موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ٥

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 360

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
تصنيف: الصفحات: 360
المشاهدات: 156585
تحميل: 6547


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156585 / تحميل: 6547
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

4 / 6 نُزول الإمام بالرَبذة

2141 - الإرشاد: لمّا توجّه أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى البصرة نزل الرَّبَذة (1) ، فلقيه بها آخر الحاج، فاجتمعوا ليسمعوا من كلامه وهو في خبائه، قال ابن عبّاس: فأتيته فوجدته يخصف نعلاً، فقلت له: نحن إلى أن تُصلح أمرنا أحوج منّا إلى ما تصنع، فلم يُكلّمني حتى فرغ من نعله، ثُمّ ضمّها إلى صاحبتها، ثمّ قال لي: (قومّها؟) فقلت: ليس لها قيمة، قال: (على ذاك)، قلت: كسر درهم، قال: (والله لهما أحبّ إليّ من أمركم هذا، إلاّ أن أُقيم حقّاً أو أدفع باطلا).

قلت: إنّ الحاجّ قد اجتمعوا ليسمعوا من كلامك، فتأذن لي أن أتكلّم ; فإن كان حسناً كان منك، وإن كان غير ذلك كان منّي؟ قال: (لا، أنا أتكلّم). ثُمّ وضع يده على صدري - وكان شَثْن (2) الكفّين - فآلمني، ثُمّ قام فأخذت بثوبه فقلت: نشدتك الله والرَحِم؟ قال: (لا تنشدني)، ثمّ خرج فاجتمعوا عليه، فحمد الله وأثنى عليه، ثُمّ قال:

(أمّا بعد، فإنّ الله تعالى بعث محمّداً (صلّى الله عليه وآله) وليس في العرب أحد يقرأ كتاباً ولا يدّعي نبوّة، فساق الناس إلى منجاتهم، أمَ والله ما زلت في ساقتها، ما غيّرت ولا خُنتُ حتّى تولّت بحذافيرها.

مالي ولقريش؟ أمَ والله لقد قاتلتهم كافرين، ولأُقاتلنّهم مفتونين، وإنّ مسيري

____________________

(1) الرَّبَذَة: من قرى المدينة على ثلاثة أيّام، قريبة من ذات عرق على طريق الحجاز. خربت الربذة باتّصال الحروب بين أهلها...، وكانت من أحسن منزل في طريق مكّة (معجم البلدان: 3 / 24).

(2) الشَّثَن بالتحريك مصدر شَثِنَت كفّه بالكسرى خَشُنَت وغَلُظَت (لسان العرب: 13 / 232).

١٤١

هذا عن عهدٌ إليّ فيه، أمَ والله: لأبقرنّ الباطل حتى يخرج الحقّ من خاصرته، ما تنقم منّا قريش إلاّ أنّ الله اختارنا عليهم فأدخلناهم في حيِّزنا. وأنشد:

أدمتَ (1) لعمري شربَك المحض خالصاً وأكلك بالزبد المقشّرة البُجرا

ونحن وهبناك العلاء ولم تكن عليّاً وحطنا حولك الجُرْدَ والسُّمْرا (2)

4 / 7 كتاب الإمام إلى والي البصرة

2142 - الإمام عليّ (عليه السلام) - في كتابه إلى عُثمان لمّا بلغه مشارفة القوم البصرة -: (من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عثمان بن حُنيف، أمّا بعد، فإنّ البُغاة عاهدوا الله ثُمّ نكثوا وتوجّهوا إلى مصرك، وساقهم الشيطان لطلب ما لا يرضى الله به. والله أشدّ بأساً وأشدّ تنكيلا، فإذا قدموا عليك فادعُهم إلى الطاعة والرجوع إلى الوفاء بالعهد والميثاق الذي فارقونا عليه، فإن أجابوا فأحسِن جوارهم ما داموا عندك، وإن أبَوْا إلاّ التمسّك بحبل النكث والخلاف، فناجزهم القتال حتى يحكم الله بينك وبينهم وهو خير الحاكمين، وكتبتُ كتابي هذا إليك من الرَبذة، وأنا مُعجّل المسير إليك إن شاء الله). وكتبه عبيد الله بن أبي رافع في سنة ستّ وثلاثين (3) .

4 / 8 التباس الأمر على مَن لا بصيرة له

2143 - تاريخ اليعقوبي: وقال له [لعليّ (عليه السلام) ] الحارث بن حوط الراني: أظنّ طلحة

____________________

(1) في المصدر: (ذنب) وهو كما ترى!

(2) الإرشاد: 1 / 247، نهج البلاغة: الخطبة 33، وفيه: من (قال ابن عبّاس...)، وراجع شرح المئة كلمة: 228.

(3) شرح نهج البلاغة: 9 / 312.

١٤٢

والزبير وعائشة اجتمعوا على باطل؟

فقال: (يا حارث، إنّه ملبوس عليك، وإنّ الحقّ والباطل لا يُعرفان بالناس، ولكن اعرف الحقّ تعرفْ أهله، واعرف الباطل تعرفْ مَن أتاه) (1) .

2144 - الأمالي للطوسي، عن أبي بكر الهذلي: دخل الحارث بن حوط الليثي على أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)، فقال: يا أمير المؤمنين، ما أرى طلحة والزبير وعائشة احتجّوا إلاّ على حقّ؟ فقال: (يا حارث، إنّك إن نظرت تحتك ولم تنظر فوقك جزتَ عن الحقّ، إنّ الحقّ والباطل لا يُعرفان بالناس، ولكن اعرف الحقّ باتّباع من اتّبعه، والباطل باجتناب من اجتنبه).

قال: فهلاّ أكون كعبد الله بن عمر وسعد بن مالك؟ فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (إنّ عبد الله بن عمر وسعد أخذلا الحقّ ولم ينصرا الباطل، متى كانا إمامين في الخير فيُتّبعان؟!) (2)

2145 - شرح نهج البلاغة، عن أبي مِخنف: وقام رجل إلى عليّ (عليه السلام)، فقال: يا أمير المؤمنين، أيّ فتنة أعظم من هذه؟! إن البدريّة ليمشي بعضها إلى بعض بالسيف، فقال عليّ (عليه السلام): (ويحَك، أتكون فتنة أنا أميرها وقائدها؟! والذي بعث محمّداً بالحقّ وكرّم وجهه، ما كذبت ولا كُذِّبت، ولا ضللت ولا ضُلّ بي، ولا زللت ولا زُلّ بي، وإنّي لعلى بيّنة من ربّي، بيّنها الله لرسوله، وبيّنها رسوله لي،

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 210، الأمالي للطوسي: 134، أنساب الأشراف: 3 / 64، البيان والتبيين: 3 / 211 كلّها نحوه، وفيها: (الليثي) بدل (الراني).

(2) الأمالي للطوسي: 134 / 216، وفي الطرائف: 136 / 215: ومن ذلك ما ذكره الغزالي في كتاب (المُنقذ من الضلال) ما هذا لفظه: العاقل يقتدي بسيّد العقلاء عليّ (عليه السلام) حيث قال: (لا يُعرف الحقّ بالرجال، اعرِف الحقّ تعرف أهله)، فشهد أنّ عليّاً سيّد العقلاء.

١٤٣

وسأُدعى يوم القيامة ولا ذنب لي، ولو كان لي ذنب لكفّر عنّي ذنوبي ما أنا فيه من قتالهم) (1) .

2146 - شرح نهج البلاغة: خرج طارق بن شهاب الأحمسي يستقبل عليّاً (عليه السلام)، وقد صار بالربذة طالباً عائشة وأصحابها، وكان طارق من صحابة عليّ (عليه السلام) وشيعته، قال: فسألت عنه قبل أن ألقاه ما أقدمه؟ فقيل: خالفه طلحة والزبير وعائشة، فأتوا البصرة، فقلت في نفسي: إنّها الحرب، أفأُقاتل أُمّ المؤمنين وحواريّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ إنّ هذا لعظيم، ثُمّ قلتُ: أأَدع عليّاً وهو أوّل المؤمنين إيماناً بالله، وابن عمّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ووصيّه؟ هذا أعظم، ثُمّ أتيته فسلّمت عليه، ثُمّ جلست إليه، فقصّ علَيَّ قصّة القوم وقصّته (2) .

2147 - فتح الباري، عن العلاء أبي محمّد، عن أبيه: جاء رجل إلى عليّ وهو بالزاوية، فقال: عَلامَ تُقاتل هؤلاء؟ قال: (على الحقّ)، قال: فإنّهم يقولون إنّهم على الحقّ، قال: (أُقاتلهم على الخروج من الجماعة، ونكث البيعة) (3) .

راجع: القسم الخامس / السياسة الثقافيّة / الالتزام بالحقّ في معرفة الرجال.

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 265.

(2) شرح نهج البلاغة: 1 / 226.

(3) فتح الباري: 13 / 57.

١٤٤

الفصلُ الخامس

استنصارُ الإمام مِن أهل الكوفة

5 / 1 كتاب الإمام إلى أهل الكوفة من الرَبذة

2148 - تاريخ الطبري، عن يزيد الضخم، قال: لمّا أتى عليّاً الخبر وهو بالمدينة بأمر عائشة وطلحة والزبير أنّهم قد توجّهوا نحو العراق، خرج يُبادر وهو يرجو أن يدركهم ويردّهم، فلمّا انتهى إلى الربَذة أتاه عنهم أنّهم قد أمعنوا (1) ، فأقام بالربذة أيّاماً، وأتاه عن القوم أنّهم يُريدون البصرة، فسُرِّيَ (2) بذلك عنه، وقال: (إنّ أهل الكوفة أشدّ إليّ حُبّاً، وفيهم رؤوس العرب وأعلامهم...)

[و] عن محمّد بن عبد الرحمان بن أبي ليلى، عن أبيه، قال: كتب عليّ إلى أهل الكوفة: (بسم الله الرحمن الرحيم، أمّا بعد، فإنّي اخترتكم، والنزول بين أظهركم؛

____________________

(1) أمعنوا في الطلب: أي جَدُّوا وأبعدوا (النهاية: 4 / 344).

(2) سُرِّي عنه: أي كُشف عنه الخوف (النهاية: 2 / 365).

١٤٥

لِما أعرف من مودّتكم وحبّكم لله عزّ وجلّ ولرسوله (صلّى الله عليه وآله)، فمَن جاءني ونصرني فقد أجاب الحقّ وقضى الذي عليه) (1) .

2149 - تاريخ الطبري، عن محمّد وطلحة: لمّا قدم عليّ الربذة أقام بها، وسرّح منها إلى الكوفة محمّد بن أبي بكر، ومحمّد بن جعفر، وكتب إليهم:

(إنّي اخترتكم على الأمصار، وفزعت إليكم لما حدث، فكونوا لدين الله أعواناً وأنصاراً، وأيِّدونا وانهضوا إلينا، فالإصلاح ما نُريد، لتعود الأُمّة إخواناً، ومَن أحبّ ذلك وآثره فقد أحبّ الحقّ وآثره، ومَن أبغض ذلك فقد أبغض الحقّ وغَمِصه) (2) .

فمضى الرجلان وبقي عليّ بالربذة يتهيّأ، وأرسل إلى المدينة، فلحقه ما أراد من دابّة وسلاح، وأمِر (3) أمرُه، وقام في الناس فخطبهم وقال:

(إنّ الله عزّ وجلّ أعزّنا بالإسلام، ورفعنا به، وجعلنا به إخواناً بعد ذلّة وقلّة وتباغض وتباعد، فجرى الناس على ذلك ما شاء الله، الإسلام دينهم، والحقّ فيهم، والكتاب إمامهم، حتى أُصيب هذا الرجل بأيدي هؤلاء القوم الذين نزغهم الشيطان لينزغ بين هذه الأُمّة، ألا إنّ هذه الأُمّة لا بدّ مفترقة كما افترقت الأُمم قبلهم، فنعوذ بالله من شرّ ما هو كائن).

ثمّ عاد ثانية فقال: (إنّه لا بدّ ممّا هو كائن أن يكون، ألا وإنّ هذه الأُمّة ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة، شرّها فرقة تنتحلني ولا تعمل بعملي، فقد أدركتم

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 477.

(2) غَمِصَه: احتقره ولم يره شيئاً (النهاية: 3 / 386).

(3) أمِرَ أمرُه: أي كثُر وارتفع شأنه (النهاية 1 / 65).

١٤٦

ورأيتم، فالزموا دينكم، واهدوا بهدي نبيّكم (صلّى الله عليه وآله)، واتّبعوا سنّته، واعرُضوا ما أُشكل عليكم على القرآن، فما عرفه القرآن فالزموه، وما أنكره فردّوه، وارضوا بالله عزّ وجلّ ربّاً، وبالإسلام ديناً، وبمحمّد (صلّى الله عليه وآله) نبيّاً، وبالقرآن حَكَماً وإماماً) (1) .

2150 - شرح نهج البلاغة، عن عبد الرحمان بن يسار القرشي - في ذِكرِ كتاب عليّ (عليه السلام) إلي أهل الكوفة -: لمّا نزل عليّ (عليه السلام) الربذة متوجّهاً إلى البصرة بعث إلى الكوفة محمّد بن جعفر بن أبي طالب، ومحمّد بن أبي بكر الصديق، وكَتبَ إليهم هذا الكتاب (2) وزاد في آخره:

(فحسبي بكم إخواناً، وللدين أنصاراً فـ ( انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالاً وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ ) ) (3) .

قال: لمّا قدِم محمّد بن جعفر، ومحمّد بن أبي بكر الكوفة استنفرا الناس، فدخل قوم منهم على أبي موسى ليلاً، فقالوا له: أشِر علينا برأيك في الخروج مع هذين الرجلين إلى عليّ (عليه السلام)، فقال: أمّا سبيل الآخرة فالزموا بيوتكم، وأمّا سبيل الدنيا فاشخصوا معهما؛ فمنع بذلك أهل الكوفة من الخُروج، وبلغَ ذلك المحمّدَين، فأغلظا لأبي موسى، فقال أبو موسى: والله إنّ بيعة عثمان لفي عُنق عليّ وعُنقي وأعناقكما، ولو أردنا قتالاً ما كنّا لنبدأ بأحد قبل قَتلة عثمان، فخرجا من عنده، فلحقا بعليّ (عليه السلام) فأخبراه الخبر (4) .

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 478، الكامل في التاريخ: 2 / 324، البداية والنهاية: 7 / 235 كلاهما نحوه.

(2) الكتاب الأوّل من نهج البلاغة.

(3) التوبة: 41.

(4) شرح نهج البلاغة: 14 / 8، وراجع الإمامة والسياسة: 1 / 84 و85.

١٤٧

5 / 2 بعثُ الإمام هاشم بن عُتبة إلى أبي موسى ليُنفّر الناس

2151 - تاريخ الطبري، عن أبي ليلي: خرج هاشم بن عتبة إلى عليّ بالربذة، فأخبره بقدوم محمّد بن أبي بكر وقول أبي موسى، فقال: لقد أردت عزله وسألني الأشتر أن أُقرّه، فردّ عليّ هاشماً إلى الكوفة وكتب إلى أبي موسى:

(إنّي وجّهت هاشم بن عتبة ليُنهض مَن قِبَلك من المسلمين إليّ، فأشخص الناس ; فإنّي لم أولِّك الذي أنت به، إلاّ لتكون من أعواني على الحقّ).

فدعا أبو موسى السائب بن مالك الأشعري، فقال له: ما ترى؟ قال: أرى أن تتّبع ما كتبَ به إليك، قال: لكنّي لا أرى ذلك، فكتب هاشم إلى عليّ: إنّي قد قدمت على رجل غال مُشاقّ ظاهر الغلّ والشنآن. وبعث بالكتاب مع المحلّ بن خليفة الطائي (1) .

2152 - الجَمل: خرج [الإمام عليّ (عليه السلام) ] في سبعمئة رجل من المهاجرين والأنصار...، ثُمّ دعا هاشم بن عتبة المرقال، وكتب معه كتاباً إلى أبي موسى الأشعري - وكان بالكوفة من قِبَل عثمان - وأمره أن يوصِل الكتاب إليه ليستنفر الناس منها إلى الجهاد معه، وكان مضمون الكتاب:

(بسم الله الرحمن الرحيم، من عليّ أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس.

أمّا بعد، فإنّي أرسلت إليك هاشم بن عتبة المرقال لتُشخص معه مَن قِبَلك من المسلمين ليتوجّهوا إلى قوم نكثوا بيعتي، وقتلوا شيعتي، وأحدثوا في هذه الأُمّة الحدث العظيم، فأشخِص بالناس إليّ معه حين يقدم بالكتاب عليك ولا تحبسه ;

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 499.

١٤٨

فإنّي لم أُقرّك في المصر الذي أنت فيه، إلاّ أن تكون من أعواني وأنصاري على هذا الأمر، والسلام).

فقدم هاشم بالكتاب على أبي موسى الأشعري، فلمّا وقف عليه دعا السائب بن مالك الأشعري، فأقرأه الكتاب، وقال له: ما ترى؟ فقال له السائب: اتّبعْ ما كتب به إليك، فأبى أبو موسى ذلك، وكسر الكتاب ومحاه، وبعث إلى هاشم بن عتبة يُخوّفه ويتوعّده بالسجن، فقال السائب بن مالك: فأتيت هاشماً فأخبرته بأمر أبي موسى، فكتب هاشم إلى عليّ بن أبي طالب (عليه السلام):

أمّا بعد، يا أمير المؤمنين، فإنّي قدمت بكتابك على امرئٍ عاقٍّ شاقٍّ، بعيد الرَحم، ظاهر الغلّ والشقاق، وقد بعثتُ إليك بهذا الكتاب مع المُحِلّ بن خليفة أخي طيّئ، وهو من شيعتك وأنصارك، وعنده عِلم ما قِبَلنا، فاسأله عمّا بدا لك، واكتب إليّ برأيك أتّبعْه، والسلام.

فلمّا قدم الكتاب إلى عليّ (عليه السلام) وقرأه، دعا الحسن ابنه، وعمّار بن ياسر، وقيس بن سعد وبعثهم إلى أبي موسى، وكتب معهم:

(من عبد الله عليّ أمير المؤمنين إلى عبد الله بن قيس: أمّا بعد، يابن الحائك، والله إنّي كنتُ لأرى أنّ بُعدك من هذا الأمر الذي لم يجعلك الله له أهلا، ولا جعل لك فيه نصيباً سيمنعك من ردّ أمري، وقد بعثت إليك الحسن وعمّاراً وقيساً، فأخلِ لهم المصر وأهله، واعتزل عملنا مذموماً مدحوراً، فإنْ فعلتَ، وإلاّ فإنّي أمرتهم أن يُنابذوك على سواء، إنّ الله لا يحبّ الخائنين، فإن ظهروا عليك قطّعوك إرباً إرباً، والسلام على مَن شكر النعمة ورضي بالبيعة، وعمل لله رجاء العاقبة) (1) .

____________________

(1) الجمل: 240، بحار الأنوار: 32 / 85، شرح نهج البلاغة: 14 / 8 - 9 نحوه، وراجع فتح الباري: 13 / 58.

١٤٩

5 / 3 إرسال الإمام ابنه إلى الكوفة

2153 - تاريخ الطبري عن أبي ليلى: بعث عليّ الحسنَ بن عليّ وعمّار بن ياسر يستنفران الناس، وبعث قرظة بن كعب الأنصاري أميراً على الكوفة، وكتب معه إلى أبي موسى:

(أمّا بعد، فقد كُنت أرى أنّ بُعدك من هذا الأمر الذي لم يجعل الله عزّ وجلّ لك منه نصيباً سيمنعك من ردّ أمري، وقد بعثتُ الحسن بن عليّ وعمّار بن ياسر يستنفران الناس، وبعثت قرظة بن كعب والياً على المصر، فاعتزل مذموماً مدحوراً، فإن لم تفعل فإنّي قد أمرته أن يُنابذك، فإن نابذته فظفر بك أن يُقطّعك آراباً).

فلمّا قدم الكتاب على أبي موسى اعتزل، ودخل الحسن وعمّار المسجد، فقالا:

أيّها الناس، إنّ أمير المؤمنين يقول: (إنّي خرجت مخرجي هذا ظالماً أو مظلوماً، وإنّي أُذكّر الله عزّ وجلّ رجلا رعى لله حقّاً إلاّ نفر، فإن كُنت مظلوماً أعانني، وإن كُنت ظالماً أخذ منّي، والله إنّ طلحة والزبير لأوّل مَن بايعني، وأوّل من غدر، فهل استأثرت بمالٍ أو بدلّت حُكماً؟ فانفروا، فمُروا بمعروف، وانهَوا عن منكر) (1) .

2154 - شرح نهج البلاغة: عن أبي مخنف، عن موسى بن، عبد الرحمان بن أبي ليلى،

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 499، وراجع الكامل في التاريخ: 2 / 328، وشرح نهج البلاغة: 14 / 10 - 12، والجَمل: 243 و244.

١٥٠

عن أبيه قال: أقبلنا مع الحسن وعمّار بن ياسر من ذي قار (1) حتى نزلنا القادسيّة، فنزل الحسن وعمّار ونزلنا معهما، فاحتبى (2) عمّار بحمائل سيفه، ثُمّ جعل يسأل الناس عن أهل الكوفة وعن حالهم، ثُمّ سمعته يقول: ما تركت في نفسي حزّة أهمّ إليّ من ألاّ نكون نبشنا عثمان من قبره، ثمّ أحرقناه بالنار.

قال: فلمّا دخل الحسن وعمّار الكوفة اجتمع إليهما الناس، فقام الحسن فاستنفر الناس، فحمد الله وصلّى على رسوله، ثُمّ قال:

(أيّها الناس، إنّا جئنا ندعوكم إلى الله، وإلى كتابه، وسنّة رسوله، وإلى أفقه مَن تفقّه من المسلمين، وأعدل من تُعدّلون، وأفضل من تُفضّلون، وأوفى مَن تُبايعون، مَن لم يعِبْه القرآن، ولم تُجَهِّلْه السُنّة، ولم تقعد به السابقة، إلى مَن قرّبه الله تعالى إلى رسوله قرابتين: قرابة الدين، وقرابة الرَحم، إلى مَن سبق الناس إلى كلّ مأثرة، إلى مَن كفى الله به رسوله والناس متخاذلون، فقرب منه وهُم متباعدون، وصلّى معه وهم مُشركون، وقاتل معه وهم منهزمون، وبارز معه وهم مُحجِمون، وصدّقه وهم يُكذّبون، إلى مَن لم تُردّ له رواية ولا تُكافأ له سابقة، وهو يسألكم النصر، ويدعوكم إلى الحقّ، ويأمركم بالمسير إليه لتُوازروه وتُنصروه على قوم نكثوا بيعته، وقتلوا أهل الصلاح من أصحابه، ومثّلوا بعُمّاله، وانتهبوا بيت ماله، فاشخصوا إليه رحمكم الله، فمُروا بالمعروف، وانهَوا عن المنكر، واحضروا بما يحضر به الصالحون).

____________________

(1) ذُوقار: موضع بين الكوفة وواسط، وهو إلى الكوفة أقرب، فيه كان (يوم ذي قار) بين الفُرس والعَرب (تقويم البلدان: 292).

(2) الاحتباء: هو أن يضمّ الإنسان رجليه إلى بطنه بثوب يجمعهما به مع ظهره، ويشدّه عليها (النهاية: 1 / 335).

١٥١

قال أبو مخنف: حدّثني جابر بن يزيد، قال: حدّثني تميم بن حذيم الناجي، قال: قدم علينا الحسن بن عليّ (عليه السلام) وعمّار بن ياسر؛ يستنفران الناس إلى عليّ (عليه السلام) ومعهما كتابه، فلمّا فرغا من قراءة كتابه قام الحسن - وهو فتيً حَدِث، والله إنّي لأُرثي له من حداثة سنّه وصعوبة مقامه - فرماه الناس بأبصارهم وهم يقولون: اللهمّ سدّد منطق ابن بنت نبيّنا، فوضع يده على عمود يتساند إليه - وكان عليلا من شكوى به - فقال:

(الحمد لله العزيز الجبّار، الواحد القهّار، الكبير المُتعال ( سَوَاءٌ مِّنكُم مَّنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَن جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِالَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ ) (1) أحمده على حُسن البلاء، وتظاهر النعماء، وعلى ما أحببنا وكرهنا من شدّةٍ ورخاء، وأشهد أن لا إله إلاّ الله، وحده لا شريك له، وأنّ محمّداً عبده ورسوله، امتنّ علينا بنبوّته، واختصّه برسالته، وأنزل عليه وحيه، واصطفاه على جميع خلقه، وأرسله إلى الإنس والجنّ حين عُبدت الأوثان، وأُطيع الشيطان، وجُحد الرحمان، فصلّى الله عليه وعلى آله، وجزاه أفضل ما جزى المسلمين.

أمّا بعد، فإنّي لا أقول لكم إلاّ ما تعرفون، إنّ أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب أرشد اللهُ أمره، وأعزّ نصره، بعثني إليكم يدعوكم إلى الصواب، وإلى العمل بالكتاب، والجهاد في سبيل الله، وإن كان في عاجل ذلك ما تكرهون، فإنّ في آجله ما تُحبّون إن شاء الله، ولقد علمتم أنّ عليّاً صلّى مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وحده، وأنّه يوم صدّق به لفي عاشرة من سِنّه، ثُمّ شهد مع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) جميع مشاهده، وكان من اجتهاده في مرضاة الله وطاعة رسوله وآثاره الحسنة في الإسلام ما قد بَلغَكم، ولم يزل رسول الله (صلّى الله عليه وآله) راضياً عنه حتى غمّضه بيده، وغسّله وحده،

____________________

(1) الرعد: 10.

١٥٢

والملائكة أعوانه، والفضل ابن عمّه ينقل إليه الماء، ثُمّ أدخله حفرته، وأوصاه بقضاء دَينه وعِداته وغير ذلك من أُموره، كلّ ذلك مِن مَنِّ الله عليه، ثُمّ والله ما دعا إلى نفسه، ولقد تداكّ الناس عليه تداكّ الإبل الهَيّم عند ورودها، فبايعوه طائعين، ثُمّ نكث منهم ناكثون بلا حَدَث أحدثه، ولا خلاف أتاه، حسداً له وبغياً عليه.

فعليكم عباد الله بتقوى الله وطاعته، والجدّ والصبر والاستعانة بالله، والخفوف إلى ما دعاكم إليه أمير المؤمنين، عصمنا الله وإيّاكم بما عَصم به أولياءه وأهل طاعته، وألهمنا وإيّاكم تقواه، وأعاننا وإيّاكم على جهاد أعدائه، وأستغفر الله العظيم لي ولكم)، ثُمّ مضى إلى الرحبة (1) فهيّأ منزلا لأبيه أمير المؤمنين.

قال جابر، فقلت لتميم: كيف أطاق هذا الغلام ما قد قصصته من كلامه؟ فقال: ولَما سقط عنّي من قوله أكثر، ولقد حفظت بعض ما سمعت.

قال أبو مخنف: ولمّا فرغ الحسن بن عليّ (عليه السلام) من خطبته، قام بعده عمّار، فحمد الله وأثنى عليه، وصلّى على رسوله، ثمّ قال:

أيّها الناس، أخو نبيّكم وابن عمّه يستنفركم لنصر دين الله، وقد بلاكم الله بحقّ دينكم وحرمة أُمّكم، فحقّ دينكم أوجب وحرمته أعظم.

أيّها الناس، عليكم بإمام لا يُؤدَّب، وفقيه لا يُعلَّم، وصاحب بأس لا ينكل، وذي سابقة في الإسلام ليست لأحد، وإنّكم لو قد حضرتموه بيّن لكم أمركم إن شاء الله (2) .

____________________

(1) الرُّحْبَة: قرية بحذاء القادسيَّة على مرحلة من الكوفة، على يسار الحُجّاج إذا أرادوا مكّة (معجم البلدان: 3/33).

(2) شرح نهج البلاغة: 14 / 11، وراجع الإمامة والسياسة: 1 / 86 ـ87، وبحار الأنوار: 32 / 88.

١٥٣

5 / 4 موقف أبي موسى من مندوبي الإمام

2155 - تاريخ الطبري، عن محمّد وطلحة: خَرج أبو موسى فلقي الحسن، فضمّه إليه وأقبل على عمّار، فقال: يا أبا اليقظان أعَدوتَ فيمَن عدا عليّ أمير المؤمنين، فأحللت نفسك مع الفجّار. فقال: لم أفعل ولِمَ تسوؤني؟ وقطع عليهما الحسن فأقبل على أبي موسى، فقال: (يا أبا موسى، لِمَ تُثبّط الناس عنّا؟ فوَالله ما أردنا إلاّ الإصلاح، ولا مِثل أمير المؤمنين يخاف على شيء)، فقال: صدقت بأبي أنت وأُمّي، ولكنّ المستشار مؤتَمن، سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (إنّها ستكون فتنة، القاعد فيها خيرٌ من القائم، والقائم خيرٌ من الماشي، والماشي خير من الراكب)، قد جعلنا الله عزّ وجلّ إخواناً، وحرّم علينا أموالنا ودماءنا، وقال: ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِـلِ... وَلاَ تَقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ) (1) ، وقال عزّ وجلّ: ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ ) (2) .

فغضب عمّار وساءه، وقام وقال: يا أيّها الناس، إنّما قال له خاصّة: (أنت فيها قاعداً خير منك قائماً...).

وقام أبو موسى، فقال: أيّها الناس، أطيعوني تكونوا جرثومة من جراثيم العَرب ; يأوي إليكم المظلوم، ويأمن فيكم الخائف، إنّا أصحابَ محمّد (صلّى الله عليه وآله) أعلم بما سمعنا، إنّ الفتنة إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت بيّنت، وإنّ هذه الفتنة باقرة

____________________

(1) النساء: 29.

(2) النساء: 93.

١٥٤

كداء البطن، تجري بها الشمال والجنوب والصبا والدبور، فتسكن أحياناً فلا يُدرى من أين تُؤتى، تذر الحليم كابن أمس، شيموا سيوفكم، وقصّدوا رماحكم، وأرسلوا سهامكم، واقطعوا أوتاركم، والزموا بُيوتكم، خلّوا قريشاً - إذا أبَوا إلاّ الخروج من دار الهجرة وفِراق أهل العلم بالإمرة - ترتق فتقها، وتشعب صدعها، فإن فعلت فلأنفسها سَعَت، وإن أبت فعلى أنفسها مَنَت، سمنُها تُهريق في أديمها (1) ، استنصحوني ولا تستغشّوني، وأطيعوني يسلمْ لكم دينكم ودنياكم، ويشقى بحرّ هذه الفتنة مَن جناها.

فقام زيد، فشال يده المقطوعة (2) ، فقال: يا عبد الله بن قيس، رُدّ الفرات عن دِراجه (3) ، اردده من حيث يجيء حتى يعود كما بدأ، فإنْ قدرت على ذلك فستقدر على ما تُريد، فدع عنك ما لست مدركه، ثمّ قرأ: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا) (4) - إلى آخر الآيتين - سيروا إلى أمير المؤمنين وسيّد المسلمين، وانفروا إليه أجمعين تُصيبوا الحقّ.

فقام القعقاع بن عمرو، فقال: إنّي لكم ناصح، وعليكم شفيق، أحبّ أن ترشدوا، ولأقولنّ لكم قولا هو الحقّ، أمّا ما قال الأمير، فهو الأمر لو أنّ إليه سبيلاً، وأمّا ما قال زيد، فزيدٌ في الأمر فلا تستَنْصِحوه ; فإنّه لا ينتزّع أحدٌ من

____________________

(1) قال الميداني: سمنكُم هُريق في أديمكم: يُضرب للرجل ينفق ماله على نفسه، ثُمّ يريد أن يمتنّ به (مجمع الأمثال: 2 / 112 / 1799) والأديم - هنا - هو طعامهم المأدوم.

(2) قُطعت في معركة اليرموك.

(3) قال الميداني: (مَن يردّ الفراتَ عن دِراجه) هو جمع دَرَج، أي وجْهه الذي توجّه له. يعني أنّ الأمر خرج من يده وأنّ الناس عزموا على الخروج من الكوفة، فهو لا يقدر أن يردّهم من فورهم هذا (مجمع الأمثال: 3 / 336 / 4094).

(4) العنكبوت: 1 و2.

١٥٥

الفتنة طعن فيها وجرى إليها. والقول الذي هو القول إنّه لا بدّ من إمارة تنظّم الناس، وتزع الظالم، وتُعزّ المظلوم، وهذا عليّ يلي بما ولي، وقد أنصف في الدعاء، وإنّما يدعو إلى الإصلاح، فانفروا وكونوا من هذا الأمر بمرأى ومسمع.

وقال سيحان: أيّها الناس، إنّه لا بدّ لهذا الأمر وهؤلاء الناس من والٍ، يدفع الظالم، ويُعزّ المظلوم، ويجمع الناس، وهذا واليكم يدعوكم لينظر فيما بينه وبين صاحبيه، وهو المأمون على الأُمّة، الفقيه في الدين، فمن نهض إليه فإنّا سائرون معه (1) .

2156 - شرح نهج البلاغة عن أبي مخنف: لمّا سمع أبو موسى خطبة الحسن وعمّار قام فصعد المنبر، وقال: الحمد لله الذي أكرمنا بمحمّد، فجمعنا بعد الفرقة، وجعلنا إخواناً متحابّين بعد العداوة، وحرّم علينا دماءنا وأموالنا، قال الله سبحانه: ( وَلاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِـلِ ) (2) ، وقال تعالى: ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا ) ، فاتّقوا الله عباد الله، وضعوا أسلحتكم، وكفّوا عن قتال إخوانكم.

أمّا بعد، يا أهل الكوفة، إن تطيعوا الله بادياً، وتُطيعوني ثانياً تكونوا جُرثومة (3) من جراثيم العرب، يأوي إليكم المُضطرّ، ويأمن فيكم الخائف، إنّ عليّاً إنّما يستنفركم لجهاد أُمّكم عائشة وطلحة والزبير حواريّ رسول الله ومَن معهم من المسلمين، وأنا أعلم بهذه الفتن، إنّها إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 482، الكامل في التاريخ: 2 / 327، البداية والنهاية: 7 / 236 كلاهما نحوه.

(2) البقرة: 188.

(3) الجُرثومة: الأصل (النهاية: 1 / 254).

١٥٦

أسفرت، إنّي أخاف عليكم أن يلتقى غارّان منكم فيقتتلا، ثُمّ يُتركا كالأحلاس (1) الملقاة بنجوة (2) من الأرض، ثُمّ يبقى رِجْرِجة (3) من الناس لا يأمرون بالمعروف ولا يَنهون عن مُنكر، إنّها قد جاءتكم فتنة كافرة لا يُدرى من أين تؤتى، تترك الحليم حيران، كأنّي أسمع رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بالأمس يذكر الفتن فيقول: (أنت فيها نائماً خير منك قاعداً، وأنت فيها جالساً خيرٌ منك قائماً، وأنت فيها قائماً خير منك ساعياً)، فثلّموا سيوفكم، وقصّفوا رماحكم، وانصلوا سهامكم، وقطّعوا أوتاركم، وخلّوا قريشاً ترتق فتقها وترأب صدعها، فإن فعلت فلأنفسها ما فعلت، وإن أبت فعلى أنفسها ما جنت، سمنُها في أديمها، استنصحوني ولا تستغشّوني، وأطيعوني ولا تعصوني، يتبيّنْ لكم رُشدكم، ويصلى هذه الفتنة من جناها.

فقام إليه عمّار بن ياسر، فقال: أنت سمعت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول ذلك؟ قال: نعم، هذه يدي بما قلت، فقال: إن كنت صادقاً فإنّما عناك بذلك وَحدك، واتّخذ عليك الحُجّة، فالزِم بيتك ولا تدخلنّ في الفتنة، أمّا إنّي أشهد أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أمر عليّاً بقتال الناكثين، وسمّى له فيهم مَن سمّى، وأمره بقتال القاسطين، وإن شئت لأُقيمنّ لك شهوداً يشهدون أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إنّما نهاك وَحدك، وحذّرك من الدخول في الفتنة، ثُمّ قال له: أعطني يدك على ما سمعت، فمدّ إليه يده، فقال له عمّار: غلب الله من غالبه وجاهده، ثُمّ جذبه فنزل عن المنبر (4) .

____________________

(1) الأحلاس: جمع حِلْس، وهو الكساء الذي يلي ظَهر البعير تحت القَتَب (النهاية: 1 / 423).

(2) النجوة: ما ارتفع من الأرض (لسان العرب: 15 / 307).

(3) الرِّجْرِجة - في الأصل -: بقيّة الماء الكَدِرة في الحوض المختلطة بالطين، فلا ينتفع بها. والمُراد هُنا: رُذالة الناس ورَعاعَهم الذين لا عقول لهم (اُنظر النهاية: 2 / 198).

(4) شرح نهج البلاغة: 14 / 14، الدرجات الرفيعة: 265، وراجع الأخبار الطوال: 145، والجَمل: 247.

١٥٧

2157 - تاريخ الطبري، عن محمّد وطلحة: قام الحُسن بن عليّ، فقال: (يا أيّها الناس، أجيبوا دعوة أميركم، وسيروا إلى إخوانكم، فإنّه سيُوجد لهذا الأمر مَن ينفر إليه، والله لأن يليه أُولو النَهي أمثلُ في العاجلة، وخير في العاقبة، فأجيبوا دعوتنا وأعينونا على ما ابتُلينا وابتُليتم).

فسامح الناس وأجابوا ورضوا به، وأتى قوم من طيّئ عديّاً فقالوا: ماذا ترى وما تأمر؟ فقال: ننتظر ما يصنع الناس، فأُخبر بقيام الحسن وكلام مَن تكلّم، فقال: قد بايعْنا هذا الرجل، وقد دعانا إلى جميل، وإلى هذا الحدث العظيم لننظر فيه، ونحن سائرون وناظرون.

وقام هند بن عمرو، فقال: إنّ أمير المؤمنين قد دعانا، وأرسل إلينا رُسله حتى جاءنا ابنه، فاسمعوا إلى قوله، وانتهوا إلى أمره، وانفروا إلى أميركم، فانظروا معه في هذا الأمر، وأعينوه برأيكم.

وقام حِجر بن عَديّ، فقال: أيّها الناس، أجيبوا أمير المؤمنين، وانفروا خفافاً وثقالاً، مُروا أنا أوّلكم (1) .

5 / 5 إشخاص الأشتر لمواجهة فتنة أبي موسى

كان الإمام بحاجة إلى وجود جيش الكوفة إلى جانب سائر الجيش للتصدّي بحزم لحركة الناكثين، إلاّ أنّ تثبيط أبي موسى لأهالي الكوفة حال دون نهوضهم لنُصرته. وكان مالك الأشتر قادراً على حلّ هذه العُقدة ; إذ أنّه هو الذي اقترح على أمير المؤمنين (عليه السلام) إبقاءه في مَنصبه على ولاية الكوفة بعد أن كان الإمام قد هَمّ بعزله فيمن عَزله من وُلاة عثمان.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 485، الكامل في التاريخ: 2 / 328 و329 نحوه.

١٥٨

وتُصرّح بعض الوثائق التاريخيّة بأنّ الإمام قال له: (أنت شفعت في أبي موسى أن أُقرّهُ على الكوفة، فاذهب فأصلحْ ما أفسدت) (1) ، بيد أنّ الرواية التي أوردها نصر بن مزاحم تفيد أنّ الأشتر هو الذي عرض على الإمام فكرة المسير إلى الكوفة لمُعالجة ما أفسده الأشعري.

2158 - تاريخ الطبري، عن نصر بن مُزاحم: قد كان الأشتر قام إلى عليّ، فقال: يا أمير المؤمنين، إنّي قد بعثت إلى أهل الكوفة رجلاً قبل هذين، فلم أرَه أحكمَ شيئاً ولا قدر عليه، وهذان أخلق من بعثت أن يُنشَب (2) بهم الأمر على ما تُحبّ، ولست أدري ما يكون، فإن رأيت - أكرمك الله يا أمير المؤمنين - أن تبعثني في أثرهم، فإنّ أهل المصر أحسن شيء لي طاعة، وإن قدمت عليهم رجوت ألاّ يخالفني منهم أحد، فقال له عليّ: (الحقْ بهم).

فأقبل الأشتر حتى دخل الكوفة، وقد اجتمع الناس في المسجد الأعظم، فجعل لا يمرّ بقبيلة يرى فيها جماعة في مجلس أو مسجد إلاّ دعاهم، ويقول: اتّبعوني إلى القصر، فانتهى إلى القصر في جماعة من الناس، فاقتحم القصر، فدخله وأبو موسى قائم في المسجد يَخطب الناس ويُثبّطهم، يقول:

أيّها الناس، إنّ هذه فتنة عمياء صمّاء تطأ خِطامها (3) ، النائم فيها خير من القاعد، والقاعد فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الماشي، والماشي فيها خير من الساعي، والساعي فيها خير من الراكب، إنّها فتنة باقرة كداء البطن، أتتكم من قِبَل مأمنكم، تدع الحليم فيها حيران كابن أمس. إنّا معاشرَ أصحاب

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 41 / 20، تاريخ الطبري: 4 / 482، البداية والنهاية: 7 / 236 كلاهما نحوه.

(2) نَشِب في الشيء: إذا وقع فيما لا مخلص له منه (النهاية: 5 / 52).

(3) الخِطام: الحبل الذي يُقاد به البعير (النهاية: 2 / 51)، وقال المجلسي: الوطء في الخطام كناية عن نقد القائد وإذا خلت الناقة من القائد تعثر وتخبط وتفسد ما تمرّ عليه بقوائمها (بحار الأنوار: 69 / 234).

١٥٩

محمّد (صلّى الله عليه وآله) أعلم بالفتنة، إنّها إذا أقبلت شبّهت، وإذا أدبرت أسفرت.

وعمّار يخاطبه، والحسن يقول له: (اعتزل عملنا لا أُمّ لك، وتنحَّ عن منبرنا)، وقال له عمّار: أنت سمعت هذا من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟َ فقال أبو موسى: هذه يدي بما قلت.

فقال له عمّار: إنّما قال لك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) هذا خاصّة، فقال: (أنت فيها قاعداً خير منك قائماً)، ثُمّ قال عمّار: غلب الله مَن غالبه وجاحده.

قال نصر بن مزاحم: حدّثنا عمر بن سعيد، قال: حدّثني رجل، عن نعيم، عن أبي مريم الثقفي، قال: والله إنّي لفي المسجد يومئذ، وعمّار يُخاطب أبا موسى ويقول له ذلك القول، إذ خرج علينا غُلمان لأبي موسى يشتدّون ينادون: يا أبا موسى، هذا الأشتر قد دخل القصر فضربَنا وأخرجنا، فنزل أبو موسى، فدخل القصر، فصاح به الأشتر: اُخرج من قصرنا لا أُمّ لك، أخرج الله نفسك، فوَالله إنّك لَمن المنافقين قديماً، قال: أجّلني هذه العشيّة، فقال: هي لك، ولا تبيتنّ في القصر الليلة.

ودخل الناس ينتهبون متاع أبي موسى، فمنعهم الأشتر وأخرجهم من القصر، وقال: إنّي قد أخرجته، فكفّ الناس عنه (1) .

5 / 6 وصول قوّات الكوفة إلى الإمام

انتهى الموقف الحاسم الذي اتّخذه مالك الأشتر من أبي موسى الأشعري بحلّ

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 486، الجمل: 251 نحوه، وراجع تاريخ الطبري: 4 / 482، والكامل في التاريخ: 2 / 329، وشرح نهج البلاغة: 14 / 21.

١٦٠