• البداية
  • السابق
  • 350 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 18981 / تحميل: 6307
الحجم الحجم الحجم
الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى)

الصحيح من سيرة الإمام عليّ (عليه السلام) (المرتضى من سيرة المرتضى) الجزء 9

مؤلف:
العربية

[والله ما كانت بيعة أبي بكر فلتة، ولقد أقامه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مقامه، واختاره لدينهم على غيره، وقال: (يأبى الله والمؤمنون إلا أبا بكر)، فهل منكم أحد تقطع إليه الأعناق كما تقطع إلى أبي بكر؟ فمن بايع رجلاً عن غير مشورة من المسلمين، فإنه لا بيعة له، وإنه كان من خيرنا حين توفي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

وإن الأنصار خالفونا، واجتمعوا بأشرافهم في سقيفة بني ساعدة، وتخلف عنا علي بن أبي طالب والزبير بن العوام، ومن معهما.

واجتمع المهاجرون إلى أبي بكر، فقلت لأبي بكر: انطلق بنا إلى إخواننا هؤلاء من الأنصار، فانطلقنا نؤمهم حتى لَقِيَنا منهم رجلان صالحان: عويم بن ساعدة، ومعن بن عدي(1) .

إلى أن قال:

فذكرا لنا ما تمالأ عليه القوم، وقالا: أين تريدون يا معشر المهاجرين؟!

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج12 ص311. وراجع: بحار الأنوار ج28 ص338 ومسند أحمد ج1 ص55 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص23 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص446 وتاريخ مدينة دمشق ج30 ص281 والبداية والنهاية ج5 ص266 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص142 والكامل في التاريخ ج2 ص327 والثقات لابن حبان ج2 ص153 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص308 و 311 و 315 وصحيح ابن حبان ج2 ص148 و 155 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص487. وراجع: عمدة القاري ج24 ص7 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1073.

١٢١

قلنا: نريد إخواننا هؤلاء من الأنصار.

قالا: فلا عليكم أن لا تقربوهم يا معشر المهاجرين، اقضوا أمركم.

قال: قلت: والله لنأتينهم، فانطلقنا حتى أتيناهم في سقيفة بني ساعدة، فإذا بين ظهرانيهم رجل مزمل، فقلت: من هذا؟

فقالوا: سعد بن عبادة.

فقلت: ما له؟

فقالوا: وجع.

فلما جلسنا تَشَهَّدَ خطيبهم، فأثنى على الله بما هو أهله، ثم قال:

أما بعد.. فنحن الأنصار، وكتيبة الإسلام، وأنتم يا معشر المهاجرين رهط نبينا، وقد دفت إلينا دافة من قومكم.

قال: وإذا هم يريدون أن يختزلونا من أصلنا، ويغصبونا الأمر، فلما سكت أردت أن أتكلم، وقد زورت في نفسي مقالة قد أعجبتني، أريد أن أقدمها بين يدي أبي بكر، وكنت أداري منه بعض الجد.

فقال أبو بكر: على رسلك يا عمر، فكرهت أن أعصيه، فتكلم.

وكان هو أعلم مني، وأوقر، فوالله ما ترك من كلمة أعجبتني كنت زورتها في نفسي إلا قالها في بديهته، أو مثلها، أو أفضل منها، حتى سكت(1) .

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج12 ص312 وراجع: شرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص24 والكـامـل في التاريـخ ج2 ص327 وخلاصـة عبقات الأنـوار ج3 = = ص305 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1073.

١٢٢

إلى أن قال:

فتشهد أبو بكر، وأنصت القوم، ثم قال: بعث الله محمداً بالهدى، ودين الله حق، فدعا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى الإسلام، فأخذ الله بقلوبنا ونواصينا، إلى ما دعانا إليه، فكنا معشر المهاجرين أول الناس إسلاماً، ونحن عشيرته، وأقاربه، وذوو رحمه، فنحن أهل النبوة، وأهل الخلافة، وأوسط الناس أنساباً في العرب، ولدتنا كلها، فليس منا قبيلة إلا لقريش فيها ولادة، ولن تعترف العرب ولا تصلح إلا على رجل من قريش.

هم أصبح الناس وجوهاً، وأبسطهم لساناً، وأفضلهم قولاً، فالناس لقريش تبع، فنحن الأمراء وأنتم الوزراء، وهذا الأمر بيننا وبينكم قسمة إلا بثلمة.

وأنتم يا معشر الأنصار إخواننا في كتاب الله، وشركاؤنا في الدين، وأحب الناس إلينا، وأنتم الذين آووا ونصروا، وأنتم أحق الناس بالرضا بقضاء الله، والتسليم لفضيلة ما أعطى الله إخوانكم من المهاجرين، وأحق الناس ألا تحسدوهم على خير آتاهم الله إياه.

وأما ما ذكرتم فيكم من خير، فأنتم له أهل، ولن تعرف العرب هذا الأمر، إلا لهذا الحي من قريش هم أوسط العرب نسباً وداراً.

وقد رضيت لكم أحد هذين الرجلين، فبايعوا أيهما شئتم، وأخذ بيدي

١٢٣

وبيد أبي عبيدة بن الجراح، وهو جالس بيننا(1) .

إلى أن قال:

فقال عمر وأبو عبيدة: ما ينبغي لأحد بعد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) أن يكون فوقك يا أبا بكر، أنت صاحب الغار مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، وثاني اثنين، وأمرك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) حين اشتكى، فصليت بالناس، فأنت أحق بهذا الأمر.

قالت الأنصار: والله ما نحسدكم على خير ساقه الله إليكم، وما خلق الله قوماً أحب إلينا، ولا أعز علينا منكم، ولا أرضى عندنا هدياً منكم، ولكنا نشفق بعد اليوم، فلو جعلتم اليوم رجلاً منكم، فإذا مات أخذتم رجلاً من الأنصار فجعلناه، فإذا مات أخذنا رجلاً من المهاجرين فجعلناه، فكنا كذلك أبداً ما بقيت هذه الأمة، بايعناكم، ورضينا بذلك من أمركم، وكان ذلك أجدر أن يشفق القرشي، إن زاغ، أن ينقض عليه الأنصاري.

فقال عمر: لا ينبغي هذا الأمر، ولا يصلح إلا لرجل من قريش، ولن ترضى العرب إلا به، ولن تعرف العرب الإمارة إلا له، ولن يصلح إلا

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج12 ص312 و 313. وعن الرياض النضرة ج1 ص213 وبحار الأنوار ج28 ص343 والسقيفة وفدك للجوهري ص58 والسنن الكبرى للبيهقي ج6 ص165 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص7 والدرجات الرفيعة ص331 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص301 فما بعد

١٢٤

عليه، والله لا يخالفنا أحد إلا قتلناه(1) .

وعند الإمام أحمد: قال قائل من الأنصار: أنا جذيلها المحكك، وعذيقها المرجب، منا أمير، ومنكم أمير يا معشر قريش.

قال: فكثر اللغط، وارتفعت الأصوات، حتى خشينا الإختلاف، فقلت: ابسط يدك يا أبا بكر، فبسط يده فبايعته، وبايعه المهاجرون، ثم بايعه الأنصار(2) .

وعند ابن عقبة: فكثر القول حتى كادت الحرب تقع بينهم، وأوعد بعضهم بعضاً، ثم تراضى المسلمون، وعصم الله لهم دينهم، فرجعوا وعصوا الشيطان.

ووثب عمر فأخذ بيد أبي بكر، وقام أسيد بن حضير الأشهلي، وبشير بن سعد أبو النعمان بن بشير يستبقان ليبايعا أبا بكر، فسبقهما عمر فبايع، ثم

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج12 ص313 وراجع: الإمامة والسياسة ( تحقيق الزيني) ج1 ص14 و (تحقيق الشيري) ج1 ص23.

2- مسند أحمد ج1 ص56 وصحيح البخاري ج8 ص27 وعمدة القاري ج24 ص8 وصحيح ابن حبان ج2 ص150 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص24 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص616 وتاريخ مدينة دمشق ج30 ص283 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص446 والكامل في التاريخ ج2 ص327 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص7 وخلاصة عبقات الأنوار ج3 ص303 و 306

١٢٥

بايعا معاً(1) .

وعند ابن إسحاق في بعض الروايات، وابن سعد: أن بشير بن سعد سبق عمر(2) .

إلى أن قال:

ووثب أهل السقيفة يبتدرون البيعة، وسعد بن عبادة مضطجع يوعك، فازدحم الناس على أبي بكر، فقال رجل من الأنصار: اتقوا سعداً، لا تطأوه، فتقتلوه.

فقال عمر، وهو مغضب: قتل الله سعداً، فإنه صاحب فتنة.

فلما فرغ أبو بكر من البيعة رجع إلى المسجد، فقعد على المنبر، فبايعه الناس حتى أمسى، وشغلوا عن دفن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(3) .

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج12 ص313 وراجع: شرح أصول الكافي ج12 ص488.

2- سبل الهدى والرشاد ج12 ص313 وراجع: الكافي ج8 ص343 وشرح أصول الكافي ج12 ص488 والإحتجاج ج1 ص106 وبحار الأنوار ج28 ص262 و 325 و 326 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص10 و 18 والكامل في التاريخ ج2 ص330 وكنز العمال ج5 ص606 والطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص182 وتاريخ مدينة دمشق ج10 ص292 وج30 ص275.

3- سبل الهدى والرشاد ج12 ص314 والعبر وديوان المبتدأ والخبر ج2 ق2 ص64 وفتح الباري ج7 ص25 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص459 وعمدة القاري ج16 ص186 وبحار الأنوار ج28 ص336 و السيرة الحلبية ج3 ص482.

١٢٦

إلى أن قال:

روى ابن إسحاق، والبخاري، عن أنس بن مالك قال: لما بويع أبو بكر في السقيفة، وكان الغد جلس أبو بكر، فقام عمر فتكلم، وأبو بكر صامت لا يتكلم، فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال:..

إلى أن قال:

..وإن الله قد جمع أمركم على خيركم، صاحب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ثاني اثنين إذ هما في الغار، فقوموا فبايعوه، فبايع الناس أبا بكر بيعة العامة بعد بيعة السقيفة، ثم تكلم أبو بكر فحمد الله، وأثنى عليه بالذي هو أهله(1) .

وفي رواية البلاذري، عن الزهري أنه قال:

الحمد لله، أحمده وأستعينه على الأمر كله، علانيته وسره، ونعوذ بالله من شر ما يأتي بالليل والنهار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أرسله بالحق بشيراً ونذيراً، قدام الساعة، فمن

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج12 ص314. وراجع: تاريخ الأمم والملوك ج2 ص450 والبداية والنهاية ج5 ص269 وج6 ص332 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1075 وتخريج الأحاديث والآثار ج2 ص406 وكنز العمال ج5 ص601 والثقات لابن حبان ج2 ص157 والصوارم المهرقة ص63 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص493 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص483.

١٢٧

أطاعه رشد، ومن عصاه هلك، انتهى(1) .

ثم قال: أما بعد أيها الناس، فإني قد وليت عليكم ولست بخيركم. وقد كانت بيعتي فلتة، وذلك أني خشيت الفتنة، وأيم الله ما حرصت عليها يوماً قط، ولا طلبتها، ولا سألت الله تعالى إياها سراً ولا علانية، وما لي فيها من راحة(2) .

وقال: (واعلموا أن لي شيطاناً يعتريني، فإذا رأيتموني غضبت فاجتنبوني، لا أوثِّر في أشعاركم وأبشاركم)(3) .

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج12 ص314 والثقات لابن حبان ج2 ص159.

2- سبل الهدى والرشاد ج12 ص314 والعثمانية للجاحظ ص231.

3- راجع: الطبقات الكبرى لابن سعد ج3 ص212 والإمامة والسياسة (بتحقيق الزيني) ج1 ص22 و (بتحقيق الشيري) ج1 ص34 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص224 و (ط مؤسسة الأعلمي) ج2 ص460 وصفة الصفوة ج1 ص261 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج16 ص20 وج17 ص156 و 159 وكنز العمال ج5 ص589 وراجع: سبل الهدى والرشاد ج12 ص315. وراجع: الفصول المختارة للشريف المرتضى ص124 والإحتجاج للطبرسي ج2 ص152 ومناقب آل أبي طالب ج3 ص430 وبحار الأنوار ج10 ص439 وج49 ص280 وج90 ص45 والغدير ج7 ص118 وراجع: تخريج الأحاديث والآثار ج1 ص481 و 482 وتمهيد الأوائل وتلخيص الدلائل للباقلاني ص476 و 493 والبداية والنهاية ج6 ص334 وتاريخ مدينة دمشق ج30 ص303 و 304.

١٢٨

وروى البلاذري والبيهقي ـ بإسناد صحيح ـ من طريقين، عن أبي سعيد: أن أبا بكر لما صعد المنبر نظر في وجوه القوم فلم ير الزبير، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فقال أبو بكر: قلت: ابن عمة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وحواريه، أردت أن تشق عصا المسلمين؟!

فقال: لا تثريب يا خليفة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ).

فقام فبايعه.

ثم نظر في وجوه القوم فلم ير علياً، فسأل عنه، فقام ناس من الأنصار فأتوا به، فجاء، فقال أبو بكر: قلت: ابن عم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وختنه على ابنته، أردت أن تشق عصا المسلمين؟!

قال: لا تثريب يا خليفة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، فبايعه(1) .

قال أبو الربيع: وذكر غير ابن عقبة: أن أبا بكر قام في الناس بعد مبايعتهم إياه، يقيلهم في بيعتهم، ويستقيلهم فيما تحمله من أمرهم، ويعيد ذلك عليهم، كل ذلك يقولون: والله لا نقيلك ولا نستقيلك، قدمك رسول

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج12 ص316 وراجع: تاريخ مدينة دمشق ج30 ص277 والبداية والنهاية ج5 ص269 وج6 ص333 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص494 والمستدرك للحاكم ج3 ص76 والسنن الكبرى للبيهقي ج8 ص143 وكنز العمال ج5 ص613 وتاريخ الإسلام للذهبي ج3 ص10 والسيرة الحلبية (ط دار المعرفة) ج3 ص485 والصوارم المهرقة ص61

١٢٩

الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) فمن ذا يؤخرك(1) .

قال العلامة الأميني: اكتفى عمر بن الخطاب بقوله: (من له هذه الثلاث؟:( ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا ) (2) .

وبقوله له: إن أولى الناس بأمر نبي الله ثاني اثنين إذ هما في الغار، وأبو بكر السباق المسن.

وبقوله يوم بيعة العامة: إن أبا بكر صاحب رسول الله. وثاني اثنين إذ هما في الغار(3) .

وقال سلمان للصحابة: أصبتم ذا السن منكم، ولكنكم أخطأتم أهل

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج12 ص317 وراجع: والإمامة والسياسة (بتحقيق الزيني) ج1 ص22 و (بتحقيق الشيري) ج1 ص33 والعثمانية للجاحظ ص235 وتاريخ مدينة دمشق ج64 ص345 وطبقات المحدثين بأصبهان لابن حبان ج3 ص576 وأضواء البيان للشنقيطي ج1 ص31 والغدير ج8 ص40.

2- الآية 40 من سورة التوبة.

3- السيرة النبوية لابن هشام ج4 ص311 والرياض النضرة ج2 ص203 و 206 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج6 ص38 والبداية والنهاية ج5 ص247 و 248 و (ط دار إحياء التراث العربي) ج5 ص267 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص490 والسيرة الحلبية ج2 ص359. وراجع: صحيح ابن حبان ج15 ص298 ومسند الشاميين ج4 ص156 وموارد الظمآن ج7 ص81.

١٣٠

بيت نبيكم(1) .

وقال عثمان: إن أبا بكر الصديق أحق الناس بها، إنه لصديق، وثاني اثنين، وصاحب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )(2) .

ونقول:

إن هذا العرض للأحداث غير سليم، بل هو مصنوع بعناية فائقة، وقد اخْتُزِلَ، وحُرِّفَ، وزادوا وتصرفوا فيه، حسبما رأوا أنه يخدم عقيدتهم، وميولهم، ونحن لا نريد استقصاء البحث فيه، بل نكتفي بوقفات يسيرة تكفي لإعطاء الإنطباع عما جرى، وعن بعض ما تضمنه عرضهم هذا لوقائع هذا الحدث من دس وتحريف وتزييف.. ونذكر من هذه الوقفات ما يلي:

توضيح بضع كلمات:

السقيفة: مكان مستطيل، مسقوف، يُستظل به.

وبنو ساعدة: بطن من الأنصار. وكانت السقيفة لهم وفي محلتهم.

___________

1- الغدير ج7 ص92 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج2 ص49 وج6 ص43 وبحار الأنوار ج28 ص314 والسقيفة وفدك للجوهري ص46 و 69 والشافي في الإمامة للشريف المرتضى ج3 ص225.

2- كنز العمال ج5 ص653 والغدير ج7 ص92 وحديث خيثمة ص134 وتاريخ مدينة دمشق ج30 ص276.

١٣١

جذيلها: تصغير جذل، عود ينصب للإبل الجربى، تحتك به، فتشفى.. والتصغير هنا للتعظيم. أي أنا من يستشفى برأيه:

والمحكك: الذي كثر به الحك حتى صار أملساً.

عذيق: تصغير عذق ـ بفتح العين ـ للتعظيم. وهو هنا النخلة. وأما بالكسر فهو العرجون.

المرجب: من الرجبة ـ بضم الراء وسكون الجيم ـ الذي يحاط به النخلة الكريمة مخافة أن تسقط. وإما من رجبت الشيء أرجبه رجباً. عظمته. وقد شدد مبالغة فيه(1) .. والحديث عن بعض ما تضمنته المقدمة نكله إلى فصل مستقل هو الفصل التالي:

____________

1- راجع: سبل الهدى والرشاد ج12 ص319.

١٣٢

الفصل السابع:

السقيفة.. تحت المجهر..

١٣٣

١٣٤

عمر ينكر موت الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله ):

وفور انتقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى الرفيق الأعلى، بادر عمر بن الخطاب إلى إنكار موته (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) وقال: ما مات رسول الله، ولا يموت، حتى يظهر دينه على الدين كله. وليرجعن وليقطعن أيدي رجال وأرجلهم ممن أرجف بموته. لا أسمع رجلاً يقول: مات رسول الله إلا ضربته بسيفي.

واستمر على هذا الحال يحلف للناس على صحة ما يقول حتى ازبد شدقاه، إلى أن جاء أبو بكر من السنح، وهو موضع يبعد عن المسجد ميلاً واحداً، فكشف عن وجه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، ثم خرج فقال لعمر الذي ما زال يحلف: أيها الحالف على رسلك.. وأمره ثلاث مرات بالجلوس، فلم يفعل.

ثم قام خطيباً في ناحية أخرى، فترك الناس عمر وتوجهوا إلى أبي بكر، فقال: من كان يعبد محمداً، فإن محمداً قد مات، ومن كان يعبد الله فإن الله حي لا يموت، ثم تلا قوله تعالى:( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) (1) .

____________

1- الآية 144 من سورة آل عمران.

١٣٥

وأظهر عمر أنه سلم وصدق، قائلاً: كأني لم أسمع هذه الآية(1) .

وروى ابن إسحاق والبخاري عن أنس قال: لما بويع أبو بكر في السقيفة، وكان الغد جلس أبو بكر فقام عمر فتكلم، وأبو بكر صامت.

فقال: أيها الناس، إني كنت قلت لكم بالأمس مقالة ما كانت إلا عن رأيي، وما وجدتها في كتاب الله، ولا كانت عهداً عهده إلي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ). ولكن كنت أرجو أن يعيش رسول الله فيدبرنا، ويكون آخرنا موتاً، وإن الله أبقى فيكم كتابه الذي به هدى الله ورسوله، فإن

____________

1- راجع: كنز العمال (ط الهند) ج3 ص3 و 129 وج4 ص53 و (ط مؤسسة الرسالة) ج7 ص244 وعن البخاري ج4 ص152 وعن شرح المواهب للزرقاني ج8 ص280 وذكرى حافظ للدمياطي ص36 وتاريخ الأمم والملوك ج3 ص201 وعن الكامل في التاريخ ج2 ص324 وعن السيرة النبوية لدحلان (بهامش الحلبية) ج3 ص371 ـ 374 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج1 ص178 وج2 ص40 والإحكام لابن حزم ج4 ص581 والطرائف لابن طاووس ص452 وتاريخ اليعقوبي ج2 ص114 والمعجم الكبير ج7 ص57 والبداية والنهاية ج5 ص242 وتاريخ أبي الفداء ج1 ص156 والمواهب اللدنية ج4 ص544 و 546 وروضة المناظر لابن شحنة (مطبوع بهامش الكامل) ج7 ص64 وإحياء العلوم ج4 ص433. وراجع: إحقاق الحق (الأصل) ص238 و 287 وكتاب الأربعين للشيرازي ص547

١٣٦

اعتصمتم هداكم الله كما هداكم به(1) .

ونقول:

1 ـ لماذا في السنح؟!:

السنح مكان يبعد عن المسجد بمقدار ميل واحد(2) .

وقيل: هو عالية من عوالي المدينة(3) .

وأدنى العوالي كما يقول ياقوت الحموي: يبعد عن المدينة أربعة أميال أو ثلاثة(4) .

____________

1- سبل الهدى والرشاد ج12 ص315. وراجع: الفصول المختارة للشريف المرتضى ص243 وبحار الأنوار ج30 ص592 وتخريج الأحاديث والآثار للزيلعي ج2 ص406 وكنز العمال ج5 ص600 والثقات لابن حبان ج2 ص156 وتاريخ الأمم والملوك ج2 ص450 والبداية والنهاية لابن كثير ج5 ص268 وج6 ص332 والسيرة النبوية لابن هشام ج4 ص1074 والسيرة النبوية لابن كثير ج4 ص492.

2- سبل الهدى والرشاد ج12 ص246 و 302 وراجع: زهر الربى على المجتبى ج1 ص253 و 254 وعون المعبود ج2 ص77 وشرح مسلم للنووي ج5 ص122 وإرشاد الساري ج1 ص493.

3- سبل الهدى والرشاد ج12 ص246 ووفاء الوفاء ج 4 ص1261.

4- راجع: معجم البلدان ج4 ص166 وسبل الهدى والرشاد ج4 ص260 وعون = = المعبود ج3 ص268 وراجع: السنن الكبرى للبيهقي ج1 ص440 وعمدة القاري ج5 ص37 وج21 ص161 وصحيح البخاري ج4 ص170 وج8 ص153 وفتح الباري ج2 ص23 ووفاء الوفاء ج ص1261 وتغليق التعليق ج5 ص323 وتاريخ مدينة دمشق ج15 ص70 وج43 ص201.

١٣٧

فقولهم: إن منزل أبي بكر يبعد عن مسجد المدينة ميلاً واحداً لا يصح، إلا إن كان مرادهم مسجد قباء لا مسجد النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )..

والمفروض ـ حسب زعمهم ـ: أن أبا بكر حريص على رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) إلى حد دفعه حرصه إلى التمرد عليه، والإمتناع عن امتثال أمره بالكون في جيش أسامة.. رغم أن رسول الله لعن من تخلف عن ذلك الجيش!! فلماذا تركه إذن وذهب إلى السنح؟!

وثمة سؤال آخر، وهو: لماذا أسكن أبو بكر زوجته في ذلك المكان البعيد؟!

هل لأن أبا بكر كان يحب الخلوة، والإبتعاد عن الضوضاء؟!

أم لأنه كان يحتاج إلى هذه الخلوة لتمشية بعض الأمور التي تحتاج إلى ذلك؟!

أم ماذا؟!

2 ـ معلومات عمرية:

1 ـ ثم إننا لا ندري من أين علم عمر بحرمة أن يقول القائل: إن النبي

١٣٨

(صلى‌الله‌عليه‌وآله ) مات، وأنه يستحق العقوبة بذلك؟!

2 ـ وكيف يحرم أن يقال: مات، ولا يحرم أن يقال: يهجر؟! وهل سيبقى يهجر بعد رجوعه أو أنه سيعود إلى رشده؟!

3 ـ من الذي أخبر عمر: أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سيرجع؟!

4 ـ من أين سيرجع، أمن سفر، أم من موت، أم من إغماء؟!

وزعمت بعض النصوص: أنه غيبته كغيبة موسى بن عمران؟!

5 ـ من أين علم أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) لم يمت؟!

6 ـ من أين علم عمر أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سيموت، بعد أن يظهر دينه على الدين كله؟! وما معنى هذا التعبير؟!.

7 ـ هل كفَّر عمر عن أيمانه التي كان يطلقها ليقنع الناس بصحة ما يقول، ثم ظهر عدم صحة شيء من تلك الأقوال؟!

3 ـ صلاحيات عمر:

1 ـ إذا كان النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) سيرجع، ويعاقب من أرجف بموته، بقطع أيديهم وأرجلهم، فلماذا يتهددهم بضربهم عمر بسيفه؟!

2 ـ من الذي خول عمر معاقبة الناس على مخالفاتهم؟

4 ـ لماذا فعل عمر ذلك؟!:

ومن الواضح: أن ما فعله عمر لم يكن له أي أثر سوى إضاعة الوقت، وتأخير إعلان موت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) والحؤول دون انتشار خبر موته، والمنع من المبادرة إلى أي إجراء إلى حين مجيء أبي بكر من السنح..

١٣٩

وهكذا كان..

5 ـ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ:

وحين أنكر عمر موت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله ) قرأ عمرو بن زائدة على عمر وعلى الصحابة قوله تعالى:( أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) . وقرأ عليه أيضاً قوله تعالى:( إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ) (1) .

ولكن عمر بقي مصراً على موقفه إلى أن جاء أبو بكر، وقرأ الآية الأولى، فتراجع عمر فوراً، فلماذا أصر أولاً، ثم تراجع ثانياً، مع أن الآية المذكورة قرأت عليه في الموردين؟!

ثانياً: إن آية( انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ ) (2) لا تحدد وقتاً لموت النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، لا بعد ظهور دينه، ولا قبله.

ثالثاً: قول عمر في رزية يوم الخميس، حسبنا كتاب الله، ومنعه النبي من كتابة أي شيء، يستبطن الإعتراف بموت النبي وبقاء عمر، والناس بعده.. فلماذا أنكر موته الآن؟!

الشيخان إلى السقيفة:

وقد ذكر العلامة المظفر (رحمه‌الله ): أنه بعد أن اجتمع الرجلان: أبو بكر وعمر، وانتهت مهزلة إنكار موت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله )، لم

____________

1- الآية 30 من سورة الزمر.

2- الآية 144 من سورة آل عمران.

١٤٠