كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 350

كتاب شرح نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف: الصفحات: 350
المشاهدات: 90580
تحميل: 7663


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 350 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90580 / تحميل: 7663
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

و أهله الأدنين من بني هاشم لا سيما عليا (عليه‌السلام ) أنعموا على الخلق كافة بنعمة لا يقدر قدرها، و هي الدعاء إلى الإسلام و الهداية إليه فمحمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و إن كان هدى الخلق بالدعوة التي قام بها بلسانه و يده و نصره الله تعالى له بملائكته و تأييده، و هو السيد المتبوع و المصطفى المنتجب الواجب الطاعة إلا أن لعلي (عليه‌السلام ) من الهداية أيضا، و إن كان ثانيا لأول و مصليا على إثر سابق ما لا يجحد و لو لم يكن إلا جهاده بالسيف أولا و ثانيا، و ما كان بين الجهادين من نشر العلوم و تفسير القرآن و إرشاد العرب إلى ما لم تكن له فاهمة و لا متصورة لكفى في وجوب حقه و سبوغ نعمته (عليه‌السلام ). فإن قيل لا ريب في أن كلامه هذا تعريض بمن تقدم عليه، فأي نعمة له عليهم؟ قيل نعمتان: الأولى منهما: الجهاد عنهم و هم قاعدون، فإن من أنصف علم أنه لو لا سيف علي (عليه‌السلام ) لاصطلم المشركون من أشار إليه و غيرهم من المسلمين، و قد علمت آثاره في بدر، و أحد، و الخندق، و خيبر، و حنين، و أن الشرك فيها فغرفاه، فلولا أن سده بسيفه لالتهم المسلمين كافة، و الثانية: علومه التي لولاه لحكم بغير الصواب في كثير من الأحكام، و قد اعترف عمر له بذلك و الخبر مشهور لولا علي لهلك عمر. و يمكن أن يخرج كلامه على وجه آخر و ذلك أن العرب تفضل القبيلة التي(1) منها الرئيس الأعظم على سائر القبائل و تفضل الأدنى منه نسبا، فالأدنى على سائر آحاد تلك القبيلة فإن بني دارم يفتخرون بحاجب و إخوته و بزرارة أبيهم على سائر بني تميم، و يسوغ للواحد من أبناء بني دارم أن يقول: لا يقاس ببني دارم أحد من بني تميم و لا يستوي بهم من جرت رئاستهم عليه أبدا، و يعني بذلك أن واحدا من بني دارم قد رأس على بني تميم فكذلك لما كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) رئيس الكلّ

____________________

(1) ا: " فيها ".

١٤١

و المنعم على الكل جاز لواحد من بني هاشم لا سيما مثل علي (عليه‌السلام ) أن يقول هذه الكلمات، و اعلم أن عليا (عليه‌السلام ) كان يدعي التقدم على الكل و الشرف على الكل و النعمة على الكل بابن عمه ص و بنفسه و بأبيه أبي طالب فإن من قرأ علوم السير عرف أن الإسلام لو لا أبو طالب لم يكن شيئا مذكورا. و ليس لقائل أن يقول كيف يقال هذا في دين تكفل الله تعالى بإظهاره سواء كان أبو طالب موجودا أو معدوما؛ لأنا نقول فينبغي على هذا ألا يمدح رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و لا يقال إنه هدى الناس من الضلالة و أنقذهم من الجهالة و إن له حقا على المسلمين، و إنه لولاه لما عبد الله تعالى في الأرض و ألا يمدح أبو بكر، و لا يقال: إن له أثرا في الإسلام و إن عبد الرحمن و سعدا و طلحة، و عثمان، و غيرهم من الأولين في الدين اتبعوا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) لاتباعه له، و إن له يدا غير مجحودة في الإنفاق، و اشتراء المعذبين و إعتاقهم، و إنه لولاه لاستمرت الردة بعد الوفاة و ظهرت دعوة مسيلمة، و طليحة، و إنه لو لا عمر لما كانت الفتوح، و لا جهزت الجيوش و لا قوي أمر الدين بعد ضعفه، و لا انتشرت الدعوة بعد خمولها. فإن قلتم في كل ذلك إن هؤلاء يحمدون و يثنى عليهم؛ لأن الله تعالى أجرى هذه الأمور على أيديهم و وفقهم لها، و الفاعل بذلك بالحقيقة هو الله تعالى و هؤلاء آلة مستعملة، و وسائط تجرى الأفعال على أيديها فحمدهم و الثناء عليهم و الاعتراف لهم إنما هو باعتبار ذلك. قيل لكم في شأن أبي طالب مثله(1) .

____________________

(1) ا: " قبل لهم ".

١٤٢

و اعلم أن هذه الكلمات و هي قوله: (عليه‌السلام ) الآن إذ رجع الحق إلى أهله إلى آخرها يبعد عندي أن تكون مقولة عقيب انصرافه (عليه‌السلام ) من صفين؛ لأنه انصرف عنها وقتئذ مضطرب الأمر منتشر الحبل بواقعة التحكيم و مكيدة ابن العاص و ما تم لمعاوية عليه من الاستظهار و ما شاهد في عسكره من الخذلان، و هذه الكلمات لا تقال في مثل هذه الحال، و أخلق بها أن تكون قيلت في ابتداء بيعته قبل أن يخرج من المدينة إلى البصرة، و أن الرضيرحمه‌الله تعالى نقل ما وجد، و حكى ما سمع، و الغلط من غيره و الوهم سابق له و ما ذكرناه واضح.

ما ورد في الوصاية من الشعر

و مما رويناه من الشعر المقول في صدر الإسلام المتضمن كونه (عليه‌السلام ) وصي رسول الله قول عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب:

و منا علي ذاك صاحب خيبر

و صاحب بدر يوم سالت كتائبه

وصي النبي المصطفى و ابن عمه

فمن ذا يدانيه و من ذا يقاربه

و قال عبد الرحمن بن جعيل:

لعمري لقد بايعتم ذا حفيظة

على الدين معروف العفاف موفقا

عليا وصي المصطفى و ابن عمه

و أول من صلى أخا الدين و التقى

و قال أبو الهيثم بن التيهان و كان بدريا:

قل للزبير و قل لطلحة إننا

نحن الذين شعارنا الأنصار

نحن الذين رأت قريش فعلنا

يوم القليب أولئك الكفار

كنا شعار نبينا و دثاره

يفديه منا الروح و الأبصار

١٤٣

إن الوصي إمامنا و ولينا

برح الخفاء و باحت الأسرار(1)

و قال عمر بن حارثة الأنصاري: و كان مع محمد بن الحنفية يوم الجمل، و قد لامه أبوه (عليه‌السلام ) لما أمره بالحملة فتقاعس:

أبا حسن أنت فصل الأمور

يبين بك الحل و المحرم

جمعت الرجال على راية

بها ابنك يوم الوغى مقحم

و لم ينكص المرء من خيفة

و لكن توالت له أسهم

فقال رويدا و لا تعجلوا

فإني إذا رشقوا مقدم

فأعجلته و الفتى مجمع

بما يكره الوجل المحجم

سمي النبي و شبه الوصي

و رايته لونها العندم

و قال رجل من الأزد يوم الجمل:

هذا علي و هو الوصي

آخاه يوم النجوة النبي

و قال هذا بعدي الولي

وعاه واع و نسي الشقي

و خرج يوم الجمل غلام من بني ضبة شاب معلم(2) من عسكر عائشة و هو يقول:

نحن بني ضبة أعداء علي

ذاك الذي يعرف قدما بالوصي

و فارس الخيل على عهد النبي

ما أنا عن فضل علي بالعمي

لكنني أنعى ابن عفان التقي

إن الولي طالب ثأر الولي

و قال سعيد بن قيس الهمداني يوم الجمل و كان في عسكر علي (عليه‌السلام ) :

أية حرب أضرمت نيرانها

و كسرت يوم الوغى مرانها(3)

____________________

(1) برح الخفاء، أي طهر ما كان خافيا وانكشف، مأخوذ من براح، وهو البارز الظاهر.

(2) المعلم، بكسر اللام: الذي علم مكانه في الحرب بعلامة أعلمها.

(3) المران: الرماح الصلبة اللدنة، واحدة مرانة.

١٤٤

قل للوصي أقبلت قحطانها

فادع بها تكفيكها همدانها

هم بنوها و هم إخوانها

و قال زياد بن لبيد الأنصاري يوم الجمل و كان من أصحاب علي (عليه‌السلام ) :

كيف ترى الأنصار في يوم الكلب

إنا أناس لا نبالي من عطب

و لا نبالي في الوصي من غضب

و إنما الأنصار جد لا لعب

هذا علي و ابن عبد المطلب

ننصره اليوم على من قد كذب

من يكسب البغي فبئس ما اكتسب

و قال حجر بن عدي الكندي في ذلك اليوم أيضا:

يا ربنا سلم لنا عليا

سلم لنا المبارك المضيا

المؤمن الموحد التقيا

لا خطل الرأي و لا غويا

بل هاديا موفقا مهديا

و احفظه ربي و احفظ النبيا

فيه فقد كان له وليا

ثم ارتضاه بعده وصيا

و قال خزيمة بن ثابت الأنصاري ذو الشهادتين و كان بدريا في يوم الجمل أيضا:

ليس بين الأنصار في جحمة الحرب

و بين العداة إلا الطعان

و قراع الكمأة بالقضب

البيض إذا ما تحطم المران

فادعها تستجب فليس من الخز

رج و الأوس يا علي جبان

يا وصي النبي قد أجلت

الحرب الأعادي و سارت الأظعان

و استقامت لك الأمور سوى

الشام و في الشام يظهر الإذعان

حسبهم ما رأوا و حسبك منا

هكذا نحن حيث كنا و كانوا

١٤٥

و قال خزيمة أيضا في يوم الجمل:

أعائش خلي عن علي و عيبه

بما ليس فيه إنما أنت والده

وصي رسول الله من دون أهله

و أنت على ما كان من ذاك شاهده

وحسبك منه بعض ما تعلمينه

ويكفيك لو لم تعلمي غير واحده

إذا قيل ما ذا عبت منه رميته

بخذل ابن عفان و ما تلك آبده

و ليس سماء الله قاطرة دما

لذاك و ما الأرض الفضاء بمائده

و قال ابن بديل بن ورقاء الخزاعي يوم الجمل أيضا:

يا قوم للخطة العظمى التي حدثت

حرب الوصي و ما للحرب من آسي

الفاصل الحكم بالتقوى إذا ضربت

تلك القبائل أخماسا لأسداس(1)

و قال عمرو بن أحيحة يوم الجمل في خطبة الحسن بن علي (عليه‌السلام ) بعد خطبة عبد الله بن الزبير:

حسن الخير يا شبيه أبيه

قمت فينا مقام خير خطيب

قمت بالخطبة التي صدع

الله بها عن أبيك أهل العيوب

و كشفت القناع فاتضح

الأمر و أصلحت فاسدات القلوب

لست كابن الزبير لجلج في

القول و طأطأ عنان فسل مريب

و أبى الله أن يقوم بما

قام به ابن الوصي و ابن النجيب

إن شخصا بين النبي لك

الخير و بين الوصي غير مشوب

____________________

(1) يقال لمن يظهر شيئا ويريد غير: ضرب أخماسا لأسداس. والخمس والسدس من أضماء الإبل، والأصل فيه أن الرسل إذا أراد سفرا بعيدا عود إبله أن يشرب خمسا، ثم سدسا، حتى إذا أخذت في السير صبرت عن الماء. (مجمع الأمثال 1: 418).

١٤٦

و قال زحر بن قيس الجعفي يوم الجمل أيضا:

أضربكم حتى تقروا لعلي

خير قريش كلها بعد النبي

من زانه الله و سماه الوصي

إن الولي حافظ ظهر الولي

كما الغوي تابع أمر الغوي

ذكر هذه الأشعار و الأراجيز بأجمعها أبو مخنف لوط بن يحيى(1) في كتاب وقعة الجمل، و أبو مخنف من المحدثين و ممن يرى صحة الإمامة بالاختيار، و ليس من الشيعة و لا معدودا من رجالها. و مما رويناه من أشعار صفين التي تتضمن تسميته (عليه‌السلام ) بالوصي ما ذكره نصر بن مزاحم(2) بن يسار المنقري في كتاب صفين، و هو من رجال الحديث. قال نصر بن مزاحم: قال زحر(3) بن قيس الجعفي:

فصلى الإله على أحمد

رسول المليك تمام النعم

رسول المليك و من بعده

خليفتنا القائم المدعم

عليا عنيت وصي النبي

نجالد عنه غواه الأمم

قال نصر و من الشعر المنسوب إلى الأشعث بن قيس(4) :

أتانا الرسول رسول الإمام(5)

فسر بمقدمه المسلمونا

رسول الوصي وصي النبي

له السبق و الفضل في المؤمنينا

____________________

(1) هو لوط بن يحيى بن سعيد بن مخنف بن سليم الأسدي، كان راوية أخبار وصاحب تصانيف في الفتوح وحروب الاسلام، توفى سنة 157. معجم الأدباء 41:17، الفهرست93.

(2) ذكره ابن حجر في لسان الميزان 6: 751، وقال: إنه توفى سنة 212.

(3) زحر، ضبطه صاحب القاموس بفتح الزاي وسكون الحاء المهملة، والذي في كتاب صفين ص 22، أنها لجرير بن عبد الله البجلي، ضمن عشرة أبيات.

(4) كتاب صفين 27.

(5) صفين:"رسول علي".

١٤٧

و من الشعر المنسوب إلى الأشعث أيضا:

أتانا الرسول رسول الوصي

علي المهذب من هاشم

وزير النبي و ذو صهره

و خير البرية و العالم

قال نصر بن مزاحم من شعر أمير المؤمنين ع في صفين:

يا عجبا لقد سمعت منكرا

كذبا على الله يشيب الشعرا

ما كان يرضى أحمد لو أخبرا

أن يقرنوا وصيه و الأبترا

شاني الرسول و اللعين الأخزرا

إني إذا الموت دنا و حضرا

شمرت ثوبي و دعوت قنبرا

قدم لوائي لا تؤخر حذرا

لا يدفع الحذار ما قد قدرا

لو أن عندي يا ابن حرب جعفرا

أو حمزة القرم الهمام الأزهرا

رأت قريش نجم ليل ظهرا

____________________

(1) كتاب صفين 28

(2) كتاب صفين: " وخير البرية في العالم

(3) كتاب صفين 48، وبعد هذا البيت: * يسترق السمع ويغشى البصرا *

(4) كذا في ا، وفى كتاب صفين، وفى ب " الأخورا "، وبعده هناك:

كلاهما في جنده قد عسكرا

قد باع هذا دينه فأفجرا

من ذا بدينا قد خسرا

بملك مصر أن أصاب الضفر

(5) ا: " وأحضرا ":

(6) كتاب صفين: " لن يدفع "، وبعده:

لما رأيت الموت موتا أحمرا

عبأت همدان وعبوا حميرا

حي يمان يعظمون الخطرا

قرم إذا ناطح قرنا كسرا

قل لابن لا تدب الخمرا

أردد قليلا أبدى منك الضجرا

لا تحسبني يبن حرب عمرا

وسل بنا بدرا معا وخيبرا

كانت قريش يوم بدر جزرا

إذ وردوا الامر فذموا الصدرا

١٤٨

و قال جرير بن عبد الله البجلي كتب بهذا الشعر إلى شرحبيل بن السمط الكندي رئيس اليمانية من أصحاب معاوية:

نصحتك يا ابن السمط لا تتبع الهوى

فما لك في الدنيا من الدين من بدل(1)

و لا تك كالمجرى إلى شر غاية

فقد خرق السربال و استنوق الجمل

مقال ابن هند في علي عضيهة

و لله في صدر ابن أبي طالب أجل(2)

و ما كان إلا لازما قعر بيته

إلى أن أتى عثمان في بيته الأجل

وصي رسول الله من دون أهله

و فارسه الحامي به يضرب المثل(3)

و قال النعمان بن عجلان الأنصاري(4) :

كيف التفرق و الوصي إمامنا

لا كيف إلا حيرة و تخاذلا

لا تغبنن عقولكم لا خير في

من لم يكن عند البلابل عاقلا

و ذروا معاوية الغوي و تابعوا

دين الوصي لتحمدوه آجلا(5)

و قال عبد الرحمن بن ذؤيب الأسلمي:

ألا أبلغ معاوية بن حرب

فما لك لا تهش إلى الضراب(6)

فإن تسلم و تبق الدهر يوما

نزرك بجحفل عدد التراب

يقودهم الوصي إليك حتى

يردك عن ضلال و ارتياب

و قال المغيرة بن الحارث بن عبد المطلب:

يا عصبة الموت صبرا لا يهولكم

جيش ابن حرب فإن الحق قد ظهرا(7)

و أيقنوا أن من أضحى يخالفكم

أضحى شقيا و أمسى نفسه خسرا

____________________

(1) كتاب صفين ص 54، 53 وروايته هناك: " شرحبيل يبن السمط ".

(2) صفين: " وقال ابن هند ".

(3) صفين: " وفارسه الأولى به ".

(4) صفين ص 415، وفيه: " النضر بن عجلان ".

(5) صفين: " تصادفوه عاجلا ".

(6) صفين 434

(7) صفين 437، وفيه: " يا شرطة الخير "

١٤٩

فيكم وصي رسول الله قائدكم

و صهره و كتاب الله قد نشرا

و قال عبد الله بن العباس بن عبد المطلب(1) :

وصي رسول الله من دون أهله

و فارسه إن قيل هل من منازل

فدونكه إن كنت تبغي مهاجرا

أشم كنصل السيف عير حلاحل(2)

و الأشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثير جدا، و لكنا ذكرنا منها هاهنا بعض ما قيل في هذين الحزبين فأما ما عداهما فإنه يجل عن الحصر و يعظم عن الإحصاء و العد و لو لا خوف الملالة و الإضجار لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقا كثيرة

____________________

(1) صفين 474، ونسبها إلي الفضل بن عباس.

(2) عير القوم: سيدهم، والحلاحل بالفتح: جمع حلاحل، بالضم، وهو الشجاع.

١٥٠

3. و من خطبة له و هي المعروفة بالشقشقية(1) :

أَمَا وَ اَللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا فُلاَنٌ [ اِبْنُ أَبِي قُحَافَةَ(2) ] اِبْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنْ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ اَلْقُطْبِ مِنَ اَلرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي اَلسَّيْلُ وَ لاَ يَرْقَى إِلَيَّ اَلطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ [ جِدٍّ ] أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ [ ظَلْمَةٍ ] عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا اَلْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا اَلصَّغِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ(3) حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ فَرَأَيْتُ أَنَّ اَلصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَ فِي اَلْعَيْنِ قَذًى وَ فِي اَلْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً سدلت دونها ثوبا)، أي: أرخيت، يقول ضربت بيني و بينها حجابا فعل الزاهد فيها الراغب عنها، و طويت عنها كشحا، أي: قطعتها و صرمتها، و هو مثل قالوا؛ لأن من كان إلى جانبك الأيمن ماثلا فطويت كشحك الأيسر فقد ملت عنه و الكشح ما بين الخاصرة و الجنب و عندي أنهم أرادوا غير ذلك، و هو أن من أجاع نفسه فقد طوى كشحه كما أن من أكل و شبع فقد ملأ كشحه، فكأنه أراد أني أجعت نفسي عنها و لم ألقمها و اليد الجذاء بالدال المهملة و بالذال المعجمة و الحاء المهملة مع الذال المعجمة كله بمعنى المقطوعة و الطخية قطعة من الغيم و السحاب و قوله عمياء تأكيد لظلام الحال و اسودادها يقولون مفازة عمياء، أي: يعمى فيها الدليل

____________________

(1) مخطوطة النهج: " الشقشقية والمقمصة "

(2) مخطوطة النهج: " فلان "

(3) مخطوطة النهج: " المؤمن ".

١٥١

و يكدح يسعى و يكد مع مشقة، قال تعالى:( إِنَّكَ كادِحٌ إِلى‏ رَبِّكَ كَدْحاً ) (1) ، و هاتا بمعنى هذه ها للتنبيه و تا، للإشارة و معنى تا، ذي و هذا أحجى من كذا أي أليق بالحجا و هو العقل. و في هذا الفصل من باب البديع في علم البيان عشرة ألفاظ. أولها قوله لقد تقمصها، أي: جعلها كالقميص مشتملة عليه و الضمير للخلافة و لم يذكرها للعلم بها كقوله سبحانه:( حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ) (2) و كقوله:( كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ ) (3) و كقول حاتم:

أماوي ما يغني الثراء عن الفتى

إذا حشرجت يوما و ضاق بها الصدر(4)

و هذه اللفظة مأخوذة من كتاب الله تعالى في قوله سبحانه:( وَ لِباسُ اَلتَّقْوى) (5) و قول النابغة(6) :

تسربل سربالا من النصر و ارتدى

عليه بعضب في الكريهة قاصل

الثانية: قوله ينحدر عني السيل يعني رفعة منزلته (عليه‌السلام ) كأنه في ذروة جبل أو يفاع مشرف ينحدر السيل عنه إلى الوهاد و الغيطان، قال الهذلي:

و عيطاء يكثر فيها الزليل

و ينحدر السيل عنها انحدارا(7)

الثالثة: قوله (عليه‌السلام ) و لا يرقى إلي الطير هذه أعظم في الرفعة و العلو من التي قبلها؛ لأن السيل ينحدر عن الرابية و الهضبة و أما تعذر رقي الطير فربما يكون للقلال الشاهقة جدا بل ما هو أعلى من قلال الجبال، كأنه يقول إني لعلو منزلتي كمن في السماء التي يستحيل أن يرقى الطير إليها قال أبو الطيب:

فوق السماء و فوق ما طلبوا

فإذا أرادوا غاية نزلوا(8)

____________________

(1) سورة الانشقاق 6

(2) سورة ص 32

(3) سورة الرحمن 26

(4) ديوانه 118

(5) سورة الأعراف 26

(6) كذا في الأصول، والصواب أنه لأبي تمام، ديوانه 3: 82

(7) عيطاء: مرتفعة. والزليل: الزلل

(8) ديوانه 3: 310

١٥٢

و قال حبيب:

مكارم لجت في علو كأنما

تحاول ثأرا عند بعض الكواكب(1)

الرابعة: قوله سدلت دونها ثوبا قد ذكرناه. الخامسة: قوله و طويت عنها كشحا قد ذكرناه أيضا. السادسة: قوله أصول بيد جذاء قد ذكرناه. السابعة: قوله أصبر على طخية عمياء قد ذكرناه أيضا. الثامنة: قوله و في العين قذى، أي: صبرت على مضض كما يصبر الأرمد. التاسعة: قوله و في الحلق شجا و هو ما يعترض في الحلق، أي: كما يصبر من غص بأمر فهو يكابد الخنق. العاشرة: قوله أرى تراثي نهبا كنى عن الخلافة بالتراث و هو الموروث من المال. فأما قوله (عليه‌السلام ) إن محلي منها محل القطب من الرحى فليس من هذا النمط الذي نحن فيه و لكنه تشبيه محض خارج من باب الاستعارة و التوسع يقول: كما أن الرحى لا تدور إلا على القطب و دورانها بغير قطب لا ثمرة له، و لا فائدة فيه كذلك نسبتي إلى الخلافة فإنها لا تقوم إلا بي و لا يدور أمرها إلا علي. هكذا فسروه و عندي أنه أراد أمرا آخر و هو أني من الخلافة في الصميم و في وسطها و بحبوحتها كما أن القطب وسط دائرة الرحى قال الراجز(2) :

____________________

(1) ديوانه 1: 217

(2) هو جرير بن عطية، ديوانه. 520، والأبيات أيضا في الكامل 112:2، 191:3يقولها في الحكم ابن أيوب بن أبي عقيل الثقفي، ابن عم الحجاج، وكان عامله على البصرة.

١٥٣

على قلاص مثل خيطان السلم(1)

إذا قطعن علما بدا علم(2)

حتى أنحناها إلى باب الحكم(3)

خليفة الحجاج غير المتهم

في سرة المجد و بحبوح الكرم(4)

و قال أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان:

فحللت منها بالبطاح

و حل غيرك بالظواهر(5)

و أما قوله: (يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير)، فيمكن أن يكون من باب الحقائق و يمكن أن يكون من باب المجازات و الاستعارات. أما الأول فإنه يعني به طول مدة ولاية المتقدمين عليه، فإنها مدة يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير. و أما الثاني: فإنه يعني بذلك صعوبة تلك الأيام حتى أن الكبير من الناس يكاد يهرم لصعوبتها، و الصغير يشيب من أهوالها، كقولهم هذا أمر يشيب له الوليد و إن لم يشب على الحقيقة.

____________________

(1) القلاص: جمع قلوص، وهي الناقة الفتية. والخيطان: والخوط جمع خوط، جمع خوطة، وهي الغصن الناعم. والسلم: شجر، واحدته سلمة، يصف ضورها. وبعده في رواية الديوان:

قد طويت بطونها على الأدم

بعد انفضاج البدن واللحم الزيم

(2) بعده في رواية الديوان: * فهن بحثا كمضلات الخدم *

(3) رواية الديوان: * حتى تناهين إلى باب الحكم *

(4) رواية الديوان: * في ضئضئ الممجد وبؤبو الكرم *

(5) البطاح: بطن مكة، والظواهر أعلاها، والبيت في اللسان 6: 791 منسوب للكميت: بهذه الرواية

فحللت معتلج البطاح

وحل غيرك بالظَّواهِر

١٥٤

و اعلم أن في الكلام تقديما و تأخيرا و تقديره، (و لا يرقى إلي الطير فطفقت أرتئي بين كذا و كذا، فرأيت أن الصبر على هاتا أحجى فسدلت دونها ثوبا و طويت عنها كشحا ثم فصبرت و في العين قذى إلى آخر القصة) ؛ لأنه لا يجوز أن يسدل دونها ثوبا و يطوي عنها كشحا، ثم يطفق يرتئي بين أن ينابذهم أو يصبر، ألا ترى أنه إذا سدل دونها ثوبا و طوى عنها كشحا فقد تركها و صرمها و من يترك و يصرم لا يرتئي في المنابذة و التقديم و التأخير طريق لاحب و سبيل مهيع في لغة العرب. قال سبحانه:( اَلَّذِي أَنْزَلَ عَلى‏ عَبْدِهِ اَلْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً ) ،(1) أي: أنزل على عبده الكتاب قيما و لم يجعل له عوجا و هذا كثير. و قوله (عليه‌السلام ) حتى يلقى ربه بالوقف و الإسكان، كما جاءت به الرواية في قوله سبحانه:( ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ ) (2) بالوقف أيضا

نسب أبي بكر و نبذة من أخبار أبيه

ابن أبي قحافة المشار إليه هو أبو بكر، و اسمه القديم عبد الكعبة، فسماه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) عبد الله و اختلفوا في عتيق، فقيل: كان اسمه في الجاهلية، و قيل: بل سماه به رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، و اسم أبي قحافة عثمان، و هو عثمان بن عامر، بن عمرو، بن كعب، بن سعد، بن تيم بن، مرة بن، كعب بن، لؤي بن غالب، و أمه ابنة عم أبيه، و هي أم الخير، بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد. أسلم أبو قحافة يوم الفتح جاء به ابنه أبو بكر إلى النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و هو شيخ كبير، رأسه كالثغامة(3) البيضاء فأسلم. فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : غيروا شيبته.

____________________

(1) سورة الكهف 1، 2

(2) سورة البينة 8

(3) أورد الخبر ابن الأثير في النهاية (1: 192) : " أنى بأبي قحافة يوم الفتح وكأن رأسه ثغامة ". وقال: " هو نبت أبيض الزهر والثمر، يشبه به الشيب. وقيل: هي شجرة تبيض كأنها الثلج ".

١٥٥

و ولي ابنه الخلافة، و هو حي منقطع في بيته مكفوف عاجز عن الحركة فسمع ضوضاء الناس، فقال: ما الخبر؟ فقالوا: ولي ابنك الخلافة. فقال: رضيت بنو عبد مناف بذلك؟ قالوا: نعم. قال: اللهم لا مانع لما أعطيت و لا معطي لما منعت. و لم يل الخلافة من أبوه حي إلا أبو بكر و أبوبكر عبد الكريم(1) الطائع لله ولي الأمر و أبوه المطيع حي خلع نفسه من الخلافة و عهد بها إلى ابنه، و كان المنصور يسمي عبد الله بن الحسن بن الحسن(2) أبا قحافة تهكما به؛ لأن ابنه(3) محمدا ادعى الخلافة و أبوه حي. و مات أبوبكر و أبو قحافة حي فسمع الأصوات فسأل، فقيل: مات ابنك. فقال: رزء جليل، و توفي أبو قحافة في أيام عمر في سنة أربع عشرة للهجرة و عمره سبع و تسعون سنة، و هي السنة التي توفي فيها نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم(4) . إن قيل بينوا لنا ما عندكم في هذا الكلام أليس صريحه دالا على تظليم القوم و نسبتهم إلى اغتصاب الأمر، فما قولكم في ذلك؟ إن حكمتم عليهم بذلك فقد طعنتم فيهم، و إن لم تحكموا عليهم بذلك فقد طعنتم في المتظلم المتكلم عليهم. قيل: أما الإمامية من الشيعة فتجري هذه الألفاظ على ظواهرها و تذهب إلى أن النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) نص على أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، و أنه غصب حقه.

____________________

(1) أصيب المطيع لله بالفالج، ولما قوى عليه وثقل لسانه، خلع نفسه. وبويع لولده الطائع، وكان ذلك في سنة 364. الفخري ص 253

(2) كان عبد الله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب، شيخ بني هاشم في وقته، والمقدم فيهم. وانظر أخباره في مقاتل الطالبيين ص 179-185.

(3) كان علماء آل أبي طالب يرون في محمد بن عبد الله بن الحسن أنه النفس الزكية، وكان أفضل أهل بيته في علمه بكتاب الله وحفظه له، مع فقهه في الدين وشجاعته وجوده وبأسه وكل أمر يجمل بمثله. وانظر ترجمته وأخباره في مقاتل الطالبيين ص 232-299

(4) هو ابن عم رسول الله صلى الله عليه وسلم، له صحبة، وكان أسن من أسلم من بني هاشم، حتى من عميه حمزة والعباس. الإصابة 6: 258

١٥٦

و أما أصحابنا رحمهم الله، فلهم أن يقولوا: إنه لما كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) هو الأفضل و الأحق و عدل عنه إلى من لا يساويه في فضل و لا يوازيه في جهاد و علم، و لا يماثله في سؤدد و شرف، ساغ إطلاق هذه الألفاظ و إن كان من وسم بالخلافة قبله عدلا تقيا و كانت بيعته بيعة صحيحة، ألا ترى أن البلد قد يكون فيه فقيهان أحدهما أعلم من الآخر بطبقات كثيرة، فيجعل السلطان الأنقص علما منهما قاضيا فيتوجد الأعلم(1) و يتألم و ينفث أحيانا بالشكوى، و لا يكون ذلك طعنا في القاضي و لا تفسيقا له و لا حكما منه بأنه غير صالح بل للعدول عن الأحق و الأولى، و هذا أمر مركوز في طباع البشر و مجبول في أصل الغريزة و الفطرة، فأصحابنا رحمهم الله، لما أحسنوا الظن بالصحابة و حملوا ما وقع منهم على وجه الصواب و أنهم نظروا إلى مصلحة الإسلام، و خافوا فتنة لا تقتصر على ذهاب الخلافة فقط، بل و تفضي إلى ذهاب النبوة و الملة، فعدلوا عن الأفضل الأشرف الأحق إلى فاضل آخر دونه، فعقدوا له احتاجوا إلى تأويل هذه الألفاظ الصادرة عمن يعتقدونه في الجلالة و الرفعة قريبا من منزلة النبوة، فتأولوها بهذا التأويل و حملوها على التألم للعدول عن الأولى. و ليس هذا بأبعد من تأويل الإمامية قوله تعالى:( وَ عَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى) (2) ، و قولهم: معنى عصى أنه عدل عن الأولى؛ لأن الأمر بترك أكل الشجرة كان أمرا على سبيل الندب، فلما تركه آدم كان تاركا للأفضل و الأولى، فسمي عاصيا باعتبار مخالفة الأولى، و حملوا غوى على خاب لا على الغواية بمعنى الضلال، و معلوم أن تأويل كلام أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) و حمله على أنه شكا من تركهم الأولى أحسن من حمل قوله تعالى:( وَ عَصى‏ آدَمُ ) على أنه ترك الأولى.

____________________

(1) ب: " الأعظم "، والأجود ما أثبته من ا

(2) سورة طه 121

١٥٧

إن قيل لا تخلو الصحابة إما أن تكون عدلت عن الأفضل لعلة و مانع في الأفضل أو لا لمانع، فإن كان لا لمانع كان ذلك عقدا للمفضول بالهوى فيكون باطلا، و إن كان لمانع و هو ما تذكرونه من خوف الفتنة و كون الناس كانوا يبغضون عليا (عليه‌السلام ) و يحسدونه فقد كان يجب أن يعذرهم أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) في العدول عنه، و يعلم أن العقد لغيره هو المصلحة للإسلام فكيف حسن منه أن يشكوهم بعد ذلك و يتوجد عليهم. و أيضا فما معنى قوله فطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذاء على ما تأولتم به كلامه فإن تارك الأولى لا يصال عليه بالحرب. قيل يجوز أن يكون أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) لم يغلب على ظنه ما غلب على ظنون الصحابة من الشغب، و ثوران الفتنة، و الظنون تختلف باختلاف الأمارات، فرب إنسان يغلب على ظنه أمر يغلب على ظن غيره خلافه، و أما قوله: أرتئي بين أن أصول، فيجوز أن يكون لم يعن به صيال الحرب، بل صيال الجدل و المناظرة، يبين ذلك أنه لو كان جادلهم و أظهر ما في نفسه لهم فربما خصموه بأن يقولوا له قد غلب على ظنوننا أن الفساد يعظم و يتفاقم إن وليت الأمر، و لا يجوز مع غلبة ظنوننا لذلك أن نسلم الأمر إليك، فهو (عليه‌السلام ) قال: طفقت أرتئي بين أن أذكر لهم فضائلي عليهم و أحاجهم بها فيجيبوني بهذا الضرب من الجواب الذي تصير حجتي به جذاء(1) مقطوعة، و لا قدرة لي على تشييدها و نصرتها و بين أن أصبر على ما منيت به و دفعت إليه. إن قيل إذا كان (عليه‌السلام ) لم يغلب على ظنه وجود العلة و المانع فيه، و قد استراب الصحابة و شكاهم لعدولهم عن الأفضل الذي لا علة فيه عنده فقد سلمتم أنه ظلم الصحابة و نسبهم إلى غصب حقه، فما الفرق بين ذلك و بين أن يستظلمهم لمخالفة النص، و كيف

____________________

(1) ا:"جدّاء".

١٥٨

هربتم من نسبته لهم إلى الظلم لدفع النص و وقعتم في نسبته لهم إلى الظلم لخلاف الأولى من غير علة في الأولى، و معلوم أن مخالفة الأولى من غير علة في الأولى كتارك النص؛ لأن العقد في كلا الموضعين يكون فاسدا. قيل الفرق بين الأمرين ظاهر؛ لأنه (عليه‌السلام ) لو نسبهم إلى مخالفة النص لوجب وجود النص و لو كان النص موجودا لكانوا فساقا أو كفارا لمخالفته، و أما إذا نسبهم إلى ترك الأولى من غير علة في الأولى، فقد نسبهم إلى أمر يدعون فيه خلاف ما يدعي (عليه‌السلام )، و أحد الأمرين لازم، و هو إما أن يكون ظنهم صحيحا أو غير صحيح. فإن كان ظنهم هو الصحيح فلا كلام في المسألة، و إن لم يكن ظنهم صحيحا كانوا كالمجتهد إذا ظن و أخطأ، فإنه معذور و مخالفة النص أمر خارج عن هذا الباب؛ لأن مخالفه غير معذور بحال فافترق المحملان.

مرض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و أمره أسامة بن زيد على الجيش

لما مرض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) مرض الموت دعا أسامة بن زيد بن حارثة، فقال سر إلى مقتل أبيك(1) فأوطئهم الخيل فقد وليتك على هذا الجيش و إن أظفرك الله بالعدو فأقلل اللبث و بث العيون، و قدم الطلائع، فلم يبق أحد من وجوه المهاجرين و الأنصار إلا كان في ذلك الجيش منهم أبوبكر و عمر. فتكلم قوم و قالوا: يستعمل هذا الغلام على جلة المهاجرين و الأنصار، فغضب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) لما سمع ذلك، و خرج عاصبا رأسه، فصعد المنبر و عليه قطيفة(2) . فقال: (أيها الناس ما مقالة بلغتني عن بعضكم في تأمير أسامة، لئن طعنتم في تأميري أسامة، فقد طعنتم في تأميري أباه من قبله، و ايم الله إن كان لخليقا بالإمارة و ابنه من(3) بعده لخليق بها،

____________________

(1) قتل زيد بن حارثة بمؤتة؛ إحدى قرى البلقاء؛ وتفصيل الخبر في الطبري، (حوادث السنة الثامنة).

(2) القطيفة: كساء له أهداب

(3) ا: " وإن ابنه من بعده الخليق بها "

١٥٩

و إنهما لمن أحب الناس إلي، فاستوصوا به خيرا فإنه من خياركم)، ثم نزل و دخل بيته و جاء المسلمون يودعون رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و يمضون إلى عسكر أسامة بالجرف(1) . و ثقل(2) رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و اشتد ما يجده، فأرسل بعض نسائه إلى أسامة و بعض من كان معه يعلمونهم ذلك فدخل أسامة من معسكره و النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) مغمور، و هو اليوم الذي لدوه(3) فيه فتطأطأ أسامة عليه فقبله و رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قد أسكت، فهو لا يتكلم فجعل يرفع يديه إلى السماء، ثم يضعهما على أسامة كالداعي له، ثم أشار إليه بالرجوع إلى عسكره و التوجه لما بعثه فيه، فرجع أسامة إلى عسكره، ثم أرسل نساء رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) إلى أسامة يأمرنه بالدخول، و يقلن إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قد أصبح بارئا، فدخل أسامة من معسكره يوم الإثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول، فوجد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) مفيقا فأمره بالخروج و تعجيل النفوذ، و قال اغد على بركة الله و جعل يقول أنفذوا بعث أسامة و يكرر ذلك، فودع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و خرج و معه أبوبكر و عمر، فلما ركب جاءه رسول أم أيمن، فقال إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يموت، فأقبل و معه أبوبكر و عمر و أبو عبيدة فانتهوا إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) حين زالت الشمس من هذا اليوم، و هو يوم الإثنين، و قد مات و اللواء مع بريدة بن الحصيب، فدخل باللواء فركزه عند باب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، و هو مغلق و علي (عليه‌السلام )، و بعض بني هاشم مشتغلون بإعداد جهازه و غسله. فقال: العباس لعلي، و هما في الدار امدد يدك أبايعك، فيقول الناس عم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) بايع ابن عم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فلا يختلف عليك

____________________

(1) الجرف: موضع على ثلاثة أميال من المدينة نحو الشام.

(2) ثقل، بالكسر: اشتد مرضه

(3) يقال لد المريض، بالبناء للمجهول أي دووي باللدود، بالفتح، وهو من الأدوية ما يسقاه المريض في أحد شقي الفم، وانظر النهاية لابن الأثير 3: 55، واللسان 4: 393

١٦٠