موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ٥

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 360

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
تصنيف: الصفحات: 360
المشاهدات: 156549
تحميل: 6547


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156549 / تحميل: 6547
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ودمار المجتمع الإسلامي.

هلك مروان سنة 65 هـ (1) .

2095 - المُعجم الكبير، عن ثوبان: إنّ رسول الله قال: (أُريت بني مروان يتعاورون (2) منبري، فساءني ذلك) (3) .

2096 - المستدرك على الصحيحين، عن أبي هريرة: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إنّي أُريت في منامي كأنّ بني الحَكم بن أبي العاص يَنْزون (4) على منبري كما تنزو القردة). قال: فما رؤي النبي (صلى الله عليه وآله) مُستجمعاً ضاحكاً حتى توفّي (5) .

2097 - المعجم الكبير، عن أبي قبيل: إنّ ابن موهب أخبره أنّه كان عند معاوية بن أبي سفيان، فدخل عليه مروان، فكلّمه في حوائجه، فقال: اقضِ حاجتي يا أمير المؤمنين، فوَالله إنّ مؤنتي لعظيمة، إنّي أصبحت أبا عشرة، وأخا عشرة، وعمّ عشرة، فلمّا أدبر مروان وابن عبّاس جالس مع معاوية على سريره، فقال معاوية: أُنشدك الله يابن عبّاس، أما تعلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: (إذا بلغ بنو الحكم ثلاثين رجلاً اتّخَذوا مال الله بينهم دُوَلاً، وعباده خَوَلاً، وكتابه دَغَل (6) ، فإذا بلغوا

____________________

(1) الطبقات الكُبرى: 5 / 43، تاريخ الطبري: 5 / 610، الكامل في التاريخ: 2 / 646، مُروج الذهب: 3 / 97، الاستيعاب: 3 / 445 / 2399.

(2) تعاوروه: تداولوه فيما بينهم (تاج العروس: 7 / 276).

(3) المعجم الكبير: 2 / 96 / 1425، مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 173.

(4) نزوت على الشيء: إذا وثبت عليه (لسان العرب: 15 / 319).

(5) المستدرك على الصحيحين: 4 / 527 / 8481، مُسند أبي يعلى: 6 / 63 / 6430، مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 173، سِيَر أعلام النُبلاء: 2 / 108 / 14 نحوه.

(6) دُوَلا: جمع دَوْلة، وهو ما يُتداول من المال، فيكون لقوم دون قوم. وخَوَلا: أي خدماً وعبيداً، =

١٠١

تسعة وتسعين وأربعمئة كان هلاكهم أسرع من الثمرة؟) قال ابن عبّاس: اللهمّ نعم...، قال معاوية: أُنشدك الله يابن عبّاس، أما تعلم أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) ذكر هذا، فقال: (أبو الجبابرة الأربعة؟) قال ابن عبّاس: اللهمّ نعم (1) .

2098 - نهج البلاغة، قالوا: أُخذ مروان بن الحَكم أسيراً يوم الجمل، فاستشفع الحسن والحسين (عليهما السلام) إلى أمير المؤمنين (عليه السلام)، فكلّماه فيه، فخلّى سبيله، فقالا له: (يُبايعك يا أمير المؤمنين؟) فقال (عليه السلام): (أوَلم يبايعني بعد قتل عثمان؟! لا حاجة لي في بيعته، إنّها كفّ يهوديّة، لو بايعني بكفّه لغدر بسُبَّته (2) ، أما إنّ له إمرةً كَلَعقةِ الكلبِ أنفَه، وهو أبو الأكبُش الأربعة، وستلقى الأُمّة منه ومن وُلده يوماً أحمر) (3)

2 / 7 عبد الله بن عامر

عبد الله بن عامر بن كُرَيْز، ابن خال عُثمان (4) ، عيّنةٌ ماثلة من الذين تمرّغوا في

____________________

= يعني أنّهم يستخدمونهم ويستعبدونهم. ودَغَلا: أي يخدعون به الناس، وأصل الدغَل: الشجر الملتفّ الذي يَكمنُ أهل الفساد فيه (النهاية: 2 / 140 وص 88 وص 123).

(1) المعجم الكبير: 12 / 182 / 12982 وج 19 / 382 / 897، مقتل الحسين للخوارزمي: 1 / 173، العُمدة: 472 / 994، بحار الأنوار: 18 / 126.

(2) السُّبّة: الإست، ومعنى الكلام محمول على وجهين: أحدهما: أن يكون ذكر السبّة إهانة له وغلظة عليه.... الثاني: أن يريد بالكلام حقيقة لا مجازاً ; وذلك لأنّ الغادر من العَرب كان إذا عَزَم على الغَدْر بعد عهد قد عاهده... حَبَق (أي ضرط) استهزاءً بما كان قد أظهره من اليمين والعهد (شرح نهج البلاغة: 6 / 147).

(3) نهج البلاغة: الخطبة 73، وراجع الخرائج والجرائح: 1 / 197 / 35.

(4) الطبقات الكُبرى: 5 / 45، تاريخ الطبري: 4 / 264، الكامل في التاريخ: 2 / 241، سِيَر أعلام النُبلاء: 3 / 18 / 6، أُسد الغابة: 3 / 289 / 3033، تاريخ دمشق: 29 / 250، الجَمل: 166.

١٠٢

الرفاه، فانْبَرَوا للقيم الإنسانيّة مُشاكِسين لها ومُخاصمين.

ولاّه عثمان على البصرة وهو ابن أربع وعشرين أو خمس وعشرين سَنة (1) ، كما كان يلي بلاد فارس أيضا (2) .

عزله أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد مقتل عثمان، فَنَهب بيتَ مال البصرة، وفرّ إلى مكّة (3) ، وكانت معرفته بالبصرة هي التي دفعت أصحاب الجمل إلى التوجّه نحوها (4) ، وهو أحد الذين جهّزوا الجيش بالمال الذي سرقه من خُزانة البصرة، فأنفق مليون درهم، وتبرّع بمئة بعير لقتال أمير المؤمنين (عليه السلام) (5) .

لاذ بالفرار بعد معركة الجمل قاصداً الشام (6) ، وفيها صاهر معاوية (7) ، وكان معه في حرب صفّين (8) ، كما شارك في قتال الإمام الحسن (عليه السلام)، وصار واسطة في

____________________

(1) تاريخ خليفة بن خيّاط: 116، أُسد الغابة: 3 / 289 / 3033، تاريخ دمشق: 29 / 254، الطبقات الكبرى: 5 / 45، الكامل في التاريخ: 2 / 242، تاريخ اليعقوبي: 2 / 166.

(2) تاريخ خليفة بن خيّاط: 116، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 325، سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 20 / 6، تاريخ دمشق: 29 / 254.

(3) الطبقات الكبرى: 5 / 48، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 259، أُسد الغابة: 3 / 289 / 3033، تاريخ دمشق: 29 / 261.

(4) مُروج الذهب: 2 / 366، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 258 و259، أُسد الغابة: 3 / 289 / 3033، المُسترشد: 419 / 141.

(5) مُروج الذهب: 2 / 366، وراجع تاريخ الطبري: 4 / 452، والكامل في التاريخ: 2 / 314، والبداية والنهاية: 7 / 231.

(6) تاريخ الطبري: 4 / 536، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 259، أُسد الغابة: 3 / 290 / 3033، البداية والنهاية: 8 / 88.

(7) المستدرك على الصحيحين: 3 / 742 / 6697، البداية والنهاية: 8 / 88.

(8) الأخبار الطوال: 196، وقعة صفّين: 246 وص 417.

١٠٣

الصُلح (1) ، ثُمّ ولي البصرة ثلاث سنوات أُخرى في عهد معاوية (2) .

حياته مَعْلَم على عبادته للدنيا وجَشعه في استغلال بيت المال. وهكذا...

أليس عجيباً أن يذكروا في ترجمته أنّه: (كان أحد الأجواد الممدوحين) (3) ؟!!

هَلك ما بين سنة 57 إلى 59 هـ (4) .

2 / 8 يَعلى بن مُنْيَة (5)

صِهر الزبير (6) ، وعامل أبو بكر (7) وعُمر وعثمان على اليمن (8) ، عزله أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد مقتل عثمان، فنهب بيت مال اليمن (9) ، ولجأ إلى مكّة ومعه ستّمئة

____________________

(1) الأخبار الطوال: 216 - 218.

(2) الطبقات الكبرى: 5 / 49، تاريخ الطبري: 5 / 170، الكامل في التاريخ: 2 / 454، سِيَر أعلام النُبلاء: 3 / 21 / 6، أُسد الغابة: 3 / 290 / 3033.

(3) أُسد الغابة: 3 / 290 / 3033، العُقد الفريد: 1 / 245، الطبقات الكبرى: 5 / 45.

(4) تاريخ دمشق: 29 / 271، الطبقات الكبرى: 5 / 49، الكامل في التاريخ: 2 / 515، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 162 و165، تاريخ خليفة بن خيّاط: 171، سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 21 / 6، أُسد الغابة: 3 / 290 / 3033.

(5) مُنْيَة هذه هي أُمّه، وقد اشتهر بالنسبة إليها، وهي مُنية بنت غزوان، وأمّا أبوه، فهو أُميّة بن أبي عبيدة التميمي المكّي.

(6) المعارف لابن قُتيبة: 276.

(7) المعارف لابن قُتيبة: 276.

(8) الإصابة: 6 / 539 / 9379، أُسد الغابة: 5 / 486 / 5647، تهذيب الكمال: 32 / 380 / 7110، سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 101 / 20، وفيهما: (كان عامل عُمر على نجران).

(9) الجَمل: 233.

١٠٤

ألف درهم وستّمئة بعير (1) ، فالتحق فيها بعائشة وطلحة والزبير، وتعهّد بنفقات الحَرب، فدفع أربعمئة ألف درهم للمُحاربين، وجعل الإبل تحت تصرّفهم (2) .

وهو الذي اشترى الجمل الذي كانت عليه عائشة (3) ، وله ثروة طائلة أيضاً، وكان أحد الصحابة الذين سَطَوا على بيت المال، فملؤوا جيوبهم منه. ويا عجباً إذا اشتهر بالجود والكرم (4) !!

ومن المُحتمل أنّه مات في أيّام معاوية (5) .

2099 - الجَمل: لمّا اتّصل بأمير المؤمنين (عليه السلام) خبر ابن أبي ربيعة وابن منية، وما بذلاه من المال في شقاقه والفساد عليه، قال: (والله إن ظفرتُ بابن منية وابن أبي ربيعة لأجعلنّ أموالهما في مال الله عزّ وجلّ).

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 450، الكامل في التاريخ: 2 / 313، الفُتوح: 2 / 453، وفيه: (و معه أربعمئة بعير)، البداية والنهاية: 7 / 231.

(2) أُسد الغابة: 5 / 487 / 5647، مُروج الذهب: 2 / 366، العُقد الفريد: 3 / 323، وفيه: (وجهّز من ماله خمسمئة فارس بأسلحتهم وأزودتهم)، سِيَر أعلام النُبلاء: 3 / 101 / 20، وفيه: (فأنفق أموالاً جزيلة في العسكر كما يُنفق الملوك)، الكامل في التاريخ: 2 / 314، البداية والنهاية: 7 / 231، وفيهما: (ستّمئة بعير وستّمئة ألف درهم).

(3) الكامل في التاريخ: 2 / 315، المعارف لابن قُتيبة: 276، أُسد الغابة: 5 / 487 / 5647، العُقد الفَريد: 3 / 323، الفتوح: 2 / 468، البداية والنهاية: 7 / 231.

(4) أُسد الغابة: 5/487/5647، تهذيب الكمال: 32/380/7110، سِيَر أعلام النُبلاء: 3/101/20.

(5) تهذيب الكمال: 32 / 381 / 7110، سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 101 / 20، الإصابة: 6/539/9379، أُسد الغابة: 5 / 487 / 5647، مُختصر تاريخ دمشق: 28 / 58 / 40، وفيهما: (ثمّ صار من أصحاب عليّ وقُتل معه بصفّين).

١٠٥

ثُمّ قال: (بلغني أنّ ابن منية بذل عشرة آلاف دينار في حربي، مِن أين له عشرة آلاف دينار؟! سرقها مِن اليمن ثُمّ جاء بها، لئن وجدته لآخذنّه بما أقرَّ به).

فلمّا كان يوم الجمل وانكشف الناس هرب يعلى بن منية (1) .

____________________

(1) الجَمل: 232.

١٠٦

الفَصلُ الثالث

تأهُّب الناكثين للخُروج على الإمام

3 / 1 دسائس مُعاوية

2100 - شرح نهج البلاغة، عن قيس بن عرفجة: لمّا حُصر عثمان أبرد مروانُ بن الحكم بخبره بريدين: أحدهما إلى الشام والآخر إلى اليمن - وبها يومئذ يعلى بن منية - ومع كلّ واحد منهما كتاب فيه:

إنّ بني أُميّة في الناس كالشامة الحمراء، وإنّ الناس قد قعدوا لهم برأس كلّ محجّة، وعلى كلّ طريق، فجعلوهم مرمى العُرّ (1) والعَضِيْهة (2) ، ومقذف القَشْب (3)

____________________

(1) العُرّة: اللطخ والعيب (كتاب العين: 527).

(2) العَضِيهة: الإفك (المحيط في اللغة: 1 / 109).

(3) القَشْب من الكلام: الفِرَي، يُقال: قشَّبنا فلان، أي: رمانا بأمر لم يكن فينا. وعن ابن الأعرابي: القاشب: الذي يُعيب الناس بما فيه (لسان العرب: 1 / 673).

١٠٧

والأفيكة، وقد علمتم أنّها لم تأتِ عثمان إلاّ كُرها تجبذ من ورائها، وإنّي خائف إن قُتل أن تكون من بني أُمية بمناط الثُريّا إن لم نَصِر كرصيف الأساس المُحكم، ولئن وَهى عمود البيت لتتداعيَنّ جُدرانُه، والذي عِيب عليه إطعامكما الشام واليمن، ولا شكّ أنّكما تابعاه إن لم تحذرا، وأمّا أنا فمساعف كلّ مستشير، ومعين كلّ مستصرخ، ومجيب كلّ داعٍ، أتوقّع الفرصة فأثب وثبة الفهد أبصرَ غفلة مقتنصة، ولولا مخافة عطب البريد وضياع الكُتب، لشرحت لكما من الأمر ما لا تفزعان معه إلى أن يحدث الأمر، فجدّا في طَلب ما أنتما وليّاه، وعلى ذلك فليكن العمل إن شاء الله...

فلمّا ورد الكتاب على معاوية أذّن في الناس الصلاة جامعة، ثُمّ خطبهم خطبة المستنصر المستصرخ، وفي أثناء ذلك ورد عليه قبل أن يكتب الجواب كتاب مروان بقتل عثمان...

فلمّا ورد الكتاب على معاوية أمر بجمع الناس، ثُمّ خطبهم خُطبة أبكى منها العيون، وقلقل القلوب، حتّى علت الرنّة، وارتفع الضجيج، وهمّ النساء أن يتسلّحنَ.

ثُمّ كتبَ إلى طلحة بن عبيد الله، والزبير بن العوّام، وسعيد بن العاص، وعبد الله بن عامر بن كريز، والوليد بن عقبة، ويعلى بن مُنية، وهو اسم أُمّه وإنمّا أسم أبيه أُميّة.

فكان كتاب طلحة: أمّا بعد، فإنّك أقلّ قريش في قريش وِتراً، مع صباحة وجهك، وسماحة كفّك، وفصاحة لسانك، فأنت بإزاء مَن تقدمّك في السابقة، وخامس المُبشّرين بالجنّة، ولك يوم أُحد وشرفُه وفضله، فسارع رحمك الله إلى ما تُقلّدك الرعيّة من أمرها ممّا لا يسعك التخلّف عنه، ولا يرضى الله منك إلاّ

١٠٨

بالقيام به، فقد أحكمت لك الأمر قبلي، والزبير فغير متقدّم عليك بفضل، وأيّكما قَدّم صاحبه فالمقدّم الإمام والأمر من بعده للمقدّم له، سلك الله بك قصد المُهتدين، ووهب لك رُشد الموفّقين، والسلام.

وكَتب إلى الزبير: أمّا بعد، فإنّك الزبير بن العوام بن أبي خديجة، وابن عمّة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وحواريّه وسَلفه، وصهر أبي بكر، وفارس المسلمين، وأنت الباذل في الله مهجته بمكّة عند صيحة الشيطان، بعثك المنبعث فخرجت كالثعبان المنسلخ بالسيف المنصلت، تخبط خبط الجمل الرديع (1) ، كلّ ذلك قوّة إيمان وصدق يقين، وسبقت لك من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) البشارة بالجنّة، وجعلك عُمر أحد المستخلفين على الأُمّة.

واعلم يا أبا عبد الله، أنّ الرعيّة أصبحت كالغنم المُتفرّقة لغيبة الراعي، فسارعْ رحمك الله إلى حقن الدماء، ولمّ الشعث، وجمع الكلمة، وصلاح ذات البين قبل تفاقم الأمر، وانتشار الأُمّة، فقد أصبح الناس على شفا جرف هار، عمّا قليل ينهار إن لم يُرأب (2) ، فشمِّر لتأليف الأُمّة، وابتغِ إلى ربّك سبيلا، فقد أحكمتُ الأمر على مَن قبلي لك ولصاحبك، على أنّ الأمر للمُقدّم، ثُمّ لصاحبه من بعده، جعلك الله من أئمّة الهدى، وبُغاة الخير والتقوى، والسلام (3) .

2101 - شرح نهج البلاغة: بعث [معاوية] رجلاً من بني عميس، وكتب معه كتاباً إلى الزبير بن العوّام، وفيه: بسم الله الرحمن الرحيم، لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان، سلام عليك، أمّا بعد، فإنّي قد بايعت لك أهل الشام،

____________________

(1) أي المردوع ; من رَدَعه إذا كفّه (هامش المصدر).

(2) الرَّأْب: الجمع والشدّ برفق (النهاية: 2 / 176).

(3) شرح نهج البلاغة: 10 / 233.

١٠٩

فأجابوا واستوسقوا (1) كما يستوسق الجَلَب (2) ، فدونك الكوفة والبصرة، لا يسبقك إليها ابن أبي طالب ; فإنّه لا شيء بعد هذين المِصرين.

وقد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك، فأظهِرا الطلب بدم عثمان، وادعوا الناس إلى ذلك، وليكن منكما الجدّ والتشمير، أظفركما الله، وخذل مناوئكما.

فلمّا وصل هذا الكتاب إلى الزبير سُرّ به، وأعلم به طلحة وأقرأه إيّاه، فلم يشكّا في النُصح لهما من قِبل معاوية، وأجمعا عند ذلك على خلاف عليّ (عليه السلام) (3) .

2102 - الإمام عليّ (عليه السلام)، من خُطبته قبل حرب الجَمل في شأن طلحة والزبير: (ويا عجباً لاستقامتهما لأبي بكر وعُمر وبغيهما عَلَيّ، وهما يعلمان أنّي لست دون أحدهما، ولو شئت أن أقول لقلت، ولقد كان معاوية كتب إليهما من الشام كتاباً يخدعهما فيه، فكتماه عنّي، وخرجا يوهمان الطَّغام (4) أنّهما يطلبان بدم عثمان) (5) .

3 / 2 بدء الخلاف

2103 - الإمامة والسياسة: ذكروا أنّ الزبير وطلحة أتيا عليّاً - بعد فراغ البيعة - فقالا: هل تدري على ما بايعناك يا أمير المؤمنين؟

____________________

(1) استوسقوا: استجمعوا وانضمّوا (النهاية: 5 / 185).

(2) الجَلَب: ما جُلِب من خيل وإبل ومتاع (لسان العرب: 1 / 268).

(3) شرح نهج البلاغة: 1 / 231.

(4) الطَّغام: من لا عقل له ولا معرفة، وقيل: هم أوغاد الناس وأراذلهم (النهاية: 3 / 128).

(5) الجَمل: 268، بحار الأنوار: 32 / 63، شرح نهج البلاغة: 1 / 310 عن زيد بن صوحان.

١١٠

قال عليّ: (نعم، على السمع والطاعة، وعلى ما بايعتم عليه أبا بكر وعمر وعثمان).

فقالا: لا، ولكنّا بايعناك على أنّا شريكاك في الأمر.

قال عليّ: (لا، ولكنّكما شريكان في القول والاستقامة والعون على العجز والأوَد (1) ) (2) .

2104 - الإمام عليّ (عليه السلام) - لمّا قال طلحة والزبير له (عليه السلام): نبايعك على أنّا شركاؤك في هذا الأمر، قال -: (لا ولكنّكما شريكان في القوّة والاستعانة، وعونان على العجز والأوَد) (3) .

2105 - تاريخ اليعقوبي: أتاه طلحة والزبير فقالا: إنّه قد نالتنا بعد رسول الله جَفْوة (4) ، فأشرِكنا في أمرك.

فقال: (أنتما شريكي في القوّة والاستقامة، وعوني على العجز والأوَد) (5) .

راجع: نظرة عامّة في حروب الإمام / دوافع البغاة في قتال الإمام.

3 / 3 إظهار الشكاة

2106 - الإمامة والسياسة: كان الزبير لا يشكّ في ولاية العراق، وطلحة في

____________________

(1) في المصدر: (و الأولاد) وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه. والأود: العِوَج (النهاية: 1 / 79).

(2) الإمامة والسياسة: 1 / 70.

(3) نهج البلاغة: الحكمة 202، خصائص الأئمّة (عليهم السلام): 114، بحار الأنوار: 32 / 48 / 31.

(4) الجَفاء: ترك الصلة والبرّ (لسان العرب: 14 / 148).

(5) تاريخ اليعقوبي: 2 / 179.

١١١

اليمن، فلمّا استبان لهما أنّ عليّاً غير مولّيهما شيئاً، أظهرا الشكاة ; فتكلّم الزبير في ملأ من قريش، فقال: هذا جزاؤنا من عليّ، قمنا له في أمر عثمان، حتى أثبتنا عليه الذنب، وسبّبنا له القتل، وهو جالس في بيته وكُفي الأمر. فلمّا نال بنا ما أراد، جعل دوننا غيرنا.

فقال طلحة: ما اللوم إلاّ أنّا كنّا ثلاثة من أهل الشورى، كرهه أحدنا وبايعناه، وأعطيناه ما في أيدينا، ومنعَنا ما في يده ; فأصبحنا قد أخطأنا ما رجونا.

قال: فانتهى قولهما إلى عليّ، فدعا عبد الله بن عبّاس وكان استوزره، فقال له: (بلغك قول هذين الرجلين؟) قال: نعم، بلغني قولهما، قال: (فما تري؟) قال: أرى أنّهما أحبّا الولاية، فولِّ البصرة الزبير، وولِّ طلحة الكوفة، فإنّهما ليسا بأقرب إليك من الوليد وابن عامر من عثمان. فضحك عليّ، ثُمّ قال: (ويحك، إنّ العراقَين بهما الرجال والأموال، ومتى تملّكا رقاب الناس يستميلا السفيه بالطمع، ويضربا الضعيف بالبلاء، ويقوَيا على القويّ بالسلطان، ولو كنت مستعملاً أحداً لِضُرّهِ ونفعه لاستعملت معاوية على الشام، ولولا ما ظهر لي من حرصهما على الولاية، لكان لي فيهما رأي) (1) .

2107 - الإمام عليّ (عليه السلام): مِن كلام له (عليه السلام) كلّم به طلحة والزبير بعد بيعته بالخلافة، وقد عتبا عليه من تركِ مشورتهما، والاستعانة في الأُمور بهما: (لقد نقمتما يسيراً، وأرجأتما كثيراً، ألا تُخبراني، أيّ شيء كان لكما فيه حقّ دفعتكما عنه؟ أم أيّ قَسْم استأثرت عليكما به؟ أم أيّ حقّ رفعه إليّ أحد من المسلمين ضعفت عنه، أم جهلته، أم أخطأت بابه؟

____________________

(1) الإمامة والسياسة: 1 / 71، وراجع الجَمل: 164، والمُسترشد: 418 / 141.

١١٢

والله، ما كانت لي في الخلافة رغبة، ولا في الولاية إرْبة (1) ، ولكنّكم دعوتموني إليها، وحملتموني عليها، فلمّا أفضَت إليّ نظرت إلى كتاب الله وما وضع لنا، وأُمرنا بالحُكم به فاتّبعتُه، وما استنّ النبيّ (صلّى الله عليه وآله) فاقتديتُه، فلم أحتج في ذلك إلى رأيكما، ولا رأي غيركما، ولا وقع حُكم جهلته فأستشيركما وإخواني من المسلمين، ولو كان ذلك لم أرغب عنكما، ولا عن غيركما.

وأمّا ما ذكرتما من أمر الأُسوة، فإنّ ذلك أمر لم أحكم أنا فيه برأيي، ولا وَلِيْته هوىً منّي، بل وجدت أنا وأنتما ما جاء به رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قد فرغ منه، فلم أحتج إليكما فيما قد فرغ الله من قَسْمه، وأمضى فيه حُكمه، فليس لكما - والله - عندي ولا لغيركما في هذا عُتْبى (2) ، أخذ الله بقلوبنا وقلوبكم إلى الحقّ، وألهمنا وإيّاكم الصبر.

ثُمّ قال (عليه السلام): رحم الله رجلاً رأى حقّاً فأعان عليه، أو رأى جوراً فردّه، وكان عوناً بالحقّ على صاحبه) (3) .

3 / 4 خُروج طلحة والزُبير إلى مَكّة

في أعقاب عدّة أيّام من المداولات التي أجراها طلحة والزبير مع الإمام في سبيل الحصول على بعض المناصب الحكوميّة (4) ، وكسب الامتيازات الاقتصاديّة، ولم تتمخّض هذه المُباحثات إلاّ عن رفضه الانصياع لمطاليبهم،

____________________

(1) أي حاجة (النهاية: 1 / 36).

(2) العُتْبى: الرجوع من الذنب والإساءة (النهاية: 3 / 175).

(3) نهج البلاغة: الخُطبة 205، بحار الأنوار: 32 / 50 / 34، المعيار والموازنة: 113 و114.

(4) الجَمل: 164، راجع: إظهار الشكاة / دوافع البغاة في قتال الإمام (عليه السلام) / الاستعلاء.

١١٣

تناهى إليهم خبر إعلان عائشة في مكّة عن معارضتها للإمام، والبراءة من قتلة عثمان، ومن جهة أُخرى فقد فرّ بعض عمّال عثمان برفقة الأموال التي نهبوها من بيت المال إلى مكّة خوفاً من حساب الإمام لهم.

وهكذا، فقد عزم كلٌّ من طلحة والزبير على الذهاب إلى مكّة، والإعلان عن معارضتهما لحكومة الإمام من هناك، فجاءاه وهما يضمران هذه النيّة.

2108 - الجَمل: فلمّا دخلا [ طلحة والزبير ] عليه قالا: يا أمير المؤمنين، قد جئناك نستأذنك للخروج في العمرة، فلم يأذن لهما.

فقالا: نحن بعيدو العهد بها، ائذن لنا فيها.

فقال لهما: (والله، ما تُريدان العمرة، ولكنّكما تُريدان الغدرة، وإنّما تريدان البصرة).

فقالا: اللهمّ غفراً، ما نُريد إلاّ العُمرة.

فقال لهما (عليه السلام): (احلفا لي بالله العظيم أنّكما لا تُفسدان عليّ أُمور المسلمين، ولا تنكثان لي بيعة، ولا تسعيان في فتنة)، فبذلا ألسنتهما بالأيمان الوكيدة فيما استحلفهما عليه من ذلك.

فلمّا خرجا من عنده لقيهما ابن عبّاس، فقال لهما: فأَذن لكما أمير المؤمنين؟ قالا: نعم.

فدخل على أمير المؤمنين (عليه السلام)، فابتدأه (عليه السلام) وقال: (يابن عبّاس، أعندك خبر؟)

فقال: قد رأيت طلحة والزبير.

فقال له: (إنّهما استأذناني في العمرة، فأذنت لهما بعد أن استوثقت منهما بالأيمان أن لا يغدرا ولا ينكثا ولا يُحدثا فساداً، والله يا بن عبّاس ما قصدا إلاّ

١١٤

الفتنة، فكأنّي بهما وقد صارا إلى مكّة ليستعينا على حربي، فإنّ يعلى بن منية الخائن الفاجر قد حمل أموال العراق وفارس لينفق ذلك، وسيُفسد هذان الرجلان عليّ أمري، ويسفكان دماء شيعتي وأنصاري).

فقال عبد الله بن عبّاس: إذا كان عندك الأمر كذلك فَلِمَ أذنتَ لهما؟! وهلاّ حبستهما وأوثقتهما بالحديد، وكفيت المسلمين شرّهما؟!

فقال له (عليه السلام): (يابن عبّاس، أتأمرني أن أبدأ بالظلم، وبالسيّئة قبل الحسنة، وأُعاقب على الظنّة والتُّهمَة، وآخذ بالفعل قبل كونه؟ كلاّ، والله لا عدلت عمّا أخذ الله عليّ من الحكم بالعدل، ولا القول بالفصل) (1) .

2109 - الجَمل: عن بكر بن عيسى: إنّ عليّاً (عليه السلام) أخذ عليهما العهد والميثاق أعظم ما أخذه على أحد من خلقه ألاّ يُخالفا ولا ينكثا، ولا يتوجّها وجهاً غير العمرة حتى يرجعا إليه، فأعطياه ذلك من أنفسهما، ثُمّ أذن لهما فخرجا (2) .

3 / 5 دعوة طلحة والزبير عائشة إلى الخروج (3)

2110 - أنساب الأشراف: عن صالح بن كيسان وأبي مخنف، قالوا: قدم طلحة

____________________

(1) الجَمل: 166، وراجع: الكافئة: 14 / 13، والاحتجاج: 1 / 373 / 67، ومُروج الذَهب: 2 / 366، وأنساب الأشراف: 3 / 22، والفتوح: 2 / 451.

(2) الجَمل: 437، الكافئة: 15 / 14، بحار الأنوار: 32 / 32 / 18.

(3) هذا الكلام لا يعني أنّ عائشة كانت بريئة تماماً وأنّ طلحة والزبير هُما اللذان حرّضاها على اتّخاذ ذلك الموقف. إنّ موقف عائشة أثناء العودة من مكّة وسماع خبر مقتل عثمان وخلافة الإمام (عليه السلام) ينمّ عن أنّها كانت تبحث عن ذريعة للإعلان عن معارضتها للإمام عليّ (عليه السلام)، وأنّها كانت مُتأهّبة للإعلان عن تأييدها لأيّة حركة معارضة، راجع: القسم الرابع / الثورة على عثمان / حجّ عائشة في حصر عثمان.

١١٥

والزبير على عائشة، فدعواها إلى الخروج، فقالت: أتأمراني أن أُقاتل؟

فقالا: لا، ولكن تُعلمين الناس أنّ عثمان قُتل مظلوماً، وتدعيهم إلى أن يجعلوا الأمر شورى بين المسلمين ; فيكونوا على الحالة التي تركهم عليها عمر بن الخطّاب، وتُصلحين بينهم (1) .

2111 - الفتوح: خرج الزبير وطلحة إلى مكّة، وخرج معهما عبد الله بن عامر بن كريز - وهو ابن خال عثمان - فجعل يقول لهما: أبشرا، فقد نلتما حاجتكما، والله لأمدّنّكما بمئة ألف سيف.

قال: وقدموا مكّة وبها يومئذٍ عائشة، وحرّضوها على الطلب بدم عثمان، وكان معها جماعة من بني أُميّة، فلمّا علمت بقدوم طلحة والزبير فرحت بذلك واستبشرت، وعزمت على ما أرادت من أمرها (2) .

2112 - الجَمل: لمّا عرف طلحة والزبير من حالها [أي عائشة] وحال القوم عمِلا على اللحاق بها والتعاضد على شقاق أمير المؤمنين (عليه السلام)، فاستأذناه في العُمرة...، وسارا إلى مكّة خالعَين الطاعة، ومفارقَين الجماعة.

فلمّا وردا إليها فيمن تبعهما من أولادهما وخاصّتهما وخالصتهما طافا بالبيت طواف العُمرة، وسعيا بين الصفا والمروة، وبعثا إلى عائشة عبد الله بن الزبير، وقالا له: امضِ إلى خالتك، فاهدِ إليها السلام منّا، وقل لها: إنّ طلحة والزبير يُقرئانك السلام، ويقولان لك: إنّ أمير المؤمنين عثمان قُتل مظلوماً، وإنّ عليّ بن أبي طالب ابتزّ الناس أمرهم، وغلبهم عليه بالسفهاء الذين تولّوا قتل عثمان،

____________________

(1) أنساب الأشراف: 3 / 23.

(2) الفتوح: 2 / 452.

١١٦

ونحن نخاف انتشار الأمر به، فإن رأيتِ أن تسيري معنا لعلّ الله يرتق بك فتق هذه الأُمّة، ويشعب بكِ صدعهم، ويلمّ بكِ شَعَثَهم (1) ، ويُصلح بكِ أُمورهم.

فأتاها عبد الله، فبلّغها ما أرسلاه به، فأظهرت الامتناع من إجابتهما إلى الخروج عن مكّة، وقالت: يا بنيّ، لم آمر بالخروج، لكنّي رجعت إلى مكّة لأُعلم الناس ما فُعل بعثمان إمامهم، وأنّه أعطاهم التوبة، فقتلوه تقيّاً نقيّاً بريّاً، ويرون في ذلك رأيهم، ويُشيرون إلى من ابتزّهم أمرهم، وغصبهم من غير مشورة من المسلمين ولا مؤامرة، بتكبّر وتجبّر، ويظنّ أنّ الناس يرون له حقّاً كما كانوا يرونه لغيره.

هيهات هيهات، يظنّ ابن أبي طالب يكون في هذا الأمر كابن أبي قحافة، لا والله، ومَن في الناس مثل ابن أبي قحافة؟ تخضع إليه الرقاب، ويُلقى إليه المَقاد، ولِيَها والله ابن أبي قحافة فخرج منها كما دخل، ثُمّ وليها أخو بني عَديّ، فسلك طريقه، ثُمّ مضيا فوليها ابن عفّان، فركبها رجل له سابقة ومصاهرة برسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وأفعال مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) مذكورة، لا يعمل أحد من الصحابة مثل ما عمله في ذات الله، وكان مُحبّاً لقومه، فمال بعض الميل، فاستتبناه فتاب ثُمّ قُتل، فيحقّ للمسلمين أن يطلبوا بدمه.

فقال لها عبد الله: فإذا كان هذا قولك في عليّ يا أُمّهْ، ورأيك في قاتلي عثمان، فما الذي يُقعدكِ عن المساعدة على جهاد عليّ بن أبي طالب، وقد حضركِ من المسلمين مَن فيه غنىً وكفاية فيما تريدين؟!

____________________

(1) الرَّتْق: إلحام الفَتْق وإصلاحه. وشَعْبُ الصدعِ في الإناء: إصلاحه ومُلاءمته. ويَلمُّ بكِ شعثهم: أي يجمع ما تفرّق منه (اُنظر لسان العرب: 10 / 114، وج 1 / 498، وج 2 / 161).

١١٧

فقالت: يا بنيّ، أُفكّر فيما قلتَ وتعود إليّ.

فرجع عبد الله إلى طلحة والزبير بالخبر، فقالا له: قد أجابت أُمّنا والحمد لله إلى ما نريد، ثُمّ قالا له: باكِرْها في الغد، فذكِّرها أمر المسلمين، وأعلِمها أنّا قاصدان إليها لنجدّد بها عهداً، ونحكم معها عقداً، فباكرَها عبد الله، وأعاد عليها بعض ما أسلفه من القول إليها، فاجابت إلى الخروج ونادى مُناديها: إنّ أُمّ المؤمنين تُريد أن تخرج تطلب بدم عثمان، فمَن كان يُريد أن يخرج فليتهيّأ للخروج معها.

وصار إليها طلحة، فلمّا بصرت به قالت له: يا أبا محمّد، قتلت عثمان وبايعت عليّاً؟! فقال لها: يا أُمّهْ، ما مَثَلي إلاّ كما قال الأوّل:

ندمتُ ندامة الكُسَعيّ (1) لمّا رأت عيناه ما صنعت يداهُ

وجاءها الزبير فسلّم عليها، فقالت له: يا أبا عبد الله، شركت في دم عثمان، ثُمّ بايعت عليّاً، وأنت والله أحقّ منه بالأمر؟!

فقال لها الزبير: أمّا ما صنعت مع عثمان، فقد ندمت منه وهربت إلى ربّي من ذنبي في ذلك، ولن أترك الطلب بدم عثمان. والله ما بايعت عليّاً إلاّ مُكرَها، التفّ به السفهاء من أهل مصر والعراق، وسلّوا سيوفهم وأخافوا الناس حتى بايعوه.

وصار إلى مكّة عبد الله بن أبي ربيعة - وكان عامل عثمان على صنعاء - فدخلها وقد انكسر فخذه، وكان سبب ذلك ما رواه الواقدي عن رجاله: أنّه لمّا

____________________

(1) الكُسَعي: يُضرب به المثل في الندامة، وهو رجل رام رمي بعد ما أسدف الليلُ عَيْراً، فأصابه وظنّ أنّه أخطأه، فكسر قوسة، وقيل: وقطع إصبَعَهُ ثُمّ نَدِم من الغد حين نظر إلى العَيْر مقتولا وسهمه فيه (لسان العرب: 8 / 311).

١١٨

اتّصل بابن أبي ربيعة حصر الناس لعثمان أقبل سريعاً لنصرته، فلقيه صفوان بن أُميّة، وهو على فرس يجري وعبد الله بن أبي ربيعة على بغلة، فدنا منها الفرس، فحادت فطرحت ابن أبي ربيعة وكسرت فخذه، وعرف أنّ الناس قد قتلوا عثمان، فصار إلى مكّة بعد الظُهر، فوجد عائشة يومئذ بها تدعو إلى الخروج للطلب بدم عثمان، فأمر بسرير فوضع له سرير في المسجد، ثمّ حُمل ووُضع عليه، وقال للناس: من خَرج للطلب بدم عثمان فعليّ جهازه، فجهّز ناساً كثيراً، فحملهم ولم يستطع الخروج معهم لما كان برجله (1) .

3 / 6 تخطيط الناكثين للحرب

إنّ شورى الناكثين جديرة بالتأمّل، فقد اجتمعوا في مكّة من أجل التخطيط لمواجهة أمير المؤمنين (عليه السلام). وجلس طلحة، والزبير، وعائشة، ومروان بن الحكم، ويعلى بن منية، وعبد الله بن عامر، وعبد الله بن الزبير، ونظائرهم ليُعيّنوا موضع القتال، ويرسموا خطّة الحرب، وأساليب المواجهة.

وكان لكلّ واحد من هؤلاء مواصفاته الخاصّة، فطلحة والزبير كانا لاهثَين وراء السُلطة، وفي أنفسهما هوى الرئاسة والخلافة، ومروان رجل ماكر، مُريب، بعيد عن الدين، وعبد الله بن عامر شخص موتور فَقَدَ سلطته بعد أن ملأ جيوبه بدنانير بيت المال ودراهمه، وهكذا كان يعلى بن منية، فامتزج حبّ السلطة، ونزعة الترف، وبلبلة الهوَس بفتنة عمياء تمخّضت عنها معركة الجَمل.

واختارت هذه الشرذمة البصرة بعد مداولات كثيرة؛ ذلك أنّهم من جهة لم

____________________

(1) الجَمل: 229.

١١٩

يثقوا بمعاوية، فيذهبوا إلى الشام، ومن جهة أُخرى إنّهم كانوا يبتغون مدينة هي في الوقت نفسه قاعدة عسكريّة، ولم تكن مدينة غير الكوفة والبصرة لها هذه الخصوصيّة، فاختاروا البصرة لميل أهل الكوفة للإمام عليّ (عليه السلام)، وميل أهل البصرة إلى عثمان، مضافاً إلى نفوذ ابن عامر في البصرة؛ لأنّه كان حاكماً عليها، وهذا ما يساعدهم في استقطاب الناس والحصول على معلومات ضروريّة تخدم موقف الحَرب.

2113 - الإمامة والسياسة: قال الزبير: الشام بها الرجال والأموال، وعليها معاوية، وهو ابن عمّ الرجل، ومتى نجتمع يولِّنا عليه.

وقال عبد الله بن عامر: البصرة، فإن غلبتم عليّاً فلكم الشام، وإن غَلَبكم عليٌّ كان معاوية لكم جُنّة، وهذه كُتب أهل البصرة إليّ.

فقال يعلي بن منية (1) - وكان داهياً -: أيّها الشيخان، قدِّرا قبل أن ترحلا أنّ معاوية قد سبقكم إلى الشام وفيها الجماعة، وأنتم تقدمون عليه غداً في فرقة، وهو ابن عمّ عثمان دونكم، أرأيتم إن دفعكم عن الشام، أو قال: أجعلها شورى، ما أنتم صانعون؟ أتقاتلونه أم تجعلونها شورى فتخرجا منها؟ وأقبح من ذلك أن تأتيا رجلاً في يديه أمر قد سبقكما إليه، وتريدا أن تُخرجاه منه.

فقال القوم: فإلى أين؟

قال: إلى البصرة (2) .

____________________

(1) في المصدر: (منبه) وهو تصحيف، والصحيح ما أثبتناه.

(2) الإمامة والسياسة: 1 / 79، وراجع تاريخ الطبري: 4 / 450، والكامل في التاريخ: 2 / 314، والبداية والنهاية: 7 / 231.

١٢٠