موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ٥

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 360

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
تصنيف: الصفحات: 360
المشاهدات: 156602
تحميل: 6547


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156602 / تحميل: 6547
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

2338 - عنه (عليه السلام): (والله، لودّ معاوية أنّه ما بقي من هاشم نافخ ضَرَمة (1) إلاّ طُعِن في نَيْطه (2) إطفاءً لنور الله، ( وَيَأْبَي اللَّهُ إِلآَّ أَن يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ ) ) (3) (4) .

راجع: حرب الدعاية.

2 / 1 - 8 أهداف معاوية

2339 - سِيَر أعلام النُبلاء، عن سعيد بن سويد: صلّى بنا معاوية في النُخيلة (5) الجمعة في الضحى، ثُمّ خطب، وقال: ما قاتلنا لتصوموا ولا لتُصلّوا ولا لتحجّوا أو تُزكّوا، قد عرفتُ أنّكم تفعلون ذلك، ولكن إنّما قاتلناكم لأتأمّر عليكم، فقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون (6) .

2340 - مُروج الذهب، عن مطرف بن المغيرة بن شعبة: وفدتُ مع أبي - المغيرة - إلى معاوية، فكان أبي يأتيه يتحدّث عنده، ثُمّ ينصرف إليّ فيذكر معاوية، ويذكر عَقله، ويعجب ممّا يرى منه، إذ جاء ذات ليلة فأمسك عن العشاء، فرأيته مُغتمّاً، فانتظرته ساعة، وظننت أنّه لشيء حدث فينا أو في عملنا، فقلت له: ما لي أراك مغتمّاً منذ الليلة؟ قال: يا بُنيّ، إنّي جئت من عند أخبث الناس! قلت له: وما ذاك؟ قال:

____________________

(1) الضَّرَمة: النار، وهذا يُقال عند المُبالغة في الهلاك ; لأنّ الكبير والصغير ينفخان النار (النهاية: 3 / 86).

(2) أي: إلاّ ماتَ، يُقال: طُعن في نَيْطه، وفي جنازته، إذا مات (النهاية: 5 / 141).

(3) التوبة: 32.

(4) عيون الأخبار لابن قُتيبة: 1 / 180، النهاية في غريب الحديث: 5 / 90، وفيه: إلى (ضَرَمة)، شرح نهج البلاغة: 19 / 129، وفيه: إلى (نَيْطه)، تفسير العيّاشي: 2 / 81 / 30 عن أبي الأعزّ التميمي.

(5) النُّخَيْلَة: موضع قُرب الكوفة على سمت الشام (معجم البلدان: 5 / 278).

(6) سِيَر أعلام النُبلاء: 3 / 146 / 25، البداية والنهاية: 8 / 131، كشف الغمّة: 2 / 167.

٣٠١

قلتُ له - وقد خلوت به -: إنّك قد بلغت منّا يا أمير المؤمنين، فلو أظهرت عَدلاً، وبسطت خيراً ; فإنّك قد كبرت، ولو نظرت إلى إخوتك من بني هاشم، فوصلت أرحامهم، فو الله ما عندهم اليوم شيء تخافه، فقال لي:

هيهات هيهات!! مَلك أخو تَيم، فعدل، وفعل ما فعل، فو الله ما عدا أن هَلك فهلك ذِكره، إلاّ أن يقول قائل: أبو بكر، ثُمّ ملك أخو عَديّ، فاجتهد وشمّر عشر سنين، والله ما عدا أن هلك فهلك ذِكره، إلاّ أن يَقول قائل: عمر، ثُمّ ملك أخونا عثمان فمَلك رجل لم يكن أحد في مثل نسبه، فعَمل ما عَمل وعُمل به، فوالله ما عدا أن هلك فهلك ذِكره، وذِكر ما فُعل به، وإنّ أخا هاشم يُصرخ به في كلّ يوم خمس مرّات: أشهد أنّ محمّداً رسول الله، فأيّ عمل يبقى مع هذا؟! لا أُمّ لك، والله ألا دفناً دفناً (1) .

2 / 1 - 9 كتاب الإمام الحسين إليه (2)

2341 - الإمام الحسين (عليه السلام) - في كتابه إلى معاوية -: (أمّا بعد: فقد جاءني كتابك تَذكر فيه أنّه انتهت إليك عنّي أُمور لم تكن تظنّني بها؛ رغبة بي عنها، وإنّ الحسنات لا يهدي لها، ولا يسدّد إليها إلاّ الله تعالى.

____________________

(1) مُروج الذهب: 4 / 41، الأخبار الموفّقيّات: 576 / 375، شرح نهج البلاغة: 5 / 129، كشف اليقين: 466 / 565، كشف الغمّة: 2 / 44 كلّها نحوه، بحار الأنوار: 33 / 169 / 443.

(2) كتب معاوية إلى الإمام الحسين (عليه السلام): أما بعد، فقد انتهت اليّ منك أُمور، لم أكن أظنّك بها؛ رغبة عنها، وإنّ أحقّ الناس بالوفا لمن أعطى بيعة مَن كان مثلك، في خطرك وشرفك ومنزلتك التي أنزلك الله بها، فلا تُنازع إلى قطيعتك، واتقِ الله ولا تردّن هذه الأُمّة في فتنة، واُنظر لنفسك ودينك وأُمّة محمّد ( وَلاَ يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لاَ يُوقِنُونَ ) (الإمامة والسياسة: 1 / 201).

٣٠٢

وأمّا ما ذكرت أنّه رُقي إليك عنّي، فإنّما رقّاه الملاّقون المشّاؤون بالنميمة، المفرّقون بين الجمع، وكذب الغاوون المارقون، ما أردتُ حرباً ولا خلافاً، وإنّي لأخشى الله في ترك ذلك منك ومن حزبك القاسطين المُحِلّين، حزب الظالم، وأعوان الشيطان الرجيم.

ألست قاتل حِجْر وأصحابه العابدين المُخبتين الذين كانوا يستفظعون البِدَع، ويأمرون بالمعروف، وينهون عن المنكر؟ فقتلتهم ظُلماً وعُدواناً من بعد ما أعطيتهم المواثيق الغليظة، والعهود المؤكّدة، جُرأةً على الله، واستخفافاً بعهده؟

أوَلست بقاتل عمرو بن الحمق الذي أخلقتْ وأبلتْ وجهه العبادة؟ فقتلته من بعدما أعطيته من العهود ما لو فهمته العُصْم (1) نزلت من شُعَف (2) الجبال.

أوَلست المدّعي زياداً في الإسلام، فزعمت أنّه ابن أبي سفيان، وقد قضى رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أنّ الولد للفراش وللعاهر الحَجَر؟ ثُمّ سلّطته على أهل الإسلام يقتلهم، ويُقطّع أيديهم وأرجلهم من خلاف، ويَصلبهم على جُذوع النخل. سبحان الله يا معاوية! لكأنّك لست من هذه الأُمّة، وليسوا منك.

أوَلست قاتل الحضرمي الذي كتب إليك فيه زياد أنّه على دين عليّ كرم الله وجهه، ودين عليّ هو دين ابن عمّه (صلّى الله عليه وآله) الذي أجلسك مجلسك الذي أنت فيه، ولولا ذلك كان أفضل شرفك وشرف آبائك تجشّمُ الرحلتين: رحلة الشتاء والصيف، فوضعها الله عنكم بنا مِنّة عليكم.

وقُلت فيما قُلت: لا تُرْدِ هذه الأُمّة في فتنة. وإنّي لا أعلم لها فتنة أعظم من

____________________

(1) العُصْم: الوعول (لسان العرب: 12 / 406).

(2) جمع شَعَفة، وهي مِن كلّ شيء أعلاه (النهاية: 2 / 481).

٣٠٣

إمارتك عليها.

وقلت فيما قلت: اُنظر لنفسك ولدينك ولأُمّة محمّد، وإنّي والله ما أعرف أفضل من جهادك، فإن أفعل فإنّه قربة إلى ربّي، وإن لم أفعله فأستغفر الله لديني، وأسأله التوفيق لما يحبّ ويرضى.

وقلتَ فيما قلتَ: متى تكدْني أكدْك. فكدْني يا معاوية ما بدا لك، فلعمري لقديماً يُكاد الصالحون، وإنّي لأرجو أن لا تضرّ إلاّ نفسك، ولا تمحق إلاّ عملك، فكدني ما بدا لك.

واتّقِ الله يا معاوية، واعلم أنّ لله كتاباً لا يُغادر صغيرة ولا كبيرة إلاّ أحصاها، واعلم أنّ الله ليس بناسٍ لك قتلك بالظنّة، وأخذك بالتُّهَمة، وإمارتك صبيّاً يشرب الشراب، ويلعب بالكلاب، ما أراك إلاّ قد أوبقت نفسك، وأهلكت دينك، وأضعت الرعيّة. والسلام) (1) .

2 / 1 - 10 بلاغ تعميمي للمُعتضد العبّاسي

2342 - تاريخ الطبري - في ذكر وقائع سنة 284 هـ -: في هذه السنة عزم المُعتضد بالله على لعن معاوية بن أبي سفيان على المنابر، وأمر بإنشاء كتاب بذلك يُقرأ على الناس، فخوَّفه عبيد الله بن سليمان بن وهب اضطراب العامَّة، وأنّه لا يأمن أن تكون فتنة، فلم يلتفت إلى ذلك...، وأمر بإخراج الكتاب الذي كان المأمون أمر بإنشائه بلعن معاوية، فأُخرج له من الديوان، فأخذ من جوامعه

____________________

(1) الإمامة والسياسة: 1 / 202، رجال الكشّي: 1 / 252 / 99، الاحتجاج: 2 / 89 / 164 كلاهما نحوه، بحار الأنوار: 44 / 212 / 9.

٣٠٤

نسخة هذا الكتاب...، وفيه بعد الحمد والثناء على رسول الله (صلّى الله عليه وآله): وكان ممّن عانده ونابذه وكذّبه وحاربه من عشيرته العددُ الأكثر، والسواد الأعظم، يتلقّونه بالتكذيب والتثريب، ويقصدونه بالأذيّة والتخويف، ويُبادونه بالعداوة، وينصبون له المُحاربة، ويصدّون عنه مَن قَصَده، وينالون بالتعذيب من اتّبعه.

وأشدُّهم في ذلك عداوة، وأعظمهم له مُخالفة، وأوّلهم في كلّ حَرب ومُناصبة، لا يُرفع على الإسلام رايةٌ إلاّ كان صاحبَها وقائدَها ورئيسَها في كلّ مواطن الحرب من بدر وأُحد والخندق والفتح - أبو سفيان بن حرب، وأشياعه من بني أُميّة الملعونين في كتاب الله، ثُمّ الملعونين على لسان رسول الله في عدّة مواطن وعدّة مواضع؛ لماضي عِلم الله فيهم وفي أمرهم ونفاقهم وكفر أحلامهم، فحارب مجاهداً، ودافع مكابداً، وأقام مُنابذاً حتى قهره السيف، وعلا أمر الله وهم كارهون، فتقوّل بالإسلام غير منطوٍ عليه، وأسرّ الكُفر غير مُقلع عنه، فعرفه بذلك رسول الله (صلّى الله عليه وآله) والمسلمون، وميّز له المؤلّفة قلوبهم، فقبله وولده على علم منه.

فممّا لعنهم الله به على لسان نبيّه (صلّى الله عليه وآله)، وأنزل به كتاباً قولُه: ( وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ وَنُخَوِّفُهُمْ فَمَا يَزِيدُهُمْ إِلاَّ طُغْيَانًا كَبِيرًا ) (1) ، ولا اختلاف بين أحد أنّه أراد بها بني أُميّة.

ومنه قول الرسول (عليه السلام) وقد رآه مقبلا على حمار، ومعاوية يقود به، ويزيد ابنه يسوق به: (لعن الله القائد والراكب والسائق...).

ومنه ما أنزل الله على نبيّه في سورة القدر: ( لَيْلَةُ الْقَدْرِ خَيْرٌ مِّنْ أَلْفِ شَهْرٍ ) (2)

____________________

(1) الإسراء: 60.

(2) القدر: 3.

٣٠٥

من مُلك بني أُميّة.

ومنه أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) دعا بمعاوية ليكتب بأمره بين يديه، فدافع بأمره، واعتلّ بطعامه، فقال النبيّ: (لا أشبع الله بطنه)، فبقي لا يشبع، ويقول: والله ما أترك الطعام شبعاً، ولكن إعياءً!

ومنه أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: (طلع من هذا الفجّ رجل من أُمّتي يُحشَر على غير ملّتي)، فطلع معاوية.

ومنه أنّ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: (إذا رأيتم معاوية على منبري فاقتلوه).

ومنه الحديث المرفوع المشهور أنّه قال: (إنّ معاوية في تابوت مِن نار في أسفل دَرَك منها ينادي: يا حنّان يا منّان، ( آلْئـَٰـنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ ) ) (1) .

... ثُمّ ممّا أوجب الله له به اللعنة قتلُه مَن قُتل صبراً من خيار الصحابة والتابعين وأهل الفضل والديانة، مِثل عمرو بن الحَمق، وحجر بن عديّ، فيمَن قُتل من أمثالهم، في أن تكون له العزّة والمُلك والغلبة، ولله العزّة والملك والقدرة، والله عزّ وجلّ يقول: ( وَمَن يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا ) (2) .

وممّا استحقّ به اللعنة من الله ورسوله ادّعاؤه زياد بن سميّة جُرأةً على الله، والله يقول: ( ادْعُوهُمْ لآبائِهم هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللَّهِ ) (3) ، ورسول الله (صلّى الله عليه وآله) يقول: (ملعون

____________________

(1) يونس: 91.

(2) النساء: 93.

(3) الأحزاب: 5.

٣٠٦

من ادّعى إلى غير أبيه، أو انتمى إلى غير مواليه)، ويقول: (الولد للفراش وللعاهر الحَجَر)، فخالف حُكم الله عزّ وجلّ، وسنّة نبيّه (صلّى الله عليه وآله) جهاراً، وجعل الولد لغير الفراش، والعاهر لا يضرّه عهره، فأدخل بهذه الدعوة من محارم الله ومحارم رسوله في أمّ حبيبة زوجة النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وفي غيرها من سُفور وجوه ما قد حرّمه الله، وأثبت بها قربى قد باعدها الله، وأباح بها ما قد حظره الله، ممّا لم يدخل على الإسلام خلل مثله، ولم ينَل الدين تبديل شبهُه.

ومنه إيثاره بدين الله، ودعاؤه عباد الله إلى ابنه يزيد المُتكبّر الخمّير، صاحب الديوك والفهود والقرود، وأخذه البيعة له على خيار المسلمين، بالقهر والسطوة والتوعيد والإخافة والتهدّد والرهبة، وهو يعلم سفهَه، ويطّلع على خُبثه ورهقه، ويعاين سكرانه وفجوره وكفره.

فلمّا تمكّن منه ما مكّنه منه، ووطّأه له، وعصى الله ورسوله فيه، طلب بثارات المشركين وطوائلهم عند المسلمين، فأوقع بأهل الحَرّة الوقيعة التي لم يكن في الإسلام أشنع منها، ولا أفحش ممّا ارتُكب من الصالحين فيها، وشفى بذلك عَبَدَ (1) نفسه وغليله، وظنّ أنّ قد انتقم من أولياء الله، وبلّغ النوى لأعداء الله، فقال مُجاهراً بكفره ومُظهراً لشركه:

لـيت أشـياخي ببدر شهدوا جزع الخزرج من وقع الأسلْ

قـد قـتلنا القرم من ساداتكم وعـدلنا مـيل بـدر فاعتدلْ

فـأهـلّوا واسـتهلّوا فـرحاً ثُـمّ قـالوا يـا يزيد لا تُسلْ

لـست من خندفَ إن لم أنتقم مـن بـني أحمد ما كان فعلْ

____________________

(1) يقال عَبِد يعبَدُ عَبَداً: أي غَضِب غَضَبَ أنَفَة (النهاية: 3 / 170).

٣٠٧

ولعبت هاشم بالملك فلا خبرٌ جاء ولا وحيٌ نَزلْ

هذا هو المُروق من الدين، وقول من لا يرجع إلى الله ولا إلى دينه ولا إلى كتابه ولا إلى رسوله، ولا يؤمن بالله، ولا بما جاء من عند الله.

ثُمّ من أغلظ ما انتهك، وأعظم ما اخترم سفكه دم الحسين بن عليّ وابن فاطمة بنت رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، مع موقعه من رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ومكانه منه، ومنزلته من الدين والفضل، وشهادة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) له ولأخيه بسيادة شباب أهل الجنّة، اجتراءً على الله، وكُفراً بدينه، وعداوة لرسوله، ومجاهدة لعترته، واستهانة بحرمته، فكأنّما يقتل به وبأهل بيته قوماً من كفّار أهل التُرك والدَيلم، لا يخاف من الله نقمة، ولا يرقب منه سطوة، فبتر الله عُمره، واجتثّ أصله وفرعه، وسلبه ما تحت يده، وأعدّ له من عذابه وعقوبته ما استحقّه من الله بمعصيته... (1) .

2 / 2 عمرو بن العاص

سياسيّ ماكر، ومُحتال ماهر، ووجهٌ مُتلوّن عجيب، وعُدَّ أحد دُهاة العَرب

____________________

(1) تاريخ الطبري: 10 / 54. قال الطبري - بعد نقلِ هذا الكتاب -: إنّ عبيد الله بن سليمان أحضر يوسف بن يعقوب القاضي، وأمره أن يعمل الحيلة في إبطال ما عزم عليه المُعتضد، فمضى يوسف بن يعقوب فكلّم المُعتضد في ذلك، وقال له: يا أمير المؤمنين، إنّي أخاف أن تضطرب العامّة، ويكون منها عند سُماعها هذا الكتاب حَركة. فقال: إن تحرّكت العامّة أو نطقت وضعتُ سيفي فيها، فقال: يا أمير المؤمنين، فما تصنع بالطالبيّين الذين هُم في كلّ ناحية يخرجون ويميل إليهم كثير من الناس؛ لقرابتهم من الرسول ومآثرهم، وفي هذا الكتاب إطراؤهم؟ أو كما قال، وإذا سمع الناس هذا كانوا إليهم أميل، وكانوا هُم أبسط ألسنةً، وأثبت حُجّةً منهم اليوم. فأمسك المُعتضد، فلم يردّ عليه جواباً، ولم يأمر من الكتاب بعده بشيء (تاريخ الطبري: 10 / 63)، وقال ابن الأثير: كان عبيد الله - الذي سعى في عدم قراءة هذا الكتاب - من المنحرفة عن عليّ (عليه السلام) (الكامل في التاريخ: 4 / 585).

٣٠٨

الأربعة (1) . كان له في الفحشاء عِرقٌ ; فأُمّه النابغة كانت من البُغايا المشهورة.

ولمّا وُلد عمرو في سنة 50 قبل الهجرة، نسبته أُمّه إلى خمسة، ثُمّ اختارت العاص وألحقته به (2) .

نشأ عمرو في حِجر من كان يهجو النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كثيراً، وهو الذي عبّرت عنه سورة الكوثر بالأبتر (3) . وكان الإمام الحسن (عليه السلام) يقول فيه: (ألأمهم حَسَباً، وأخبثهم منصِباً) (4) .

وكان عمرو بن العاص يُؤذي النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، ويهجوه كثيراً في مكّة، وبعد كلّ ما أبداه من عِناد وتهتّك لعنَهُ رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، وقال: (اللّهمّ إنّ عمرو بن العاص هجاني، وأنت تعلم أنّي لستُ بشاعر، فالعنه مكان كلّ بيت هجاني لعنة) (5) .

وعندما هاجر عدد من المسلمين إلى الحبشة، ذهب عمرو بن العاص إلى بلاد النجاشي مَبعوثاً من قريش ليُرجعهم، فلم يُفلح (6) .

قال ابن أبي الحديد في وصف عمرو بن العاص: وكان عمرو أحد مَن يُؤذي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بمكّة، ويشتمه، ويضع في طريقه الحجارة ; لأنّه كان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) يخرج من منزله ليلاً، فيطوف بالكعبة، وكان عمرو يجعل له الحجارة في مسلكه

____________________

(1) سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 58 / 15، تهذيب الكمال: 22 / 82 / 4388، أُسد الغابة: 4 / 234 / 3971، البداية والنهاية: 7 / 54.

(2) ربيع الأبرار: 3 / 548، العُقد الفريد: 1 / 347، شرح نهج البلاغة: 6 / 284 و285.

(3) البداية والنهاية: 3 / 104 وج 5 / 307، الدرّ المنثور: 8 / 647.

(4) شرح نهج البلاغة: 6 / 291.

(5) الإيضاح: 84، الاحتجاج: 2 / 36، شرح نهج البلاغة: 6 / 282 وص 291 كلّها نحوه.

(6) مُسند ابن حنبل: 1 / 431 / 1740، السيرة النبويّة لابن هشام: 1 / 357، سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 61 / 15، أُسد الغابة: 4 / 232 / 3971، البداية والنهاية: 3 / 70 - 72.

٣٠٩

ليعثر بها...، لشدّة عداوة عمرو بن العاص لرسول الله (صلّى الله عليه وآله) أرسله أهل مكّة إلى النجاشي ليُزهّده في الدين، وليطرد عن بلاده مهاجرة الحبشة، وليقتل جعفر بن أبي طالب عنده إن أمكنه قَتله (1) .

قاتل المسلمين في حُروب مُتعدّدة إلى جانب المشركين (2) .

ولمّا أحسّ بقدرة الإسلام المُتعاظمة، أسلم سنة 8 هـ قبل فتح مكّة (3) .

كان مُلمّاً بفنون القتال، أمّره النبيّ (صلّى الله عليه وآله) في غزوة ذات السلاسل، وفي الجيش أبو بكر، وعمر (4) ، وعندما توفّي النبيّ (صلّى الله عليه وآله) كان في مُهمّة بعُمان (5) (6) .

أحبّه عُمر بن الخطّاب كثيراً، وكان يُكرّمه ويُبجّله (7) ، وفتح ابن العاص مصر في أيّامه، ثُمّ ولاّه عليها (8) .

وظلّ والياً عليها في عهد عثمان مدّة، ثُمّ عزله عثمان وولّى أخاه لأُمّه عبد الله

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 283.

(2) سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 63 / 15، البداية والنهاية: 4 / 236.

(3) أُسد الغابة: 4 / 232 / 3971، البداية والنهاية: 4 / 236.

(4) سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 67 / 15، تاريخ الطبري: 3 / 32، تاريخ دمشق: 46 / 146، تهذيب الكمال: 22 / 81 / 4388، الكامل في التاريخ: 1 / 604، أُسد الغابة: 4 / 233 / 3971.

(5) عُمان: اسم لبلدة عربيّة على ساحل بحر اليمن والهند (معجم البلدان: 4 / 150). وهي اليوم من دول الجزيرة العربيّة تقع في الجنوب الشرقي منها، عاصمتها مسقط.

(6) تاريخ الطبري: 3 / 258 وص 302، سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 69 / 15، تاريخ دمشق: 46 / 152، أُسد الغابة: 4 / 233 / 3971 وفي بعضها (بالبحرين).

(7) النجوم الزاهرة: 1 / 63 و64.

(8) سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 58 / 15، تاريخ الطبري: 4 / 104 - 106 وص 241، الكامل في التاريخ: 2 / 174 وص 227، أُسد الغابة: 4 / 234 / 3971، البداية والنهاية: 8 / 26.

٣١٠

ابن سعد بن أبي سرح ; انطلاقاً من سياسته في تحكيم الأُمويّين (1) ، فاغتمّ عمرو لذلك، وحقد على عثمان، وكان له دور مُهمّ في تأليب الناس عليه (2) .

وكان ابن العاص داهية، عارفاً بزمانه، ومن جانب آخر كان رَكوناً إلى الدنيا، عابداً لهواه، من هُنا كان يعلم جيّداً أنّه لا يُمكن أن ينسجم مع أشخاص مثل أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)؛ لذلك ولّى صوب معاوية (3) عندما تقلّد الإمام الخلافة، وهو يعلم أنّ حُبّ الدنيا هو الذي حداه على ذلك، وقال لمعاوية مَرّة: إن هي إلاّ الدنيا نتكالب عليها... (4) .

وهكذا كان، إذ جعل ولاية مصر شرطاً لمؤازرته مُعاوية (5) .

وكان في حرب صفّين قائداً لجيش الشام، ومُستشاراً لمُعاوية، وموجّهاً للحرب في ساحة القتال (6) .

____________________

(1) سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 34 / 8 وص 71 / 15، تاريخ الطبري: 4 / 253، الكامل في التاريخ: 2 / 235، البداية والنهاية: 7 / 151.

(2) أنساب الأشراف: 6 / 192 وص 209 وج 3 / 74، سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 73 / 15، مُروج الذهب: 2 / 363، أُسد الغابة: 4 / 234 / 3971، الفتوح: 2 / 418، البداية والنهاية: 7 / 170.

(3) تاريخ الطبري: 4 / 560، أُسد الغابة: 4 / 234 / 3971، البداية والنهاية: 8 / 26.

(4) سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 72 / 15، تاريخ دمشق: 46 / 167، النجوم الزاهرة: 1 / 63، مُروج الذهب: 2 / 363، الفتوح: 2 / 511، الإمامة والسياسة: 1 / 116، وقعة صفّين: 35 وص 39 و43، وفيه شعر عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) في ذلك، تاريخ اليعقوبي: 2 / 185 والسبعة الأخيرة نحوه.

(5) أنساب الأشراف: 3 / 74، سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 72 / 15، تاريخ الطبري: 5 / 98، مُروج الذهب: 2 / 363، الكامل في التاريخ: 2 / 411، الأخبار الطوال: 158، الفتوح: 2 / 513 و514، الإمامة والسياسة: 1 / 117 ; وقعة صفّين: 40، تاريخ اليعقوبي: 2 / 186.

(6) تاريخ الطبري: 4 / 563 وج 5 / 12، الكامل في التاريخ: 2 / 359 وص 371، الفتوح: 2 / 537، الإمامة والسياسة: 1 / 117.

٣١١

وكان أسود القلب، أعماه حبّ الدنيا عن رؤية الحقّ، وكان يعرف فضائل أمير المؤمنين (عليه السلام)، وطالما صرّح بها (1) ، وكذلك كان يعرف عمّار بن ياسر وشخصيّته، ويعتقد بكلام رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فيه إذ قال له: (تقتلك الفئة الباغية) (2) .

ومن جهة أُخرى كان يُدرك ضِعة معاوية ورذالته وتَعسّفه.

كما كان هو نفسه لا نظير في ضعته وحقارته ; إذ كشف عورته للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) لمّا رأي الموت قد أمسك بخناقه!! فنجا من الموت بهذه المكيدة التي تُمثّل وصمة عار عليه (3) .

وهو صاحب خطّة رفع المصاحف على الرماح عند اشتداد الحَرب وتواتر الهزائم، فأنقذ جيش الشام من اندحار حتميّ (4) .

ومثّل معاوية في التَحكيم، فخدع أبا موسي الأشعري ; إذ جعل نتيجة التحكيم لمصلحة معاوية (5) ، فمهّد الأرضيّة لفتن أُخرى.

وكان أحد المخطّطين البارعين للسياسة الدعائيّة المُناهضة

____________________

(1) أنساب الأشراف: 3 / 73، تاريخ الطبري: 4 / 561، الأخبار الطوال: 158، وقعة صفّين: 37 وص 222 وص 237، الأمالي للطوسي: 134 / 217، تاريخ اليعقوبي: 2 / 186.

(2) الكامل في التاريخ: 2 / 381، الفتوح: 3 / 74، البداية والنهاية: 7 / 268، وقعة صفّين: 341 وص 343.

(3) الفتوح: 3 / 47، البداية والنهاية: 4 / 20 وج 7 / 264.

(4) أنساب الأشراف: 3 / 98، تاريخ الطبري: 5 / 48، الكامل في التاريخ: 2 / 386، الفتوح: 3 / 181، البداية والنهاية: 7 / 273.

(5) تاريخ الطبري: 5 / 51 وص 70، الكامل في التاريخ: 2 / 396، أُسد الغابة: 4 / 234 / 3971، الفتوح: 4 / 197.

٣١٢

لأمير المؤمنين (عليه السلام) (1) ، وإنّ قيامه بتعكير الأجواء، وتضليل الناس، وانتقال المواقف ضدّ أمير المؤمنين (عليه السلام) مَعلَم على لؤمه وقُبحه ومكره، وأشار الإمام إلى شيء من ذلك إشارة بليغة في الخطبة 84 من نهج البلاغة.

قاتل ابنُ العاص محمّدَ بن أبي بكر في مصر، فغلبه وأحكم قبضته عليها (2) .

هلك سنة 43 هـ (3) ، وخلّف ثروة طائلة، ودراهم ودنانير وافرة. وذُكر أنّ أمواله المنقولة بلغت سبعين رقبة جمل مملوءة ذهباً (4) .

2 / 2 - 1 نَسَبَه

2343 - ربيع الأبرار: كانت النابغة - أُمّ عمرو بن العاص - أمَةَ رجل من عنزة، فسُبيت، فاشتراها عبد الله بن جدعان، فكانت بغيّاً، ثُمّ عُتقت. ووقع عليها أبو لهب، وأُميّة بن خلف، وهشام بن المغيرة، وأبو سفيان بن حرب، والعاص بن وائل، في طُهر واحد، فولدت عُمراً.

فادّعاه كُلّهم، فحكمت فيه أُمّه فقالت: هو للعاص ; لأنّ العاص كان يُنفق عليها.

____________________

(1) نهج البلاغة: الخطبة 84، الأمالي للطوسي: 131 / 208، الغارات: 2 / 513.

(2) تاريخ الطبري: 5 / 100 - 105، الكامل في التاريخ: 2 / 412، أُسد الغابة: 4 / 234 / 3971، البداية والنهاية: 7 / 313 - 317.

(3) المُستدرك على الصحيحين: 3 / 513 / 5907 وح 5910 وح 5909، وفيه: (سنة 51 و42) وح 5911، تهذيب الكمال: 22 / 83 / 4388، وفيهما: (سنة 42)، تاريخ الطبري: 5 / 181، الكامل في التاريخ: 2 / 458، البداية والنهاية: 8 / 24.

(4) سِيَر أعلام النُبلاء: 3 / 77 / 15.

٣١٣

وقالوا: كان أشبه بأبي سفيان، وفي ذلك يقول أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطّلب:

أبوك أبو سفيان لا شكّ قد بدتْ لنا فيك منه بيّناتُ الشمائلِ (1) .

2344 - العُقد الفريد، عن عبد الله بن سليمان المدني وأبي بكر الهذلي: إنّ أروى بنت الحارث بن عبد المطّلب دخلت على معاوية - وهي عجوز كبيرة - فلمّا رآها معاوية قال: مرحباً بكِ وأهلا يا عمّة، فكيف كنتِ بعدنا؟ فقالت: يابن أخي، لقد كفرتَ يد النعمة، وأسأتَ لابن عمّك الصُحبة، وتسمّيت بغير اسمك، وأخذت غير حقّك، من غير بلاء كان منك، ولا من آبائك، ولا سابقة في الإسلام، بعد أن كفرتُم برسول الله (صلّى الله عليه وآله)...

فقال لها عمرو بن العاص: كفّي أيّتها العجوز الضالّة، وأقصري من قولك مع ذهاب عقلك ; إذ لا تجوز شهادتك وحدك. فقالت له: وأنت يابن النابغة!! تتكلّم وأُمّك كانت أشهر امرأة تُغنّي بمكّة، وآخَذَهن للأُجرة، ادّعاك خمسة نفر من قريش، فسُئِلت أُمّك عنهم، فقالت: كلّهم أتاني، فانظروا أشبههم به فألحِقوه به، فغلب عليك شبَهُ العاص بن وائل، فلُحِقتَ به (2) .

2345 - بلاغات النساء، عن أنس بن مالك: قال عمرو بن العاص [لأروى بنت الحارث]: أيّتها العجوز الضالّة، أقصري من قولك، وغضّي من طَرفك.

قالت: ومَن أنت لا أُمّ لك؟ قال: عمرو بن العاص.

____________________

(1) ربيع الأبرار: 3 / 548.

(2) العُقد الفريد: 1 / 346.

٣١٤

قالت: يابن اللخنّاء النابغة! أتكلّمني؟ ارْبَع على ظَلْعِك (1) ، واعنِ بشأن نفسك، فوالله ما أنت من قُريش في اللباب من حسبها، ولا كريم منصبها، ولقد ادّعاك ستّة من قريش، كلّ واحد يزعم: أنّه أبوك.

ولقد رأيت أُمّك - أيّام منى - بمكّة مع كلّ عبد عاهر - أي فاجر - فأْتمّ بهم ; فإنّك بهم أشبه (2) .

2346 - شرح نهج البلاغة، عن أبي عبيدة معمّر بن المثنّى، في كتاب الأنساب: إنّ عمراً اختصم فيه يوم ولادته رجلان: أبو سفيان بن حرب، والعاص بن وائل، فقيل: لتحكم أُمّه، فقالت أُمّه: إنّه من العاص بن وائل.

فقال أبو سفيان: أما إنّي لا أشكّ أنّي وضعته في رَحم أُمّه، فأبت إلاّ العاص.

فقيل لها: أبو سفيان أشرف نَسباً، فقالت: إنّ العاص بن وائل كثير النفقة عليّ، وأبو سفيان شحيح (3) .

2 / 2 - 2 كلام الإمام عليّ في خصائصه

2347 - الإمام عليّ (عليه السلام) - من كتاب له إلى عمرو بن العاص -: (فإنّك قد جعلت دينك تبعاً لدنيا امرئ ظاهرٌ غيُّه، مهتوك سِترُه، يَشين الكريم بمجلسه، ويُسفِّه الحليمَ بخِلْطَته، فاتّبعتَ أثره، وطلبت فضله، اتّباعَ الكلب للضِّرغام يلوذ

____________________

(1) اربَع: أي كفّ وارفق. والظَّلْع: العَرَج، والمعنى: اسكُت على ما فيك من العَيب (لسان العرب: 8 / 110 وص 244 واُنظر مجمع الأمثال: 2 / 35 / 1553).

(2) بلاغات النساء: 43.

(3) شرح نهج البلاغة: 6 / 284، بحار الأنوار: 33 / 230 / 516.

٣١٥

بمخالبه، وينتظر ما يُلقي إليه من فضل فريسته.

فأذهبتَ دُنياك وآخرتك، ولو بالحقّ أخذت أدركت ما طلبت، فإن يُمكّنّي الله منك ومن ابن أبي سفيان أجزِكما بما قدّمتما، وإن تُعجِزا (1) وتبقيا فما أمامكما شرّ لكما، والسلام) (2) .

2348 - عنه (عليه السلام): (عجباً لابن النابغة! يزعم لأهل الشام أنّ فيّ دُعابة، وأنّي امرؤ تلعابة، أُعافس (3) وأُمارس! لقد قال باطلاً، ونطق آثماً.

أما - وشرّ القول الكذب - إنّه ليقول فيكذب، ويَعُد فيُخلف، ويُسأل فيبخل، ويَسأل فيُلْحِف (4) ، ويخون العهد، ويقطع الإلّ (5) ، فإذا كان عند الحرب فيّ زاجر وآمر هو! ما لم تأخذ السيوف مآخذَها، فإذا كان ذلك كان أكبر مكيدته أن يمنح القِرْم سُبَّتَه (6) .

أما والله، إنّي ليمنعني من اللعب ذكر الموت، وإنّه ليمنعه من قول الحقّ نسيان الآخرة، إنّه لم يُبايع معاوية حتى شرط أن يؤتيه أتيّةً، ويرضخ له على ترك الدين رضيخةً) (7) (8) .

____________________

(1) أي: وإن لم أستطع أخذكما أو متّ قبل ذلك وبقيتما بعدي (شرح نهج البلاغة: 16 / 163).

(2) نهج البلاغة: الكتاب 39، الاحتجاج: 1 / 432 / 95، وفيه: (أخبرتكما) بدل (أجزِكما) .

(3) المعافسة: المعالجة والممارسة والملاعبة (النهاية: 3 / 263).

(4) يقال: ألحفَ في المسألة يُلْحِف: إذا ألحّ فيها ولزمها (النهاية: 4 / 237).

(5) الإلّ: العهد والقرابة (مجمع البحرين: 1 / 62).

(6) السُبَّةُ: الإسْتُ (مجمع البحرين: 2 / 802).

(7) أي عطيّة (النهاية: 2 / 228).

(8) نهج البلاغة: الخطبة 84، الاحتجاج: 1 / 433 / 96، شرح المئة كلمة: 162 / 13، الأمالي للطوسي: 131 / 208 عن عليّ بن محمّد، الغارات: 2 / 513 كلاهما نحوه إلى: (القوم سُبَّته) .

٣١٦

2349 - العُقد الفريد: ذُكر عمرو بن العاص عند عليّ بن أبي طالب، فقال فيه عليّ:

(عجباً لابن النابغة! يزعم أنّي بلقائه أُعافس وأُمارس، أنّي وشرُّ القول أكذبُه، إنّه يَسأل فيُلحِف، ويُسأل فيبخل، فإذا احمرّ البأس، وحَميَ الوطيس (1) ، وأخذتْ السيوف مأخذها من هام الرجال، لم يكن له همّ إلاّ نزعه ثيابه، ويمنح الناس أستَه! أغصّه الله وترّحه) (2) (3) .

2 / 2 - 3 كلام الإمام الحسن في مثالبه

2350 - شرح نهج البلاغة - في ذكر مُفاخرةٍ بين الحسن بن عليّ (عليهما السلام) ورجالاتٍ من قريش، قال الإمام الحسن (عليه السلام) -: (أمّا أنت يابن العاص، فإنّ أمرك مُشترَك، وضعتك أُمّك مجهولا، من عُهر وسفاح، فيك أربعة من قريش، فغلب عليك جزّارها، ألأمُهُم حَسباً، وأخبثُهم منصباً، ثُمّ قام أبوك، فقال: أنا شانئ محمّد الأبتر، فأنزل الله فيه ما أنزل. وقاتلتَ رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في جميع المشاهد، وهجوته وآذيته بمكّة، وكِدته كيدك كلّه، وكنتَ مِن أشدّ الناس له تكذيباً وعداوة.

ثُمّ خرجتَ تُريد النجاشي مع أصحاب السفينة لتأتي بجعفر وأصحابه إلى أهل مكّة، فلمّا أخطأك ما رجوت ورجعك الله خائباً وأكذبك واشياً، جعلت

____________________

(1) الوَطِيس: شبْهُ التنّور. وقيل: هو الضِّراب في الحرب. وقيل: هو الوَطْء الذي يَطِس الناس، أي: يدقّهم. عبّر به عن اشتباك الحرب وقيامها على ساق (النهاية: 5 / 204).

(2) ترّحه الأمر: أي أحزنه (لسان العرب: 2 / 417).

(3) العُقد الفريد: 3 / 335، جواهر المطالب: 2 / 38 نحوه وفيه: (تِلعابة) بدل (بلقائه) ، وزاد في آخره: (وأخزاه وفضحه) .

٣١٧

حدّك على صاحبك عُمارة بن الوليد، فوشيت به إلى النجاشيّ حَسداً لما ارتكب مع حليلتك، ففضحك الله وفضح صاحبك، فأنت عدوّ بني هاشم في الجاهليّة والإسلام.

ثُمّ إنّك تعلم وكلّ هؤلاء الرهط يعلمون أنّك هجوت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بسبعين بيتاً من الشعر، فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (اللّهمّ إنّي لا أقول الشعر، ولا ينبغي لي، اللّهمّ العنه بكلّ حرف ألف لعنة)، فعليك إذن من الله ما لا يُحصى من اللعن.

وأمّا ما ذكرت من أمر عثمان، فأنت سعّرت عليه الدنيا ناراً، ثُمّ لحقت بفلسطين، فلمّا أتاك قتله قلت: أنا أبو عبد الله إذا نكأت (1) قرحة أدميتها. ثُمّ حبست نفسك إلى معاوية، وبعت دينك بدنياه، فلسنا نلومك على بُغض، ولا نُعاتبك على وِدّ، وبالله ما نصرت عثمان حيّاً، ولا غضبت له مقتولا، ويحك يابن العاص! ألست القائل في بني هاشم لمّا خرجت من مكّة إلى النجاشيّ:

تـقول ابـنتي أين هذا الرحيلْ ومـا الـسير مـنّي بـمستنكرِ

فـقـلت ذريـني فـإنّي امـرؤٌ أُريد الـنجاشي فـي جـعفرِ

لأكويَـه عنـده كـيّـةً أُقـيـم بـها نـخوة الأصـعرِ

وشـانـئُ أحـمد مـن بـينهم وأقـوَلـهـم فـيـه بـالـمُنكرِ

وأجـري إلـى عـتبة جـاهداً ولـو كـان كـالذهب الأحـمرِ

ولا أنـثني عـن بـني هـاشم وما اسطعت في الغيب والمحضرِ

فـإن قَـبِلَ الـعتب مـنّي لـهُ وإلاّ لـويتُ لـه مـشفري (2)

____________________

(1) يقال: نكأتُ القَرحة أنكؤها: إذا قشرتها (النهاية: 5 / 117).

(2) المِشْفَر للبعير كالشفة للإنسان (لسان العرب: 4 / 419).

٣١٨

فهذا جوابك هل سمعته) (1) .

2351 - الاحتجاج، عن الشعبي وأبي مخنف ويزيد بن أبي حبيب المصري - في بيان احتجاج الحسن بن عليّ (عليهما السلام) على جماعة من المُنكرين لفضله وفضل أبيه من قَبل بحضرة معاوية، قال الحسن (عليه السلام) -: (أمّا أنت يا عمرو بن العاص، الشانئ اللعين الأبتر، فإنّما أنت كَلب، أوّل أمرك أنّ أُمّك بَغيّة، وأنّك وُلدت على فراش مُشترك، فتحاكمت فيك رجال قريش، منهم: أبو سفيان بن الحرب، والوليد بن المغيرة، وعثمان بن الحرث، والنضر بن الحرث بن كلدة، والعاص بن وائل، كلّهم يزعم أنّك ابنه، فغلبهم عليك من بين قُريش ألأمَهم حَسَباً، وأخبثهم منصباً، وأعظمهم بغية.

ثُمّ قمتَ خطيباً، وقلتَ: أنا شانئ محمّد، وقال العاص بن وائل: إنّ محمّداً رجل أبتر لا ولد له، فلو قد مات انقطع ذِكره، فأنزل الله تبارك وتعالى: ( إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ ) (2) .

وكانت أُمّك تمشي إلى عبد قيس تطلب البغية، تأتيهم في دورهم، وفي رِحالهم، وبطون أوديتهم.

ثُمّ كنت في كلّ مشهد يشهده رسول الله (صلّى الله عليه وآله) من عدوّه أشدّهم له عداوة، وأشدّهم له تكذيباً، ثُمّ كنت في أصحاب السفينة الذين أتوا النجاشي والمهجر الخارج إلى الحبشة في الإشاطة بدم جعفر بن أبي طالب وساير المهاجرين إلى النجاشي، فحاق المكر السيّئ بك، وجعل جدّك الأسفل، وأبطل أُمنيتك، وخيّب

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 6 / 291، وراجع تذكرة الخواصّ: 201، وجواهر المطالب: 2 / 219.

(2) الكوثر: 3.

٣١٩

سعيك، وأكذب أُحدوثتك، وجعل كلمة الذين كفروا السفلى، وكلمة الله هي العُليا) (1) .

2 / 2 - 4 كلام ابن عبّاس في مثالبه

2352 - العُقد الفريد، عن أبي مخنف: حجّ عمرو بن العاص، فمرّ بعبد الله بن عبّاس، فحسده مكانه وما رأى من هيبة الناس له، وموقعه من قلوبهم، فقال له: يابن عبّاس، مالك إذا رأيتني ولّيتني القصرة، وكأنّ بين عينيك دبرة، وإذا كنت في ملأ من الناس كنت الهوهاة (2) الهمزة!

فقال ابن عبّاس: لأنّك من اللئام الفَجرة، وقريش الكرام البَررة، لا ينطقون بباطل جهلوه، ولا يكتمون حقّاً علموه، وهُم أعظم الناس أحلاماً، وأرفع الناس أعلاماً، دخلتَ في قريش ولست منها، فأنت الساقط بين فراشين، لا في بني هاشم رحلك، ولا في بني عبد شمس راحلتك، فأنت الأثيم الزنيم، الضالّ المُضلّ، حملك معاوية على رقاب الناس، فأنت تسطو بحلمه، وتسمو بكرمه (3) .

2 / 2 - 5 ولايته في عصر عُمر

2353 - الأنساب: عمرو بن العاص...، كان مِن دُهاة الناس، ولاّه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)

____________________

(1) الاحتجاج: 2 / 35 / 150، بحار الأنوار: 44 / 80 / 1.

(2) رجل هوهاة: أي جبان، وهو الأحمق أيضاً (المحيط في اللغة: 4 / 92).

(3) العُقد الفَريد: 3 / 73.

٣٢٠