الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)14%

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام) مؤلف:
تصنيف: الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
الصفحات: 409

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)
  • البداية
  • السابق
  • 409 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 201568 / تحميل: 8426
الحجم الحجم الحجم
الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)

الحياة السياسية للإمام الرضا (عليه السلام)

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

عليه‌السلام - في كلام له طويل - قالعليه‌السلام : « فنحن الّذين عنى الله بذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل [ كلّ هؤلاء منّا خاصّة ](١) لأنه لم يجعل لنا في سهم الصدقة نصيباً، أكرم الله نبيهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، وأكرمنا أن يطعمنا أوساخ الناس » الخبر.

ورواه الكليني في الروضة: عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن حمّاد بن عيسى، عن إبراهيم بن عمر اليماني، عن أبان بن أبي عياش، عن سليم: مثله(٢) .

[ ٧٨٠٤ ] ١١ - عماد الدين الطبري في بشارة المصطفى: عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن عبد الصمد، عن أبيه، عن جده عبد الصمد بن محمد التميمي، قال: حدثنا أبو الحسن محمد بن القاسم الفارسي، قال: حدثنا أحمد بن أبي الطيب بن شعيب، حدثنا إبراهيم بن عبد الله بن أحمد بن حفص البختري، حدثنا زكريا بن يحيى بن مروان، حدثنا عبد الرحمن بن صالح، حدثنا موسى بن عثمان الحضرمي، عن أبي إسحاق، عن البراء، وعن زيد بن أرقم، قال: كنا مع النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله يوم غدير خم، ونحن نرفع غصن الشجرة عن رأسه، فقال: « إنّ الصدقة لا تحل لي، ولا لأهل بيتي » الخبر.

____________________________

(١) ما بين المعقوفتين أثبتناه من المصدر، وكان في الطبعة الحجرية كلمة « فينا ».

(٢) الكافي ج ٨ ص ٦٣.

١١ - بشارة المصطفى ص ١٦٥.

١٢١

١٧ -( باب جواز إعطاء بني هاشم من الصدقة والزكاة المندوبة

[ ٧٨٠٥ ] ١ - كتاب حسين بن عثمان بن شريك: برواية ابن أبي عمير، عنه وعن غير واحد، عن عبد الله بن شيبان، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، قال: « إنما حرم على بني هاشم من الصدقة، الزكاة المفروضة على الناس، ثم قال: لو لا أن هذا لحرمت علينا هذه المياه، التي (فيما بين)(١) مكة والمدينة ».

١٨ -( باب جواز إعطاء بني هاشم زكاتهم، لبني هاشم وغيرهم)

[ ٧٨٠٦ ] ١ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال في حديث: « وأحل لنا صدقات بعضنا على بعض، من غير زكاة ».

١٩ -( باب جواز إعطاء بني هاشم من الزكاة مع ضرورتهم، وقصور الخمس عن كفايتهم)

[ ٧٨٠٧ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام - في حديث - أنه قيل له: فإذا منعتم الخمس، فهل تحل لكم الصدقة ؟ قال: « لا

____________________________

الباب - ١٧

١ - كتاب حسين بن عثمان بن شريك ص ١١٠.

(١) في المصدر: فيها.

الباب - ١٨

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٥٩.

الباب - ١٩

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٥٩.

١٢٢

والله، ما يحل لنا ما حرم الله علينا بغصب(١) الظالمين حقنا وليس منعهم إيانا ما أحل(٢) لنا، بمحل لنا ما حرم الله علينا ».

قلت: ويحمل على غير الضرورة.

وفي الصحيح المروي في الأصل(٣) : الصدقة لا تحل لأحد منهم، إلا أن لا يجد شيئاً، فيكون ممن تحل له الميتة.

٢٠ -( باب استحباب دفع الزكاة والفطرة إلى الإمام، وإلى الثقات من بني هاشم، ليفرقوها على أربابها، واستحباب قبول الثقات ذلك)

[ ٧٨٠٨ ] ١ - دعائم الاسلام: روينا عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن آبائه، عن أميرالمؤمنين علي (صلوات الله عليهم)، (أنه)(١) نهى أن يخفي المرء زكاته عن إمامه، وقال: « إخفاء ذلك من النفاق ».

[ ٧٨٠٩ ] ٢ - سليم بن قيس الهلالي في كتابه: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنه قال: « الواجب في حكم الله وحكم الإسلام على المسلمين بعد ما يموت إمامهم أو يقتل ضالا كان [ أو مهتدياً مظلوماً كان أو ظالماً حلال الدم أو حرام الدم ](١) أن لا يعملوا عملاً ولا يحدثوا حدثاً ولا يقدموا يداً ولا رجلاً [ ولا يبدؤا بشئ ](٢) قبل أن يختاروا

____________________________

(١) في المصدر: بمنع.

(٢) وفيه: ما أحل الله.

(٣) وسائل الشيعة ج ٦ ص ١٩١ ح ١ والتهذيب ج ٤ ص ٥٩ ح ١٥٩.

الباب - ٢٠

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٤٥.

(١) في المصدر: إن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله .

٢ - سليم بن قيس الهلالي ص ١٨٢.

(١ و ٢) أثبتناه من المصدر.

١٢٣

لأنفسهم إماماً عفيفاً عالماً ورعاً عارفاً بالقضاء والسنة [ يجمع أمرهم ويحكم بينهم ويأخذ للمظلوم من الظالم حقه ويحفظ أطرافهم و ](٣) يجبي فيئهم ويقيم حجتهم ويجبي صدقاتهم.

٢١ -( باب جواز نقل الزكاة أو بعضها، من بلد إلى آخر مع الأمن، ووجوبه مع عدم المستحق هناك)

[ ٧٨١٠ ] ١ - زيد النرسي في أصله: عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال: « إذا لم تجدوا أهل الولاية في مصر تكونون فيه، فابعثوا بالزكاة المفروضة إلى أهل الولاية من غير أهل مصركم » الخبر.

٢٢ -( باب استحباب تفريق الزكاة في بلد المال، وكراهية نقلها مع وجود المستحق)

[ ٧٨١١ ] ١ - أحمد بن علي الطبرسي في الاحتجاج: عن عبد الكريم بن عتبة الهاشمي، عن أبي عبد اللهعليه‌السلام ، أنه قال: « كان رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، يقسم صدقة أهل البوادي في أهل البوادي، وصدقة الحضر في أهل الحضر » الخبر.

____________________________

(٣) أثبتناه من المصدر.

الباب - ٢١

١ - زيد النرسي ص ٥١.

الباب - ٢٢

١ - الاحتجاج ص ٣٦٤.

١٢٤

٢٣ -( باب أن من دفع إليه مال يفرقه في قوم وكان منهم، جاز له أن يأخذ لنفسه كأحدهم، إلّا أن يعيّن له أشخاصاً، فلا يجوز العدول عنهم إلّا بإذنه)

[ ٧٨١٢ ] ١ - كتاب حسين بن عثمان بن شريك: عن أبي الحسنعليه‌السلام ، في رجل أعطي مالاً يقسمه فيمن يحل له، أله أن يأخذ شيئاً منه لنفسه ؟ ولم يسم له، قال: « يأخذ لنفسه مثل ما أعطى غيره ».

٢٤ -( باب جواز تصرف الفقير فيما يدفع إليه من الزكاة كيف يشاء، من حج وتزويج وأكل وكسوة وصدقة وغير ذلك، ولا يلزمه الاقتصار على أقل الكفاية)

[ ٧٨١٣ ] ١ - كتاب عاصم بن حميد الحناط: عن أبي بصير، قال: قلت لأبي عبد اللهعليه‌السلام : إن عمر شيخ من أصحابنا. سأل عيسى بن أعين وهو محتاج، قال: فقال له عيسى: أما أن عندي شيئاً من الزكاة، ولا أعطيك منها شيئاً، قال: فقال له: لم ؟ قال: لأني رأيتك اشتريت تمراً واشتريت لحماً، قال: إنما ربحت درهماً فاشتريت به أربعين(١) تمراً، وبدانق لحماً، ورجعت بدانقين لحاجة، قال: فوضع أبو عبد اللهعليه‌السلام يده على جبهته، قال: ثم رفع رأسه، فقال: « أن الله عزّوجلّ نظر في أموال الأغنياء، ونظر في الفقراء،

____________________________

الباب - ٢٣

١ - كتاب حسين بن عثمان بن شريك ص ١٠٨.

الباب - ٢٤

١ - كتاب عاصم بن حميد الحناط ص ٢٢.

(١) في نسخة: بدانقين.

١٢٥

فجعل في أموال الأغنياء ما يكتفي به الفقراء، ولو لم يكفهم لزادهم بلى فليعطه ما يأكل ويشرب ويكتسي وتتزوج ويصدق(٢) ويحج ».

[ ٧٨١٤ ] ٢ - دعائم الاسلام: عن جعفر بن محمدعليهما‌السلام ، أنه قال: « ويعطى المؤمن من الزكاة، ما يأكل منه ويشرب، ويكتسي، ويتزوج، ويحج، ويتصدق، (ويوفي دينه)(١) ».

٢٥ -( باب جواز صرف الزكاة في شراء عبيد المسلمين، الّذين تحت الشدة خاصة وعتقهم، وجوازه مطلقاً مع عدم المستحق، فإن مات العبد الذي اشتري من الزكاة وأعتق وله مال ولا وارث له، ورثه المستحقون للزكاة)

[ ٧٨١٥ ] ١ - دعائم الاسلام: عن أبي جعفر محمد بن عليعليهما‌السلام ، أنه قال في قول الله عزوجل:( وَفِي الرِّقَابِ ) (١) قال: « إذا جازت الزكاة خمسمائة درهم، اشتر(٢) منها العبد وأعتق ».

[ ٧٨١٦ ] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : في آخر باب الزكاة: « فإن استفاد المعتق مالا، فماله لمن أعتق، لانه مشترى بماله ».

____________________________

(٢) في نسخة: ويتصدق.

٢ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٦٠.

(١) ليس في المصدر.

الباب - ٢٥

١ - دعائم الاسلام ج ١ ص ٢٦٠.

(١) التوبة ٩: ٦٠.

(٢) في المصدر: اشتري.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

١٢٦

٢٦ -( باب جواز صرف الزكاة إلى المكاتبين مع حاجتهم، وعدم جواز إعطاء الزكاة للمملوك، سوى ما استثنى)

[ ٧٨١٧ ] ١ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن أبي إسحاق، عن بعض أصحابنا، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: سئل عن مكاتب عجز عن مكاتبته، وقد أدى بعضها، قال: « يؤدّي من مال الصدقة، إنّ الله يقول في كتابه:( وَفِي الرِّقَابِ ) (١) ».

٢٧ -( باب جواز قضاء الدين عن المؤمن من الزكاة، إذا لم يكن صرفه في معصيته، وجواز مقاصته بها من دين عليه، حياً أو ميتاً واستحباب اختيار إعطائه منها على مقاصته مع ضرورته، وجواز تجهيز الميت من الزكاة)

[ ٧٨١٨ ] ١ - العياشي في تفسيره: عن الصباح بن سيابه، قال: قالعليه‌السلام : « أيما مسلم مات وترك ديناً، لم يكن في فساد وعلى إسراف، فعلى الإمام أن يقضيه، فإن لم يقضه، فعليه إثم ذلك، إنّ الله يقول:( إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ ) (١) فهو من الغارمين، وله سهم عند الإمام، فإن حبسه فإثمه عليه ».

____________________________

الباب - ٢٦

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٣ ح ٧٦.

(١) التوبة ٩: ٦٠.

الباب - ٢٧

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٤ ح ٧٨.

(١) التوبة ٩: ٦٠.

١٢٧

[ ٧٨١٩ ] ٢ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن آبائه، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « لا تحل الصدقة لغني، إلّا لخمسة: (عامل وغارم)(١) ، وهو الذي عليه الدين، أو تحمل بالحمالة » الخبر.

[ ٧٨٢٠ ] ٣ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وإن كان لك على رجل مال، ولم يتهيّأ له قضاء، فاحسبه من الزكاة إن شئت ».

وقد روي عن العالمعليه‌السلام ، أنّه قال: « نعم الشئ القرض، إن أيسر قضاك، وإن عسر حسبته من زكاة مالك ».

الصدوق في المقنع(١) : مثله، وفيه: من زكاة مالك.

٢٨ -( باب عدم جواز دفع الزكاة إلى الغارم في معصية، وحكم مهور النساء)

[ ٧٨٢١ ] ١ - محمّد بن مسعود العياشي في تفسيره: عن عبد الرحمن بن الحجاج، أن محمّد بن خالد، سأل أبا عبداللهعليه‌السلام ، عن الصدقات، فقال: « اقسمها فيمن قال الله، ولا يعطي من سهم الغارمين الّذين ينادون نداء الجاهلية »، قال: قلت: وما نداء الجاهلية؟ قال: « الرجل يقول: يا آل بني فلان، فيقع فيهم القتل والدماء، فلا يؤدّي ذلك من سهم الغارمين، (ولا الذين)(١) يغرمون

____________________________

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦١.

(١) في المصدر: عامل عليها أو غارم.

٣ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٣.

(١) المقنع ص ٥١.

الباب - ٢٨.

١ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٤ ح ٧٩.

(١) في المصدر: والذين.

١٢٨

من مهور النساء »، قال: ولا أعلمه إلّا قال: « ولا الّذين لا يبالون بما صنعوا بأموال الناس ».

[ ٧٨٢٢ ] ٢ - وعن محمّد القسري: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، قال: سألته عن الصدقة، فقال: « (نعم ثمنها)(١) فيمن قال الله، ولا يعطى من سهم الغارمين الّذين يغرمون في مهور النساء، ولا الّذين ينادون بنداء الجاهلية »، قال: قلت: وما نداء الجاهلية؟ قال: « الرجل يقول: يا آل بني فلان، فيقع بينهم القتل، فلا يؤدّي ذلك من سهم الغارمين، (ولا الذين)(٢) لا يبالون ما صنعوا بأموال الناس ».

[ ٧٨٢٣ ] ٣ - وعن عمرو بن سليمان، عن رجل من أهل الحويزة(١) ، قال: سأل الرضاعليه‌السلام ، رجل فقال: جعلت فداك، إنّ الله تبارك وتعالى، يقول:( فَنَظِرَةٌ إِلَىٰ مَيْسَرَةٍ ) (٢) فأخبرني عن هذه النظرة، التي ذكرها الله، لها حد يعرف، إذا صار هذا المعسر لا بد له من أن ينتظر(٣) ، وقد أخذ مال هذا الرجل، وأنفق على عياله، وليس له غلة ينتظر إدراكها، ولا دين ينتظر محله، ولا مال غائب ينتظر قدومه، قال: « نعم، ينتظر بقدر ما ينتهي خبره إلى الإمام، فيقضي عنه ما عليه من سهم الغارمين، إذا كان أنفقه في طاعة الله، فإن كان أنفقه في معصية الله، فلا شئ له على الإمام »، قال: فما لهذا الرجل

____________________________

٢ - تفسير العياشي ج ٢ ص ٩٤ ح ٨٠.

(١) في المصدر: أقسمها.

(٢) في المصدر: والذين.

٣ - تفسير العياشي ج ١ ص ١٥٥ ح ٥٢٠.

(١) في المصدر: الجزيرة.

(٢) البقرة ٢: ٢٨٠.

(٣) في المصدر: ينظر.

١٢٩

الذي أئتمنه، وهو لا يعلم فيم أنفقه، في طاعة الله أو معصيته؟ قال: « سعى(٤) له في ماله، فيرده وهو صاغر ».

٢٩ -( باب جواز تعجيل إعطاء الزكاة للمستحق على وجه القرض، واحتسابها عليه عند الوجوب مع بقاء الاستحقاق)

[ ٧٨٢٤ ] ١ - فقه الرضاعليه‌السلام : « وأول أوقات الزكاة بعد ما مضى ستة أشهر من السنة، لمن أراد تقديم الزكاة.

وإني أروي عن أبي العالمعليه‌السلام ، في تقديم الزكاة وتأخيرها، أربعة أشهر أو ستة أشهر، إلّا أنّ المقصود منها أن تدفعها إذا وجبت عليك، ولا يجوز لك تقديمها وتأخيرها، لأنها مقرونة بالصلاة، ولا يجوز لك تقديم الصلاه قبل وقتها ولا تأخيرها، إلّا أن يكون قضاء، وكذلك الزكاة، وإن أحببت أن تقدم من زكاة مالك شيئاً تفرّج به عن مؤمن، فاجعلها ديناً عليه، فإذا حل عليك وقت الزكاة فاحسبها له زكاة، فإنه يحسب لك من زكاة مالك، ويكتب لك أجر القرض والزكاة ».

[ ٧٨٢٥ ] ٢ - الصدوق في المقنع: ولا يجوز لك تقديمها وتأخيرها، إلّا أن يكون قضاء، وعليك الزكاة وإن أحببت إلى آخر ما في الرضوي.

____________________________

(٤) في المصدر: يسعى.

الباب - ٢٩

١ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٢.

٢ - المقنع ص ٥١ باختلاف في اللفظ.

١٣٠

[ ٧٨٢٦ ] ٣ - دعائم الإسلام: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، أنّه قال: « لا بأس بتعجيل الزكاة قبل محلها بشهر أو نحوه أذا احتيج إليها، وقد تعجل رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، زكاة العباس قبل محلها (بشهر أو نحوه)(١) ، لأمر احتاج إليها فيه ».

٣٠ -( باب أنّ الزكاة لا تجب فيما عدا الغلات، إلّا بعد الحول من حين الملك، وأنه يكفي فيه أن يهل الثاني عشر)

[ ٧٨٢٧ ] ١ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « لا تجب الزكاة فيما سميت فيه حتى يحول عليه الحول، بعد أن يكمل القدر الذي (يجب فيه)(١) ».

وتقدم عن فقه الرضا(٢) عليه‌السلام : قولهعليه‌السلام : « ولا يجوز تقديمها وتأخيرها، لأنها مقرونة بالصلاة، ولا يجوز لك تقديم الصلاة قبل وقتها ولا تأخيرها » الخ.

____________________________

٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٥٩.

(١) ليس في المصدر.

الباب - ٣٠

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٥٠.

(١) في المصدر: تجب فيه الزكاة.

(٢) تقدم في الحديث ١ من الباب السابق.

١٣١

٣١ -( باب وجوب إخراج الزكاة عند حلولها من غير تأخير، وعزلها أو كتابتها مع عدم المستحق إلى أن يوجد، وحكم التجارة بها وتلفها)

[ ٧٨٢٨ ] ١ - زيد النرسي في أصله: عن أبي عبداللهعليه‌السلام ، في الرجل يكون له الإبل والبقر والغنم أو المتاع(١) ، فيحول عليه الحول، فيموت الإبل والبقر ويحترق المتاع، فقال: « إن كان حال عليه الحول وتهاون في إخراج زكاته، فهو ضامن للزكاة وعليه زكاة ذلك، وإن كان قبل أن يحول عليه الحول، فلا شئ عليه ».

[ ٧٨٢٩ ] ٢ - فقه الرضاعليه‌السلام : « ولا يجوز لك تقديمها وتأخيرها ».

[ ٧٨٣٠ ] ٣ - المفيد (ره) في مجالسه: عن عمر بن محمّد بن علي الصيرفي، عن محمّد بن همام الإسكافي، عن جعفر بن محمّد بن مالك، عن أحمد بن سلامة الغنوي، عن محمّد بن الحسن العامري، عن معمر، عن أبي بكر بن عياش، عن الفجيع العقيلي، عن الحسن بن عليعليهما‌السلام ، أنّه حدثه ممـّا أوصى به أمير المؤمنينعليه‌السلام عند وفاته، أنّه قال: « أوصيك يا بني بالصلاة عند وقتها، والزكاة في أهلها عند محلها » الخبر.

____________________________

الباب - ٣١

١ - زيد النرسي ص ٥٥.

(١) في المصدر: والمتاع.

٢ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٢.

٣ - أمالي المفيد ص ٢٢١.

١٣٢

٣٢ -( باب استحباب إخراج الزكاة المفروضة علانية، والصدقة المندوبة سراً، وكذا سائر العبادات)

[ ٧٨٣١ ] ١ - دعائم الإسلام: عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال: « ما كان من الصدقة والصلاة والصوم، وأعمال البر كلها، تطوعاً فأفضلها ما كان سراً، وما كان من ذلك واجباً مفروضاً، فأفضله أن يعلن به ».

[ ٧٨٣٢ ] ٢ - وعنهعليه‌السلام أنّه قال في قوله تعالى:( إِن تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ) (١) الآية، قال: « ليس ذلك بالزكاة، ولكنه الرجل يتصدق لنفسه، (وأن)(٢) الزكاة علانية ليست بسر ».

[ ٧٨٣٣ ] ٣ - عوالي اللآلي: عن ابن عباس، عن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « إن صدقة السر في التطوع، تفضل علانيتها بسبعين ضعفاً، وصدقة الفريضة علانيتها أفضل من سرها بخمسة وعشرين ضعفاً ».

____________________________

الباب - ٣٢

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٤١.

٢ - دعائم الإسلام ج ٢ ص ٣٢٩.

(١) البقرة ٢: ٢٧١.

(٢) في المصدر: وإنما كانت.

٣ - عوالي اللآلي ج ٢ ص ٧٢ ح ١٨٩.

١٣٣

٣٣ -( باب قبول دعوى المالك في الإخراج)

[ ٧٨٣٤ ] ١ - دعائم الإسلام: عن علي، عن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه نهى عن أن يحلف الناس على صدقاتهم، وقال: « هم فيها مأمونون ».

وتقدم(١) عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، فيما رواه الثقفي في كتاب الغارات(٢) ، قوله للمصدق الذي بعثه من الكوفة: « فيقول: يا عباد الله، أرسلني إليكم ولي الله، لآخذ منكم حقّ الله، فهل في أموالكم حقّ فتؤدونه إلى وليه؟ وإن قال قائل منهم: لا، فلا تراجعه » الخ.

٣٤ -( باب وجوب النية عند إخراج الزكاة)

[ ٧٨٣٥ ] ١ - الشيخ المفيد في الاختصاص: عن أمير المؤمنينعليه‌السلام ، أنّه قال: « لا خير في القول إلّا مع العمل - إلى أن قال - ولا في الفقه إلّا مع الورع، ولا في الصدقة إلّا مع النية » الخبر.

[ ٧٨٣٦ ] ٢ - الكليني في الكافي: عن محمّد بن يحيى، عن أحمد بن محمّد، عن بعض أصحابه، وعلي بن إبراهيم، عن أبيه، عن ابن أبي عمير، جميعاً عن محمّد بن أبي حمزة، عن حمران، عن أبي عبداللهعليه‌السلام ،

____________________________

الباب - ٣٣

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٥٢.

(١) تقدم في الباب ١٢ الحديث ١.

(٢) الغارات ج ١ ص ١٢٦.

الباب - ٣٤

١ - الإختصاص ص ٢٤٣.

٢ - الكافي ج ٨ ص ٣٦.

١٣٤

أنه قال: « وإذا رأيت الحق قد مات - إلى أن قال - ورأيت الصدقة بالشفاعة، ولا يراد بها وجه الله، ويعطى لطلب الناس، فكن مترقباً واجهد ليراك الله عزّوجلّ في خلاف ما هم عليه » الخبر.

٣٥ -( باب استحباب التوصل بالزكاة إلى من يستحي من قبولها، بإعطائه على وجه آخر لا يوجب إذلال المؤمن)

[ ٧٨٣٧ ] ١ - أصل قديم من أصول قدماء أصحابنا: عن محمّد بن صدقة، قال: كنت عند الرضاعليه‌السلام ، إذ وفد عليه قوم من أهل أرمنية، فقال له زعيمهم: إنا أتيناك ولا نشك في إمامتك، ولا نشرك فيها معك أحداً، وإن عندنا قوم من إخواننا لهم الأموال الكثيرة، فهل لنا أن نحمل زكاة أموالنا إلى فقراء إخواننا؟ ونجعل ذلك صلة بهم وبراً، فغضب حتى تزلزلت الأرض من تحتنا، ولم يكن فينا من يحر جواباً، وأطرق رأسه ملياً وقال: « من حمل إلى أخيه شيئاً يرى أن ذلك الشئ براً له وتفضلاً عليه، عذبه الله عذاباً لا يعذب به أحداً من العالمين، ثمّ لا ينال رحمته »، فقال زعيمهم ودموعه تجري على خده: كيف ذلك يا سيدي فقد أحزنني؟ فقال: « أما علمت أنّ الله تبارك وتعالى، لم يفرق بينهم في نفس ومال، فمن يفعل ذلك لم يرض بحكم الله، وردّ عليه قضاءه، وأشركه في أمره، ومن فعل ما لزمه، باهى الله به ملائكته، وأباحه جنته ».

____________________________

الباب - ٣٥

١ - أصل قديم من أصول قدماء أصحابنا ص ١.

١٣٥

٣٦ -( باب نوادر أبواب المستحقين للزكاة)

[ ٧٨٣٨ ] ١ - ابن أبي جمهور الأحسائي في عوالي اللآلي: وفي الحديث، أنّه لمـّا نزل قوله تعالى:( وَصَلِّ عَلَيْهِمْ ) (١) وأمرصلى‌الله‌عليه‌وآله الصحابة بأداء الزكاة ودفعها إليه، فأول من امتثل وأحضر الزكاة، رجل اسمه أبو أوفى، فدعا له النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، فقال: « اللهم صلّ على أبي أوفى وآل أبي أوفى ».

[ ٧٨٣٩ ] ٢ - وعن النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله ، أنّه قال: « ليس المسكين الذي ترده الأكلة والأكلتان، والتمرة والتمرتان، ولكن المسكين الذي لا يجد غنى(١) فيغنيه، ولا يسأل الناس شيئاً، ولا يفطن به فيتصدق عليه ».

[ ٧٨٤٠ ] ٣ - الشيخ أبو الفتوح الرازي في تفسيره: عن عبدالله بن أبي أوفى، قال: كان إذا أتى أحد بصدقة عند رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، قالصلى‌الله‌عليه‌وآله : « اللهم صلّ على آل فلان » فجاء أبي يوماً بصدقة عنده، فقال: « اللهم صلّ على آل أبي أوفى ».

____________________________

الباب - ٣٦

١ - عوالي اللآلي ج ٢ ص ٢٣٢ ح ١٩.

(١) التوبة ٩: ١٠٣.

٢ - المصدر السابق ج ٢ ص ٧٠ ح ١٨٢.

(١) في المصدر: غناء.

٣ - تفسير أبي الفتوح الرازي ج ٢ ص ٦٣٣.

١٣٦

أبواب زكاة الفطرة

١ -( باب وجوبها على الغني المالك لقوت السنة)

[ ٧٨٤١ ] ١ - دعائم الإسلام: روينا عن جعفر بن محمّدعليهما‌السلام ، أنّه قال في قول الله عزّوجلّ:( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ) (١) قال: « أدى زكاة الفطرة ».

[ ٧٨٤٢ ] ٢ - علي بن إبراهيم في تفسيره:( قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّىٰ ) (١) قال: زكاة الفطرة إذا أخرجها.

[ ٧٨٤٣ ] ٣ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن جدّه جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « من أدى زكاة الفطر، تمم الله تعالى له ما نقص من زكاة ماله ».

ورواه السيد فضل الله الراوندي في نوادره(١) : بإسناده، عن

____________________________

أبواب زكاة الفطرة

الباب - ١

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٦.

(١) الأعلى ٨٧: ١٤.

٢ - تفسير القمّي ج ٢ ص ٤١٧.

(١) الأعلى ٨٧: ١٤.

٣ - الجعفريات ص ٥٤.

(١) نوادر الراوندي ص ٢٤.

١٣٧

محمّد إلى آخر السند، قال: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله : وذكر مثله.

[ ٧٨٤٤ ] ٤ - الصدوق في الهداية: عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال: « الفطرة واجبة على كلّ مسلم، فمن لم يخرجها خيف عليه الفوت، فقيل له، وما الفوت؟ قال: الموت ».

[ ٧٨٤٥ ] ٥ - عوالي اللآلي: عن ابن عباس، قال: فرض رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله ، زكاة الفطرة طهرة للصيام من اللغو والرفث، وطعمة للمساكين، فمن ادّاها قبل الصلاة فهي زكاة مقبولة، ومن أدّاها بعد الصلاة فهي صدقة من الصدقات.

٢ -( باب عدم وجوب الفطرة على الفقير، وهو من لا يملك كفاية سنته)

[ ٧٨٤٦ ] ١ - الصدوق في الهداية: عن الصادقعليه‌السلام ، أنّه قال: « من حلت له الفطرة لم تحل عليه ».

[ ٧٨٤٧ ] ٢ - وفي المقنع: وليس على من يأخذ الزكاة صدقة الفطرة.

____________________________

٤ - الهداية ص ٥٢.

٥ - عوالي اللآلي ج ١ ص ١٧٧ ح ٢٢١.

الباب - ٢

١ - الهداية ص ٥٢

٢ - المقنع ص ٦٧.

١٣٨

٣ -( باب استحباب استخراج الفقير الفطرة، وأقله صاع يديره على عياله)

[ ٧٨٤٨ ] ١ - دعائم الإسلام: عن أبي جعفرعليه‌السلام ، أنّه سئل عن زكاة الفطرة، قال: « هي الزكاة التي فرضها الله على جميع المؤمنين مع الصلاة، بقوله تعالى:( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) (١) على الغني والفقير، والفقراء هم أكثر الناس، والأغنياء أقلهم، فأمر كافة الناس بالصلاة والزكاة ».

[ ٧٨٤٩ ] ٢ - وعنهعليه‌السلام ، أنّه سئل هل على الفقير الذي يتصدق عليه زكاة الفطرة؟ قال: « نعم يعطي ما(١) يتصدق به عليه ».

[ ٧٨٥٠ ] ٣ - وعن الحسين بن عليعليهما‌السلام ، أنّه قال: « زكاة الفطرة على كلّ حاضر وبادٍ ».

[ ٧٨٥١ ] ٤ - فقه الرضاعليه‌السلام : « اعلم أنّ الله تبارك وتعالى، فرض زكاة الفطرة قبل أن يكثر الأموال، فقال:( وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ ) (١) وإخراج الفطرة واجب على الغني والفقير، والعبد والحر، وعلى الذكران والإناث، والصغير والكبير، والمنافق والمخالف ».

____________________________

الباب - ٣

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٦.

(١) البقرة ٢: ٤٣، ١١٠.

٢ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٧.

(١) في المصدر: مما.

٣ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٧.

٤ - فقه الرضاعليه‌السلام ص ٢٥.

(١) البقرة ٢: ١١٠.

١٣٩

وقالعليه‌السلام أيضاً(٢) : « وروي من لم يستطع يده لإخراج الفطرة، أخذ من الناس فطرتهم وأخرج ما يجب عليه منها ».

قلت: لا بد من حمل هذه الأخبار على الاستحباب، لمـّا تقدم، وما في الأصل، وشذوذ المخالف.

٤ -( باب عدم وجوب الفطرة على غير البالغ العاقل)

[ ٧٨٥٢ ] ١ - الجعفريات: أخبرنا محمّد، حدّثني موسى، حدّثنا أبي، عن أبيه، عن عليعليهم‌السلام ، قال: « مال اليتيم يكون عند الوصي لا يحركه حتى(١) ، وليس عليه زكاة حتى يبلغ ».

[ ٧٨٥٣ ] ٢ - وبهذا الأسناد، عن جعفر بن محمّد عن أبيهعليهما‌السلام ، قال: « ليس على مال اليتيم زكاة ».

٥ -( باب وجوب إخراج الإنسان الفطرة عن نفسه وجميع من يعوله، من صغير وكبير، وغني وفقير، وحر ومملوك، وذكر وأُنثى، ومسلم وكافر، وضيف)

[ ٧٨٥٤ ] ١ - دعائم الإسلام: عن عليعليه‌السلام ، أن رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله قال: « تجب صدقة الفطر على الرجل عن كل

____________________________

(٢) نفس المصدر ص ٢٥.

الباب - ٤

١ - الجعفريات ص ٥٤.

(١) وسقط بعد حتى كلمة في أصل الكتاب - منه (قدّه).

٢ - الجعفريات ص ٥٤.

الباب - ٥

١ - دعائم الإسلام ج ١ ص ٢٦٦.

١٤٠

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

المأمون في قفص الاتهام:

وهكذا.. وبعد أن اتضحت الأسباب الحقيقية للبيعة، وبعد أن عرفنا بعض الظروف والملابسات، التي أحاطت بهذا الحدث الهام، فإننا نستطيع أن نضع المأمون، ونواياه، وأهدافه، في قفص الاتهام، ولا يمكن أن نصدق ـ بعد هذا ـ أبداً، أي ادعاء سطحي، يحاول أن يصور لنا حسن نية المأمون من البيعة، وسلامة طويته، سيما ونحن نرى كتابه للعباسيين في بغداد فور وفاة الرضا، وكذلك سلوكه المشبوه مع الرضاعليه‌السلام من أول يوم طلب منه فيه الدخول في هذا الأمر، وحتى إلى ما بعد وفاته، كما سيأتي بيانه في الفصول الآتية. وكذلك كتابه لعبد الله بن موسى المتقدم.

والأدهى من ذلك كله رسالته للسري، عامله على مصر، التي (يخبره فيها بوفاة الرضا، ويأمره بأن تغسل المنابر، التي دعي عليها لعلي بن موسى، فغسلت.)(١) .

____________

(١) الولاة والقضاة للكندي ص ١٧٠.

٢٢١

وكذلك لا يمكن أن نصدق بحسن نيته بالنسبة لأي واحد من العلويين، الآخرين.. كما أشرنا إليه في رسالته لعبد الله بن موسى، التي يذكر فيها: أنه راح يختلهم واحداً فواحداً.. وأيضاً عندما نرى أنه يمنعهم من الدخول عليه، بعد وفاة الرضا، ويأخذهم بلبس السواد(١) .. بل ويأمر ولاته وأمراءه بملاحقتهم، والقضاء عليهم، كما سيأتي.

مع المأمون في وثيقة العهد:

ويحسن بنا هنا: أن نقف قليلاً مع وثيقة العهد، التي كتبها المأمون للإمامعليه‌السلام بخط يده، فلقد ضمنها المأمون إشارات هامة، رأى أنها تخدم أهدافه السياسية من البيعة وحيث إننا قد تحدثنا، ولسوف نتحدث في مطاوي هذا الكتاب عن بعض فقراتها.. فلسوف نقتصر هنا على:

أولاً: إننا نلاحظ: أنه يؤكد كثيراً على نقطتين:

الأولى: أنه منطلق في هذه البيعة من طاعة الله، وإيثاره لمرضاته.

الثانية: أنه لا يريد بذلك إلا مصلحة الأمة، والخير لها.

وسر ذلك واضح: فهو يريد أن يذهب باستغراب واستهجان الناس، الذين يرون الرجل الذي قتل حتى أخاه من أجل الحكم ـ يرونه الآن ـ يتخلى عن هذا الحكم لرجل غريب، ولمن يعتبر زعيماً لأخطر المنافسين للعباسيين.. كما أنه يريد بذلك أن يكتسب ثقة الناس به، وبنظام حكمه.

وعدا من ذلك فهو يريد أن يطمئن العلويين والناس إلى أن ذلك لا ينطوي على لعبة من أي نوع، بل هو أمر طبيعي فرضته طاعة الله ومرضاته، ومصلحة الأمة، والصالح العام.

____________

(١) الكامل لابن الأثير، طبع دار الكتاب العربي ج ٥ ص ٢٠٤.

٢٢٢

وثانياً: نراه يجعل العباسيين والعلويين في مرتبة واحدة، وذلك لكي يضمن لأهل بيته حقاً في الخلافة كآل علي.

وثالثا ً: يلاحظ: أنه يعطي خلافته صفة الشرعية، حيث يربطها بالمصدر الأعلى (الله) وعلى حسب منطق الناس هذا تام وصحيح، لأنهم بمجرد أن يعمل أحد عملا يؤدي إلى المناداة بواحد على أنه خليفة، ويصير مقبولا لدى الناس.. إنهم بمجرد ذلك يصيرون يعتبرونه خليفة الله في أرضه، وحجته على عباده..

وهو أيضاً تام وصحيح حسب منطق العباسيين، الذين يدعون الخلافة بالإرث عن طريق العباس بن عبد المطلب، حسبما تقدم بيانه..

ولهذا نلاحظ أنه يقدم عبد الله بن العباس على علي بن أبي طالب! مع أن عبد الله تلميذ علي. وليس ذلك إلا من أجل إثبات هذه النقطة، وجعل حق له بالخلافة، بل وجعل نفسه الأحق بها. هذه الخلافة التي هي منصب إلهي، وصل إليه بالطريق الشرعي، سواء على حسب منطق الناس في تلك الفترة، أو على حسب منطق العباسيين.

وفي هذا إرضاء للعباسيين، وتطمين لهم، كما أنه في نفس الوقت تطمين لسائر الناس، الذين كانوا غالباً ـ يرون الخلافة بالكيفية التي أشرنا إليها وقد أكد لهم هذا التطمين باستشهاده بقول عمر، حيث أثبت لهم: أنه لا يزال على مذهبه، وعلى نفس الخط الذي هم عليه.

ورابعاً: إننا نراه في نفس الوقت الذي يؤكد فيه مذهبه، ووجهة نظره بتلك الأساليب المتعددة والمختلفة المشار إليها آنفاً ـ نراه في نفس الوقت ـ يدعي: أنه إنما يجعل الخلافة للرضاعليه‌السلام لا من جهة أنها حق له، ولا من جهة النص عليه، حسبما يدعيه الرضا، بل من جهة أنه أفضل من قدر عليه. وهذا أمر طبيعي جداً، وليس إقراراً بمقالة الرضا.. وكما ينطبق الآن على الرضا، يمكن أن ينطبق غداً على غيره، عندما يوجد من له فضل، وأهلية.. وهذا دون شك ضربة لما يدعيه الرضا ويدعيه آباؤه من الحق في الخلافة، ومن النص، وغير ذلك..

هذا.. ولسوف يأتي في فصل: خطة الإمام، شرح ما كتبه الإمامعليه‌السلام على ظهر الوثيقة، ولنرى من ثم كيف نسف الإمام كل ما بناه المأمون، وصيره هباء اشتدت به الريح في يوم عاصف.

٢٢٣

كلمة أخيرة:

وأخيراً: فإننا مهما شككنا في شيء، فلسنا نشك في أن المأمون كان قد درس الوضع دراسة دقيقة، وقبل أن يقدم على ما أقدم عليه. وأخذ في اعتباره كافة الاحتمالات، ومختلف النتائج، سواء مما قدمناه، أو من غيره، مما أخفته عنا الأيدي الأثيمة، والأهواء الرخيصة.. وإن كانت لعبته تلك لم تؤت كل ثمارها، التي كان يرجوها منها، وذلك بسبب الخطة الحكيمة التي كان الإمامعليه‌السلام قد اتبعها.

ولعمري: (.. إن بيعته للإمام لم تكن بيعة محاباة، إذ لو كانت كذلك لكان العباس ابنه، وسائر ولده، أحب إلى قلبه، وأجلى في عينه.) على حد تعبير المأمون في رسالته للعباسيين، التي سوف نوردها في أواخر هذا الكتاب إن شاء الله تعالى.

أسباب البيعة لدى الآخرين

أحمد أمين المصري، وأسباب البيعة:

وعلى ضوء ما تقدم، نستطيع أن نلقي نظرة على ما ذكره بعض المؤرخين، والباحثين، مما جعلوه أسباباً لأخذ البيعة للإمامعليه‌السلام بولاية العهد، ولنرى ـ من ثم ـ أنها لا تقوى على الصمود أمام النقد التاريخي الواعي والدقيق، إذ أنها على الغالب: إما أنها لا تعتمد على سند تاريخي أصلاً، أو أنها تعتمد على ما لا يصلح للاعتماد عليه. ولعل الدكتور أحمد أمين المصري، قد جمع كلا الناحيتين فيما جعله ـ بنظره ـ أسباباً للبيعة، حيث نلاحظ: أن بعض ما ذكره ليس له أي سند تاريخي، بل التاريخ على اختلاف أهوائه، واتجاهاته يدحضه، ويكذبه. والبعض الآخر قد اعتمد فيه على ما لا يصح الاعتماد عليه، ولذا فلا يكون من التجني عليه القول: إن ما ذكره كان سطحيا، أو بوحي من تعصب مذهبي رخيص..

وما ذكره يرجع إلى أسباب أربعة، رأى أنها صالحة، كلاً أو بعضاً، لأن تكون سبباً لأخذ البيعة للرضا بولاية العهد.. ونلخصها بما يلي:

١ ـ إن المأمون قد أراد بذلك: أن يصلح بين البيتين، العلوي، والعباسي، ويجمع شملهما، ليتعاونا على ما فيه خير الأمة، وصلاحها. وتنقطع الفتن، وتصفو القلوب.

٢٢٤

٢ ـ إنه كان معتزلياً، على مذهب معتزلة بغداد، يرى أحقية عليعليه‌السلام وذريته بالخلافة، فأراد أن يحقق مذهبه.

٣ ـ إنه كان تحت تأثير الفضل والحسن بني سهل الفارسيين. والفرس يجري في عروقهم التشيع، فما زالا يلقنانه آراءهما، حتى أقرها، ونفذها.

٤ ـ (إنه رأى أن عدم تولي العلويين للخلافة، يكسب أئمتهم شيئاً من التقديس، فإذا ولوا الحكم ظهروا للناس، وبان خطؤهم، وصوابهم، فزال عنهم هذا التقديس.)(١) .

هذا.. وقد ادعى في كتابه: (المهدي والمهدوية): أن هؤلاء الأئمة كانوا يرتكبون الآثام في الخفاء، فأراد المأمون: أن يظهرهم، ليعرفهم الناس على حقيقتهم..

كان ذلك ما يراه أحمد أمين يصلح ـ كلاً أو بعضاً ـ سبباً للبيعة..

آراء أحمد أمين في الميزان:

ونحن بدورنا، وإن كنا نعتقد أن فيما قدمناه، وما سيأتي كفاية في تفنيد هذه المزاعم وإسقاطها، إلا أننا نرى لزاماً علينا أن نشير بإيجاز إلى بعض ما يشير إلى ضعفها ووهنها، معتمدين في بقية ما يرد عليها على ذكاء القارئ، وتنبهه، ووعيه. فنقول:

أما ما ذكر أولاً: فقد كفانا هو نفسه مؤونة الكلام فيه، حيث قد اعترف بأن المأمون لو كان يرمي إليه لكان في منتهى السطحية والسذاجة.

____________

(١) ضحى الإسلام ج ٣ ص ٢٩٥.

٢٢٥

وأما ما جعله سبباً ثانياً: فلعله لا يقل عن سابقه في الضعف والوهن، سيما بملاحظة ما قدمناه في الفصلين السابقين، من الظروف التي كان المأمون يعاني منها، وأيضاً ملاحظة ما سيأتي من سلوك المأمون المشبوه، مع الإمامعليه‌السلام ، ومعاملته السيئة للعلويين، وكل من يتشيع معهم، ويتعاطف معهم. وعلى الأخص إذا لاحظنا: أن المأمون لم تكن عقيدته هي المنطلق له في مواقفه السياسية، بل كان ينطلق مما يراه يخدم مصالحه الخاصة، ويؤكد وجوده في الحكم. وقد قدمنا أنه كان تارة يتحرج من تنقص الحجاج بن يوسف، وتارة يصف الصحابة، ما عدا الإمام عليعليه‌السلام بـ‍ (الملحدين)، ويصف الخليفة الثاني عمر بن الخطاب بـ‍ (جعل) إلى آخر ما هنالك من الشواهد والأدلة، مما لا نرى ضرورة لإعادته، ولعل الأهم من ذلك كله: أن تفضيل المعتزلة ـ معتزلة بغداد ـ علياًعليه‌السلام على جميع الصحابة، لم يكن واضحاً بعد في تلك الفترة، وإنما بدأه بشر بن المعتمر حسبما سيأتي بيانه في فصل خطة الإمام. وعليه فهذا الوجه لا يستقيم، على جميع الوجوه والتقادير.

وأما ما جعله سبباً ثالثاً: فسيأتي الكلام عليه بنوع من التفصيل.. ولكننا نستغرب منه جداً، بل ونأسف كل الأسف، لما طلع به علينا.

بما جعله سبباً رابعاً: من أن عدم تولي الأئمة للحكم يكسبهم شيئاً من التقديس، فأراد أن يولي الإمام الرضا العهد، ليزول عنهم ذلك التقديس ـ وقد أشرنا سابقا إلى أنه استوحى هذه الفكرة من ابن القفطي في تاريخ الحكماء.

وليس واضحاً تماماً من هم (الأئمة) الذين يقصدهم أحمد أمين في عبارته تلك. وإذا ما كان يقصد الأئمة الاثني عشر، حيث إنه في معرض الحديث عن أحدهم، وهو الإمام الرضا.. بل أعلن ذلك صراحة في عبارته الأخرى، التي أوردها في كتابه: (المهدي والمهدوية) ـ إذا كان كذلك ـ، فإننا نرى: أن لنا كل الحق في أن نتساءل:

هل عثر أحمد أمين لهؤلاء الأئمة، أو لواحد منهم على ما يتنافى مع التقديس، على مدى تاريخهم الطويل؟!

وهل يستطيع أن يثبت عليهم أدنى شيء يمس كرامتهم، ويتنافى مع مروءتهم، ويخالف دينهم ورسالتهم؟!.

٢٢٦

ولماذا تظهر تفاهات غيرهم، وأخطاؤهم، رغم اجتهادهم وتفانيهم في سترها، وإخفائها.. ولا تظهر أخطاء هؤلاء الأئمة، رغم اجتهاد الناس في الافتراء عليهم، والتعرف على أية نقيصة أو خطأ منهم إن كان؟!.

ومتى كان هؤلاء الأئمة مستورين عن الناس، منفصلين عنهم، حتى استطاعوا أن يحصلوا على هذا التقديس؟!.

وهل كل شخصية لا تصل إلى الحكم يقدسها الناس؟!.

وهل كل شخصية تصل إلى الحكم لا يقدسها الناس؟!.

وهل التقديس مقصور على الشخصية المستورة، ولاحظ للشخصية الظاهرة منه؟!.

وهل أثر وصول الإمام عليعليه‌السلام للحكم طيلة أكثر من أربعة أعوام على تقديس الناس له؟!.

وهل يستطيع أحمد أمين أن يذكر لنا خطأ واحداً، ارتكبه الإمام عليعليه‌السلام ، طيلة فترة حكمه؟! رغم أن معاوية وسواه، ممن كانوا معادين للإمامعليه‌السلام ، ما كانوا يألون جهداً في إلصاق التهم به، والافتراء عليه؟!.

وأما عن الإمام الرضاعليه‌السلام :

فمتى كان مستوراً عن الناس، بعيداً عنهم؟!.

وهل تتفق دعواه باستتار الأئمة ـ والرضا منهم ـ عن الناس، مع ما اعترف به المأمون نفسه للإمام الرضاعليه‌السلام ، فيما كتبه بخط يده في وثيقة العهد، حيث يقول: (.. وقد استبان له ـ أي للمأمون ـ ما لم تزل الأخبار عليه متواطية، والألسن عليه متفقة، والكلمة فيه جامعة، ولما لم يزل يعرفه به من الفضل: يافعاً، وناشئاً، وحدثاً، ومكتهلاً الخ.).

فهل يعقل: أن إنساناً من هذا النوع يكون مستتراً عن الناس، بعيداً عنهم، ولا يعيش فيما بينهم، منذ حداثة سنه إلى أوان اكتهاله؟!.

ومع ذلك.. فأي خطأ يستطيع أحمد أمين، أن يسجله على الإمام الرضاعليه‌السلام طيلة الفترة التي عاشها مع المأمون، رغم محاولاته الجادة ـ وهو الحاكم المطلق ـ من أجل أن يضع من الإمامعليه‌السلام قليلاً قليلاً، ويصوره أمام الرعية بصورة من لا يستحق لهذا الأمر، على حد تعبير نفس المأمون؟!.

٢٢٧

وهل لم يقرأ أحمد أمين أقوال كبار علماء أهل السنة. وأئمتهم، وتصريحاتهم الكثيرة جداً حول أئمة أهل البيتعليهم‌السلام ، والإمام الرضا منهم بالذات، ليعرف مقدار عظمتهم، وطهارتهم، ونزاهتهم التي لا يشك، ولا يرتاب، ولا يناقش فيها أحد؟!.

وأخيراً.. هل زال ذلك التقديس عن الإمام الرضا، عندما ظهر للناس؟! أم أن الأمر كان على عكس ذلك تماماً؟!.

هذه بعض الأسئلة التي نوجهها للأستاذ: (أحمد أمين)، ولكل من يرى رأيه، ويذهب مذهبه،. وإننا لعلى يقين من أنها سوف لن تجد لدى هؤلاء الجواب المقنع والمفيد.. وإنما ستواجه عنتاً وعناداً صاعقين، يبتزان منهم كل غريبة، ويظهران الكثير الكثير من الترهات العجيبة.. ولكن ليطمئن بالهم، وتهدأ ثائرتهم، فإننا سوف لن نستغرب عليهم مثل هذه الترهات، ولن نعجب لمثل تلك الافتراءات، فما تلك إلا: (شنشنة أعرفها من أخزم).

رأي غريب آخر في البيعة:

هذا.. ويرى بعض المؤلفين: أن المأمون كان في بيعته للرضاعليه‌السلام واقعاً تحت تأثير القوات المسلحة، وأنها هي التي أجبرته على ذلك، حيث كان القسم الكبير من قوادها، وزعماء فرقها يميلون إلى العلويين، وقد شرطوا عليه: أنهم لا يفتحون نار الحرب ضد الأمين إلا إذا جعل الرضا ولي عهده، فأجابهم إلى ذلك(١) .

وأقول: ليت هذا المؤلف ذكر لنا اسم ذلك المؤرخ، الذي نقل له هذا الاشتراط من أولئك القواد على المأمون، والذي تنافيه تصريحات المأمون نفسه، وسلوكه مع الإمامعليه‌السلام ، حتى قبل أن يصل إلى مرو، وكذلك سائر مواقفه معه، والتي تكشف عن حقيقة دوافعه ونواياه إلى آخر ما هنالك مما قدمنا وسيأتي شطر منه.

____________

(١) هذا ما ذكره الشيخ القرشي في كتابه: حياة الإمام موسى بن جعفر ج ٢ ص ٣٨٧.

٢٢٨

وأحسب أن هذا المؤلف يشير بما ذكره هنا إلى ما ذكره جرجي زيدان في روايته: (الأمين والمأمون) ص ٢٠٣، طبع دار الأندلس، فقد ذكر أن الفضل بن سهل قد اشترط على المأمون ذلك. واحتمل ذلك أيضاً في كتابه: تاريخ التمدن الإسلامي، المجلد الثاني جزء ٤ ص ٤٣٩. وكأن مؤلفنا يريد أن يقول: إن المأمون كان مضطراً إلى إجابتهم: إما خوفاً من انتفاضتهم عليه، أو رغبة في القضاء على أخيه الأمين، أو للسببين معاً.. ولكن هذا الاشتراط كما قلنا، ليس له أي سند تاريخي يدعمه، بل الشواهد التاريخية كلها على خلافه، سيما ونحن نرى الفضل بن سهل وأخوه يمانعان في عقد البيعة للرضا. وما ذكره (زيدان) لا يصلح شاهداً تاريخياً، بعد أن كان روائياً، لا يلتزم بالحقائق التاريخية. وبعد أن لاحظنا: أنه يعتمد التضليل في كتابه: تاريخ التمدن الإسلامي.

وأحسب أن هذا هو عين الاتهام الموجه للفضل بن سهل في أمر البيعة، بأنه هو المدبر لها، والقائم بها. لكنه صيغ بنحو آخر فيه الكثير من الإيهام والإبهام.

وفريق آخر يرى:

وهناك بعض الباحثين يرى: أن من جملة الأسباب الهامة للبيعة: هو أن المأمون أراد أن يحذر العباسيين من مغبة المخالفة له، والاستمرار في ذلك. وأن يرغمهم، ويدفعهم إلى الوقوف إلى جانبه، بدافع من خوفهم من انتقال الخلافة عنهم إلى خصومهم العلويين. وأن ينتقم منهم بسبب خلعهم له من ولاية العهد، وتأييدهم أخاه الأمين عليه، وتشجيعهم له ضده. كما أنه يكون بذلك قد جمع المزيد من المؤيدين له، ليستطيع مقابلتهم، والوقوف في وجههم، وينتقم منهم(١) .

ولكنه رأي لا تمكن المساعدة عليه:

لأن منطق الأحداث، وواقع ظروف المأمون يأبيان كل الإباء أن يكون هذا سبباً منطقياً للبيعة.. وقد قدمنا في الفصلين السابقين البيان الكافي والوافي لما يتعلق بهذا الموضوع. هذا بالإضافة إلى أن ذلك لا يتلائم مع ما هو معروف عن المأمون، من الدهاء والسياسة، وهل يمكن أن يقدم المأمون على خلق وإثارة مشاكل هو في غنى عنها؟ وعلى الأخص في تلك الفترة من الزمن، التي كانت طافحة بالمشاكل، وكان العصيان فيها معلناً في أكثر مناطق الدولة، ومهددا به من كل جانب ومكان؟!.

____________

(١) الصلة بين التصوف والتشيع ص ٢١٩، والإمام الصادق والمذاهب الأربعة ج ٢ جزء ٤ ص ٤٩٢، والتربية الدينية للفضلي ص ١٠٠، الطبعة الخامسة، وغير ذلك.

٢٢٩

إن الحقيقة هي: أن المأمون في تلك الفترة بالذات، وكان بحاجة إلى أن يكتسب ثقة وحب أي إنسان كان. فضلاً عن ثقة وحب أهل بيته، وعشيرته: العباسيين.

ثم.. وهل يمكن أن يلجأ المأمون للانتقام منهم، إلى هذا الأسلوب بالعاجز، بعد أن خضعوا له وانقادوا لأمره، وسلموا بالأمر الواقع، بعد مقتل الأمين؟!

ولماذا لا يقدر: أنهم سوف يقابلونه بالمثل، ويقومون في وجهه، ثأراً لكرامتهم، ودفاعاً عن وجودهم؟!. ولماذا يعطيهم الفرصة لإبراز عضلاتهم ضده، ويجعلهم يفكرون في تحدي سلطته، وهتك حرمته؟!. حيث رأيناهم قد خلعوا المأمون، بسبب بيعته للإمامعليه‌السلام ، وبايعوا لإبراهيم بن المهدي، في أواخر ذي الحجة، من نفس السنة التي بويع فيها للإمامعليه‌السلام بولاية العهد.

وأخيراً.. ألم يكن باستطاعة المأمون أن يصفي حساباته مع خصومه الضعفاء جداً، الذين كاد يلتهمهم المد العلوي ويقضي عليهم، بأساليب أخرى، أقل إثارة، وأشد نكاية؟!.

ولقد أشرنا، ولسوف نشير إلى ما قاله المأمون لحميد بن مهران، وجمع من العباسيين. بل ويكفينا هنا: أن نلقي نظرة على ما قاله المأمون للعباسيين في كتابه المعروف لهم، يقول المأمون: (.. فإن تزعموا أني أردت أن يؤول إليهم ـ يعني للعلويين ـ عاقبة ومنفعة، فإني في تدبيركم، والنظر لكم، ولعقبكم، وأبنائكم من بعدكم..) وكذلك ما كتبه بخط يده في وثيقة العهد..

إلى آخر ما هنالك مما لا مجال لنا هنا لتتبعه..

فتلخص أن ما ذكر هنا، لا يمكن أن ينسجم مع ما يقال عن حنكة المأمون، ودهائه السياسي.

الفضل في قفص الاتهام:

وأخيراً.. فإن بعض المؤلفين، كأحمد أمين في كلامه المتقدم، وجرجي زيدان(١) وأحمد شلبي(٢) ، وغيرهم. وبعض المؤرخين كابن الأثير في الكامل، طبعة ثالثة ج ٥ ص ١٢٣، وابن الطقطقي في:

الفخري في الآداب السلطانية ص ٢١٧، وغيرهما.. يرون أن الفضل بن سهل كان العامل الرئيسي في لعبة (ولاية العهد) هذه، وأن المأمون كان في ذلك واقعا تحت تأثير الفضل، الذي كان يتشيع.

____________

(١) تاريخ التمدن الإسلامي، المجلد الثاني جزء ٤ ص ٤٣٩.

(٢) التاريخ الإسلامي والحضارة الإسلامية ج ٣ ص ٣٢٠.

٢٣٠

ويرى آخر: أن سبب إشارة الفضل على المأمون بذلك، هو أنه أراد أن يمحو ما كان من أمر الرشيد في العلويين(١) .

الفضل بريء من كل ما نسب إليه:

أما نحن فإننا بدورنا نستطيع أن نؤكد على ما يلي: إن ما بأيدينا من النصوص التاريخية يأبى عن نسبة التشيع للفضل، بل وحتى عن نسبة إشارته على المأمون بهذا الأمر، فضلاً عن كونه المدبر له، والقائم به.. اللهم إلا أن تكون مؤامرة اشترك الرجلان معاً في وضع خطوطها العريضة، آخذان في اعتبارهما ظروفهما، ومصالحهما الشخصية، ليس إلا..

بل إن بعض النصوص تفيد أن الفضل كان عدواً للإمامعليه‌السلام ، حيث إنه كان من صنائع البرامكة(٢) ، أعداء أهل البيتعليهم‌السلام . وأنه لم يكن حتى راغباً في البيعة للرضاعليه‌السلام ، وأنه وأخاه قد مانعا في عقد العهد للرضا(٣) ، فكيف يكون هو المشير على المأمون بالبيعة له.. بل لم يكن يعلم أن المأمون يريد عقد البيعة له إلا بعد وصوله إلى خراسان وإحضار المأمون له، وإعلامه بأنه يريد عقد البيعة له على ما في مقاتل الطالبيين ص ٥٦٢ والطبري وغيرهما. وإن كان ربما يناقش في ذلك بمنافاته لرسالة الفضل التي أرسلها إلى الإمام وهو في المدينة والتي أوردها الرافعي في التدوين.

وذلك ما يقوي أنه كان متآمرا على الإمام مع المأمون كما نصت عليه تلك الرسالة بأن ذلك عن اتفاق بينه وبين المأمون فراجعها.

____________

(١) البحار ٤٩ ص ١٣٢، وعيون أخبار الرضا ص ١٤٧، نقلاً عن: البيهقي عن الصولي.

(٢) البحار ج ٤٩ ص ١٤٣، ١١٣، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٦٦، و ص ٢٢٦.

(٣) مقاتل الطالبيين ص ٥٦٢، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص ٢٧٠، ونور الأبصار للشبلنجي ص ١٤٢، وكشف الغمة ج ٣ ص ٦٦، وروضة الواعظين ج ١ ص ٢٦٩، والبحار ج ٤٩، ص ١٤٥، وإرشاد المفيد ص ٣١٠، ٣١١، وغير ذلك.

٢٣١

ولو أنه كان ممن يتشيع للإمامعليه‌السلام ، فكيف يمكن أن يتآمر عليه، ويحاول أن يجعل للمأمون ذريعة للإقدام على التخلص منهعليه‌السلام ، وذلك عندما ذهب إلى الرضا، وحلف له بأغلظ الأيمان، ثم عرض عليه قتل المأمون، وجعل الأمر إليه(١) . لكن الإمام بسبب وعيه وتيقظه قد ضيع عليه وعلى سيده هذه الفرصة، حيث أدرك للتو أنها دسيسة ومؤامرة، فزجر الفضل وطرده، ثم دخل من فوره على المأمون، وأخبره بما كان من الفضل، وأوصاه أن لا يأمن له.

وبذلك يكون الإمامعليه‌السلام قد ضيع على المأمون والفضل فرصة تنظيم اتهام له بما لم يكن. وعاد الفضل من مهمته تلك بخفي حنين، يجر هو وسيده أذيال الخيبة، والخزي، والخسران.

أما إذا كان الفضل قد أقدم على ذلك من دون علم المأمون ـ كما هو غير بعيد ـ فليس ذلك إلا بدافع من حقده الدفين على الإمامعليه‌السلام ، وحسده له، يريد بذلك تمهيد الطريق لمقتله، ليخلو له الجو، وليفعل من ثم ما يشاء، وحسبما يريد.

وأياً ما كانت الحقيقة، فإن النتيجة ليست سوى الخزي والعار، والخيبة القاتلة بالنسبة للفضل في هذه القضية.

ويا ليته كان قد قنع بذلك.. ولكنه استمر في تحريض المأمون على التخلص من الإمامعليه‌السلام حتى إن بعض المؤرخين يرى: أن المأمون لم يقتل الإمام إلا بتحريض من الفضل بن سهل!!.

وبعد.. فهل يمكن أن تنسجم دعوى تشيعه مع إشارته على المأمون بإرجاع الإمام عن صلاة العيد، وذلك حتى لا تخرج الخلافة منه؟!. كما سنشير إليه إن شاء الله.

____________

(١) وإن كنا لا نستبعد أن يكون قد أقدم على ذلك من دون علم المأمون، وبدافع من حقده الدفين على الإمامعليه‌السلام ، وحسده له، يريد بذلك تمهيد السبيل لقتله ليخلو له الجو، وليفعل من ثم ما يشاء وحسبما يريد.

٢٣٢

وأيضاً.. مع إظهاره العداوة الشديدة للإمامعليه‌السلام وحسده له على ما كان المأمون يفضله به، على حد تعبير الريان بن الصلت؟!(١) .

وكذلك مع اصطناعه هشام بن إبراهيم الراشدي. وجعله عيناً للمأمون على الإمام، ينقل إليه حركاته وسكناته، ويمنع الناس من الوصول إليه حسبما تقدم؟!.

ولو أن الفضل كان ممن يتشيع للإمام، لكان يجب أن يعد من أعظم البلهاء، إذ كيف لا يلتفت لأمر المأمون المؤكد لرسله: أن لا يمروا بالإمام عن طريق الكوفة وقم، لئلا يفتتن به الناس. ثم إلى تهديداته له بالقتل، إن لم يقبل ما يعرضه عليه، ثم إلى جلبه العلماء والمتكلمين من أقاصي البلاد، من أجل إفحام الإمام. وإظهار جهله وعجزه، إلى آخر ما هنالك، من صفحات تاريخ المأمون السوداء.

ثم نرى أنه هو بنفسه يشارك في ذلك كله، وسواه، ويعمل من أجله حتى لقد شارك في التهديد للإمام، إن لم يقبل ما يعرضه عليه المأمون..

وإذا كان نفوذه قد بلغ حدا يجعل المأمون ينازل عن عرشه ـ الذي قتل من أجله أخاه ـ لرجل غريب، فلماذا لا يعمل هذا النفوذ من أجل أن يمنع المأمون عن ذلك السلوك اللاإنساني، الذي انتهجه مع الإمام، ابتداء من حين وجود الإمام في المدينة، وإلى آخر لحظة عاشها معه، وبعد ذلك إلى ما شاء الله.

هذا كله من جهة.

____________

(١) مسند الإمام الرضا ج ١ ص ٧٨، والبحار ج ٤٩ ص ١٣٩. وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٥٣.

٢٣٣

موقف الإمام من الفضل ينفي نسبة التشيع له:

ومن جهة ثانية.. لو كان للفضل فضل في مسألة البيعة للإمامعليه‌السلام ، أو كان ممن يتشيع له، لم يكن من اللائق من الرضاعليه‌السلام أن يخبر المأمون بما عرضه عليه الفضل من قتل المأمون، وجعل الأمر إليه. ولا من المناسب أن يوصيه بأن لا يأمن له، ويخبره بغشه وكذبه، وأنه يخفي عنه حقيقة ما يجري في بغداد، وغيرها(١) .

ولا من اللائق منه أيضاً: أن يعامله تلك المعاملة، التي لا يعامل بها المحبون المخلصون. والتي كان فيها الكثير من الخشونة، والاحتقار والامتهان، فقد قدمنا أنه عندما ذهب إليه الفضل يطلب منه كتاب الأمان، لم يسأله عن حاجته إلا بعد ساعة من وقوفه، ثم أمره بقراءة الكتاب، فقرأه ـ وكان كتاباً في أكبر جلد ـ وهو واقف، لم يأذن له بالجلوس.

وكذلك لم يكن من اللائق منه: أن يزري عليه عند المأمون، فقد ذكر المؤرخون: أنه (.. كان يذكر ابني سهل عند المأمون، ويزري عليهما، مما دفعهما إلى السعاية به، وكان يوصيه أن لا يأمن لهما)(٢) .

إلى آخر ما هنالك مما لا يصدر في حق أي إنسان عادي آخر في حق من يتشيع له، فضلاً عمن يتسبب في جعله ولياً لعهد الخلافة الإسلامية للأمة بأسرها.

والمأمون نفسه يستنكر ذلك:

ومن جهة ثالثة.. فقد كفانا المأمون نفسه مؤونة الحديث عن دور الفضل بن سهل في هذه القضية.. ولا شك أن (عند جهينة الخبر اليقين).

فقد قدمنا في الفصل السابق: أن الريان بن الصلت ـ وكان من رجال الحسن بن سهل(٣) ! ـ عندما رأى أن القواد والعامة قد أكثروا في بيعة الرضا، وأنهم يقولون: (إن هذا من تدبير الفضل). قال للمأمون ذلك، فأجابه المأمون: (.. ويحك يا ريان! أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة قد استقامت له الرعية، والقواد، واستوت الخلافة، فيقول

____________

(١) تاريخ الطبري، طبع ليدن ج ١١ ص ١٠٢٥.

(٢) مقاتل الطالبيين ص ٥٦٥، ٥٦٦، وإعلام الورى ص ٣٢٥، وكشف الغمة ج ٣ ص ٧١، وروضة الواعظين ج ١ ص ٢٧٦، والبحار ج ٤٩، وإرشاد المفيد، وأعيان الشيعة، وغير ذلك.

(٣) صرح بأنه من رجاله في كتاب: البحار ج ٤٩ ص ١٣٣، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٤٩.

٢٣٤

له: إدفع الخلافة من يدك إلى غيرك؟! أيجوز هذا في العقل؟!.. الخ) لا.. أبداً.. لا يمكن أن نتصور، ولا يجوز في العقل: أن يأتي وزير ملك إليه، ويطلب منه التنازل عن عرشه، ويسلمه إلى رجل غريب، وهو يعلم أن ذلك الملك، قد قتل أخاه، وغيره، وهدم البلاد، وأهلك العباد، من أجل ذلك العرش.. هذا مع علمه أنه سوف لا يكون له هو في دولة ذلك الرجل الجديد الغريب، أي شأن، أو دور يذكر. أو على الأقل لن يكون له من النفوذ، والسلطة والطول، ما كان له مع ذلك الملك الأول. بل سوف يكون كأي فرد عادي آخر، محكوماً لا حاكماً، بكل ما لهذه الكلمة من معنى.. اللهم إلا أن يكون قد تآمر مع ذلك الملك الأول، لتنفيذ خطة معينة. قد رسماها معاً من قبل، وعملاً على أن تكون الأمور في نهاية الأمر في صالحهما، ومن أجل تعزيز نفوذهما وسلطتهما.

أما حصيلة هذه الجولة:

وهكذا.. تأبى الأحداث، ويأبى المنطق أن يكون للفضل في هذه القضية شيء، إلا على طريق التآمر والتواطؤ مع سيده المأمون، أفعى الدهاء والسياسة، بعد دراسة دقيقة مشتركة للوضع، وتقييم عام له.

اتفقا على أثره على خطة للتخلص من المشاكل التي كانت تعترض سبيلهما، وتشكل ـ إلى حد ما ـ خطراً على وجودهما في الحكم، وتفردهما بالسلطة.. وبذلك فقط نستطيع أن نفسر قول إبراهيم بن العباس في مدح الفضل في جملة أبيات له:

وإذا الحروب غلت بعثت لها

رأيــاً تـفل بـه كـتائبها

رأيا إذا نبت السيوف مضى

عـزم بـه فشفى مضاربها

٢٣٥

أجرى إلى فئة بدولتهـــا

وأقام في أخرى نواد بها(١)

ولعل الفضل كان مخدوعاً!.

ولكن ألا يحتمل قريباً: أن يكون الفضل مخدوعاً في هذه المرة على الأقل؟ وأنه هو أيضاً راح ضحية تآمر وتضليل من نفس سيده: المأمون؟!.

الحقيقة أن ذلك أمر محتمل جداً، لأننا نرى في النصوص التاريخية، ما يشير لنا بوضوح إلى أن الفضل لم يكن سوى لعبة بيد المأمون، وأنه قد جازت عليه حيلة في بادئ الأمر، بادعائه: أنه إنما يوليه العهد، لأنه يريد خير الأمة ومصلحتها. أو لأنه يريد أن يفي بنذره (أي أنه نذر إن ظفر بأخيه الأمين، فلسوف يسلم الخلافة لرجل غريب!)..

وقد تقدم أن ابن القفطي يرى أن الفضل لم يكن عارفا بسر القضية، ولا عالماً بواقع الأمر.. ولعلنا نستطيع: أن نستدل على ذلك بقوة بممانعة الفضل وأخيه الحسن في هذا الأمر.

كما أننا رأينا المأمون: يرفض أن يطلب من الإمامعليه‌السلام كتاب الأمان للفضل، بحجة أن الإمام كان قد اشترط: أن لا يتدخل في شيء من أمور الدولة وشؤونها(٢) .

ثم نرى المأمون نفسه يطلب من الإمام: أن يولي فلاناً، أو أن يكتب إلى فلان بكذا، أو أن يساعده في إدارة شؤون الخلافة، أو أن يصلي بالناس، إلى غير ذلك من الأمور.. مع أن ما كان يريده الفضل من الإمام، لم يكن له من الأهمية مثل ما كان يطلبه منه المأمون.

وعلى كل فقد يجوز للمأمون ـ حتى مع الشرط ـ ما لا يجوز لغيره بدونه.

____________

(١) الأغاني ط ساسي ج ٩ ص ٣١ ـ ٣٢.

(٢) أعيان الشيعة ج ٤ قسم ٢ ص ١٣٩، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٦٢. والبحار ج ٤٩ ص ١٦٨. ومسند الإمام الرضا ج ١ ص ٨٨.

٢٣٦

الفضل يقع في الشرك:

وأخيراً.. فلا يسعنا في ختام هذا الفصل إلا أن نقول: مسكين الفضل بن سهل، لقد استطاع المأمون أن يبرئ ساحة نفسه، من كل الذنوب العظيمة والخطيرة التي ارتكبها، وأن يجعل هذا الوزير المسكين، الذي كان عدوا للإمام، والذي لم يشعر إلا وهو في الفخ، هو المسؤول عن أكثر جرائمه وموبقاته، بل وعنها جميعاً، حتى البيعة للرضاعليه‌السلام بل وحتى عن قتل أخيه الأمين! ولقد أدرك الفضل أنه قد وقع في الشرك، ولكن.. بعد فوات الأوان، ولذا نراه يمتنع عن الذهاب إلى بغداد، لأنه يعرف ما سوف يواجهه من مشاكل وأخطار، وما سوف يتعرض له من مؤامرات، وحاول بكل وسيلة أن يقنع المأمون بالعدول عن رأيه، وبين له صراحة أنه هو المتهم بالبيعة للرضا، وبقتل الأمين، فلقد قال له:

(.. يا أمير المؤمنين، إن ذنبي عظيم عند أهل بيتك، وعند العامة، والناس يلومونني بقتل أخيك المخلوع، وبيعة الرضا، ولا آمن السعاة والحساد، وأهل البغي أن يسعوا بي، فدعني أخلفك بخراسان الخ.)(١) .

ولكن أنى له أن يتركه المأمون، الذي كان يريد التخلص منه، من أجل أن ترضى عنه بغداد، مضافاً إلى أنه هو أيضاً كان يخشاه ويخافه. فلقد كان قد أعد العدة، وأحكم الخطة في أمره، ولم يبق إلا التنفيذ (كما سيأتي بيانه).

____________

(١) أعيان الشيعة ج ٤ قسم ٢ ص ١٣٩، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٦٢، ومسند الإمام الرضا ج ١ ص ٨٧، والبحار ج ٤٩ ص ١٦٧.

٢٣٧

وبعد أن يئس الفضل من إقناع المأمون، حاول أن يحتاط لنفسه ما أمكنه ذلك. فطلب منه أن يكتب له كتاب ضمان وأمان. فاستجاب المأمون لهذا الطلب، وكتب له كتاباً(١) ، يسمى كتاب الحباء والشرط يظهر بوضوح الدور الذي لعبه الفضل في تشييد صرح خلافة المأمون، وتوطيد سلطانه.

ونلاحظ: أن المأمون قد كتب للفضل كل ما يريد، بل وزاد على ما كان يتوقعه الفضل الشيء الكثير، إذ لم يكن يرى في ذلك أي ضرر عليه، ما دام أنه قد أحكم الخطة، ودبر له النهاية.

وكما رسم ودبر. كانت النهاية!.

لماذا الإصرار على اتهام الفضل:

وهكذا.. فإننا بعد كل ما تقدم، لا نرى مجالاً للإصرار على نسبة التشيع للفضل، أو القول: بأن المأمون كان واقعا في أمر البيعة تحت تأثيره، وخاضعا لإرادته، فقد يكون الفضل قد أعطي أكثر مما يستحقه من النفوذ والقدرة.. ولعل إصرار أولئك أو هؤلاء على اتهام الفضل بذلك، حتى وإن أنكره المأمون نفسه، وكذبته جميع الوقائع والأحداث ـ لعله ـ يرجع إلى حرصهم على أن لا يتهم المأمون ـ السلطة ـ بما لا يحبون اتهامه به، كالتشيع، والحب لآل عليعليهم‌السلام ، أو ليبرءوا ساحته من هذه التهمة، لو فرض وجودها فعلاً.. أو لعل لأنهم لم يكونوا على درجة من الوعي تؤهلهم لإدراك حقيقة ظروف المأمون، وأهدافه من البيعة..

____________

(١) الكتاب موجود في: البحار ج ٤٩ ص ١٦٠، ١٦٢، وعيون أخبار الرضا ج ٢ ص ١٥٧، ١٥٩، وأوعز إليه اليعقوبي في تاريخه ج ٢ ص ٤٥١ طبع صادر

٢٣٨

هذا.. وقد رأينا: أن العباسيين في بغداد، بمجرد وصول نبأ البيعة لهم، يتهمون الفضل بن سهل بتدبيرها(١) .. مع أنهم لم يكونوا قد اطلعوا بعد على حقيقة الأمر وواقع القضية، وما ذلك إلا لما قلناه، وليبقوا على علاقاتهم مع المأمون، وليبقى باب الصلح معه في المستقبل مفتوحاً. وكذلك ليحافظوا على شخصية المأمون، حتى لا تلصق بها تهمة، يعلمون هم أكثر من غيرهم ـ وأهل البيت أدرى بما فيه ـ ببراءته منها، ألا وهي تهمة: الحب لعلي، وآل بيته.

ولعله أيضاً لهذه الأسباب نفسها جعلوا المأمون لعبة في يد الفضل، وأنه لا يملك معه من الأمر شيئاً، حتى لقد قالوا عنه: إنه مسجون ومسحور(٢) . وإن كان لا شاهد لهذه الدعوى أصلاً إلا البيعة للرضا عليه‌السلام ولولاها لكان العكس عندهم هو الصحيح فعلاً..

جميل.. وجميل جداً.. فلقد أصبح المأمون لعبة بيد الفضل، وإن كانت جميع الدلائل والشواهد متضافرة على العكس من ذلك.. ولو لم يكن ذلك يكفي لتبرئة المأمون، فهم على استعداد لاتهامه بعقله، كما قد حدث ذلك بالفعل، فذلك عندهم خير من اتهامه بالحب لآل علي والتشيع لهم..

____________

(١) فقد اتهموا الفضل بذلك بمجرد وصول رسالة الحسن بن سهل إليهم، يخبرهم فيها بأمر البيعة. راجع: الطبري ج ١١ ص ١٠١٣، طبع ليدن وتجارب الأمم ج ٦ ص ٤٣٦ وغير ذلك من كتب التاريخ.

(٢) راجع: البداية والنهاية ج ١٠ ص ٢٤٨، والطبري ج ١١، وغير ذلك..

٢٣٩

احتمال وجيه جداً:

على أننا لا نستبعد كثيراً.. أن يكون المأمون نفسه قد شجع وغذي هذه التبريرات والتمويهات، وخصوصاً بعد مقتل الفضل، ليبرئ نفسه أمام العباسيين، وليشوه الفضل.. كما أننا لا نشك أبداً في أن كثيراً مما يذكر عن الأمين هو في عداد الخرافات والأساطير التي شجعها المأمون وحزبه، لأن الأمين كان هو المغلوب، والمأمون كان هو الغالب.. وللغالب القدرة، بل والحق أيضاً ـ في نظر قاصري النظر ـ في أن يشوه المغلوب، ويصوره بالصورة التي يريد.

ويدلنا على أن المأمون هو المسؤول عن ذلك، ما رواه الحصري في زهر الآداب من: (أنه لما خلع المأمون أخاه أمين، ووجه بطاهر ابن الحسين لمحاربته. كان يعمل كتبا بعيوب أخيه، تقرأ على المنابر بخراسان الخ..)(١) .

وطبيعي بعد ذلك: أن على الكتاب والمؤرخين الذين ما كانوا أحراراً، ولا يعتمدون النزاهة في كتاباتهم: أن يؤرخوا كما يريد المأمون، وأن يكتبوا ما يمليه عليهم، لا ما هو حق وواقع. يرونه بأم أعينهم. أو تحكم به ـ إن كانت ـ ضمائرهم.

وأخيراً.. وإذا تحقق أن الفضل بريء من تهمة التشيع، وتهمة تدبير أمر البيعة إلا على نحو التآمر، فلا يعني ذلك أنه بريء مما هو أشنع من ذلك وأقبح (فكل إناء بالذي فيه ينضح).

____________

(١) راجع: أمراء الشعر العربي في العصر العباسي ص ٨٦، نقلاً عن: زهر الآداب ج ٢ ص ١١١، تحقيق زكي مبارك، وطبع دار الجيل ج ٢ ص ٤٦٤.

٢٤٠

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351

352

353

354

355

356

357

358

359

360

361

362

363

364

365

366

367

368

369

370

371

372

373

374

375

376

377

378

379

380

381

382

383

384

385

386

387

388

389

390

391

392

393

394

395

396

397

398

399

400

401

402

403

404

405

406

407

408

409