إملاء مامن به الرحمن من وجوه الاعراب والقراءات في جميع القرآن الجزء ١

مؤلف: أبي البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
تصنيف: القرءات وفنّ التجويد
الصفحات: 316
مؤلف: أبي البقاء عبد الله بن الحسين بن عبد الله العكبري
تصنيف: القرءات وفنّ التجويد
الصفحات: 316
وهذا مردود؛ حيث إنه من الواضح أن فاعل العزم هو الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله ، والظهور العرفي (1) شاهد على أن المراد هو تصميم نفس فاعل العزم؛ أي بعد أن نظرتَ أنت إلى هذه الأقوال المختلفة والآراء المتضادة، فاختر منها ما شئت، واستصوب منها ما تراه مناسباً واعزم.
ويؤيد ذلك ما ورد في الأمر بالتوكل على اللَّه وعدم خشية الآخرين؛ أي أن مورد العزم قد يكون على خلاف ما عليه أراء الأكثرية؛ فتوكَّلْ على اللَّه فيما عزمت مهما كان ذلك، وإن كان على خلاف ما يرونه. وواضح أن الآيات الكريمة وردت في غزوة أُحد حيث ظهر فرار بعض المسلمين وتخلَّف البعض الأخر عن ميدان الحرب، وطمعهم في الغنائم، وسوء ظنِّهم باللَّه بعد ذلك، وتصديقهم موت رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله ، وهذا كله يدلُّ على أن الرأي هو ما اختاره الرسول الأكرم وما عزم عليه، بغض النظر أنه وافق الأكثرية أم لا.
مضافاً إلى أن الرسول الأكرم هو القسطاس المستقيم ( مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى ) ، والجادة الواضحة، والذي يجب أن يتبعه الآخرون. وقد أمره اللَّه عزَّوجل ( فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ ) عندما يحيدون عن جادة الصواب، فكيف يُتصوَّر بمَن يكون بهذه المرتبة وبهذا المقام أنه ملزَم بأن يتَّبع رأي الأكثرية والأغلبية وإن كان رأيها على خطأ.
____________________
(1) بقرينة ما قدمناه مفصَّلا؛ مثل: العفو عنهم والاستغفار لهم الدال على خطئهم مثل قوله تعالى: ( وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِّنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ ) فهذه شهادة من الله تعالى بخطأهم في كثير من الموارد، وكذا لينه لهم المذكور في الآية الدال على مقام المربي لمَن تحت يده صلىاللهعليهوآله ، وغيرها من القرائن فراجع، مع أن المعنى على إدعاء صاحب تفسير المنار مؤدَّاه لزوم طاعته صلىاللهعليهوآله لِمَا يريدوه، وهو باطل. وكلٌّ لِمَا ذكرناه من أن الشورى، معنى ومادة، عنوان للفعل الفكري للنفس، وهم يجعلونه عنواناً للفعل العملي للنفس كالإرادة والسلطة والقدرة، فيتناقض عندهم الكلام.
إن لفظ الشورى مشتق من تشاور واشتور، والإشارة والمشورة هي إراءة المصلحة، وشاورته في كذا راجعته لأرى رأيه، وشرت العسل أشوره جنيته، وأشار بيده إشارة أي لوح بشيء يفهم من النطق.
فمادة الشورى تعطي معنى الاستفادة من الخبرات والعقول الأخرى؛ لكي يكون العزم على بصيرة تامة، فهي نظير ما جاء من أن أعقل الناس مَن جمع عقول الناس إلى عقله، وأعلم الناس مَن جمع علوم الناس على علمه، فهي توصية بجمع الخبرات وتنضيج وتسديد الرأي وتصويبه بكشف كل زواياه الواقعية عبر الأذهان المختلفة، وقريب من ذلك ما قاله اللُّغويون: إنها استخراج الرأي بالمفواضة في الكلام ليظهر الحق.
إن استبداد الإنسان برأيه يؤدِّي به إلى الجهالة، سواء كان الأمر بيده وحده أم لا، كما هو الحال في سلطة الإنسان على أمواله إذا أراد أن يقدم على بيع أو عقد معاملي، بخلاف ما إذا اعتمد المشورة والاستشارة، ولكن ذلك لا يعني في وجه من الوجوه قط: سلطة المشير على المستشير، أو سلطة المشير مع المستشير، وإنما يعني اعتماد الوالي على منهج العقل الجماعي في استكشاف الموضوعات والواقعيات العارضة، وهذا هو مفاد الروايات المستفيضة في باب الإشارة والمشورة والاستشارة والشورى؛ أي التوصية باعتماد تجميع الخبرات والعقول، لا جعل السلطة بيد المجموع، بل الفصل والنقض والإبرام والترجيح بين وجهات النظر يكون للولي على الشيء بعد اطلاعه على الآراء المختلفة، كما هو دارج قديماً وحديثاً في
الزعامات الوضعية البشرية؛ حيث تعتمد على لجان وخبرات (مستشارين) (1) في كل حقل ومجال، مع عدم إفادة ذلك - لدى المدرسة العقلية البشرية - ولايةً لأفرادِ تلك اللجان يشاركون فيها ذلك الزعيم.
ولذلك عدَّ الفقهاء تلك الروايات المستفيضة أحد أنواع الاستخارة، بل أفضلها، والاستخارة هي طلب الخير، لا تولية المشيرين مع المستشير، فلا يُتوهَّم أن فتح باب الاستشارة والشورى في الرأي، إن لم يكن بمعنى التشريك في الولاية وتحكيم سلطة المستشارين، فهو لغو؛ إذ أي فائدة أبلغ وأتم من استكشاف الوالي واقع الأشياء وحقائق الأمور عبر مجموع الخبرات والعقول، واعتماده منهج جمع العلوم إلى علمه؟ فإن ذلك يصيّره نافذ البصيرة، سواء كان ذلك على الصعيد الفردي كولاية الفرد على أمواله أم على الصعيد الاجتماعي كولاية الشخص على المجتمع.
من هنا فإن مجيء مادة المشورة في قوله تعالى، يعطي هذه التوصية للمؤمنين في التدبير، بأن يكون البتُّ فيه بعد استخراج الرأي الصائب من العقول المختلفة بالمداولة والمفاوضة مع العقول الأخرى. أمَّا مَن يكون له الرأي النهائي، فليست الآية في صدده؛ لاختلاف ذلك التعبير مع ( وَأَمْرُهُمْ شُورَى ) حيث إن اليد هي من أقرب الكنايات عن السلطة، وكذلك يختلف مع التعبير في قوله تعالى: ( وأُولُوا الارْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ اللّهِ ) ، وغيرها من التعبيرات القرآنية والمتعرضة للولاية في الأصعدة المختلفة.
وممَّا يعزِّز ما تقدم، قوله تعالى: ( فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْهِمَا ) فإنه تعالى ندب إلى التشاور بين الزوجين في رضاعة الطفل، مع أن
____________________
(1) كالمستشارين العسكريين والماليين والسياسيين والاجتماعيين وغيرهم.
ولاية الرضاعة ذات الأجرة بيد الزوج فقط، وإن كانت الحضانة في غير ذلك من حق الزوجة.
وكذا قوله تعالى: ( فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ اللّهِ لِنتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنتَ فَظّاً غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِي الأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ) ففيه ندبة من اللَّه للرسول صلىاللهعليهوآله إلى مشورة المسلمين في سياق الرأفة والرحمة بهم واللين معهم والعفو عنهم والاستغفار لهم، لا لتحكيم ولايتهم عليه(صلَّى الله عليه وآله ) (والعياذ باللَّه)؛ إذ ذيل الآية صرّح بأن العزم على الفعل مخصوص به صلىاللهعليهوآله ، بل إن الأمر بالتوكُّل فيه إشعار بنفوذ عزمه وحكمه صلىاللهعليهوآله وإن خالف آراءهم؛ ولذلك ذكر أكثر المفسِّرين وجوهاً في أمره بالمشاورة:
الأوَّل: أن ذلك لتطييب أنفسهم والتألُّف لهم والرفع من قدرهم.
الثاني: أن يُقتدى به في المشاورة، كي لا تُعد نقيصة، وليتميَّز الناصح من الغاش كتشاوره صلىاللهعليهوآله قبل واقعة بدر - الكبرى والصغرى - وغيرها من الوقائع.
الثالث: لتشجيعهم وتحفيزهم على الأدوار المختلفة، والتسابق إلى الخيرات والأعمال الخطيرة المهمة، وتنضيج عقول المسلمين وتنميتها، ولكي يتعرَّفوا على حكمة قرارات الرسول وأفعاله صلىاللهعليهوآله .
ومن الغفلة الاستدلال بمورد نزول الآية في غزوة أحد على كون الشورى ملزمة له صلىاللهعليهوآله ؛ بدعوى أن رأيه صلىاللهعليهوآله كان هو اللبث في المدينة وعدم الخروج، ورأي بقية أصحابه على الخروج، ومع ذلك تابع رأي الأكثرية وخرج إلى جبل أُحد. وقدمنا مفصَّلاً خطأ هذا الاعتقاد.
وممَّا يستأنس لكون معنى الشورى بمعنى المشورة والاستشارة، لا تحكيم السلطة الجماعية، أن الآية مكية ولم يكن ثمَّة كيان سياسي للمسلمين، بل إن ظاهر
الآية - حين نزولها - ترغيب المؤمنين في الاتصاف بتلك الصفات، فيكف يلتئم مفاد السلطة الجماعية مع ولاية الرسول صلىاللهعليهوآله المطلقة؟ ولذلك ترى أن كثيراً من مفسِّري العامة فسروا الآية بمعنى الاستشارة واستخراج الرأي، لا تحكيم السلطة الجماعية.
قام بعض المفكِّرين بمحاولة الجمع بين أدلة التعيين والنصب - ككثير من الآيات القرآنية الدالة على أن الإمامة عهد وجعل إلهي، وأن المنصوب هو علي عليهالسلام وذرِّيته - وبين ما يُزعم من مفاد آية الشورى ودلالتها على أن السلطة للأمة، بأنَّ مورد الأدلة الأولى هو مع وجود المعصوم عليهالسلام وتقلُّده للزعامة الاجتماعية السياسية، ومورد الثانية هو مع عدم وجوده عليهالسلام كما في زمن الغيبة. وهذا الرأي مردود؛ لأنه إن جُعل المدار لسلطة الأمة والشورى، وعدم تَقلُّد المعصوم الزعامة بالفعل، فذلك يعني شرعية سلطة الأمة في الفترة التي كان فيها علي عليهالسلام مُبعداً عن السلطة، وكذلك في فترة ما بعد صلح الحسن عليهالسلام إلى عصر الغيبة؛ حيث إنهم عليهمالسلام لم يكونوا متقلِّدين بالفعل زمام الحكم، وهذا مناقض لمبدأ النص و جعل المدار على وجودهم عليهمالسلام وإن لم يتقلَّدوا زمام الأمور و
الحكم بالفعل، فوجودهم لا تخلو منه الأرض (اللَّهُم بلى، لا تخلو الأرض من قائم للَّه بحججه، إمَّا ظاهر مشهور أو خائفاً مغمور، لكي لا تبطل حجج اللَّه وبيِّناته) (1) .
____________________
(1) رواه الصدوق في الإكمال بأسانيد مستفيضة عن كميل عن عليٍّ عليهالسلام ، وأسانيد أخرى في الخصال والأمالي، والحديث موجود في النهج وتحف العقول وكتاب الغارات،بل هذا المضمون روي في أحاديث متواترة في أكثر كتبنا الروائية.
ولا فرق بين حضور الإمام وغيبته بعد كون عدم تقلُّده زمام الأمور بالفعل غير مؤثِّر في كونه إماماً بالفعل - بما للإمامة من عهد إلهيٍّ معهود ذا شؤون عظيمة بالغة - كما في الحديث النبوي المروي عن الفريقين: (الحسن والحسين إمامان إن قاما أو قعدا) فقعودهما عليهماالسلام بسبب جور الأمة لا يفقدهما الجعل الإلهي والخلافة الإلهية على الأمة.
وهل من الإمكان إبداء الاحتمال أنه(عج) في غيبته يفقد هذا المنصب والجعل الإلهي؟! إذ هذا لا ينسجم مع مبدأ النص والتعيين. ومن هنا كان تمسُّك الفقهاء في نيابتهم في عصر الغيبة الكبرى بنصبه لهم نوَّاباً في قوله المروي مسنداً في غيبة الشيخ الطوسي: (وأمَّا الحوادث الواقعة، فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا؛ فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة اللَّه) فقوله عليهالسلام : (فإنهم حجتي عليكم) استنابة منه عليهالسلام للفقهاء.
وهل يُتعقَّل أن يكون للَّه حجتان بالأصل في عرض واحد بالفعل؛ بأن يكون الحجة(عج) في غيبته حجة بالأصل، ومُنْتَخَب الأمة حجة أخرى بالأصل، ولكن بالانتخاب لا بالنيابة عنه؟! ومن هنا كان دأب فقهاء الإمامية - على ضوء مبدأ النص والتعيين - على القول أن ولاية الفقيه مستمدة، في الغيبة، منه(عليه السلام وعجَّل اللَّه فرجه الشريف)، لا أنها للفقيه بالأصالة مع خلعه عليهالسلام عن ذلك المنصب.
هذا؛ ولا يغفل عن أن سبب عدم تقلُّده(عج) زمام الأمور والحكم وعدم الظهور، هو المذكور في قوله عليهالسلام : (لو كنتم على اجتماع من أمركم؛ لعُجِّل لكم الفرج) ولذلك قال السيد المرتضى والخواجة وغيرهما أن سبب غيبته منَّا نحن.
نعم، إذا أمكن أن تخلو الأرض من الحجة المعصوم، وأن يتْرُك اللَّه البشر وحالهم مع قوانين دينه على أوراق، وتكون - والعياذ باللَّه تعالى - يد اللَّه مغلولة، أمكن حينئذ ذلك الاحتمال والجمع المزعوم بين الأدلة.
ومن الطريف أن الدعوى المزبورة تُذعن في طيَّاتها بشروط المرشَّح بالانتخاب؛
من الفقاهة والكفاءة والأمانة والعدالة والضبط وسلامة الحواس إلى غير ذلك من الشروط التي لا تتوفَّر بنحو الإطلاق والسعة وبنحو الثبات الذي لا تزلزل فيه إلاّ في المعصوم عليهالسلام ، وكأن ذلك أوْبٌ إلى النص مرة أخرى؛ إذ الاشتراط في جذوره تعيين.
نعم، نصبه(عج) للفقهاء كنوّاب بالنيابة العامة قد استُفيد من قوله: (فارجعوا) الإيكال للأمة في اختيار أحد مصاديق النائب العام الجامع للشرائط، ولا يعني ذلك أن النصب بالأصالة من الأمة بالذات، بل منه(عج) بالأصالة ومن الأمة بتبع إيكال وتولية المعصوم لها، كما هو الحال في القضاء والإفتاء عند التساوي في الأوصاف.
ولا يُتوهَّم أن تولية الأمة ذلك يلزمه إمكان توليتها السلطة على نفسها بالأصالة من اللَّه تعالى في اختيار خليفة اللَّه في أرضه، إذ بين المقامين فيصل فاصل وفاروق فارق؛ حيث إنه لابدَّ من العصمة في قمة الهرم الإداري للمجتمع دون بقيَّة درجات ذلك الهرم، إذ بصلاح القمة يصلح مجموع الهيكل.
كما لا يُتوهَّم أنه حيث لابدَّ للناس من أمير برّ أو فاجر تدار به رحى إدارة النظام الاجتماعي البشري، وهذه اللَّابدَّية والضرورة العقلية التي نبَّه عليها علي عليهالسلام في النهج تقتضي تنصيب الأمير على الناس بالذات بالأصالة؛ من دون حديث النيابة عن المعصوم.
ووجه اندفاع التوهُّم: أن الضرورة العقلية تقتصي الزعيم. أمَّا شرائط كونه أمير برّ لا فاجر، فهو كون إمارته من تشريع اللَّه تعالى وإذنه؛ إذ الولاية للَّه تعالى الحق، والإمارة تجري على يد الفرد البشري المخوَّل منه تعالى في ذلك؛ ولذلك ترى أن عدة من الفقهاء(قدس سرُّهما) استدلوا بتلك الضرورة في الكشف عن إذنه وتنصيبه للفقهاء باعتبار أنهم القدر المتيقن، أو غير ذلك من التقريبات المذكورة
في كلماتهم.
وبذلك ننتهي إلى أن الآية هي في صدد الإشادة بصفة ممدوحة مهمة في المؤمنين؛ وهي عدم الاستبداد بالرأي، واعتماد العقل المجموعي في استخراج الرأي الصائب وفتح الأفق. وأما أين هي منطقة السلطة الجماعية؟ وأين هي منطقة السلطة الفردية؟ ومَن هو منهم؟ فذلك يتم استكشافه من مبدأ السلطات، وهو اللَّه تعالى، ومن ثُمَّ رسوله صلىاللهعليهوآله وخلفائه المعصومين، بالوقوف على حدود نصوص الجعل والتنصيب كما ذكرنا لذلك مثالاً في النائب العام والقاضي والمفتي.
والمهم التركيز على هذه الجهة في الآية: أن مادة الشورى هي لاستطلاع الرأي الصائب والمداولة مع بقية العقول، وفرق بين استطلاع رأي الآخرين وبين جمع إرادة الآخرين؛ فالأول هو موازنة بين الأفكار والآراء من المستطلِع والمستشير، والثاني سلطة جماعية، فلا يمكن إغفال التباين الماهوي بين الفكر والإرادة، وأن الشركة في الأول لا تعني الشركة في الثاني بتاتاً.
فالتوصية في الآية هي في اعتماد التلاقح الفكري في إعداد الفكرة. أما مرحلة البتّ والعزم والإرادة، فلا نظر إليها من قريب ولا من بعيد، ومجرد إضافة الأمر إلى ضمير الجماعة، لا يعني كونها في المقام الثاني، بعد كون مادة المشورة صريحة في المقام الأول، بل غاية ذلك هي أهمية اعتماد المفاوضة في استصواب الرأي في الموضوعات التي تخصُّ وتتعلق بمجموعهم، هذا لو جمدْنا على استظهار الموضوع المتعلق بالمجموع من لفظة (أمرهم)، ولم نستظهر معنى الشأن من الأمر - كما استظهره كثير من المفسِّرين - أي بمعنى: شأنهم وعادتهم ودأبهم على عدم الاستبداد بالرأي في الولاية والأمر بالمعروف، واعتماد طريقة الاستعانة بالمستشارين.
ونكتة الإضافة إلى ضمير الجماعة هي وحدة سَوق الأفعال في الآيات كما في:
( وَأَقِيمُوا الْصَّلاَةَ ) ( وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ ) ( وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ ) . وأمَّا لفظة (بينهم)، فهي ظرف لغوٍ متعلق بمادة الشورى؛ لكونها مداولة بين الآراء ومفاوضة لا تقلُّ عن كونها بين اثنين، فهي فعل بينيٌّ وفيما بينهم.
بعد هذا الاستعراض المطوَّل للطائفة الأولى من أدلة نظرية الشورى بالمعنى المصطلح؛ وهي ما ورد من الآيات والروايات من مادة الشورى والاستشارة، توصَّلنا إلى نتيجة: أن مفاد الشورى هو بيان منهج عقلائي؛ وهو جمع الخبرات والتجارب والاستضاءة بمعلومات الآخرين، وأن لا يكون إقدام على مهام الأمور إلاّ بعد المداولة الفكرية، وهي بعيدة عن تشريع سلطة للجماعة، بل تبقى السلطة لذلك الفرد الذي يقوم بغربلة هذه الآراء واختيار الأصح منها والأوفق مع ما عليه قواعد الدين. وهذا المنهج أصبح ألان منهجاً حضارياً مُتَّبعاً، بعيداً عن الدكتاتورية المطلقة والاستبداد بالرأي الواحد.
وقد ورد ذلك في آيتين:
أ - قوله تعالى: ( وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضَهُمْ أَولِياءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللّهَ وَرَسُولَهُ أُولئِكَ سَيَرْحَمُهُمْ اللّهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ ) (1) .
إن الظاهر من الآية الكريمة إسناد الولاية إلى الكل، فالمولى هو الكل، والمولى عليه كذلك؛ فهي ولاية الكل على الكل، وهذا يعني أن أمر الأمة بيدهم، وهذه الولاية تعمُّ ولاية النصرة (2) وولاية الأخوة والمودة. والأمر بالمعروف معنى عام شامل
____________________
(1) التوبة 71: 9.
(2) المنار، ج10، ص542 و105.
(ويذهب محمد رشيد رضا إلى أن الولاية معنى عام يشمل كلَّ معنى يحتمله، ولا يختص بأمر دون آخر) ويدخل في هذا السياق جميع الآيات الواردة فيها معنى الولاية كما في الأنفال 8 / 73.
ب - ( وَلِتَكُن مِنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ) (1) .
فهو أمر لكل المسلمين بأن تكون منهم جماعة خاصة وقوة معينة تأمر بالمعروف وتدير فيهم دفَّة الأمور؛ حيث إن الأمر بالمعروف عام يشمل كل ما فيه صلاح الأمة الإسلامية، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في درجاته الأولى مُثبِت لنحو من الولاية من الآمر والناهي على الطرف الآخر، فكيف في درجاته القصوى المستلزمة للضرب أو المنع الخارجي بالقوة؟
وبتقريب آخر: أن الأمر بالمعروف له صورتان:
أحدهما: صِرف الأمر والنهي الإنشائي والقولي.
والأخر: أن يراد منه الأمر التنفيذي وتطبيق ذلك المعروف والردع عن المنكر.
فإن كان الأمر الأول، فلا خصوصية فيه حتّى تختص به طائفة معينة، بل هو عام شامل لجميع المسلمين، فلابدَّ أن يكون المراد منه هو الصورة الثانية، وحينئذ يُتعقَّل تخصيصه بجماعة خاصة تقوم بهذا الأمر، بل إن محمد رشيد رضا (2)يرى أن هذه الآية في دلالتها على كون الشورى أصل الحكم في الإسلام أقوى من دلالة آيتي الشورى.
وفي كل ما ذُكر نظر؛ بيان ذلك:
1 - مادة (أولياء) و(ولي) ورد استعمالها في القران في موارد كثيرة جداً (3)
____________________
(1) آل عمران 3: 104.
(2) المنار، ج4، 45.
(3) راجع: معجم ألفاظ القرآن الكريم، ج2، 840.
واختلفت معانيها تبعاً لموارد استخدامها، ويمكن من خلال نظرة عامة إلى تلك الموارد القول: إنّ أكثر مواردها التي بصيغة الجمع كان معناها النصرة والمحبة. والمراد من هذه الآية هو ذلك بقرينة نفس الآيات المحيطة بهذه الآية، فإنها قد وردت ضمن آيات يقارِن فيها الحقُ تعالى بين فئتين من الناس؛ هم المنافقون والمؤمنون، ومورد هذه المقارنة في غزوة تبوك (1) حيث تخلَّفوا عنه صلىاللهعليهوآله واستهزؤوا به، فذكر ابتداءً وصف المنافقين؛ بأنّ بعضهم من بعض يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف، ويستمر في ذكر صفاتهم وبُعدهم عن الحق تعالى والعذاب في الآخرة. وفي قبال هذه الفئة يقف المؤمنون، وهم كالبنيان المرصوص في توادِّهم وتناصرهم وتحابِّهم، ويذكر صفاتهم التي هي على طرف النقيض من المنافقين، فهم يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، وعندما يقال: المؤمن ولي المؤمن. معناه: أنه ينصر أولياء اللَّه وينصر دينه، واللَّه وليه بمعنى: أولى بتدبيره وتصريفه وفرض طاعته عليه.
وبقية الصفات المذكورة من عباداتهم؛ إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة وإطاعة اللَّه ورسوله، والنتيجة الأخروية، وهي رحمة اللَّه تعالى والوعد بالجنة، وهذه كلها في قبال صفات المنافقين.
فالمنافقون يأمرون بالمنكر، والمؤمنون يأمرون بالمعروف.
والمنافقون ينهون عن المعروف، والمؤمنون ينهون عن المنكر.
والمنافقون يقبضون أيديهم، والمؤمنون يؤتون الزكاة.
والمنافقون نسوا اللَّه فنسيهم، والمؤمنون يطيعون اللَّه ورسوله وسيرحمهم اللَّه.
والمنافقون وعدهم نار جهنم، والمؤمنون وعدهم جنات تجري من تحتها
____________________
(1) البيان في تفسير القرآن، ج5، 257.
الأنهار.
فالمنافقون كتلة واحدة لهم نفس الوصف والجزاء، والمؤمنون ينصر بعضهم بعصاً ولهم نفس الوصف والجزاء.
فالآية الكريمة غير ناظرة إلى الولاية بمعنى الحكم وإدارة الشؤون كما هو مورد الاستشهاد بها.
وممَّا يدل على ما ذكرناه أيضاً أن إقامة الصلاة وإيتاء الزكاة أعمال فردية، وليست متفرِّعة عن ولاية البعض على البعض. مضافاً إلى أن ذيل الآية: ويطيعون اللَّه ورسوله، فإذا كانت بصدد بيان سلطة الجماعة على مجموع الأمة، فكيف يلتئم مع الحثِّ على طاعة الرسول صلىاللهعليهوآله وانصياعهم ومتابعتهم؟
2 - أمَّا الآية الثانية، فإن غاية ما تدل عليه أن الأمة يجب عليها تشكيل مثْل هذه الجماعة لتدير دفة الدولة، ولكن هذا لا يفيد أن السلطة من الأمة، بل السلطة تكون من قبل اللَّه تعالى، وأن التولية الفعلية العملية هي بيد الأمة، وهذه وظيفتهم من حيث أن الحكم وظيفة يقوم بها الحاكم والمحكوم، فالحاكم تكون سلطته من قبل اللَّه تعالى، وعلى المحكوم الرجوع وتمكين الحاكم من ذلك.
وبتعبير آخر: أن الآية تبيِّن الدور الذي يجب أن تقوم به الأمة في مجال الحكومة، وهو تمكين صاحب الصلاحية والسلطة، لا أن التشريع والقدرة هو بيد الأمة، فالآية لا تتعرض لهذا المقام، بل تذكر ما هو تكليف الأمة وكيف تتعامل مع مسألة الحكم وتمكين الحاكم.
3 - أن هذا الدور لا يعني أنّ لها تخويل مَن تشاء وتسلِّطه على نفسها، كيف والآية تصف الجماعة الآخذة بزمام الأمور أنها داعية إلى الخير كل الخير؛ لمكان اللام الجنسية أو الاستغراقية، آمرة بالمعروف كل المعروف؛ لمكان اللام أيضاً، ناهين عن المنكر كل المنكر؛ لذلك أيضاً، بما فيه المنكر الاعتقادي أو الاقتصادي أو المالي أو
الاجتماعي في كل المجالات والشؤون؟ ومن الظاهر أن الداعي إلى كل سبل الخير والآمر بكل معروف، دقَّ أو جلَّ وعظُم، وتوقُّفه، خبر بماهية المنكر، وحائز على العصمة العملية، كي لا يتوانى عن الأمر بكل معروف والنهي عن كل منكر، لا تأخذ في اللَّه لومة لائم، ولا يعدل به هوى عن ذلك؛ فتنحصر وظيفتهم - أي الأمة - في التكوين والرجوع الخارجي إلى تلك الجماعة غير المغضوب عليهم ولا الضالين.
4 - أن الآيات الحاصرة للولاية في فئة خاصة تكون مفسِّرة وحاكمة في الدلالة، ومبينة للفئة الخاصة التي يجب على الأمة الرجوع إليها وتمكينها خارجاً.
5 - أن في الآية احتمالاً آخر؛ وهو كونها في صدد بيان الوجوب الكفائي للآمر بالمعروف غير المشروط بالعلم بالمعروف، بل العلم قيد واجب فيه؛ وهو مغاير للوجوب الاستغراقي المشروط بالعلم بالمعروف؛ نظير: وجوب الحج الكفائي - غير المشروط - على كل المسلمين في كل سنة؛ أن يقيموا هذه الشعيرة لئلا يخلو البيت، وهو مغاير للوجوب الاستغراقي العيني المشورط بالاستطاعة.
ويمكن تقريبه بأن الشرط العام الذي يذكره الفقهاء في وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هو العلم بأحكام الشريعة، فالجاهل لا يتأتى منه ذلك. فاشتراط العلم هو شرط وجوب، وبضميمة أن التعلُّم لجميع الأحكام، أو غالباً غير ما يبتلى به نفس المكلف، واجب كفائي، فهذا يعني أن الواجب هو قيام فئة من المجتمع بالتعلُّم المزبور، فيتحقق موضوع الوجوب الآخر المشروط به؛ وهو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
فمن المحتمل أن تكون الآية الكريمة بصدد الإشارة إلى ضرورة حصول ذلك التوجه لدى فئة من المجتمع للقيام بهذه الوظيفة؛ نظير: الوجوب الكفائي، لإقامة الحجج غير المشروط بالاستطاعة؛ لئلاّ يخلو بيت اللَّه الحرام عن إقامة هذه الشعيرة ولئلاّ يعطّل.
وبتعبير آخر: أننا تارة ننظر إلى الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بمعنى إقامة
العدل والحدود وحفظ النظام الذي هو وظيفة الدولة، وتارة ننظر إليه بنحو شامل وعام لجميع الأفراد، والآية ناظرة إلى الثاني؛ والدليل على ذلك هو ما سبق الآية من قوله تعالى: ( يا أيُّها الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُم مُسْلِمُونَ * وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَلاَ تَفَرَّقُوا ) وهذه كلها ناظرة إلى تكاليف اجتماعية يقوم بها أفراد المجتمع، ويتوجَّب على المجتمع إقامتها والعمل على إيجادها خارجاً، وأن الآية ليست في صدد بيان واجبات الدولة اتجاه المجتمع.
وقد ورد في تفسير هذه الآية قوله عليهالسلام : (إنما الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على العالم). فوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على هذا الاحتمال وجوب كفائي؛ وهو واجب على الأمة بنحو الكفاية.
1 - ( إِنَّ الَّذِينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللَّهَ يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَن نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَن أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً ) (1) .
2 - ( يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا جَاءَكَ الْمُؤْمِنَاتُ يُبَايِعْنَكَ عَلَى أَن لاَ يُشْرِكْنَ بِاللَّهِ شَيْئاً وَلاَ يَسْرِقْنَ وَلاَ يَزْنِينَ وَلاَ يَقْتُلْنَ أَوْلاَدَهُنَّ وَلاَ يَأْتِينَ بِبُهْتَانٍ يَفْتَرِينَهُ بَيْنَ أَيْدِيهِنَّ وَأَرْجُلِهِنَّ وَلاَ يَعْصِينَكَ فِي مَعْرُوفٍ فَبَايِعْهُنَّ وَاسْتَغْفِرْ لَهُنَّ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ ) (2) .
ينطلق المُستدِل من المعنى اللغوي للبيعة؛ فالبيعة: الصفقة على إيجاب البيع، وبايعته من البيع، والمبايعة: عبارة عن المعاقدة والمعاهدة، كأن كل واحد منهما باع
____________________
(1) الفتح 48: 10.
(2) الممتحنة 60:12.
ما عنده من صاحبه وأعطاه خالصة نفسه (1) .
فالبيع تمليك من جهة البايع للمشتري، ونقل الولاية على هذه العين للمشتري، ولا يصح البيع إلاّ ممَّن له الولاية والصلاحية للتصرُّف في المبيع. والبيعة هي إنشاء ولاية من المبايِع للمبايَع على نفسه، وإسناد هذه المبايعة للأمة يدل على أن الولاية هي للأمة، وهي تنقلها إلى الرسول صلىاللهعليهوآله أو للمعصوم في نظرية النص.
وقد استدل من الروايات:
ـ عن موسى بن جعفر عليهالسلام قال: (ثلاث موبقات: نكث الصفقة، وترك السنة، وفراق الجماعة) (2) . وقال العلامة المجلسي: نكث الصفقة نقض البيعة، وإنما سُمِّيت البيعة صفقة؛ لأن المتبايعَين يضع أحدهما يده في يد الأخر عندها. ويؤيِّد ما مضى السبر التأريخي؛ حيث نرى الالتزام بالبيعة، فبيعة العقبة الأولى والثانية، وبيعة الإمام علي وأبنيه الحسن والحسين عليهمالسلام ، ومبايعة الإمام الرضا عليهالسلام ، وما ورد في مبايعة الإمام المهدي(عجل اللَّه تعالى فرجه) (3) .
وتقريب الاستدلال بالروايات:
1 - نفس المعنى اللغوي المتقدم والذي يجعل البيعة نوع تولية وإنشاء ولاية، فالطاعة وإنشاء الولاية للحاكم في مقابل تقسيم بيت المال والغنائم كما يظهر من مفردات الراغب، وقد ذكر ابن خلدون في مقدمته/ الفصل الثالث/ فصل 29: أن
____________________
(1) لسان العرب، ج8، ص26؛ مادة: بيع.
(2) بحار الأنوار، ج2، ب32، ح26.
(3) سيرة ابن هشام، ج2، ص66 - 73، والكامل لابن الأثير، ج2، ص252، والإرشاد، ص116 - 170 ـ186، والاحتجاج، ج1، ص34، ونهج البلاغة، الخطب، ص137 - 229، وفي الغيبة للنعماني، ص175 - 176 في أمر الحجة عليهالسلام : (فوالله، لكأني أنظر إليه بين الركن والمقام؛ يبايع الناس بأمر جديد، وكتاب جديد، وسلطان جديد من السماء).
البيعة هي العهد على الطاعة؛ كأنما المبايع يعاهد أميره على أن يُسلم له النظر في أمر نفسه وأمور المسلمين. وكانوا إذا بايعوا الأمير وعقدوا عهداً، جعلوا أيديهم في يده تأكيد للعهد، فأشبه فعل البايع والمشتري، فسُمِّي بيعة؛ مصدر باع، وصارت البيعة مصافحة بالأيدي.
2 - ما ورد من التعبير أنه عهد اللَّه، وهذا ينسجم مع قوله تعالى: ( لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ ) ، ومنه يعلم أن الإمامة والحاكمية تنوجد وتتولَّد من البيعة.
3 - أن السيرة العقلائية الجارية في فترة ما قبل الإسلام مقتضاها أن البيعة وسيلة لعقد التولية وتأمير الحاكم، وهذه الحقيقة والماهية أمضاها الإسلام.
4 - من تكرُّر السيرة على أخذ البيعة عند الاستخلاف يدل على ضرورة وجود نوع من المناسبة بين البيعة وبين تسليط وتأمير الآخرين، وهذا يدل على أنه كما ننشئ بالتأمير والولاية بالنص فإنها تنشأ بالبيعة، فكأنه يوجد طريقان لحصول التأمير والاستخلاف؛ أحدهما: النص، والأخر: البيعة، فإذا ما وجدا معاً، فإنه يكون من باب التأكيد والثبوت، كما في تولية الرسول الأكرم صلىاللهعليهوآله حيث لم يقل أحد أن تولِّيه كان بالبيعة، بل بنص اللَّه عزَّوجلَّ الذي أوجب حاكمية الرسول صلىاللهعليهوآله ، وأنه أولى بالمؤمنين من أنفسهم، كما أوجب رسالته ونبوته. أما كون البعية له هي المنشئة لتولِّيه وإمرته، فهي بعيدة عن أقوال العامة والخاصة، ومَن ادعى ذلك من المتأخرين، فهو عن غفلة عن تلك النصوص ومخالفة لضرورة الذين عند الفريقين.
وفي هذا الاستدلال تأمل من جهات:
1 - إننا ننطلق من نفس مدلول البيع؛ فإن المحققين والفقهاء (1) نصُّوا على أن البيع ليس من الأسباب الأولية لحصول الملكية، فهو ليس والابتكار
____________________
(1) يراجع: الشيخ الأنصاري، المكاسب، أول كتاب البيع، كما نصَّ على ذلك السنهوري في الوسيط.
والإرث، بل هو يكون فرعاً عن ملكية سابقة، ففي الرتبة السابقة يجب أن يكون للبايع (المبايع) صلاحية وسلطان معين على مورد المبايعة، ثم ينقله إلى آخر. فنفس دليل البيعة لا يدل على وجود تلك الملكية السابقة والسيادة السابقة للأمة؛ إي إذا فرض كون سيادة موجودة، فحينئذ تكون المبايعة نقل لتلك السيادة من الأمة إلى الحاكم (1)؛ ويؤيِّد ذلك أن نفس المعاني التي ذكرها اللُّغويُّون بعيدة عن إنشاء الإمرة والحاكمية، بل غاية ما تدل عليه هو الالتزام ببذل الطاعة. وفي مسند أحمد بن حنبل؛ قلت لسلمة بن الأكوع: على أي شيء بايعتم رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله يوم الحديبية؟ قال: بايعته على الموت. فلم تكن المبايعة على الترشيح أو التولية.
2 - لو لاحظنا ما ذُكر في الآيتين الكريمتين من مورد البيعة، وأن المسلمين عندما بايعوا على ماذا بايعوا؟ وأن المؤمنات عندما بايعن على ماذا بايعن؟ هل بايعوا على أمور لهم صلاحية تركها والالتزام بها، فاختاروا الثاني؟ أم أن المبايعة كانت على الحاكمية؟
إننا نلاحظ أنه في الآيتين - وفي غيرها - لم يرد ذكر للحاكمية على الإطلاق، بل وردت المبايعة على المناصرة والالتزام بأمور أوجبها الإسلام كعدم الشرك وترك الزنا وعدم العصيان، وهي أمور يجب الالتزام بها ويحرم عليهم تركها، فما الذي أفادته البيعة؟! إذن... البيعة تعبير ظاهري وخارجي عن ذلك الالتزام؛ فهي أولاً: لم يكن موردها الحاكمية، فإن حاكمية الرسول هي من اللَّه، وثانياً: لم تكن فيه عملية نقل أو إنشاء ولاية على الإطلاق، وهذا يعني أن للبيعة معنى آخر ليس هو نفس المعنى المأخوذ في البيع.
____________________
(1) ويمكن التنظير بالدليل التعليقي التقديري، فإنه يثبت الحكم على فرض وجود موضوعه، ولا يتعرَّض لحالات الموضوع، فإذا ورد دليل يتعرَّض لنفي الموضوع للحكم المزبور في مورد معين، فإنه لا يعارض ذلك الدليل؛ لأنه لا يتعرَّض للموضوع، بل للمحمول فقط.
3 - النقض بالنذر والعهد واليمين؛ فإن مورد هذه الأمور قد يكون المباحات وقد يكون الواجبات أيضاً، فالصلاة الواجبة والثابت وجوبها قبل النذر يجعلها المكلف مورداً للنذر، وحينئذٍ يكون الوجوب آكد، ويكون وجوبان؛ أحدهما: سابق على النذر، والآخر: لاحق عليه، ويفسِّر الفقهاء ذلك بأنه إنشاء عهد للَّه عزَّوجل. ومورد البيعة قد لا يكون أمراً بيد المكلف اختياره، بل يكون من الواجبات ويكون النذر بها تعهُّداً زائداً، والبيعة كذلك؛ فالمبايع يُنشئ التعهد بالتزام حاكمية ذلك المبايَع مع أن أصل الحاكمية ثابت في رتبة سابقة، وليس سبب الحاكمية هو المبايعة، بل قد تكون في بعض صورها أداء لأمر واجب عليهم كما في مبايعة الرسول صلىاللهعليهوآله والإمام عليهالسلام .
إذن، فالبيعة تكون نوعُ توثيقٍ وزيادة تعهُّدٍ وتغليظ للتكليف والثبات على مَن نُصَّ على ولايته، وغاية ما يفرق بينها وبين النذر وأخويه، أن الأخير في الأمور العبادية، والأول في الأمور الاجتماعية والسياسية. ويشير لذلك عدة من الروايات؛ منها: موثَّقة مسعدة بن صدقة، عن جعفر عن أبيه عليهماالسلام أنه قال له: (إن الإيمان قد يجوز بالقلب دون اللسان؟) فقال له: (إن كان ذلك كما تقول، فقد حرم علينا قتال المشركين، وذلك أنَّا لا ندري بزعمك لعل ضميره الإيمان، فهذا القول نقض لامتحان النبي صلىاللهعليهوآله مَن كان يجيئه يريد الإسلام، وأخذه إياه بالبيعة عليه وشروطه وشدة التأكيد) قال مسعدة: ومن قال بهذا فقد كفر البتة مِن حيث لا يعلم) (البحار/ ج68 / ص241) نقلاً عن قرب الإسناد للحميري( ومفاده: أن الإيمان لو كان في القلب دون اللسان لتوجَّه النقض - والعياذ باللَّه - على رسول اللَّه صلىاللهعليهوآله في قتاله للمشركين؛ إذ قد يكون آمن وتحقَّق الإيمان في قلبه دون لسانه. ونقض آخر: أنه لم يطالب صلىاللهعليهوآله مَن أتاه يريد الإسلام بالتشهد بالشهادتين وأخذ البيعة بعد تشهده التي هي زيادة استيثاق وتأكيد للالتزام بالتشهد.
4 - إن ما ذُكر من موارد المبايعة في الآيتين، أمور يجب على المبايع الالتزام بها عند إنشائه للشهادتين ودخوله في الإسلام، ولا تحتاج إلى البيعة لأجل إيجابها عليه، ففي بيعة الشجرة كان الجهاد مفروضاً على المسلمين قبلها، وكان واجباً عليهم الإطاعة ممَّا يدل على أن البيعة لم تُنشأ أصل الالتزام، بل هو تغليظ وتعهُّد ظاهري.
5 - من المسلمات والبديهيات الدينية أن منشأ السلطة هو الله عزَّوجل ( إِنِ الْحُكْمُ إِلاَّ لِلّهِ ) ، وهذا لا يتلائم مع ما استدل به المدعي من أنّ ماهية البيعة هي نقل سلطة الفرد للمبايَع، وهذا يعني وجود سلطنة للفرد على مورد البيعة في رتبة سابقة، وهذا ينافي تلك المسلمة البديهية وأن السلطنة للَّه عزَّوجلَّ وقد استخلف الرسول صلىاللهعليهوآله في أيَّام حياته.
6 - إن القائل بالبيعة لا يقول بها بنحو مطلق، بل يجعلها مقيَّدة بقيود أوجبها الشارع والعقل، فلا تجوز بيعة الظالمين، وكذلك يجب توافر الشروط التي أوجبها الشارع في الوالي وتدور حول محورين، هما: الكفاءة والأمانة، وهاتان الصفتان لا تكونان بنحوٍ واحد عند كل الأفراد، بل تختلف بنحوٍ متفاوت، فإذا انطبقت على أحدهما دون الآخر، فإن العقل سوف يعيِّن مَن هو أكفأ وأكثر أمانة. وإذا ثبت توفر الصفتين بنحو تام الكمال إلى حد العصمة بأدلة أخرى ونصوص تامة السند والدلالة - طبقاً لنظرية النص - فإنها سوف تكون هي المعينة. وعلى كل حال... فإنّ التعيين، إما أن يكون للعقل أو الشرع.
فيعود الأمر إلى أن الشارع هو الذي يعطي الصلاحية لا الفرد، ويكون دور الفرد هو الكاشفية فقط.
7 - إن الروايات طافحة بعبائر أمثال: (الأمر للَّه يضعه حيث يشاء)، وهذا يعني أن البيعة ليست تولية، وخصوصاً إذا لاحظنا ما دار بين الرسول صلىاللهعليهوآله وبين عامر بن
صعصعة حيث دعاهم إلى اللَّه وعرض عليهم نفسه، فقال له رجل منهم: إن نحن بايعناك على أمرك، ثم أظهرك اللَّه على مَن خالفك، أيكون لنا الأمر من بعدك؟ قال صلىاللهعليهوآله : (الأمر للَّه يضعه حيث يشاء).
8 - إن البيعة نوع من العقود والعهود، وهذا يعني أنها تصنَّف في باب المعاملات، فيجب أن نعود قليلاً إلى الأدلة الواردة في باب المعاملات. فإن الفقهاء يصنِّفون الأدلة هناك إلى قسمين: أدلة صحة، وأدلة لزوم. ويعنون بأدلة الصحة: هي الأدلة التي تتعرَّض إلى ماهية المعاملة وحقيقتها وأنها صحيحة أم لا، والثانية تتعرَّض إلى المعاملة الصحيحة وأنها لازمة ولا يجوز فسخها.
وبتعبير آخر؛ الفرق بينهما موضوعاً ومحمولاً:
أما موضوعاً، فموضوع أدلة الصحة هي الماهية المعاملية، بفرض وجودها عند متعارف العقلاء، وموضوع أدلة اللزوم هو المعاملة الصحيحة عند الشرع.
أما محمولاً، ففي أدلة الصحة المحمول هو صحة المعاملة، وإثبات وجودها الاعتباري في اعتبار الشارع. أما أدلة اللزوم، فمحمولها هو لزوم المعاملة وعدم جواز فسخها. والتفريق بين هذين الصنفين من الأدلة مهم جداً؛ حيث لا يمكن التمسَّك بـ (المؤمنون عند شروطهم) إذا شك في صحة ماهية معاملية، فهي ليست من أدلة الصحة، بل من أدلة اللزوم التي يؤخذ في موضوعها ماهية معاملية أولية صحيحة ويتعرض لوصف يطرأ عليها، وهو وصف اللزوم.
وبناء عليه يطرح التساؤل: أين يمكن تصنيف أدلة البيعة أفي أدلة الصحة أم في أدلة اللزوم؟ بمقتضى التعاريف اللغوية وأنها بمعنى العهد، فإنها تصنَّف في الثانية، وهذا يعني أن هذه الأدلة لا تتعرَّض لمورد البيعة وأن المبايعة لهذا الوالي صحيحة أم لا، بل يجب أن يثبت في مرتبة سابقة، ومن خلال أدلة أخرى، أنّ التولية لهذا الشخص ممكنة وواجبة، ثم تكون البيعة نوع توثيق وتوكيد لذلك الأمر الثابت
عموا وهو ضعيف ؛ لان الفعل قد وقع في موضعه فلا ينوى به غيره ، وقيل الواو علامة جمع لا اسم ، وكثير فاعل صموا قوله تعالى :( ثالث ثلاثة ) أى أحد ثلاثة ، ولا يجوز في مثل هذا إلا الاضافة( وما من إله ) من زائدة وإله في موضع مبتدأ ، والخبر محذوف : أى وما للخلق إله( إلا الله ) بدل من إله ، ولو قرئ بالجر بدلا من لفظ إله كان جائزا في العربية( ليمسن ) جواب قسم محذوف وسد مسد جواب الشرط الذى هو وإن لم ينتهوا و( منهم ) في موضع الحال ، إما من الذين ، أو من ضمير الفاعل في كفروا قوله تعالى :( قد خلت من قبله الرسل ) في موضع رفع صفة لرسول( كانا يأكلان الطعام ) لا موضع له من الاعراب( أنى ) بمعنى كيف في موضع الحال ، والعامل فيها( يؤفكون ) ولايعمل فيها نظرا ؛ لان الاستفهام لا يعمل فيه ما قبله .
قوله تعالى :( مالا يملك ) يجوز أن تكون" ما " نكرة موصوفة ، وأن تكون بمعنى الذى قوله تعالى :( تغلوا ) فعل لازم( وغير الحق ) صفة لمصدر محذوف : أى غلوا غير الحق ، ويجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل : أى لاتغلوا مجاوزين الحق .
قوله تعالى :( من بنى إسرائيل ) في موضع الحال من الذين كفروا أو من ضمير الفاعل في كفروا( على لسان داود ) متعلق بلعن كقولك : جاء زيد على الفرس( ذلك بما عصوا ) قد تقدم ذكره في غير موضع ، وكذلك و( لبئس ما كانوا ) و( لبئس ماقدمت لهم ) قوله تعالى :( أن سخط الله عليهم ) أن والفعل في تقدير مصدر مرفوع خبر ابتداء محذوف : أى هو سخط الله ، وقيل : في موضع نصب بدلا من" ما " أى بئس شيئا سخط الله عليهم ، وقيل : هو في موضع جر بلام محذوفة ، أى ؛ لان سخط قوله تعالى :( عداوة ) تمييز ، والعامل فيه أشد ، و( للذين آمنوا ) متعلق بالمصدر أو نعت له( اليهود ) المفعول الثانى لتجد( ذلك ) مبتدأ ، و( بأن منهم ) الخبر : أى ذلك كائن بهذه الصفة قوله تعالى :( وإذا سمعوا ) الواو هاهنا عطفت إذا على خبر أن ، وهو قوله :" لا يستكبرون " فصار الكلام داخلا في صلة أن وإذا في موضع نصب ب( ترى ) وإذا
وجوابها في موضع رفع عطفا على خبر أن الثانية ، ويجوز أن يكون مستأنفا في اللفظ ، وإن كان له تعلق بما قبله في المعنى ، و( تفيض ) في موضع نصب على الحال ؛ لان ترى من رؤية العين ، و( من الدمع ) فيه وجهان : أحدهما : أن من لابتداء الغاية : أى فيضها من كثرة الدمع والثانى : أن يكون حالا ، والتقدير : تفيض مملوءة من الدمع ، وأما( مما عرفوا ) فمن لابتداء الغاية ومعناها : من أجل الذى عرفوه ، و( من الحق ) حال من العائد المحذوف( يقولون ) حال من ضمير الفاعل في عرفوا قوله تعالى :( وما لنا ) ما في موضع رفع بالابتداء ، ولنا الخبر ، و( لا نؤمن ) حال من الضمير في الخبر ، والعامل فيه الجار : أى مالنا غير مؤمنين ، كما تقول : مالك قائما( وما جاءنا ) يجوز أن يكون في موضع جر : أى وبما جاءنا( من الحق ) حال من ضمير الفاعل ، ويجوز أن تكون لابتداء الغاية : أى ولما جاءنا من عند الله ، ويجوز أن يكون مبتدأ ومن الحق الخبر ، والجملة في موضع الحال( ونطمع ) يجوز أن يكون معطوفا على نؤمن : أى ومالنا لانطمع ، ويجوز أن يكون التقدير : ونحن نطمع ، فتكون الجملة حالا من ضمير الفاعل في نؤمن ، و( أن يدخلنا ) أى في أن يدخلنا ، فهو في موضع نصب أو جر على الخلاف بين الخليل وسيبويه قوله تعالى :( حلالا ) فيه ثلاثة أوجه : أحدها : هو مفعول كلوا ، فعلى هذا يكون مما في موضع الحال ؛ لانه صفة للنكرة قدمت عليها ، ويجوز أن تكون" من " لابتداء غاية الاكل ، فتكون متعلقة بكلوا كقولك : أكلت من الخبز رغيفا إذا لم ترد الصفة
والوجه الثانى : أن يكون حالا من" ما " ؛ لانها بمعنى الذى ، ويجوز أن يكون حالا من العائد المحذوف فيكون العامل رزق والثالث : أن يكون صفة لمصدر محذوف : أى أكلا حلالا ، ولايجوز أن ينصب حلالا برزق على أنه مفعوله ؛ لان ذلك يمنع من أن يعود إلى" ما " ضمير .
قوله تعالى :( باللغو في أيمانكم ) فيه ثلاثة أوجه : أحدها أن تكون متعلقة بنفس اللغو ؛ لانك تقول : لغا في يمينه ، وهذا مصدر بالالف واللام يعمل ولكن معدى بحرف الجر والثانى : أن تكون حالا من اللغو : أى باللغو كائنا أو واقعا في أيمانكم والثالث : أن يتعلق في بيؤاخذكم( عقدتم ) يقرأ بتخفيف القاف وهو الاصل ، وعقد اليمين هو قصد الالتزام بها ، ويقرأ بتشديدها وذلك لتوكيد اليمين
كقوله :" والله الذى لا إله إلا هو " ونحوه ، وقيل التشديد يدل على تأكيد العزم بالالتزام بها ، وقيل إنما شدد لكثرة الحالفين وكثرة الايمان ، وقيل : التشديد عوض من الالف في عاقد ، ولايجوز أن يكون التشديد لتكرير اليمين ؛ لان الكفارة تجب وإن لم تكرر ، ويقرأ" عاقدتم " بالالف ، وهى بمعنى عقدتم كقولك : قاطعته وقطعته من الهجران( فكفارته ) الهاء ضمير العقد ، وقد تقدم الفعل الدال عليه ، وقيل : تعود على اليمين بالمعنى ؛ لان الحالف واليمين بمعنى واحد ، و( إطعام ) مصدر مضاف إلى المفعول به ، والجيد أن يقدر بفعل قد سمى فاعله ؛ لان ماقبله ومابعده خطاب ، ف( عشرة ) على هذا في موضع نصب( من أوسط ) صفة لمفعول محذوف تقديره : إن تطعموا عشرة مساكين طعاما أو قوتا من أوسط : أى متوسطا( ماتطعمون ) أى الذى تطعمون منه أو تطعمونه( أو كسوتهم ) معطوف على إطعام ، ويقرأ شاذا" أو كاسوتهم " فالكاف في موضع رفع : أى أو مثل أسوة أهليكم في الكسوة( أوتحرير ) معطوف على إطعام وهو مصدر مضاف إلى المفعول أيضا( إذا حلفتم ) العامل في إذا كفارة إيمانكم ؛ لان المعنى ذلك يكفر أيمانكم وقت حلفكم( كذلك ) الكاف صفة مصدر محذوف أى يبين لكم آياته تبيينا مثل ذلك قوله تعالى :( رجس ) إنما أفرد ؛ لان التقدير إنما عمل هذه الاشياء رجس ، ويجوز أن يكون خبرا عن الخمر وإخبار المعطوفات محذوف لدلالة خبر الاول عليها ، و( من عمل ) صفة لرجس أن خبر ثان ، والهاء في( اجتنبوه ) ترجع إلى الفعل أو إلى الرجس والتقدير رجس من جنس عمل الشيطان قوله تعالى :( في الخمر والميسر ) في متعلقة بيوقع ، وهى بمعنى السبب : أى بسبب شرب الخمر وفعل الميسر ، ويجور أن تتعلق في بالعداوة ، أو بالبغضاء : أى أن تتعادوا ، وأن تتباغضوا بسبب الشرب ، وهو على هذا مصدر بالالف واللام معمل ، والهمزة في البغضاء للتأنيث وليس مؤنث أفعل ، إذ ليس مذكر البغضاء أبغض وهو مثل البأساء والضراء( فهل أنتم منتهون ) لفظه استفهام ، ومعناه الامر : أى انتهوا ، لكن الاستفهام عقيب ذكر هذه المعايب أبلغ من الامر قوله تعالى :( إذا مااتقوا ) العامل في إذا معنى : ليس على الذين آمنوا وعملوا الصالحات جناح : أى لايأثمون إذا مااتقوا قوله تعالى :( من الصيد ) في موضع جر صفة لشئ ، ومن لبيان الجنس ،
وقيل : للتبعيض إذ لايحرم إلا الصيد في حال الاحرام ، وفى الحرم وفى البر والصيد في الاصل مصدر ، وهو هاهنا بمعنى المصيد ، وسمى مصيدا وصيدا لمآله إلى ذلك وتوفر الدواعى إلى صيده ، فكأنه لما أعد للصيد صار كأنه مصيد ( تناله ) صفة لشئ ، ويجوز أن يكون حالا من شئ ؛ لانه قد وصف ، وأن يكون حالا من الصيد ( ليعلم ) اللام متعلقة بليبلونكم ( بالغيب ) يجوز أن يكون في موضع الحال من " من " أو من ضمير الفاعل في يخافه : أى يخافه غائبا عن الخلق ، ويجوز أن يكون بمعنى في : أى في الموضع الغائب عن الخلق ، والغيب مصدر في موضع فاعل قوله تعالى : ( وأنتم حرم ) في موضع الحال من ضمير الفاعل في تقتلوا ، و ( متعمدا ) حال من الضمير الفاعل في قتله ( فجزاء ) مبتدأ والخبر محذوف ، وقيل : التقدير فالواجب جزاء ، ويقرأ بالتنوين ، فعلى هذا يكون ( مثل ) صفة له أو بدلا ، ومثل هنا بمعنى مماثل ، ولايجوز على هذه القراءة أن يعلق من النعم بجزاء ؛ لانه مصدر ومايتعلق به من صلته ، والفصل بين الصلة والموصول بالصفة أو البدل غير جائز ؛ لان الموصول لم يتم فلا يوصف ولايبدل منه ، ويقرأ شاذا " جزاء " بالتنوين ، ومثل بالنصب ، وانتصابه بجزاء ، ويجوز أن ينتصب بفعل دل عليه جزاء : أى يخرج أو يؤدى مثل ، وهذا أولى فإن الجزاء يتعدى بحرف الجر ، ويقرأ في المشهور بإضافة جزاء إلى المثل ، وإعراب الجزاء على ماتقدم ، ومثل في هذه القراءة في حكم الزائدة ، وهو كقولهم : مثلى لايقول ذلك : أى أنا لاأقول ، وإنما دعا إلى هذا التقدير أن الذى يجب به الجزاء المقتول لامثله ، وأما ( من النعم ) ففيه أوجه : أحدها : أن تجعله حالا من الضمير في قتل ؛ لان المقتول يكون من النعم ، والثانى : أن يكون صفة لجزاء إذا نونته : أى جزاء كائن من النعم ، والثالث : أن تعلقها بنفس الجزاء إذا أضفته ؛ لان المضاف إليه داخل في المضاف فلا يعد فصلا بين الصلة والموصول ، وكذلك إن نونت الجزاء ونصبت مثلا ؛ لانه عامل فيهما فهما من صلته ، كما تقول : يعجبني ضربك زيدا بالسوط ( يحكم به ) في موضع رفع صفة لجزاء إذا نونته ، وأما على الاضافة فهو في موضع الحال ، والعامل فيه معنى الاستقرار المقدر في الخبر المحذوف ( ذوا عدل ) الالف للتثنية ، ويقرأ شاذا " ذو " على الافراد ، والمراد به الجنس ، كما تكون " من " محمولة على المعنى ، فتقديره : على هذا فريق ذو عدل أو حاكم ذو عدل ، و ( منكم ) صفة لذوا ، ولايجوز أن يكون صفة العدل ؛ لان عدلا هنا مصدر غير وصف ( هديا ) حال من الهاء في به وهو بمعنى
مهدى ، وقيل : هو مصدر ، أى يهديه هديا ، وقيل على التمييز ، و( بالغ الكعبة ) صفة لهدى ، والتنوين مقدر : أى بالغا الكعبة( أو كفارة ) معطوف على جزاء : أى أو عليه كفارة إذا لم يجد المثل ، و( طعام ) بدل من كفارة أو خبر مبتدإ محذوف أى هى طعام ، ويقرأ بالاضافة ، والاضافة هنا لتبيين المضاف ، و( صياما ) تمييز( ليذوق ) اللام متعلقة بالاستقرار : أى عليه الجزاء ليذوق ، ويجوز أن تتعلق بصيام وبطعام( فينتقم الله ) جواب الشرط ، وحسن ذلك لما كان فعل الشرط ماضيا في اللفظ قوله تعالى :( وطعامه ) الهاء ضمير البحر ، وقيل : ضمير الصيد ، والتقدير : وإطعام الصيد أنفسكم ، والمعنى أنه أباح لهم صيد البحر وأكل صيده بخلاف صيده البر( متاعا ) مفعول من أجله ، وقيل مصدر : أى متعتم بذلك تمتيعا( مادمتم ) يقرأ بضم الدال وهو الاصل ، وبكسرها وهى لغة ، يقال دمت تدام( حرما ) جمع حرام ككتاب وكتب ، وقرئ في الشاذ حرما بفتح الحاء والراء : أى ذوى حرم ، أى إحرام ، وقيل جعلهم بمنزلة المكان الممنوع منه قوله تعالى :( جعل الله ) هى بمعنى صبر فيكون( قياما ) مفعولا ثانيا ، وقيل : هى بمعنى خلق فيكون قياما حالا ، و( البيت ) بدل من الكعبة ويقرأ" قياما " بالالف : أى سببا لقيام دينهم ومعاشهم ، ويقرأ" قيما " بغير ألف ، وهو محذوف من قيام كخيم في خيام( ذلك ) في موضع رفع خبر مبتدإ محذوف : أى الحكم الذى ذكرناه ذلك : أى لاغيره ، ويجوز أن يكون المحذوف هو الخبر ، ويجوز أن يكون في موضع نصب : أى فعلنا ذلك أو شرعنا ، واللام في( لتعلموا ) متعلقة بالمحذوف قوله تعالى :( عن أشياء ) الاصل فيها عند الخليل وسيبويه شيئاء بهمزتين بينهما ألف وهى فعلاء من لفظ شئ ، وهمزتها الثانية للتأنيث ، وهى مفردة في اللفظ ومعناها الجمع ، مثل قصباء وطرفاء ، ولاجل همزة التأنيث لم تنصرف ، ثم إن الهمزة الاولى التى هى لام الكلمة قدمت فجعلت قبل الشين كراهية الهمزتين بينهما ألف خصوصا بعد الياء فصار وزنها لفعاء ، وهذا قول صحيح لايرد عليه إشكال وقال الاخفش والفراء : أصل الكلمة شئ مثل هين على فعل ، ثم خففت ياؤه كما خففت ياء هين فقيل شئ كما قيل هين ، ثم جمع على أفعلاء وكان الاصل أشياء كما قالوا هين وأهوناء ثم حذفت الهمزة الاولى فصار وزنها أفعاء فلامها محذوفة ومثل آخرون الاصل في شئ شيئ مثل صديق ، ثم جمع على أفعلاء كأصدقاء وأنبياء ، ثم حذفت
الهمزة الاولى ، وقيل : هو جمع شئ من غير تغيير كبيت وأبيات وهو غلط ؛ لان مثل هذا الجمع ينصرف ، وعلى الاقوال الاول يمتنع صرفه لاجل همزة التأنيث ، ولو كان أفعالا لانصرف ، ولم يسمع أشياء منصرفة البتة ، وفى هذا المسألة كلام طويل فموضعه التصريف( إن تبد لكم تسؤكم ) الشرط وجوابه في موضع جر صفة لاشياء( عفا الله عنها ) قيل هو مستأنف ، وقيل هو في موضع جر أيضا ، والنية به التقديم : أى عن أشياء قد عفا الله لكم عنها قوله تعالى :( من قبلكم ) هو متعلق بسألها ، ولايجوز أن يكون صفة لقوم ولاحالا ؛ لان ظرف الزمان لايكون صفة للجثة ولاحالا منها ولاخبرا عنها قوله تعالى :( ماجعل الله من بحيرة ) " من " زائدة وجعل هاهنا بمعنى سمى فعلى هذا يكون بحيرة أحد المفعولين والآخر محذوف : أى ماسمى الله حيوانا بحيرة ويجوز أن تكون جعل متعدية إلى مفعول واحد بمعنى ماشرع ، ولاوضع ، وبحيرة فعيلة بمعنى مفعولة والسائبة فاعلة من ساب يسيب إذا جرى ، وهو مطاوع سيبه فساب ، وقيل هى فاعلة بمعنى مفعولة : أى مسيبة والوصيلة بمعنى الواصلة ، والحامى فاعل من حمى ظهره يحميه قوله تعالى :( حسبنا ) هو مبتدأ وهو مصدر بمعنى اسم الفاعل ، و( ماوجدنا ) هو الخبر" ما " بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، والتقدير : كافينا الذى وجدناه ووجدنا هنا يجوز أن تكون بمعنى علمنا ، فيكون( عليه ) المفعول الثانى ، ويجوز أن تكون بمعنى صادفنا فتتعدى إلى مفعول واحد بنفسها وفى عليه على هذا وجهان : أحدهما : هى متعلقة بالفعل معدية له كما تتعدى ضربت زيدا بالسوط والثانى : أن تكون حالا من الآباء ، وجواب( أو لو كان ) محذوف ، تقديره : أو لو كانوا يتبعونهم .
قوله تعالى :( عليكم أنفسكم ) عليكم هو اسم للفعل هاهنا ، وبه انتصب أنفسكم ، والتقدير : احفظوا أنفسكم ، والكاف والميم في عليكم في موضع جر ؛ لان اسم الفعل هو الجار والمجرور ، وعلى وحدها لم تستعمل اسما للفعل ، بخلاف رويدكم فإن الكاف والميم هناك للخطاب فقط ولاموضع لهما ؛ لان رويدا قد استعملت اسما للامر للمواجه من غير كاف الخطاب ، وهكذا قوله :" مكانكم أنتم وشركاؤكم " ، الكاف والميم في موضع جر أيضا ، ويذكر في موضعه إن شاء الله تعالى( لايضركم ) يقرأ بالتشديد والضم على أنه مستأنف ، وقيل : حقه الجزم على جواب الامر ولكنه حرك بالضم إتباعا لضمة الضاد ، ويقرأ بفتح الراء على أن حقه الجزم وحرك بالفتح
ويقرأ بتخفيف الراء وسكونها وكسر الضاد وهو من ضاره يضيره ، ويقرأ كذلك إلا أنه بضم الضاد وهو من ضاره يضوره ، وكل ذلك لغات فيه ، و( إذا ) ظرف ليضر ، ويبعد أن يكون ظرفا لضل ؛ لان المعنى لايصح معه قوله تعالى :( شهادة بينكم ) يقرأ برفع الشهادة وإضافتها إلى بينكم ، والرفع على الابتداء ، والاضافة هنا إلى بين على أن تجعل بين مفعولا به على السعة ، والخبر اثنان ، والتقدير : شهادة اثنين ، وقيل التقدير : ذوا شهادة بينكم اثنان ، فحذف المضاف الاول ، فعلى هذا يكون( إذا حضر ) ظرفا للشهادة ، وأما( حين الوصية ) ففيه على هذا ثلاثة أوجه : أحدها : هو ظرف للموت والثانى : ظرف لحضر ، وجاز ذلك إذ كان المعنى حضر أسباب الموت والثالث : أن يكون بدلا من إذا ، وقيل : شهادة بينكم مبتدأ وخبره إذا حضر ، وحين على الوجوه الثلاثة في الاعراب ، وقيل خبر الشهادة حين ، وإذا ظرف للشهادة ، ولايجوز أن يكون إذا خبرا للشهادة وحين ظرفا لها ، إذ في ذلك الفصل بين المصدر وصلته بخبره ، ولايجوز أن تعمل الوصية في إذا ؛ لان المصدر لايعمل فيما قبله ، ولاالمضاف إليه في الاعراب يعمل فيما قبله وإذا جعلت الظرف خبرا عن الشهادة فاثنان خبر مبتدإ محذوف : أى الشاهدان اثنان ، وقيل الشهادة مبتدأ ، وإذا وحين غير خبرين ، بل هما على ماذكرنا من الظرفية ، واثنان فاعل شهادة ، وأغنى الفاعل عن خبر المبتدإ ، و( ذوا عدل ) صفة لاثنين ، وكذلك( منكم أو آخران ) معطوف على اثنان ، و( من غيركم ) صفة لآخران ، و( إن أنتم ضربتم في الارض ) معترض بين آخران وبين صفته ، وهو( تحبسونهما ) أى أو آخران من غيركم محبوسان ، و( من بعد ) متعلق بتحبسون ، وأنتم مرفوع بأنه فاعل فعل محذوف ؛ لانه واقع بعد إن الشرطية فلا يرتفع بالابتداء ، والتقدير : إن ضربتم ، فلما حذف الفعل وجب أن يفصل الضمير فيصير أنتم ليقوم بنفسه ، وضربتم تفسير للفعل المحذوف لاموضع له( فيقسمان ) جملة معطوفة على تحبسونهما ، و( إن ارتبتم ) معترض بين يقسمان وجوابه ، وهو( لانشترى ) وجواب الشرط محذوف في الموضعين أغنى عنه معنى الكلام ، والتقدير : إن ارتبتم فاحبسوهما أو فحلفوهما ، وإن ضربتم في الارض فأشهدوا اثنين ، ولانشترى جواب يقسمان ؛ لانه يقوم مقام اليمين ، والهاء في( به ) تعود إلى الله تعالى أو على القسم أو اليمين أو الحلف أو على تحريف الشهادة أو على الشهادة ؛ لانها قول ، و( ثمنا ) مفعول نشترى ، ولاحذف فيه ؛ لان
الثمن يشترى كما يشترى به ، وقيل التقدير : ذا ثمن( ولو كان ذا قربى ) اى ولو كان المشهود له لم يشتر( ولانكتم ) معطوف على لانشترى وأضاف الشهادة إلى الله ؛ لانه أمر بها فصارت له ، ويقرأ شهادة بالتنوين ، وألله بقطع الهمزة من غير مد وبكسر الهاء على أنه جره بحرف القسم محذوفا ، وقطع الهمزة تنبيها على ذلك ، وقيل : قطعها عوض من حرف القسم ، ويقرأ كذلك إلا أنه بوصل الهمزة والجر على القسم من غير تعويض ولاتنبيه ، ويقرأ كذلك إلا أنه بقطع الهمزة ومدها ، والهمزة على هذا عوض من حرف القسم ، ويقرأ بتنوين الشهادة ووصل الهمزة ونصب إسم الله من غير مد على أنه منصوب بفعل القسم محذوفا قوله تعالى :( فإن عثر ) مصدره العثور ، ومعناه اطلع ، فأما مصدر عثر في مشيه ومنطقه ورأيه فالعثار ، و( على أنهما ) في موضع رفع لقيامه مقام الفاعل( فآخران ) خبر مبتدإ محذوف : أى فالشاهدان آخران ، وقيل : فاعل فعل محذوف : أى فليشهد آخران ، وقيل : هو مبتدأ والخبر( يقومان ) وجاز الابتداء هنا بالنكرة لحصول الفائدة ، وقيل : الخبر الاوليان ، وقيل المبتدأ الاوليان ، وآخران خبر مقدم ، ويقومان صفة آخران إذا لم تجعله خبرا ، و( مقامهما ) مصدر ، و( من الذين ) صفة أخرى لآخران ، ويجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل في يقومان( استحق ) يقرأ بفتح التاء على تسمية الفاعل ، والفاعل الاوليان ، والمفعول محذوف : أى وصيتهما ، ويقرأ بضمها على مالم يسم فاعله ، وفى الفاعل وجهان : أحدهما : ضمير الاثم لتقدم ذكره في قوله :" استحقا إثما " أى استحق عليهم الاثم ، والثانى الاوليان : إى إثم الاولين ، وفى( عليهم ) ثلاثة أوجه : أحدها : هى على بابها كقولك : وجب عليه الاثم .
والثانى هى بمعنى في : أى استحق فيهم الوصية ونحوها والثالث : هى بمعنى من : أى استحق منهم الاوليان ، ومثله " اكتالوا على الناس يستوفون " أى من الناس ( الاوليان ) يقرأ بالالف على تثنية أولى وفى رفعه خمسة أوجه : أحدها : هو خبر مبتدإ محذوف : أى هما الاوليان ، والثانى : هو مبتدأ وخبره آخران ، وقد ذكر ، والثالث : هو فاعل استحق وقد ذكر أيضا ، والرابع : هو بدل من الضمير في يقومان ، والخامس : أن يكون صفة لآخران ؛ لانه وإن كان نكرة فقد وصف والاوليان لم يقصد بهما قصد اثنين
بأعيانهما وهذا محكى عن الاخفش ويقرأ الاولين ، وهو جمع أول ، وهو صفة للذين استحق أو بدل من الضمير في عليهم ، ويقرأ الاولين وهو جمع أولى ، وإعرابه كإعراب الاولين ، ويقرأ الاولان تثنية الاول ، وإعرابه كإعراب الاوليان( فيقسمان ) عطف على يقومان( لشهادتنا أحق ) مبتدأ وخبر ، وهو جواب يقسمان قوله تعالى :( ذلك أدنى أن يأتوا ) : أى من أن يأتوا أو إلى أن يأتوا ، وقد ذكر نظائره ، و( على وجهها ) في موضع الحال من الشهادة : أى محققة أو صحيحة( أو يخافوا ) معطوف على يأتوا ، و( بعد أيمانهم ) ظرف لترد أو صفة الايمان قوله تعالى :( يوم يجمع الله ) العامل في يوم يهدى : أى لايهديهم في ذلك اليوم إلى حجة أو إلى طريق الجنة ، وقيل : هو مفعول به ، والتقدير : واسمعوا خبر" يوم يجمع الله " فحذف المضاف( ماذا ) في موضع نصب ب( أجبتم ) وحرف الجر محذوف : أى بماذا أجبتم ، وما وذا هنا بمنزلة اسم واحد ، ويضعف أن يجعل ذا بمعنى الذى هاهنا ؛ لانه لاعائد هنا ، وحذف العائد مع حرف الجر ضعيف( إنك أنت علام الغيوب ) و" إنك أنت العزيز الحكيم " مثل" إنك أنت العليم الحكيم " وقد ذكر في البقرة .
قوله تعالى :( إذ قال الله ) يجوز أن يكون بدلا من يوم ، والتقدير : إذ يقول ، ووقعت هنا إذ هى للماضى على حكاية الحال ، ويجوز أن يكون التقدير : اذكر إذ يقول( ياعيسى ابن ) يجوز أن يكون على الالف من عيسى فتحة ؛ لانه قد وصف بابن وهو بين علمين ، وأن يكون عليها ضمة ، وهى مثل قولك : يازيد بن عمرو بفتح الدال وضمها ، فإذا قدرت الضم جاز أن تجعل ابن مريم صفة وبيانا وبدلا( إذ أيدتك ) العامل في إذ" نعمتى " ويجوز أن يكون حالا من نعمتى ، وأن يكون مفعولا به على السعة ، وأيدتك وآيدتك قد قرئ بهما ، وقد ذكر في البقرة( تكلم الناس ) في موضع الحال من الكاف في أيدتك ، و( في المهد ) ظرف لتكلم أو حال من ضمير الفاعل في تكلم( وكهلا ) حال منه أيضا ، ويجوز أن يكون من الكاف في أيدتك وهى حال مقدرة" وإذ علمتك ، واذ تخلق ، وإذ تخرج " معطوفات على إذ أيدتك( من الطين ) يجوز أن يتعلق بتخلق فتكون من لابتداء غاية الخلق وأن يكون حالا( من هيئة الطير ) على قول من أجاز تقديم حال المجرور عليه ، والكاف مفعول تخلق ، وقد تكلمنا على قوله :" هيئة الطير " في آل عمران( فتكون طيرا ) يقرأ بياء ساكنة من غير ألف وفيه وجهان : أحدهما : أنه مصدر في معنى الفاعل .
والثانى : أن يكون أصله طيرا مثل سيد ، ثم خفف إلا أن ذلك يقل فيما عينه ياء وهو جائز ، ويقرأ طائرا وهى صفة غالبة ، وقيل : هو اسم للجمع مثل الحامل والباقر ، و( تبرئ ) معطوف على تخلق( إذ جئتهم ) ظرف لكففت( سحر مبين ) يقرأ بغير ألف على أنه مصدر ، ويشار به إلى ماجاء به من الآيات ، ويقرأ ساحر بالالف والاشارة به إلى عيسى ، وقيل : هو فاعل في معنى المصدر كما قالوا عائذا بالله منك : أى عوذا أو عياذا قوله تعالى :( وإذ أو حيت ) معطوف على" إذ أيدتك " ( أن آمنوا ) يجوز أن تكون أن مصدرية فتكون في موضع نصب بأوحيت ، وأن تكون بمعنى أى ، وقد ذكرت نظائره قوله تعالى :( إذ قال الحواريون ) أى اذكر اذ قال ، ويجوز أن يكون ظرفا لمسلمون( هل يستطيع ربك ) يقرأ بالياء على أنه فعل وفاعل ، والمعنى : هل يقدر ربك أو يفعل ، وقيل التقدير : هل يطيع ربك ، وهما بمعنى واحد مثل استجاب وأجاب وأستجب وأجب، ويقرأ بالتاء، وربك نصب، والتقدير: هل يستطيع سؤال ربك فحذف المضاف، فأما قوله( أن ينزل ) فعلى القراءة الاولى هو مفعول يستطيع ، والتقدير : على أن ينزل ، أو في أن ينزل ، ويجوز أن لايحتاج إلى حرف جر على أن يكون يستطيع بمعنى يطيق ، وعلى القراءة الاخرى يكون مفعولا لسؤال المحذوف قوله تعالى :( أن قد صدقتنا ) أن مخففة من الثقيلة واسمها محذوف وقد عوض منه وقيل : أن مصدرية وقد لاتمنع من ذلك( نكون ) صفة لمائدة ، و( لنا ) يجوز أن يكون خبر كان ، ويكون( عيدا ) حالا من الضمير في الظرف أو حالا من الضمير في كان على قول من ينصب عنها الحال ، ويجوز أن يكون عيدا الخبر ، وفى لنا على هذا وجهان : أحدهما : أن يكون حالا من الضمير في تكون والثانى : أن تكون حالا من عيد ؛ لانه صفة له قدمت عليه ، فأما( لاولنا وآخرنا ) فإذا جعلت لنا خبرا أو حالا من فاعل تكون فهو صفة لعيد ، وإن جعلت لنا صفة لعيد كان لاولنا وآخرنا بدل من الضمير المجرور بإعادة الجار ، ويقرأ لاولانا وأخرانا على تأنيث الطائفة أو الفرقة وأما من السماء فيجوز أن يكون صفة لمائدة ، وأن يتعلق بينزل( وآية ) عطف على عيد ، و( منك ) صفة لها .
قوله تعالى :( منكم ) في موضع الحال من ضمير الفاعل في يكفر( عذابا ) اسم للمصدر الذى هو التعذيب فيقع موقعه ، ويجوز أن يجعل مفعولا به على السعة ، وأما قوله :( لاأعذبه ) يجوز أن تكون الهاء للعذاب وفيه على هذا وجهان : أحدهما : أن يكون حذف حرف الجر : أى لاأعذب به أحدا والثانى : أن يكون مفعولا به على السعة ، ويجوز أن يكون ضمير المصدر المؤكد كقولك ظننته زيدا منطلقا ، ولاتكون هذه الهاء عائدة على العذاب الاول فإن قلت : لاأعذبه صفة لعذاب ، فعلى هذا التقدير لايعود من الصفة إلى الموصوف شئ قيل : إن الثانى لما كان واقعا موقع المصدر والمصدر جنس وعذابا نكرة كان الاول داخلا في الثانى ، والثانى مشتملا على الاول ، وهو مثل : زيد نعم الرجل ، ويجوز أن تكون الهاء ضمير من ، وفى الكلام حذف : أى لاأعذب الكافر : أى مثل الكافر : أى مثل عذاب الكافر قوله تعالى :( اتخذونى ) هذه تتعدى إلى مفعولين لانهما بمعنى صيرونى ، و( من دون الله ) في موضع صفة إلهين ، ويجوز أن تكون متعلقة باتخذوا( أن أقول ) في موضع رفع فاعل يكون ، ولى الخبر ، و( ماليس ) بمعنى الذى أو نكرة موصوفة وهو مفعول أقول ؛ لان التقدير : أن أدعى أو أذكر ، واسم ليس مضمر فيها ، وخبرها( لى ) و( بحق ) في موضع الحال من الضمير في الجار ، والعامل فيه الجار ، ويجوز أن يكون بحق مفعولا به تقديره : ماليس يثبت لى بسبب حق ، فالباء تتعلق بالفعل المحذوف لابنفس الجار ؛ لان المعانى لاتعمل في المفعول به ، ويجوز أن يجعل بحق خبر ليس ، ولى تبيين كما في قولهم : سقيا له ورعيا ، ويجوز أن يكون بحق خبر ليس ، ولى صفة بحق قدم عليه فصار حالا ، وهذا يخرج على قول من أجاز تقديم حال المجرور عليه( إن كنت قلته ) كنت لفظها ماض ، والمراد المستقبل ، والتقدير : إن يصح دعواى لى ، وإنما دعا هذا ؛ لان إن الشرطية لامعنى لها إلا في المستقبل ، فآل حاصل المعنى إلى ماذكرناه قوله تعالى :( ماقلت لهم إلا ماأمرتنى به ) " ما " في موضع نصب بقلت أى ذكرت أو أديت الذى أمرتنى به فيكون مفعولا به ، ويجوز أن تكون" ما " نكرة موصوفة وهو مفعول به أيضا( أن اعبدوا الله ) يجوز أن تكون أن مصدرية والامر صلة لها وفى الموضع ثلاثة أوجه : الجر على البدل من الهاء ، والرفع على إضمار هو ، والنصب على إضمار أعنى أو بدلا من موضع به ، ولايجوز أن تكون بمعنى أن المفسرة ؛ لان القول قد صرح به ، وأى لاتكون مع التصريح بالقول( ربى ) صفة لله أو بدل منه ، و( عليهم ) يتعلق ب( شهيدا ) .
( مادمت ) " ما " هنا مصدرية ، والزمان معها محذوف : أى مدة مادمت ، ودمت هنا يجوز أن تكون الناقصة ، و( فيهم ) خبرها ، ويجور أن تكون التامة : أى ماأقمت فيهم ، فيكون فيهم ظرفا للفعل ، و( الرقيب ) خبر كان( وأنت ) فصل أو توكيد للفاعل ويقرأ بالرفع على أن يكون مبتدأ وخبرا في موضع نصب قوله تعالى :( إن تعذبهم فإنهم عبادك ) الفاء جواب الشرط ، وهو محمول على المعنى : أى إن تعذبهم تعدل وإن تغفر لهم تتفضل قوله تعالى :( هذا يوم ) هذا مبتدأ ويوم خبره ، وهو معرب ؛ لانه مضاف إلى معرب فبقى على حقه من الاعراب ، ويقرأ" يوم " بالفتح وهو منصوب على الظرف. وهذا فيه وجهان : أحدهما : هو مفعول قال : أى قال الله هذا القول في يوم والثانى : أن هذا مبتدأ ويوم ظرف للخبر المحذوف : أى هذا يقع أو يكون يوم ينفع وقال الكوفيون : يوم في موضع رفع خبر هذا ، ولكنه بنى على الفتح لاضافته إلى الفعل ، وعندهم يجوز بناؤه ، وإن أضيف إلى معرب ، وذلك عندنا لايجوز إلا إذا أضيف إلى مبنى ، و( صدقهم ) فاعل ينفع ، وقد قرئ شاذا صدقهم بالنصب على أن يكون الفاعل ضمير اسم الله ، وصدقهم بالنصب على أربعة أوجه : أحدها : أن يكون مفعولا له : أى لصدقهم والثانى : أن يكون حذف حرف الجر : أى بصدقهم والثالث : أن يكون مصدرا مؤكدا : أى الذين يصدقون صدقهم كما تقول : تصدق الصدق والرابع : أن يكون مفعولا به ، والفاعل مضمر في الصادقين : أى يصدقون الصدق كقوله : صدقته القتال ، والمعنى : يحققون الصدق .
سورة الانعام
بسم اللّه الرحمن الرحيم
قوله تعالى :( بربهم ) الباء تتعلق ب( يعدلون ) أى الذين كفروا يعدلون بربهم غيره ، والذين كفروا مبتدأ، ويعدلون الخبر ، والمفعول محذوف ، ويجوز على هذا أن تكون الباء بمعنى عن ، فلا يكون في الكلام مفعول محذوف ، بل يكون يعدلون لازما : أى يعدلون عنه إلى غيره ، ويجوز أن تتعلق الباء بكفروا فيكون المعنى : الذين جحدوا ربهم مائلون عن الهدى قوله تعالى :( خلقكم من طين ) في الكلام حذف مضاف : أى خلق أصلكم ومن طين متعلق بخلق ، ومن هنا لابتداء الغاية ، ويجوز أن تكون حالا : أى خلق أصلكم كائنا من طين( وأجل مسمى ) مبتدأ موصوف ، و( عنده ) الخبر .
قوله تعالى :( وهو الله ) وهو مبتدأ والله الخبر ، و( في السموات ) فيه وجهان : أحدهما : يتعلق ب( يعلم ) أى يعلم سركم وجهركم في السموات والارض ، فهما ظرفان للعلم فيعلم على هذا خبر ثان ، ويجوز أن يكون الله بدلا من هو ويعلم الخبر والثانى : أن يتعلق" في " باسم الله ؛ لانه بمعنى المعبود : أى وهو المعبود في السموات والارض ويعلم على هذا خبر ثان أو حال من الضمير في المعبود أو مستأنف وقال أبوعلي : لايجوز أن تتعلق" في " باسم الله ؛ لانه صار بدخول الالف واللام والتغيير الذى دخله كالعلم ولهذا قال تعالى :" هل تعلم له سميا " وقيل : قد تم الكلام على قوله :" في السموات وفى الارض " يتعلق بيعلم ، وهذا ضعيف ؛ لانه سبحانه معبود في السموات وفى الارض ويعلم مافى السماء والارض فلا اختصاص لاحدى الصفتين بأحد الظرفين ، و( سركم وجهركم ) مصدران بمعنى المفعولين : أى مسركم ومجهوركم ، ودل على ذلك قوله :" يعلم ماتسرون وماتعلنون " أى الذى ، ويجوز أن يكونا على بابهما قوله تعالى :( من آية ) موضعه رفع بتأتى ، ومن زائدة ، و( من آيات ) في موضع جر صفة لآية ، ويجوز أن تكون في موضع رفع على موضع آية قوله تعالى :( لما جاءهم ) لما ظرف لكذبوا ، وهذا قد عمل فيها وهو قبلها ، ومثله إذا ، و( به ) متعلق ب( يستهزئون ) قوله تعالى :( كم أهلكنا ) كم استفهام بمعنى التعظيم فلذلك لايعمل فيها يروا وهى في موضع نصب بأهلكنا ، فيجوز أن تكون كم مفعولا به ، ويكون( من قرن ) تبيينا لكم ، ويجوز أن يكون ظرفا ، ومن قرن مفعول أهلكنا ، ومن زائدة أى كم أزمنة أهلكنا فيها من قبلهم قرونا ، ويجوز أن يكون كم مصدرا : أى كم مرة وكم إهلاكا وهذا يتكرر في القرآن كثيرا( مكناهم ) في موضع جر صفة القرن ، وجمع على المعنى( مالم نمكن لكم ) رجع من الغيبة في قوله :" ألم يروا " إلى الخطاب في لكم ، ولو قال لهم لكان جائزا و" ما " نكرة موصوفة ، والعائد محذوف : أى شيئا لم نمكنه لكم ، ويجوز أن تكون" ما " مصدرية والزمان محذوف أى مدة مالم نمكن لكم : أى مدة تمكنهم أطول من مدتكم ، ويجوز أن تكون" ما " مفعول نمكن على المعنى ؛ لان المعنى أعطيناهم مالم نعطكم ، و( مدرارا ) حال من السماء ، و( تجرى ) المفعول الثانى لجعلنا أو حال من الانهار إذا جعلت جعل متعدية إلى واحد ، و( من تحتهم ) يتعلق بتجرى ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في تجرى : أى وهى من تحتهم ، ويجوز أن يكون من تحتهم مفعولا ثانيا لجعل أو حالا من الانهار .
وتجرى في موضع الحال من الضمير في الجار : أى وجعلنا الانهار من تحتهم جارية : أى استقرت جارية ، و( من بعدهم ) يتعلق بأنشأنا ، ولايجوز أن يكون حالا من قرن ؛ لانه ظرف زمان قوله تعالى :( في قرطاس ) نعت لكتاب ، ويجوز أن يتعلق بكتاب على أنه ظرف له ، والكتاب هنا المكتوب في الصحيفة لانفس الصحيفة ، والقرطاس بكسر القاف وفتحها لغتان وقد قرئ بهما ، والهاء في( لمسوه ) يجوز أن ترجع على قرطاس ، وأن ترجع على كتاب قوله تعالى :( مايلبسون ) " ما " بمعنى الذى وهو مفعول" لبسنا " قوله تعالى :( ولقد استهزئ ) يقرأ بكسر الدال على أصل التقاء الساكنين ، وبضمها على أنه أتبع حركتها حركة التاء لضعف الحاجز بينهما ، و( ما ) بمعنى الذى ، وهو فاعل حاق ، و( به ) يتعلق ب( يستهزءون ) ومنهم الضمير للرسل فيكون منهم متعلقا بسخروا لقوله :" فيسخرون منهم " ويجوز في الكلام سخرت به ، ويجوز أن يكون الضمير راجعا إلى المستهزئين فيكون منهم حالا من ضمير الفاعل في سخروا قوله تعالى :( كيف كان ) كيف خبر كان ، و( عاقبة ) اسمها ، ولم يؤنث الفعل ؛ لان العاقبة بمعنى المعاد فهو في معنى المذكر ، ولان التأنيث غير حقيقى قوله تعالى :( لمن ) من استفهام ، و( ما ) بمعنى الذى في موضع مبتدإ ، ولمن خبره( قل لله ) أى قل هو لله( ليجمعنكم ) قيل موضعه نصب بدلا من للرحمة وقيل لاموضع له بل هو مستأنف واللام فيه جواب قسم محذوف وقع كتب موقعه( لاريب فيه ) قد ذكر في آل عمران والنساء( الذين خسروا ) مبتدأ( فهم ) مبتدأ ثان ، و( لايؤمنون ) خبره ، والثانى وخبره خبر الاول ، ودخلت الفاء لما في الذين من معنى الشرط وقال الاخفش : للذين خسروا : بدل من المنصوب في ليجمعنكم ، وهو بعيد ؛ لان ضمير المتكلم والمخاطب لايبدل منهما لوضوحهما غاية الوضوح ، وغيرهما دونهما في ذلك قوله تعالى :( أغير الله ) مفعول أول( أتخذ ) و( وليا ) الثانى ، ويجوز أن يكون أتخذ متعديا إلى واحد وهو ولى ، وغير الله صفة له قدمت عليه فصارت حالا ، ولايجوز أن تكون غير هنا استثناء( فاطر السموات ) يقرأ بالجر وهو المشهور ، وجره على البدل من اسم الله ، وقرئ شاذا بالنصب وهو بدل من ولى ، والمعنى
على هذا : أجعل فاطر السموات والارض غير الله ، ويجوز أن يكون صفة لولى ، والتنوين مراد ، وهو على الحكاية : أى فاطر السموات( وهو يطعم ) بضم الياء وكسر العين( ولايطعم ) بضم الياء وفتح العين وهو المشهور ، ويقرأ" ولايطعم " بفتح الياء والعين ، والمعنى على القراءتين يرجع إلى الله ، وقرئ في الشاذ" وهو يطعم " يفتح الياء والعين ، ولايطعم بضم الياء وكسر العين ، وهذا يرجع إلى الولى الذى هو غير الله( من أسلم ) أى أول فريق أسلم( ولاتكونن ) أى وقيل لى لاتكونن ، ولو كان معطوفا على ماقبله لقال وأن لاأوكون قوله تعالى :( من يصرف عنه ) يقرأ بضم الياء وفتح الراء على مالم يسم فاعله ، وفى القائم مقام الفاعل وجهان : أحدهما :( يومئذ ) أى من يصرف عنه عذاب يومئذ فحذف المضاف ، ويومئذ مبنى على الفتح والثانى : أن يكون مضمرا في يصرف يرجع إلى العذاب فيكون يومئذ ظرفا ليصرف أو للعذاب أو حالا من الضمير ، ويقرأ بفتح الياء وكسر الراء على تسمية الفاعل : أى من يصرف الله عنه العذاب ، فمن على هذا مبتدأ ، والعائد عليه الهاء في عنه ، وفى( رحمه ) والمفعول محذوف وهو العذاب ، ويجوز أن يكون المفعول يومئذ : أى عذاب يومئذ ، ويجوز أن تجعل" من " في موضع نصب بفعل محذوف تقديره : من يكرم يصرف الله عنه العذاب ، فجعلت يصرف تفسيرا للمحذوف ، ومثله" فإياى فارهبون " ويجوز أن ينصب من يصرف ، وتجعل الهاء في عنه للعذاب : أى أى إنسان يصرف الله عنه العذاب فقد رحمه ، فأما" من " على القراءة الاولى فليس فيها إلا الرفع على الابتداء ، والهاء في عنه يجوز أن ترجع على" من " وأن ترجع على العذاب قوله تعالى :( فلا كاشف له ) له خبر كاشف( إلا هو ) بدل من موضع لاكاشف ، أو من الضمير في الظرف ، ولايجوز أن يكون مرفوعا بكاشف ، ولابدلا من الضمير فيه ؛ لانك في الحالتين اسم" لا " ومتى أعملته ظاهرا نونته قوله تعالى :( وهو القاهر فوق عباده ) هو مبتدأ ، والقاهر خبره ، وفى فوق وجهان : أحدهما : هو أنه في موضع نصب على الحال من الضمير في القاهر : أى وهو القاهر مستعليا أو غالبا والثانى : هو في موضع رفع على أنه بدل من القاهر أو خبر ثان ، قوله تعالى :( أى شئ ) مبتدأ و( أكبر ) خبره ،( شهادة ) تمييز ، وأى بعض ماتضاف إليه ، فإذا كانت استفهاما اقتضى الظاهر أن يكون جوابها مسمى باسم ماأضيف إليه : أى وهذا يوجب أن يسمى الله شيئا ، فعلى هذا يكون قوله :( قل الله )
جوابا والله مبتدأ والخبر محذوف : أى أكبر شهادة ، وقوله :( شهيد ) خبر مبتدإ محذوف ، ويجوز أن يكون الله مبتدأ وشهيد خبره ، ودلت هذه الجملة على جواب أى من طريق المعنى ، و( بينكم ) تكرير للتأكيد ، والاصل شهيد بيننا ، ولك أن تجعل بين ظرفا يعمل فيه شهيد ، وأن تجعله صفة لشهيد فيتعلق بمحذوف( ومن بلغ ) في موضع نصب عطفا على المفعول في أنذركم وهو بمعنى الذى ، والعائد محذوف ، والفاعل ضمير القرآن : أى وأنذر من بلغه القرآن( قل إنما هو إله واحد ) في ماوجهان : أحدهما : هى كافة ؛ لان عن العمل فعلى هذا هو مبتدأ وإله خبره ، وواحد صفة مبينة وقد ذكر مشروحا في البقرة والثانى : أنها بمعنى الذى في موضع نصب بأن وهو مبتدأ وإله خبره ، والجملة صلة الذى ، وواحد خبر إن وهذا أليق بما قبله قوله تعالى :( الذين آتيناهم الكتاب ) في موضع رفع بالابتداء ، و( يعرفونه ) الخبر والهاء ضمير الكتاب ، وقيل : ضمير النبى صلى الله عليه وسلم( الذين خسروا أنفسهم ) مثل الاولى قوله تعالى :( ويوم نحشرهم ) هو مفعول به ، والتقدير : واذكر يوم نحشرهم و( جميعا ) حال من ضمير المفعول ومفعولا( تزعمون ) محذوفان : أى تزعمونهم شركاءكم ، ودل على المحذوف ماتقدم .
قوله تعالى :( ثم لم تكن ) يقرأ بالتاء ، ورفع الفتنة على أنها اسم كان ، و( أن قالوا ) الخبر ، ويقرأ كذلك إلا أنه بالياء ؛ لان تأنيث الفتنة غير حقيقى ، ولان الفتنة هنا بمعنى القول ، ويقرأ بالياء ، ونصب الفتنة على أن اسم كان أن قالوا وفتنتهم الخبر ، ويقرأ كذلك إلا أنه بالتاء على معنى أن قالوا ؛ لان أن قالوا بمعنى القول والمقالة والفتنة( ربنا ) يقرأ بالجر صفة لاسم الله ، وبالنصب على النداء أو على إضمار أعنى وهو معترض بين القسم والمقسم عليه ، والجواب( ماكنا ) قوله تعالى :( من يستمع ) وحد الضمير في الفعل حملا على لفظ" من " وماجاء منه على لفظ الجمع ، فعلى معنى" من " نحو :" من يستمعون " و" من يغوصون له " ( أن يفقهوه ) مفعول من أجله : أى كراهة أن يفقهوه ، و( وقرا ) معطوف على أكنة ، ولايعد الفصل بين حرف العطف والمعطوف بالظرف فصلا ؛ لان الظرف أحد المفاعيل ، فيجوز تقديمه وتأخيره ، ووحد الوقر هنا ؛ لانه مصدر ، وقد استوفى القول فيه في أول البقرة( حتى إذا ) إذا في موضع نصب بجوابها ، وهو يقول :
وليس لحتى هنا عمل وإنما أفادت معنى الغاية كما لاتعمل في الجمل ، و( يجادلونك ) حال من ضمير الفاعل في جاءوك ، والاساطير جمع واختلف في واحده ، فقيل هو أسطورة ، وقيل واحدها إسطار ، والاسطار جمع سطر بتحريك الطاء ، فيكون أساطير جمع الجمع ، فأما سطر بسكون الطاء فجمعه سطور وأسطر قوله تعالى :( وينأون ) يقرأ بسكون النون ، وتحقيق الهمزة وبإلقاء حركة الهمزة على النون وحذفها فيصير اللفظ بها ينون بفتح النون وواو ساكنة بعدها ، و( أنفسهم ) مفعول يهلكون قوله تعالى :( ولو ترى ) جواب" لو " محذوف تقديره : لشاهدت أمرا عظيما ووقف متعد ، وأوقف لغة ضعيفة ، والقرآن جاء بحذف الالف ، ومنه وقفوا فبناؤه لما لم يسم فاعله ومنه وقفوهم( ولانكذب ، ونكون ) يقرآن بالرفع وفيه وجهان : أحدهما : هو معطوف على نرد ، فيكون عدم التكذيب والكون من المؤمنين متمنين أيضا كالرد ، والثانى : أن يكون خبر مبتدإ محذوف : أى ونحن لانكذب ، وفى المعنى وجهان : أحدهما : أنه متمنى أيضا، فيكون في موضع نصب على الحال من الضمير في نرد والثانى : أن يكون المعنى أنهم ضمنوا أن لايكذبوا بعد الرد ، فلا يكون للجملة موضع ويقرآن بالنصب على أنه جواب التمنى ، فلا يكون داخلا في التمنى ، والواو في هذا كالفاء ومن القراء من رفع الاول ونصب الثانى ، ومنهم من عكس ، ووجه كل واحدة منهما على ماتقدم قوله تعالى :( إن هى إلا ) هى كناية عن الحياة ، ويجوز أن يكون ضمير القصة قوله تعالى :( وقفوا على ربهم ) أى على سؤال ربهم ، أو على ملك ربهم قوله تعالى :( بغتة ) مصدر في موضع الحال : أى باغتة ، وقيل : هو مصدر لفعل محذوف ، أى تبغتهم بغتة وقيل : هو مصدر بجاءتهم من غير لفظه( ياحسرتنا ) نداء الحسرة والويل على المجاز ، والتقدير : ياحسرة احضرى فهذا أوانك ، والمعنى تنبيه أنفسهم لتذكر أسباب الحسرة ، و( على ) متعلقة بالحسرة ، والضمير في( فيها ) يعود على الساعة ، والتقدير : في عمل الساعة ، وقيل : يعود على الاعمال ، ولم يجر لها صريح ذكر ، ولكن في الكلام دليل عليها( ألا ساء مايزرون ) ساء بمعنى بئس ، وقد تقدم إعرابه في مواضع ويجوز أن تكون ساء على بابها ويكون المفعول محذوفا ، ومامصدرية أو بمعنى الذى أو نكرة موصوفة ، وهى في كل ذلك فاعل ساء ، والتقدير : ألا ساءهم وزرهم .
قوله تعالى :( وللدار الآخرة ) يقرأ بالالف واللام ، ورفع الآخرة على الصفة والخبر( خير ) ويقرأ" ولدار الآخرة " على الاضافة : إى دار الساعة الآخرة ، وليست الدار مضافة إلى صفتها ؛ لان الصفة هى الموصوف في المعنى ، والشئ لايضاف إلى نفسه ، وقد أجازه الكوفيون .
قوله تعالى :( قد نعلم ) أى قد علمنا ، فالمستقبل بمعنى الماضى( لايكذبونك ) يقرأ بالتشديد على معنى لاينسبونك إلى الكذب ، أى قبل : دعواك النبوة ، بل كانوا يعرفونه بالامانة والصدق ، ويقرأ بالتخفيف وفيه وجهان : أحدهما : هو في معنى المشدد ، يقال أكذبته وكذبته إذا نسبته إلى الكذب والثانى : لايجدونك كذبا يقال : أكذبته إذا أصبته ، كذلك كقولك : أحمدته إذا أصبته محمودا( بآيات الله ) الباء تتعلق ب( يجحدون ) وقيل : تتعلق بالظالمين كقوله تعالى :" وآيتنا ثمود الناقة مبصرة فظلموا بها " قوله تعالى :( من قبلك ) لايجوز أن يكون صفة لرسل ؛ لانه زمان ، والجثة لاتوصف بالزمان وإنما هى متعلقة بكذبت( وأوذوا ) يجوز أن يكون معطوفا على كذبوا ، فتكون( حتى ) متعلقة بصبروا ، ويجوز أن يكون الوقف تم على كذبوا ، ثم أستأنف فقال : وأوذوا ، فتتعلق حتى به ، والاول أقوى( ولقد جاءك ) فاعل جاءك مضمر فيه ، قيل : المضمر المجئ ، وقيل المضمر النبأء ، ودل عليه ذكر الرسل ؛ لان من ضرورة الرسل الرسالة وهى نبأء ، وعلى كلا الوجهين يكون( من نبإ المرسلين ) حالا من ضمير الفاعل ، والتقدير : من جنس نبأ المرسلين ، وأجاز الاخفش أن تكون من زائدة والفاعل نبأ المرسلين وسيبويه لايجيز زيادتها في الواجب ، ولايجوز عند الجميع أن تكون من صفة لمحذوف ؛ لان الفاعل لايحذف ، وحرف الجر إذا لم يكن زائدا لم يصح أن يكون فاعلا ؛ لان حرف الجر يعدى ، وكل فعل يعمل في الفاعل بغير معد ، ونبأ المرسلين بمعنى إنبائهم ، ويدل على ذلك قوله تعالى :" نقص عليك من أنباء الرسل " قوله تعالى :( وإن كان كبر عليك ) جواب إن هذه( فإن استطعت ) فالشرط الثانى جواب الاول وجواب الشرط الثانى محذوف تقديره : فافعل ، وحذف لظهور معناه وطول الكلام( في الارض ) صفة لنفق ، ويجوز أن يتعلق بتبتغى ، ويجوز أن يكون حالا من ضمير الفاعل : أى وأنت في الارض ، ومثله( في السماء ) .
قوله تعالى :( والموتى يبعثهم الله ) في الموتى وجهان : أحدهما : هو في ؟ ؟ موضع نصب بفعل محذوف : أى ويبعث الله الموتى ، وهذا أقوى ؛ لانه اسم قد عطف على اسم عمل فيه الفعل والثانى : أن يكون مبتدأ ومابعده الخبر ويستجيب بمعنى يجيب قوله تعالى :( من ربه ) يجوز أن يكون صفة لآية ، وأن يتعلق بنزل قوله تعالى :( في الارض ) يجوز أن يكون في موضع جر صفة لدابة ، وفى موضع رفع صفة لها أيضا على الموضع ؛ لان من زائدة( ولاطائر ) معطوف على لفظ دابة وقرئ بالرفع على الموضع( بجناحيه ) يجور أن تتعلق الباء بيطير ، وأن تكون حالا وهو توكيد ، وفيه رفع مجاز ؛ لان غير الطائر قد يقال فيه طار إذا أسرع( من شئ ) " من " زائدة" وشئ " هنا واقع موقع المصدر : أى تفريطا ، وعلى هذا التأويل لايبقى في الآية حجة لمن ظن أن الكتاب يحتوى على ذكر كل شئ صريحا ونظير ذلك" لايضركم كيدهم شيئا " : أى ضررا ، وقد ذكرنا له نظائر ، ولايجوز أن يكون شيئا مفعولا به ؛ لان فرطنا لاتتعدى بنفسها بل بحرف الجر ، وقد عديت بفى إلى الكتاب فلا تتعدى بحرف اخر ، ولايصح أن يكون المعنى ماتركنا في الكتاب من شئ ؛ لان المعنى على خلافه ، فبان أن التأويل ماذكرنا قوله تعالى :( والذين كذبوا ) مبتدأ ، و( صم بكم ) الخبر مثل حلو حامض والواو لاتمنع ذلك ، ويجوز أن يكون صم خبر مبتدأ : محذوف تقديره : بعضهم صم وبعضهم بكم( في الظلمات ) يجوز أن يكون خبرا ثانيا ، وأن يكون حالا من الضمير المقدر في الخبر ، والتقدير : أى هم في الظلمات ، ويجوز أن يكون في الظلمات خبر مبتدإ محذوف : أى هم في الظلمات ، ويجوز أن يكون صفة لبكم : أى كائنون في الظلمات ، ويجوز أن يكون ظرفا لصم أو بكم أو لما ينوب عنهما من الفعل( من يشإ الله ) من في موضع مبتدإ ، والجواب الخبر ، ويجوز أن يكون في موضع نصب بفعل محذوف ؛ لان التقدير : من يشإ الله إضلاله أو عذابه ، فالمنصوب بيشأ من سبب" من " فيكون التقدير : من يعذب أو من يضلل ومثله مابعده قوله تعالى :( قل أرأيتكم ) يقرأ بإلقاء حركة الهمزة على اللام فتنفتح اللام وتحذف الهمزة ، وهو قياس مطرد في القرآن وغيره ، والغرض منه التخفيف ويقرأ بالتحقيق وهو الاصل ، وأما الهمزة التى بعد الراء فتحقق على الاصل ، وتلين للتخفيف وتحذف ، وطريق ذلك أن تقلب ياء وتسكن ، ثم تحذف لالتقاء الساكنين
قرب ذلك فيها حذفها في مستقبل هذا الفعل ، فأما التاء فضمير الفاعل فإذا اتصلت بها الكاف التى للخطاب كانت بلفظ واحد في التثنية والجمع والتأنيث ، وتختلف هذه المعانى على الكاف فتقول في الواحد أرأيتك ، ومنه قوله تعالى :" أرأيتك هذا الذى كرمت على " وفى التثنية أرأيتكما ، وفى الجمع المذكر أرأيتكم ، وفى المؤنث أرأيتكن والتاء في جميع ذلك مفتوحة ، والكاف حرف للخطاب وليست اسما ، والدليل على ذلك أنها لو كانت اسما لكانت إما مجرورة وهو باطل إذ لاجار هنا ، أو مرفوعة ، وهو باطل أيضا لامرين : أحدهما : أن الكاف ليست من ضمائر المرفوع والثانى : أنه لارافع لها ، إذ ليست فاعلا ؛ لان التاء فاعل ، ولايكون لفعل واحد فاعلان ، وإما أن تكون منصوبة ، وذلك باطل لثلاثة أوجه : أحدها : أن هذا الفعل يتعدى إلى مفعولين كقولك : أرأيت زيدا مافعل ، فلو جعلت الكاف مفعولا لكان ثالثا ، والثانى : أنه لو كان مفعولا لكان هو الفاعل في المعنى ، وليس المعنى على ذلك إذ ليس الغرض أرأيت نفسك بل أرأيت غيرك ، ولذلك قلت أرأيتك زيدا ، وزيد غير المخاطب ، ولاهو بدل منه ، والثالث : أنه لو كان منصوبا على أنه مفعول لظهرت علامة التثنية والجمع والتأنيث في التاء ، فكنت تقول : أرأيتما كما وأرأيتموكم وأرأيتكن وقد ذهب الفراء إلى أن الكاف اسم مضمر منصوب في معنى المرفوع ، وفيما ذكرناه إبطال لمذهبه فأما مفعول أرأيتكم في هذه الآية ، فقال قوم هو محذوف دل الكلام عليه تقديره : أرأيتكم عبادتكم الاصنام هل تنفعكم عند مجئ الساعة ، ودل عليه قوله :" أغير الله تدعون " وقال آخرون : لايحتاج هذا إلى مفعول ؛ لان الشرط وجوابه قد حصل معنى المفعول ، وأما جواب الشرط الذى هو قوله :( إن أتاكم عذاب الله ) فما دل عليه الاستفهام في قوله :( أغير الله ) تقديره : إن أتتكم الساعة دعوتم الله ، وغير منصوب ب( تدعون ) .
قوله تعالى :( بل إياه ) هو مفعول( تدعون ) الذى بعده( إليه ) يجوز أن يتعلق بتدعون ، وأن يتعلق بيكشف : أى يرفعه إليه ، و" ما " بمعنى الذى ، أو نكرة موصوفة ، وليست مصدرية إلا أن تجعلها مصدرا بمعنى المفعول قوله تعالى :( بالبأساء والضراء ) فعلاء فيهما مؤنث لم يستعمل منه مذكر لم يقولوا بأس وبأساء وضر وضراء كما قالوا أحمر وحمراء قوله تعالى :( فلولا إذ ) " إذ " في موضع نصب ظرف ل( تضرعوا ) أى فلولا تضرعوا إذ( ولكن ) استدراك على المعنى : أى ماتضرعوا ولكن .