موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ٥

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 360

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
تصنيف: الصفحات: 360
المشاهدات: 156605
تحميل: 6547


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156605 / تحميل: 6547
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مشكلة إرسال جيش من الكوفة، فانطلقت القوّات من هناك والتحقت بالإمام في ذي قار. وممّا يَسترعي الاهتمام في هذا الصدد، هو أنّه (عليه السلام) أخبر أصحابه بعدد الجيش القادم من الكوفة قبل وصوله إليه.

2159 - تاريخ الطبري، عن أبي الطفيل، قال عليّ: (يأتيكم من الكوفة اثنا عشر ألف رجل ورجل)، فقعدّت على نجفة ذي قار، فأحصيتهم، فما زادوا رجلاً، ولا نقصوا رجلاً (1) .

2160 - الإرشاد: قال [عليّ (عليه السلام) ] بذي - قار وهو جالس لأخذ البيعة -: (يأتيكم من قِبَل الكوفة ألف رجل، لا يزيدون رجلاً ولا ينقصون رجلاً، يُبايعوني على الموت).

قال ابن عبّاس: فجزعت لذلك، وخفت أن ينقص القوم عن العدد أو يزيدوا عليه ; فيفسد الأمر علينا، ولم أزل مهموماً دأبي إحصاء القوم، حتى ورد أوائلهم، فجعلت أُحصيهم، فاستوفيت عددهم تسعمئة رجل وتسعة وتسعين رجلاً، ثُمّ انقطع مجيء القوم.

فقلت: إنّا لله وإنّا إليه راجعون، ماذا حمله على ما قال؟! فبينا أنا مُفكّر في ذلك إذ رأيت شخصاً قد أقبل، حتى دنا، فإذا هو راجل عليه قَباء صوف، معه سيفه وتُرْسُه وإداوته (2) ، فقرب من أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له: امدد يدك أُبايعْك.

فقال له أمير المؤمنين (عليه السلام): (وعلام تبايعُني؟) قال: على السمع والطاعة، والقتال بين يديك حتى أموت أو يفتح الله عليك.

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 500، الكامل في التاريخ: 2 / 329، شرح نهج البلاغة: 14 / 21.

(2) الإداوة: إناء صغير من جلد يُتّخذ للماء (النهاية: 1 / 33).

١٦١

فقال له: (ما اسمك؟) قال: أُوَيْس.

قال: (أنت أُويس القَرَني؟) قال: نعم.

قال: (الله أكبر، أخبَرني حبيبي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّي أُدرك رجلاً من أُمّته يُقال له: أُويس القَرني، يكون من حِزب الله ورسوله، يموت على الشهادة، يدخل في شفاعته مثل ربيعة ومضر).

قال ابن عبّاس: فسُرّي عنّي (1) (2) .

راجع: القسم الثالث عشر / إخباره بالاُمور الغيبيّة / مصير الحرب في وقعة الجمل.

____________________

(1) سُرِّي عنه: أي كُشف عنه الخوف (النهاية: 2 / 364).

(2) الإرشاد: 1 / 315، الخرائج والجرائح: 1 / 200 / 39، الثاقب في المناقب: 266 / 230، إعلام الورى: 1 / 337، وليس فيه من (فجزعت لذلك) إلى (حتى ورد أوائلهم)، وراجع إرشاد القلوب: 224.

١٦٢

بَحثٌ حَولَ مَبعوثيّ الإمام إلى الكوفة

كان الإمام عليّ (عليه السلام) بحاجة إلى قوّات إضافيّة لمُحاربة جيش أصحاب الجَمل، وكانت الكوفة أفضل ولاية قادرة على إمداده بمثل تلك القوّات ; وذلك لأنّها كانت حاضرة عسكريّة، وكان فيها عدد كبير جدّاً من المُقاتلين، خلافاً لما كانت عليه مكّة أو المدينة أو اليمن أو...

وفضلاً عن ذلك، فقد كانت الكوفة أقرب ولاية إلى البصرة، وهذا يعني أنّها كانت أفضل مكان لإرسال القوّات، إلاّ أنّ وجود أبي موسى الأشعري والياً على الكوفة، كان يحول دون استقدام القوّات من هناك.

وعلى ضوء تلك الظروف كَتب أمير المؤمنين (عليه السلام) رسالة إلى أهل الكوفة، وأرسلها مع مبعُوثين عنه لاستنفار أهاليها وتحريضهم على الالتحاق به. ولا بدّ وأن يكون لهؤلاء المبعوثين وجاهة عند أهل الكوفة، ومقدرة على مُحاجّة أبي موسى الأشعري.

بيدَ أنّ هُناك اختلافاً كبيراً بين المصادر التاريخيّة حول عدد مبعوثيّ الإمام إلى الكوفة وترتيبهم:

١٦٣

1 - ذَكر الطبري مبعوثي الإمام وترتيبهم على الأنحاء التالية:

أ: محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن عون، الإمام الحسن (عليه السلام) وعمّار بن ياسر، مالك الأشتر (1) .

ب: رواية سيف بن عمر: محمّد بن أبي بكر ومحمّد بن جعفر، مالك الأشتر وعبد الله بن عبّاس، الإمام الحسن (عليه السلام) وعمّار بن ياسر.

ج: محمّد بن أبي بكر، هاشم بن عُتبة، الإمام الحسن (عليه السلام) وعمّار بن ياسر (2) .

2 - وردت أسماؤهم في (الكامل في التاريخ) على نحو مُشابه تقريباً لما أورده الطبري (3) .

3 - أمّا كتاب البداية والنهاية، فقد اقتصر على ذِكر روايات سيف بن عمر عن الطبري (4) .

4 - وسرد كتاب أنساب الأشراف أسماء أُولئك المبعوثين على النحو التالي: هاشم بن عُتبة، عبد الله بن عبّاس ومحمّد بن أبي بكر، الإمام الحسن (عليه السلام) وعمّار ابن ياسر، وأنّ الإمام الحسن (عليه السلام) قدم على الإمام عليّ (عليه السلام) في عشرة آلاف مُقاتل (ولم يرد اسم مالك الأشتر بينهم) (5) .

5 - وورد ذكرهم في كتاب (الجمل) على النحو الآتي:

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 477 - 486.

(2) تاريخ الطبري: 4 / 499.

(3) الكامل في التاريخ: 2 / 324 - 329.

(4) البداية والنهاية: 7 / 235 - 237.

(5) أنساب الأشراف: 3 / 31 و32.

١٦٤

هاشم بن عتبة (من الربذة)، الإمام الحسن (عليه السلام) وعمّار بن ياسر وقيس بن سعد، مالك الأشتر.

وجاء في نقل آخر، عن الواقدي: محمّد ابن الحنفيّة ومحمّد بن أبي بكر، الإمام الحسن وعمّار (أو برفقة ابن عبّاس) (1) .

6 - وجاء في شرح نهج البلاغة ذكرهم على النحو الآتي:

هاشم بن عتبة، عبد الله بن عبّاس ومحمّد بن أبي بكر، (أو: محمّد بن جعفر بن أبي طالب ومحمّد بن أبي بكر، كما في رواية محمّد بن إسحاق)، الإمام الحسن (عليه السلام) وعمّار بن ياسر وزيد بن صوحان وقيس بن سعد (2) .

ثمّ استطرد مُورداً نَصّ كلام الطبري (3) .

7 - وجاء في كتاب الإمامة والسياسة: عمّار بن ياسر ومحمّد بن أبي بكر، الإمام الحسن (عليه السلام) وعبد الله بن عبّاس وعمّار بن ياسر وقيس بن سعد (4) .

وهكذا يُلاحظ وجود اختلافات شاسعة في عدد المبعوثين وترتيبهم. ويبدو أنّ ترتيبهم الصحيح كان على النحو التالي:

أ: هاشم بن عُتبة

بعث الإمام عليّ (عليه السلام) وهو في الربذة - قُرب المدينة - هاشم بن عتبة بكتاب إلى أبي موسى الأشعري - والي الكوفة - لاستنفار الناس، ودعوتهم لمحاربة

____________________

(1) الجَمل: 242 - 257.

(2) شرح نهج البلاغة: 14 / 8 - 10.

(3) شرح نهج البلاغة: 14 / 16.

(4) الإمامة والسياسة: 1 / 85 و86.

١٦٥

جيش أصحاب الجَمل. وسبب اختياره لهاشم بن عتبة واضح ; فهو كان من قادة جيش المُسلمين، وكانت له وجاهة عند أهل الكوفة.

سار هاشم بن عُتبة إلى الكوفة، وأبلغ كتاب الإمام (عليه السلام)، لكنّه واجه مُعارضة من قِبل أبي موسى الأشعري، فبعث هاشم رسالة من الكوفة إلى الإمام (عليه السلام) بيّن له فيها طبيعة الأوضاع هناك. وفي أعقاب ذلك سار بنفسه إلى الإمام وشرح له مجريات الأُمور بالتفصيل.

ب: محمّد بن أبي بكر

المبعوث الثاني للإمام: هو محمّد بن أبي بكر، الذي كانت له وجاهة عند جميع المسلمين، وخاصّة عند الثوّار المُناهضين لعُثمان.

وتتّفق المصادر التاريخيّة على وجود محمّد بن أبي بكر بين المبعوثين، إلاّ أنّها تختلف في ترتيب إيفاده، فبعضها يُفيد أنّه أُوِفد قَبل هاشم بن عتبة (1) ، بينما يرى البعض الآخر منها أنّه أُوفد إلى الكوفة بعد رجوع هاشم بن عتبة منها (2) ، وهناك مصادر أُخرى لم تذكر زمناً مُعيّناً لأيّ منهما (3) .

كما يوجد ثَمّة اختلاف آخر حول أعضاء الوفد المُرافق لمحمّد بن أبي بكر، فبعض المصادر ذكرت اسم محمّد بن عون (4) ، وذكرت مصادر أُخرى محمّد بن جعفر (5) ، وبعضها ذكرت محمّد ابن الحنفيّة (6) ، وذكر غيرها عبد الله بن عبّاس (7) .

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 499.

(2) أنساب الأشراف: 3 / 31، شرح نهج البلاغة: 14 / 10.

(3) الجَمل: 257.

(4) تاريخ الطبري: 4 / 477.

(5) تاريخ الطبري: 4 / 478 من طريق سيف بن عمر، شرح نهج البلاغة: 14 / 8.

(6) الجَمل: 257.

(7) أنساب الأشراف: 3 / 31، شرح نهج البلاغة: 14 / 8.

١٦٦

وسنتحدّث لاحقاً عن هؤلاء الأشخاص كلّ على حِدة.

ج: الإمام الحسن وعمّار بن ياسر

يُمكن الجزم بأنّ الإمام الحسن (عليه السلام) وعمّار بن ياسر كانا من جُملة المندوبين الذين أرسلهم أمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الكوفة. فبعد ما عجز الموفَدون الآخرون عن إقناع أبي موسى الأشعري وأهالي الكوفة بالنهوض والالتحاق بالإمام (عليه السلام) بعث هذين الرجلين إلى هناك، وقد أوردت كُتب التاريخ والحديث نُصوص خُطبهما في الكوفة واحتجاجاتهما مع أبي موسى الأشعري.

وفي نهاية المطاف سارا برفقة جيش الكوفة والتحقوا بجيش الإمام عليّ (عليه السلام). وقد عزت بعض المصادر التاريخيّة إرسال جيش الكوفة إلى دور هذين الرجلين (1) ، بينما تحدّثت مصادر أُخرى عن مسير مالك الأشتر إلى هناك وطرده لأبي موسى الأشعري من قصر الإمارة (2) .

د: مالك الأشتر

ورد اسم مالك الأشتر بصفته مبعوثاً للإمام (عليه السلام) إلى الكوفة، واعتبرته معظم المصادر هو آخر المبعوثين، وقالت: إنّ جهوده قد أثمرت في استنفار أهالي الكوفة، وإرسال جيش منهم لمؤازرة الإمام. (راجع النَصّ السابق).

وذكرت مصادر أُخرى بأنّ الأشتر قد أُوفد إلى الكوفة في مُستهلّ الأمر،

____________________

(1) أنساب الأشراف: 3 / 32، الجَمل: 261 و262.

(2) تاريخ الطبري: 4 / 486، الكامل في التاريخ: 2 / 329، شرح نهج البلاغة: 14 / 17، كلاهما عن تاريخ الطبري.

١٦٧

ولكنّ جهوده باءت بالفشل (1) .

وتجدر الإشارة إلى أنّ الأشتر كانت له وجاهة لا نظير لها بين أهالي الكوفة، وقد استطاع في عهد عثمان، وفي ذروة هيمنة الخليفة أن يسيطر على الكوفة، ويُثير أهلها ضدّ عثمان. وفي ضوء ذلك يكون الاحتمال الأقوى هو أنّ الأشتر كان الموفد الأخير، وأنّه سار إلى هناك لحسم الأُمور.

أمّا الرواية التي أشارت إلى أنّه كان أوّل المبعوثين، وأنّه قد فشل في مُهمّته، فهي رواية سيف بن عمر الذي يلاحظ بوضوح عداؤه الصريح للأشتر في مواضع لا حَصر لها من كتاب تاريخ الطبري.

وذكرت مصادر أُخرى أنّ الأشتر نفسه أعرب عن رغبته في المسير إلى الكوفة (2) .

لأنّ أبا موسى كان والياً لعثمان على الكوفة، وأنّ الإمام قد رام عزله ولكنّه أبقاه في منصبه هذا نزولاً عند رغبة مالك الأشتر. وقد يُفهم أنّ عمله هذا قد جاء رغبة منه في التكفير عن خطئه الأوّل.

نكتة جديرة بالملاحظة:

ذكرت بعض المصادر أسماء أُخرى لمبعوثي الإمام (عليه السلام) ممّا نستريب بصحته، وهم كالآتي:

أ: عبد الله بن عبّاس

ورد اسم عبد الله بن عبّاس بصفته مبعوثاً آخر للإمام عليّ (عليه السلام) إلى الكوفة، إلاّ

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 482 من طريق سيف بن عمر، الكامل في التاريخ: 2 / 327.

(2) الجَمل: 251، تاريخ الطبري: 4 / 486، الكامل في التاريخ: 2 / 329.

١٦٨

أنّه لم تَرِد أيّة تفاصيل عن دوره هناك، ولكن مِن المُستبعد أن يذهب ابن عبّاس مبعوثاً لأمير المؤمنين (عليه السلام) إلى الكوفة ولا تأتي المصادر التاريخيّة على ذكر كلامه ; فالرجل كان معروفاً بقوّة الاستدلال ورصانة المنطق.

بيد أنّ بعض المصادر أشارت إلى مرافقة ابن عبّاس لمحمّد بن أبي بكر، فيما أشارت أُخرى إلى ذهابه برفقة الأشتر (1) ، في حين نصّت مصادر أُخرى على ذهابه إلى هناك برفقة الإمام الحسن (عليه السلام) وعمّار بن ياسر (2) .

كما صرّحت المصادر التاريخيّة - باستثناء كتاب الجَمل - بأنّ ابن عبّاس كان من جُملة المبعوثين الأوائل.

ب: قيس بن سعد وزيد بن صوحان

أورد ابن أبي الحديد (3) اسمَي قيس بن سعد وزيد بن صوحان في عِداد المبعوثين، ولكنّ هذا النقل غير صحيح ; لأنّ قيس بن سعد عُيّن والياً على مصر في بداية خلافة أمير المؤمنين (عليه السلام) وذهب إلى مصر، ولم يُشارك في معركة الجَمل (4) .

أمّا زيد بن صوحان، فقد كان من الشخصيّات البارزة في الكوفة، وقد كتبت له عائشة رسالة تستميله فيها إلى جانبها أو اعتزال القتال على الأقلّ، وقد قرأ زيد رسالة عائشة في مسجد الكوفة وردّ عليها ردّاً جميلاً، وفضلاً عن احتجاجاته مع أبي موسى الأشعري، كانت له مُداولات ونقاشات أُخرى مع بعض مُعارضي

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 482، الكامل في التاريخ: 2 / 327.

(2) الجَمل: 261.

(3) شرح نهج البلاغة: 14 / 10.

(4) راجع: تحليل البلاذري في أنساب الأشراف: 3 / 32.

١٦٩

الإمام (عليه السلام).

ج: محمّد بن عون ومحمّد ابن الحنفيّة

جاء اسم محمّد بن عون، ومحمّد ابن الحنفيّة في مصدر تاريخيّ واحد فقط، فقد ورد اسم محمّد ابن الحنفيّة في كتاب الجَمل (1) ، وذكر الطبري اسم محمّد بن عون (2) . ومن الطبيعي أنّ تفرّد هذين المَصدرين بذكرهما مَدعاة لعدم التعويل عليهما، فضلاً عن أنّ الشخصيّة السياسيّة والعسكريّة لكلّ واحد من هذين الرجلين لم تصل إلى حدّ يؤهّلهما ليكونا مَبعوثين للإمام إلى أهل الكوفة.

وكذا الحال في محمّد بن جعفر، فعلى الرغم من تعدّد المصادر التي تحدّثت عنه بصفته واحداً من المبعوثين (3) إلاّ أنّ عدم شُهرته السياسيّة والاجتماعيّة والعسكريّة، تجعل مِن عَدّه بينهم موضع شكّ.

____________________

(1) الجَمل: 257.

(2) تاريخ الطبري: 4 / 477.

(3) تاريخ الطبري: 4 / 487 من طريق سيف بن عمر، الكامل في التاريخ: 2 / 327، شرح نهج البلاغة: 14 / 8.

١٧٠

الفصَلُ السادِس

احتلال البصرة

6 / 1 مُناقشات مَندوب الوالي والناكثين

2161 - أنساب الأشراف، عن أبي مخنف في إسناده: ولمّا قَرُبت عائشة ومَن معها من البصرة بعث إليهم عُثمانُ بن حُنيف عمرانَ بن الحصين الخزاعي (أبا نجيد)، وأبا الأسود الدُئلي، فلقياهم بحفر أبي موسى (1) ، فقالا لهم: فيما قدِمتم؟ فقالوا: نطلب بدَم عُثمان، وأن نجعل الأمر شورى، فإنّا غضبنا لكم من سوطه وعصاه، أفلا نغضب له من السيف؟!!

وقالا لعائشة: أمَركِ الله أن تَقرّي في بيتكِ ; فإنّك حبيس رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وحليلته وحُرمته، فقالت لأبي الأسود: قد بلغني عنك يا أبا الأسود ما تقول فيّ.

____________________

(1) حَفَرُ أبي موسى: وهي ركايا أحفرها أبو موسى الأشعري على جادّة البصرة إلى مكّة (معجم البلدان: 2/275).

١٧١

فانصرف عِمران وأبو الأسود إلى ابن حَنيف، وجعل أبو الأسود يقول:

يا بن حنيف قد أُتيتَ فانفرِ وطاعن القوم وضارب واصبرِ

وابرز لهم مستلئماً وشَمّرِ

فقال عثمان: إي وربّ الحرمين لأفعلنّ (1) .

2162 - الجَمل: عن الواقدي وأبي مخنف، عن أصحابهما والمدائني وابن دأب، عن مشايخهما بالأسانيد: إنّ عائشة وطلحة والزبير لمّا ساروا من مكّة إلى البصرة أغذّوا (2) السير مع من اتّبعهم من بني أُميّة وعمّال عثمان وغيرهم من قريش، حتى صاروا إلى البصرة، فنزلوا حفر أبي موسى، فبلغ عثمان بن حنيف - وهو عامل البصرة يومئذٍ، وخليفة أمير المؤمنين (عليه السلام) - وكان عنده حُكَيم بن جَبَلة، فقال له حُكَيم: ما الذي بلغك؟ فقال: خُبّرت أنّ القوم قد نزلوا حفر أبي موسى، فقال له حكيم: ائذن لي أن أسير إليهم، فإنّي رجل في طاعة أمير المؤمنين (عليه السلام)، فقال له عثمان: توقّف عن ذلك حتى أُراسلهم، فقال له حكيم: إنّا لله، هلكتَ والله يا عثمان.

فأعرض عنه وأرسل إلى عمران بن حصين وأبي الأسود الدؤلي، فذكر لهما قدوم القوم البصرة وحلولهم حفر أبي موسى، وسألهما المسير إليهم وخطابهم على ما قصدوا به، وكفّهم عن الفتنة، فخرجا حتى دخلا على عائشة، فقالا لها:

يا أُمّ المؤمنين، ما حملك على المسير؟ فقالت: غضبت لكما من سوط عثمان وعصاه ولا أغضب أن يُقتل!

____________________

(1) أنساب الأشراف: 3 / 24، وراجع بلاغات النساء: 17 والمعيار والموازنة: 57.

(2) أغَذّ: أسرع في السير (النهاية: 3 / 347).

١٧٢

فقالا لها: وما أنتِ من سوط عثمان وعصاه، وإنّما أنتِ حبيسة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)؟ نُذكّركِ الله أن تُهراق الدماء بسببك، فقالت: وهل مِن أحد يقاتلني؟! فقال لها أبو الأسود: نعم، والله قتالاً أهونه شديد.

ثُمّ خرجا من عندها، فدخلا على الزبير، فقالا: يا أبا عبد الله، نُنشدك الله أن تُهراق الدماء بسببك، فقال لهما: ارجعا من حيث جئتما، لا تُفسِدا علينا، فآيِسا منه وخرجا حتّى دخلا على طلحة، فقالا له: نُنشدك الله أن تُهراق الدماء بسببك، فقال لهما طلحة: أيُحبّ عليّ بن أبي طالب أنّه إذا غلب على أمر المدينة أنّ الأمر له، وأنّه لا أمر إلاّ أمره؟ والله ليعلمنّ، فانصرِفا من حيث جئتما، فانصرَفا من عنده إلى عُثمان بن حنيف فأخبراه الخبر.

وروى ابن أبي سبرة، عن عيسى بن أبي عيسى، عن الشعبي: أنّ أبا الأسود الدؤلي وعمران لمّا دخلا على عائشة قالا لها: ما الذي أقدمك هذا البلد وأنتِ حبيسة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقد أمرك أن تقرّي في بيتك؟ فقالت: غضبت لكم من السوط والعصا، ولا أغضب لعثمان من السيف! فقالا لها: نُنشدك الله أن تُهراق الدماء بسببك، وأن تَحملي الناس بعضهم على بعض، فقالت لهما: إنّما جئتُ لأُصلح بين الناس، وقالت لعمران بن الحصين: هل أنت مُبلّغ عثمان بن حنيف رسالة؟ فقال: لا أُبلّغه عنكِ إلاّ خيراً، فقال لها أبو الأسود: أنا أُبلّغه عنكِ فهاتي، قالت: قُل له: يا طليق ابن أبي عامر، بلغني أنّك تُريد لقائي لتُقاتلني! فقال لها أبو الأسود: نعم والله ليُقاتلنّك، فقالت: وأنت أيضا أيّها الدؤلي، يبلغني عنك ما يبلغني، قم فانصرف عنّي.

فخرجا من عندها إلى طلحة، فقالا له: يا أبا محمّد، ألم يجتمع الناس إلى بيعة ابن عمّ رسول الله، الذي فضّله الله تعالى كذا وكذا؟ - وجعلا يعدّان مناقب

١٧٣

أمير المؤمنين (عليه السلام) وفضائله وحقوقه - فوقع طلحة بعليّ (عليه السلام) وسبّه ونال منه، وقال: إنّه ليس أحد مثله، أمَ والله ليعلمنّ غِبّ (1) ذلك، فخرجا من عنده وهما يقولان: غَضِب هذا الدنيء، ثُمّ دخلا على الزبير، فكلّماه مثل كلامهما لصاحبه، فوقع أيضاً في عليّ (عليه السلام) وسبّه، وقال لقوم كانوا بمحضر منه: صبّحوهم قبل أن يُمسوكم، فخرجا من عنده حتّى صارا إلى عُثمان بن حنيف فأخبراه الخبر، فأذن عثمان للناس بالحَرب (2) .

2163 - شرح نهج البلاغة، عن أبي مخنف: أرسل [ عثمان بن حنيف ] إلى أبي الأسود الدؤلي وعمران بن الحصين الخزاعي، فأمرهما أن يسيرا حتّى يأتياه بعلم القوم وما الذي أقدمهم، فانطلقا حتّى إذا أتيا حفر أبي موسى وبه معسكر القوم، فدخلا على عائشة، فنالاها ووعظاها وأذكراها وناشداها الله، فقالت لهما: القَيا طلحة والزبير.

فقاما من عندها ولقيا الزبير فكلّماه، فقال لهما: إنّا جئنا للطلب بدم عثمان وندعوا الناس إلى أن يردّوا أمر الخلافة شورى ; ليختار الناس لأنفسهم، فقالا له: إنّ عثمان لم يُقتل بالبصرة ليُطلب دمه فيها، وأنت تعلم قَتلة عثمان مَن هُم وأين هُم، وإنّك وصاحبك وعائشة كُنتم أشدّ الناس عليه، وأعظمهم إغراءً بدمه، فأقيدوا من أنفسكم.

وأمّا إعادة أمر الخلافة شورى، فكيف وقد بايعتم عليّاً طائعَين غير مُكرهَين؟! وأنت يا أبا عبد الله لم يبعد العهد بقيامك دون هذا الرجل يوم مات رسول الله (صلّى الله عليه وآله)

____________________

(1) غِبُّ كلّ شيء: عاقبته (لسان العرب: 1 / 635).

(2) الجمل: 273، وراجع تاريخ الطبري: 4 / 462 - 466، والكامل في التاريخ: 2 / 316، وشرح نهج البلاغة: 6 / 225.

١٧٤

وأنت آخذ قائم سيفك تقول: ما أحد أحقّ بالخلافة منه، ولا أولى بها منه، وامتنعت من بيعة أبي بكر، فأين ذلك الفعل من هذا القول؟!

فقال لهما: اذهبا فالقَيا طلحة، فقاما إلى طلحة، فوجداه أخشن الملمس، شديد العريكة، قويّ العزم في إثارة الفتنة وإضرام نار الحرب، فانصرفا إلى عُثمان بن حنيف فأخبراه، وقال له أبو الأسود:

يابن حنيف قد أُتيتَ فانفرِ وطاعن القوم وجالد واصبرِ

وابرز لها مستلئماً وشَمِّرِ

فقال ابن حنيف: إي والحرمين لأفعلنّ (1) .

2164 - الإمامة والسياسة: ذكروا أنّ طلحة والزبير لمّا نزلا البصرة، قال عثمان بن حنيف: نعذر إليهما برجُلين، فدعا عمرانَ بن الحصين صاحب رسول الله، وأبا الأسود الدؤلي، فأرسلهما إلى طلحة والزبير، فذهبا إليهما فنادَيا: يا طلحة، فأجابهما.

فتكلّم أبو الأسود الدؤلي، فقال: يا أبا محمّد، إنّكم قتلتم عثمان غير مؤامرين لنا في قتله، وبايعتم عليّاً غير مؤامرين في بيعته، فَلِمَ نغضب لعثمان إذ قُتل، ولم نَغضب لعليّ إذ بويع، ثُمّ بدا لكم، فأردتم خَلع عليّ، ونحن على الأمر الأوّل، فعليكم المخرج ممّا دخلتم فيه.

ثُمّ تكلّم عمران، فقال: يا طلحة، إنّكم قتلتم عثمان ولم نغضب له إذ لم تغضبوا، ثُمّ بايعتم عليّاً وبايعنا مَن بايعتم، فإن كان قَتلُ عثمان صواباً فمسيركم لماذا؟ وإن كان خطأ فحظّكم منه الأوفر، ونصيبكم منه الأوفى.

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 9 / 313.

١٧٥

فقال طلحة: يا هذان، إنّ صاحبكما لا يرى أنّ معه في هذا الأمر غيره، وليس على هذا بايعناه، وايمُ الله ليسفكنّ دمه، فقال أبو الأسود: يا عمران، أمّا هذا فقد صرّح أنّه إنّما غضب للمُلك.

ثُمّ أتيا الزبير، فقالا: يا أبا عبد الله، إنّا أتينا طَلحة، قال الزبير: إنّ طلحة وإيّاي كروح في جسدين، وإنّه والله يا هذان، قد كانت منّا في عُثمان فلتات، احتجنا فيها إلى المعاذير، ولو استقبلنا من أمرنا ما استدبرنا نصرناه (1) .

6 / 2 مخالفة الوالي مُنابذة الناكثين

2165 - شرح نهج البلاغة، عن ابن عبّاس: إنّ الزبير وطلحة أغذّا السير بعائشة حتّى انتهوا إلى حفر أبي موسى الأشعري وهو قريب من البصرة، وكتبا إلى عثمان بن حنيف الأنصاري - وهو عامل عليّ (عليه السلام) على البصرة - أن أخلِ لنا دار الإمارة، فلمّا وصل كتابهما إليه بعث [إلى] (2) الأحنف بن قيس، فقال له: إنّ هؤلاء القوم قدموا علينا ومعهم زوجة رسول الله، والناس إليها سراع كما ترى.

فقال الأحنف: إنّهم جاؤوك بها للطلب بدم عثمان، وهم الذين ألّبوا على عثمان الناسَ، وسفكوا دمه، وأراهم والله لا يُزايلون (3) حتّى يُلقوا العداوة بيننا ويسفكوا دماءنا، وأظنّهم والله سيركبون منك خاصّة ما لا قِبَل لك به إن لم تتأهّب لهم بالنهوض إليهم فيمَن معك من أهل البصرة ; فانّك اليوم الوالي عليهم، وأنت

____________________

(1) الإمامة والسياسة: 1 / 83.

(2) ما بين المعقوفين سقط مِن المصدر، وأثبتناه من الدرجات الرفيعة.

(3) زايلوهم: أي فارقوهم في الأفعال التي لا تُرضي الله ورسوله (النهاية: 2 / 325).

١٧٦

فيهم مُطاع، فسِر إليهم بالناس، وبادرهم قبل أن يكونوا معك في دار واحدة ; فيكون الناس لهم أطوع منهم لك.

فقال عثمان بن حنيف: الرأي ما رأيت، لكنّني أكره الشرّ وأن أبدأهم به، وأرجو العافية والسلامة إلى أن يأتيني كتاب أمير المؤمنين ورأيه فأعمل به.

ثُمّ أتاه بعد الأحنف حكيمُ بن جبلّة العبدي - من بني عمرو بن وديعة - فأقرأه كتاب طلحة والزبير، فقال له مثل قول الأحنف، وأجابه عثمان بمثل جوابه للأحنف، فقال له حكيم: فأْذن لي حتّى أسير إليهم بالناس، فإن دخلوا في طاعة أمير المؤمنين وإلاّ نابذتهم على سواء، فقال عثمان: لو كان ذلك رأيي لسرت إليهم بنفسي، قال حكيم: أما والله إن دخلوا عليك هذا المصر لينتقلنّ قلوب كثير من الناس إليهم، وليزيلنّك عن مجلسك هذا وأنت أعلم، فأبى عليه عثمان (1) .

6 / 3 حصر دار الإمارة والقتال حوله

2166 - أنساب الأشراف: ونادى عثمان بن حنيف في الناس فتسلّحوا، وأقبل طلحة والزبير وعائشة حتّى دخلوا المربد ممّا يلي بني سليم، وجاء أهل البصرة مع عثمان رُكباناً ومشاة، وخطب طلحة، فقال: إنّ عثمان بن عفّان كان من أهل السابقة والفضيلة من المهاجرين الأوّلين، وأحدث أحداثاً نقمناها عليه، فباينّاه ونافرناه، ثُمّ أعتب حين استعتبناه، فعدا عليه امرؤ ابتزّ هذه الأُمّة أمرها بغير رضىً ولا مشورة، فقتلَه، وساعده على ذلك رجال غير أبرار ولا أتقياء، فقتلوه بريئاً تائباً مُسلماً، فنحن ندعوكم إلى الطلب بدمه ; فإنّه الخليفة المظلوم.

وتكلّم

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 9 / 311، الدرجات الرفيعة: 381.

١٧٧

الزبير بنحو مِن هذا الكلام.

فاختلف الناس، فقال قائلون: نطقا بالحقّ، وقال آخرون: كذبا ولَهما كانا أشدّ الناس على عثمان!! وارتفعت الأصوات.

وأُتي بعائشة على جملها في هودجها، فقالت: صَهْ صَهْ (1) ، فخطبت بلسان ذلق وصوت جهوري فأُسكت (2) لها الناس، فقالت: إنّ عثمان خليفتكم، قُتل مظلوماً بعد أن تاب إلى ربّه، وخرج من ذنبه، والله ما بلغ من فعله ما يُستحلّ به دمه، فينبغي في الحقّ أن يُؤخذ قتلته فيُقتلوا به، ويُجعل الأمر شورى.

فقال قائلون: صدقتِ، وقال آخرون: كذبتِ؛ حتّى تضاربوا بالنعال وتمايزوا، فصاروا فرقتين: فرقة مع عائشة وأصحابها، وفرقة مع ابن حنيف، وكان على خيل ابن حنيف حكيم بن جبلة، فجعل يحمل ويقول:

خيلي إليّ إنّها قريشُ = ليردينها نعيمها والطيشُ (3)

وتأهّبوا للقتال، فانتهوا إلى الزابوقة (4) ، وأصبح عثمان بن حنيف، فزحف إليهم، فقاتلهم أشدّ قتال، فكثرت بينهم القتلى، وفشت فيهم الجراح، ثُمّ إنّ الناس تداعوا إلى الصُلح، فكتبوا بينهم كتاباً بالموادعة إلى قدوم عليّ على أن لا يعرض بعضهم لبعض في سوق ولا مشرعة، وأنّ لعثمان بن حنيف دار الإمارة وبيت المال والمسجد، وأنّ طلحة والزبير ينزلان ومَن معهما حيث شاؤوا، ثُمّ انصرف

____________________

(1) هي كلمة زجر تُقال عند الإسكات بمعنى اسكت (النهاية: 3 / 63).

(2) أسكتَ: أي أعرضَ ولم يتكلّم. يُقال: تكلّم الرجل ثُمّ سكت بغير ألف، فإذا انقطع كلامه فلم يتكلّم قيل: أسكت (النهاية: 2 / 383).

(3) كذا ورد في المصدر، وعَجزُ البيت مُختلّ الوزن.

(4) الزابوقَة: موضع قريب من البصرة، كانت فيه وقعة الجَمل (معجم البلدان: 3 / 125).

١٧٨

الناس وألقَوا السلاح (1) .

6 / 4 مصالحة والي البصرة والناكثين

2167 - الجَمل: ثُمّ إنّهم تداعوا إلى الصُلح، ودخل بينهم الناس لِما رأوا من عظيم ما ابتُلوا به، فتصالحوا على أنّ لعثمان بن حنيف دار الإمارة والمسجد وبيت المال، ولطلحة والزبير وعائشة ما شاؤوا من البصرة ولا يهاجون حتّى يقدم أمير المؤمنين (عليه السلام)، فإن أحبّوا عند ذلك الدخول في طاعته، وإن أحبّوا أن يُقاتلوا، وكتبوا بذلك كتاباً بينهم، وأوثقوا فيه العُهود وأكّدوها، وأشهدوا الناس على ذلك، ووُضع السلاح، وأمِن عثمان بن حنيف على نفسه وتفرّق الناس عنه (2) .

2168 - شرح نهج البلاغة، عن أبي مخنف - في بيان نصّ مُعاهدة الصُلح -: هذا ما اصطلح عليه عُثمان بن حنيف الأنصاري ومَن معه مِن المؤمنين من شيعة أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، وطلحة والزبير ومَن معهما من المؤمنين والمسلمين من شيعتهما: أنّ لعُثمان بن حنيف دار الإمارة والرحبة والمسجد وبيت المال والمنبر، وأنّ لطلحة والزبير ومَن معهما أن ينزلوا حيث شاؤوا من البصرة، ولا يضارّ بعضهم بعضاً في طريق ولا فُرْضة (3) ولا سوق ولا شرعة ولا مرفق حتّى يقدم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب، فإن أحبّوا دخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة، وإن أحبّوا لحق كلّ قوم بهواهم وما أحبّوا من قتال أو سِلم أو خروج أو إقامة، وعلى الفريقين بما كتبوا عهد الله وميثاقه، وأشدّ ما أخذه على نبيّ من

____________________

(1) أنساب الأشراف: 3 / 25، وراجع تاريخ الطبري: 4 / 463، والكامل في التاريخ: 2 / 317.

(2) الجَمل: 279، وراجع المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 150، وتاريخ خليفة بن خيّاط: 136.

(3) الفُرْضة: المَشْرَعة (لسان العرب: 7 / 206).

١٧٩

أنبيائه من عَهد وذمّة. وختم الكتاب، ورجع عُثمان بن حنيف حتّى دخل دار الإمارة، وقال لأصحابه: الحقوا رحمكم الله بأهلكم، وضعوا سلاحكم، وداووا جرحاكم، فمكثوا كذلك أيّاماً (1) .

6 / 5 استيلاء الناكثين على البصرة بالغدرة

2169 - شرح نهج البلاغة، عن أبي مخنف: ثُمّ إنّ طلحة والزبير قالا: إنْ قَدِمَ عليّ ونحن على هذه الحال من القِلّة والضعف ليأخذنّ بأعناقنا، فأجمَعا على مُراسلة القبائل واستمالة العَرب، فأرسلا إلى وجوه الناس وأهل الرياسة والشرف يدعوانهم إلى الطلب بدم عثمان وخلع عليّ وإخراج ابن حنيف من البصرة، فبايعهم علي ذلك الأزد وضبّة وقيس بن عيلان كلّها إلاّ الرجل والرجلين من القبيلة كرهوا أمرهم فتواروا عنهم، وأرسلوا إلى هلال بن وكيع التميمي، فلم يأتِهم، فجاءه طلحة والزبير إلى داره، فتوارى عنهما، فقالت له أُمّه: ما رأيت مثلك! أتاك شيخا قريش، فتواريت عنهما، فلم تزل به حتّى ظهر لهما، وبايعهما ومعه بنو عمرو بن تميم كلّهم وبنو حنظلة إلاّ بني يربوع ; فإنّ عامّتهم كانوا شيعة لعليّ (عليه السلام)، وبايعهم بنو دارم كلّهم إلاّ نفراً من بني مجاشع ذوي دين وفضل. فلمّا استوسق لطلحة والزبير أمرهما خرجا في ليلة مظلمة ذات ريح ومطر ومعهما أصحابهما قد ألبسوهم الدروع وظاهروا فوقها بالثياب، فانتهوا إلى المسجد وقت صلاة الفجر، وقد سبقهم عثمان بن حنيف إليه، وأُقيمت الصلاة، فتقدّم عثمان ليصلّي بهم، فأخّره أصحاب طلحة والزبير وقدّموا الزبير (2) .

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 9 / 319.

(2) شرح نهج البلاغة: 9 / 320، الدرجات الرفيعة: 386.

١٨٠