالسلام ) علم ما كان وما هو كائن إلى يوم القيامة.
الطريق الثالث: إعطاؤه مقاماً لا يكون إلا لنبي أو لإمام، مثل مقام الشاهدية على الأمة، أو إقداره على تصرفات لا يقدر عليها إلا من كان له مقام النبوة والإمامة، أو إيكال أمور إليه لا يصح إيكالها إلى غير المعصوم، الذي هو نبي أو وصي نبي، مثل أن يتولى غسله، والصلاة عليه.
علي (عليهالسلام ) يقضي الدين، وينجز العداة:
وفي الروايات الكثيرة أن علياً (عليهالسلام ) هو الذي يقضي دين رسول الله (صلىاللهعليهوآله )، وينجز عداته، ويبرئ ذمته(1) .
____________
1- كتاب سليم بن قيس (بتحقيق الأنصاري) ج1 ص136 وبحار الأنوار ج21 ص380 و381 وج28 ص55 وج36 ص109 و 311 و 355 وج38 ص1 و 73 و 103 و 111 و 334 وج39 ص33 و 216 وج72 ص445 وج99 ص106 والخصال ج2 ص84 والأمالي للصدوق ص450 وعيون أخبار الرضا (عليهالسلام " ج1 ص9 وكفاية الأثر ص76 و 135 و 217 ومناقب الإمام أمير المؤمنين (عليهالسلام " للكوفي ج1 ص432 وشرح الأخبار ج1 ص113 و 117 و 211 ومائة منقبة لمحمد بن أحمد القمي ص140 والأمالي للطوسي ص600 ومناقب آل أبي طالب ج1 ص396 وج2 ص247 وج3 ص16 وكتاب الأربعين للماحوزي ص192 والعمدة لابن البطريق ص181 والمزار لابن المشهدي ص577 وإقبال الأعمال لابن طاووس ج1 ص507 والطرائف ص133 وكتاب الأربعين للشيرازي ص53 عن المناقب لابن المغازلي الشافعي ص261 ح309 وبشارة المصطفى للطبري ص101 و 258 وكشف الغمة ج1 ص341 ونهج الإيمان ص196 و 440 وفضائل أمير المؤمنين (عليهالسلام " لابن عقدة الكوفي ص204 وتفسير نور الثقلين ج3 ص624 وتفسير القمي ج2 ص109 ومسند الإمام الرضا (عليهالسلام " للعطاردي ج1 ص123 و 127 وجامع أحاديث الشيعة ج23 ص252.
جيش أسامة والكتاب الذي لم يكتب..