الزيارة في الكتاب والسنة

الزيارة في الكتاب والسنة0%

الزيارة في الكتاب والسنة مؤلف:
تصنيف: مفاهيم عقائدية
الصفحات: 87

الزيارة في الكتاب والسنة

مؤلف: الشيخ جعفر السبحاني
تصنيف:

الصفحات: 87
المشاهدات: 22073
تحميل: 5872

توضيحات:

الزيارة في الكتاب والسنة
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 87 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 22073 / تحميل: 5872
الحجم الحجم الحجم
الزيارة في الكتاب والسنة

الزيارة في الكتاب والسنة

مؤلف:
العربية

والاولى تقديم الزيارة على الحج إذا اتّسع الوقت فإنّه ربما يعوقه عنه عائق...(1) .

45 - قال الشيخ محمد زاهد الكوثري: والاحاديث في زيارتهصلى‌الله‌عليه‌وآله في الغاية من الكثرة، وقد جمع طرقها الحافظ صلاح الدين العلائي في جزء، وعلى العمل بموجبها استمرت الاُمة إلى أن شذّ ابن تيمية عن جماعة المسلمين في ذلك، قال علي القارئ في شرح «الشفاء»: وقد أفرط ابن تيمية من الحنابلة حيث حرم السفر لزيارة النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله كما أفرط غيره حيث قال: كون الزيارة قربة معلوم من الدين بالضرورة، وجاحده محكوم عليه بالكفر، ولعل الثاني أقرب إلى الصواب لانّ تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفراً لانّه فوق تحريم المباح المتّفق عليه(2) .

46 - قال فقهاء المذاهب الاربعة المصريين في (الفقه على المذاهب الاربعة): زيارة قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أفضل المندوبات، وقد ورد فيها أحاديث. ثم ذكروا أحاديث ستة وجملة من أدب السرائر وزيارة النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وأُخرى للشيخين(3) .

74 - قال الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز إجابة عن الاسئلة حول زيارة المسجد النبوي: الزيارة للمسجد النبوي سنّة وليست واجبة - إلى أن قال -: وإذا زار المسجد النبوي شرع له أن يصلي في الروضة

____________________

(1) الارشادات السنية: 260 - كما في الغدير 5: 123.

(2) الكوثري، تكملة السيف الصقيل: 156، ط دمشق.

(3) الفقه على المذاهب الاربعة 1: 590.

٤١

ركعتين ثم يسلّم على النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله وعلى صاحبيه أبي بكر وعمر (رضي الله عنهما)، كما يشرع له زيارة البقيع والشهداء بالسلام على المدفونين هناك من الصحابة وغيرهم، والدعاء لهم والترحّم عليهم، كما كان النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله يزورهم وكان يعلّم أصحابه إذا زاروا القبور أن يقولوا: السلام عليكم أهل الدار من المؤمنين والمسلمين، وإنّا إن شاء الله بكم لاحقون، نسأل الله لنا ولكم العافية. وفي رواية عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه كان يقول إذا زار البقيع: «يرحم الله المستقدمين منّا والمستأخرين، اللّهم اغفر لاهل بقيع الغرقد» ويشرع أيضاً لمن زار المسجد النبوي أن يزور مسجد قباء ويصلّي فيه ركعتين لانّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله كان يزوره كل سبت ويصلّي فيه ركعتين إلى آخر ما قال(1) .

وتمّت كلمة ربك صدقاً وعدلاً لا مبدِّل لكلماته

وهو السميع العليم

____________________

(1) جريدة الجزيرة المؤرخة: يوم الجمعة 24 ذو القعدة 1411، العدد 6826.

٤٢

(3) زيارة النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله في الكتاب العزيز

أمر القرآن الكريم المسلمين بالحضور عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ليستغفر لهم الله، لانّ دعاءه يستجاب فيهم، قال عزّ وجلّ:( ولو أنَّهم إذْ ظَلَمُوا أنفسَهُم جاءُوكَ فَاستغفَرُوا اللهَ واستغفَرَ لهُمُ الرَّسولُ لَوجَدوا اللهَ تَوّاباً رَحِيماً ) (النساء/64).

قال الامام السبكي: «دلّت الاية على الحث على المجيء إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله والاستغفار عنده واستغفاره لهم، وذلك وإن كان ورد في حال الحياة، فهي رتبة له لاتنقطع بموته تعظيماً له»(1) .

ثم إنّه بسط الكلام في دلالة الاية على شمولية المجيء إلى الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد موته، فمن أراد فليراجع إليه، غير أنّا نستدلّ بالاية

____________________

(1) الامام السبكي، شفاء السقام: 81.

٤٣

بوجه آخر ونقول:

لو كانت هذه الاية هي الوحيدة في هذا المجال، لذهبنا إلى القول بأنّها خاصّة بحياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ومدة تواجده بين الناس، ولكنّنا نستخلص منها حكماً عامّاً شاملاً لايختص بالحياة الدنيوية وذلك من خلال ما يلي:

أوّلاً:

إنّ القرآن الكريم يصرّح بحياة الانبياء والاولياء - وجماعات أُخرى - في البرزخ ويعتبرهم مبصرين وسامعين في ذلك العالم.

ثانياً:

إنّ الاحاديث الشريفة تصرّح بأنّ الملائكة تبلغ خاتم الانبياءصلى‌الله‌عليه‌وآله سلام من يسلّم عليه، فقد جاء في الصحاح:

«إنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: ما من أحد يسلّم عليَّ إلاّ ردّ الله عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام»(1) .

وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : «صلّوا عليّ فإنّ صلاتكم تبلغني حيث ما كنتم»(2) .

ثالثاً:

إنّ المسلمين - منذ ذلك اليوم - فهموا من هذه الاية معنى مطلقاً لاينتهي بموت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله حتى أنّ بعض الاعراب - بوحي من أذهانهم الخالصة من كل شائبة - كانوا يقصدون قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويزورونه ويتلون هذه الاية عند قبره المطهّر ويطلبون منه الاستغفار لهم.

وقد ذكر تقيّ الدين السبكي في كتاب «شفاء السقام»

____________________

(1) سنن أبي داود 1: 470و471، كتاب الحج، باب زيارة القبور.

(2) الشيخ منصور علي ناصف، التاج الجامع للاُصول في أحاديث الرسول 2: 189.

٤٤

والسمهودي في كتاب «وفاء الوفا» نماذج من زيارة المسلمين لقبر رسول الله وتلاوة هذه الاية عند قبره الشريف، وفيما يلي نذكر بعض تلك النماذج:

روى سفيان بن عنبر عن العتبي - وكلاهما من مشايخ الشافعي وأساتذته - أنّه قال: كنت جالساً عند قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فجاء أعرابيّ فقال:

«السلام عليك يا رسول الله، سمعت الله يقول:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُ‌وا اللَّـهَ وَاسْتَغْفَرَ‌ لَهُمُ الرَّ‌سُولُ لَوَجَدُوا اللَّـهَ تَوَّابًا رَّ‌حِيمًا ) وقد جئتك مستغفراً من ذنبي، مستشفعاً بك إلى ربّي». ثم بكى وأنشأ يقول:

يا خيرَ من دفنت في القاع أعظمه

فطاب من طيبهنّ القاعُ والاكم

نفسي الفداء لقبر أنت ساكنه

فيه العفاف وفيه الجود والكرم

ثم استغفر وانصرف(1) .

ويروي أبو سعيد السمعاني عن الامام عليّ بن أبي طالبعليه‌السلام انّ أعرابياً جاء بعد ثلاثة أيام من دفن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله فرمى بنفسه على القبر الشريف وحثا من ترابه على رأسه وقال: «يارسول الله قلتَ فسمعنا قولك، ووعيت عن الله ما وعينا عنك، وكان فيما أنزله عليك:( وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ ) وقد ظلمت نفسي وجئتك تستغفر لي إلى

____________________

(1) وفاء الوفا 4: 1361 - أحمد زيني دحلان، الدرر السنيّة: 21.

٤٥

ربّي(1) .

إنّ كل هذا يدل على أنّ المنزلة الرفيعة التي منحها الله تعالى لحبيبه المصطفىصلى‌الله‌عليه‌وآله كما صرّحت بها هذه الاية ليست خاصّة بحياته، بل تؤكّد على أنّها ثابتة له بعد وفاته أيضاً.

وبصورة عامّة... يَعتبر المسلمون كلّ الايات النازلة في تعظيم رسول الله واحترامه، عامّة لحياته وبعد مماته، وليس هناك من يُخصِّصها بحياتهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

وقد جاء فى التاريخ: لمّا استُشهد الامام الحسن بن عليّعليهما‌السلام وجيء بجثمانه الطاهر إلى مسجد رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ظنّ بنو أُمية أنّ بني هاشم يريدون دفن الامام بجوار قبر جدّه المصطفى فأثاروا الفتنة والضجّة للحيلولة دون ذلك، فتلا الامام الحسينعليه‌السلام قوله تعالى:( يا أيُّها الَّذينَ آمَنُوا لا تَرفَعُوا أصواتَكُمْ فَوقَ صَوتِ النَّبِيِّ ) (الحجرات/2).

ولم يردَّ عليه أحد - حتى من الامويين - بأن هذه الاية خاصة بحياة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

واليوم نصب المسلمون هذه الاية على الجدار المقابل لقبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهم يقصدون بذلك المنع من رفع الاصوات هناك.

ومن هذا المنطلق يمكننا أن نستنتج من الاية معنىً واسعاً عامّاً، وهو أنّ للمسلمين اليوم أن يَقِفوا أمام قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ويسألوه أن يستغفر الله لهم.

____________________

(1) ابن حجر، الجوهر المنظم، وذكره السمهودي في وفاء الوفا 2: 612، وزيني دحلان في الدرر السنية: 21.

٤٦

وليس لزيارة رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله معنى سوى ما تضمّنته هذه الاية وأمثالها، فانها تدلّ على موضوعين هما:

1 - إنّ للانسان أن يقف عند قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بعد وفاته ويسأله أن يستغفر الله له.

2 - إنّ هذه الاية تشهد على جواز زيارة قبر رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله لانّ حقيقة الزيارة لا تعني سوى «حضور الزائر عند المزور» فإذا كان الوقوف عند قبر النبي وسؤاله أن يستغفر الله له جائزاً فقد تحقق أمران:

أ - سألناه أن يستغفر الله لنا.

ب - حضرنا عنده وتحدّثنا إليه، والزيارة ليست إلاّ هذا.

٤٧

(4) زيارة النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله في السنّة النبوية

تضافرت السنّة على استحباب زيارة قبر النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله حيث رواها أئمة المذاهب الاربعة وأصحاب السنن والمسانيد في كتبهم. ولمّا ظهرت بدعة التشكيك في زيارة النبيّ الاكرم قام الامام تقي الدين السبكي (م/547هـ) بجمع ما رواه الحفّاظ في هذا المجال فبلغت خمسة عشر حديثاً، وقد صحّح كثيراً من أسانيدها بما كان له من اطّلاع واسع في مجال رجال الحديث(1) .

وممّن قام بنفس العمل الحافظ نور الدين علي بن أحمد السمهودي في كتابه «وفاء الوفا باخبار دار المصطفى» (م/911هـ) حيث أحصى سبعة عشر حديثاً غير ما ورد في ذلك المجال، ولم يشتمل على

____________________

(1) السبكي، شفاء السقام في زيارة خير الانام، الباب الاول 5 - 39.

٤٨

لفظ «الزيارة»(1) .

وقد قام بنفس ما قام به الامام السبكي من تصحيح للاسناد وذِكر لمصادر الروايات على وجه بديع.

من جهة أُخرى قام الكاتب الاسلامي الشيخ محمد الفقي، من علماء الازهر الشريف، بجمع ما ورد في زيارة النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله من غير تحقيق للاسناد بل مجرد النقل فبلغ اثنين وعشرين حديثاً(2) .

وبذل المجاهد الكبير الشيخ الاميني جهداً كبيراً في العثور على مظانّ الروايات في كتب الحديث والتفسير والتاريخ، وربما نقل بعض الاحاديث، كالحديث الاول، عن واحد وأربعين مصدراً.

والاحاديث التي سنسردها على صفحات هذه الرسالة من الكثرة ما يغنينا عن التحقيق في أسانيدها ورواتها حيث سجّلها الحفّاظ في كتبهم وصحاحهم، وهي بمجموعها كافية للحكم باستحبابها، ولاجل ذلك سنكتفي بذكر متون الاحاديث مجرّدة عن الاسناد وما دار حول رواتها من كلام للرجاليين، تاركين كل ذلك إلى كتاب شفاء السقام للامام السبكي وسنذكر بعض المصادر لكل حديث دون الاستيعاب لجميعها.

الحديث الاول:

روى الدار قطني في سننه بسنده إلى ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زار قبري وجبت له شفاعتي»(3) .

____________________

(1) السمهودي، وفاء الوفا 4: 1336 - 1348، الباب الثاني.

(2) الفقي، التوسل والزيارة في الشريعة الاسلامية: 48 - 50.

(3) الدار قطني، السنن 2: 278، باب المواقيت، الحديث 194، ط دار المحاسن، القاهرة.

٤٩

ورواه البيهقي أيضاً في سننه(1)، والماوردي: في الاحكام السلطانية(2) .

إلى غير ذلك من الحفّاظ الذين نقلوه في كتبهم(3) .

الحديث الثاني:

روى الطبراني في المعجم الكبير(4)، والغزالي في إحياء العلوم(5)، عن عبد الله بن عمر مرفوعاً عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من جاءني زائراً لا تَحمِلُه حاجة إلاّ زيارتي كان حقّاً عليّ أن أكون له شفيعاً يوم القيامة».

الحديث الثالث:

أخرج الدار قطني عن عبد الله بن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حجَّ فزار قبري بعد وفاتي، فكأنّما زارني في حياتي»(6) .

وأخرجه الحافظ أبو بكر البيهقي في سننه(7) ورواه الامام السبكي في شفاء السقام(8) والسمهودي في وفاء الوفا(9) .

____________________

(1) البيهقي، السنن 5: 245.

(2) أبو الحسن الماوردي، الاحكام السلطانية: 105.

(3) أخرجه العلاّمة الاميني عن واحد وأربعين مصدراً حديثياً وفقهياً - أُنظر: الغدير 5: 93 - 96.

(4) الطبراني، المعجم الكبير.

(5) الغزالي، إحياء العلوم 1: 306، وفيه «لايهمّه إلاّ زيارتي» مكان قوله: «لاتحمله» - وقد نقله الامام السبكي، في شفاء السقام: 16 - والسمهودي، في وفاء الوفا 4: 1340 - ونقله العلاّمة الاميني عن ستة عشر مصدراً حديثياً وفقهياً في الغدير 5: 97و98.

(6) الدار قطني، السنن 7: 278، باب المواقيت، الحديث 192.

(7) البيهقي، السنن 5: 246.

(8) السبكي، شفاء السقام: 21.

(9) السمهودي، وفاء الوفا 4: 1340 - ورواه العلاّمة الاميني عن خمسة وعشرين مصدراً في الغدير 5: 98 - 100.

٥٠

الحديث الرابع:

أخرج الدار قطني عن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني بعد موتي، فكأنّما زارني في حياتي، ومن مات بأحد الحرمين بُعث من الامنين يوم القيامة»(1) .

الحديث الخامس:

أخرج البيهقي في سننه قال:

روى ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زار قبري (أو من زارني) كنت له شفيعاً (أو شهيداً) »(2) .

الحديث السادس:

أخرج الحافظ ابن عدي (م/653هـ) في كتابه الكامل عن عبد الله بن عمر أنّه قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حجّ البيت ولم يزرني فقد جفاني»(3) .

الحديث السابع:

روي عن أنس بن مالك أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شفيعاً وشهيداً»(4) .

الحديث الثامن:

روى أنس بن مالك أنّه قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني ميتاً فكأنّما زارني حيّاً، ومن زار قبري وجبت له شفاعتي يوم

____________________

(1) الدار قطني، السنن 2: 278، باب المواقيت، الحديث 193 - ورواه الامام السبكي في شفاء السقام: 233 - والسمهودي، في وفاء الوفا 4: 1344 - ونقله العلاّمة الاميني في الغدير 5: 101، عن ثلاثة عشر مصدراً حديثياً.

(2) البيهقي، السنن الكبرى 5: 245 - ورواه الامام السبكي، في شفاء السقام: 29 - والسمهودي، في وفاء الوفا 4: 1342. وقال: أخرجه الدار قطني في السنن.

(3) الامام السبكي، شفاء السقام: 27 - ونقله السمهودي، في وفاء الوفا 4: 1342 - وقد ذكر اسناد ابن عدي إلى ابن عمر، ونقله العلاّمة الاميني عن مصادر تسعة في الغدير 5: 100.

(4) رواه الامام السبكي في شفاء السقام بسنده إلى أنس بن مالك: 35 - كما رواه السمهودي في وفاء الوفا عن ابن أبي الدنيا بسنده إلى أنس 4: 1345 - ورواه العلامة الاميني عن واحد وعشرين مصدراً، الغدير 5: 102و103.

٥١

القيامة، وما من أحد من أُمتي له سعة ثم لم يزرني، فليس له عذر»(1) .

الحديث التاسع:

روى علقمة عن عبد الله بن عمر (رضي الله عنه) قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حجّ حجّة الاسلام وزار قبري وغزا عزوة وصلّى عليَّ في بيت المقدس لم يسأله الله عزّ وجلّ فيما افترض عليه»(2) .

الحديث العاشر:

أخرج الفردوس في مسنده عن ابن عباس أنّه قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حجّ إلى مكّة ثم قصدني في مسجدي كُتِبَت له حجّتان مبرورتان»(3) .

* * *

واكتفينا بهذا العدد من الروايات ومن أراد التفصيل فعليه الرجوع إلى المصادر، وبما أنّ الشيخ محمد الفقي قد جمع متون الروايات بشكل موجز نذكر ما جمعه وإن مضى ذكر قسم منها:

تجريد المتون عن الاسانيد

ويستحبّ زيارة قبر النبيّصلى‌الله‌عليه‌وآله لما روى الدار قطني باسناده عن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حجّ فزار قبري بعد وفاتي فكأنما زارني في حياتي» وفي رواية: «من زار قبري وجبت له شفاعتي» رواه باللفظ الاوّل سعيد، ثنا حفص بن سليمان، عن ليث، عن مجاهد، عن ابن

____________________

(1) السبكي، شفاء السقام: 37 - وأخرجه السمهودي عن كتاب ابن النجار في أخبار المدينة بسنده عن أنس 4: 1345 - ونقله العلاّمة الاميني عن مصادر ستة في الغدير 5: 104.

(2) السبكي، شفاء السقام: 303، عن كتاب الفوائد لابي الفتح الازدي - وأخرجه السمهودي، في وفاء الوفا 4: 1344 - والعلامة الاميني في غديره 5: 102 عن مصادر خمسة.

(3) السمهودي، وفاء الوفا 4: 1347 - ورواه الشوكاني في نيل الاوطار 4: 326.

٥٢

عمر. وقال أحمد في رواية عبد الله بن يزيد بن قسيط عن أبي هريرة: إنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «ما من أحد يسلّم عليَّ عند قبري إلاّ ردّ اللهُ عليَّ روحي حتى أرد عليه السلام» رواه أبو داود بدون زيادة «عند قبري».

فإقراره للزيارة وتقريره لها اعتراف بالغ الاهمية باستحبابها وروعة الترغيب فيها، وانتصار للحقّ ووقوف بجانبه، ولا يمكن أن يوصف ذلك الامام بالتحيّز، ولاينبغي أن يرمى بضعف التقدير، إذ إنّ إقراره ذلك يتّفق تماماً مع هدى الدين والرسائل السماوية والاحاديث النبوية المتعددة الطرق المختلفة الاسانيد، والتي ندعها وحدها تتكلم عن مدى تقدير الزيارة وعظم اهتمام الشارع بها، وما تتجلّى عنه من مزايا واسعة الافاق كبيرة النوال:

1 - عن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زار قبري وجبت له شفاعتي» رواه ابن خزيمة في صحيحه.

2 - وعن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني في قبري حلّت له شفاعتي يوم القيامة» رواه ابن أبي الدنيا.

3 - وعن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زار قبري حلّت له شفاعتي يوم القيامة» رواه الدار قطني.

4 - وعن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني في مماتي كان كمن زارني في حياتي» رواه العقيلي.

5 - وعن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني بالمدينة بعد موتي كنت له شفيعاً يوم القيامة» رواه أبو داود الطيالسي.

6 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني بعد موتي

٥٣

فكأنما زارني وأنا حيّ» رواه الحافظ سعيد بن محمد.

7 - وعن ابن عباس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني حتى ينتهي إلى قبري كنت له يوم القيامة شهيداً أو شفيعاً» رواه العقيلي.

8 - وعن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من جاءني زائراً لا تعلم له حاجة إلاّ زيارتي كان حقّاً عليّ أن أكون له شفيعاً» رواه الدارقطني.

9 - وعن بكر بن عبد الله قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أتى المدينة زائراً إليَّ وجبت له شفاعتي يوم القيامة» رواه يحيى بن حسين.

10 - وعن أبي هريرة قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة» رواه ابن مردويه.

11 - وعن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني بالمدينة محتسباً كنت له شهيداً وشفيعاً يوم القيامة» رواه أبو عوانة.

12 - وعن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زارني بعد وفاتي فكأنّما زارني في حياتي» رواه ابن عدي.

13 - وعن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من زار قبري وجبت له شفاعتي» رواه ابن النجار.

14 - وعن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من جاءني زائراً لا تعمده حاجة إلاّ زيارتي كان حقّاً عليَّ أن أكون له شفيعاً أو شهيداً يوم القيامة» رواه الطبراني.

15 - وعن ابن عباس عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حجّ إلى مكّة ثم قصدني في مسجدي كُتِبَت له حجّتان مبرورتان» رواه الديلمي في مسند الفردوس.

٥٤

16 - وعن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من جاءني زائراً لا يهمّه إلاّ زيارتي كان حقّاً على الله أن أكون له شفيعاً يوم القيامة» رواه الطبراني وصحّحه ابن السكن.

17 - وعن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «ما من أحد من أُمّتي له سعة ثم لم يزرني فليس له عذر» رواه ابن النجار.

18 - وعن ابن عمر قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من وجد سعة ولم يفد إليّ فقد جفاني» رواه ابن حبّان.

19 - وعن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «لا عذر لمن كان له سعة من أُمتي أن لا يزورني» رواه ابن عساكر.

20 - وعن ابن عمر: «من حج وزار قبري بعد موتي كان كمن زارني في حياتي» رواه سعيد بن منصور.

21 - وعن أنس قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حجّ ولم يزر قبري فقد جفاني» رواه ابن عساكر.

22 - وعن ابن عمر: «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من حج البيت ولم يزرني فقد جفاني» رواه ابن عدي بسند حسن(1) .

____________________

(1) محمد الفقي، التوسل والزيارة في الشريعة الاسلامية: 48و49.

٥٥

زيارة النبيّ الاكرم في حديث العترة

تضافر الحديث عن العترة الطاهرة حول زيارة قبر النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله نقتبس منه ما يلي:

1 - روى الحميري (م/299هـ) عن هارون، عن ابن صدقة عن الصادق عن أبيه الباقرعليهما‌السلام أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «من زارني حيّاً وميّتاً، كنت له شفيعاً يوم القيامة»(1) .

2 - روى الصدوق (م/630-381هـ) بسنده عن الامام عليّ (صلوات الله عليه): «أتمّوا برسول الله حجّكم، إذا خرجتم إلى بيت الله، فإنّ تركه جفاء وبذلك أُمرتم، وأتمّوا بالقبور التي ألزمكم الله زيارتها وحقّها»(2) .

3 - روى الصدوق بسنده عن الامام الرضاعليه‌السلام أنّ النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: «من زارني في حياتي وبعد موتي فقد زار الله تعالى...»(3) .

4 - روى الصدوق عن إبراهيم بن أبي حجر الاسلمي عن أبي عبد اللهعليه‌السلام قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «من أتى مكّة حاجّاً ولم يزرني إلى المدينة جفوته يوم القيامة، ومن جاءني زائراً وجبت له شفاعتي، ومن وجبت له شفاعتي وجبت له الجنة»(4) .

5 - روى ابن قولويه (م/963هـ) عن أبي حجر الاسلمي قال: قال رسول الله (وذكر مثل ماسبق وزاد في آخره) «ومن مات في أحد الحرمين - مكّة أو المدينة - لم يعرض إلى الحساب ومات مهاجراً إلى الله وحشر يوم القيامة مع أصحاب بدر»(5)

____________________

(1) الحميري، قرب الاسناد: 31 - والمجلسي، البحار 97: 139.

(2) الصدوق، الخصال 2: 406 - المجلسي، البحار 97: 139.

(3) الصدوق، عيون أخبار الرضا 1: 115 - المجلسي، البحار 97: 140.

(4) الصدوق، علل الشرائع: 460 - المجلسي، البحار 97: 140.

(5) ابن قولويه، كامل الزيارات: 460 - المجلسي، البحار 97: 140.

٥٦

6 - روى الصدوق بسنده عن المعلى بن شهاب عن الامام الصادقعليه‌السلام قال: قال الحسن بن عليّعليه‌السلام لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يا أبتاه ما جزاء من زارك؟ فقال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : يابني: من زارني حياً أو ميّتاً أو زار أباك أو أخاك أو زارك كان حقّاً عليَّ أن أزوره يوم القيامة فأُخلِّصه من ذنوبه(1) .

7 - روى ابن قولويه بسنده عن الامام الصادقعليه‌السلام قال: «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من أتاني زائراً كنت شفيعه يوم القيامة»(2) .

8 - روى ابن قولويه عن ابن أبي نجران قال: قلت لابي جعفر الثاني (الامام الجوادعليه‌السلام : جعلت فداك، ما لمن زار رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله متعمّداً؟ قال: «له الجنّة»(3) .

9 - روى ابن قولويه باسناده عن عبد الله بن الحسن عن أبيه عن عليّ بن أبي طالب قال: «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من زارني بعد وفاتي كان كمن زارني في حياتي وكنت له شهيداً أو شافعاً يوم القيامة»(4) .

10 - روى ابن قولويه بسنده عن علي بن الحسينعليه‌السلام قال: «قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : من زار قبري بعد موتي كان كمن هاجر إليَّ في حياتي، فإن لم تستطيعوا فابعثوا إليَّ بالسلام فإنّه يبلغني»(5) .

نكتفي بهذا القدر من الروايات، وبهذا يتضح اتفاق الفريقين على استحباب زيارة قبر النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وقد بلغ الاتفاق إلى حدّ نرى

____________________

(1) الصدوق، علل الشرائع: 460 - المجلسي، البحار 97: 140.

(2) ابن قولويه، كامل الزيارات: 12 - المجلسي، البحار 97: 142.

(3) المصدر نفسه، وفي البحار: 143.

(4) المصدر نفسه: 13، والمصدر الثاني نفسه.

(5) المصدر نفسه: 14، والمصدر الثاني: 144.

٥٧

وحدة المضمون بل التعبير في رواياتهم، وهناك روايات أُخرى عن العترة الطاهرة لم نذكرها روماً للاختصار.

ومن تجرّد عن الرأي المسبق أو التشكيك الذي أثاره بعض الناس، ونظر إلى كلمات أعلام المذاهب وروايات الفريقين يحصل له القطع واليقين على أنّ استحباب زيارتهصلى‌الله‌عليه‌وآله من الاُمور الواضحة في الشريعة الاسلامية الغرّاء، وأنّ التشكيك فيها تشكيك في الاُمور المسلَّمة والمتَّفق عليها.

٥٨

(5) شدّ الرحال إلى زيارة النبيّ الاكرمصلى‌الله‌عليه‌وآله

إذا كانت زيارة النبيّ الاكرم أمراً مطلوباً وعملاً مستحبّاً كما دلّت عليه الروايات المتضافرة والسيرة القطعية يكون شدّ الرحال، الذي هو بمنزلة المقدمة أمراً مستحبّاً، بناءً على الملازمة بين استحباب الشيء واستحباب مقدمته، كما عليه أكثر الاُصوليين، وهذا له نظائر في الشريعة الاسلامية، تحكي أنّ وسيلة القربة، قربة قال سبحانه:( ومَنْ يَخْرُج مِنْ بَيتِه مُهاجراً إلى اللهِ ورَسُولهِ ثُمَّ يُدرِكْهُ المَوتُ فَقَدْ وَقعَ أجرُهُ عَلى اللهِ ) (النساء/100) فهذا الانسان مأجور بخروجه هذا وإن كان مقدمة لامر مطلوب آخر.

يقول سبحانه في حقّ المجاهدين:( ذلكَ بأنَّهم لا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ ولا نَصَبٌ ولا مَخْمَصَةٌ فِي سَبيلِ اللهِ ولا يَطَئُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الكُفّارَ ولا يَنالُونَ مِن عَدُوّ نَيلاً إلاّ كُتِبَ لَهُم بهِ عَملٌ صالِحٌ إنَّ اللهَ لايُضِيعُ أجرَ

٥٩

الُمحْسِنِينَ * ولا يُنفِقُونَ نَفقةً صَغيرةً ولا كَبيرةً ولا يَقطعُونَ وادِياً إلاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجزِيَهُمُ اللهُ أحسنَ ما كانوا يَعملونَ ) (التوبة/120-121).

وهذه الاُمور التي كتب الله لهم بها أجراً، وسيلة الجهاد، ومقدمة للقتال، وهذا يكشف عن التلازم بين الاستحبابين، أو الثوابين.

نعم، ذهب بعض الاُصوليين إلى عدم الملازمة ولكنّهم متّفقون على لزوم كون المقدمة مباحة لا محرّمة، لاستلزامه التناقض في التشريع، حيث لا يعقل البعث إلى أمر، مع المنع عمّا يوصل المكلف إليه، وعلى كل تقدير لا يصحّ تحريم السفر مع افتراض كون الزيارة أمراً راجحاً، وفعلاً مستحبّاً فلا محيص إلاّ بالقول باستحبابه، أو إباحته. ولا تجتمع حرمة المقدمة مع استحباب ذيها.

نعم، هنا فرق بين زيارة قبر النبيّ، وزيارة قبور المسلمين، فإنّ الاوّل مستحبّ بالخصوص، بخلاف الاخرين فإنّها مسنونة على وجه العموم فلو زار إنسان قبر أبيه أو أخيه، فإنّما يزورهما بما أنّ زيارتهما داخلة تحت عموم قولهصلى‌الله‌عليه‌وآله : «فزوروا القبور، فإنّ زيارتها تذكّركم الاخرة»، وهذا بخلاف زيارة الرسول فإنّها - مضافاً إلى أنّها داخلة تحت العموم - مستحبة في نفسها.

وقد جرت سيرة المسلمين من عصر الصحابة إلى يومنا هذا على شدِّ الرحال إلى زيارة النبيّ الاكرم وعدّوا زيارتها قربة، والسفر إليها مثلها، ولم ينكر أحد قربية الزيارة ولا جواز السفر إلاّ ابن تيمية في أوائل القرن الثامن لشبهة طرأت له، وسنتعرض لها في فصل مستقل.

ولاجل إيقاف القارئ على اتصال السيرة إلى عصر الصحابة نذكر

٦٠