• البداية
  • السابق
  • 352 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 23011 / تحميل: 7515
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سرة المرتضى) الجزء ٨

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

فقال: أنا، وهو أكثر نهاره صامت.

فقال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): مه يا فلان، أنى لك بمثل لقمان الحكيم؟! سله فإنه ينبئك.

فقال الرجل لسلمان: يا أبا عبد الله، أليس زعمت أنك تصوم الدهر؟!

قال: نعم.

فقال: رأيتك في أكثر نهارك تأكل.

فقال: ليس حيث تذهب، إني أصوم الثلاثة في الشهر، وقال الله:( مَنْ جَاءَ بِالحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا ) (١) ، وأصل شعبان بشهر رمضان، فذلك صوم الدهر.

فقال: أليس زعمت أنك تحيي الليل؟!

فقال: نعم.

فقال: أنت أكثر ليلك نائم.

فقال: ليس حيث تذهب، ولكني سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول: من نام على طهر، فكأنما حيا الليل كله، وأنا أبيت على طهر.

فقال: أليس زعمت أنك تختم القرآن في كل يوم؟!

قال: نعم.

قال: فإنك أيامك صامت.

____________

١- الآية ١٦٠ من سورة الأنعام.

٨١

فقال: ليس حيث تذهب، ولكني سمعت حبيبي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يقول لعلي بن أبي طالب: يا أبا الحسن، مثلك في أمتي مثل( قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ ) (١) ، فمن قرأها مرة، فقد قرأ ثلث القرآن، ومن قرأها مرتين فقد قرأ ثلثي القرآن، ومن قرأها ثلاثاً فقد ختم القرآن، ومن أحبك بلسانه فقد كمل له ثلث الإيمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه فقد كمل له ثلثا الإيمان، ومن أحبك بلسانه وقلبه ونصرك بيده فقد استكمل الإيمان. والذي بعثني بالحق يا علي، لو أحبك أهل الأرض كمحبة أهل السماء لك لما عذب أحد بالنار.

وأنا أقرأ قل هو الله أحد في كل يوم ثلاث مرات.

فقام وكأنه ألقم حجراً(٢) .

____________

١- الآية ١ من سورة التوحيد.

٢- الأمالي للصدوق ص٨٥ وفضائل الأشهر الثلاثة للصدوق ص٤٩ ومعاني الأخبار ص٢٣٤ وروضة الواعظين ص٢٨٠ ومناقب آل أبي طالب ج٣ ص٤ وبحار الأنوار ج٢٢ ص٣١٧ وج٣٩ ص٢٥٧ وج٧٣ ص١٨١ وج٨٩ ص٣٤٥ وج٩٤ ص٩٣ وغاية المرام ج٦ ص١٤٤ والفصول المئة ج٣ ص٢٨٠ وجامع أحاديث الشيعة ج٩ ص٣٩٧ وموسوعة أحاديث أهل البيت للنجفي ج٨ ص٣٧٩ والدرجات الرفيعة ص٢١٢ ونفس الرحمن في فضائل سلمان ص٣٦٩.

٨٢

ونقول:

١ ـ لقد كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يعرف سلمان، أكثر مما يعرفه سائر أصحابه. ويعرف أنه يفطر ويصوم، وينام الليل، وكان يراه صامتاً في كثير من أيامه. ولكنه ليس فقط لم يعترض على سلمان، بل وقف في موقع المدافع عنه، بل هو قد تجاوز الدفاع إلى الثناء العظيم عليه، وجعله مثل لقمان الحكيم.

٢ ـ إن قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لذلك المتهجم على سلمان: سله ينبئك، يشير إلى ثقته بأن سلمان يملك الجواب الكافي والشافي.

٣ ـ إن تشبيه سلمان بلقمان الحكيم يشير إلى أنه (رحمه‌الله ) يضع الأمور في مواضعها بدقة متناهية، وليس في تصرفاته وأقواله زلل ولا خطل..

٤ ـ إن كلمة أنى لك بمثل فلان، تشير ـ بعد استثناء علي وفاطمة والحسنين (عليهم‌السلام )، الذين لا يقاس بهم أحد ـ إلى أنه لا نظير لسلمان في دقة مواقفه، وصوابية أقواله، وموافقتها للحكمة.

٥ ـ إن ذلك الذي تهجَّم على سلمان كان من المهاجرين، وكان قرشياً فيما يظهر..

٦ ـ إنه قد تكلم بمنطق أهل العصبية الجاهلية الذي لا يقره الإسلام، ولا يرضاه أهل العقل والدين، فقد اعتبر سلمان فارسياً يريد أن يفتخر على قريش.

٧ ـ إن جواب سلمان يدل على مدى علمه وفقاهته، ودقته في فهم كلام الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وهو يفهم ويعمل بما يفهم..

٨٣

٨ ـ لعل تشبيه علي (عليه‌السلام ) في الأمة بقل هو الله أحد قد جاء ليظهر أن الإيمان كله يتمحور حول علي (عليه‌السلام )، ويقوم به، وقد أوضح ذلك كلام الرسول الذي نقله سلمان أيما إيضاح.

٩ ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يبادر إلى توضيح مراد سلمان، بل ترك الأمر إليه، ربما لكي لا يتوهم متوهم أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد أحسن الظن بسلمان، وأنه يبعد أن يكون سلمان قد نحى هذا المنحى الدقيق..

١٠ ـ ومن يدري؟! فلعل النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أراد أن يفسح المجال أمام سلمان ليظهر هذه الكرامة العظيمة لعلي (عليه‌السلام )، بهذه الصورة التي جاءت مثيرة ومؤثرة.

رسول الله يخبر علياً بما يكون:

عن علي (عليه‌السلام ) قال: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

يا علي! كيف أنت إذا زهد الناس في الآخرة ورغبوا في الدنيا. وأكلوا التراث أكلا لماً، وأحبوا المال حباً جماً واتخذوا دين الله دخلاً ومال الله دولاً؟

قلت: أتركهم وما اختاروا، وأختار الله ورسوله والدار الآخرة وأصبر على مصائب الدنيا وبلواها حتى ألحق بك إن شاء الله!

قال: صدقت، اللهم افعل ذلك به(١) .

____________

١- ينابيع المودة ص٢١٧ وكنز العمال (ط مؤسسة الرسالة) ج١١ ص٢٨٠ وذخائر العقبى ص١٠١ وبحار الأنوار ج٢٩ ص٤٦٣ وتفسير فرات ص٥٥٥ وجواهر = = المطالب في مناقب الإمام علي لابن الدمشقي ج١ ص٢٧٢ وشرح إحقاق الحق ج١٨ ص١٣٦ وج٣٢ ص٢٣٢ وفلك النجاة لفتح الدين الحنفي ص٢١١.

٨٤

ونقول:

١ ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يوجه كلامه إلى أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) ليعلن موقفه من أحداث لا يقرها الشرع، ويأباها الوجدان والضمير الحي، كان (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يريد أن يعلمه بوقوعها، لتكون عنواناً مشيراً إلى أن تغير الأحوال وتحولها باتجاه لا يرضاه الله تبارك وتعالى..

٢ ـ إن هذا الإخبار معناه: أن معرفة موقف علي (عليه‌السلام ) وطريقة تعامله مع هذا الواقع أمر مهم جداً، يبرر أهمية السؤال عنه..

٣ ـ إن هذا السؤال يشير أيضاً: إلى أن هذا الأمر يعني علياً (عليه‌السلام ) أكثر من أي شخص آخر.

٤ ـ وهو يعني: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سيكون غائباً بحسب الظاهر..

إذ لو كان حاضراً لكان موقفه هو الذي يحدد مسار الأحداث..

٥ ـ إن ما سوف يستجد سيكون له تجذر في أعماق النفوس، ثم ينطلق منها له ليتجسد حركة وسلوكاً وموقفاً على صعيد الواقع الخارجي العام..

٦ ـ قد أوضح جواب علي (عليه‌السلام ): أنه سوف لا يتعامل بانفعال وإنما بحكمة وروية.. حيث أخبر أنه سوف لا يهتم لما يصدر عنهم من

٨٥

أفعال، بل هو يلتزم بما يرضي الله ورسوله، ويحقق الفوز بالآخرة.. مهما كلفه ذلك من مصائب وبلايا، ومحن ورزايا في الدنيا، نتيجة لطغيان الأهواء، والنزوات، ويقظة أحقاد وعصبيات.

٧ ـ وقد صرح رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بصدق علي (عليه‌السلام )، ووفائه في تعهداته، ولكنه طلب من الله تعالى أن يشمله برعايته، ويمده بالطافه، لما يعلم من شدة الأمر، وعظيم البلاء والإبتلاء فيه.

آية حب أهل البيت حب علي (عليه‌السلام ):

عن أبي بردة قال: قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ذات يوم ونحن حوله: والذي نفسي بيده، لا تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع: عن عمره فيما أفناه؟! وعن جسده فيما أبلاه؟! وعن ماله مما كسبه وفيما أنفقه؟! وعن حبنا أهل البيت؟!

فقال عمر: يا رسول الله، وما آية حبكم من بعدك؟!

قال: فوضع يده على رأس علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ) ـ وهو إلى جنبه ـ فقال: آية حبنا من بعدي حب هذا(١) .

____________

١- الفصول المهمة ص١٢٥ وبحار الأنوار ج٣٦ ص٧٩ وراجع ج٣٩ ص٢٩٩ وفوائد العراقيين لابن عمرو النقاش ص٤٩ والمناقب للخوارزمي ص٧٦ و ٧٧ وكشف الغمة ج١ ص١٠٣ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٧ ص٢٣٥ وج١٨ ص٣٥٦ و ٤٧٨ وج٢٠ ص١٣٥ وج٢١ ص٣٤٢ وج٢٤ ص٣٩٣ = = ومناقب آل أبي طالب (ط المكتبة الحيدرية) ج٢ ص٤ وكتاب الأربعين للماحوزي ص٢٤٤ وكشف اليقين ص٢٢٧ والفصول المهمة لابن الصباغ ج١ ص٥٨٤ وينابيع المودة ج١ ص٣٣٦ و ٣٣٧ وغاية المرام ج٣ ص٩٣

٨٦

ويلاحظ هنا:

أولاً: لا ندري لماذا اختار عمر بن الخطاب السؤال عن علامة حب أهل البيت (عليهم‌السلام )، ولم يسأل عن شيء له ارتباط بالأمور الثلاثة التي سبقتها!! هل أراد أن يعرف علامة حب أهل البيت، ليكتشف الأشخاص الذين يحملون هذا الحب، فيتعامل معهم وفق ما يرتأيه وتفرضه عليه سياساته في الأحوال المختلفة؟!

أم أنه أراد أن يعرف نفسه إن كان يحمل، أو لا يحمل هذا الحب لهم (عليهم‌السلام )؟!

وهل يجب أن تكون لهذا الحب علامة يعرف الناس من خلالها المحب والمبغض؟!

ثانياً: حبذا لو سأل عمر عن الأمور التي ينبغي إفناء العمر فيها، أو عن الأمور التي ينبغي إبلاء الجسد فيها، أو عن المواضع التي يصح كسب المال فيها، والمواضع التي يجب إنفاقه فيها!!.. وعن الأمور التي تزيد هذا الحب قوة لدى صاحبه، أو عن موجبات الحصول على هذا الحب لدى من لا يملك شيئاً منه، أو نحو ذلك!!

ثالثاً: إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) جعل الميزان هو حبهم (عليهم‌السلام )

٨٧

من بعده، فإنها هي الفترة التي يمتحن فيها الناس، وتشرئب فيها الأعناق لنيل المقامات والمناصب مهما غلت القيم التي سيبذلونها في هذا السبيل، ومهما بلغ الظلم الذي سيمارسونه

أبو ذر وحديث الرحى:

روى محب الدين الطبري، بسنده عن أبي ذر قال: بعثني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أدعو علياً. فأتيته، فناديته، فلم يجبني، فعدت وأخبرت [رسول الله]، فقال: عد إليه وادعه، فهو في البيت.

قال: فعدت وناديته، فسمعت صوت الرحى تطحن، فشارفت الباب، فإذا الرحى تطحن وليس معها أحد!!! فناديته، فخرج إلي منشرحاً، فقلت له: إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) يدعوك.

فجاء.

ثم لم أزل أنظر إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وينظر إلي، فقال: يا أبا ذر، ما شأنك؟!

فقلت: يا رسول الله، عجب من العجائب، رأيت رحى في بيت علي تطحن وليس معها أحد يديرها!!!

فقال: يا أبا ذر، إن لله ملائكة سياحين في الأرض، وقد وكلوا بمعونة آل محمد(١) .

____________

١- ذخائر العقبى ص٩٨ والرياض النضرة ج٣ ص٢٠٢ وجواهر المطالـب لابن = = الدمشقي ج١ ص٢٦٤ وينابيع المودة ج٢ ص١٨٧ و ٣٨٠ و ٤٦٥ وشرح إحقاق الحق (الملحقات) ج٨ ص٧٠٦ وج١٨ ص١٩٧ و ٢١١ و ٤٨٤ وج١٩ ص١٥١ وج٢٤ ص٢٨٤ و ٢٨٥ وج٣١ ص٢٠٨ و ٤٢٥ ومناقب أهل البيت للشيرواني ص٢٠٦ عن الصواعق المحرقة، والغدير ج٤ ص١٤٥

٨٨

ونقول:

يلاحظ في الرواية الأمور التالية:

١ ـ إن عدم جواب أمير المؤمنين لأبي ذر (رحمه‌الله ) حين ناداه في المرة الأولى قد يكون لأجل انشغاله بالصلاة، أو لغير ذلك من أسباب، ارتفعت حين عاد إليه في المرة الثانية.

٢ ـ ما معنى أن يشارف أبو ذر ليرى الرحى، وهي تطحن، ألا يعد ذلك من محاولة النظر إلى العورات؟! أو من التطلع في الدور المنهي عنه؟!

ونجيب:

أولاً: قد يكون أبو ذر على علم بخلو الدار من النساء، وعلى علم أيضاً بأن علياً أو غيره، ممن يحتمل أن يكونوا هناك كانوا في وضع طبيعي، لا يزعجهم اطلاع الناس عليه.

ثانياً: لعل هذه الرحى كانت في مكان لا يحظر على الناس الإشراف عليه، أو الوصول اليه.

٣ ـ قد يمكن إبداء احتمال أن تكون ثمة رغبة في اطلاع أبي ذر على تلك الرحى، وهي تعمل بنفسها. ليخبر الناس بما رأى. وهو الذي أعلم

الصفحة ٩٠

الرسول الاعظم الناس، بأنه ما أقلت الغبراء، ولا أظلت الخضراء من ذي لهجة أصدق منه.

٤ ـ لقد بين (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن حديث الرحى ليس مجرد كرامة عابرة، قد يتوهم زوالها بزوال أو باختلال موجبات استحقاقها. بل هو كرامة إلهية ثابتة وباقية ببقاء هذا التوكيل الإلهي لأولئك الملائكة بمعونة آل محمد في أي مكان في الأرض، وفي أي زمان احتاجوا فيه إلى المعونة.

فالحديث عن توكيل الملائكة يشير إلى بقاء واستمرار موجبات هذه الكرامة لآل محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

٥ ـ كان يمكن للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يخبر الناس بأمر هؤلاء الملائكة، من دون انتظار ما جرى.. والحقيقة هي: أن اقتران الخبر بالحدث، ثم الانتظار التعجبي، وتأمل أبي ذر للحصول على تفسير ما رأى سيكون أشد تأثيراً في حفظه ما يراد له حفظه، ويجعله أكثر دقة في فهم المراد، وإدراك المعنى التطبيقي والعملي للكلمة التي يريد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يطلقها.

رابع الخلفاء كيف؟ ولماذا؟!:

عن علي (عليه‌السلام ) قال: بينما انا أمشي مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في بعض طرقات المدينة، إذ لقينا شيخ طوال، كث اللحية، بعيد ما بين المنكبين، فسلم على النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ورحب به. ثم التفت إلي، فقال: السلام عليك يا رابع الخلفاء ورحمة الله وبركاته: أليس كذلك هو يا رسول الله؟!

٨٩

٩٠

فقال له رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ): بلى.

ثم مضى، فقلت: يا رسول الله، ما هذا الذي قال لي هذا الشيخ، وتصديقك له؟!

قال: أنت كذلك والحمد لله، إن الله عز وجل قال في كتابه:( إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً ) (١) ، والخليفة المجعول فيها آدم (عليه‌السلام ).

وقال:( يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالحَقِّ ) (٢) ، فهو الثاني.

وقال عز وجل حكاية عن موسى حين قال لهارون (عليهما‌السلام ):( اخْلُفْنِي فِي قَوْمِي وَأَصْلِحْ ) (٣) ، فهو هارون إذ استخلفه موسى (عليه‌السلام ) في قومه، فهو الثالث.

وقال الله عز وجل:( وَأَذَانٌ مِنَ اللهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الحَجِّ الْأَكْبَرِ ) (٤) ، فكنت أنت المبلغ عن الله وعن رسوله، وأنت وصيي، ووزيري، وقاضي ديني، والمؤدى عني، وأنت منى بمنزلة هارون من موسى إلا أنه لا نبي بعدي، فأنت رابع الخلفاء كما سلم عليك الشيخ، أولا تدري من هو؟!

____________

١- الآية ٣٠ من سورة البقرة.

٢- الآية ٢٦ من سورة ص.

٣- الآية ١٤٢ من سورة الأعراف.

٤- الآية ٣ من سورة التوبة.

٩١

قلت: لا.

قال: ذاك أخوك الخضر (عليه‌السلام )، فاعلم(١) .

ونقول:

إن هذه الرواية تشير إلى العديد من الأمور, نذكر منها:

١ ـ إن الخضر (عليه‌السلام ) وإن كان قد تحدث عن الأنبياء والخلفاء من السابقين. ولكنه فيما يبدو قد استخدم التورية، فأشار إلى ما يأتي. وأشار إلى ما سبق في آن واحد، ليدل على أنه يعلم أن علياً سيكون الحليفة الرابع في اللاحق، كما هو علي في السابق.

ولكن شتان بين أن آدم وداود وهارون، وعلي (عليه‌السلام ) رابعهم. فإنهم أنبياء جعل الله الخلافة لله كما جعلها له.

وبين أبي بكر وعمر وعثمان، فإنهم قد تغلبوا (صلى‌الله‌عليه‌وآله )أخذوا ما ليس لهم بحق رغم كل هذه التأكيدات من الله ورسوله على أنه لا يحق لأحد سوى علي (عليه‌السلام ) أن يتصدى لهذا الأمر.

٢ ـ إن هذا الإلماح قد أريد به تعريف الناس: بأن الأمور سوف تجري

____________

١- عيون أخبار الرضا ج٢ ص٩ رقم الحديث ٢٣ و (ط مؤسسة الأعلمي) ج١ ص١٢ وبحار الأنوار ج٣٦ ص٤١٧ ومدينة المعاجز ج٢ ص٤١٩ ومسند الإمام الرضا للعطاردي ج١ ص١٢٧ وتفسير نور الثقلين ج١ ص٤٨ وينابيع المودة ج٣ ص٤٠٢ و ٤٠٣ وغاية المرام ج٢ ص٧٨ وج٤ ص٨٢ وعن العوالم ص٣٠٩

٩٢

على خلاف ما يرضي الله تبارك وتعالى, وأن ثمة من يسعى لنقض تدبير رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بعد وفاته.

٣ ـ إن الخضر قد استشهد برسول الله على صحة ما يخبر به, ليفيد: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حين يؤكد هذا الخبر, فإنه يدل على أن خلافة علي (عليه‌السلام ) أمر إلهي، كخلافة آدم وداود وهارون، وليس لأحد أن يختار أو أن يرد على الله، ولأجل ذلك لا بد أن يستمر (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) في التأكيد على إمامة أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) بعده, وأن يأخذ البيعة له من الناس في غدير خم. رضي الناس أم غضبوا، فإن الأمر لله يضعه حيث يشاء.. والنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لا يفعل المتناقضات, وليس غافلاً عما يدبر في الخفاء, ولكنه مكلف بأن يقيم الحجة على الناس. وأن يعرفهم: أنهم يخالفون أمر الله إن لم يرضوا بعلي (عليه‌السلام ). وأنهم إن زعموا رضا الله ورسوله بسوى ذلك, فإنما يخدعون بذلك الناس, وأنفسهم.

٤ ـ إن علياً (عليه‌السلام ) بدوره لم يسأل رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) عن ذلك الشيخ من هو؟! بل سأل عن الذي قاله الشيخ له. لكي يصرح رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) بالتأكيد على قوله مرة أخرى. لأنه يعلم أن ما يقوله رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ـ وهو الصادق الأمين ـ في جواب ذلك الشيخ هو المطلوب من الناس أن يسمعوه وأن يعوه. وأن يعرفوه حتى لا يتلاعب به المتلاعبون وأصحاب الطموحات..

٥ ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قد أكد في جوابه لعلي (عليه‌السلام ) من خلال استشهاده بأربع آيات قرآنية على أن علياً (عليه‌السلام ) رابع

٩٣

الخلفاء، وأنه كأولئك الأنبياء، واغتصاب هذا الأمر منه لا ينقص من مقامه، ولا يبطل خلافته ولا يسقطها، وأن سعي أولئك الناس في إبطال خلافته (عليه‌السلام ) لن يؤتي ثماره التي منه.. بل قد يستفاد منه الإشارة ولو بنحو من الخفاء إلى أن علياً سيصل إلى ذلك الأمر الذي يجهدون في طمسه، بعد أن يتولى الأمر ثلاثة منهم.

٦ ـ ومن الواضح: أن تولي ثلاثة منهم الخلافة قبل علي (عليه‌السلام ) سوف يجعل الناس يتيقنون بعدم وصوله (عليه‌السلام ) إلى هذا الأمر, ولا سيما حين يتولى ثالثهم,الذي يقوم معه بنو أبيه يخضمون مال الله خضم الإبل نبتة الربيع, ومعهم سياساتهم الهادفة إلى إخمال ذكره (عليه‌السلام ), والحيلولة بينه وبين الخلافة، فإن ذلك سيزيد من يقين من الناس باستحالة وصوله (عليه‌السلام ) إلى هذا الأمر.

٧ ـ يلاحظ: أن الآيات الأربع عن آدم وداود وهارون، وعن إبلاغ علي (عليه‌السلام ) يوم الحج الأكبر، قد تضمنت الحديث عن خصوص الخلافة الفعلية في الناس. والهيمنة على قرارهم، ولم تتحدث عن خصوص معنى الإمامة، بصورة تجريدية، وفكرية، وإيمانية بحتة..

كما أن قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لعلي (عليه‌السلام ): وأنت وصيي ووزيري إلخ.. قد أشار إلى هذه الخلافة العملية التي تتصرف في الشؤون، وتدير وتدبر الأمور بصورة فعلية أيضاً.

٨ ـ إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أخبر علياً (عليه‌السلام ) بأن الذي تكلم بذلك هو الخضر، فالكلام قد صدر من نبي، وليس من إنسان عادي، قد

٩٤

يخطئ أو يقصر في بيان مراميه. ولا يتكلم الأنبياء إلا بوحي من الله.. وذلك يعني: أن الله سبحانه وتعالى هو الذي أمر الخضر (عليه‌السلام ) بأن يأتي إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ويقول ذلك. وعلى الناس أن يأخذوا ذلك بجدية تامة.. فإن الله تعالى لم يفعل ذلك عبثاً، ولا كان ذلك مجرد مداعبة من الخضر (عليه‌السلام ).

٩ ـ ثم إنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يقل لعلي (عليه‌السلام ) أنه الخضر، بل قال: إنه أخوك الخضر، وهذا معناه: أن أخوة علي للأنبياء لم تكن لدواع شخصية، وإنما هي أهلية اختص الله تعالى بها علياً (عليه‌السلام ).

٩٥

٩٦

الفصل الخامس:

علي (عليه‌السلام ) في سورة هل أتى..

٩٧

٩٨

سورة هل أتى:

روى ابن بابويه قال: حدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدثنا محمد بن زكريا، قال: حدثنا شعيب بن واقد، قال: حدثنا القاسم بن بهرام، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن عباس.

وحدثنا محمد بن إبراهيم بن إسحاق، قال: حدثنا أبو أحمد عبد العزيز بن يحيى الجلودي، قال: حدثنا الحسن بن مهران، قال: حدثنا سلمة بن خالد، عن الصادق جعفر بن محمد، عن أبيه (عليهما‌السلام ) في قول الله عز وجل:( يُوفُونَ بِالنَّذْرِ ) (١) ، قال: (مرض الحسن والحسين (عليهما‌السلام ) وهما صبيان صغيران، فعادهما رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) ومعه رجلان، فقال أحدهما: يا أبا الحسن، لو نذرت في ابنيك نذراً لله إن عافاهما الله.

فقال: أصوم ثلاثة أيام شكراً لله عز وجل، وكذلك قالت فاطمة (عليها‌السلام ).

وقال الصبيان: ونحن أيضاً نصوم ثلاثة أيام، وكذلك قالت جاريتهم فضة.

____________

١- الآية ٧ من سورة الإنسان.

٩٩

فألبسهما الله العافية، فأصبحوا صائمين وليس عندهم طعام.

فانطلق علي (عليه‌السلام ) إلى جار له من اليهود، يقال له: شمعون، يعالج الصوف، فقال: هل لك أن تعطيني جزة من صوف تغزلها لك ابنة محمد بثلاثة أصوع من شعير.

قال: نعم.

فأعطاه، فجاء بالصوف والشعير، وأخبر فاطمة (عليها‌السلام )، فقبلت وأطاعت. ثم عمدت فغزلت ثلث الصوف. ثم أخذت صاعاً من الشعير فطحنته وعجنته، وخبزت منه خمسة أقراص، لكل واحد منهم قرص.

وصلى علي (عليه‌السلام ) مع النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) المغرب، ثم أتى منزله، فوضع الخوان، وجلسوا خمستهم، فأول لقمة كسرها علي (عليه‌السلام ) إذا مسكين قد وقف بالباب، فقال: السلام عليكم يا أهل بيت محمد، أنا مسكين من مساكين المسلمين أطعموني مما تأكلون أطعمكم الله على موائد الجنة.

فوضع اللقمة من يده ثم قال:

فاطم ذات المجد واليقين يا بنت خير الناس أجمعين

أما ترين البائس المسكين جاء إلى الباب له حنين

يشكو إلى الله ويستكين يشكو إلينا جائع حزين

كل امرء بكسبه رهين من يفعل الخير غداً يدين

موعده في جنة رهين حرمها الله على الضنيـن

١٠٠

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352