موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء ٥

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ0%

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 360

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: محمد الريشهري
تصنيف: الصفحات: 360
المشاهدات: 156507
تحميل: 6547


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 5
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 360 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 156507 / تحميل: 6547
الحجم الحجم الحجم
موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ

موسوعة الامام علي عليه السلام في الكتاب والسنة والتاريخ الجزء 5

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فقالت: يا أُمّ المؤمنين، ما تقولين في امرأة قتلت ابناً لها صغيراً؟ قالت: وَجَبَتْ لها النار، قالت: فما تقولين في امرأة قتلت من أولادها الأكابر عشرين ألفاً؟ قالت: خذوا بيد عدوّة الله (1) .

____________________

(1) عيون الأخبار لابن قتيبة: 1 / 202، العُقد الفريد: 3 / 328، وفيه: (أُمّ أوفى العبديّة)، وراجع أنساب الأشراف: 3 / 59.

٨١

٨٢

الفصل الثاني

هُويّة رؤساء الناكثين

تُعدّ معركة الجَمل من الحوادث الجديرة بالتأمّل في التاريخ الإسلامي، وإنّ في التعرّف على دوافع مسعّريها وأهدافهم تذكيراً للمرء وتنبيهاً له لمعرفة رجاله الذين يقتدي بهم ويسير على نهجهم.

إنّنا نلحظ في النصوص التاريخيّة التي تحدّثت عن تنظيم القوّات وأهدافها وبواعثها نقاطاً تثير التأمّل، منها: الأهواء، والنزعات الدنيويّة، واستغلال بعض الوجهاء لتحفيز عامّة الناس، ومنها: ممارسات مكتنزي الثروات، وطلاّب السلطة، ومَنْ وجد حياته المترفة مُهدّدة بالخطر.

النقطة الأُخرى التي ينبغي ألاّ ننساها هي كيفيّة مواجهة أشخاص من الصحابة عليّاً (عليه السلام)، في حين أنّهم كانوا يدّعون الإسلام والسبق إليه! ومن جانب آخر، وجاهة عامّة الأشخاص الذين كان موقفهم في معركة الجَمل يتعارض تماماً مع موقفهم في زمان عُثمان.

وننقل فيما يأتي بإيجاز نصوصاً تتحدّث عن حياة الذين أوقدوا تلك الحرب،

٨٣

وندعوا القرّاء إلى التأمّل فيها.

2 / 1 خصائصهم

2079 - العُقد الفريد: كان عليّ بن أبي طالب يقول: (بُليت بأنَضّ الناس، وأنطق الناس، وأطوع الناس في الناس). يريد بأنضّ الناس: يَعلى بن مُنْيَة ; وكان أكثر الناس ناضّاً (1) ، ويريد بأنطق الناس: طلحة بن عبيد الله، وأطوع الناس في الناس عائشة أُمّ المؤمنين (2) .

2080 - الإمام علي (عليه السلام): إنّي بُليت بأربعة: (أدهى الناس وأسخاهم طلحة، وأشجع الناس الزبير، وأطوع الناس في الناس عائشة، وأسرع الناس إلى فتنة يَعلى بن أُميّة) (3) .

2081 - عنه (عليه السلام): (والله، لقد مُنيت بأربع لم يُمنَ بمثلهنّ أحد بعد النبي (صلّى الله عليه وآله): مُنيت بأشجع الناس الزبير بن العوّام، وبأخدع الناس طلحة بن عبيد الله، وبأطوع الناس في الناس عائشة بنت أبي بكر، وبمَن أعان علَيّ بأنواع الدنانير يعلى بن مُنْية) (4) .

2082 - عنه (عليه السلام): (إنّي مُنيت بأربعة ما مُني أحد بمثلهنّ: مُنيت بأطوع الناس في

____________________

(1) الناضّ: هو ما كان ذهباً أو فضّة، عيناً وورِقاً، وقد نَضَّ المالُ ينِضّ: إذا تحوّل نقداً بعد أن كان متاعاً (النهاية: 5 / 72).

(2) العُقد الفريد: 3 / 323، جواهر المطالب: 2 / 22.

(3) الاستيعاب: 2 / 318 / 1289 عن صالح بن كيسان وعبد الملك بن نوفل والشعبي وابن أبي ليلى، أُسد الغابة: 3 / 87 / 2627، وفيه: (و أكثر الناس غنى يعلى بن مُنية) بدل (وأسرع الناس...) .

(4) الفتوح: 2 / 463، وراجع شرح نهج البلاغة: 20 / 277 / 199.

٨٤

الناس عائشة بنت أبي بكر، وبأشجع الناس الزبير بن العوّام، وبأخصم الناس طلحة بن عبيد الله، وبأكثر الناس مالاً يَعلى بن مُنْية التميمي؛ أعان عليّ بأصواع الدنانير ) (1) .

2083 - عنه (عليه السلام): (حاربني خمسة: حاربني أطوع الناس في الناس عائشة، وأشجع الناس الزبير، وأمكر الناس طلحة بن عبيد الله لم يدركه ماكر قطّ، وحاربني أعبد الناس محمّد بن طلحة بن عبيد الله، كان محموداً حتى استزلّه أبوه ; فخرج به، وحاربني أعطى الناس يعلى بن منية، كان يعطي الرجل الواحد الثلاثين ديناراً والسلاح والفرس على أن يُقاتلني) (2) .

2084 - عنه (عليه السلام): (مُنيت - أو بُليت - بأطوع الناس في الناس عائشة، وبأدهى الناس طلحة، وبأشجع الناس الزبير، وبأكثر الناس مالاً يعلى بن منية، وبأجود قريش عبد الله بن عامر) (3) .

2 / 2 عائشة

هي عائشة بنت أبي بكر، وزوج النبي الأعظم (صلّى الله عليه وآله) (4) .

____________________

(1) المُسترشد: 419 / 141 عن شريح بن هانئ، كشف المحجّة: 254 نحوه، وراجع فتح الباري: 13 / 55.

(2) تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 499 عن أبي فروة، سِيَر أعلام النبلاء: 1 / 59 / 3 عن ابن أبي فروة.

(3) الأغاني: 12 / 389 عن أبي الكنود.

(4) الطبقات الكُبرى: 8 / 58، سِيَر أعلام النبلاء: 2 / 135 / 19، الاستيعاب: 4 / 435 / 3463، أُسد الغابة: 7 / 186 / 7093.

٨٥

توفّي عنها النبيّ ولها من العُمر ثماني عشرة سنةً (1) .

حظيت باحترام بالغ في عهد أبي بكر وعُمر، بَيْدَ أنّ عثمان قلّل من شأنها ومِن احترامها ; فبرز الخلاف بينهما (2) إلى درجة أنّها كانت تُحرّض الناس على قتله بقولها: اقتلوا نعثلاً فقد كفر (3) . وحين حاصر الثوّار عثمان ذهبت إلى مكّة، وظلّت فيها إلى أن قُتِل (4) .

وعندما قُتل عثمان، كانت تتطلّع إلى خلافة طلحة (5) والزبير (6) .

ولمّا تناهى إلى سمعها استخلاف أمير المؤمنين (عليه السلام) رجعت من منتصف الطريق إلى مكّة، ونادت بظُلامة عثمان مُطالبة بثأره (7) .

وعلى الرغم من أنّ موقفها مِن قتل عثمان كان واضحاً للناس - ومنهم مَن كان يُذكّرها به - بَيْدَ أنّهم كانوا يحترمونها ويسمعون كلامها ; إجلالاً لرسول الله (صلّى الله عليه وآله)، ولأُمومتها المؤمنين.

____________________

(1) تهذيب الكمال: 35 / 236 / 7885، الاستيعاب: 4 / 436 / 3463، أُسد الغابة: 7/189/7093، الإصابة: 8 / 232 / 11461، البداية والنهاية: 8 / 94.

(2) أنساب الأشراف: 6 / 144، الفتوح: 2 / 421، الجَمل: 147 و148، تاريخ اليعقوبي: 2 / 175.

(3) تاريخ الطبري: 4 / 459، الكامل في التاريخ: 2 / 313، العُقد الفريد: 3 / 300، الفتوح: 2 / 437، الإمامة والسياسة: 1 / 72، وفيه: (فقد فَجر) بدل (فقد كفر).

(4) راجع: القسم الرابع / الثورة على عثمان / الدعوة إلى الخروج / تحريض عائشة.

(5) أنساب الأشراف: 6 / 212.

(6) الجَمل: 231.

(7) تاريخ الطبري: 4 / 458 و459، الكامل في التاريخ: 2 / 312 و313، أنساب الأشراف: 6 / 212 و213، الأخبار الطوال: 144، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 483، الفتوح: 2 / 452، الإمامة والسياسة: 1 / 71، البداية والنهاية: 7 / 231، تاريخ اليعقوبي: 2 / 180.

٨٦

كانت عالمة خطيبة وأديبة (1) ، وملمّة إلماماً تامّاً بسجايا العَرب، وتَعرف مواطن ضعفهم، لذا كانت قادرة على تحريضهم (2) .

وكان طلحة والزبير يعلمان أنّ الطريق الوحيد للنصر وتسلّم الخلافة هو تعبئة الناس بواسطة عائشة ; فلم يُضيّعا هذه الفرصة.

كانت عائشة تُجاهر بعدائها للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وتذكر أنّ بينها وبينه ما يكون بين المرأة وبين أحمائها (3) .

ولولا وجاهتها لما استطاع طلحة والزبير تعبئة الناس للحرب. وكانت فارسة الحلبة بعد مقتل طلحة والزبير (4) ، مع هذا كلّه، أرجعها الإمام (عليه السلام) إلى المدينة باحترام تامّ (5) .

واصلت عداءها للإمام (عليه السلام) على الرغم من إصحارها بالندم مراراً على ما فرّطت في جنبه يوم الجَمل (6) .

أظهرت سرورها بعد استشهاد أمير المؤمنين (عليه السلام) (7) ، وسجدت لذلك شُكراً (8) !

____________________

(1) سنن الترمذي: 5/705/3884، تهذيب الكمال: 35/234/7885، الاستيعاب: 4/437/3463، البداية والنهاية: 8 / 92.

(2) تاريخ الطبري: 4 / 516، الكامل في التاريخ: 2 / 340، البداية والنهاية: 7 / 243.

(3) تاريخ الطبري: 4 / 544، الكامل في التاريخ: 2 / 348، البداية والنهاية: 7 / 246 وص 305.

(4) راجع: القتال / استمرار الحرب بقيادة عائشة.

(5) راجع: بعد الظفر / محادثات بين الإمام وعائشة.

(6) راجع: بعد الظَفَر / ندم عائشة.

(7) الطبقات الكبرى: 3 / 40، تاريخ الطبري: 5 / 150، الكامل في التاريخ: 2 / 438، الأخبار الموفّقيّات: 131 / 59.

(8) الجَمل: 159، مقاتل الطالبيّين: 55.

٨٧

وحالت دون دفن الإمام الحسن (عليه السلام) عند جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1) .

ماتت سنة سبع وخمسين أو ثمان وخمسين من الهجرة (2) .

2 / 3 طلحة بن عبيد الله

أحد السابقين إلى الإسلام (3) ، ومن كبار الصحابة، آخى الزبيرَ قبل الهجرة (4) ، كان تاجراً، وعندما وقعت معركة بدر كان قد ذهب في تجارة إلى الشام (5) .

أثنى عليه أهل السُّنّة، وعَدُّوه من العشرة المبشَّرة (6) .

كان الخلفاء يحترمونه بعد وفاة النبيّ (صلى الله عليه وآله)، اختاره عُمر في الشورى السُداسيّة، لكنّه اعتزل لمصلحة عُثمان (7) ، كان في غاية الدهاء والسياسة (8) ، حصل على ثروة طائلة في عصر عُثمان ; بسبب الأموال التي كان قد أعطاها إيّاه بلا حساب (9) .

____________________

(1) تاريخ اليعقوبي: 2 / 225، أنساب الأشراف: 3 / 298، سِيَر أعلام النُبلاء: 3 / 276 / 47، تاريخ دمشق: 13 / 293.

(2) تهذيب الكمال: 35/235/7885، الكامل في التاريخ: 2/518، سِيَر أعلام النبلاء: 2/192/19، الاستيعاب: 4 / 438 / 3463، أُسد الغابة: 7 / 189 / 7093.

(3) الإصابة: 3 / 430 / 4285، تاريخ دمشق: 25 / 54.

(4) تهذيب الكمال: 13 / 415 / 2975، الإصابة: 3 / 431 / 4285، تاريخ دمشق: 25 / 66.

(5) الاستيعاب: 2 / 317 / 1289، تاريخ دمشق: 25 / 54.

(6) تهذيب الكمال: 13 / 412 / 2975، سِيَر أعلام النبلاء: 1 / 24 / 2، الاستيعاب: 2/317/1289، تاريخ دمشق: 25 / 54، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 523، البداية والنهاية: 7 / 248.

(7) راجع: القسم الرابع / مبادئ خلافة عثمان / ما جرى في الشورى.

(8) راجع: خصائصهم.

(9) راجع: القسم الرابع / مبادئ الثورة على عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / ما أعطى طلحة.

٨٨

وَهَبه عثمان مرّةً دَيْناً كان عليه بلغ خمسين ألف درهم، وقال له: معونةً على مروءتك (1) !! كان من مُلاّكي الأرض الكبار، حتى كان يُغِلّ بالعراق ما بين أربعمئة ألف إلى خمسمئة ألف، ويُغلّ بالسَّراة (2) عشرة آلاف دينار (3) .

خلّف بعد موته ثروةً قُدِّرت بثلاثين مليون درهم (4) .

لم يُولِّه عثمان على مصر مِن الأمصار مع أنّه كان يُعظّمه، ويعود ذلك إلى أنّه كان يهتمّ كثيراً بأقاربه وبِطانته، ومِن هنا توتّرت العلاقة بينهما (5) ، كما أعرض عثمان أيضاً عن أهمّ سند له في الماضي وهو عبد الرحمان بن عوف (6) .

كان طلحة يطمح إلى الخلافة (7) ; فكتب إلى البصرة والكوفة وغيرهما من الأمصار، مُحرّضاً أهلها على قتل عثمان (8) ، وكان بيت المال بيده في جريان قتل عثمان (9) ، بَيْدَ أنّه لم يستطع أن يُطالب بالخلافة ; لاتّهامه بالمشاركة في قتله، فبايع أميرَ المؤمنين (عليه السلام)، والعَجيب أنّه أوّل شخص يُبايع!

____________________

(1) تاريخ الطبري: 4 / 405، تاريخ دمشق: 25 / 104.

(2) السَّراة: الجبل الذي فيه طرف الطائف إلى بلاد أرمينية. وقيل: هو الجبال والأرض الحاجزة بين تُهامة واليمن، ولها سعة (معجم البلدان: 3 / 204).

(3) الطبقات الكبرى: 3 / 221، سِيَر أعلام النبلاء: 1 / 32 / 2، مُروج الذهب: 2 / 342، الاستيعاب: 2 / 321 / 1289، تاريخ دمشق: 25 / 102، البداية والنهاية: 7 / 248.

(4) المُستدرك على الصحيحين: 3 / 417 / 5587، الطبقات الكبرى: 3 / 222، تهذيب الكمال: 13 / 423 / 2975، تاريخ دمشق: 25 / 120.

(5) تاريخ المدينة: 4 / 1169، العُقد الفريد: 3 / 303.

(6) أنساب الأشراف: 6 / 171، تاريخ اليعقوبي: 2 / 169.

(7) الإرشاد: 1 / 246.

(8) الإمامة والسياسة: 1 / 53، أنساب الأشراف: 6 / 196، تاريخ المدينة: 4 / 1198.

(9) تاريخ الطبري: 4 / 407 ; تاريخ اليعقوبي: 2 / 175.

٨٩

لم يظفر طلحة بالخلافة، ويضاف إلى ذلك أنّه حُرِمَ من الامتيازات التي كانت له في عهد عثمان؛ ممّا حدا به إلى إعلان مُعارضته للإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، فأوقد نار الحرب مع الزبير، وعائشة، وغيرهما.

وكان يقول: إنّا داهَنّا في أمر عثمان، فلا نجد اليوم شيئاً أمثل من أن نبذل دماءنا فيه!! (1)

قُتل طلحة في معركة الجمل سنة 36 هـ، بسهم رماه به مروان بن الحكم مِن خلفه (2) .

2085 - الطبقات الكبرى، عن محمّد بن إبراهيم: كان طلحة بن عبيد الله يغلّ بالعراق ما بين أربعمئة ألف إلى خمسمئة ألف، ويغلّ بالسراة عشرة آلاف دينار أو أقلّ أو أكثر (3) .

2086 - الطبقات الكبرى، عن إسحاق بن يحيى، عن موسى بن طلحة: أنّ معاوية سأله، كم ترك أبو محمّد - يرحمه الله - مِن العين؟

قال: ترك ألفي ألف درهم ومئتي ألف درهم، ومئتي ألف دينار، وكان ماله قد اغتيل. كان يغلّ كلّ سنة من العراق مئة ألف سوى غلاّته من السّراة وغيرها، ولقد كان يُدْخِل قُوتَ أهله بالمدينة سَنَتَهم من مزرعة بقناة كان يزرع على

____________________

(1) الطبقات الكبرى: 3 / 222، تاريخ الطبري: 4 / 476، سير أعلام النبلاء: 1 / 35 / 2، تاريخ المدينة: 4 / 1169، الاستيعاب: 2 / 318 / 1289، تاريخ دمشق: 25 / 109.

(2) المستدرك على الصحيحين: 3 / 417 / 5586، الطبقات الكبرى: 3 / 223، تاريخ خليفة بن خيّاط: 139، سير أعلام النبلاء: 1 / 36 / 2، البداية والنهاية: 7 / 242 وص 248، الجمل: 389.

(3) الطبقات الكبرى: 3 / 221، سِيَر أعلام النبلاء: 1 / 32 / 2، وليس فيه (إلى خمسمئة ألف)، تاريخ دمشق: 25 / 101، وراجع مُروج الذهب: 2 / 342، والاستيعاب: 2 / 321 / 1289.

٩٠

عشرين ناضحاً، وأوّل من زرع القمح بقناة هو.

فقال معاوية: عاش حميداً سخيّاً شريفاً، وقُتل فقيراً، رحمه الله! (1)

2087 - الطبقات الكبرى، عن إبراهيم بن محمّد بن طلحة: كانت قيمة ما ترك طلحة بن عبيد الله من العقار والأموال، وما ترك من الناضّ ثلاثين ألف ألف درهم، ترك من العين ألفَي ألف ومئتي ألف درهم، ومئتي ألف دينار، والباقي عُروض (2) (3) .

2088 - مُروج الذهب - في ذكر أحوال طلحة بن عبيد الله في خلافة عثمان -: ابتنى داره بالكوفة، المشهورة به هذا الوقت، المعروفة - بالكناسة - بدار الطلحيّين، وكان غلّته من العراق كلّ يوم ألف دينار، وقيل أكثر من ذلك، وبناحية الشراة (4) أكثر ممّا ذكرنا، وشيّد داره بالمدينة وبناها بالآجُرّ والجصّ والساج (5) .

2089 - تاريخ الطبري، عن موسي بن طلحة: كان لعثمان على طلحة خمسون ألفاً، فخرج عثمان يوماً إلى المسجد، فقال له طلحة: قد تهيّأ مالك فاقبضه.

قال: هو لك يا أبا محمّد، معونة لك على مروءتك (6) .

راجع: القسم الرابع / مبادئ الثورة على عثمان / جعل المال دولة بين الأغنياء / ما أعطى طلحة بن عبيد الله

الثورة على عثمان / الدعوة إلى الخروج / تحريض طلحة.

____________________

(1) الطبقات الكبرى: 3 / 222، تاريخ دمشق: 25 / 103، سِيَر أعلام النبلاء: 1 / 33 / 2 نحوه.

(2) العُرُوض: الأمتعة التي لا يدخلها كيل ولا وزن، ولا يكون حيواناً ولا عقاراً (لسان العرب: 7 / 170).

(3) الطبقات الكبرى: 3 / 222.

(4) الشَّرَاة: صقع بالشام بين دمشق ومدينة الرسول (صلى الله عليه وآله) (معجم البلدان: 3/332).

(5) مُروج الذهب: 2 / 342.

(6) تاريخ الطبري: 4 / 405، تاريخ دمشق: 25 / 103 و104.

٩١

2 / 4 الزبير بن العَوّام

هو ابن عمّة النبيّ (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين عليّ (عليه السلام)، وهو رابع مَن أسلم، أو خامسهم (1) ، وكان من الصحابة الشُجعان (2) المشهورين، وشهد مشاهد النبيّ (صلى الله عليه وآله) كلّها (3) ، وجُرح عدّة مرّات، عدّه أهل السنّة أحد العشرة المُبشّرة بالجنّة (4) ، امتنع من بيعة أبي بكر، وكان من خاصّة أمير المؤمنين (عليه السلام)، وأصحابه الأُوَل (5) ، قيل: إنّه حضر دفن السيّدة فاطمة الزهراء عليها السلام (6) ، ممّا يدلّ على قُربه من الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام).

كان أحد الستّة الذين رشّحهم عمر للشورى، واعتزل نصرةً للإمام عليّ (عليه السلام) (7) .

وكان صهر أبي بكر (8) ، بيدَ أنّه أمضى سنوات مِن عُمره إلى جانب أمير المؤمنين (عليه السلام)، وقال (عليه السلام) فيه: (ما زال الزبير رجلاً منّا أهلَ البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد الله) (9) ، وهذا يدلّ على أنّ عبد الله بن الزبير كان مثيراً للفتنة، وهو ما

____________________

(1) أُسد الغابة: 2 / 307 / 1732، السيرة النبويّة لابن هشام: 1 / 267، سير أعلام النبلاء: 1 / 144.

(2) راجع: خصائصهم.

(3) أُسد الغابة: 2 / 309 / 1732، الاستيعاب: 2 / 91 / 811، البداية والنهاية: 7 / 249.

(4) أُسد الغابة: 2 / 309 / 1732، الإصابة: 2 / 457 / 2796، الاستيعاب: 2 / 91 / 811، البداية والنهاية: 7 / 249.

(5) راجع: القسم الرابع / قصّة سقيفة / الهجوم على بيت فاطمة بنت رسول الله.

(6) المناقب لابن شهر آشوب: 3 / 363، بحار الأنوار: 43 / 183 نقلا عن تاريخ الطبري.

(7) راجع: القسم الرابع / مبادئ خلافة عثمان / ما جرى في الشورى.

(8) المحبّر: 54، تاريخ دمشق: 18 / 429، أُسد الغابة: 3 / 242 / 2949.

(9) نهج البلاغة: الحكمة 453، العُقد الفريد: 3 / 314، الاستيعاب: 3 / 40 / 1553، أُسد الغابة: 3 / 244 / 2949، شرح نهج البلاغة: 2 / 167.

٩٢

سنشير إليه لاحقاً.

كَنَز الزبير ثروة طائلة في عهد عثمان (1) ، بلغت عند موته خمسين ألف دينار، وألف فرس، وألف عبد وأمَة (2) ، لكنّه لم يتولَّ منصباً.

وكان يساعد الثوّار الذين نهضوا ضدّ عثمان (3) ، بل طالب بقتله ; علّه يتقلّد أمر الخلافة.

وبايع عليّاً (عليه السلام) بعد قتل عثمان (4) ، ولكنّه لمّا حُرم من الإمارة، ومن الامتيازات التي كانت له في عصر عثمان، رفع لواء المعارضة بوجه أمير المؤمنين (عليه السلام) (5) يحرّضه على ذلك ولدُه عبد الله.

توجّه إلى مكّة مع طلحة متظاهرَين أنّهما يُريدان العمرة (6) ، وهناك نسّقا مع عائشة وغيرها، ثُمّ اتّفقوا على إشعال فتيل (الجمل)، واعتزل الزبير الحرب بعد كلام أمير المؤمنين (عليه السلام) معه، لكنّه اُغتيل على يد ابن جرموز (7) .

2090 - مروج الذَهب - في ذكر أحوال الزبير بن العوّام في خلافة عثمان -: بنى داره بالبصرة، وهي المعروفة في هذا الوقت - وهو سنة اثنتين وثلاثين

____________________

(1) الطبقات الكُبرى: 3 / 107.

(2) مروج الذهب: 2 / 342.

(3) أنساب الأشراف: 6 / 211.

(4) نهج البلاغة: الكتاب 54، الإرشاد: 1 / 245 ; الطبقات الكُبرى: 3 / 31.

(5) راجع: حرب الجمل / دوافع الحرب / الدافع في الباطن / طلب الرئاسة.

(6) راجع: تأهّب الناكثين للخروج علي الإمام / خروج طلحة والزبير إلى مكّة.

(7) راجع: جهود الإمام لمنع القتال / عاقبة الزبير.

٩٣

وثلاثمئة - تنزلها التجّار وأرباب الأموال وأصحاب الجهاز من البحريّين (1) وغيرهم، وابتنى أيضاً دوراً بمصر والكوفة والإسكندريّة، وما ذكرنا من دوره وضياعه فمعلوم غير مجهول إلى هذه الغاية.

وبلغ مال الزبير بعد وفاته خمسين ألف دينار، وخلّف الزبير ألف فرس، وألف عبد وأمة، وخِطَطاً (2) بحيث ذكرنا من الأمصار (3) .

2091 - الطبقات الكُبرى: كان للزبير أربع نسوة، ورُبِّع الثُّمن، فأصاب كلّ امرأة ألفُ ألف ومئة ألف. قال: فجميع ماله خمسة وثلاثون ألفَ ألف ومئتا ألف (4) .

2 / 5 عبد الله بن الزبير

وُلد في السنة الأُولى من الهجرة بالمدينة، وهو أوّل مولود من أولاد المهاجرين (5) .

وكان حفيد أبي بكر (6) ، وله دور مهمّ في انحراف أبيه، وإيقاد حَرب الجمل.

____________________

(1) في نسخة: (وأصحاب الجهات من البحرين) (هامش المصدر).

(2) الخِطَط: جمع خِطّة، وهي الأرض يختطّها الإنسان لنفسه بأن يُعلِّم عليها علامة، ويَخُطَّ عليها خطّاً ليُعلم أنّه قد احتازها، وبها سمّيت خِطط الكوفة والبصرة (النهاية: 2 / 48).

(3) مُروج الذهب: 2 / 342.

(4) الطبقات الكُبرى: 3 / 109، سِيَر أعلام النبلاء: 1 / 67 / 3، وفيه: (ورفع الثلث) بدل (ورُبِّع الثُّمن)، و (خمسون) بدل (خمسة وثلاثون).

(5) صحيح مسلم: 3/1690/25، مُسند ابن حنبل: 10/270/27004، المستدرك على الصحيحين: 3 / 631 / 6326، السُنن الكبرى: 6 / 335، السيرة النبويّة لابن كثير: 2 / 331.

(6) المستدرك على الصحيحين: 3 / 631 / 6326، تهذيب الكمال: 14 / 509 / 3269، تاريخ دمشق: 28 / 146.

٩٤

وقال فيه أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام): (ما زال الزبير رجلاً منّا أهلَ البيت حتى نشأ ابنه المشؤوم عبد الله) (1) .

وبذل قصارى جهده في تولية أبيه الخلافة بعد مقتل عثمان، إلاّ أنّه لم يُفلح في ذلك، وكان حَلقة الوصل بين عائشة من جهة، والزبير وطلحة من جهة أُخرى (2) .

وعندما عزم الزبير على اعتزال القتال حاول أن يُثنيه عمّا هو بسبيله، مستخدماً ضروب الحيل الأخلاقيّة والعاطفيّة (3) .

ولمّا لم يبقَ أحد حول جمل عائشة، أخذ بزمامه، وجُرح جرحاً بليغاً في اصطراعه مع مالك الأشتر. وكان يرغب في قتل مالك حتى لو كلّفه ذلك نفسَه، لذا كان يقول وهما مُصطرعان:

اُقتُلوني ومالِكاً واقتُلوا مالكاً معي (4)

عفا عنه الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) بعد الحرب، بطلب من عائشة (5) . وكان مغروراً منبوذاً حتى أنّ معاوية لم يحترمه ولم يُبالِ به (6) .

____________________

(1) نهج البلاغة: الحكمة 453، العُقد الفريد: 3 / 314، الاستيعاب: 3 / 40 / 1553، أُسد الغابة: 3 / 244 / 2949، شرح نهج البلاغة: 2 / 167.

(2) الجَمل: 229.

(3) تاريخ الطبري: 4 / 509، مُروج الذهب: 2 / 372، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 490، البداية والنهاية: 7 / 242، الجَمل: 288 و289.

(4) مُروج الذهب: 2 / 376، تاريخ الطبري: 4 / 519 وص530، أنساب الأشراف: 3 / 39، الجَمل: 350 وص362.

(5) مُروج الذهب: 2 / 378، الفتوح: 2 / 485.

(6) تاريخ الطبري: 5 / 323، مقاتل الطالبيّين: 397.

٩٥

ولم يُبايع يزيدَ بعد هلاك معاوية، وتوطّن مكّة حفظاً لنفسه (1) ، ثُمّ تسلّط عليها؛ فهاجمها جيش يزيد لدحره، واحترقت الكعبة، ودُمّرت في ذلك الهجوم (2) .

لكنّ عبد الله نجا عندما بلغ مكّة خبرُ هلاك يزيد (3) .

ثُمّ ادّعى الخلافة سنة 64 هـ (4) ، واستولى على الحجاز واليمن والعراق وخُراسان (5) .

وطلب البيعة من عبد الله بن عبّاس، ومحمّد ابن الحنفيّة، فلم يستجيبا له، فعزم على إحراقهما، بَيْدَ أنّهما نجَوَا بعد حملة المُختار (6) .

قُتل ابن الزبير، ثُمّ صُلب في عهد عبد الملك بن مروان سنة 73 هـ، بعدما أغار الحجّاج على مكّة والمسجد الحرام (7) .

____________________

(1) تاريخ الطبري: 5 / 340، الكامل في التاريخ: 2 / 530، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 169 و170، العُقد الفريد: 3 / 363، تاريخ دمشق: 28 / 203 وص 209، البداية والنهاية: 8 / 147.

(2) تاريخ الطبري: 5 / 498، الكامل في التاريخ: 2 / 602، أُسد الغابة: 3 / 244 / 2949.

(3) تاريخ الطبري: 5 / 498 وص 501، الكامل في التاريخ: 2 / 602، تاريخ دمشق: 28 / 209، البداية والنهاية: 8 / 225 و226.

(4) تاريخ الطبري: 5 / 497 وص 501، الكامل في التاريخ: 2 / 604، سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 364 / 53، تاريخ دمشق: 28 / 202 وص 221، البداية والنهاية: 8 / 238 و239.

(5) أُسد الغابة: 3 / 244 / 2949، سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 364 / 53، الكامل في التاريخ: 2 / 615، تاريخ دمشق: 28 / 209 وص 245 و246، مُروج الذهب: 3 / 83. وقد ذَكرت بعض المصادر أنّه حكم على مصر أيضاً، ولكن لم يستوسق له الأمر ; إذ سرعان ما غلب مروان عليها.

(6) تاريخ دمشق: 28 / 204، مُروج الذهب: 3 / 86، تاريخ اليعقوبي: 2 / 261.

(7) مُروج الذهب: 3/122، المستدرك على الصحيحين: 3 / 639 / 6346، تاريخ الطبري: 6/187، الكامل في التاريخ: 3 / 67 - 75، سِيَر أعلام النبلاء: 3 / 377 / 52، أُسد الغابة: 3 / 245 / 2949، تاريخ دمشق: 28 / 212 وص 242 و245، البداية والنهاية: 8 / 329.

٩٦

2092 - شرح نهج البلاغة: ومِن المُنحرفين عنه [عليّ (عليه السلام) ] المبغضين له: عبد الله ابن الزبير... كان عليّ (عليه السلام) يقول: (ما زال الزبير منّا أهلَ البيت، حتى نشأ ابنه عبد الله، فأفسده).

وعبد الله هو الذي حمل الزبير على الحرب، وهو الذي زيّن لعائشة مسيرها إلى البصرة، وكان سبّاباً فاحشاً، يبغض بني هاشم، ويلعن ويسبّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) (1) .

2093 - مروج الذهب، عن مساور بن السائب: أنّ ابن الزبير خطب أربعين يوماً لا يصلّى على النبيّ (صلّى الله عليه وآله)، وقال: لا يمنعني أن أُصلّي عليه إلاّ أن تشمخ رجالٌ بآنافها (2) .

قال ابن أبي الحديد بعد ذكره لهذا الخَبر: وفي رواية محمّد بن حبيب وأبي عبيدة معمّر بن المثنّى: إنّ له أُهيل سوء يُنْغِضون (3) رؤوسهم عند ذكره (4) .

2094 - مقاتل الطالبيّين - في ذكر عبد الله بن الزبير -: هو الذي بقي أربعين جمعة لا يصلّي على النبيّ (صلى الله عليه وآله) في خطبته حتى التاث (5) عليه الناس، فقال: إنّ له أهل بيت سوء إذا صلّيتُ عليه أو ذكرته أتلعوا أعناقهم، واشرأبّوا لذكره، وفرحوا بذلك، فلا أُحبّ أن أقرّ عينهم بذكره (6) .

____________________

(1) شرح نهج البلاغة: 4 / 79.

(2) مُروج الذهب: 3 / 88، شرح نهج البلاغة: 4 / 62 نحوه.

(3) من الإنغاض: تحريك الرأس نحو الغير كالمتعجّب منه (مفردات ألفاظ القرآن: 816).

(4) شرح نهج البلاغة: 4 / 62.

(5) لاثَ به الناس: اجتمعوا حوله (لسان العرب: 2 / 188).

(6) مقاتل الطالبيّين: 397، بحار الأنوار: 48 / 183 / 26، وراجع تاريخ اليعقوبي: 2 / 261.

٩٧

2 / 6 مروان بن الحكم

كان مروان بن الحكم شخصاً مشبوهاً، ورجلاُ انتهازيّاً، يميل إلى إثارة الفتن والاضطرابات، ويُمثّل تجسيداً للشخص المرسوس في أوساط حركة لا ينسجم مع مسارها ولا يعتقد بقيمها ولا يتماشى مع مُثُلها. وأمثال هؤلاء الأشخاص يُلحقون أضراراً فادحة بالتيّار الفكري أو السياسي الذي ينتمون إليه.

إنّ التأثير العميق الذي كان لمروان على عثمان من جهة، والرغبة الجامحة في إيجاد حكومة مجرّدة من القِيَم من جهة أُخرى - فضلا عن عدم اعتقاده بالثقافة الإسلاميّة - جعل له دوراً مهمّاً في التطوّرات التي عصفت بالمجتمع الإسلامي آنذاك.

لقد كان له دور جدير بالتأمّل في تأجيج نار الغضب من جديد في نفوس الثائرين على عثمان، وتعجيل اضطرام المناحرات حول دار الخلافة.

والمترجَم له هو ابن عمّ عثمان. وُلدَ في مكّة أو في الطائف، ولكن لمّا كان النبيّ (صلى الله عليه وآله) قد نفى أباه الحَكم بن أبي العاص إلى الطائف، فقد ذهب معه إليها ; لذلك لم يَرَ رسول الله (صلى الله عليه وآله) (1) .

وسبب نفي الحَكَم إلى الطائف هو نظره في داخل بيت النبيّ (صلى الله عليه وآله)، أو استهزاؤه بعمله وسيرته (صلى الله عليه وآله) (2) .

____________________

(1) أُسد الغابة: 5 / 139 / 4848.

(2) أنساب الأشراف: 6 / 135، الكامل في التاريخ: 2 / 647، أُسد الغابة: 2 / 49 / 1217.

٩٨

لَعَنه رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وقال: (ويل لأُمّتي ممّا في صُلب هذا) (1) ، وعندما تقلّد عثمان أمر الخلافة، أعاد عمّه وابن عمّه إلى المدينة، وبالغ في إكرامهما (2) ، وأغدق عليهما الأموال (3) ، وفسح المجال لمروان أن يتدخّل في شؤون الخلافة ; فأصبح كاتبه، بل منظّر حكومته حقّاً.

لا ريب أنّ ركون عثمان إلى مروان، وطاعته طاعةً مُطلقة كان لها دور مهمّ في قتله (4) ، وكان مروان غِرّاً لا حظّ له من آداب الإسلام في المُعاشرة ; لأنّه كان يعيش خارج المدينة منذ طفولته بوصفه طريدَ رسول الله (صلى الله عليه وآله).

وجُرح أثناء دفاعه عن عثمان (5) ، وضُرب على قفاه فقُطع أحد علباويه، فعاش بعد ذلك أوقص (6) ، وكان يُلقّب (خيط باطل) لدقّة عُنقه (7) ، ثمّ فرّ بعد مقتل عثمان إلى مكّة، ولحق بالمتمرّدين، أيّ أصحاب الجمل (8) .

____________________

(1) أُسد الغابة: 2 / 49 / 1217 وج 5 / 139 / 4848، الاستيعاب: 3 / 444 / 2399، وفيهما: (ونظر إليه عليّ يوماً فقال: (ويلك، وويل أُمّة محمّد منك ومِن بنيك) ).

(2) تاريخ اليعقوبي: 2 / 164 وص 166، مُروج الذهب: 2 / 343، الكامل في التاريخ: 2 / 647، البداية والنهاية: 8 / 257.

(3) أنساب الأشراف: 6 / 133 وص 136، الطبقات الكُبرى: 5 / 36، تاريخ الإسلام للذهبي: 3 / 430 و432، الإمامة والسياسة: 1 / 50.

(4) تاريخ الطبري: 4 / 362 و363، تاريخ اليعقوبي: 2 / 173.

(5) الطبقات الكُبرى: 5 / 37، الاستيعاب: 3 / 444 / 2399.

(6) الوَقْص: قصر في العنق كأنّه ردّ في جوف الصدر (المحيط في اللغة: 5 / 467).

(7) أُسد الغابة: 5 / 140 / 4848، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 230، تاريخ المدينة: 4 / 1282، البداية والنهاية: 8 / 260.

(8) الإمامة والسياسة: 1 / 73، الطبقات الكُبرى: 5 / 38.

٩٩

وكان على الميمنة في حرب الجمل (1) ، وله فيها دور ماكر، وقَتل في مَعْمعتها طلحةَ ; لأنّه كان يحسبهُ قاتلَ عثمان (2) ، وجُرح في الحرب (3) ، بيد أنّ الإمام (عليه السلام) عفا عنه (4) ، ثُمّ التحق بمعاوية (5) ، واشترك معه في حرب صفّين (6) .

تولّى حُكم المدينة سنة 42 هـ (7) ، وهو الذي حال دون دفن الإمام الحسن (عليه السلام) عند جدّه المصطفى (صلى الله عليه وآله) (8) .

تأمّر مروان على المسلمين بعد يزيد بن معاوية، لكنّه لم يحكم أكثر من تسعة أو عشرة أشهر (9) ، فتحقّق فيه كلام الإمام أمير المؤمنين صلوات الله عليه؛ إذ كان قد شبّه قِصَرَ إمارته بـ (لَعْقَة الكَلْبِ أنفَه) (10) ، ثُمّ تسلّط أبناؤه من بعده، فتأسّس الكيان المرواني الذي كان له دور خبيث سيّئ في تشويه المعارف الإسلاميّة

____________________

(1) راجع: هويّة رؤساء الناكثين / مروان بن الحَكم.

(2) الطبقات الكُبرى: 3 / 223، تاريخ المدينة: 4 / 1170، الاستيعاب: 2 / 319 / 1289، تاريخ الطبري: 4 / 509.

(3) الطبقات الكبرى: 5 / 38، البداية والنهاية: 7 / 244.

(4) نهج البلاغة: صدر الخطبة 73، الطبقات الكُبرى: 5 / 38، أنساب الأشراف: 3 / 57 و58، مُروج الذهب: 2 / 378.

(5) أنساب الأشراف: 3 / 58.

(6) الإصابة: 6 / 204 / 8337.

(7) الطبقات الكبرى: 5 / 38، تاريخ الطبري: 5 / 172، الكامل في التاريخ: 2 / 455، تاريخ الإسلام للذهبي: 4 / 8، تاريخ خليفة بن خيّاط: 153، وفيهما: (سنة إحدى وأربعين).

(8) تاريخ المدينة: 1 / 110، البداية والنهاية: 8 / 44، تاريخ اليعقوبي: 2 / 225.

(9) تاريخ الطبري: 5 / 611، تاريخ الإسلام للذهبي: 5 / 233، الاستيعاب: 3 / 445 / 2399، أُسد الغابة: 5 / 140 / 4848، الإصابة: 6 / 204 / 8337، وفيه: (قَدَر نِصف سَنة).

(10) نهج البلاغة: الخطبة 73.

١٠٠