موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ٥

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 360

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
تصنيف: الصفحات: 360
المشاهدات: 156540
تحميل: 6547


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156540 / تحميل: 6547
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقال: (حتى أُعذر إليهم ثانية)، ثُمّ قال: (مَن يأخذ هذا المصحف فيدعوهم إليه وهو مقتول وأنا ضامن له عَلَيَّ الله الجنّة؟)

فلم يقم أحد إلاّ غلام عليه قباء أبيض، حَدِث السنّ من عبد القيس يُقال له مسلم، كأنّي أراه، فقال: أنا أعرضه عليهم يا أمير المؤمنين، وقد احتسبت نفسي عند الله تعالى.

فأعرض عنه إشفاقاً عليه ونادى ثانيةً: (مَن يأخذ هذا المصحف ويَعرضه على القوم، وليعلم أنّه مقتول وله الجنّة؟)

فقام مُسلم بعينه وقال: أنا أعرضه. فأعرض، ونادى ثالثة ن فلم يقم غير الفتى، فدفع إليه المصحف.

وقال: (امضِ إليهم واعرضه عليهم، وادعُهم إلى ما فيه).

فأقبل الغلام حتى وقف بإزاء الصفوف ونَشر المِصحف، وقال: هذا كتاب الله عزّ وجلّ، وأمير المؤمنين (عليه السلام) يدعوكم إلى ما فيه.

فقالت عائشة: أشجروه بالرماح قبّحه الله، فتبادروا إليه بالرماح فطعنوه من كلّ جانب، وكانت أُمّه حاضرة فصاحت وطرحت نفسها عليه وجرّته من موضعه، ولحقها جماعة من عسكر أمير المؤمنين (عليه السلام) أعانوها على حمله حتى طرحوه بين يدي أمير المؤمنين (عليه السلام) وأُمّه تبكي وتندبه وتقول:

يا ربّ إنّ مسلماً دعاهم يتلو كتاب الله لا يخشاهم

فخضبوا من دمـه قناهم وأُمّهم قـائمة تراهم

تأمرهم بالقتل لا تنهاهم (1)

____________________

(1) الجَمَل: 339، إرشاد القلوب: 341، تاريخ الطبري: 4 / 511 عن عمّار بن معاوية الدهني نحوه، وراجع تاريخ الطبري: 4 / 509، والكامل في التاريخ: 2 / 350، ومُروج الذَهب: 2 / 370.

٢٢١

2217 - المناقب للخوارزمي، عن مجزأة السدوسي: لمّا تقابل العسكران، عسكر أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) وعسكر أصحاب الجَمَل، جعل أهل البصرة يَرمون أصحاب عليّ بالنبل حتى عقروا منهم جماعة، فقال الناس: يا أمير المؤمنين، إنّه قد عقرنا نبلهم فما انتظارك بالقوم؟!

فقال عليّ: (اللهمّ إنّي أُشهدك أنّي قد أعذرت وأنذرت، فكن لي عليهم من الشاهدين).

ثُمّ دعا عليّ بالدرع، فأفرغها عليه، وتقلّد بسيفه، واعتجر بعمامته، واستوى على بغلة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ثُمّ دعا بالمصحف فأخذه بيده، وقال: (يا أيّها الناس، مَن يأخذ هذا المصحف فيدعو هؤلاء القوم إلى ما فيه؟)

فوثب غلام من مجاشع يُقال له: مُسلم، عليه قباء أبيض، فقال له: أنا آخذه يا أمير المؤمنين، فقال له عليّ: (يا فتى إنّ يدك اليمنى تُقطع، فتأخذه باليسرى فتُقطع، ثُمّ تُضرب عليه بالسيف حتى تقتل).

فقال الفتى: لا صبر لي على ذلك يا أمير المؤمنين.

فنادى عليّ ثانية والمصحف في يده، فقام إليه ذلك الفتى، وقال: أنا آخذه يا أمير المؤمنين. فأعاد عليه عليّ مقالته الأُولى، فقال الفتى: لا عليك يا أمير المؤمنين، فهذا قليل في ذات الله، ثُمّ أخذ الفتى المصحف وانطلق به إليهم، فقال: يا هؤلاء، هذا كتاب الله بيننا وبينكم. فضرب رجل من أصحاب الجَمَل يده اليمنى فقطعها، فأخذ المصحف بشماله فقطعت شماله، فاحتضن المصحف بصدره فضرب عليه حتى قُتل - رحمة الله عليه - (1) .

____________________

(1) المناقب للخوارزمي: 186 / 223، الفتوح: 2 / 472 وفيه: من (ثُمّ دعا عليّ بالدرع...)، شرح نهج البلاغة: 9 / 111 عن أبي مخنف، وكلاهما نحوه.

٢٢٢

الفصل التاسع

القتال

9 / 1 أوّل قتال على تأويل القرآن

2218 - الأمالي للطوسي، عن بكير بن عبد الله الطويل وعمّار بن أبي مُعاوية، عن أبي عثمان البجلي مؤذّن بني أفصى: سمعت عليّاً (عليه السلام) يقول يوم الجَمَل: ( وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئـِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لا أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) (1) ، ثُمّ حَلف - حين قرأها - أنّه ما قوتل أهلها مُنذ نزلت حتى اليوم.

قال بكير: فسألت عنها أبا جعفر (عليه السلام)، فقال: (صدق الشيخ، هكذا قال عليّ (عليه السلام)، وهكذا كان) (2) .

2219 - الأمالي للمفيد، عن أبي عثمان مؤذّن بني أفصى: سمعت عليّ بن

____________________

(1) التوبة: 12.

(2) الأمالي للطوسي: 131 / 207، بشارة المصطفى: 267، وراجع تفسير العيّاشي: 2 / 78 / 23.

٢٢٣

أبي طالب (عليه السلام) حين خرج طلحة والزبير لقتاله يقول: (عذيري من طلحة والزبير، بايعاني طائعَين غير مُكرهين، ثُمّ نكثا بيعتي من غير حَدَث)، ثُمّ تلا هذه الآية: ( وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئـِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) (1) .

2220 - قُرب الإسناد، عن حنّان بن سدير: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: (دخل عَلَيَّ أُناس من أهل البصرة، فسألوني عن طلحة والزبير، فقلت لهم: كانا من أئمّة الكفر، إنّ عليّاً (عليه السلام) يوم البصرة لمّا صفّ الخيول، قال لأصحابه: لا تعجلوا على القوم حتى أُعذر فيما بيني وبين الله عزّ وجلّ وبينهم.

فقام إليهم، فقال: يا أهل البصرة، هل تجدون عليّ جوراً في حُكم؟ قالوا: لا.

قال: فحيفاً في قسم؟ قالوا: لا، قال: فرغبة في دنيا أخذتُها لي ولأهل بيتي دونكم، فنقمتم عليّ فنكثتم بيعتي؟ قالوا: لا، قال: فأقمتُ فيكم الحدود وعطّلتها عن غيركم؟ قالوا: لا، قال: فما بالُ بيعتي تُنكث وبيعة غيري لا تُنكثُ؟! إنّي ضربت الأمر أنفه وعينه، فلم أجد إلاّ الكُفر أو السيف.

ثُمّ ثنى إلى صاحبه، فقال: إنّ الله تبارك وتعالى يقول في كتابه: ( وَإِن نَّكَثُوا أَيْمَانَهُم مِّنْ بَعْدِ عَهْدِهِمْ وَطَعَنُوا فِي دِينِكُمْ فَقَاتِلُوا أَئـِمَّةَ الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لاَ أَيْمَانَ لَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَنتَهُونَ ) .

فقال أمير المؤمنين (عليه السلام): (والذي فلق الحبّة وبرأ النسمة واصطفى محمّداً بالنبوّة إنّهم لأصحاب هذه الآية، وما قوتلوا منذ نزلت) (2) .

____________________

(1) الأمالي للمفيد: 73 / 7، تفسير العيّاشي: 2 / 79 / 28 عن أبي عثمان مولاي بني قصي، وراجع ص 78 / 25.

(2) قُرب الإسناد: 96 / 327، تفسير العيّاشي: 2 / 77 / 23.

٢٢٤

9 / 2 دعاء الإمام قبل القتال

2221 - الإمام الصادق (عليه السلام): (لمّا توافق الناس يوم الجمل، خرج عليٌّ صلوات الله عليه حتى وقف بين الصفّين، ثُمّ رفع يده نحو السماء، ثُمّ قال: يا خير مَن أفضت إليه القلوب، ودُعي بالألسن، يا حَسن البلايا، يا جزيل العطاء، اُحكم بيننا وبين قومنا بالحقّ، وأنت خير الحاكمين) (1) .

2222 - الجمل: لمّا رأى أمير المؤمنين (عليه السلام) ما قَدِم عليه القوم من العِناد واستحلّوه من سفك الدم الحرام، رفع يديه إلى السماء، وقال: (اللّهمّ إليك شخصت الأبصار، وبسطت الأيدي، وأفضت القلوب، وتقرّبت إليك بالأعمال، ( رَبَّنَا افْتَحْ بَيْنَنَا وَبَيْنَ قَوْمِنَا بِالْحَقِّ وَأَنتَ خَيْرُ الْفَاتِحِينَ ) (2) (3) .

2223 - الإمام عليّ (عليه السلام) - في دعائه يوم الجمل -: (اللّهمّ إنّي أحمدك - وأنت للحمد أهل - على حُسن صنعك إليّ، وتعطّفك عليّ، وعلى ما وصلتني به من نورك، وتداركتني به من رحمتك، وأسبغت عليَّ من نعمتك، فقد اصطنعتَ عندي - يا مولاي - ما يحقّ لك به جهدي وشكري، لحسن عفوك، وبلائك القديم عندي، وتظاهر نعمائك عليّ، وتتابع أياديك لديّ، لم أبلغ إحراز حظّي، ولا صلاح نفسي، ولكنّك يا مولاي بدأتني أوّلاً بإحسانك، فهديتني لدينك، وعرّفتني نفسك، وثبّتّني في أُموري كلّها بالكفاية والصنع لي، فصرفت عنّي جهد البلاء، ومنعت منّي محذور الأشياء، فلستُ أذكر منك إلاّ جميلا، ولم أرَ منك إلاّ

____________________

(1) شرح الأخبار: 1 / 387 / 328.

(2) الأعراف: 89.

(3) الجَمل: 341.

٢٢٥

تفضيلا.

يا إلهي، كم من بلاء وجهد صرفتَه عنّي، وأريتنيه في غيري، فكم من نعمة أقررت بها عيني، وكم من صَنيعة شريفة لك عندي.

إلهي أنت الذي تجيب عند الاضطرار دعوتي، وأنت الذي تنفّس عند الغُموم كُربتي، وأنت الذي تأخذ لي من الأعداء بظُلامتي، فما وجدتك ولا أجدك بعيداً منّي حين أُريدك، ولا مُنقبضاً عنّي حين أسألك، ولا مُعرضاً عنّي حين أدعوك، فأنت إلهي، أجد صنيعك عندي محموداً، وحسن بلائك عندي موجوداً، وجميع أفعالك عندي جميلا، يحمدك لساني وعقلي وجوارحي وجميع ما أقَلّت الأرض منّي.

يا مولاي، أسألك بنورك الذي اشتققتَه من عظمتك، وعظمتك التي اشتققتها من مشيّتك، وأسألك باسمك الذي علا أن تَمّن عليَّ بواجب شكري نعمتك.

ربّ ما أحرصني على ما زهّدتني فيه وحثثتني عليه، إن لم تُعنّي على دنياي بزهد، وعلى آخرتي بتقوى، هلكتُ.

ربّي، دعتني دواعي الدنيا، من حرث النساء والبنين، فأجبتُها سريعاً، وركنتُ إليها طائعاً، ودعتني دواعي الآخرة من الزُهد والاجتهاد فكَبَوت لها، ولم أُسارع إليها مُسارعتي إلى الحطام الهامد، والهشيم البائد، والسراب الذاهب عن قليل.

ربّ خوّفتَني وشوّقتَني واحتجبتَ (1) عليّ فما خفتُك حقّ خوفك، وأخاف أن أكون قد تثبّطتُ عن السعي لك، وتهاونت بشيء من احتجابك. اللهمّ فاجعل في

____________________

(1) كذا، وفي بحار الأنوار نقلاً عن المصدر: "احتججتَ" وهو أنسب.

٢٢٦

هذه الدنيا سعيي لك وفي طاعتك، واملأ قلبي خوفك، وحوّل تثبيطي وتهاوني وتفريطي وكلّ ما أخافه من نفسي فَرَقاً (1) منك، وصبراً على طاعتك، وعملاً به، يا ذا الجلال والإكرام.

واجعل جُنّتي من الخطايا حصينة، وحسناتي مُضاعفة، فإنّك تُضاعف لمَن تشاء.

اللهمّ اجعل درجاتي في الجنان رفيعة، وأعوذ بك ربّي من رفيع المطعم والمَشرب، وأعوذ بك من شرّ ما أعلم ومِن شرّ ما لا أعلم، وأعوذ بك من الفواحش كلّها ; ما ظَهَر منها وما بَطَن، وأعوذ بك ربّي أن أشتري الجهلَ بالعلم كما اشترى غيري، أو السَّفهَ بالحلم، أو الجزعَ بالصبر، أو الضلالةَ بالهُدى، أو الكُفرَ بالإيمان، يا ربّ مُنَّ عليّ بذلك، فإنّك تتولّى الصالحين، ولا تُضيع أجر المُحسنين، والحمد لله ربّ العالمين) (2) .

9 / 3 تحريض الإمام أصحابه على القتال

2224 - الجمل: إنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) أنظرهم [أصحاب الجمل] ثلاثة أيّام ; ليكفّوا ويرعَوا، فلمّا علم إصرارهم على الخلاف قام في أصحابه، فقال:

(عباد الله، انهدّوا إلى هؤلاء القوم منشرحةً صُدورُكم، فإنّهم نكثوا بيعتي، وقتلوا شيعتي، ونكّلوا بعاملي، وأخرجوه من البصرة بعد أن آلموه بالضرب المُبرّح، والعقوبة الشديدة، وهو شيخ من وجوه الأنصار والفُضلاء، ولم يرعَوا له

____________________

(1) الفَرَق: الخوف والفزع (النهاية: 3 / 438).

(2) مهج الدعوات: 125، بحار الأنوار: 94 / 234 / 9.

٢٢٧

حرمة، وقتلوا السبابجة رجالاً صالحين، وقتلوا حكيم بن جبلة ظُلماً وعدواناً ; لغضبه لله، ثُمّ تتبّعوا شيعتي بعد أن هربوا منهم وأخذوهم في كلّ غائطة (1) ، وتحت كلّ رابية، يضربون أعناقهم صبراً، ما لهم ( قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّي يُؤْفَكُونَ ) (2) !!

فانهدّوا إليهم عبادَ الله، وكونوا أُسوداً عليهم، فإنّهم شِرار، ومُساعدوهم على الباطل شِرار، فالقوهم صابرين مُحتسبين موطّنين أنفسكم، إنّكم مُنازِلون ومقاتلون، قد وطّنتم أنفسكم على الضرب والطعن ومُنازلة الأقران، فأيّ امرئ أحسّ من نفسه رباطة جأش عند الفزع، وشجاعة عند اللقاء، ورأى من أخيه فشلاً ووهناً، فليذبّ عنه كما يذبّ عن نفسه، فلو شاء الله لَجعلَه مثله) (3) .

2225 - الإمام عليّ (عليه السلام) - من خطبته يوم الجَمل -: (أيّها الناس، إنّي أتيت هؤلاء القوم ودعوتُهم، واحتججتُ عليهم، فدعَوني إلى أن أصبر للجِلاد، وأبرز للطِّعان، فلأُمّهم الهَبَل، وقد كنتُ وما أُهدَّد بالحرب، ولا أُرهّب بالضرب، أنصف القارَةَ من راماها (4) ، فلغيري فليُبرقوا وليُرعدوا، فأنا أبو الحسن الذي فَلَلتُ (5) حدّهم، وفرّقت جماعتهم، وبذلك القلب ألقى عدوّي، وأنا على ما وعدني ربّي من النصر والتأييد والظَفر، وإنّي لعلى يقين من ربّي، وغير شبهة من أمري.

أيّها الناس، إنّ الموت لا يفوته المقيم، ولا يُعجزه الهارب، ليس عن الموت محيص، ومن لم يَمُت يُقتل، وإنّ أفضل الموت القتل، والذي نفسي بيده، لألف

____________________

(1) الغائط: المُتّسع من الأرض مع طمأنينة (لسان العرب: 7 / 364).

(2) التوبة: 30.

(3) الجمل: 334، الإرشاد: 1 / 252 نحوه، بحار الأنوار: 32 / 171 / 131.

(4) القارَة: قبيلة من بني الهون بن خزيمة، سُمّوا قارَة لاجتماعهم والتفافهم، ويوصفون بالرمي، وفي المَثَل: أنصفَ القارَة مَن راماها (النهاية: 4 / 120).

(5) فلَّه فانفَلّ أي كسره فانكسر (لسان العرب: 11 / 531).

٢٢٨

ضربة بالسيف أهون عليَّ من ميتة على فراش.

واعجباً لطلحة! ألّبَ (1) الناس على ابن عفّان، حتى إذا قُتل أعطاني صفقته بيمينه طائعاً، ثُمّ نكث بيعتي، اللّهمّ خُذه ولا تُمهله، وإنّ الزبير نكث بيعتي، وقطع رَحمي، وظاهَر عليّ عدوّي، فاكفِنيه اليوم بما شئت) (2) .

9 / 4 السَكينة العلويّة في الحرب

2226 - الجَمل، عن محمّد ابن الحنفيّة: لمّا نزلنا البصرة، وعسكرنا بها، وصففنا صفوفنا، دفع أبي عليّ (عليه السلام) إليّ اللواءَ، وقال: (لا تُحدثنّ شيئاً حتى يحدث فيكم)، ثُمّ نام، فنالنا نَبل القوم، فأفزعتُه، ففزع وهو يمسح عينيه من النوم، وأصحاب الجَمل يصيحون: (يا ثارات عثمان)!

فبرز (عليه السلام) وليس عليه إلاّ قميص واحد، ثُمّ قال: (تقدّم باللواء)، فتقدّمتُ وقلتُ: يا أبتِ أفي مثل هذا اليوم بقميص واحد؟!

فقال (عليه السلام): (أحرز أمراً أجلُه (3) ، والله قاتلت مع النبيّ (صلّى الله عليه وآله) وأنا حاسر (4) أكثر ممّا قاتلت وأنا دارع) (5) .

2227 - مُروج الذهب: قد كان أصحاب الجَمل حملوا على ميمنة عليّ وميسرته،

____________________

(1) من التأليب: التحريض (لسان العرب: 1 / 216).

(2) الكافي: 5 / 53 / 4 عن ابن محبوب رفعه، الأمالي للطوسي: 169 / 284 عن إسماعيل بن رجاء الزبيدي نحوه، وراجع نهج البلاغة: الخطبة 174.

(3) أحرَزَ أمراً أجلُه: يقال: هذا أصدق مثل ضربته العرب (مجمع الأمثال: 1 / 382 / 1155).

(4) الحاسر: خلاف الدارع، وهو من لا مغفر له ولا درع ولا بيضة على رأسه (تاج العروس: 6 / 274).

(5) الجمل: 355.

٢٢٩

فكشفوها، فأتاه بعض وُلد عقيل وعليّ يخفق نُعاساً على قربوس سَرجه، فقال له: يا عمّ، قد بلغت ميمنتك وميسرتك حيث ترى، وأنت تخفق نُعاساً! قال: (اُسكت يابن أخي، فإنّ لعمّك يوماً لا يَعدُوه، والله ما يُبالي عمّك وقع على الموت أو وقع الموت عليه) (1)

2228 - دعائم الإسلام: روينا عن عليّ (عليه السلام) أنّه أعطى الراية يوم الجمل لمحمّد ابن الحنفيّة، فقدّمه بين يديه، وجعل الحسن في الميمنة، وجعل الحسين في الميسرة، ووقف خَلف الراية على بغلة رسول الله (صلّى الله عليه وآله).

قال ابن الحنفيّة: فدنا منّا القوم، ورشقونا بالنبل وقتلوا رجلاً، فالتفتُّ إلى أمير المؤمنين فرأيته نائماً قد استثقل نوماً، فقلت: يا أمير المؤمنين، على مثل هذه الحال تنام! قد نضحونا بالنبل وقتلوا منّا رجلاً وقد هلك الناس!! فقال: (لا أراك إلاّ تحنّ حنين العذراء، الراية راية رسول الله (صلّى الله عليه وآله))، فأخذها وهزّها، وكانت الريح في وجوهنا، فانقلبت عليهم، فحسر عن ذراعيه وشدّ عليهم، فضرب بسيفه حتى صُبغ كُمّ قبائه وانحني سيفه (2) .

2229 - الإمامة والسياسة - في ذكر عليّ (عليه السلام) يوم الجمل -: فشقّ عليّ في عسكر القوم يطعن ويقتل، ثُمّ خرج وهو يقول: (الماء، الماء)، فأتاه رجل بإداوة (3) فيها عَسل، فقال له: يا أمير المؤمنين، أمّا الماء فإنّه لا يصلح لك في هذا المقام، ولكن أُذوّقك هذا العسل، فقال: (هاتِ)، فحسا منه حسوة، ثُمّ قال: (إنّ عسلك لطائفيّ)، قال الرجل: لعجباً منك - والله يا أمير المؤمنين - لمعرفتك الطائفي من غيره في

____________________

(1) مُروج الذهب: 2 / 375.

(2) دعائم الإسلام: 1 / 393.

(3) الإداوة: إناء صغير من جلد يُتّخذ للماء كالسطيحة ونحوها (النهاية: 1 / 33).

٢٣٠

هذا اليوم، وقد بلغت القلوب الحَناجر!! فقال له عليّ: (إنّه والله يابن أخي ما ملأ صدر عمّك شيء قطّ، ولا هابه شيء) (1) .

راجع: وقعة صفّين / اشتداد القتال / طمأنينة الإمام في ساحة القتال.

9 / 5 لبس الدرع البتراء

2230 - الجمل، عن محمّد ابن الحنفيّة: دعا [عليّ (عليه السلام) ] بدرعه البَتْراء ولم يلبسها بعد النبيّ (صلّى الله عليه وآله) إلاّ يومئذ، فكان بين كتفيه منها وَهن. فجاء أمير المؤمنين (عليه السلام) وفي يده شِسع نعل، فقال له ابن عبّاس: ما تريد بهذا الشِّسع يا أمير المؤمنين؟ فقال: (أربط بها ما قد تهي (2) من هذا الدرع من خلفي)، فقال ابن عبّاس: أفي مثل هذا اليوم تلبس مثل هذا! فقال (عليه السلام): (ولِمَ؟) قال: أخاف عليك، فقال: (لا تخَف أن أوتى من ورائي، والله يابن عبّاس ما ولّيت في زحف قطّ) (3) .

راجع: القسم العاشر / الخصائص الحربيّة / كانت درعه بلا ظهر.

9 / 6 صاحب راية الحرب

2231 - الجمل، عن محمّد بن عبد الله، عن عمرو بن دينار: قال أمير المؤمنين (عليه السلام) لابنه محمّد: (خُذ الراية وامضِ) - وعليّ (عليه السلام) خلفه - فناداه: (يا أبا القاسم)، فقال:

____________________

(1) الإمامة والسياسة: 1 / 96، جواهر المطالب: 2 / 34 نحوه.

(2) كلُّ ما استرخى رِباطُه فقد وَهَي. وقد وَهَى الثوبُ يَهي وَهياً: إذا بَلي وتخرّق (لسان العرب: 15 / 417).

(3) الجمل: 355.

٢٣١

لبّيك يا أبةِ، فقال: (يا بنيّ لا يستفزّك ما ترى، قد حملتُ الراية وأنا أصغر منك، فما استفزّني عدوّي؛ وذلك أنّني لم ألقَ أحداً إلاّ حدّثتني نفسي بقتله، فحدِّث نفسك - بعون الله - بظهورك عليهم، ولا يخذلك ضعف النفس باليقين ; فإنّ ذلك أشدّ الخذلان).

قال فقلت: يا أبةِ أرجو أن أكون كما تُحبّ إن شاء الله. قال: (فألزم رايتك، فإذا اختلطت الصفوف قف في مكانك وبين أصحابك، فإن لم ترَ أصحابك فسَيرونك). قال: والله إنّي لفي وسط أصحابي، فصاروا كلّهم خلفي وما بيني وبين القوم أحد يردّهم عنّي، وأنا أُريد أن أتقدّم في وجوه القوم، فما شعرت إلاّ بأبي من خلفي قد جرّد سيفه وهو يقول: (لا تقدّم حتى أكون أمامك). فتقدّم (عليه السلام) بين يديّ يُهرول ومعه طائفة من أصحابه، فضربوا الذين في وجهي حتى أنهضوهم ولحقتهم بالراية، فوقفوا وقفةً، واختلط الناسُ، وركدت السيوف ساعة، فنظرتُ إلى أبي يفرّج الناس يميناً وشمالا ويسوقهم أمامه، فأردتُ أن أجول فكرهت خلافه (1) .

2232 - مُروج الذهب: جاء ذو الشهادتين خزيمة بن ثابت إلى عليّ، فقال: يا أمير المؤمنين، لا تنكس اليوم رأس محمّد، واردد إليه الراية. فدعا به، وردّ عليه الراية، وقال:

اِطعنـهمُ طَعنَ أبيـكَ تُحمَدِ لا خَيرَ في الحَربِ إذا لَم تُوقَدِ

بالمَـشرَفيّ والقَنا المُسردِ (2)

____________________

(1) الجمل: 368.

(2) مروج الذهب: 2 / 376، وقعة الجمل لضامن بن شدقم: 143، وراجع: شرح نهج البلاغة: 1 / 243، والمناقب للخوارزمي: 187، والمناقب لابن شهر آشوب: 3 / 155، والصراط المستقيم: 2 / 267، وبحار الأنوار: 32 / 175 وج 42 / 99.

٢٣٢

9 / 7 اشتداد القتال

2233 - تاريخ الطبري، عن القعقاع: ما رأيت شيئاً أشبه بشيء من قتال القلب يوم الجمل بقتال صفّين، لقد رأيتنا ندافعهم بأسنّتنا ونتّكئ على أزجّتنا (1) ، وهُم مثل ذلك، حتى لو أنّ الرجال مشت عليها لاستقلّت بهم (2) .

2234 - البداية والنهاية: قال [عليّ (عليه السلام) ] لابنه محمّد ابن الحنفيّة: (ويحك! تقدّم بالراية)، فلم يستطِع، فأخذها عليّ من يده، فتقدّم بها، وجعلت الحربُ تأخذ وتعطي، فتارة لأهل البصرة، وتارة لأهل الكوفة، وقُتل خلق كثير وجمّ غفير ولم تُرَ وقعة أكثر من قطع الأيدي والأرجل فيها من هذه الوقعة (3) .

2235 - الإمامة والسياسة: اقتتل القوم قتالاً شديداً، فهزمت يَمَن البصرة يَمَن عليّ، وهزمت ربيعة البصرة ربيعة عليّ... ثُمّ تقدّم عليّ، فنظر إلى أصحابه يُهزمون ويُقتلون، فلمّا نظر إلى ذلك صاح بابنه محمّد - ومعه الراية -: (أن اقتحم) فأبطأ وثبت، فأتى عليّ من خلفه فضربه بين كتفيه، وأخذ الراية من يَده، ثُمّ حمل فدخل عسكرهم، وإنّ الميمنتين والميسرتين تضطربان، في إحداهما عمّار، وفي الأُخرى عبد الله بن عبّاس، ومحمّد بن أبي بكر.

قال: فشقّ عليّ في عسكر القوم يطعن ويقتل، ثُمّ خرج...، ثُمّ أعطى الراية لابنه وقال: (هكذا فاصنع)، فتقدّم محمّد بالراية ومعه الأنصار، حتى انتهى إلى

____________________

(1) الزُّجّ: الحديدة التي تُركّب في أسفل الرمح، والسنان يُركّب عاليتَه، والجمع أزجاج وأزِجّة (لسان العرب: 2 / 285).

(2) تاريخ الطبري: 4 / 532، الكامل في التاريخ: 2 / 348، وراجع: العُقد الفريد: 3 / 325.

(3) البداية والنهاية: 7 / 243.

٢٣٣

الجمل والهودج وهزم ما يليه، فاقتتل الناس ذلك اليوم قتالاً شديداً، حتى كانت الواقعة والضرب على الركب (1) .

2236 - الجمل، عن محمّد ابن الحنفيّة: التقينا وقد عجّل أصحاب الجَمل وزحفوا علينا، فصاح أبي (عليه السلام): (امضِ)، فمضيت بين يديه أقطو (2) بالراية قَطواً.

وتقدّم سرعان أصحابنا، فلاذ أصحاب الجمل، ونشب القتال، واختلفت السيوف، وأبي بين كتفيّ يقول: (يا بُنيّ تقدّم)، ولستُ أجد متقدَّماً، وهو يقول: (تقدّم)، فقلت: ما أجد متقدَّماً إلاّ على الأسِنّة.

فغضب أبي (عليه السلام) وقال: (أقول لك تقدّم، فتقول على الأسنّة!! ثِق يا بُنيّ، وتقدّم بين يديّ على الأسنّة)

وتناول الراية منّي، وتقدّم يُهرول بها، فأخذتني حِدّة، فلحقتُه وقلت: أعطِني الراية، فقال لي: (خذها)، وقد عرفت ما وصف لي (3) .

9 / 8 مُقاتلة الإمام بنفسه

2237 - الفتوح: قاتل محمّد ابن الحنفيّة ساعة بالراية ثُمّ رَجع، وضرب عليّ (رضي الله عنه) بيده إلى سيفه فاستلّه، ثُمّ حمل على القوم، فضرب فيهم يميناً وشمالا، ثُمّ رجع وقد انحنى سيفه فجعل يسوّيه بركبته، فقال له أصحابه: نحن نكفيك ذلك يا

____________________

(1) الإمامة والسياسة: 1 / 96.

(2) القَطْوُ: مقارَبة الخَطْو مع النشاط، يقال منه: قطا في مِشيته يَقطو (لسان العرب: 15 / 190).

(3) الجمل: 360، وراجع: تاريخ الطبري: 4 / 514، والكامل في التاريخ: 2 / 339، والبداية والنهاية: 7 / 243، والأخبار الطوال: 149، ومُروج الذهب: 2 / 375.

٢٣٤

أمير المؤمنين، فلم يُجِب أحداً حتى سوّاه، ثُمّ حمل ثانية حتّى اختلط بهم، فجعل يضرب فيهم قدماً قدماً حتى انحنى سيفه، ثُمّ رجع إلى أصحابه، ووقف يُسوّي السيف برُكبته، وهو يقول: (والله ما أُريد بذلك إلاّ وجه الله والدار الآخرة)

ثُمّ التفت إلى ابنه محمّد ابن الحنفيّة، وقال: (هكذا اصنع يا بُني) (1) .

2238 - شرح نهج البلاغة، عن أبي مخنف: زحف عليّ (عليه السلام) نحو الجَمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المُهاجرين والأنصار، وحوله بنوه حسن وحسين ومحمّد (عليهم السلام)، ودفع الراية إلى محمّد، وقال: (أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل، ولا تقفنّ دونه).

فتقدّم محمّد، فرشقته السهام، فقال لأصحابه: رويداً، حتى تنفد سهامهم، فلم يبقَ لهم إلاّ رشقة أو رشقتان. فأنفذ عليّ (عليه السلام) (2) إليه يستحثّه، ويأمره بالمُناجزة، فلمّا أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه، فوضع يده اليُسرى على منكبه الأيمن وقال له: (اقدِم، لا أُمّ لك)، فكان محمّد إذا ذَكر ذلك بعدُ يبكي، ويقول: لَكأنّي أجد ريح نفسه في قفاي، والله لا أنسى أبداً.

ثُمّ أدركتْ عليّاً (عليه السلام) رقّة على وَلده، فتناول الراية منه بيده اليسرى وذو الفقار مشهور في يُمنى يديه، ثُمّ حمل فغاص في عسكر الجمل، ثُمّ رجع وقد انحنى سيفه، فأقامه بركبته. فقال له أصحابه وبنوه والأشتر وعمّار: نحن نكفيك يا

____________________

(1) الفتوح: 2 / 474، المناقب للخوارزمي: 187 نحوه، وراجع: شرح نهج البلاغة: 1 / 257.

(2) في الطبعة المعتمدة: (فأنفذا إليه عليّ (عليه السلام) إليه)، والصحيح ما أثبتناه، كما في طبعة دار الرَشاد (1 / 85).

٢٣٥

أمير المؤمنين، فلم يُجِب أحداً منهم، ولا ردّ إليهم بَصرَه، وظلّ يَنحِطُ (1) ويزأر زئير الأسد، حتى فَرِقَ مَن حوله، وتبادروه، وإنّه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة، لا يبصر مَن حوله، ولا يردّ حواراً.

ثُمّ دفع الراية إلى ابنه محمّد، ثُمّ حَمل حَملة ثانية وحده، فدخل وسطهم، فضربهم بالسيف قُدُماً قُدُماً، والرجال تفرّ من بين يديه، وتنحاز عنه يمنة ويسرة، حتى خضّب الأرض بدماء القتلى، ثُمّ رجع وقد انحنى سيفه، فأقامه برُكبته، فاعصوصب (2) به أصحابه، وناشدوه الله في نفسه وفي الإسلام، وقالوا: إنّك إن تُصَب يذهب الدين، فأمسِك ونحن نكفيك.

فقال: (والله، ما أُريد بما ترون إلاّ وجه الله والدار الآخرة)، ثُمّ قال لمحمّد ابنه: (هكذا تصنع يابن الحنفيّة)، فقال الناس: مَن الذي يستطيع ما تستطيعه يا أمير المؤمنين!! (3)

2239 - المُصنّف: عن الأعمش، عن رجل قد سمّاه: كنتُ أرى عليّاً يحمل فيضرب بسيفه حتى ينثني، ثُمّ يرجع، فيقول: (لا تلوموني ولوموا هذا)، ثُمّ يعود فيقوِّمه (4) .

2240 - شرح نهج البلاغة، عن أبي مخنف: خرج عبد الله بن خلف الخزاعي - وهو رئيس البصرة، وأكثر أهلها مالاً وضياعاً - فطلب البراز، وسأل ألاّ يخرج إليه إلاّ عليّ (عليه السلام)، وارتجز فقال:

أبا تُراب ادنُ مِنّي فِتْرا فَإنّني دان إليك شِبْرا

____________________

(1) النحْط: شبه الزَّفير (لسان العرب: 7 / 412).

(2) اعصَوْصبوا: اجتمعوا وصاروا عِصابةً واحدة (النهاية: 3 / 246).

(3) شرح نهج البلاغة: 1 / 257، وراجع: الفتوح: 2 / 473.

(4) المصنّف لابن أبي شيبة: 8 / 706 / 2، العُقد الفريد: 3 / 324.

٢٣٦

وإنّ في صَدري عليك غِمرا

فخرج إليه عليّ (عليه السلام)، فلم يُمهله أن ضربه ففلق هامته (1) .

2241 - الفتوح: انفرق عليّ يُريد أصحابه، فصاح به صائح من ورائه، فالتفتَ، وإذا بعبد الله بن خلف الخزاعي، وهو صاحب منزل عائشة بالبصرة، فلمّا رآه عليّ عَرفه، فناداه: ما تشاء يابن خلف؟

قال: هل لك في المُبارزة؟

قال عليّ: ما أكره ذلك، ولكن ويحك يابن خلف، ما راحتك في القتل وقد علمتَ مَن أنا؟!!

فقال عبد الله بن خلف: دعني من مدحك يابن أبي طالب، وادنُ منّي لترى أيّنا يقتل صاحبه. ثُمّ أنشد شعراً، فأجابه عليّ عليه، والتقوا للضرب، فبادره عبد الله بن خلف بضربة دفعها عليّ بحَجَفَته (2) ، ثُمّ انحرف عنه عليّ فضربه ضربة رمى بيمينه، ثُمّ ضربه أُخرى فأطار قحف رأسه (3) .

2242 - شرح نهج البلاغة، عن أبي مخنف: تناول عبد الله بن أبزى خطام الجمل، وكان كلّ من أراد الجدّ في الحرب وقاتل قتالَ مُستميت يتقدّم إلى الجمل فيأخذ بخطامه، ثُمّ شدّ على عسكر عليّ (عليه السلام)، وقال:

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 261.

(2) الحَجَف: ضرب من التِّرسة، واحدتها حَجَفة. ويقال للتُّرس إذا كان من جلود ليس فيه خشب ولا عقب (لسان العرب: 9 / 39).

(3) الفتوح: 2 / 478، المناقب للخوارزمي: 188، كشف اليقين: 189 / 191، كشف الغمّة: 1 / 242، وفيهما: (ابن أبي خلف الخزاعي)، وكلّها نحوه، وراجع: شرح نهج البلاغة: 1 / 261.

٢٣٧

أضرِبُهُم ولا أرى أبا حَسَن ها إنّ هذا حَزَنٌ مِن الحَزَن

فشدّ عليه عليّ أمير المؤمنين (عليه السلام) بالرمح، فطعنه، فقتله، وقال: (قد رأيتَ أبا حسن، فكيف رأيتَه؟) وترك الرُمح فيه (1) .

9 / 9 مقاتلة عمّار

2243 - الفتوح: خرج محمّد بن أبي بكر وعمّار بن ياسر حتى وقفا قُدّام الجَمل. قال: وتبعهما الأشتر ووقف معهما.

قال: فقال رجل من أصحاب الجمل: مَن أنتم أيها الرهط؟ قالوا: نحن ممّن لا تُنكرونه. وأعلنوا بأسمائهم، ودعوا بأسمائهم، ودعوا إلى البراز، فخرج عثمان الضبّي وهو ينشد شعراً، فخرج إليه عمّار بن ياسر فأجابه على شعره، ثُمّ حمل عليه عمّار فقتله (2) .

2244 - الفتوح: خرج عمرو بن يثربي - من أصحاب الجمل - حتى وقف بين الصفّين قريباً من الجَمل، ثُمّ دعا إلى البراز وسأل النِزال، فخرج إليه علباء بن الهيثم - من أصحاب عليّ (رضي الله عنه) - فشدّ عليه عمرو فقتله، ثُمّ طلب المبارزة، فلم يخرج إليه أحد، فجعل يجول في ميدان الحرب وهو يرتجز ويقول شعراً، ثُمّ جال وطلب البراز، فتحاماه الناس واتّقوا بأسه، قال: فبَدَر إليه عمّار بن ياسر وهو يُجاوبه على شعره، والتقوا بضربتين، فبادره عمّار بضربة فأرداه عن فرسه، ثُمّ نزل إليه عمّار سريعاً فأخذ برجله وجعل يجره حتى ألقاه بين يدَي عليّ (رضي الله عنه).

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 1 / 256، وراجع: أنساب الأشراف: 3 / 148، وتاريخ الطبري: 4 / 519.

(2) الفتوح: 2 / 476.

٢٣٨

فقال عليّ: (اضرب عُنقه)، فقال عمرو: يا أمير المؤمنين، استبقِني حتى أقتل لك منهم كما قتلتُ منكم. فقال عليّ: (يا عدوّ الله! أبَعَدَ ثلاثة من خيار أصحابي أستبقيك (1) ؟! لا كان ذلك أبداً)، قال: فأدنني حتّى أُكلّمك في أُذنك بشيء، فقال عليّ: (أنت رجل مُتمرّد، وقد أخبرني رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بكلّ متمرد عليّ، وأنت أحدُهم)، فقال عمرو بن يثربي: أما والله لو وصلتُ إليك لقطعتُ أُذنك - أو قال: أنفك - قال: فقدّمه عليّ فضرب عُنقه (2) .

2245 - تاريخ الطبري، عن داود بن أبي هند، عن شيخ من بني ضبّة: ارتجز يومئذ ابن يثربيّ:

أنا لمَن أنكرني ابنُ يَثربي قَاتِلُ علباءَ وهندِ الجَمَلي

وابنٍ لصوحانُ على دين عليّ

وقال: مَن يبارز؟ فبرز له رجل، فقتله، ثُمّ برز له آخر فقتله. وارتجز وقال:

أقتُلهم وقَد أرى عَليّا ولَو أشا أوجَرتُه عَمريّا

فبرز له عمّار بن ياسر، وإنّه لأضعف مَن بارزه، وإنّ الناس ليسترجعون حين قام عمّار، وأنا أقول لعمّار - مِن ضعفه -: هذا والله لاحقٌ بأصحابه! وكان قضيفاً (3) ، حمش (4) الساقين، وعليه سيفٌ حمائلُه تشفّ عنه قريب من إبطه، فضربه (5) ابن يثربي بسيفه، فنَشَب في حَجَفَته، وضربه عمّار وأوهطه (6) ، ورمى

____________________

(1) في المصدر: (استبقيتك)، والصحيح ما أثبتناه، كما في شرح نهج البلاغة.

(2) الفتوح: 2 / 477، شرح نهج البلاغة: 1 / 259 نحوه.

(3) القَضِيف: الدقيق العظم، القليل اللحم (لسان العرب: 9 / 284).

(4) حَمْشُ الساقين: دقيقهما (لسان العرب: 6 / 288).

(5) في المصدر: (فيضربه)، وهو تصحيف.

(6) وَهَطَه: ضربه، وقيل: طعنه (لسان العرب: 7 / 434).

٢٣٩

أصحاب عليّ ابنَ يثربي بالحجارة حتى أثخنوه وارتثّوه (1) (2) .

9 / 10 مقاتلة الأشتر وابن الزُبير

2246 - الجَمل: لاذ بالجمل عبد الله بن الزبير، وتناول خطامه بيده، فقالت عائشة: مَن هذا الذي أخذ بخطام جملي؟ قال: أنا عبد الله ابن أُختك، فقالت: وا ثُكلَ أسماء!

ثُمّ برز الأشتر إليه، فخلّى الخطام من يده وأقبل نحوه، فقام مقامه في الخطام عبد أسود، واصطرع عبد الله والأشتر، فسقطا إلى الأرض، فجعل ابن الزبير يقول - وقد أخذ الأشتر بعنقه-:

اقتلوني ومالكاً واقتلوا مالكاً معي.

قال الأشتر: فما سرّني إلاّ قوله (مالك)، لو قال (الأشتر) لقتلوني، ووالله لقد عجبت من حمق عبد الله ; إذ ينادي بقتله وقتلي، وما كان ينفعه الموت إن قتلتُ وقُتل معي، ولم تلِد امرأة من النخع غيري!! فأفرجتُ عنه، فانهزم وبه ضربة مُثخنة في جانب وجهه (3) .

____________________

(1) ارتُثّ فلان: إذا ضُرب في الحرب فأُثخن، وحُمل وبه رمق ثُمّ مات (لسان العرب: 2 / 151).

(2) تاريخ الطبري: 4 / 530 وص 517 عن عطيّة بن بلال، الكامل في التاريخ: 2 / 340، البداية والنهاية: 7 / 243، الفتوح: 2 / 477، وليس فيهما الرجز، وكلّها نحوه. المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 156، وفيه الرجز فقط، وراجع الجمل: 345.

(3) الجمل: 350، تاريخ الطبري: 4 / 519 عن عبد الله بن الزبير وص 530 عن الشعبي، الكامل في التاريخ: 2 / 343، البداية والنهاية: 7 / 244 كلّها نحوه، وراجع: أنساب الأشراف: 3 / 39، وشرح نهج البلاغة: 1 / 262، ومُروج الذَهب: 2 / 376، والإمامة والسياسة: 1 / 96 والبداية والنهاية: 8 / 336.

٢٤٠