كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١

كتاب شرح نهج البلاغة11%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 350

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 350 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 94708 / تحميل: 8505
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة


1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

مثل قول أنس، فقال للهرمزان: ويحك أتخدعني و الله لأقتلنك إلا أن تسلم، ثم أومأ إلى أبي طلحة، فقال الهرمزان: أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فأمنه و أنزله المدينة. سأل عمر عمرو بن معديكرب عن السلاح، فقال له: ما تقول في الرمح؟ قال أخوك: و ربما خانك، قال: فالنبل، قال: رسل المنايا تخطئ و تصيب. قال: فالدرع قال مشغلة للفارس متعبة للراجل و إنها مع ذلك لحصن حصين، قال: فالترس، قال: هو المجن و عليه تدور الدوائر، قال: فالسيف؟ قال: هناك قارعت أمك الهبل. قال: بل أمك قال و الحمى أضرعتني لك(١) . و أول من ضرب عمر بالدرة أم فروة بنت أبي قحافة، مات أبوبكر فناح النساء عليه و فيهن أخته أم فروة فنهاهن عمر مرارا، و هن يعاودن، فأخرج أم فروة من بينهن و علاها بالدرة فهربن و تفرقن. كان يقال درة عمر أهيب من سيف الحجاج و في الصحيح أن نسوة كن عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قد كثر لغطهن، فجاء عمر فهربن هيبة له، فقال: لهن يا عديات أنفسهن أتهبنني و لا تهبن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، قلن: نعم أنت أغلظ و أفظ. و كان عمر يفتي كثيرا بالحكم، ثم ينقضه و يفتي بضده و خلافه قضى في الجد مع الإخوة قضايا كثيرة مختلفة، ثم خاف من الحكم في هذه المسألة، فقال من أراد أن يتقحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه.

____________________

(١) الحمي أضرعتنى لك؛مثل يضرب فى الذل عنى الجاجة تنزل وورد المثل محرفا فى الأصول، والتصويب من الميدانى ٢٠٥:١، وعيون الأخبار ١٣٠:١، والعقد٢١٠:١.

١٨١

و قال مرة: لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي إلا ارتجعت ذلك منها، فقالت له امرأة: ما جعل الله لك ذلك، إنه تعالى قال:( وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً ) (١) ، فقال: كل النساء أفقه من عمر حتى ربات الحجال. ألا تعجبون من إمام أخطأ و امرأة أصابت فاضلت إمامكم ففضلته. و مر يوما بشاب من فتيان الأنصار و هو ظمآن فاستسقاه فجدح(٢) له ماء بعسل فلم يشربه و قال: إن الله تعالى يقول:( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ اَلدُّنْيا ) ، فقال له الفتى: يا أمير المؤمنين، إنها ليست لك و لا لأحد من هذه القبيلة، اقرأ ما قبلها( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى اَلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ اَلدُّنْيا ) (٣) ، فقال عمر: كل الناس أفقه من عمر. و قيل: إن عمر كان يعس بالليل فسمع صوت رجل و امرأة في بيت، فارتاب فتسور الحائط فوجد امرأة و رجلا و عندهما زق خمر، فقال: يا عدو الله، أكنت ترى أن الله يسترك و أنت على معصيته؟ قال: يا أميرالمؤمنين، إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث، قال الله تعالى:( وَ لا تَجَسَّسُوا ) (٤) و قد تجسست، و قال:( وَ أْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) (٥) و قد تسورت، و قال:( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا ) (٦) و ما سلمت. و قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و أنا محرمهما و معاقب عليهما، متعة النساء، و متعة الحج. و هذا الكلام و إن كان ظاهره منكرا فله عندنا مخرج و تأويل، و قد ذكره أصحابنا الفقهاء في كتبهم.

____________________

(١) سورة النساء ٢٠

(٢) جدح: خلط

(٣) سورة الأحقاف ٢٠

(٤) سورة الحجرات ١٢

(٥) سورة البقرة ١٨٩

(٦) سورة النور ٦١

١٨٢

و كان في أخلاق عمر و ألفاظه جفاء و عنجهية ظاهرة، يحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد و يتوهم من تحكى له أنه قصد بها ظاهرا ما لم يقصده، فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، و معاذ الله أن يقصد بها ظاهرها، و لكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته، و لم يتحفظ منها و كان الأحسن أن يقول مغمور أو مغلوب بالمرض، و حاشاه أن يعني بها غير ذلك. و لجفاة الأعراب من هذا الفن كثير، سمع سليمان بن عبد الملك أعرابيا يقول في سنة قحط:

رب العباد ما لنا و ما لكا

قد كنت تسقينا فما بدا لكا

أنزل علينا القطر لا أبا لكا

فقال: سليمان أشهد أنه لا أب له، و لا صاحبه، و لا ولد، فأخرجه أحسن مخرج(١) . و على نحو هذا يحتمل كلامه في صلح الحديبية لما قال للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : ألم تقل لنا ستدخلونها في ألفاظ نكره حكايتها حتى شكاه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) إلى أبي بكر، و حتى قال له أبو بكر الزم بغرزه(٢) فو الله إنه لرسول الله. و عمر هو الذي أغلظ على جبلة بن الأيهم حتى اضطره إلى مفارقة دار الهجرة بل مفارقة دار الإسلام كلها و عاد مرتدا داخلا في دين النصرانية لأجل لطمة لطمها و قال جبلة بعد ارتداده متندما على ما فعل:

تنصرت الأشراف من أجل لطمة

وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

فيا ليت أمي لم تلدني و ليتني

رجعت إلى القول الذي قاله عمر

____________________

(١) الخبر في الكامل ٧: ٥٤١ بشرح المرصفي

(٢) الغرز في الأصل: ركاب الرحل، وفى الكلام استعارة، والمراد هنا: اتبع قوله.وفى اللسان والنتهاية:"استمسك بغرزه"، ورواية ابن هشام:"الؤم غرزه".

١٨٣

(حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَى مَتَى اِعْتَرَضَ اَلرَّيْبُ فِيَّ مَعَ اَلْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أَقْرَنُ إِلَى هَذِهِ اَلنَّظَائِرِ لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَ مَالَ اَلآْخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ) اللام في يا لله، مفتوحة، و اللام في و للشورى مكسورة؛ لأن الأولى للمدعو و الثانية للمدعو إليه قال:

يا للرجال ليوم الأربعاء أما

ينفك يحدث لي بعد النهي طربا(١)

اللام في للرجال مفتوحة، و في ليوم مكسورة، و أسف الرجل إذا دخل في الأمر الدني‏ء أصله من أسف الطائر إذا دنا من الأرض في طيرانه و الضغن الحقد. و قوله: (مع هن و هن)، أي: مع أمور يكنى عنها و لا يصرح بذكرها و أكثر ما يستعمل ذلك في الشر قال(٢) :

على هنوات شرها متتابع

يقول: (عليه‌السلام ) إن عمر لما طعن جعل الخلافة في ستة هو (عليه‌السلام ) أحدهم، ثم تعجب من ذلك، فقال: متى اعترض الشك في مع أبي بكر حتى أقرن بسعد بن أبي وقاص، و عبد الرحمن بن عوف، و أمثالهما لكني طلبت الأمر، و هو موسوم بالأصاغر منهم كما طلبته أولا و هو موسوم بأكابرهم، أي: هو حقي فلا أستنكف من طلبه إن كان المنازع فيه جليل القدر أو صغير المنزلة. و صغا الرجل بمعنى مال الصغو الميل بالفتح و الكسر

____________________

(١) لعبى الله بن مسلم بن جندب فى الكامل ٢٧٠:٣ من غير نسبة، وهو أيظا من أبيات له رواها ثعب في المجلس ٤٧٤ وهي فى معجم البلدان١٣٦:١.

(٢) البيت في اللسان (٠٢: ٣٤٢) من غير نسبه، وأوله: * أرى ابن نزار قد جفاني وملني *

١٨٤

قصة الشورى

و صورة هذه الواقعة أن عمر لما طعنه أبو لؤلؤة و علم أنه ميت استشار فيمن يوليه الأمر بعده، فأشير عليه بابنه عبد الله، فقال: لاها الله إذا لا يليها رجلان من ولد الخطاب حسب عمر ما حمل، حسب عمر ما احتقب، لاها الله لا أتحملها حيا و ميتا، ثم قال إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) مات، و هو راض عن هذه الستة من قريش علي (عليه‌السلام )، و عثمان، و طلحة، و الزبير، و سعد، و عبد الرحمن بن عوف، و قد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم، ثم قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبابكر و إن أترك فقد ترك من هو خير مني يعني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، ثم قال: ادعوهم لي فدعوهم فدخلوا عليه، و هو ملقى على فراشه يجود بنفسه. فنظر إليهم فقال: أكلكم يطمع في الخلافة بعدي فوجموا، فقال لهم ثانية: فأجابه الزبير و قال: و ما الذي يبعدنا منها وليتها أنت فقمت بها و لسنا دونك في قريش و لا في السابقة و لا في القرابة. قال الشيخ أبو عثمان الجاحظ، و الله لو لا علمه أن عمر يموت في مجلسه ذلك لم يقدم على أن يفوه من هذا الكلام بكلمة، و لا أن ينبس منه بلفظة. فقال عمر: أفلا أخبركم عن أنفسكم. قال: قل فإنا لو استعفيناك لم تعفنا، فقال: أما أنت يا زبير، فوعق لقس(١) مؤمن الرضا كافر الغضب، يوما إنسان و يوما شيطان، و لعلها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير، أفرأيت إن أفضت إليك فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا و من يكون يوم تغضب، و ما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمة و أنت على هذه الصفة. ثم أقبل على طلحة و كان له مبغضا منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قال في عمر، فقال له أقول: أم أسكت؟ قال: قل فإنك لا تقول من الخير شيئا. قال: أما إني أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد و البأو(٢) الذي حدث لك و لقد مات رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )

____________________

(١) الوعق: الضجر المتبرم، واللقس: من لا يستقيم على وجه.

(٢) البأو: التكبر والفخر.ونقل صاحب اللسان عن ألفقهاء:"فى طلحة بأواء ".

١٨٥

ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب. قال شيخنا أبو عثمان الجاحظرحمه‌الله تعالى الكلمة المذكورة أن طلحة لما أنزلت آية الحجاب. قال بمحضر ممن نقل عنه إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ما الذي يغنيه حجابهن اليوم و سيموت غدا فننكحهن. قال أبو عثمان أيضا لو قال لعمر قائل أنت قلت: إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) مات، و هو راض عن الستة، فكيف تقول الآن لطلحة إنه مات (عليه‌السلام ) ساخطا عليك للكلمة التي قلتها لكان قد رماه بمشاقصه(١) ، و لكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا فكيف هذا. قال ثم أقبل على سعد بن أبي وقاص، فقال إنما أنت صاحب مقنب(٢) من هذه المقانب تقاتل به و صاحب قنص، و قوس، و أسهم، و ما زهرة(٣) ، و الخلافة، و أمور الناس. ثم أقبل على عبد الرحمن بن عوف، فقال: و أما أنت يا عبد الرحمن فلو وزن نصف إيمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك به و لكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك، و ما زهرة و هذا الأمر. ثم أقبل على علي (عليه‌السلام ) فقال لله أنت لو لا دعابة فيك أما، و الله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح و المحجة البيضاء، ثم أقبل على عثمان. فقال: هيها إليك كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك، فحملت بني أمية و بني أبي معيط على رقاب الناس و آثرتهم بالفي‏ء، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحا، و الله لئن فعلوا لتفعلن و لئن فعلت ليفعلن، ثم أخذ بناصيته. فقال فإذا كان ذلك فاذكر قولي فإنه كائن. ذكر هذا الخبر كله شيخنا أبو عثمان في كتاب السفيانية(٤) و ذكره جماعة غيره في باب فراسة عمر، و ذكر أبو عثمان في هذا الكتاب عقيب رواية هذا الخبر قال و روى

____________________

(١) المشاقص: جمع مشقص، وهو نصل السهم إذا كان طويلا

(٢) المقنب: جماعة الخيل.

(٣) زهرة: قبيلة سعد بن أبي وقاص

(٤) فى السعودى ٢٥٣:٣ أن الجاحظ ألف كتابا فى نصرة معاوية بن أبي سفيان.

١٨٦

معمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأهل الشورى إنكم إن تعاونتم و توازرتم، و تناصحتم أكلتموها و أولادكم، و إن تحاسدتم و تقاعدتم و تدابرتم، و تباغضتم غلبكم على هذا الأمر معاوية بن أبي سفيان و كان معاوية حينئذ أمير الشام. ثم رجع بنا الكلام إلى تمام قصة الشورى، ثم قال ادعوا إلي أبا طلحة الأنصاري فدعوه له، فقال: انظر يا أبا طلحة، إذا عدتم من حفرتي فكن في خمسين رجلا من الأنصار حاملي سيوفكم، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر و تعجيله و اجمعهم في بيت و قف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا و يختاروا واحدا منهم، فإن اتفق خمسة و أبى واحد فاضرب عنقه، و إن اتفق أربعة و أبى اثنان فاضرب أعناقهما، و إن اتفق ثلاثة و خالف ثلاثة، فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن فارجع إلى ما قد اتفقت عليه، فإن أصرت الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقها، و إن مضت ثلاثة أيام و لم يتفقوا على أمر فاضرب أعناق الستة، و دع المسلمين يختاروا لأنفسهم. فلما دفن عمر جمعهم أبو طلحة و وقف على باب البيت بالسيف في خمسين من الأنصار حاملي سيوفهم، ثم تكلم القوم و تنازعوا فأول ما عمل طلحة أنه أشهدهم على نفسه أنه قد وهب حقه من الشورى لعثمان، و ذلك لعلمه أن الناس لا يعدلون به عليا، و عثمان، و أن الخلافة لا تخلص له، و هذان موجودان فأراد تقوية أمر عثمان و إضعاف جانب علي (عليه‌السلام ) بهبة أمر لا انتفاع له به، و لا تمكن له منه. فقال الزبير في معارضته و أنا أشهدكم على نفسي أني قد وهبت حقي من الشورى لعلي، و إنما فعل ذلك؛ لأنه لما رأى عليا قد ضعف و انخزل بهبة طلحة حقه لعثمان دخلته حمية النسب؛ لأنه ابن عمة أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) و هي صفية بنت عبد المطلب و أبو طالب خاله، و إنما مال طلحة إلى عثمان لانحرافه عن علي (عليه‌السلام ) باعتبار أنه

١٨٧

تيمي، و ابن عم أبي بكر الصديق، و قد كان حصل في نفوس بني هاشم من بني تيم حنق شديد لأجل الخلافة، و كذلك صار في صدور تيم على بني هاشم، و هذا أمر مركوز في طبيعة البشر، و خصوصا طينة العرب و طباعها و التجربة إلى الآن تحقق ذلك فبقي من الستة أربعة. فقال سعد بن أبي وقاص: و أنا قد وهبت حقي من الشورى لابن عمي عبد الرحمن، و ذلك؛ لأنهما من بني زهرة و لعلم سعد أن الأمر لا يتم له فلما لم يبق إلا الثلاثة. قال: عبد الرحمن لعلي و عثمان أيكما يخرج نفسه من الخلافة و يكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين فلم يتكلم منهما أحد، فقال عبد الرحمن أشهدكم أنني قد أخرجت نفسي من الخلافة على أن أختار أحدهما فأمسكا فبدأ بعلي (عليه‌السلام )، و قال له: أبايعك على كتاب الله و سنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و سيرة الشيخين أبي بكر و عمر، فقال: بل على كتاب الله و سنة رسوله و اجتهاد رأيي، فعدل عنه إلى عثمان فعرض ذلك عليه، فقال: نعم فعاد إلى علي (عليه‌السلام ) فأعاد قوله فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثا، فلما رأى أن عليا غير راجع عما قاله، و أن عثمان ينعم له(١) بالإجابة ف صفق(٢) على يد عثمان و قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فيقال: إن عليا (عليه‌السلام ) قال له: و الله ما فعلتها إلا؛ لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه دق الله بينكما عطر منشم(٣) . قيل: ففسد بعد ذلك بين عثمان، و عبد الرحمن، فلم يكلم أحدهما صاحبه حتى مات عبد الرحمن

____________________

(١) أنعم له، إذا قال مجيبا " نعم ".

(٢) يقال: صفق يده صفقا أى ضرب بيده.

(٣) قال الأصمعي: منشم، بكسر الشين: اسم امرأة كانت بمكة عطارة، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيبوا من طيبها، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم، فكان يقال: أشأم من عطر منشم، فصار مثلا. صحاح الجوهري ٥: ٢٠٤١

١٨٨

، ثم نرجع إلى تفسير ألفاظ الفصل أما قوله (عليه‌السلام ) : فصغا رجل منهم لضغنه فإنه يعني طلحة و قال القطب الراوندي يعني سعد بن أبي وقاص؛ لأن عليا (عليه‌السلام ) قتل أباه يوم بدر و هذا خطأ، فإن أباه أبو وقاص و اسمه مالك بن أهيب، بن عبد مناف، بن زهرة، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، مات في الجاهلية حتف أنفه. و أما قوله: و مال الآخر لصهره يعني عبد الرحمن مال إلى عثمان؛ لأن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت تحته، و أم كلثوم هذه هي أخت عثمان من أمه أروى بنت كريز. و روى القطب الراوندي أن عمر لما قال كونوا مع الثلاثة التي عبد الرحمن فيها. قال: ابن عباس لعلي (عليه‌السلام ) ذهب الأمر منا الرجل يريد أن يكون الأمر في عثمان فقال علي (عليه‌السلام ) : و أنا أعلم ذلك و لكني أدخل معهم في الشورى؛ لأن عمر قد أهلني الآن للخلافة و كان قبل ذلك(١) يقول إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال إن النبوة و الإمامة لا يجتمعان في بيت، فأنا(٢) أدخل في ذلك لأظهر للناس مناقضة فعله لروايته الذي ذكره(٣) الراوندي غير معروف، و لم ينقل عمر هذا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و لكنه قال لعبد الله بن عباس يوما يا عبد الله، ما تقول منع قومكم منكم(٤) ؟. قال: لا أعلم يا أمير المؤمنين، قال اللهم غفرا إن قومكم كرهوا أن تجتمع لكم النبوة و الخلافة فتذهبون في السماء بذخا و شمخا لعلكم تقولون إن أبا بكر أراد الإمرة عليكم و هضمكم كلا لكنه حضره أمر لم يكن عنده أحزم مما فعل، و لولا رأي أبي بكر

____________________

(١) كلمة " ذلك " ساقطة من ب

(٢) ا: " وأنا "

(٣) ب " رواه "

(٤) كذا فى الأصول وربما كانت كلمة"تقول"مقحمة، أوتكون بمعنى الظن.وفى تاريخ الطبرى:"أتدرى مامنع وقمكم منكم".

١٨٩

في بعد موته لأعاد أمركم إليكم، و لو فعل ما هنأكم مع قومكم إنهم لينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره. فأما الرواية التي جاءت بأن طلحة لم يكن حاضرا يوم الشورى، فإن صحت فذو الضغن هو سعد بن أبي وقاص؛ لأن أمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس، و الضغينة التي عنده على علي (عليه‌السلام ) من قبل أخواله الذين قتل صناديدهم و تقلد دماءهم، و لم يعرف أن عليا (عليه‌السلام ) قتل أحدا من بني زهرة لينسب الضغن إليه. و هذه الرواية هي التي اختارها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب؟ التاريخ، قال: لما طعن عمر(١) قيل له: لو استخلفت يا أمير المؤمنين ، فقال: من أستخلف٢) لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته(٣) و قلت لربي لو سألني سمعت نبيك، يقول أبو عبيدة أمين هذه الأمة(٤) و لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا استخلفته و قلت لربي إن سألني(٥) سمعت نبيك (عليه‌السلام ) يقول: إن سالما شديد الحب لله فقال له رجل ول(٦) عبد الله بن عمر، فقال قاتلك الله و الله ما الله أردت بهذا الأمر، ويحك(٢) كيف أستخلف رجلا عجز عن طلاق امرأته لا أرب لعمر في خلافتكم(٧) ما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي إن تك خيرا فقد أصبنا منه و إن تك شرا يصرف عنا(٨) حسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد و يسأل عن أمر أمة محمد. فخرج الناس من عنده، ثم راحوا إليه فقالوا له لو عهدت عهدا، قال: قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم(١) أن أولي أمركم رجلا هو أحراكم أن يحملكم على الحق

____________________

(١) تاريخ الرسل والملوك ٢٢٧:٤ وما بعدها، مع تصرف واختصار.

(٢) تكملة من تاريخ الطبري

(٣) الطبري: " استخلفته "

(٤) الطبري: " أدلك عليه؟ عبد الله بن عمر "

(٥) الطبري: " فإن سألني ربى قلت... "

(٦) الطبري: " إنه أمين هذه الأمة "

(٧) الطبري: " أموركم "

(٨) فى الطبري: "فشر عنا آل عمر".

١٩٠

و أشار إلى علي (عليه‌السلام ) فرهقتني غشية فرأيت رجلا يدخل جنة قد غرسها(١) ، فجعل يقطف كل غضة و يانعة فيضمها إليه و يصيرها تحته فخفت أن أتحملها حيا، و ميتا و علمت أن الله غالب أمره عليكم بالرهط الذي قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) عنهم إنهم من أهل الجنة، ثم ذكر خمسة عليا، و عثمان، و عبد الرحمن، و الزبير، و سعدا. قال و لم يذكر في هذا المجلس طلحة و لا كان طلحة يومئذ بالمدينة، ثم قال لهم انهضوا إلى حجرة عائشة فتشاوروا فيها، و وضع رأسه و قد نزفه الدم. فقال العباس لعلي (عليه‌السلام ) : لا تدخل معهم و ارفع نفسك عنهم. قال: إني أكره الخلاف. قال: إذن ترى ما تكره، فدخلوا الحجرة فتناجوا حتى ارتفعت أصواتهم، فقال عبد الله بن عمر إن أمير المؤمنين لم يمت بعد ففيم هذا اللغط، و انتبه عمر و سمع الأصوات، فقال ليصل بالناس صهيب و لا يأتين اليوم الرابع من يوم موتي إلا و عليكم أمير و ليحضر عبد الله بن عمر مشيرا و ليس له شي‏ء من الأمر، و طلحة بن عبيد الله شريككم في الأمر، فإن قدم إلى ثلاثة أيام فأحضروه أمركم و إلا فأرضوه، و من لي برضا طلحة، فقال: سعد أنا لك به و لن يخالف إن شاء الله تعالى. ثم ذكر وصيته لأبي طلحة الأنصاري و ما خص به عبد الرحمن بن عوف من كون الحق في الفئة التي هو فيها، و أمره بقتل من يخالف ثم خرج الناس، فقال علي (عليه‌السلام ) لقوم معه من بني هاشم إن أطيع فيكم قومكم من قريش لم تؤمروا أبدا، و قال للعباس عدل بالأمر عني يا عم قال: و ما علمك قال قرن بي عثمان، و قال عمر كونوا مع الأكثر فإن رضي رجلان رجلا و رجلان رجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن، فسعد لا يخالف ابن عمه و عبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان فيوليها أحدهما الآخر، فلو كان الآخران معي لم يغنيا شيئا، فقال العباس: لم أدفعك إلى شي‏ء إلا رجعت إلي

____________________

(١) من الطبرى.

١٩١

مستأخرا بما أكره أشرت عليك عند مرض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أن تسأله عن هذا الأمر فيمن هو، فأبيت و أشرت عليك عند وفاته أن تعاجل البيعة(١) فأبيت، و قد أشرت عليك حين سماك عمر في الشورى اليوم أن ترفع نفسك عنها، و لا تدخل معهم فيها فأبيت، فاحفظ عني واحدة كلما عرض عليك القوم الأمر، فقل لا إلا أن يولوك، و اعلم أن هؤلاء لا يبرحون يدفعونك عن هذا الأمر حتى يقوم لك به غيرك، و ايم الله لا تناله إلا بشر لا ينفع معه خير. فقال (عليه‌السلام ) : أما إني أعلم أنهم سيولون عثمان، و ليحدثن البدع و الأحداث و لئن بقي لأذكرنك، و إن قتل أو مات ليتداولنها بنو أمية بينهم، و إن كنت حيا لتجدني حيث تكرهون، ثم تمثل:

حلفت برب الراقصات عشية

غدون خفافا يبتدرن المحصبا(٢)

ليجتلبن رهط ابن يعمر غدوة(٣)

نجيعا بنو الشداخ وردا مصلبا

قال ثم التفت فرأى أبا طلحة الأنصاري فكره مكانه، فقال أبو طلحة لا ترع أبا حسن، فلما مات عمر و دفن و خلوا بأنفسهم للمشاورة في الأمر، و قام أبو طلحة يحجبهم بباب البيت جاء عمرو بن العاص، و المغيرة بن شعبة فجلسا بالباب، فحصبهما سعد و أقامهما، و قال: إنما تريدان أن تقولا حضرنا و كنا في أصحاب الشورى. فتنافس القوم في الأمر و كثر بينهم الكلام. فقال أبو طلحة: أنا كنت؛ لأن تدافعوها أخوف مني عليكم أن تنافسوها أما و الذي ذهب بنفس عمر لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي وقفت لكم فاصنعوا ما بدا لكم. قال ثم إن عبد الرحمن قال لابن عمه سعد بن أبي وقاص إني قد كرهتها، و سأخلع نفسي منها؛ لأني رأيت الليلة روضة خضراء كثيرة العشب، فدخل فحل ما رأيت

____________________

(١) الطبري: " الامر "

(٢) الطبري: " فابتدرن ".

(٣) الطبري: ليختلن رهط ابن يعمر مارئا"، وابن الأثير ٣٦:٣:"ليختلين رهط ابن يعمر فارسا".

١٩٢

أكرم منه، فمر كأنه سهم لم يلتفت إلى شي‏ء منها حتى قطعها لم يعرج و دخل بعير يتلوه تابع أثره حتى خرج منها، ثم دخل فحل عبقري يجر خطامه، و مضى قصد الأولين، ثم دخل بعير رابع فوقع في الروضة يرتع و يخضم، و لا و الله لا أكون الرابع و إن أحدا لا يقوم مقام أبي بكر و عمر فيرضى الناس عنه. ثم ذكر خلع عبد الرحمن نفسه من الأمر على أن يوليها أفضلهم في نفسه، و أن عثمان أجاب إلى ذلك و أن عليا (عليه‌السلام ) سكت، فلما روجع رضي على موثق أعطاه عبد الرحمن أن يؤثر الحق، و لا يتبع الهوى، و لا يخص ذا رحم، و لا يألو الأمة نصحا و أن عبد الرحمن ردد القول بين علي (عليه‌السلام )، و عثمان متلوما، و أنه خلا بسعد تارة و بالمسور بن مخرمة الزهري تارة أخرى، و أجال فكره و أعمل نظره و وقف موقف الحائر بينهما قال: قال علي (عليه‌السلام ) لسعد بن أبي وقاص: يا سعد، (اِتَّقُوا اَللَّهَ اَلَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ اَلْأَرْحامَ) أسألك برحم ابني هذا من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و برحم عمي حمزة منك، ألا تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيرا قلت رحم حمزة من سعد هي أن أم حمزة هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة و هي أيضا أم المقوم و حجفل و اسمه المغيرة، و الغيداق أبناء عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، هؤلاء الأربعة بنو عبد المطلب من هالة، و هالة هذه هي عمة سعد بن أبي وقاص، فحمزة إذن ابن عمة سعد، و سعد ابن خال حمزة. قال أبو جعفر: فلما أتى اليوم الثالث جمعهم عبد الرحمن و اجتمع الناس كافة فقال: عبد الرحمن أيها الناس أشيروا علي في هذين الرجلين، فقال عمار بن ياسر: إن أردت ألا يختلف الناس فبايع عليا (عليه‌السلام )، فقال المقداد: صدق عمار، و إن بايعت عليا سمعنا و أطعنا. فقال عبد الله بن أبي سرح: إن أردت ألا تختلف قريش

١٩٣

فبايع عثمان. قال عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي: صدق إن بايعت عثمان سمعنا و أطعنا، فشتم عمار ابن أبي سرح و قال له: متى كنت تنصح الإسلام(١) . فتكلم بنو هاشم، و بنو أمية، و قام عمار فقال: أيها الناس، إن الله أكرمكم بنبيه و أعزكم بدينه فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم. فقال رجل من بني مخزوم: لقد عدوت طورك يا ابن سمية، و ما أنت و تأمير قريش لأنفسها. فقال سعد: يا عبد الرحمن، افرغ من أمرك قبل أن يفتتن الناس فحينئذ عرض عبد الرحمن على علي (عليه‌السلام ) العمل بسيرة الشيخين، فقال: (بل أجتهد برأيي) فبايع عثمان بعد أن عرض عليه، فقال: نعم. فقال علي (عليه‌السلام ) : (ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اَللَّهُ اَلْمُسْتَعانُ عَلى‏ ما تَصِفُونَ و الله ما وليته الأمر إلا ليرده إليك و الله كل يوم في شأن). فقال عبد الرحمن: لا تجعلن على نفسك سبيلا يا علي، يعني: أمر عمر أبا طلحة أن يضرب عنق المخالف، فقام علي (عليه‌السلام ) فخرج و قال: (سيبلغ الكتاب أجله)، فقال عمار: يا عبد الرحمن، أما و الله لقد تركته و إنه من الذين يقضون بالحق و به كانوا يعدلون. فقال المقداد: تالله ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم وا عجبا لقريش لقد تركت رجلا ما أقول و لا أعلم أن أحدا أقضى بالعدل، و لا أعلم، و لا أتقى منه، أما و الله لو أجد أعوانا. فقال عبد الرحمن: اتق الله يا مقداد، فإني خائف عليك الفتنة.

و قال علي (عليه‌السلام ) : (إني لأعلم ما في أنفسهم إن الناس ينظرون إلى قريش، و قريش تنظر في صلاح شأنها فتقول إن ولي الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبدا، و ما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش). قال و قدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان فتلكأ ساعة، ثم بايع.

____________________

(١) الطبري: "المسلمين".

١٩٤

و روى أبو جعفر رواية أخرى أطالها و ذكر خطب أهل الشورى، و ما قاله كل منهم و ذكر كلاما قاله علي (عليه‌السلام ) في ذلك اليوم، و هو: (الحمد لله الذي اختار محمدا منا نبيا، و ابتعثه إلينا رسولا، فنحن أهل بيت النبوة، و معدن الحكمة أمان لأهل الأرض و نجاة لمن طلب، إن لنا حقا إن نعطه نأخذه و إن نمنعه نركب أعجاز الإبل و إن طال السرى، لو عهد إلينا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) عهدا لأنفذنا عهده و لو قال لنا قولا لجالدنا عليه حتى نموت لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق، و صلة رحم و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، اسمعوا كلامي و عوا منطقي عسى أن تروا هذا الأمر بعد هذا الجمع تنتضى فيه السيوف، و تخان فيه العهود حتى لا يكون لكم جماعة و حتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة و شيعة لأهل الجهالة). قلت: و قد ذكر الهروي(١) في كتاب الجمع بين الغريبين قوله و إن نمنعه نركب أعجاز الإبل و فسره على وجهين: أحدهما: أن من ركب عجز البعير يعاني مشقة و يقاسي جهدا، فكأنه قال: و إن نمنعه نصبر على المشقة كما يصبر عليها راكب عجز البعير. و الوجه الثاني: أنه أراد نتبع غيرنا كما أن راكب عجز البعير يكون رديفا لمن هو أمامه، فكأنه قال: و إن نمنعه نتأخر و نتبع غيرنا كما يتأخر راكب البعير.

____________________

(١) هو أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي، صيف كتابه في الجمع بين غريبي القرآن والحديث.

١٩٥

و قال أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل: استجيبت دعوة علي (عليه‌السلام ) في عثمان، و عبد الرحمن، فما ماتا إلا متهاجرين متعاديين أرسل عبد الرحمن إلى عثمان يعاتبه، و قال لرسوله: قل له، لقد وليتك ما وليتك من أمر الناس و إن لي لأمورا ما هي لك شهدت بدرا، و ما شهدتها و شهدت بيعة الرضوان و ما شهدتها، و فررت يوم أحد و صبرت. فقال عثمان لرسوله: قل له، أما يوم بدر فإن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ردني إلى ابنته لما بها من المرض، و قد كنت خرجت للذي خرجت له و لقيته عند منصرفه، فبشرني بأجر مثل أجوركم و أعطاني سهما مثل سهامكم، و أما بيعة الرضوان فإنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) بعثني أستأذن قريشا في دخوله إلى مكة، فلما قيل له إني قتلت بايع المسلمين على الموت لما سمعه عني، و قال إن كان حيا فأنا أبايع عنه و صفق بإحدى يديه على الأخرى، و قال يساري خير من يمين عثمان فيدك أفضل أم يد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )؟ و أما صبرك يوم أحد و فراري فلقد كان ذلك فأنزل الله تعالى العفو عني في كتابه فعيرتني بذنب غفره الله لي، و نسيت من ذنوبك ما لا تدري أغفر لك أم لم يغفر. لما بنى عثمان قصره طمار(١) بالزوراء و صنع طعاما كثيرا، و دعا الناس إليه كان فيهم عبد الرحمن فلما نظر للبناء و الطعام، قال: يا ابن عفان، لقد صدقنا عليك ما كنا نكذب فيك و إني أستعيذ بالله من بيعتك، فغضب عثمان و قال: أخرجه عني يا غلام، فأخرجوه و أمر الناس ألا يجالسوه ف، لم يكن يأتيه أحد إلا ابن عباس كان يأتيه فيتعلم منه القرآن و الفرائض، و مرض عبد الرحمن فعاده عثمان و كلمه فلم يكلمه حتى مات

____________________

(١) طمار:موضع عنى سوق المدينة، ذكرة ياقوت.

١٩٦

(إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ اَلْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اَللَّهِ خَضْمَ خِضْمَةَ اَلْإِبِلِ نِبْتَةَ اَلرَّبِيعِ إِلَى أَنِ اِنْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَ كَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ)، نافجا حضنيه رافعا لهما، و الحضن ما بين الإبط و الكشح، يقال للمتكبر جاء نافجا حضنيه، و يقال لمن امتلأ بطنه طعاما جاء نافجا حضنيه و مراده (عليه‌السلام ) هذا الثاني، و النثيل الروث و المعتلف موضع العلف يريد أن همه الأكل و الرجيع، و هذا من ممض الذم و أشد من قول الحطيئة الذي قيل إنه أهجى بيت للعرب:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي(١)

و الخضم أكل بكل الفم، و ضده القضم، و هو الأكل بأطراف الأسنان، و قيل الخضم أكل الشي‏ء الرطب، و القضم أكل الشي‏ء اليابس، و المراد على التفسيرين لا يختلف، و هو أنهم على قدم عظيمة من النهم، و شدة الأكل، و امتلاء الأفواه، و قال أبو ذررحمه‌الله تعالى إن بني أمية يخضمون، و نقضم و الموعد لله، و الماضي خضمت بالكسر و مثله قضمت. و النبتة بكسر النون كالنبات تقول نبت الرطب نباتا، و نبتة و انتكث فتله انتقض، و هذه استعارة، و أجهز عليه عمله تمم قتله يقال أجهزت على الجريح مثل: ذففت إذا أتممت قتله و كبت به بطنته كبا الجواد إذا سقط لوجهه، و البطنة الإسراف في الشبع

____________________

(١) ديوانه ٥٤

١٩٧

نتف من أخبار عثمان بن عفان

و ثالث القوم هو عثمان بن عفان، بن أبي العاص؛ بن أمية بن، عبد شمس، بن عبد مناف، كنيته أبو عمرو، و أمه أروى بنت كريز، بن ربيعة، بن حبيب، بن عبد شمس. بايعه الناس بعد انقضاء الشورى، و استقرار الأمر له، و صحت فيه فراسة عمر، فإنه أوطأ بني أمية رقاب الناس و ولاهم الولايات، و أقطعهم القطائع، و افتتحت إفريقية في أيامه فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان، فقال عبد الرحمن بن حنبل الجمحي:

أحلف بالله رب الأنام

ما ترك الله شيئا سدى

ولكن خلقت لنا فتنة

لكي نبتلى بك أو تبتلى

فإن الأمينين قد بينا

منار الطريق عليه الهدى

فما أخذا درهما غيلة

و لا جعلا درهما في هوى

و أعطيت مروان خمس البلاد

فهيهات سعيك ممن سعى

الأمينان أبوبكر و عمر. و طلب منه عبد الله بن خالد بن أسيد صلة، فأعطاه أربعمائة ألف درهم. و أعاد الحكم بن أبي العاص بعد أن كان(١) رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قد سيره ثم لم يرده أبوبكر و لا عمر، و أعطاه مائة ألف درهم. و تصدق رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) بموضع سوق بالمدينة يعرف بمهزور على المسلمين، فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم. و أقطع مروان فدك(٢) ، و قد كانت فاطمة (سلام الله عليها) طلبتها بعد وفاة أبيها (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )

____________________

(١) كلمة " كان " ساقطة من ب

(٢) فدك: قربة بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، أفاءها الله على رسوله في سنة سبع صلحا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل خيبر، وفتح حصونها، ولم يبق إلا ثلث، واشتد بهم الحصار، راسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن ينزلهم على الجلاء، وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك، فأرسلوا إلى رسول الله أن يصالحهم على النصف من ثمارها وأموالهم فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه. معجم البلدان ٦: ٣٤٣

١٩٨

تارة بالميراث، و تارة بالنحلة فدفعت عنها، و حمى المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين، كلهم إلا عن بني أمية. و أعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقية بالمغرب، و هي من طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين. و أعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال، و قد كان زوجه ابنته أم أبان فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح، فوضعها بين يدي عثمان و بكى، فقال عثمان: أتبكي أن وصلت رحمي. قال: لا و لكن أبكي؛ لأني أظنك أنك أخذت هذا المال عوضا عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، و الله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا. فقال: ألق المفاتيح يا ابن أرقم، فأنا سنجد غيرك. و أتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة فقسمها كلها في بني أمية، و أنكح الحارث بن الحكم ابنته عائشة، فأعطاه مائة ألف من بيت المال أيضا بعد صرفه زيد بن أرقم عن خزنة. و انضم إلى هذه الأمور أمور أخرى نقمها عليه المسلمون، كتسيير أبي ذررحمه‌الله تعالى إلى الربذة، و ضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر أضلاعه، و ما أظهر من الحجاب و العدول عن طريقة عمر في إقامة الحدود، و رد المظالم، و كف الأيدي العادية، و الانتصاب لسياسة الرعية، و ختم ذلك ما وجدوه من كتابه إلى معاوية(١) يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين، و اجتمع عليه كثير من أهل المدينة مع القوم الذين وصلوا من مصر لتعديد أحداثه عليه فقتلوه. و قد أجاب أصحابنا عن المطاعن في عثمان بأجوبة مشهورة مذكورة في كتبهم، و الذي نقول نحن إنها و إن كانت أحداثا إلا أنها لم تبلغ المبلغ الذي يستباح به دمه

____________________

(١) كلاا فى جميع الأصول؛ ويرى الأستاذ مكى السيى جاسم أن الصحيح أن الكتاب الذي وجودوه ممه موجه إلى عبد الله بن أبي سرح لا إلى معاوية.

١٩٩

و قد كان الواجب عليهم أن يخلعوه من الخلافة حيث لم يستصلحوه لها و لا يعجلوا بقتله و أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) أبرأ الناس من دمه، و قد صرح بذلك في كثير من كلامه من ذلك قوله (عليه‌السلام ) : (و الله ما قتلت عثمان و لا مالأت على قتله و صدق (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ وَ اَلنَّاسُ إِلَيَّ كَعُرْفِ اَلضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ اَلْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَايَ [ عِطَافِي ] مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ اَلْغَنَمِ فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ فَسَقَ قَسَطَ [ فَسَقَ ] آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلاَمَ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ حَيْثُ يَقُولُ( تِلْكَ اَلدَّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ اَلْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (١) بَلَى وَ اَللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا وَ لَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ اَلدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا)، عرف الضبع ثخين و يضرب به المثل في الازدحام، و ينثالون يتتابعون مزدحمين، و الحسنان الحسن و الحسين (عليه‌السلام )، و العطفان الجانبان من المنكب إلى الورك، و يروى عطافي و العطاف الرداء، و هو أشبه بالحال إلا أن الرواية الأولى أشهر و المعنى خدش جانباي لشدة الاصطكاك منهم و الزحام، و قال القطب الراوندي: الحسنان إبهاما الرجل و هذا لا أعرفه.

____________________

(١) سورة القصص ٨٣

٢٠٠

و قوله كربيضة الغنم أي كالقطعة الرابضة من الغنم يصف شدة ازدحامهم حوله و جثومهم بين يديه. و قال القطب الراوندي يصف بلادتهم و نقصان عقولهم؛ لأنالغنم توصف بقلة الفطنة و هذا التفسير بعيد و غير مناسب للحال. فأما الطائفة الناكثة فهم أصحاب الجمل و أما الطائفة الفاسقة فأصحاب صفين و سماهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) القاسطين و أما الطائفة المارقة فأصحاب النهروان و أشرنا نحن بقولنا سماهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) القاسطين إلى

قوله (عليه‌السلام ) : ستقاتل بعدي الناكثين و القاسطين و المارقين، و هذا الخبر من دلائل نبوته (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ؛ لأنه إخبار صريح بالغيب لا يحتمل التمويه و التدليس، كما تحتمله الأخبار المجملة و صدق قوله (عليه‌السلام ) و المارقين، قوله أولا في الخوارج يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، و صدق قوله (عليه‌السلام ) الناكثين كونهم نكثوا البيعة بادئ بدء، و قد كان (عليه‌السلام ) يتلو وقت مبايعتهم له:( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ ) (1) . و أما أصحاب صفين فإنهم عند أصحابنا رحمهم الله مخلدون في النار لفسقهم، فصح فيهم قوله تعالى:( وَ أَمَّا اَلْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ) (2) . و قوله (عليه‌السلام ) : حليت الدنيا في أعينهم تقول حلا الشي‏ء في فمي يحلو و حلي لعيني يحلى و الزبرج الزينة من وشي أو غيره، و يقال الزبرج الذهب. فأما الآية فنحن نذكر بعض ما فيها، فنقول إنه تعالى لم يعلق الوعد بترك العلو في الأرض و الفساد، و لكن بترك إرادتهما و هو كقوله تعالى:( وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ

____________________

(1) سورة الفتح 10

(2) سورة الجن 15

٢٠١

ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ اَلنَّارُ ) (1) علق الوعيد بالركون إليهم و الميل معهم و هذا شديد في الوعيد.

و يروى عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) أنه قال إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أحسن من شراك نعل صاحبه، فيدخل تحت هذه الآية و يقال إن عمر بن عبد العزيز كان يرددها حتى قبض: (أَمَا وَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَوْ لاَ حُضُورُ اَلْحَاضِرِ وَ قِيَامُ اَلْحُجَّةِ بِوُجُودِ اَلنَّاصِرِ وَ مَا أَخَذَ اَللَّهُ عَلَى اَلْعُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لاَ سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ فلق الحبة من قوله تعالى( فالِقُ اَلْحَبِّ وَ اَلنَّوى) (2) و النسمة كل ذي روح من البشر خاصة. قوله: لو لا حضور الحاضر يمكن أن يريد به لو لا حضور البيعة، فإنها بعد عقدها تتعين المحاماة عنها، و يمكن أن يريد بالحاضر من حضره من الجيش الذين يستعين بهم على الحرب و الكظة بكسر الكاف ما يعتري الإنسان من الثقل، و الكرب عند الامتلاء من الطعام و السغب الجوع، و قولهم قد ألقى فلآن حبل فلآن على غاربه

____________________

(1) سورة هود 113

(2) سورة الأنعام 95

٢٠٢

أي: تركه هملا يسرح حيث يشاء من غير وازع و لا مانع، و الفقهاء يذكرون هذه اللفظة في كنايات الطلاق و عفطة عنز ما تنثره من أنفها عفطت تعفط بالكسر، و أكثر ما يستعمل ذلك في النعجة، فأما العنز فالمستعمل الأشهر فيها النفطة بالنون، و يقولون ما له عافط و لا نافط، أي: نعجة و لا عنز فإن قيل أ يجوز أن يقال العفطة هاهنا الحبقة، فإن ذلك يقال في العنز خاصة عفطت تعفط قيل ذلك جائز إلا أن الأحسن و الأليق بكلام أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) التفسير الأول فإن جلالته، و سؤدده تقتضي أن يكون ذاك أراد لا الثاني فإن صح أنه لا يقال في العطسة عفطة إلا للنعجة قلنا إنه استعمله في العنز مجازا. يقول (عليه‌السلام ) : لو لا وجود من ينصرني لا كما كانت الحال عليها أولا بعد وفاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، فإني لم أكن حينئذ واجدا للناصر مع كوني مكلفا إلا أمكن الظالم من ظلمه لتركت الخلافة و لرفضتها الآن كما رفضتها قبل، و لوجدتم هذه الدنيا عندي أهون من عطسة عنز، و هذا إشارة إلى ما يقوله أصحابنا من وجوب النهي عن المنكر عند التمكن: (قَالُوا وَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلسَّوَادِ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا اَلْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ فَنَاوَلَهُ كِتَاباً قِيلَ إِنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَانَ يُرِيدُ اَلْإِجَابَةَ عَنْهَا فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ [ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ ] قَالَ لَهُ اِبْنُ عَبَّاسٍرضي‌الله‌عنه مَا يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ لَوِ اِطَّرَدَتْ مَقَالَتُكَ خُطْبَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ فَقَالَ هَيْهَاتَ يَا اِبْنَ عَبَّاسٍ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَوَاللَّهِ مَا أَسَفْتُ عَلَى كَلاَمٍ قَطُّ كَأَسَفِي عَلَى هَذَا اَلْكَلاَمِ أَلاَّ يَكُونَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ بَلَغَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ)

٢٠٣

قوله: (عليه‌السلام ) في هذه الخطبة كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، و إن أسلس لها تقحم يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام، و هي تنازعه رأسها خرم أنفها، و إن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها يقال أشنق الناقة إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه و شنقها أيضا، ذكر ذلك ابن السكيت في إصلاح المنطق و إنما قال (عليه‌السلام ) أشنق لها و لم يقل أشنقها؛ لأنه جعله في مقابلة قوله أسلس لها، فكأنه قال إن رفع لها رأسها بالزمام، يعني أمسكه عليها و في الحديث أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) خطب على ناقة و قد شنق لها فهي تقصع بجرتها، و من الشاهد على أن أشنق بمعنى شنق قول عدي بن زيد العبادي:

ساءها ما لها تبين في الأيدي

وإشناقها إلى الأعناق

سمي السواد سوادا لخضرته بالزروع، و الأشجار و النخل، و العرب تسمي الأخضر أسود قال سبحانه:( مُدْهامَّتانِ ) (1) يريد الخضرة، و قوله لو اطردت مقالتك، أي: أتبعت الأول قولا ثانيا من قولهم اطرد النهر إذا تتابع جريه. و قوله: من حيث أفضيت أصل أفضى خرج إلى الفضاء فكأنه شبهه (عليه‌السلام ) حيث سكت عما كان يقوله بمن خرج من خباء أو جدار إلى فضاء من الأرض و ذلك؛ لأن النفس و القوى و الهمة عند ارتجال الخطب و الأشعار تجتمع إلى القلب، فإذا قطع الإنسان و فرغ تفرقت و خرجت عن حجر الاجتماع و استراحت

____________________

سورة الرحمن 64.

٢٠٤

و الشقشقة بالكسر فيهما شي‏ء يخرجه البعير من فيه إذا هاج، و إذا قالوا للخطيب ذو شقشقة فإنما شبهوه بالفحل و الهدير صوتها. و أما قول ابن عباس ما أسفت على كلام إلى آخره، فحدثني شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي(1) في سنة ثلاث و ستمائة، قال: قرأت على الشيخ أبي محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة، فلما انتهيت إلى هذا الموضع، قال لي: لو سمعت ابن عباس يقول هذا لقلت له، و هل بقي في نفس ابن عمك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة لتتأسف، ألا يكون بلغ من كلامه ما أراد و الله ما رجع عن الأولين و لا عن الآخرين و لا بقي في نفسه أحد لم يذكره إلا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ). قال مصدق و كان ابن الخشاب صاحب دعابة و هزل قال: فقلت له أ تقول إنها منحولة: فقال لا و الله و إني لأعلم أنها كلامه كما أعلم أنك مصدق. قال: فقلت له إن كثيرا من الناس يقولون إنها من كلام الرضيرحمه‌الله تعالى، فقال: أنى للرضي و لغير الرضي هذا النفس و هذا الأسلوب قد وقفنا على رسائل الرضي، و عرفنا طريقته و فنه في الكلام المنثور، و ما يقع مع هذا الكلام في خل و لا خمر، ثم قال و الله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة و لقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها، و أعرف خطوط من هو من العلماء و أهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي. قلت: و قد وجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي(2)

____________________

(1) مصدق بن شبيب بن الحسين الصلحي الواسطي، ذكره القفطي في إنباه الرواة (274:3)، وقال إنه قدم بغداد، وقرأ بها على ابن الخشاب وحبشي بن محمد الضرير، وعبد الرحمن بن الأنباري وغيرهم، وتوفى ببغداد سنة 605

(2) أبو القاسم البلخي، ذكره ابن النديم وقال: " كان من أهل بلخ، يطوف البلاد ويجول الأرض، حسن المعرفة عبد الله بن أحمد بالفلسفة والعلوم القديمة... ورأيت بخطه شيئا كثيرا في علوم كثيرة مسودات ودساتير، يخرج منها إلى الناس كتاب تام " الفهرست 299. وابن خلكان 252:1

٢٠٥

إمام البغداديين من المعتزلة و كان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة، و وجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلمي الإمامية(1) ، و هو الكتاب المشهور المعروف بكتاب الإنصاف، و كان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخيرحمه‌الله تعالى و مات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضيرحمه‌الله تعالى موجودا

____________________

(1) هو أبو جعفر بن قبة، من متكلمي الشيعة وحذاقهم، وله من الكتب كتاب الانصاف في الإمامة، الفهرست 176

٢٠٦

4. و من خطبة له (عليه‌السلام )

) بِنَا اِهْتَدَيْتُمْ فِي اَلظَّلْمَاءِ وَ تَسَنَّمْتُمُ تَسَنَّمْتُمْ ذُرْوَةَ اَلْعَلْيَاءَ(1) وَ بِنَا اِنْفَجَرْتُمْ أَفْجَرْتُمْ [ اِنْفَجَرْتُمْ ] عَنِ السِّرَارِ وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ [ يَسْمَعِ ] اَلْوَاعِيَةَ وَ كَيْفَ يُرَاعِي اَلنَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ اَلصَّيْحَةُ رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ اَلْخَفَقَانُ مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ اَلْغَدْرِ وَ أَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ اَلْمُغْتَرِّينَ حَتَّى سَتَرَنِي عَنْكُمْ جِلْبَابُ اَلدِّينِ وَ بَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ اَلنِّيَّةِ أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ اَلْحَقِّ فِي جَوَادِّ اَلْمَضَلَّةِ حَيْثُ تَلْتَقُونَ وَ لاَ دَلِيلَ وَ تَحْتَفِرُونَ وَ لاَ تُمِيهُونَ اَلْيَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ اَلْعَجْمَاءَ ذَاتَ اَلْبَيَانِ عَزَبَ [ غَرَبَ ] رَأْيُ اِمْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنِّي مَا شَكَكْتُ فِي اَلْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ لَمْ يُوجِسْ مُوسَى ع خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ بَلْ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ اَلْجُهَّالِ وَ دُوَلِ اَلضَّلاَلِ اَلْيَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلَى سَبِيلِ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ)

____________________

(1) فى ا:"تسنمتم العلياء".

٢٠٧

هذه الكلمات و الأمثال ملتقطة من خطبة طويلة منسوبة إليه (عليه‌السلام ) قد زاد(1) فيها قوم أشياء حملتهم عليها أهواؤهم لا توافق ألفاظها طريقته (عليه‌السلام ) في الخطب و لا تناسب فصاحتها فصاحته، و لا حاجة إلى ذكرها فهي شهيرة، و نحن نشرح هذه الألفاظ؛ لأنها كلامه (عليه‌السلام ) لا يشك في ذلك من له ذوق و نقد و معرفة بمذاهب الخطباء و الفصحاء في خطبهم و رسائلهم، و لأن الرواية لها كثيرة، ولأن الرضي رحمة الله تعالى عليه قد التقطها و نسبها إليه (عليه‌السلام )، و صححها و حذف ما عداها. و أما قوله (عليه‌السلام ) : بنا اهتديتم في الظلماء فيعني بالظلماء الجهالة و تسنمتم العلياء ركبتم سنامها و هذه استعارة. قوله: و بنا انفجرتم عن السرار، أي: دخلتم في الفجر، و السرار الليلة، و الليلتان يستتر فيهما القمر في آخر الشهر فلا يظهر، و روي أفجرتم و هو أفصح و أصح؛ لأن انفعل لا يكون إلا مطاوع فعل نحو كسرته فانكسر و حطمته فانحطم إلا ما شذ من قولهم أغلقت الباب فانغلق، و أزعجته فانزعج، و أيضا فإنه لا يقع إلا حيث يكون علاج و تأثير، نحو: انكسر و انحطم، و لهذا قالوا إن قولهم انعدم خطأ و أما أفعل فيجي‏ء لصيرورة الشي‏ء على حال و أمر نحو أغد البعير، أي: صار ذا غدة و أجرب الرجل إذا صار ذا إبل جربى و غير ذلك فأفجرتم، أي: صرتم ذوي فجر. و أما عن في قوله عن السرار فهي للمجاوزة على حقيقة معناها الأصلي، أي: منتقلين عن السرار و متجاوزين له. و قوله (عليه‌السلام ) : وقر سمع هذا دعاء على السمع الذي لم يفقه الواعية بالثقل و الصمم، وقرت أذن زيد بضم الواو فهي موقورة، و الوقر بالفتح الثقل في الأذن

____________________

(1) ب " رأى ".

٢٠٨

وقرت أذنه بفتح الواو و كسر القاف توقر وقرا، أي: صمت و المصدر في هذا الموضع جاء بالسكون، و هو شاذ و قياسه التحريك بالفتح، نحو: ورم ورما و الواعية الصارخة من الوعاء، و هو الجلبة و الأصوات و المراد العبر و المواعظ. قوله كيف يراعي النبأة هذا مثل آخر يقول كيف يلاحظ و يراعي العبر الضعيفة من لم ينتفع بالعبر الجلية الظاهرة بل فسد عندها، و شبه ذلك بمن أصمته الصيحة القوية، فإنه محال أن يراعي بعد ذلك الصوت الضعيف، و النبأة هي الصوت الخفي. فإن قيل هذا يخالف قولكم إن الاستفساد لا يجوز على الحكيم سبحانه، فإن كلامه (عليه‌السلام ) صريح في أن بعض المكلفين يفسد عند العبر و المواعظ. قيل: إن لفظة أفعل قد تأتي لوجود الشي‏ء على صفة نحو أحمدته إذا أصبته محمودا، و قالوا أحييت الأرض إذا وجدتها حية النبات(1) ، فقوله أصمته الصيحة ليس معناه أن الصيحة كانت علة لصممه، بل معناه صادفته أصم و بهذا تأول أصحابنا قوله تعالى:( وَ أَضَلَّهُ اَللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ ) (2) . قوله: ربط جنان لم يفارقه الخفقان هذا مثل آخر، و هو دعاء لقلب لا يزال خائفا من الله يخفق بالثبوت و الاستمساك. قوله: ما زلت أنتظر بكم يقول كنت مترقبا غدركم متفرسا فيكم الغرر و هو الغفلة. و قيل: إن هذه الخطبة خطبها بعد مقتل طلحة و الزبير مخاطبا بها لهما، و لغيرهما من أمثالهما كما قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يوم بدر بعد قتل من قتل من قريش يا عتبة بن ربيعة

____________________

(1) ا: " ذا نبات "

(2) سورة الجاثية 23

٢٠٩

يا شيبة بن ربيعة، يا عمرو بن هشام، و هم جيف منتنة قد جروا إلى القليب. قوله سترني عنكم هذا يحتمل وجوها أوضحها أن إظهاركم شعار الإسلام عصمكم مني مع علمي بنفاقكم، و إنما أبصرت نفاقكم و بواطنكم الخبيثة بصدق نيتي كما يقال المؤمن يبصر بنور الله و يحتمل أن يريد سترني عنكم جلباب ديني، و منعني أن أعرفكم نفسي و ما أقدر عليه من عسفكم، كما تقول لمن استهان بحقك أنت لا تعرفني و لو شئت لعرفتك نفسي. و فسر القطب الراوندي قوله (عليه‌السلام ) : و بصرنيكم صدق النية، قال: معناه أنكم إذا صدقتم نياتكم و نظرتم بأعين لم تطرف بالحسد و الغش و أنصفتموني أبصرتم عظيم منزلتي. و هذا ليس بجيد؛ لأنه لو كان هو المراد لقال و بصركم إياي صدق النية، و لم يقل ذلك و إنما قال بصرنيكم فجعل صدق النية مبصرا له لا لهم، و أيضا فإنه حكم بأن صدق النية هو علة التبصير و أعداؤه لم يكن فيهم صادق النية و ظاهر الكلام الحكم، و القطع لا التعليق بالشرط. قوله أقمت لكم على سنن الحق يقال تنح عن سنن الطريق، و سنن الطريق بفتح السين، و ضمها فالأول مفرد، و الثاني جمع سنة، و هي جادة الطريق و الواضح منها و أرض مضلة و مضلة بفتح الضاد و كسرها يضل سالكها، و أماه المحتفر يميه أنبط الماء يقول فعلت من إرشادكم و أمركم بالمعروف و نهيكم عن المنكر ما يجب على مثلي فوقفت لكم على جادة الحق، و منهجه حيث طرق الضلال كثيرة مختلفة من سائر جهاتي و أنتم تائهون فيها تلتقون، و لا دليل لكم و تحتفرون لتجدوا ماء تنقعون به غلتكم فلا تظفرون بالماء و هذه كلها استعارات.

٢١٠

قوله: اليوم أنطق هذا مثل آخر و العجماء التي لا نطق لها و هذا إشارة إلى الرموز التي تتضمنها هذه الخطبة يقول هي خفية غامضة، و هي مع غموضها جلية لأولى الألباب فكأنها تنطق كما ينطق ذوو الألسنة كما قيل ما الأمور الصامتة الناطقة، فقيل الدلائل المخبرة و العبر الواعظة و في الأثر سل الأرض من شق أنهارك و أخرج ثمارك، فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا. قوله: عزب رأي امرئ تخلف عني هذا كلام آخر عزب، أي: بعد و العازب البعيد، و يحتمل أن يكون هذا الكلام إخبارا، و أن يكون دعاء كما أن قوله تعالى:( حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ يحتمل الأمرين ) (1) . قوله: ما شككت في الحق مذ رأيته هذا كلام آخر يقول معارفي ثابتة لا يتطرق إليها الشك و الشبهة. قوله: لم يوجس موسى هذا كلام شريف جدا يقول إن موسى لما أوجس الخيفة بدلالة قوله تعالى:( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى ‏) (1) لم يكن ذلك الخوف على نفسه، و إنما خاف من الفتنة و الشبهة الداخلة على المكلفين عند إلقاء السحرة عصيهم فخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، و كذلك أنا لا أخاف على نفسي من الأعداء الذين نصبوا لي الحبائل، و أرصدوا لي المكايد و سعروا علي نيران الحرب، و إنما أخاف أن يفتتن المكلفون بشبههم و تمويهاتهم فتقوى دولة الضلال و تغلب كلمة الجهال. قوله: اليوم تواقفنا القاف قبل الفاء تواقف القوم على الطريق، أي: وقفوا كلهم عليها يقول اليوم اتضح الحق و الباطل و عرفناهما نحن و أنتم. قوله: من وثق بماء لم يظمأ الظمأ الذي يكون عند عدم الثقة بالماء و ليس

____________________

(1) سورة النساء 90

(2) سورة طه 67

٢١١

يريد النفي المطلق؛ لأن الواثق بالماء قد يظمأ و لكن لا يكون عطشه على حد العطش الكائن عند عدم الماء، و عدم الوثوق بوجوده و هذا كقول أبي الطيب:

وما صبابة مشتاق على أمل

من اللقاء كمشتاق بلا أمل(1)

و الصائم في شهر رمضان يصبح جائعا تنازعه نفسه إلى الغذاء، و في أيام الفطر لا يجد تلك المنازعة في مثل ذلك الوقت؛ لأن الصائم ممنوع و النفس تحرص على طلب ما منعت منه يقول إن وثقتم بي، و سكنتم إلى قولي كنتم أبعد عن الضلال و أقرب إلى اليقين، و ثلج النفس كمن وثق بأن الماء في إداوته يكون عن الظمأ و خوف الهلاك من العطش أبعد ممن لم يثق بذلك

____________________

(1) ديوانه 75:3

٢١٢

5. و من كلام خطبة له(1) ع لما قبض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و خاطبه العباس و أبو سفيان بن حرب في أن(2) يبايعا له بالخلافة

و ذلك بعد أن تمت البيعة لأبي بكر في السقيفة و فيها ينهى عن الفتنة و يبين عن خلقه و علمه (أَيُّهَا اَلنَّاسُ شُقُّوا أَمْوَاجَ اَلْفِتَنِ بِسُفُنِ اَلنَّجَاةِ وَ عَرِّجُوا عَنْ طَرِيقِ اَلْمُنَافَرَةِ وَ ضَعُوا تِيجَانَ اَلْمُفَاخَرَةِ أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اِسْتَسْلَمَ(3) فَأَرَاحَ هَذَا مَاءٌ آجِنٌ وَ لُقْمَةٌ يَغَصُّ بِهَا آكِلُهَا وَ مُجْتَنِي اَلثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ فَإِنْ أَقُلْ يَقُولُوا حَرَصَ عَلَى اَلْمُلْكِ وَ إِنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا جَزِعَ مِنَ اَلْمَوْتِ هَيْهَاتَ بَعْدَ اَللَّتَيَّا وَ اَلَّتِي وَ اَللَّهِ لاَبْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ اَلطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ بَلِ اِنْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لاَضْطَرَبْتُمْ اِضْطِرَابَ اَلْأَرْشِيَةِ فِي اَلطَّوِيِّ اَلْبَعِيدَةِ(4) )، المفاخرة أن يذكر كل واحد من الرجلين مفاخره و فضائله و قديمه، ثم يتحاكما إلى ثالث و الماء الآجن المتغير الفاسد أجن الماء بفتح الجيم يأجن و يأجن بالكسر و الضم و الإيناع إدراك الثمرة، و اللتيا(5) تصغير التي كما أن اللذيا تصغير الذي، و اندمجت انطويت و الطوي البئر المطوية بالحجارة، يقول: تخلصوا عن الفتنة و انجوا منها بالمتاركة و المسالمة و العدول عن المنافرة و المفاخرة.

____________________

(1) ا: " خطبة "

(2) ا: " أن يبايعاه ".

(3) ا: " واستسلم "

(4) بعد هذه الكلمة في مخطوطة النهج: " السلام "

(5) فى القاموس بفتح اللام المشددة وضمها.

٢١٣

أفلح من نهض بجناح، أي: مات شبه الميت المفارق للدنيا بطائر نهض عن الأرض بجناحه، و يحتمل أن يريد بذلك أفلح من اعتزل هذا العالم و ساح في الأرض منقطعا عن تكاليف الدنيا، و يحتمل أيضا أن يريد أفلح من نهض في طلب الرئاسة بناصر ينصره، و أعوان يجاهدون بين يديه و على التقادير كلها تنطبق اللفظة الثانية، و هي قوله أو استسلم فأراح(1) أي أراح نفسه باستسلامه. ثم قال الإمرة على الناس وخيمة العاقبة ذات مشقة في العاجلة فهي في عاجلها كالماء الآجن يجد شاربه مشقة، و في آجلها كاللقمة التي تحدث عن أكلها الغصة، و يغص مفتوح حرف المضارعة و مفتوح الغين أصله غصصت بالكسر، و يحتمل أن يكون الأمران معا للعاجلة؛ لأن الغصص في أول البلع كما أن ألم شرب الماء الآجن يحدث في أول الشرب، و يجوز ألا يكون عنى الإمرة المطلقة بل هي(2) الإمرة المخصوصة يعني بيعة السقيفة. ثم أخذ في الاعتذار عن الإمساك و ترك المنازعة، فقال مجتني الثمرة قبل أن تدرك لا ينتفع بما اجتناه كمن زرع في غير أرضه و لا ينتفع بذلك الزرع يريد أنه ليس هذا الوقت هو الوقت الذي يسوغ لي فيه طلب الأمر و أنه لم يأن بعد. ثم قال: قد حصلت بين حالين إن قلت قال الناس حرص على الملك، و إن لم أقل قالوا جزع من الموت. قال: هيهات استبعادا لظنهم فيه(3) الجزع، ثم قال اللتيا و التي أي: أبعد اللتيا و التي أجزع أ بعد أن قاسيت الأهوال الكبار و الصغار و منيت بكل داهية عظيمة و صغيرة فاللتيا للصغيرة و التي للكبيرة.

____________________

(1) ا: " واستسلم "

(2) ا: " هذه "

(3) ساقطة من ا

٢١٤

ذكر أن أنسه بالموت كأنس الطفل بثدي أمه و أنه انطوى على علم هو ممتنع لموجبه من المنازعة، و أن ذلك العلم لا يباح به(1) و لو باح به لاضطرب سامعوه كاضطراب الأرشية، و هي الحبال في البئر البعيدة القعر و هذا إشارة إلى الوصية التي خص بها (عليه‌السلام ) إنه قد كان من جملتها الأمر بترك النزاع في مبدأ الاختلاف عليه.

استطراد بذكر طائفة من الاستعارات

و اعلم أن أحسن الاستعارات ما تضمن مناسبة بين المستعار، و المستعار منه كهذه الاستعارات فإن قوله (عليه‌السلام ) شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة من هذا النوع و ذلك؛ لأن الفتن قد تتضاعف و تترادف فحسن تشبيهها بأمواج البحر المضطربة و لما كانت السفن الحقيقية تنجي من أمواج البحر حسن أن يستعار لفظ السفن لما ينجي من الفتن و كذلك قوله و ضعوا تيجان المفاخرة؛ لأن التاج لما كان مما يعظم به قدر الإنسان استعارة لما يتعظم به الإنسان من الافتخار، و ذكر القديم و كذلك استعارة النهوض بالجناح لمن اعتزل الناس، كأنه لما نفض يديه عنهم صار كالطائر الذي ينهض من الأرض بجناحيه. و في الاستعارات ما هو خارج عن هذا النوع و هو مستقبح و ذلك كقول أبي نواس:

بح صوت المال مما

منك يبكي و ينوح(2)

و كذلك قوله:

ما لرجل المال أضحت

تشتكي منك الكلالا(3)

____________________

(1) ساقطة من ب.

(3) ديوانه 70وفيه:"يصيح".

(2) ديوانه 119.

٢١٥

و قول أبي تمام:

وكم أحرزت منكم على قبح قدها

صروف النوى من مرهف حسن القد(1)

و كقوله:

بلوناك أما كعب عرضك في العلا

فعال و لكن خد مالك أسفل(2)

فإنه لا مناسبة بين الرجل و المال، و لا بين الصوت و المال، و لا معنى لتصييره للنوى قدا و لا للعرض كعبا و لا للمال خدا. و قريب منه أيضا قوله:

لا تسقني ماء الملام فإنني

صب قد استعذبت ماء بكائي(3)

و يقال إن مخلدا الموصلي(4) بعث إليه بقارورة يسأله أن يبعث له فيها قليلا من ماء الملام، فقال لصاحبه: قل له يبعث إلي بريشة من جناح الذل لأستخرج بها من القارورة ما أبعثه إليه. و هذا ظلم من أبي تمام المخلد و ما الأمران سوء؛ لأن الطائر إذا أعيا و تعب ذل و خفض جناحيه و كذلك الإنسان إذا استسلم ألقى بيديه ذلا، و يده جناحه فذاك هو الذي حسن قوله تعالى:( وَ اِخْفِضْ لَهُما جَناحَ اَلذُّلِّ ) (5) ألا ترى أنه لو قال و اخفض لهما ساق الذل أو بطن الذل لم يكن مستحسنا. و من الاستعارة المستحسنة في الكلام المنثور ما اختاره قدامة بن جعفر في كتاب الخراج، نحو: قول أبي الحسين جعفر بن محمد بن ثوابة في جوابه لأبي الجيش خمارويه

____________________

(1) ديوانه 2: 011

(2) ديوانه 3: 73

(3) ديوانه 1: 25

(4) هو مخلد بن بكار الموصلي، وله مع أبي تمام أخبار ومساجلات، ذكرها الصولي في كتابه أخبار أبى تمام 234 - 243

(5) سورة الإسراء 24

٢١٦

ابن أحمد بن طولون عن المعتضد بالله لما كتب بإنفاذ ابنته قطر الندى التي تزوجها المعتضد، و ذلك قول ابن ثوابة هذا، و أما الوديعة فهي بمنزلة ما انتقل من شمالك إلى يمينك عناية بها، و حياطة لها، و رعاية لمودتك فيها. و قال ابن ثوابة لما كتب هذا الكتاب لأبي القاسم عبيد الله بن سليمان، بن وهب وزير المعتضد: و الله إن تسميتي إياها بالوديعة نصف البلاغة. و ذكر أحمد بن يوسف الكاتب رجلا خلا بالمأمون، فقال: ما زال يفتله في الذروة و الغارب حتى لفته عن رأيه. و قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي النبيذ قيد الحديث. و ذكر بعضهم رجلا فذمه، فقال: هو أملس(1) ليس فيه مستقر لخير و لا شر. و رضي بعض الرؤساء عن رجل من موجدة، ثم أقبل يوبخه عليها، فقال: إن رأيت ألا تخدش وجه رضاك بالتوبيخ فافعل. و قال بعض الأعراب: خرجنا في ليلة حندس(2) قد ألقت على الأرض أكارعها فمحت صورة الأبدان فما كنا نتعارف إلا بالآذان. و غزت حنيفة نميرا فأتبعتهم نمير فأتوا عليهم، فقيل لرجل منهم كيف صنع قومك؟ قال: اتبعوهم و الله و قد أحقبوا كل جمالية خيفانة(3) فما زالوا يخصفون آثار المطي بحوافر الخيل حتى لحقوهم، فجعلوا المران أرشية(4) الموت فاستقوا بها أرواحهم. و من كلام لعبد الله بن المعتز يصف القلم يخدم الإرادة و لا يمل الاستزادة

____________________

(1) ا: " إبليس " تحريف.

(2) ليلة حندس: شديدة الظلمة

(3) الجمالية، الناقة الوثيقة، تشبه بالجمل في خلقتها وشدتها وعظمها. والخيفانة: السريعة، شبهت بالجرادة السريعة.

(4) حاشية ب: " المران: الرماح... "

٢١٧

و يسكت واقفا، و ينطق سائرا على أرض بياضها مظلم و سوادها مضي‏ء. فأما القطب الراوندي فقال: قوله (عليه‌السلام ) شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة معناه كونوا مع أهل البيت؛ لأنهم سفن النجاة، لقوله (عليه‌السلام ) مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها غرق. و لقائل أن يقول لا شبهة أن أهل البيت سفن النجاة، و لكنهم لم يرادوا هاهنا بهذه اللفظة؛ لأنه لو كان ذلك هو المراد لكان قد أمر أبا سفيان و العباس بالكون مع أهل البيت و مراده الآن ينقض ذلك؛ لأنه يأمر بالتقية و إظهار اتباع الذين عقد لهم الأمر، و يرى أن الاستسلام هو المتعين، فالذي ظنه الراوندي لا يحتمله الكلام و لا يناسبه. و قال أيضا: التعريج على الشي‏ء الإقامة عليه يقال عرج، فلأن على المنزل إذا حبس نفسه عليه فالتقدير عرجوا على الاستقامة منصرفين عن المنافرة. و لقائل أن يقال التعريج يعدى تارة بعن و تارة بعلى، فإذا عديته بعن أردت التجنب و الرفض، و إذا عديته بعلى أردت المقام و الوقوف و كلامه (عليه‌السلام ) معدى بعن قال: و عرجوا عن طريق المنافرة. و قال أيضا: آنس بالموت، أي: أسر به و ليس بتفسير صحيح، بل هو من الأنس ضد الوحشة.

اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله

لما قبض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و اشتغل علي (عليه‌السلام ) بغسله و دفنه، و بويع أبو بكر خلا الزبير، و أبو سفيان، و جماعة من المهاجرين بعباس و علي (عليه‌السلام )

٢١٨

لإجالة الرأي، و تكلموا بكلام يقتضي الاستنهاض و التهييج، فقال العباسرضي‌الله‌عنه قد سمعنا قولكم فلا لقلة نستعين بكم و لا لظنة نترك آراءكم فأمهلونا نراجع الفكر، فإن يكن لنا من الإثم مخرج يصر بنا و بهم الحق صرير الجدجد(1) ، و نبسط إلى المجد أكفا لا نقبضها أو نبلغ المدى و إن تكن الأخرى فلا لقلة في العدد و لا لوهن في الأيد، و الله لو لا أن الإسلام قيد الفتك لتدكدكت جنادل صخر يسمع اصطكاكها من المحل العلي. فحل علي (عليه‌السلام ) حبوته، و قال: الصبر حلم و التقوى دين، و الحجة محمد، و الطريق الصراط أيها الناس شقوا أمواج الفتن... الخطبة، ثم نهض فدخل إلى منزله و افترق القوم. و قال البراء بن عازب لم أزل لبني هاشم محبا فلما قبض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، فكنت أتردد إلى بني هاشم و هم عند النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) في الحجرة و أتفقد وجوه قريش، فإني كذلك إذ فقدت أبا بكر و عمر و إذا قائل يقول القوم في سقيفة بني ساعدة و إذا قائل آخر يقول قد بويع أبو بكر فلم ألبث و إذا أنا بأبي بكر قد أقبل و معه عمر و أبو عبيدة و جماعة من أصحاب السقيفة، و هم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه، و قدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى، فأنكرت عقلي و خرجت أشتد حتى انتهيت إلى بني هاشم و الباب مغلق، فضربت عليهم الباب ضربا عنيفا و قلت قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة، فقال العباس تربت أيديكم إلى آخر الدهر أما إني قد أمرتكم فعصيتموني، فمكثت أكابد ما في نفسي و رأيت

____________________

(1) الجدجى: ىوببة كالجندب.

٢١٩

في الليل المقداد، و سلمان، و أبا ذر، و عبادة بن الصامت، و أبا الهيثم بن التيهان، و حذيفة، و عمارا، و هم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين. و بلغ ذلك أبا بكر و عمر، فأرسلا إلى أبي عبيدة و إلى المغيرة بن شعبة فسألاهما عن الرأي، فقال المغيرة: الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له و لولده في هذه الإمرة نصيبا ليقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ). فانطلق أبوبكر و عمر و أبو عبيدة و المغيرة حتى دخلوا على العباس، و ذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، فحمد أبو بكر الله و أثنى عليه و قال: إن الله ابتعث لكم محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) نبيا، و للمؤمنين وليا، فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم حتى اختار له ما عنده فخلى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متفقين غير مختلفين، فاختاروني عليهم واليا و لأمورهم راعيا فتوليت ذلك، و ما أخاف بعون الله و تسديده وهنا و لا حيرة و لا جبنا و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب، و ما أنفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين يتخذكم لجأ، فتكونون حصنه المنيع، و خطبه البديع، فإما دخلتم فيما دخل فيه الناس أو صرفتموهم عما مالوا إليه، فقد جئناك و نحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا، و لمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و إن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و مكان أهلك، ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم و على رسلكم بني هاشم، فإن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) منا و منكم. فاعترض كلامه عمر و خرج إلى مذهبه في الخشونة و الوعيد و إتيان الأمر من أصعب جهاته، فقال: إي، و الله و أخرى إنا لم نأتكم حاجة إليكم و لكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم فيتفاقم الخطب بكم و بهم، فانظروا لأنفسكم و لعامتهم ثم سكت.

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350