• البداية
  • السابق
  • 46 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 8940 / تحميل: 5022
الحجم الحجم الحجم

إذن فما وعد الله سبحانه وتعالى وَعْداً قاطعاً وهو أن يظهر دينه على الدين كله، لابدّ وأن يكون على يد مهدي هذه الامة، لماذا؟ لان عدد الائمة عندنا عدد معين، اثنا عشر إماماً، استوفى أحد عشر منهم مدّته.

ومع أسف الانسانية وبؤسها وشقائها ومحنتها بل من أعظم محنها أن هذه المدّة لم تستوف كما أراد الله، يعني بإرادة من الله سبحانه وتعالى أن تكون مدّة حياتهم الطبيعية وهم بين أظهر أمتهم يهدونهم، فأمير المؤمنين (عليه السلام) لا نعلم بأن أشقى الاخرين لو لم يضربه على هامته كم كان يعيش؟ وأن الامام الحسن سلام الله عليه الذي لم تدم إمامته إلاّ عشر سنين أو أقل لو لم يُسم كم كان يعيش؟ وأن سيد الشهداء سلام الله عليه لو لم يكن يُقتل تلك القتلة الفجيعة(1) كم كان يعيش؟ هؤلاء لو لم يواجهوا من طاغية زمانهم بما جاء عليهم كم كانوا يعيشون؟ ولكن مع هذا لا يصحّ لنا أن نقول بأن الله سبحانه وتعالى أظهر دينه على الدين كلّه، فالوعد الالهي لم يأت بعد.

ولو قلنا بأن الوعد الالهي يكون على أيدي الهداة الالهيين، لماذا؟ لان الانسانية جرّبت أحسن من يقودها إن لم يكن ممن أخذ الله العهد على نفسه بأن يرقبه بحيث لا يحيد ( وَمَا اُبرِىءُ نَفْسِي إنَّ النَّفْسَ لامّارَةٌ بِالسُّوءِ إلاَّ ما

____________________

(1) التي لم ترد في أي أمّة من الامم بالنسبة إلى أقل من يمثل حقوقاً إيجابية في تلك الامة، فمن يملك أبسط الحقوق لاي فرد كان من أي أمة لم يواجه بجريمة كما واجهها سيد الشهداء وأصحابه سادة الشهداء من الاولين والاخرين.

٢١

رَحِمَ رَبِّي ) (1) ، فالذين رحمهم الله سبحانه وتعالى لا يتجاوزون عمّا يريده الله سبحانه وتعالى منهم، فالوعد الالهي للانسانيّة إن لم يكن من شخص يجري الوعد على يديه كفوءاً صحيحاً، تقع الانسانيّة في مآسي ويقع الوعد في مجافيات وفي تناقضات، بحيث أن الوعد يفقد حكمته بل يفقد مصداقيّته.

فلا يكون الوعد إلاّ على يد معصوم، يكون الله سبحانه وتعالى مراقباً له، بحيث أن الله سبحانه وتعالى لو أراد أن يجري الوعد بنفسه لا يختلف عما يجريه وليّه.

فالاية الكريمة يكفي ورودها مرة واحدة، مع أنها جاءت بهذا المضمون في ضمن ثلاث آيات كريمة:

الاولى: قوله في سورة البراءة أو التوبة: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) (2) .

ونفس هذه الاية بما بدأت به وبما انتهت به حتى من حيث الحرف، لا الكلمة وحدها، جاءت في سورة الصف: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) (3) .

____________________

(1) سورة يوسف: 53.

(2) سورة التوبة: 33.

(3) سورة الصف: 9.

٢٢

فالله سبحانه وتعالى - من باب التندر أقول - ليس كبعض شعرائنا الذي ينظم القصيدة فيجدها قصرت عما يريدها من عدد الابيات فيأتي بأبيات قالها سابقاً في قصيدة أخرى يضمّنها، يضمّن قصيدته هذه تلك الابيات حتى تطول، وهذا كثيراً ما يكون، ولا يؤاخذه مؤاخذ بما فعل، لانه قول قاله، ولكن الله سبحانه وتعالى لا يعيد الاية كي تطول السورة، يجلّ عن ذلك، يعيد الاية كي يؤكّد لنا بأن هذا وعدٌ قاطعٌ صريحٌ لا خلف له، ولن يخلف الله وعده.

وبالاضافة إلى ذلك نفس المعنى يرد في آية كريمة أخرى، تختلف من حيث الانتهاء، وهي قوله تعالى في سورة الفتح: ( هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالهُدَى وَدِينِ الحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بالله شَهِيداً ) (1) .

هذا المقطع: ( وَكَفَى بالله شَهِيداً ) حسب فهمنا أقوى بالدلالة على قوله تعالى حينما ختم به آيتيه الكريمتين: ( وَلَوْ كَرِهَ المُشْرِكُونَ ) ، فـ: ( وَكَفَى بالله شَهِيداً ) معناه: أن الله سبحانه وتعالى الذي وعد هو الذي يشهد، لا أنه وعد وغاب أو مات، وكان الوعد وصية منه ينجزها غيره، فيكون ذلك الذي ينجّز من الممكن أنْ يتساهل ويتكاسل أو يتغافل أو يغفل أو ينسى أو يجهل، ( وَكَفَى بالله شَهِيداً ) الله سبحانه وتعالى الذي يشهد الخلق، فان وعد وعداً فهو الذي يجعل وعده لا خلف

____________________

(1) سورة الفتح: 28.

٢٣

فيه.

فهذا الوعد القاطع الذي لا يصح لمسلم أن لا يؤمن به ولا يصح لغير مسلم أن يغفله في تأريخ الفكر الاسلامي، يعني غير المسلم قد لا يؤمن بالقرآن الكريم ككتاب منزل من قبل الله سبحانه وتعالى، بل قد لا يؤمن بأن لهذا الكون خالقاً، أو يشرك الله بغيره من أنداد يجعلها لله سبحانه وتعالى، ولكنه حينما يقرأ القرآن الكريم يجد هذا الوعد وعداً قاطعاً صريحاً لا لبس فيه ولا إبهام فيه.

فإذن هذا الوعد وعدٌ يؤمن به كل مسلم ووعدٌ يأخذ به كلّ من يؤرّخ الدين الاسلامي، ولا يتحقق هذا الوعد إلاّ إذا قلنا بأن أئمة الهدى سوف يتحقق بهم في شوطهم الاخير أكمل أشواط الانسانيّة في تأريخها الطويل، وخاتمهم وهو مهديهم سلام الله عليهم أجمعين سوف يكون هو الذي يحقق الله سبحانه وتعالى على يديه هذا الوعد الذي وعد به وعداً صريحاً أكده في ثلاث آيات كريمة.

وأيضاً قوله تعالى: ( كَتَبَ الله لاغلِبَنَّ أنا وَرُسُلِي إنَّ الله قَوِيّ عَزِيزٌ ) (1) .

( كَتَبَ الله لاغلِبَنَّ أنا وَرُسُلِي ) أي غلبة؟ غلبة مادية؟ الله سبحانه وتعالى لم يعد رسله ولا خلقه بأنه هو ورسله يغلبون غلبة ماديّة كما يعبر في هذا العصر غلبة فيزيائية، فالله سبحانه وتعالى يقول: ( أفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ

____________________

(1) سورة المجادلة: 21.

٢٤

رَسُولٌ ) يخاطب اليهود ( بِمَا لا تَهْوَى أنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ ) (1) ، أمن الصحيح لكم هذا الخُلُق الذي سرتم عليه أيها اليهود بأنكم تحبون أن يكون الله سبحانه وتعالى هو الذي يؤمّن رغباتكم، لا أنه هو الذي يهيمن عليكم، ( أفَكُلَّمَا جَاءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أنْفُسُكُمُ اسْتَكْبَرْتُمْ فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيْقاً تَقْتُلُونَ ) يؤكدها في آية اخرى: ( كُلَّما جَاءَهُمْ رَسُولٌ بِمَا لا تَهْوَى أنْفُسُهُمْ فَرِيقاً كَذَّبُوا وفَرِيقاً يَقْتُلُونَ ) (2) ، ( قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أنْبِيَاءَ الله مِنْ قَبْل إنْ كُنْتُم مُؤمِنِين ) (3) ، آيات كثيرة تؤكد أن الله سبحانه وتعالى أرسل رسلاً، كُذِّبوا، كُذِّب بعض وكُذِّب آخرون وقتلوا، لا أنّ اليهود كانوايقتلون الذين يصفونهم بالصدق من الانبياء الصادقين الذين يؤمنون بصدقهم، والذين يبقون على حياتهم كانوا يكذّبونهم.

إن الله سبحانه وتعالى يريد أن يقول لليهود بأنكم إن جاءكم رسول بما لا تهوى أنفسكم أنتم تجدون أنفسكم أكبر من الله سبحانه وتعالى، فإنكم تَرَوْن أنّ أنفسكم هي التي تفرض على الله سبحانه وتعالى أن يلبّي رغباتكم كما تشتهون، لا أن الله سبحانه وتعالى يكون هو المهيمن عليكم كما يحب

____________________

(1) سورة البقرة: 87.

(2) سورة المائدة: 70.

(3) سورة البقرة: 91.

٢٥

ويحكم به عدله وحكمته، ففريقاً اكتفيتم بتكذيبهم لانكم لم تتمكنوا من قتلهم أو لعوامل أخرى، وفريقاً آخرين كذبتم وقتلتم.

الله سبحانه وتعالى لم يعد رسله ولا خلقه المؤمن منهم والكافر، لم يعدهم بأنه يحمي رسله جسدياً بحيث لا تنالهم اليد الاثمة بأذى أو بقتل وهو أشد أنواع الاذى.

إذن، فالله سبحانه وتعالى كتب ( لاغلِبَنَّ أنا وَرُسُلِي إنَّ الله قَوِيّ عَزِيزٌ ) ، يعني أنّ الله إذا يعد لا يخلف، لان الخلف إما أن يكون لضعف والله سبحانه وتعالى قويّ لا ضعف له، أو لان هناك من هو أقوى منه تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً.

فهذا الوعد متى يأتي؟ لابدّ وأن يكون هذا الوعد هو الذي يأتي على يد مهدي هذه الامة في آخر حياة الانسانية، وهو أكمل أشواط حياتها بصورة قطعية، وتملك هذه الحياة من الزمن والمدة ما تقرّ بها عين الانسانيّة، وإلاّ لكانت الانسانية لا تكون إلاّ كمن يأتي الله سبحانه وتعالى بأمنيته بعدما عاش مائة سنة في آخر لحظة من لحظات حياته، هذه الامنية سوف تكون عليه حسرة ولا تكون ممن يستمتع بها.

وأيضاً قوله تعالى: ( نَتْلُوا عَلَيْك مِنْ نَبَأ مُوسَى وَفِرْعَوْنَ بِالحَقِّ إنَّ فِرْعَونَ عَلا فِي الارْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِنْهُمْ يُذَبِّحُ أبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْي نِسَاءَهُمْ.... وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِيْنَ اسْتُضْعِفُوا ) (1) .

____________________

(1) سورة القصص 3 - 5.

٢٦

( نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ ) معنى ذلك أن هذه سيرة الله، لا تختص بموسى وفرعون لان الله سبحانه وتعالى يأتي بـ ( نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ ) لا: أردنا أن نمن، كما قال عزّ مِنْ قائل: ( وَكَذَٰلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ ) (1) ، أما هنا يقول: ( وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ ) ، يعني: أن الله سبحانه وتعالى جرت سنته أن الذين واجهوا طواغيت البشرية، لا طواغيت الامة فحسب، والطواغيت غلبوهم على أمرهم، فالله سبحانه وتعالى جرت إرادته التي لا خلف فيها والتي لا يمنع منها مانع أن يأتي دور يغلب هؤلاء على طواغيت زمانهم ( وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ ) إلى آخر الايات الكريمة.

إذن، المسلك الاول الوعد الالهي في القرآن الكريم، هذا الوعد الالهي إما أن نقول: بأن الله سبحانه وتعالى حينما وعد به أراد أن يقوّي قلوبنا وأن يملا نفوسنا أملاً وأن يرينا في أسوء التعابير سراباً يتخيّله الضمآن ماءاً، فالله سبحانه وتعالى أجل من هذا، حينما وعد، وعد وعداً قاطعاً وهو أصدق القائلين ولن يخلف الله وعده وهو أصدق من قال.

فالمسلك الاوّل أنّ وعد الله سبحانه في قرآنه الكريم، هذا الوعد الذي جاء ضمن وعود مختلفة في صيغها، متّفقة في معناها، ( لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّه ) (2) ، ( كَتَبَ اللهُ لاغلِبَنَّ أنا وَرُسُلِي ) (3) ، ( وَنُرِيْدُ أَنْ

____________________

(1) يوسف: 21.

(2) سورة التوبة: 33.

(3) سورة المجادلة: 21.

٢٧

نَمُنَّ عَلى الَّذِينَ استُضْعِفُوا فِي الارْضِ وَنَجْعَلهُمْ أئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الوارِثِينَ ) (1) .

هذا الوعد جاء في صيغ مختلفة تختلف في التعبير وتتفق في المغزى والهدف، هذا الوعد لا يمكن أن يتحقّق إلاّ على يد آخر حجج الله، وهذا الاخر الذي ولد قبل ألف وحدود المائة أو يقرب من المائتين، هذا الوعد لابد أن يتحقق على يد هذا، لانه آخر الحجج، ولن يرسل الله رسولاً، لان نبيه (صلى الله عليه وآله وسلم) خاتم النبيين، ولن يأتي بإمام يعيش عيشته الاولى في هذه الارض، لا العيشة بعد الرجعة لمن آمن بالرجعة، يعيش عيشته الاولى في هذه الارض لن يأتي به، لماذا؟ لان عدد الائمة عنده اثنا عشر إمام، ومهدي هذه الامة آخر الائمة، فهذا الوعد لا يمكن أن يكون وعداً صادقاً، وهو مما نقطع بصدقه، إلاّ أن يكون لمهدي هذه الامة غيبة تفصل بين مولده وبين ظهوره وإنجاز وعد الله سبحانه وتعالى على يده، سواء في ذلك طالت الغيبة أم قصرت، كوعد الله سبحانه وتعالى: ( قَالَ مَنْ يُحْي العِظَامَ وَهِي رَمِيمٌ قل يُحْيِيهَا الَّذِي أنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّة ) (2) ، أما بعد مضي كم فترة؟ قد تكون مليون

____________________

(1) سورة القصص: 5.

(2) سورة يس: 78 - 79.

٢٨

سنة، نحن لا ندري الفاصل بين أول نسل للانسانية وبين آخر عصور الانسانية وبين حشرها بعد موتها وهو حشر تحشر فيه الانسانية كلها، كم مدّة من الزمن؟ الف سنة ؟ مائة ألف سنة ؟ مليون سنة ؟ لا ندري، ولكن وعد الله صادق ( لَن يُخْلِفَ اللَّهُ وَعْدَهُ ) .

إذن فغيبة مهدي هذه الامة غيبة لابدّ منها، لانه مهدي هذه الامة، ولان وعد الله سبحانه وتعالى صادقٌ صريحٌ قاطع، الذي أكده في آيات كريمة مختلفة وبألفاظ وتعابير مختلفة قد تختلف باللفظ وتتّفق في المغزى، هذا الوعد لن يكون وعداً منجزاً إلاّ إذا كان لمهدي هذه الامة غيبةٌ تفصل بين ولادته وبين ظهوره بما وعد الله سبحانه وتعالى به.

٢٩

المسلك الثاني

الائمة اثنا عشر

هذا المسلك أيضاً خاصٌ بالامامية الاثني عشرية، يعني من لا يقول بالامامة الالهية لا أقول إن هذا المسلك يلزمه، ومن يقول بأن الائمة لا يحصرون في عدد معين(1) .

أيضاً هؤلاء أنا لا ألزمهم بهذا، وأنا لا أتكلّم مع الذين قالوا بالامامة وأنّ الامامة منصب الهي على الله سبحانه وتعالى ألزم نفسه بأن يكون هو الذي يعيّن الامام ( وَرَبّكَ يَخْلُقُ مَايَشَاءُ وَيَخْتَار مَاكَانَ لَهُمُ الخِيَرَةُ ) لكنّ الله سبحانه وتعالى لم يلزم نفسه بعدد معيّن كعدد الاثني عشر (2) ، وأيضاً أنا

____________________

(1) كما ينسب إلى بعض إخواننا الزيديّة: أن الله سبحانه وتعالى أخبر على لسان رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)بإمامة ثلاثة، أمير المؤمنين (عليه السلام) والحسن (عليه السلام) والحسين (عليه السلام)، وباقي الائمة أخبرهم بالوصل ولا يحصرون في عدد، بل من كان فاطمياً وقام بالسيف ودعا الى الجهاد وإحياء دين رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهو إمام علينا أن نبايعه وأن نطيعه.

(2) كما يقال مثلاً: إن الاسماعيلية يشتركون معنا في أئمة ستة، ولهذا قد يعبر عنهم بأنهم الذين يلتزمون بإمامة الستة، وهذا خطأ، لانهم يلتزمون بامامة عدد طويل جداً، ستة من أئمتهم هم نفس أئمتنا الاثني عشرية، لا أنهم يلتزمون بامامة الستة مع قطع النظر عن فرقهم بين البهرة الداودية والنزارية أتباع جماعة آغا خان، أولئك يقولون بأن الامام مستور وأن الداعية داعية مطلق لامام غائب لا يتصل به إلاّ الداعية نفسه، وأن الاغا خانية وهم الاسماعيلية النزارية أي الاسماعيلية الشرقية، هؤلاء يقولون: بأن هؤلاء الذين نراهم ولو كانوا في حجم آغا خان - الذي مات - جد كريم خان، ولو كان في حجم آغا خان في شحمه ولحمه وإلى آخر وثقته في ميزان العيارات المادية، كلهم أئمة.

٣٠

لا أتكلم مع الذين قالوا بأن الامام السابع سلام الله عليه غاب ولم يمت بالسمّ في سجنه.

وإنما أتكلّم مع الذين يقولون بأن الائمة اثنا عشر لا يزيدونهم واحداً ولا ينقصونهم، وهم نحن أعني من آمن، ومن أقرّ على نفسه والتزم بأنه إمامي اثنا عشري.

وهذا لا يمكنه إلاّ أن يقرّ بغيبة الثاني عشر وظهوره بعد غيبته، والابواق التي تنعق بما لا تعقل - وإن كان هذا التعبير فيه لذعة، ولكني مع الاسف الشديد قد أجد نفسي ملجأً إلى أن أقول قولاً لاذعاً، لان الذين يعارضون، لا يعارضون بما تسنّه الانسانيّة من أصول وقواعد للمعارضات الفكريّة، ينعقون كالذي ينعق بما لا يسمع كما يقول القرآن الكريم - فهم يأتون بأقوال قالتها فرقٌ أخرى غير الشيعة وبأقوال قالها غير الاثني عشريّة من الشيعة، فيردّون بها على الشيعة ويجعلونها مأخذاً عليهم ومطعناً فيهم، هذا أقل ما

٣١

يقال فيه أنه ليس من الانصاف ولا من العقل في البحث ولامن حسن النيّة في النقاش الفكري، فمن يلتزم بأنه إمامي إثنا عشري لا يسعه إلاّ أن يؤمن بأن هذا العدد قد اكتمل، لان الائمة متناسلون إمامٌ من إمام، وأن الثاني عشر هو الذي يكون إدامةً بحياته للامامة الالهيّة ومنجزاً ما وعد الله به خلقه ونبيّه، وعن طريق نبيه وعدنا نحن أمته - ونفتخر بذلك - وعداً قاطعاً بأن يظهر دينه، وأن يعلي كلمته، وأن يحقّق الحكم الالهي العادل الذي لا يميل والرحيم الرؤوف الذي لا يتجاوز الرأفة والرحمة على الخلق.

فحصر عدد الائمة بالاثني عشر حصر يلزمه لزوماً قطعياً واضحاً صريحاً أن يكون الثاني عشر له ظهور، وأن هذا الظهور قطعاً يكون بعد الغيبة، لانه لم يكن له ظهور قبل الغيبة.

٣٢

٣٣

المسلك الثالث

أحاديث الثقلين

كلكم سمعتم بها، وهذه الاحاديث أيضاً متواترة.

ولا أتكلم عن قول القائل الذي قال بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وسنتي»(1) ، إن صح أن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال وسنتي فهو أراد أن يلقم من قال: حسبنا كتاب الله(2) حجراً لا يقول به بعده، ولكن مع ذلك قال ما قال ومنع الامة من كتاب نبيها الذي يقول (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو أصدق قائل بعد الله سبحانه وتعالى: «لن تضلوا بعده أبداً» وإلاّ إيماننا بالامامة والائمة واتّباعنا للائمة واهتداؤنا بهديهم واقتداؤنا بسنتهم من العمل بسنته (صلى الله عليه وآله وسلم) وكتاب ربّه، قال عزّ من قائل:( إنَّما وَلِيُّكمُ الله ) (3) ، آمنّا

____________________

(1) المستدرك للحاكم 1: 93.

(2) صحيح البخاري 6: 318 ح872 مرض النبي، وأيضاً 1: 120 ح112 باب كتابة العلم.

(3) سورة المائدة: 55.

٣٤

وصدّقنا وإن شاء الله نحن ممّن يتولّى الله ( وَمَنْ يَتَولَّ اللهَ وَرَسُولَهُ والَّذِينَ آمَنُوا فَإنَّ حِزْبَ اللهِ هُمُ الغَالِبُونَ ) (1) ، وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) ثلاث أحرف بين أن يكون ثاني الثقلين أهل بيته سلام الله عليهم أجمعين، أو تكون سنّته، نعم لو ورد سنّته، فهو لكي يلقم من قال: حسبنا كتاب الله، حجراً لا يقوله، ولكن مع الاسف الشديد قالها في أسوء الظروف وأنكاها: حسبنا كتاب الله.

فحديث الثقلين يقول: «إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي، ألا وإنه قد نبّأني اللّطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض».

هذه جملة ما معناها؟

الذي انطبعت عليه نفوسنا أننا نقول بأن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوصي كل فرد من أفراد أمته بأنّ من أخذ بالكتاب العزيز عليه أن يأخذ بعدل الكتاب العزيز وهو الائمة الذين ذكرهم وعيّنهم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالامة اختلفت، وقد يقول قائل بأن البعض أخذ بالعترة وترك الكتاب والبعض الاخر أخذ بالكتاب وترك العترة، لكن رسول الله لا يقول هذا، لا يقول لا تفرّقوا بينهما فتأخذوا بأحدهما وتتركوا الاخر، «لن يفترقا» يعني القرآن مع العترة والعترة مع القرآن، لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض، لا أنه لا تفرقوا بينهما حتّى يرد على أحدكم الموت، يعني: لا تفرقوا بينهما حتّى يأتيكم الموت، يقول:

____________________

(1) سورة المائدة: 56.

٣٥

«لن يفترقا»، معنى ذلك: أن من أخذ بالكتاب أخذاً كما يريده الله لا يمكن أن لا يأخذ بأهل البيت، ومن أخذ بأهل البيت (عليهم السلام) كما أرادوه له أخذ بالكتاب كما أراد الله سبحانه وتعالى.

فالقضية ليست قضية اختيار منّا حتّى يكون الامر الالهي بأن نجمع بين العدلين، لا أن نأخذ بواحدة سواء أكان الكتاب العزيز أم العترة الطاهرة، وأن نترك الاخر سواءً أكان الكتاب العزيز ام العترة الطاهرة لا، أنهما لن يفترقا، وذلك كقوله (صلى الله عليه وآله وسلم): «علي مع الحق والحق مع علي لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض»(1) ، يعني أن عليّاً سلام الله عليه لا يمكن أن يكون في جانب ويكون الحق في الجانب الاخر، فإن رأيتم علياً يسير سيراً خاصّاً فاعلموا أن الحقّ يسير معه.

إذن فحديث الثقلين لا مورد له إلاّ أن يكون للاخذ بالقرآن من قبل الامة المسلمة ولو كانت بعد الف وأربعمائة وعشرين سنة من هجرته (صلى الله عليه وآله وسلم)، والف وأربعمائة وعشر سنين من رحلته (صلى الله عليه وآله وسلم)، فالان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بالنسبة لنا كلنا نحن الاخوة المجتمعون هنا يوصينا: «إني تركت فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي الا وإنهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما»(2) .

____________________

(1) تاريخ بغداد 14: 321، المستدرك للحاكم 3: 119.

(2) انظر: صحيح الترمذي 5: 663 ح 3788، مسند أحمد 3: 17 ح 10747، نوادر الاصول 1: 258.

٣٦

فنحن أيضاً القرآن الكريم ماثل أمامنا لا في طبعته الحاضرة، وإنما بصورته الاصلية التي تمثلها طبعات القرآن الكريم إن شاء الله كاملةً غير منقوصة ولا مزادة، فأين العترة التي نأخذهم؟ الذين ماتوا؟ فهم (عليهم السلام) قد انتهت أيام إمامتهم، فلابد وأن يكون للثقل الاخر وجودٌ حي كوجود القرآن الكريم، فعلينا نحن الامة المسلمة أن نأخذ به كما نأخذ بالقرآن الكريم

٣٧

٣٨

المسلك الرابع

فيما يرويه غير الامامية

وهنا أستعين بما يرويه إخواننا غير الاماميّة.

قلت بأن أحاديث المهدي كما هي متواترة عند الامامية متواترة عند غيرهم، بحيث أنهم يرون أن الايمان بالمهدي وظهوره ايمان بما أخبر الله به خبراً قاطعاً صريحاً جاءت به الرواية أو السنة المتواترة عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولا أجدني بحاجة إلى أن أحكي نصوصهم بتواتر الحديث وأنّ من أنكره فقد أنكر أمراً ثبت ثبوتاً قاطعاً عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنه أخبر به، وإنما أحكي نصوصاً مختارة من نصوصهم، هذه النصوص تدلّ على أن المهدي سلام الله عليه خليفة من نوع آخر، لا من نوع خلفائهم الذين التزموا بصحة خلافتهم وصحة إمامتهم وأنهم خلفاء هدى وسمّوهم الخلفاء الراشدين واختصّوا بثلاثة منهم تقدّموا على مولانا أمير المؤمنين سلام الله عليه.

أنا أحكي النصوص ثم آتي بالجهة التي أريد أن أستدلّ بها، طبعاً المجموعة طويلة، وأنا حذفتُ الاسانيد وحذفت المصادر المتكثرة واكتفيت بمصدر واحد أو مصدرين:

٣٩

عن عبد الله بن مسعود قال: قال رسول الله صلّى الله عليه [وآله] وسلّم: «لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوّل الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجلاً منّي أو من أهل بيتي يملا الارض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً»(1) .

أيضاً بمثله: عن عبد الله بن مسعود بلفظ يقرب من هذا، وعن علي بن أبي طالب، وعن حذيفة بن اليمان، وعن قرة بن أياس المزني، وعن عبد الرحمن بن عوف.

كل هؤلاء اتّفقوا في بعض ماورد من لفظ الحديث عندهم، وبعضهم اكتفى بذلك اللفظ وحده، نعم عبد الله بن مسعود جاء الحديث عنه بألفاظ مختلفة وفيها نوع من التناقض أو المجافاة أو عدم الملائمة بين الفاظها، وهذا أيضاً أتركه إلى مجال آخر.

المهم هذه الكلمة: «حتى يبعث الله»، معنى ذلك: أن قيام المهدي سلام الله عليه وظهوره بإرادة مباشرة من الله سبحانه وتعالى، فالله سبحانه وتعالى حينما يريد أن يخبر عن رسالة رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم) كيف يقول؟ ( هوَ الَّذي بَعَثَ فِي الاُْمّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُم يَتْلُو عَلَيْهِم آياتِهِ وَيُزَكّيهِم وَيُعَلِّمُهُمُ الكِتَابَ والحِكْمَةَ ) (2) إلى آخر الايات الكريمة، فرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) هنا يأتي

____________________

(1) سنن أبي داود: 4 / 106 - 107 ح 4282.

(2) الجمعة: 2.

٤٠