الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)14%

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 409

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 409 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 201595 / تحميل: 8427
الحجم الحجم الحجم
الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

زبيدة: (كانت ولاية الأمين بعهد من أبيه، قدمه على إخوته لمكان والدته، وكان الأحق بالتقديم المأمون لعلمه وفضله وسنه..)(١) وبعد.. فإننا لا نستبعد أنها كانت بالإضافة إلى ذلك قد استخدمت أموالها، من أجل ضمان ولاية العهد لولدها الأمين، ولعل مما يشير إلى ذلك قول الفضل بن سهل للمأمون: (وهو ابن زبيدة، وأخواله بنو هاشم، وزبيدة وأموالها).

وأخيراً. فإن من المحتمل جداً أن يكون الرشيد ـ بملاحظة الدور الذي كانت تلعبه الأنساب في التفكير العربي ـ قد لاحظ سمو نسب الأمين على المأمون، وكان لذلك أثر في تقديمه له عليه، وقد ألمح بعض المؤرخين إلى ذلك فقال: (وفيها ـ أي في سنة ١٧٦ ه‍ ـ عقد الرشيد لابنه المأمون عبد الله العهد بعد أخيه الأمين. إلى أن قال: وكان المأمون أسن من الأمين بشهر واحد، غير أن الأمين أمه زبيدة بنت جعفر هاشمية، والمأمون أمه أم ولد اسمها (مراجل) ماتت أيام نفاسها به)(٢) .

محاولات الرشيد لصالح المأمون:

ومن كل ما تقدم يتضح لنا حقيقة موقف العباسيين، وأهل بيت المأمون، ورجال الدولة من المأمون.. ويظهر إلى أي حد كان مركز أخيه قويا، ونجمه عاليا، وأنه لم يكن له مثل ذلك الحظ الذي كان لأخيه الأمين.

____________

(١) دائرة المعارف الإسلامية ج ١ ص ٦٠٦.

(٢) النجوم الزاهرة ج ٢ ص ٨٤، وقريب منه ما في تاريخ الخلفاء للسيوطي.

١٤١

إلا أن أباه الرشيد، الذي كان يدرك حقيقة الموقف كل الإدراك، قد حاول أن يضمن له نصيبه من الخلافة، فجعله ولي العهد بعد أخيه الأمين، وكتب بذلك العهود والمواثيق، وأشهد عليها، وعلقها في جوف الكعبة، ولا نعلم خليفة، قبله ولا بعده فعل ذلك مع أولياء عهده، من أولاده أو من غيرهم، رغم أن غيره من الخلفاء قد أخذوا البيعة لأكثر من واحد بعدهم.

كما أنه قد حاول بطرق شتى أن يشد من عضد المأمون، ويقوي مركزه في مقابل أخيه الأمين، لأنه كان يخاف منه على أخيه المأمون، فنراه يجدد أخذ البيعة للمأمون أكثر من مرة، ويوليه الحرب، ويولي أخاه السلم(١) ويهب المأمون كل ما في العسكر من كراع وسلاح. ويأمر الفضل بن الربيع، الذي كان يعرف أنه سوف يتآمر مع الأمين ـ يأمره ـ بالبقاء مع المأمون في خراسان. إلى غير ذلك من مواقفه، التي لا نرى حاجة لتتبعها واستقصائها.

مركز المأمون ظل في خطر:

ولكن رغم كل محاولات الرشيد فقد ظل مركز المأمون في خطر والكل كان يشعر بذلك، وكيف لا يعرف الجميع ذلك. ولا يشعرون به، وهم يرون الأمين يصرح بعد أن أعطى العهود والمواثيق، وحلف الأيمان، بأنه: كان يضمر الخيانة لأخيه المأمون(٢) .

لقد كان الكثيرون يرون بأن هذا الأمر لا يتم، وأن الرشيد قد أسس العداء والفرقة بين أولاده، (وألقى بأسهم بينهم، وعاقبة ما صنع

____________

(١) مروج الذهب ج ٣ ص ٣٥٣، والطبري حوادث سنة ١٨٦ ه‍.

(٢) الوزراء والكتاب ص ٢٢٢.

١٤٢

في ذلك مخوفة على الرعية) وقالت الشعراء في ذلك الشيء الكثير. ومن ذلك قول بعضهم:

أقـول لغمة في النفس مني

ودمـع العين يطرد اطرادا

خـذي لـلهول عدته بحزم

سـتلقي ما سيمنعك الرقادا

فـإنك إن بقيت رأيت أمراً

يـطيل لك الكآبة والسهادا

رأى الملك المهذب شر رأي

بـقسمته الـخلافة والبلادا

رأى مـا لـو تـعقبه بعلم

لـبيض من مفارقه السوادا

أراد بـه لـيقطع عن بنيه

خـلافهم ويـبتذلوا الودادا

فـقد غرس العداوة غير آل

وأورث شـمل ألفتهم بدادا

والـقح بـينهم حربا عواناً

وسـلس لاجـتنابهم القيادا

فـويل لـلرعية عـن قليل

لقد أهدى لها الكرب الشدادا

وألـبسها بـلاءا غير فان

وألزمها التضعضع والفسادا

سـتجري من دمائهم بحور

زواخـر لا يرون لها نفادا

فـوزر بـلائهم أبـداً عليه

أغيا كان ذلك أم رشادا(١)

والمأمون وحزبه كانوا يدركون ذلك:

وبعد.. فإنه من الطبيعي جداً أن نرى أن المأمون وحزبه كانوا يدركون أن مركز المأمون كان في خطر، وأن الأمين كان ينوي الخيانة لأخيه. ولقد رأينا الفضل بن سهل عندما عزم الرشيد على الذهاب إلى خراسان، وأمر المأمون بالمقام في بغداد ـ رأيناه ـ يقول للمأمون: (لست تدري ما يحدث بالرشيد، وخراسان ولايتك، والأمين مقدم عليك. وإن أحسن ما يصنع بك أن يخلعك، وهو ابن زبيدة، وأخواله

____________

(١) الطبري حوادث سنة ١٨٦ ه‍.

١٤٣

بنو هاشم، وزبيدة، وأموالها..)(١) . وتقدم أيضاً قوله له: إن أهل بيته وبني أبيه، والعرب معادون له.

والرشيد أيضاً كان في قلق:

بل لقد صرح الرشيد نفسه بأنه كان يخشى من الأمين على المأمون، فإنه قال لزبيدة، عندما عاتبته على إعطائه الكراع والسلاح للمأمون: (إنا نتخوف ابنك على عبد الله، ولا نتخوف عبد الله على ابنك إن بويع)(٢) .

هذا بالإضافة إلى تصريحات الرشيد السابقة، والتي لا نرى حاجة إلى إعادتها.

ولقد قال الرشيد، عندما بلغه ما يتهدد به محمد الأمين:

مـحمد لا تـظلم أخـاك فإنه

عليك يعود البغي إن كنت باغيا

ولا تـعجلن الـدهر فـيه فإنه

إذا مال بالأقوام لم يبق باقيا(٣)

ومهما يكن من أمر، فإن الحقيقة التي لا يمكن الجدال فيها، هي أن الرشيد كان في قضية ولاية العهد مغلوبا على أمره، من مختلف الجهات. وكان يشعر أن ما أبرمه سوف يكون عرضة للانتقاض بين لحظة وأخرى، وكم كان يؤلمه شعوره هذا، ويحز في نفسه.. حتى لقد ترجم مشاعره هذه شعراً فقال:

____________

(١) تاريخ ابن خلدون ج ٣ ص ٢٢٩، والنجوم الزاهرة ج ٢ ص ١٠٢، والكامل لابن الأثير، طبعة ثالثة ج ٥ ص ١٢٧، والوزراء والكتاب ص ٢٦٦.

(٢) مروج الذهب ج ٣ ص ٣٥٣. ولعله إنما فعل ذلك أيضاً، من أجل أن يطيب خاطر المأمون، ويذهب ما في نفسه ـ وهو الأفضل، والأكبر سنا من أخيه ـ من غل وحقد وضغينة..

(٣) ابن بدرون في شرح قصيدة ابن عبدون ص ٢٤٥، وفوات الوفيات ج ٢ ص ٢٦٩.

١٤٤

لـقد بـان وجه الرأي لي غير أنني

غـلبت على الأمر الذي كان أحزما

وكـيف يرد الدر في الضرع بعدما

تـوزع حـتى صـار نـهباً مقسما

أخـاف الـتواء الأمـر بعد استوائه

وأن ينقض الحبل الذي كان أبرما(١)

على من يعتمد المأمون؟

وهكذا: وإذا كان أبوه قد استطاع أن يضمن له المركز الثاني بعد أخيه الأمين، وإذا كان ذلك لا يكفي لأن يجعل المأمون يطمئن إلى مستقبله في الحكم، وأن يأمن أخاه وبني أمية العباسيين، أن لا يحلوا العقدة، وينكثوا العهد، فهل يستطيع المأمون أن يعتمد على غيرهم، لو تعرض مركزه ووجوده لتهديد في وقت ما؟!. ومن هم أولئك الذين يستطيع أن يعتمد عليهم؟! وكيف؟.. وما هو موقفهم فعلاً منه؟! وكيف يستطيع أن يصل إلى الحكم، والسلطان؟! ومن ثم.. كيف يستطيع أن يحتفظ به، ويقوي من دعائمه؟!

إن نظرة شاملة على الفئات الأخرى في تلك الفترة من الزمن، لكفيلة بأن تظهر لنا أنه لم يبق أمام المأمون غير العلويين، والعرب، والإيرانيين. فما هو موقف هؤلاء منه، وأي الفئات تلك هي التي يستطيع أن يعتمد عليها؟ وكيف يستطيع أن يغير مجريات الأمور لتكون في صالحه، وعلى وفق مراده؟!.

هذا هو السؤال الذي لا بد للمأمون من أن يضع الحل والإجابة عليه، بكل دقة ووعي وإدراك. وأن يتحرك من ثم على وفق تلك الإجابة، وعلى مقتضى ذلك الحل.. ولنلق أولاً نظرة سريعة على مواقف كل من هؤلاء من المأمون، ولنخلص من ثم إلى معرفة الفئة التي يستطيع المأمون أن يعتمد عليها في مواجهة الأخطار والتحديات، التي تنتظره، وتنتظر نظام حكمه، بصورة عامة.. فنقول:

____________

(١) ابن بدرون أيضاً ص ٢٤٥، وزهر الآداب، طبع دار الجيل ج ٢ ص ٥٨١، وفوات الوفيات ج ٢ ص ٢٦٩.

١٤٥

موقف العلويين من المأمون:

أما العلويون.. فإنهم ـ بالطبع ـ لن يرضوا بالمأمون ـ كما لن يرضوا بغيره من العباسيين، خليفة وحاكما لأن من بينهم من هو أجدر من كل العباسيين، وأحق بهذا الأمر، ولأن المأمون، وغيره، كانوا من تلك السلالة، التي لا يمكن أن تصفو لها قلوب آل علي، لأنها قد فعلت بهم أكثر من فعل بني أمية معهم، كما تقدم.. فقد سفكت دماءهم، وسلبتهم أموالهم، وشردتهم عن ديارهم، وأذاقتهم شتى صنوف العذاب والاضطهاد. ويكفي المأمون عندهم: أنه ابن الرشيد، الذي حصد شجرة النبوة، واجتث غرس الإمامة، والذي قد عرفت طرفاً من سيرته السيئة معهم فيما تقدم من الفصول.

موقف العرب من المأمون، ونظام حكمه:

وأما العرب: فإنهم لا يرضون بالمأمون خليفة وحاكما أيضاً، كما أشار إليه الفضل بن سهل فيما تقدم.

أما أولاً: فلأن أمه، ومؤدبه، والقائم بأمره، غير عربيين. ولقد عانى العرب ما لله أعلم به، من تقديم أسلافه للموالي، حتى لم يعد لهم معهم أي شأن يذكر، وأصبح العربي أذل من نعجة، وأحقر من الحيوان.

١٤٦

قال المسعودي: (.. وكان - أي المنصور- أول خليفة استعمل مواليه وغلمانه في أعماله، وصرفهم في مهماته، وقدمهم على العرب، فامتثل ذلك الخلفاء من بعده، من ولده، فسقطت، وبادت العرب، وزالت رياستها، وذهبت مراتبها)(١) .

وقال ابن حزم، وهو يتحدث عن العباسيين: (.. فكانت دولتهم أعجمية، سقطت فيها دواوين العرب، وغلبت عجم خراسان على الأمر، وعاد الأمر كسروياً، إلا أنهم لم يعلنوا بسب أحد من الصحابة رضوان الله عليهم. وافترقت في دولة بني العباس كلمة المسلمين..)(٢) .

ويقول الجاحظ: (.. دولة بني العباس أعجمية، خراسانية، ودولة بني مروان عربية..)(٣) .

إلى آخر ما هنالك، مما يدل على سقوط العرب في تلك الفترة، وامتهانهم، ويبدو أن ذلك من المسلمات. وقد استوفى الباحثون ـ ومنهم أحمد أمين، في الجزء الأول من ضحى الإسلام ـ البحث في هذا الموضوع، فمن أراد فليراجع مظان وجوده.

وإذا ما عرفنا: أن من الطبيعي أن يكون ذهاب رئاسة العرب، وإبادتها، واضطهادها على يد الفرس، الذين كانوا هم أصحاب القدرة والسلطان آنذاك.. فلسوف نجد أن من الطبيعي أن يحقد العرب، الذين كانوا في وقت ما هم أصحاب الجبروت والقوة، على الفرس، وعلى كل من يتصل بهم. ويمت إليهم بسبب، من قريب أو من بعيد.

____________

(١) مروج الذهب، طبع بيروت ج ٤ ص ٢٢٣، وتاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٤، و ص ٢٦٩، ٢٧٠، و ص ٢٥٨، وفي طبيعة الدعوة العباسية ص ٢٧٩، نقلاً عن المقريزي في: السلوك لمعرفة دول الملوك ج ١ ص ١٤ مثل ذلك. وليراجع أيضاً كتاب: مشاكلة الناس لزمانهم لليعقوبي ص ٢٣.

(٢) البيان المغرب، طبع صادر ص ٧١.

(٣) البيان والتبيين ج ٣ ص ٣٦٦.

١٤٧

وأما ثانياً: فلسيرة أسلافه، وأبيه الرشيد بالخصوص، في الناس عامة، ومع أهل بيت نبيهم خاصة، والتي قدمنا شطراً منها في الفصول التي سبقت.

أما الأمين: فقد كان له ـ إلى حد ما ـ شافع عندهم، حيث إنه كان من أب وأم عربيين من جهة. وكان قد منحهم ثقته وحبه، وقربهم إليه، حتى كان وزيره الفضل بن الربيع منهم. من جهة ثانية، فتوسموا فيه أن يجعل لهم. وأن ينظر إليهم بغير العين، التي كان أبوه وأسلافه ينظرون إليهم بها. أو على الأقل: سوف لا تكون نظرته إليهم. على حد نظرة المأمون نحوهم. وذلك ما يجعلهم يرجحونه ـ على الأقل ـ على أخيه المأمون، وإن كان المأمون أفضل، وأسن منه، فلقد كان عليهم أن يختاروا أهون الشرين، وأقل الضررين. حتى إن نصر بن شبث، الذي كان هواه مع العباسيين، لم يقم بثورته ضد المأمون، التي بدأت سنة ١٩٨ ه‍. واستمرت حتى سنة ٢١٠ ه‍. إلا انتصاراً للعرب، ومحاماة عنهم، لأن العباسيين كانوا يفضلون عليهم العجم، حسب تصريحات نصر بن شبث نفسه(١) .

وحتى في مصر أيضاً، قد ثارت الفتن بين القيسية، المناصرة للأمين، واليمانية المناصرة للمأمون..

وقال أحمد أمين: (.. إن أغلب الفرس تعصب للمأمون، وأغلب العرب تعصبوا للأمين..)(٢) كما أننا نكاد لا نشك في أن تعصب العرب للأمين ليس إلا للسببين المتقدمين، الذين أشرنا إليهما، وأشار إلى أحدهما نصر بن شبث..

____________

(١) التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج ٣ ص ١٠٤.

(٢) ضحى الإسلام ج ١ ص ٤٣.

١٤٨

ولكن فردينان توتل يرى في منجد الأعلام: أن تعصب العرب للأمين يرجع إلى أن: (المأمون لم يستطع أن يجعل العرب يحبونه، حيث إنه كان يظهر ميلا للإيرانيين، ويقربهم إليه. وقد أعانه الإيرانيون في مبارزاته، وحروبه، وخصوصاً الخراسانيين منهم).

ولكن الذي يبدو لي هو أن تعصب العرب للأمين لم يكن نتيجة تقريب المأمون للإيرانيين، وتحببه للخراسانيين، وإنما عكس ذلك هو الصحيح، فإن المأمون لم يتقرب من الخراسانيين إلا بعد أن فرغت يده من العرب وأهل بيته، والعلويين.

لا بد من اختيار خراسان:

وبعد أن فرغت يد المأمون من بني أبيه، والبرامكة(١) ، والعرب، والعلويين، اضطر أن يلتجئ إلى جهات أخرى لتمد له يد العون والمساعدة، وتكون سلما لأغراضه، وأداة لتحقيق أهدافه ومآربه. ولم يبق أمامه غير خراسان، فاختارها، كما اختارها محمد بن علي العباسي من قبل. فأظهر لهم الميل والحب، وتقرب إليهم، وقربهم إليه، وأراهم: أنه محب لما ولمن يحبون، وكاره لما ولمن يكرهون. حتى إنه عندما علم منهم الميل إلى العلويين، والتشيع لهم، أظهر هو بدوره أنه محب للعلويين، ومتشيع لهم.

كما أنه كان من جهة ثانية قطع لهم على نفسه الوعود والعهود، بأن يرفع الظلم والحيف عنهم، ورد عنهم الكيد، الأمر الذي جعلهم يثقون به، ويطمئنون إليه، ويعلقون كل آمالهم عليه.

____________

(١) ذكرنا للبرامكة هنا ليس عفويا، فإن محط نظرنا يشمل حتى الأيام الأولى، التي فتح بها المأمون عينيه، وعرف واقعه، وأدرك الأخطار، التي تتهدده، وتتهدد مستقبله في الخلافة مع أخيه الأمين، فلا يرد علينا: أن البرامكة قد نكبهم الرشيد قبل خلافة المأمون بزمان. مضافاً إلى الدور الكبير الذي لعبه البرامكة في تقديم أخيه الأمين عليه، حسبما قدمنا..

١٤٩

تشيع الإيرانيين:

هذا.. وليس تشيع(١) الإيرانيين بالأمر الذي يحتاج إلى إثبات، بعد أن تقدم معنا: أن دولة العباسيين ما قامت إلا على أساس الدعوة للعلويين، وأهل البيت. وبعد أن رأينا الخراسانيين يظهرون النياحة على (يحيى بن زيد) سبعة أيام، وكل مولود ولد في خراسان في سنة قتل يحيى سمي ب‍ـ (يحيى)(٢) . بل يذكر البلاذري: أنه لما استشار المنصور عيسى بن موسى في أمر محمد وإبراهيم ابني عبد الله بن الحسن، فأشار عليه بأن يولي المدينة رجلاً خراسانياً، قال له المنصور: (يا أبا موسى إن محبة آل أبي طالب في قلوب أهل خراسان ممتزجة بمحبتنا، وإن وليت أمرها رجلاً من أهل خراسان حالت محبته لهما بينه وبين طلبهما، والفحص عنهما، ولكن أهل الشام قاتلوا علياً على أن لا يتآمرعليهم لبغضهم إياه الخ)(٣) .

وقد تقدم معنا: كيف وصف المؤرخون ما جرى في نيشابور، حين دخلها الإمام الرضا، وسيأتي في فصل: خطة الإمام، وصف ما جرى في مرو حينما خرج الإمام ليصلي بالناس. ولقد عرفنا أيضاً: كيف فرق الإمام الرضا الناس عن المأمون. عندما أرادوا قتله، انتقاماً للفضل بن سهل.

____________

(١) قد تقدم منا ما نقصده بكلمة (التشيع) في هذا الكتاب، فلا نعيد.

(٢) مروج الذهب ج ٣ ص ٢١٣، وشرح ميمية أبي فراس ص ١٥٧، وليراجع أيضاً نزهة الجليس ج ١ ص ٣١٦، فإن فيه ما يشير إلى ذلك.

(٣) أنساب الأشراف للبلاذري ج ٣ ص ١١٥.

١٥٠

بل لقد بلغ من حب الإيرانيين لأهل البيت أن المأمون كان يخشى على نفسه أن يقتلوه، لو أنه أراد أن يرجع عن البيعة للإمام الرضا بولاية العهد(١) .

ويقول جرجي زيدان: (وكان الخراسانيون، ومن والاهم من أهل طبرستان والديلم، قبل قيام الدولة العباسية، من شيعة علي، وإنما بايعوا للعباسيين مجاراة لأبي مسلم أو خوفاً منه)(٢) .

وقال أحمد أمين: (.. إن الفرس يجري في عروقهم التشيع)(٣) ويقول الدكتور الشيبي: (.. إن الفرس قد عادوا إلى التشيع، بعد أن نزلت بهم ضربة السفاح أولاً، ثم المنصور، ثم الرشيد) (٤) ويقول أحمد شلبي: (.. إنه ربما كان سبب أخذ المأمون للرضا العهد، هو أنه يريد أن يحقق آمال الخراسانيين، الذين كانوا إلى أولاد علي أميل) (٥)

ما هو سر تشيع الإيرانيين؟

يقول السيد أمير علي، وهو يتحدث عن سر ارتباط الفرس بقضية بني فاطمة: (.. وقد أظهر الإمام علي منذ بداية الدعوة الإسلامية

____________

(١) تاريخ التمدن الإسلامي المجلد الثاني، جزء ٤ ص ٤٤٠.

(٢) نفس المصدر والمجلد، والجزء ص ٢٣٢، ولا يهمنا هنا مناقشة جرجي زيدان فيما جعله سبباً لبيعتهم للعباسيين، ولعل ما قدمناه في فصل: قيام الدولة العباسية كاف في ذلك.

(٣) ضحى الإسلام ج ٣ ص ٢٩٥.

(٤) الصلة بين التصوف والتشيع ص ١٠١.

(٥) التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج ٣ ص ١٠٧.

١٥١

كل تقدير، ومودة نحو الفرس، الذين اعتنقوا الإسلام، لقد كان سلمان الفارسي، وهو أحد مشاهير أصحاب الرسول، رفيق علي وصديقه. كان من عادة الإمام أن يخصص نصيبه (النقدي) في الأنفال لافتداء الأسرى. وكثيراً ما أقنع الخليفة عمر بمشورته، فعمد إلى تخفيف عبء الرعية في فارس. وهكذا كان ولاء الفرس لأحفاده واضحاً تمام الوضوح)(١) .

ويرى فان فلوتن: إن من أسباب ميل الخراسانيين، وغيرهم من الإيرانيين للعلويين، هو أنهم لم يعاملوا معاملة حسنة، ولا رأوا عدلاً إلا في زمن حكم الإمام عليعليه‌السلام (٢) .

أما الأستاذ علي غفوري فيرى(٣) : أن الإيرانيين كانوا قبل الإسلام يعاملون بمنطق: أن الناس قد خلقوا لخدمة الطبقة الحاكمة، وأن عليهم أن ينفذوا الأوامر من دون: كيف؟ ولماذا؟. فجاء الإسلام بتعاليمه الفطرية السهلة السمحاء، فاعتنقوه بكل رضى وأمل، وبدأ جهادهم في سبيل إقامة حكومة إسلامية حقيقية. وبما أن أولئك الذين تسلموا زمام الأمور ـ باستثناء الإمام علي طبعاً ـ كانوا منحرفين (المقصود هنا بالطبع هو خلفاء الأمويين) عن الإسلام، وتعاليمه، ويحاولون تلبيس عاداتهم الجاهلية، حتى التمييز القبلي، والعرقي بلباس الإسلام. وإعطائها صفة القانونية والشرعية.

فإن الإيرانيين لم يجدوا أهداف الإسلام، وتعاليمه في تلك الحكومات، ولهذا كان من الطبيعي أن يتوجهوا إلى علي، والأئمة من ولده، الذين تعدى الآخرون على حقوقهم بالخلافة، والذين كان سلوكهم المثالي هو المرآة الصافية، التي تنعكس عليها تعاليم الإسلام وأهدافه، ويمثلون الصورة الحقيقية للإسلام على مدى التاريخ. وكان صدى علمهم، وزهدهم، واستقامتهم يطبق الخافقين، وخصوصاً الصادق والرضا، الذي اهتبل الفرصة إبان الخلاف بين الأمين والمأمون لنشر تعاليم الإسلام. وتعريف الناس على الحقائق، التي شاء الآخرون أن لا يعرفها أحد.

____________

(١) روح الإسلام ص ٣٠٦.

(٢) السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات.

(٣) ياد بود هشتمين إمام (فارسي).

١٥٢

لكن لم يكن يروق للقوى الحاكمة، أن تظهر تلك الوجوه الطاهرة على الصعيد العام، وتتعرف عليها الأمة الإسلامية، وعلى فضائلها، وكمالاتها، لأن الناس حينئذٍ سوف يدركون الواقع المزري لأولئك الحكام، والمتزلفين لهم. والذين كانوا يتحكمون بمقدرات الأمة، وإمكاناتها، وإذا أدركوا ذلك فإن من الطبيعي أن لا يترددوا في تأييد الأئمة، ومساعدة أية نهضة، أو ثورة من قبلهم. ولهذا فقد جهد الحكام في أن يزووهم ويبعدوهم ما أمكنهم عن الناس، ووضعوهم تحت الرقابة الشديدة، وفي أحيان كثيرة في غياهب السجون. حتى إذا ما سنحت لهم فرصة، تخلصوا منهم بالطريقة التي كانوا يرون أنها لا تثير الكثير من الشكوك والظنون.

عودة على بدء:

وعلى كل حال.. فإن ما يهمنا هنا هو مجرد الإشارة إلى تشيع الإيرانيين، الذي حاول المأمون أن يستغله لمصالحه وأهدافه. حيث قد أثمرت وعود المأمون للخراسانيين، وتحببه لهم. وتقربه منهم، وتظاهره بالحب لعليعليه‌السلام وذريته، الثمار المرجوة منها، لأن الخراسانيين كانوا يريدون التخلص من أولئك الحكام الذين انقلبوا عليهم يقتلون. ويضطهدون كل من عرفوه موالياً لأهل البيت محبا لهم، ابتداء من المنصور، بل السفاح. وانتهاء بالرشيد، الذي لم يستطع يحيى بن خالد البرمكي أن يسمع لعلوي ذكراً في خراسان في زمانه. رغم أنه جهد كل الجهد من أجل ذلك. وفي سبيله، حسبما تقدم.

كما أنهم ـ أعني الخراسانيين ـ قد توسموا في المأمون أن يكون المنقذ لهم من أولئك الولاة،٨ الذين ساموهم شتى ضروب العسف، والظلم والعذاب. والذين لم يكن بهمهم غير مصالحهم، وإرضاء شهواتهم وملذاتهم، يعلم ذلك بأدنى مراجعة للتأريخ.

وقد وثقوا إلى حد ما بوعود المأمون تلك، التي كان يغدقها عليهم، وعلى غيرهم بدون حساب، وأمنوا جانبه، فكانوا جنده، وقواده، ووزراءه المخلصين، الذين أخضعوا له البلاد، وأذلو له العباد، وبسطوا نفوذه وسلطانه على كثير من الولايات والأمصار، التي كان يطمح إلى الوصول إليها، والسيطرة عليها.

١٥٣

كيف يثق العرب بالمأمون؟!

وهكذا إذن.. يتضح أن ميل المأمون للإيرانيين ما كان إلا دهاء منه وسياسة، استغلها المأمون أحسن ما يكون الاستغلال، حتى استطاع أن يصل إلى الحكم، ويتربع على عرش الخلافة، بعد أن قتل أخاه العزيز على العباسيين والعرب، وقضى على أشياعه بسيوف غير العرب، وذلك ذنب آخر لن يسهل على العرب الإغضاء عنه أو غفرانه.

ثم ولى على بغداد رجلاً غير عربي، هو الحسن بن سهل، أخو الفضل بن سهل، الذي تكرهه بغداد والعرب كل الكره..

ثم إنه بعد هذا كله جعل مقر حكمه مروا الفارسية، وليس بغداد العاصمة العربية الأولى التي خربها ودمرها.. وكان ذلك من شأنه أن يثير المخاوف لدى العرب في أن تتحول الإمبراطورية العربية إلى إمبراطورية فارسية، وخصوصاً إذا لاحظنا: أن الفرس هم الذين أوصلوا المأمون إلى الحكم.. وقد أثبتوا جدارتهم، وأهليتهم في مختلف المجالات، وخصوصاً السياسة، وشؤون الحكم.

قتل الأمين وخيبة الأمل:

وإن قتل الأمين، وإن كان يمثل ـ في ظاهره ـ انتصاراً عسكرياً للمأمون إلا أنه كان في الحقيقة ذا نتائج سلبية وعكسية بالنسبة للمأمون، وأهدافه، ومخططاته.. سيما بملاحظة الأساليب التي اتبعها المأمون للتشفي من أخيه الأمين، الذي كان قد أصدر الأمر لطاهر بالأمس بأن يقتله(١) . حيث رأيناه قد أعطى الذي جاءه برأس أخيه ـ بعد أن سجد لله شكرا! ـ ألف ألف (أي مليون) درهم(٢) . ثم أمر بنصب رأس أخيه على خشبة في صحن الدار، وأمر كل من قبض رزقه أن يلعنه، فكان الرجل يقبض، ويلعن الرأس، ولم ينزله حتى جاء رجل فلعن الرأس، ولعن والديه، وما ولدا، وأدخلهم في (كذا وكذا) من أمهاتهم، وذلك بحيث يسمعه المأمون، فتبسم، وتغافل، وأمر بحط الرأس(٣) !.

ويا ليته اكتفى بكل ذلك.. بل إنه بعد أن طيف برأس الأمين بخراسان(٤)

____________

(١) لقد نص الأستاذ علي غفوري في كتابه الفارسي (ياد بود هشتمين إمام) ص ٢٩ على أن المأمون: (لم يرض بقتل الأمين فحسب، بل أنه هو الذي أمر بقتله..).

(٢) فوات الوفيات ج ٢ ص ٢٦٩، والطبري، طبع دار القاموس الحديث ج ١٠ ص ٢٠٢، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٤٣، وحياة الحيوان ج ١ ص ٧٢، وتجارب الأمم المطبوع مع العيون والحدايق ج ٦ ص ٤١٦.

(٣) مروج الذهب ج ٣ ص ٤١٤، وتتمة المنتهى ص ١٨٦ والموفقيات ص ١٤٠.

(٤) تاريخ الخلفاء للسيوطي ص ٢٩٨.

١٥٤

أرسل إلى إبراهيم بن المهدي يعنفه ويلومه على أنه أسف على قتل الأمين، ورثاه(١) !

فماذا ننتظر بعد هذا كله، وبعد ما قدمناه: أن يكون موقف العباسيين. والعرب، بل وسائر الناس منه..

إن أيسر ما نستطيع أن نقوله هنا: أنه كان لقتله أخاه، وفعاله الشائنة تلك.. أثر سيء على سمعته، ومن أسباب زعزعة ثقة الناس، به، وتأكيد نفورهم منه، سواء في ذلك العرب، أو غيرهم.

وقد استمر ذلك الأثر أعواما كثيرة، حتى بعد أن هدأت ثائرة الناس، ورجع إلى بغداد.

فقد جلس مرة يستاك على دجلة، من وراء ستر، فمر ملاح، وهو يقول: (أتظنون أن هذا المأمون ينبل في عيني، وقد قتل أخاه؟!).

قال: فسمعه المأمون، فما زاد على أن تبسم، وقال لجلسائه: (ما الحيلة عندكم. حتى أنبل في عين هذا الرجل الجليل)(٢) .

وقال له الفضل بن سهل، عندما عزم على الذهاب إلى بغداد: (ما هذا بصواب، قتلت بالأمس أخاك، وأزلت الخلافة عنه، وبنو أبيك معادون لك، وأهل بيتك والعرب.. إلى أن قال: والرأي،

____________

(١) البداية والنهاية ج ١٠ ص ٤٤٣.

(٢) تاريخ بغداد ج ١٠ ص ١٨٩، والبداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٧٧، وتاريخ الخلفاء ص ٣٢٠، وروض الأخيار في منتخب ربيع الأبرار ص ١٨٦، وفوات الوفيات ج ١ ص ٢٤٠.

١٥٥

أن تقيم بخراسان، حتى تسكن قلوب الناس على هذا، ويتناسوا ما كان من أمر أخيك..)(١) .

المأمون في الحكم:

وإذا ما أردنا أن نعطف نظرنا على ناحية أخرى في سياسة النظام المأموني، فإننا سوف نرى أنه لم يكن موفقاً في سياسته مع الناس، سواء في ذلك العرب أو الإيرانيون، بالأخص أهل خراسان، حيث لم يحاول أن يتجنب سياسة الظلم والعسف والاضطهاد، التي كان يمارسها أسلافه مع الرعية. بل لعله زاد عليهم، وسبقهم أشواطاً بعيدة في ذلك.

أما سياسته مع العرب:

فالمأمون، وإن استطاع أن يصل إلى الحكم إلا أنه فشل في مهمة الفوز بثقة العرب، خصوصاً إذا لاحظنا بالإضافة إلى ما قدمناه تحت عنوان (كيف يثق العرب بالمأمون). ما نالهم منه، ومن عماله، من صنوف العسف والظلم ـ عدا عما فعلته فيهم تلك الحروب الطاحنة، التي شنها ضد أخيه الأمين ـ فإن ذلك يفوق كل وصف، ويتجاوز كل تقدير،

____________

(١) البحار ج ٤٩ ص ١٦٦، ومسند الإمام الرضا ج ١ ص ٨٥، وأعيان الشيعة ج ٤ قسم ٢ ص ١٣٨، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٦٠، هذا.. وتجدر الإشارة هنا: إلى أن بعض المحققين يرى: أن قتل الأخ في سبيل الملك، لم يكن من الأمور التي يهتم لها الناس كثيراً في تلك الفترة، سيما إذا كان المقتول هو المعتدي أولاً، والأمين هنا هو المعتدي على المأمون، بخلعه أولاً، ثم بإرساله جيشاً إلى إيران لمحاربته، والذي هزم على يد طاهر بن الحسين، ولكننا مع ذلك.. لا نزال نصر على رأينا في هذا المجال، سيما وأننا نرى في النصوص التاريخية ما يدعم هذا الرأي ويقويه.

١٥٦

حتى لقد وصف: (ديونيسيوس) جباة الخراج في العراق في سنة (٢٠٠ ه). بأنهم: (قوم من العراق، والبصرة. والعاقولاء، وهم عتاة، ليس في قلوبهم رحمة، ولا إيمان، شر من الأفاعي، يضربون الناس، ويحبسونهم. ويعلقون الرجل البدين من ذراع واحد، حتى يكاد يموت)(١) .

والإيرانيون أيضاً لم يكونوا أحسن حالاً:

ولم يكن حال الإيرانيين من هذه الجهة بأفضل من حال أهل العراق. ويذكر الجاحظ: أن المأمون ولى محمود بن عبد الكريم التصنيف (فتحامل على الناس، واستعمل فيهم الأحقاد والدمن، فخفض الأرزاق، وأسقط الخواص، وبعث في الكور، وأنحى على أهل الشرف والبيوتات، حسداً لهم، وإشفاء لغليل صاحبه منهم، فقصد لهم بالمكروه والتعنت فامتنعت طائفة من الناس من التقدم إلى العطاء، وتركوا أسماءهم، وطائفة انتدبوا مع طاهر بن الحسين بخراسان، فسقط بذلك السبب بشر كثير..)(٢) .

يقول الجنرال جلوب وهو يتحدث عن المأمون (.. وراح يلقي خطبته الأولى في الناس، فيعدهم بأن يكون حكمه فيهم طبقاً للشرع، وأن يكرس نفسه لخدمة الله وحده. وقد أثارت هذه الوعود التقية حماسة عند الناس. وكانت من أهم أسباب انتصاره. لكن هذه الوعود ما لبثت أن تحولت إلى فجيعة نزلت بالناس، إذ إن الخليفة ما لبث أن نسيها)(٣) .

ويكفي أن نشير هنا إلى المجاعة التي أصابت أهل خراسان، والري. وأصبهان، وعز الطعام، ووقع الموت، وذلك في سنة ٢٠١ للهجرة..

____________

(١) الحضارة الإسلامية في القرن الرابع الهجري، لآدم متز ج ١ ص ٢٣٢.

(٢) رسائل الجاحظ ج ٢ ص ٢٠٧ ـ ٢٠٨.

(٣) إمبراطورية العرب، ترجمة، وتعليق خيري حماد ص ٥٧٠.

١٥٧

المأمون مع الرعية عموماً:

وعن حالة المأمون العامة مع الناس يقول فان فلوتن:

(.. ولم يكن جور النظام العباسي وعسفه، منذ قيام الدولة العباسية بأقل من النظام الأموي المختل، وتذكرنا شراهة المنصور، والرشيد، والمأمون، وجشعهم، وجور أولاد علي بن عيسى، وعبثهم بأموال المسلمين بزمن الحجاج، وهشام، ويوسف بن عمر الثقفي. ولدينا البراهين الكثيرة على فجيعة الناس في هذا العرش الجديد، ومقدار انخداعهم به..)، ثم يضرب أمثلة من الخارجين على سياسات العباسيين تلك. ثم يقول: (.. كل ذلك يبين أن ما كان يشكو منه المسلمون من الجور والعسف لم يزل على ما كان عليه في عهد بني أمية الأول..)(١) .

قال ابن الجراح: إن إبراهيم بن المهدي كان: (يرمي المأمون بأمه(٢) ، وإخوته، وأخواته، ومن أيسر ذلك قوله:

صـد عـن تـوبة وعـن إخبات

ولـهـا بـالـمجون والـقـينات

مـا يـبالي إذا خـلا بأبي عيسى

وســرب مـن بـدن أخـوات

أن يغص المظلوم في حومة الجور

بــداء بـين الـحشا واللهاة(٣)

____________

(١) السيادة والعربية والشيعة والإسرائيليات ص ١٣٢.

(٢) ولكن أمه كانت قد ماتت أيام نفاسها به!!. ولعله يريد أن أمه كانت متهمة، فكان يعير بها..

(٣) الورقة، لابن الجراح ص ٢١، ولا بأس بمراجعة كتاب: أشعار أولاد الخلفاء.

١٥٨

وما يهمنا هنا هو البيت الأخير، أما ما قبله، فلا نملك إلا أن نقول: (أهل البيت أدرى بالذي فيه..).

وعلى كل حال. فإننا لا نستغرب على المأمون صفة الظلم والعسف والجور. بعد أن رأينا أنه عندما عرضت عليه سيرة أبي بكر، وعمر، وعثمان، وعليعليه‌السلام يأبى أن يأخذ بها جميعاً، لأنه كان يجد في آخر كل منها: أنهم كانوا يأخذون الأموال من وجوهها، ويضعونها في حقوقها. لكنه قبل سيرة معاوية، الذي أراد الإعلان ببراءة الذمة ممن يذكره بخير، لأن في آخرها يقول: إنه كان يأخذ الأموال من وجوهها، ويضعها كيف شاء..، وقال المأمون حينئذٍ: (إن كان فهذا)(١) ! وفي رسالة عبد الله بن موسى للمأمون نفسه ما فيه الكفاية فلتراجع في أواخر هذا الكتاب.

وماذا بعد الوصول إلى الحكم:

وهكذا.. فإن المأمون كان يحسب أنه إذا قتل أخاه، وتخلص من من أشياعه ومساعديه، وبعد أن توتي الحملة الدعائية ضدهم ثمارها ـ كان يحسب ويقدر ـ أن الطريق يكون قد مهد له للاستقرار في الحكم، وأنه سوف يستطيع بعد هذا أن يطمئن، وينام قرير العين.

ولكن فأله قد خاب، وانقلبت مجريات الأمور في غير صالحه، فإن الإيرانيين قد: (انفضوا بعد الحرب الأهلية المفجعة بين الأمين والمأمون، عن

____________

(١) المحاسن والمساوي للبيهقي ص ٤٩٥.

١٥٩

تأييد العباسيين)(١) . انفضوا عنه ليمنحوا العلويين عطفهم ومحبتهم، وتأييدهم، لأنهم يعرفون أنهم هم الذين يقيمون العدل، ويعملون بشريعة الله ـ وما موقف نيسابور، وصلاتي العيد، إلا الدليل الواضح والقاطع على تلك العاطفة، وذلك الحب والتقدير. وأيضاً انفضوا عنه لأنه قد كشف لهم عن وجهه الحقيقي، وعرفهم بواقعه الأناني البشع، وخصوصاً بعد أن عانوا ما عانوا هم وغيرهم من صنوف الظلم والجور والاضطهاد، في ظل نظام الحكم الذي طالما عملوا من أجله، وضحوا في سبيله.

وحتى لو أنهم كانوا لا يزالون على تأييدهم له، فإنه لا يستطيع بعد هذا أن يعتمد على ذلك التأييد، وعلى ثقتهم به طويلاً، فإنه كان من السهل ـ بعد أن فعل بأخيه وأشياعه، وغيرهم. ما فعل ـ أن يكتشفوا أن ذلك منه ما كان إلا سياسة ودهاء. كما أنه أصبح من الصعب عليهم ـ بعد تجربتهم الأولى معه، ومع وعوده، التي ما أسرع ما نسيها ـ أن يقتنعوا منه بالأقوال التي لا تدعمها الأفعال، ولسوف لا يطمئنون إليه، ولن يتفادوا له ـ بعد هذا ـ بالسهولة التي كان يتوقعها.

الموقف الصعب:

كانت تلك لمحة خاطفة عن موقف العباسيين، والعرب تجاه المأمون. ذلك الموقف، الذي كان يزداد حساسية وتعقيدا، يوماً عن يوم. أضف إلى ذلك أيضاً الخطر الذي كان يكمن في موقف الخراسانيين، الذين رفعوا المأمون على العرش، وسلموا إليه أزمة الحكم والسلطان..

وإذا ما أضفنا إلى ذلك كله، موقف العلويين، الذين اغتنموا فرصة الصدام بينه وبين أخيه، لتجميع صفوفهم، ومضاعفة نشاطاتهم، فلسوف تكتمل أمامنا ملامح الصورة لحقيقة الوضع والظروف، التي كان يعاني منها المأمون، ونظام حكمه آنذاك.. سيما ونحن نراه في مواجهة تلك الثورات العارمة، وبالأخص ثورات العلويين أقوى خصوم الدولة العباسية، والتي كانت تظهر من جانب ومكان، وكل ناحية من نواحي مملكته.

____________

(١) إمبراطورية العرب ص ٦٤٩.

١٦٠

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

٧ -( باب أنّ من دخل من سفر بعد الزوال مطلقا، أو قبله، وقد أفطر، استحب له الإمساك بقيّة النّهار، ولم يجب، ووجب عليه القضاء)

[ ٨٤٧٠ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، في مسافر يقدم بلده، وقد كان مفطرا (قبل الزوال)(١) ، فيدخل عند الظّهر، قال: « يكفّ عن الطعام أحبّ اليّ ».

[ ٨٤٧١ ] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « فإذا قدمت من السفر، وعليك بقيّة يوم، فامسك من الطعام والشراب إلى الليل ».

٨ -( باب عدم جواز صوم شئ من الواجب في السفر، إلّا النّذر المعيّن، سفرا وحضرا، وثلاثة أيام دم المعتة، وثمانية عشر يوماً لمن أفاض من عرفات قبل الغروب)

[ ٨٤٧٢ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « ولا يصوم في السفر شيئاً من صوم الفرض، ولا السنة، ولا التطوّع، إلّا الصوم الّذي ذكرناه في أوّل الباب، من صوم كفّارة صيد الحرم، وصوم كفّارة الاختلال(١) في

____________________________

الباب - ٧

١ - الجعفريات ص ٦٠.

(١) في المصدر: أول النهار.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٥.

الباب - ٨

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٦.

(١) في المصدر: الاحلال.

٣٨١

الإحرام، إن كان به أذى من رأسه، وصوم ثلاثة أيّام، لطلب الحاجة عند قبر النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وهو يوم الأربعاء والخميس والجمعة ».

[ ٨٤٧٣ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « ومن تمتّع بالعمرة إلى الحج، فعليه ما استيسر من الهدي، كما قال الله عزّوجلّ، شاة فما فوقها، فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيّام في الحج، يصوم يوماً قبل التّروية، ويوم التّروية، ويوم عرفة وسبعة أيّام إذا رجع إلى أهله، وله أن يصوم متى شاء، إذا دخل في الحجّ، وإن (قدّم صوم الثلاثة الأيام)(١) في أوّل العشر فحسن، وإن لم يصم في الحج، فليصم في الطّريق » الخبر.

[ ٨٤٧٤ ] ٣ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن محمّد بن مسلم، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: « لم يكن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يصوم في السفر تطوّعا ولا فريضة، يكذبون على رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، نزلت هذه الآية، ورسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله بكراع الغميم، عند صلاة الفجر، فدعا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، بإناء فشرب وأمر النّاس أن يفطروا، فقال قوم: قد توجّه النهار، ولو صمنا يومنا هذا، فسمّاهم رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : العصاة، فلم يزالوا يسمّون بذلك الاسم، حتّى قبض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ».

____________________________

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٣١٨.

(١) في المصدر: قدمها.

٣ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٨١ ح ١٩٠.

٣٨٢

٩ -( باب جواز صوم المندوب في السفر، على كراهية)

[ ٨٤٧٥ ] ١ - بعض نسخ الفقه الرضوي: على من نسب إليهعليه‌السلام : « أروي عن موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، أنّه قال: يستحبّ إذا قدم المدينة - مدينة الرسولصلى‌الله‌عليه‌وآله - أن يصوم ثلاثة أيام، فإن كان له بها مقام، أن يجعل صومها في يوم الاربعاء والخميس والجمعة ».

[ ٨٤٧٦ ] ٢ - الشيخ أبو الفتوح الرّازي في تفسيره: عن جابر، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « ليس من البرّ الصّيام في السفر ».

[ ٨٤٧٧ ] ٣ - وعن عبد الرحمان بن عوف، عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « الصائم في السفر، كالمفطر في الحضر ».

[ ٨٤٧٨ ] ٤ - وعن جابر، أنّه قال: قيل لرسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : إن جماعة يصومون في السفر، فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « أُولئك العصاة ».

[ ٨٤٧٩ ] ٥ - وعن أبي جعفر الباقرعليه‌السلام ، أنّه قال: « كان أبي لا

____________________________

الباب - ٩

١ - نقله عنه في البحار ج ٩٩ ص ٣٣٤ ح ٣.

٢ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٨٥، وعوالي اللآلي ج ١ ص ٢٠٤ ح ٣١.

٣ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٨٥، وعوالي اللآلي ج ٢ ص ٨١ ح ٢١٧.

٤ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٨٥، وعوالي اللآلي ج ١ ص ٢٠٤ ح ٣٢.

٥ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ١ ص ٢٨٥، وعوالي اللآلي ج ٢ ص ٨٠ ح ٢١٣

٣٨٣

يصوم في السفر، وكان ينهى عنه ».

وروى ابن ابي جمهور في عوالي اللآلي: الحديث الأول والثاني، عن الشهيد، مرسلا عنهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

١٠ -( باب جواز الجماع للمسافر ونحوه، في شهر رمضان، على كراهية، وكذا يكره له التملّي من الطّعام والشّراب)

[ ٨٤٨٠ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى: حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، أنّه قال في حديث: « وإن هي اغتسلت من حيضتها، وجاء زوجها من سفر، فليكف عن مجامعتها، فهو أحبّ إليّ، إذا جاء في شهر رمضان ».

[ ٨٤٨١ ] ٢ - الصدوق في المقنع: وإذا أفطر المسافر، فلا بأس أن يأتي أهله أو جاريته إن شاء، وقد روي فيه نهي.

____________________________

الباب - ١٠

١ - الجعفريات ص ٦١.

٢ - المقنع ص ٦٢.

٣٨٤

١١ -( باب سقوط الصوم الواجب: عن الشيخ، والعجوز، وذي العطاش* ، إذا عجزوا عنه، ويجب على كلّ منهم، أن يتصدق عن كلّ يوم بمدّ من طعام، ويستحبّ أن يتصدق بمدّين، ولا يجب القضاء إن استمرّ العجز، ويستحبّ قضاء الوليّ عنه)

[ ٨٤٨٢ ] ١ - دعائم الإسلام: روينا عن عليعليه‌السلام ، أنّه قال: « لمـّا أنزل الله عزّوجلّ، فريضة شهر رمضان، وأنزل( وَعَلَى الّذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) (١) أتى إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، شيخ كبير يتوكأ بين رجلين، فقال: يا رسول الله، هذا شهر مفروض ولا أطيق الصّيام، قال: إذهب فكل، واطعم عن كلّ يوم نصف صاع، وإن قدرت ان تصوم اليوم واليومين، وما قدرت فصم - إلى أن قال - وأتاه صاحب عطش، فقال: يا رسول الله، هذا شهر مفروض، ولا أصبر عن الماء ساعة، الّا تخوّفت الهلاك، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنطلق فافطر، وإذا اطقت فصم ».

[ ٨٤٨٣ ] ٢ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن محمّد بن مسلم، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، في قوله تعالى:( وَعَلَى الّذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) (١) قال: « الشيخ الكبير، والذي يأخذه العطاش ».

____________________________

الباب - ١١

(* ) العطاش: داء يصيب الانسان يشرب الماء فلا يروى. (لسان العرب - عطش - ج ٦ ص ٣١٨).

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٧٨.

(١) البقرة ٢: ١٨٤.

٢ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٧٨ ح ١٧٦.

(١) البقرة ٢: ١٨٤.

٣٨٥

[ ٨٤٨٤ ] ٣ - وعن سماعة، عن أبي بصير، قال: سألتهعليه‌السلام ، عن قول الله تعالى:( وَعَلَى الّذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) (١) قال: « هو الشيخ الكبير الّذي لا يستطيع، والمريض ».

[ ٨٤٨٥ ] ٤ - وعن العلاء، عن محمّد، عن أبي جعفرعليه‌السلام ، قال: سألته عن قول الله تعالى:( وَعَلَى الّذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) (١) قال: « هو الشيخ الكبير، والذي يأخذه العطاش ».

[ ٨٤٨٦ ] ٥ - احمد بن محمّد السيّاري في التّنزيل والتّحريف: عن ابي الحسنعليه‌السلام ، في قوله تعالى:( وَعَلَى الّذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) (١) قال: « الشيخ الفاني، والمعطوش، والصّبي الّذي لا يقوى على السّحور(٢) ، ويطعم مسكينا مكان كلّ يوم ».

____________________________

٣ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٧٨ ح ١٧٧.

(١) البقرة ٢: ١٨٤.

٤ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٧٩ ح ١٧٩.

(١) البقرة ٢: ١٨٤.

٥ - التنزيل والتحريف ص ١١.

(١) البقرة ٢: ١٨٤.

(٢) في المصدر: السجود.

٣٨٦

١٢ -( باب جواز افطار الحامل المقرب، والمرضع القليلة اللّبن، إذا خافتا على أنفسهما أو الولد، ولم يكن استرضاع غيرها، ويجب عليهما القضاء والصّدقة عن كلّ يوم بمدّ)

[ ٨٤٨٧ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيهعليهم‌السلام : أنّه كانت له أُمّ ولد، فأصابها عطاش [ وهي حامل ](١) ، فسئل عبدالله بن عمر بن الخطاب فقال: مروها تفطر، وتطعم كلّ يوم مسكينا.

[ ٨٤٨٨ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن عليعليه‌السلام ، أنّه قال: « لمـّا أنزل الله عزّوجلّ، فريضة شهر رمضان، وأنزل:( وَعَلَى الّذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) (١) أتى إلى رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، شيخ كبير - إلى أن قال - وأتته امرأة فقالت: يا رسول الله، انّي امرأة حبلى، وهذا شهر رمضان مفروض، وأنا أخاف على ما في بطني ان صمت، فقال لها: إنطلقي فافطري، وإن أطقت فصومي، وأتته امرأة مرضعة فقالت: يا رسول الله، هذا شهر مفروض صيامه، وإن صمت خفت أن يقطع لبني، فيهلك ولدي، فقال: إنطلقي وافطري، وإذا أطقت فصومي ».

[ ٨٤٨٩ ] ٣ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وإذا لم يتهيأ للشيخ، أو الشاب المعلول، أو المرأة الحامل، أن يصوم من العطش والجوع، أو خافت

____________________________

الباب - ١٢

١ - الجعفريات ص ٦٢.

(١) أثبتناه من المصدر.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٧٨.

(١) البقرة ٢: ١٨٤.

٣ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٥.

٣٨٧

أن يضر بولدها، فعليهم جميعا الإفطار، ويتصدق عن كلّ واحد، لكلّ يوم (بمدّ من)(١) طعام، وليس عليه القضاء ».

[ ٨٤٩٠ ] ٤ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن رفاعة، عن أبي عبداللهعليه‌السلام : في قوله تعالى:( وَعَلَى الّذين يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ ) (١) قال: « المرأة تخاف على ولدها، والشيخ الكبير ».

[ ٨٤٩١ ] ٥ - وعن محمّد بن مسلم قال: سمعت أبا جعفرعليه‌السلام يقول: « [ الشيخ ](١) الكبير والذي به العطاش، لا حرج عليهما أن يفطرا في رمضان، وتصدق كلّ واحد منهما في كلّ يوم بمدّ من طعام، ولا قضاء عليهما، وإن لم يقدرا فلا شئ عليهما ».

١٣ -( باب وجوب الافطار على المريض الّذي يضره الصوم، في شهر رمضان وغيره)

[ ٨٤٩٢ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « لا يجوز للمريض والمسافر، الصيام ».

[ ٨٤٩٣ ] ٢ - العياشي: عن سماعة، عن أبي بصير قال: سألته عن قول

____________________________

(١) في المصدر: بمدين.

٤ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٧٩ ح ١٨٠.

(١) البقرة ٢: ١٨٤.

٥ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٧٩ ح ١٨١.

(١) أثبتناه من المصدر.

الباب - ١٣

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٥.

٢ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٧٨ ح ١٧٧.

٣٨٨

الله:( وَعَلَى الّذين يُطِيقُونَهُ ) (١) الآية، قال: « هو الشّيخ الكبير، الّذي لا يستطيع، والمريض ».

١٤ -( باب أنّ حدّ المريض الموجب للإفطار، وما يخاف به الإضرار، وأنّ المريض يرجع إلى نفسه، في قوّته وضعفه)

[ ٨٤٩٤ ] ١ - محمّد بن مسعود العيّاشي في تفسيره: عن أبي بصير قال: سألت أباعبداللهعليه‌السلام ، عن حدّ المرض، الّذي يجب على صاحبه فيه الإفطار، كما يجب عليه في السّفر، في قوله:( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ ) (١) قال: « هو مؤتمن عليه مفوّض إليه، فإن وجد ضعفاً فليفطر، وإن وجد قوّة فليصم، كان المريض(٢) على ما كان ».

[ ٨٤٩٥ ] ٢ - دعائم الإسلام: روينا عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « حدّ المرض الّذي يجب على صاحبه فيه( عِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (١) ، كما يجب(٢) في السّفر، لقول الله عزّوجلّ:( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) (٣) أن يكون العليل لا

____________________________

(١) البقرة ٢: ١٨٤.

الباب - ١٤

١ - تفسير العيّاشي ج ١ ص ٨١ ح ١٨٨.

(١) البقرة ٢: ١٨٤.

(٢) لعلّه: المرض. بقرينة الحديث التالي.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٧٨.

(١) في المصدر: الإفطار.

(٢) وفيه زيادة: عليه

(٣) البقرة ٢: ١٨٤.

٣٨٩

يستطيع أن يصوم، أو يكون إن استطاع الصوم زاد في علّته، وخاف على نفسه، وهو مؤتمن على ذلك مفوّض إليه فيه، فإن أحسّ ضعفا فليفطر، وإن وجد قوّة على الصوم فليصم، كان (المريض على)(٤) ما كان ».

[ ٨٤٩٦ ] ٣ - فقه الرضاعليه‌السلام : « ويصوم العليل إذا وجد من نفسه خفّة، وعلم أنّه قادر على الصوم، وهو أبصر بنفسه ».

١٥ -( باب أنّ من صام في المرض مع إضراره به، لم يجزه، وعليه القضاء)

[ ٨٤٩٧ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « لا يجوز للمريض والمسافر الصيام، فإن صاما كانا عاصيين، وعليهما القضاء » وقالعليه‌السلام : « وروي أن من صام في مرضه أو سفره، أو أتمّ الصلاة، فعليه القضاء ».

وقال «عليه‌السلام في موضع آخر(١) : « فإن صام في السفر، أو في حال المرض، فعليه في ذلك القضاء، فإنّ الله يقول:( فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضًا أَوْ عَلَىٰ سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ) ».

الصّدوق في الهداية: عن الزّهري، عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، مثله(٢) .

____________________________

(٤) في المصدر: المرض.

٣ - فقه الرضا ص ٢٥.

الباب - ١٥

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٥، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ٢٦٢.

(١) نفس المصدر ص ٢٣.

(٢) الهداية ص ٥١.

٣٩٠

[ ٨٤٩٨ ] ٢ - علي بن ابراهيم في تفسيره: عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة، عن الزّهري، عنهعليه‌السلام ، مثله، وزاد بعد قوله: أو في حال المرض، فهو عاص الخ.

١٦ -( باب استحباب إمساك المريض بقيّة النّهار، إذا برئ من مرضه في أثنائه، ويجب عليه القضاء)

[ ٨٤٩٩ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وأمّا صوم التّأديب، فإنّه يؤمر الصبي إذا بلغ سبع سنين بالصوم تأديبا، وليس بفرض، وإن لم يقدر إلّا نصف النهار، فليفطر إذا غلبه العطش، وكذلك من أفطر لعلّة أوّل النهار، ثمّ قوي بقيّة يومه، أُمر بالإمساك بقيّة يومه تأديبا، وليس بفرض ».

[ ٨٥٠٠ ] ٢ - علي بن إبراهيم في تفسيره: عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود، عن سفيان بن عيينة، عن الزّهري، عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، أنّه قال في حديث: « وأمّا صوم التّأديب، فالصبي يؤمر إذا راهق بالصوم تأديبا، و ليس بفرض، وكذلك من أفطر بعلة من أوّل النهار، وقوي(١) بقيّة يومه » و ذكر مثله.

الصدوق في الهداية: عنهعليه‌السلام ، مثله، وفي المقنع مثله(٢) .

____________________________

٢ - تفسير علي بن إبراهيم ج ١ ص ١٨٧، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ٢٦٢.

الباب - ١٦

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ٢٦٢.

٢ - تفسير علي بن إبراهيم ج ١ ص ١٨٧، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ٢٦١.

(١) في المصدر: ثمّ عوفي.

(٢) الهداية ص ٥٠، والمقنع ص ٥٧.

٣٩١

١٧ -( باب بطلان صوم الحائض وإن رأت الدّم قرب الغروب، أو انقطع عقيب الفجر، ووجوب قضائها للصّوم دون الصلاة)

[ ٨٥٠١ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وإن حاضت وقد بقي عليها بقيّة يوم، أفطرت وعليها القضاء ».

١٨ -( باب استحباب إمساك الحائض بقيّة النهار، إذا طهرت في أثنائه، أو حاضت، ويجب عليها قضاؤه)

[ ٨٥٠٢ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام : في المرأة إذا حاضت فاغتسلت نهارا، قال: « تكف عن الطعام، أحبّ اليّ ».

[ ٨٥٠٣ ] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وإذا طهرت المرأة من حيضها، وقد بقي عليها يوم، صامت ذلك اليوم تأديبا، وعليها قضاء ذلك اليوم ».

الصدوق في المقنع: مثله، وفيه: « بقي عليها بقيّة يوم، صامت ذلك المقدار »(١) .

____________________________

الباب - ١٧

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٥.

الباب - ١٨

١ - الجعفريات ص ٦١.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٥.

(١) المقنع ص ٦٤.

٣٩٢

[ ٨٥٠٤ ] ٣ - السيد فضل الله الرّاوندي في نوادره: بإسناده المعتبر عن موسى بن جعفر، عن آبائه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: » إذا قدم المسافر مفطرا بلده نهارا يكف عن الطعام أحبّ اليّ وكذلك قال في الحائض إذا طهرت نهارا ».

١٩ -( باب عدم وجوب الصوم على الطفل والمجنون، واستحباب تمرين الولد على الصوم لسبع أو تسع، بقدر ما يطيق، ولو بعض النهار، أو إذا أطاق، أو راهق، ووجوبه على الذكر لخمس عشرة، وعلى الأُنثى لتسع، إلّا أن يبلغ بالاحتلام أو الإنبات قبل ذلك، فيجب إلزامهما)

[ ٨٥٠٥ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « واعلم أنّ الغلام يؤخذ بالصيام، إذا بلغ تسع سنين، على قدر ما يطيقه، فإن أطاق إلى الظّهر أو بعده، صام إلى ذلك الوقت، فإذا غلب عليه الجوع والعطش أفطر، وإذا صام ثلاثة أيّام، فلا تأخذه بصيام الشهر كلّه ».

[ ٨٥٠٦ ] ٢ - دعائم الإسلام: روينا عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن عليعليهم‌السلام أنّه قال: « يؤمر الصبي بالصلاة إذا عقل، وبالصوم إذا أطاق ».

[ ٨٥٠٧ ] ٣ - وعن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « إنّا نأمر صبياننا بالصلاة والصيام ما أطاقوا منه، إذا كانوا أبناء سبع سنين ».

____________________________

٣ - نوادر الراوندي ص ٣٧.

الباب - ١٩

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٥.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ١٩٣.

٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ١٩٤.

٣٩٣

[ ٨٥٠٨ ] ٤ - وعنهعليه‌السلام : أنّه كان يأمر الصبي بالصوم في شهر رمضان، بعض النهار، فإذا رأى الجوع والعطش غلب عليه، أمره فأفطر.

[ ٨٥٠٩ ] ٥ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام قال: « يجب الصلاة على الصبي إذا عقل، والصوم إذا أطاق ».

السيد الرّاوندي في نوادره: بإسناده عن موسى بن جعفر، عن آبائه، عنهعليهم‌السلام ، مثله(١) .

وتقدم عن تفسير علي بإسناده، عن علي بن الحسينعليهما‌السلام : أنّه قال: « وأمّا صوم التّأديب، فالصبي يؤمر إذا راهق بالصوم، تأديبا وليس بفرض »(٢) .

____________________________

٤ - دعائم الإسلام ج ١ ص ١٩٤.

٥ - الجعفريات ص ٥١.

(١) عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣١٩ ح ٣.

(٢) تقدم في الباب ١٦ حديث ٢.

٣٩٤

أبواب أحكام شهر رمضان

١ -( باب وجوب صومه، وعدم وجوب شئ من الصّوم، غير ما نصّ على صومه)

[ ٨٥١٠ ] ١ - الشيخ المفيد في الاختصاص: عن عبد الرحمان بن ابراهيم، عن الحسين بن مهران، عن الحسين بن عبدالله، عن أبيه، عن جده، عن جعفر بن محمّد عن أبيه، عن جدّه الحسين بن علي بن أبي طالبعليهم‌السلام ، قال: « جاء رجل من اليهود، إلى النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله - وساق الخبر إلى أن قال - يا محمّد، فاخبرني عن الثامن، لأيّ شئ افترض الله صوما على أُمّتك ثلاثين يوما؟ وافترض على سائر الأُمم أكثر من ذلك؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : إنّ آدم لمـّا أن أكل من الشجرة، بقي في جوفه مقدار ثلاثين يوما، فافترض الله على ذريّته ثلاثين يوماً الجوع والعطش، وما يأكلون(١) باللّيل فهو تفضّل من الله على خلقه، وكذلك كان لآدمعليه‌السلام ثلاثين يوما، كما على أُمّتي، ثمّ تلا هذه الآية:( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذين مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (٢) قال: صدقت يا محمّد، فما

____________________________

أبواب أحكام شهر رمضان

الباب - ١

١ - الاختصاص ص ٣٨.

(١) في المصدر: يأكلونه.

(٢) البقرة ٢: ١٨٣.

٣٩٥

جزاء من صامها؟ فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما مؤمن يصوم يوماً من شهر رمضان، حاسبا محتسبا، إلّا أوجب الله تعالى له سبع خصال: أوّل الخصلة يذوب الحرام من جسده، والثّاني يتقرّب إلى رحمة الله تعالى، والثّالث يكفر خطيئته، ألا تعلم أنّ الكفّارات في الصوم يكفّر، والرّابع يهوّن عليه سكرات الموت، والخامس آمنه الله من الجوع والعطش يوم القيامة، والسّادس براءة من النّار، والسّابع أطعمه الله من طيّبات الجنّة، قال: صدقت يا محمّد ».

[ ٨٥١١ ] ٢ - ابن شهر آشوب في المناقب: عن الفضل بن ربيع، ورجل آخر، في حديث طويل أنّ هارون سأل موسى بن جعفرعليهما‌السلام ، وهو لا يعرفه فقال: أخبرني ما فرضك؟ قالعليه‌السلام : « إنّ الفرض رحمك الله واحد - إلى أن قال - ومن اثني عشر واحد - إلى أن قالعليه‌السلام - وأمّا قولي من اثني عشر واحد، فصيام شهر رمضان من اثني عشر شهرا » الخبر.

[ ٨٥١٢ ] ٣ - ابن أبي جمهور في درر اللآلي: عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « من صام يوماً من رمضان، خرج من ذنوبه مثل يوم ولدته أُمّه، فإن انسلخ عليه الشّهر وهو حيّ، لم تكتب عليه خطيئته إلى الحول ».

[ ٨٥١٣ ] ٤ - وعن الشعبي، عن قيس الجهني، قال: سمعت رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله يقول: « ما من يوم يصومه العبد من شهر رمضان، إلّا جاء يوم القيامة في غمامة من نور، في تلك الغمامة قصر

____________________________

٢ - مناقب ابن شهر آشوب ج ٤ ص ٣١٢.

٣ - درر اللآلي ج ١ ص ١٦.

٤ - درر اللآلي ج ١ ص ١٦.

٣٩٦

من درّة، له سبعون بابا، كلّ باب من ياقوته حمراء ».

[ ٨٥١٤ ] ٥ - وعن عبد الرحمان بن عوف: أنّ رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، ذكر شهر رمضان، وفضله على الشّهور بما فضّله الله، وقال: « إنّ شهر رمضان شهر كتب الله صيامه على المسملين، وسَنَّ قيامه، فمن صامه إيمانا واحتسابا، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمّه ».

[ ٨٥١٥ ] ٦ - وعنهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « من صام شهر رمضان وقامه، إيمانا واحتسابا، غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ».

[ ٨٥١٦ ] ٧ - السيد فضل الله الرّاوندي في نوادره: عن علي بن الحسين الورّاق، عن عبدالله بن جعفر، عن محمّد بن أبي نعيم بن علي، وأبي إسحاق بن عيسى، عن محمّد بن الفضل بن حاتم، عن إسحاق بن راهويه، عن النّضر بن شميل، عن القاسم بن الفضل، عن النّضر بن شيبان، عن أبي سلمة، عن عبد الرحمان، عن أبيه، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وذكر رمضان ففضله بما فضّله الله عزّوجلّ، على سائر الشّهور، قال: « شهر فرض الله صيامه، وسنّ قيامه، فمن صام وقام(١) إيمانا واحتسابا، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمّه ».

[ ٨٥١٧ ] ٨ - وعن أبي القاسم الورّاق، عن محمّد، عن عمير بن احمد، عن أبيه، عن محمّد بن سعيد، عن هدية، عن همام بن [ يحيى ](١) عن علي بن زيد بن جدعان، عن سعيد بن مسيّب، عن

____________________________

٥ و ٦ - درر اللآلي ج ١ ص ١٧.

٧ - نوادر الراوندي، أخرجه عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٩ ح ١٧.

(١) في البحار: صامه وقامه.

٨ - نوادر الراوندي، عنه في البحار ج ٩٦ ص ٣٤٩ ح ١٨.

(١) سقط من الطبعة الحجرية، وما أثبتناه من البحار هو الصواب « راجع =

٣٩٧

سلمانرضي‌الله‌عنه قال: خطبنا رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، في آخر يوم من شعبان، فقال: « قد أظلكم شهر رمضان، شهر مبارك، شهر فيه ليلة القدر(٢) خير من الف شهر، جعل الله صيامه فريضة، وقيامه لله عزّوجلّ طوعا » الخبر.

[ ٨٥١٨ ] ٩ - علي بن ابراهيم في تفسيره: عن أبيه، عن القاسم بن محمّد، عن سليمان بن داود المنقري، عن سفيان بن عيينة، عن الزّهري، عن علي بن الحسينعليهما‌السلام ، قال: قال لي يوما: « يا زهري، من أين جئت؟ » قلت: من المسجد، قال: « فيم كنت؟ » قال: تذاكرنا فيه أمر الصوم، فاجتمع رأيي ورأي اصحابي، أنّه ليس من الصوم شئ واجب، إلّا صوم شهر رمضان، فقال: « يا زهري ليس كما قلتم، الصوم على أربعين وجها: فعشرة أوجه منها واجبة كوجوب شهر رمضان، وأربعة عشر وجها صاحبها بالخيار، إن شاء صام وإن شاء أفطر، وعشرة أوجه منها حرام، وصوم الإذن على ثلاثة أوجه، وصوم التأديب، وصوم الإباحة، وصوم السفر، والمرض »، فقلت: فسرّهنّ لي جعلت فداك، فقال: « أمّا الواجب فصوم شهر رمضان، وصيام شهرين متتابعين » الخبر.

ورواه الصدوق في الهداية والمقنع: عنهعليه‌السلام ، مثله(١) .

[ ٨٥١٩ ] ١٠ - وقال في قوله تعالى:( كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الّذين

____________________________

= تهذيب التهذيب ج ٧ ص ٣٢٢ ».

(٢) « القدر » ليس في البحار.

٩ - تفسير القمي ج ١ ص ١٨٥، وعنه في البحار ج ٩٦ ص ٢٥٩.

(١) الهداية ص ٤٨، المقنع ص ٥٥.

١٠ - تفسير القمي ج ١ ص ٦٥.

٣٩٨

مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ ) (١) فإنّه قال، أي الصادقعليه‌السلام كما هو الظّاهر: « أوّل ما فرض الله الصّوم، لم يفرضه في شهر رمضان إلّا على الأنبياء، ولم يفرضه على الأُمم، فلمّا بعث الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، خصّه بفضل [ شهر ](٢) رمضان، هو وأُمّته، وكان الصّوم قبل أن ينزل شهر رمضان، يصوم النّاس أيّاماً، ثمّ نزل:( شَهْرُ رَمَضَانَ الّذي أُنزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ ) (٣) ».

[ ٨٥٢٠ ] ١١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « واعلم أنّ الصوم على أربعين وجها - إلى أن قال - أمّا الصوم الواجب، فصوم شهر رمضان » الخبر. قال: « وقد روي عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله (١) ، أنّه قال: من دخل عليه شهر رمضان، فصام نهاره، وأقام ورداً في ليله، وحفظ فرجه ولسانه، وغضّ بصره، وكفّ أذاه(٢) ، خرج من ذنوبه (كهيئة يوم)(٣) ولدته أُمّه، فقيل له: ما أحسن هذا من حديث! فقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : ما أصعب هذا من شرط! ».

[ ٨٥٢١ ] ١٢ - دعائم الإسلام: روينا عن جعفر بن محمّد أنّه قال: « صوم شهر رمضان، فرض في كلّ عام ».

وعن عليعليه‌السلام (١) أنّه قال: « صوم شهر رمضان، جنّة

____________________________

(١) البقرة ٢: ١٨٣.

(٢) أثبتناه من المصدر.

(٣) البقرة ٢: ١٨٥.

١١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

(١) نفس المصدر ص ٢٤.

(٢) في المصدر: أذناه.

(٣) في المصدر: كيوم.

١٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٨.

(١) نفس المصدر ج ١ ص ٢٦٩.

٣٩٩

من النّار ».

[ ٨٥٢٢ ] ١٣ - عوالي اللآلي: عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « شهر رمضان، شهر فرض الله صيامه، فمن صامه احتسابا وإيمانا، خرج من ذنوبه كيوم ولدته أُمّه ».

[ ٨٥٢٣ ] ١٤ - القطب الرّاوندي في لبّ اللّباب: عن عليعليه‌السلام ، أنّه قال: « ينطق الله جميع الأشياء، بالثناء على صوام شهر رمضان ».

[ ٨٥٢٤ ] ١٥ - وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله أنّه قال: « إنّ الجنّة مشتاقة إلى أربعة نفر: إلى مطعم الجيعان، وحافظ اللّسان، وتالي القرآن، وصائم شهر رمضان، » وقالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ رمضان إلى رمضان، كفّارة لمـّا بينهما » وقال: « أنّ الجنّة لتزيّن من السنة إلى السنة، لصوم شهر رمضان ».

[ ٨٥٢٥ ] ١٦ - الصدوق في كتاب فضائل الأشهر الثلاثة: عن أحمد بن الحسن القطان، عن أحمد بن محمّد بن محمّد بن سعيد، عن جابر بن يزيد، عن أبي الزبير المكّي، عن جابر بن عبدالله الأنصاري، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : « إنّ الله تبارك وتعالى، لم يفرض من صيام شهر رمضان، فيما مضى الّا على الأنبياء دون أُممهم، وإنّما فرض عليكم ما فرض على أنبيائه ورسله قبلي، إكراما وتفضيلا » الخبر.

____________________________

١٣ - عوالي اللآلي ج ٣ ص ١٣٢ ح ١.

١٤ - لب اللباب: مخطوط.

١٥ - لب اللباب: مخطوط.

١٦ - فضائل الأشهر الثلاثة ص ١٣٩.

٤٠٠

401

402

403

404

405

406

407

408

409