كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 350

كتاب شرح نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف: الصفحات: 350
المشاهدات: 90612
تحميل: 7663


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 350 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90612 / تحميل: 7663
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مثل قول أنس، فقال للهرمزان: ويحك أتخدعني و الله لأقتلنك إلا أن تسلم، ثم أومأ إلى أبي طلحة، فقال الهرمزان: أشهد أن لا إله إلا الله و أشهد أن محمدا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) فأمنه و أنزله المدينة. سأل عمر عمرو بن معديكرب عن السلاح، فقال له: ما تقول في الرمح؟ قال أخوك: و ربما خانك، قال: فالنبل، قال: رسل المنايا تخطئ و تصيب. قال: فالدرع قال مشغلة للفارس متعبة للراجل و إنها مع ذلك لحصن حصين، قال: فالترس، قال: هو المجن و عليه تدور الدوائر، قال: فالسيف؟ قال: هناك قارعت أمك الهبل. قال: بل أمك قال و الحمى أضرعتني لك(1) . و أول من ضرب عمر بالدرة أم فروة بنت أبي قحافة، مات أبوبكر فناح النساء عليه و فيهن أخته أم فروة فنهاهن عمر مرارا، و هن يعاودن، فأخرج أم فروة من بينهن و علاها بالدرة فهربن و تفرقن. كان يقال درة عمر أهيب من سيف الحجاج و في الصحيح أن نسوة كن عند رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قد كثر لغطهن، فجاء عمر فهربن هيبة له، فقال: لهن يا عديات أنفسهن أتهبنني و لا تهبن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، قلن: نعم أنت أغلظ و أفظ. و كان عمر يفتي كثيرا بالحكم، ثم ينقضه و يفتي بضده و خلافه قضى في الجد مع الإخوة قضايا كثيرة مختلفة، ثم خاف من الحكم في هذه المسألة، فقال من أراد أن يتقحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه.

____________________

(1) الحمي أضرعتنى لك؛مثل يضرب فى الذل عنى الجاجة تنزل وورد المثل محرفا فى الأصول، والتصويب من الميدانى 205:1، وعيون الأخبار 130:1، والعقد210:1.

١٨١

و قال مرة: لا يبلغني أن امرأة تجاوز صداقها صداق نساء النبي إلا ارتجعت ذلك منها، فقالت له امرأة: ما جعل الله لك ذلك، إنه تعالى قال:( وَ آتَيْتُمْ إِحْداهُنَّ قِنْطاراً فَلا تَأْخُذُوا مِنْهُ شَيْئاً أَ تَأْخُذُونَهُ بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً ) (1) ، فقال: كل النساء أفقه من عمر حتى ربات الحجال. ألا تعجبون من إمام أخطأ و امرأة أصابت فاضلت إمامكم ففضلته. و مر يوما بشاب من فتيان الأنصار و هو ظمآن فاستسقاه فجدح(2) له ماء بعسل فلم يشربه و قال: إن الله تعالى يقول:( أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ اَلدُّنْيا ) ، فقال له الفتى: يا أمير المؤمنين، إنها ليست لك و لا لأحد من هذه القبيلة، اقرأ ما قبلها( وَ يَوْمَ يُعْرَضُ اَلَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى اَلنَّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ اَلدُّنْيا ) (3) ، فقال عمر: كل الناس أفقه من عمر. و قيل: إن عمر كان يعس بالليل فسمع صوت رجل و امرأة في بيت، فارتاب فتسور الحائط فوجد امرأة و رجلا و عندهما زق خمر، فقال: يا عدو الله، أكنت ترى أن الله يسترك و أنت على معصيته؟ قال: يا أميرالمؤمنين، إن كنت أخطأت في واحدة فقد أخطأت في ثلاث، قال الله تعالى:( وَ لا تَجَسَّسُوا ) (4) و قد تجسست، و قال:( وَ أْتُوا اَلْبُيُوتَ مِنْ أَبْوابِها ) (5) و قد تسورت، و قال:( فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا ) (6) و ما سلمت. و قال: متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و أنا محرمهما و معاقب عليهما، متعة النساء، و متعة الحج. و هذا الكلام و إن كان ظاهره منكرا فله عندنا مخرج و تأويل، و قد ذكره أصحابنا الفقهاء في كتبهم.

____________________

(1) سورة النساء 20

(2) جدح: خلط

(3) سورة الأحقاف 20

(4) سورة الحجرات 12

(5) سورة البقرة 189

(6) سورة النور 61

١٨٢

و كان في أخلاق عمر و ألفاظه جفاء و عنجهية ظاهرة، يحسبه السامع لها أنه أراد بها ما لم يكن قد أراد و يتوهم من تحكى له أنه قصد بها ظاهرا ما لم يقصده، فمنها الكلمة التي قالها في مرض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، و معاذ الله أن يقصد بها ظاهرها، و لكنه أرسلها على مقتضى خشونة غريزته، و لم يتحفظ منها و كان الأحسن أن يقول مغمور أو مغلوب بالمرض، و حاشاه أن يعني بها غير ذلك. و لجفاة الأعراب من هذا الفن كثير، سمع سليمان بن عبد الملك أعرابيا يقول في سنة قحط:

رب العباد ما لنا و ما لكا

قد كنت تسقينا فما بدا لكا

أنزل علينا القطر لا أبا لكا

فقال: سليمان أشهد أنه لا أب له، و لا صاحبه، و لا ولد، فأخرجه أحسن مخرج(1) . و على نحو هذا يحتمل كلامه في صلح الحديبية لما قال للنبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : ألم تقل لنا ستدخلونها في ألفاظ نكره حكايتها حتى شكاه النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) إلى أبي بكر، و حتى قال له أبو بكر الزم بغرزه(2) فو الله إنه لرسول الله. و عمر هو الذي أغلظ على جبلة بن الأيهم حتى اضطره إلى مفارقة دار الهجرة بل مفارقة دار الإسلام كلها و عاد مرتدا داخلا في دين النصرانية لأجل لطمة لطمها و قال جبلة بعد ارتداده متندما على ما فعل:

تنصرت الأشراف من أجل لطمة

وما كان فيها لو صبرت لها ضرر

فيا ليت أمي لم تلدني و ليتني

رجعت إلى القول الذي قاله عمر

____________________

(1) الخبر في الكامل 7: 541 بشرح المرصفي

(2) الغرز في الأصل: ركاب الرحل، وفى الكلام استعارة، والمراد هنا: اتبع قوله.وفى اللسان والنتهاية:"استمسك بغرزه"، ورواية ابن هشام:"الؤم غرزه".

١٨٣

(حَتَّى إِذَا مَضَى لِسَبِيلِهِ جَعَلَهَا فِي سِتَّةٍ جَمَاعَةٍ زَعَمَ أَنِّي أَحَدُهُمْ فَيَا لَلَّهِ وَ لِلشُّورَى مَتَى اِعْتَرَضَ اَلرَّيْبُ فِيَّ مَعَ اَلْأَوَّلِ مِنْهُمْ حَتَّى صِرْتُ أَقْرَنُ إِلَى هَذِهِ اَلنَّظَائِرِ لَكِنِّي أَسْفَفْتُ إِذْ أَسَفُّوا وَ طِرْتُ إِذْ طَارُوا فَصَغَا رَجُلٌ مِنْهُمْ لِضِغْنِهِ وَ مَالَ اَلآْخَرُ لِصِهْرِهِ مَعَ هَنٍ وَ هَنٍ) اللام في يا لله، مفتوحة، و اللام في و للشورى مكسورة؛ لأن الأولى للمدعو و الثانية للمدعو إليه قال:

يا للرجال ليوم الأربعاء أما

ينفك يحدث لي بعد النهي طربا(1)

اللام في للرجال مفتوحة، و في ليوم مكسورة، و أسف الرجل إذا دخل في الأمر الدني‏ء أصله من أسف الطائر إذا دنا من الأرض في طيرانه و الضغن الحقد. و قوله: (مع هن و هن)، أي: مع أمور يكنى عنها و لا يصرح بذكرها و أكثر ما يستعمل ذلك في الشر قال(2) :

على هنوات شرها متتابع

يقول: (عليه‌السلام ) إن عمر لما طعن جعل الخلافة في ستة هو (عليه‌السلام ) أحدهم، ثم تعجب من ذلك، فقال: متى اعترض الشك في مع أبي بكر حتى أقرن بسعد بن أبي وقاص، و عبد الرحمن بن عوف، و أمثالهما لكني طلبت الأمر، و هو موسوم بالأصاغر منهم كما طلبته أولا و هو موسوم بأكابرهم، أي: هو حقي فلا أستنكف من طلبه إن كان المنازع فيه جليل القدر أو صغير المنزلة. و صغا الرجل بمعنى مال الصغو الميل بالفتح و الكسر

____________________

(1) لعبى الله بن مسلم بن جندب فى الكامل 270:3 من غير نسبة، وهو أيظا من أبيات له رواها ثعب في المجلس 474 وهي فى معجم البلدان136:1.

(2) البيت في اللسان (02: 342) من غير نسبه، وأوله: * أرى ابن نزار قد جفاني وملني *

١٨٤

قصة الشورى

و صورة هذه الواقعة أن عمر لما طعنه أبو لؤلؤة و علم أنه ميت استشار فيمن يوليه الأمر بعده، فأشير عليه بابنه عبد الله، فقال: لاها الله إذا لا يليها رجلان من ولد الخطاب حسب عمر ما حمل، حسب عمر ما احتقب، لاها الله لا أتحملها حيا و ميتا، ثم قال إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) مات، و هو راض عن هذه الستة من قريش علي (عليه‌السلام )، و عثمان، و طلحة، و الزبير، و سعد، و عبد الرحمن بن عوف، و قد رأيت أن أجعلها شورى بينهم ليختاروا لأنفسهم، ثم قال: إن أستخلف فقد استخلف من هو خير مني يعني أبابكر و إن أترك فقد ترك من هو خير مني يعني رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، ثم قال: ادعوهم لي فدعوهم فدخلوا عليه، و هو ملقى على فراشه يجود بنفسه. فنظر إليهم فقال: أكلكم يطمع في الخلافة بعدي فوجموا، فقال لهم ثانية: فأجابه الزبير و قال: و ما الذي يبعدنا منها وليتها أنت فقمت بها و لسنا دونك في قريش و لا في السابقة و لا في القرابة. قال الشيخ أبو عثمان الجاحظ، و الله لو لا علمه أن عمر يموت في مجلسه ذلك لم يقدم على أن يفوه من هذا الكلام بكلمة، و لا أن ينبس منه بلفظة. فقال عمر: أفلا أخبركم عن أنفسكم. قال: قل فإنا لو استعفيناك لم تعفنا، فقال: أما أنت يا زبير، فوعق لقس(1) مؤمن الرضا كافر الغضب، يوما إنسان و يوما شيطان، و لعلها لو أفضت إليك ظلت يومك تلاطم بالبطحاء على مد من شعير، أفرأيت إن أفضت إليك فليت شعري من يكون للناس يوم تكون شيطانا و من يكون يوم تغضب، و ما كان الله ليجمع لك أمر هذه الأمة و أنت على هذه الصفة. ثم أقبل على طلحة و كان له مبغضا منذ قال لأبي بكر يوم وفاته ما قال في عمر، فقال له أقول: أم أسكت؟ قال: قل فإنك لا تقول من الخير شيئا. قال: أما إني أعرفك منذ أصيبت إصبعك يوم أحد و البأو(2) الذي حدث لك و لقد مات رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )

____________________

(1) الوعق: الضجر المتبرم، واللقس: من لا يستقيم على وجه.

(2) البأو: التكبر والفخر.ونقل صاحب اللسان عن ألفقهاء:"فى طلحة بأواء ".

١٨٥

ساخطا عليك بالكلمة التي قلتها يوم أنزلت آية الحجاب. قال شيخنا أبو عثمان الجاحظرحمه‌الله تعالى الكلمة المذكورة أن طلحة لما أنزلت آية الحجاب. قال بمحضر ممن نقل عنه إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ما الذي يغنيه حجابهن اليوم و سيموت غدا فننكحهن. قال أبو عثمان أيضا لو قال لعمر قائل أنت قلت: إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) مات، و هو راض عن الستة، فكيف تقول الآن لطلحة إنه مات (عليه‌السلام ) ساخطا عليك للكلمة التي قلتها لكان قد رماه بمشاقصه(1) ، و لكن من الذي كان يجسر على عمر أن يقول له ما دون هذا فكيف هذا. قال ثم أقبل على سعد بن أبي وقاص، فقال إنما أنت صاحب مقنب(2) من هذه المقانب تقاتل به و صاحب قنص، و قوس، و أسهم، و ما زهرة(3) ، و الخلافة، و أمور الناس. ثم أقبل على عبد الرحمن بن عوف، فقال: و أما أنت يا عبد الرحمن فلو وزن نصف إيمان المسلمين بإيمانك لرجح إيمانك به و لكن ليس يصلح هذا الأمر لمن فيه ضعف كضعفك، و ما زهرة و هذا الأمر. ثم أقبل على علي (عليه‌السلام ) فقال لله أنت لو لا دعابة فيك أما، و الله لئن وليتهم لتحملنهم على الحق الواضح و المحجة البيضاء، ثم أقبل على عثمان. فقال: هيها إليك كأني بك قد قلدتك قريش هذا الأمر لحبها إياك، فحملت بني أمية و بني أبي معيط على رقاب الناس و آثرتهم بالفي‏ء، فسارت إليك عصابة من ذؤبان العرب فذبحوك على فراشك ذبحا، و الله لئن فعلوا لتفعلن و لئن فعلت ليفعلن، ثم أخذ بناصيته. فقال فإذا كان ذلك فاذكر قولي فإنه كائن. ذكر هذا الخبر كله شيخنا أبو عثمان في كتاب السفيانية(4) و ذكره جماعة غيره في باب فراسة عمر، و ذكر أبو عثمان في هذا الكتاب عقيب رواية هذا الخبر قال و روى

____________________

(1) المشاقص: جمع مشقص، وهو نصل السهم إذا كان طويلا

(2) المقنب: جماعة الخيل.

(3) زهرة: قبيلة سعد بن أبي وقاص

(4) فى السعودى 253:3 أن الجاحظ ألف كتابا فى نصرة معاوية بن أبي سفيان.

١٨٦

معمر بن سليمان التيمي عن أبيه عن سعيد بن المسيب عن ابن عباس قال: سمعت عمر بن الخطاب يقول لأهل الشورى إنكم إن تعاونتم و توازرتم، و تناصحتم أكلتموها و أولادكم، و إن تحاسدتم و تقاعدتم و تدابرتم، و تباغضتم غلبكم على هذا الأمر معاوية بن أبي سفيان و كان معاوية حينئذ أمير الشام. ثم رجع بنا الكلام إلى تمام قصة الشورى، ثم قال ادعوا إلي أبا طلحة الأنصاري فدعوه له، فقال: انظر يا أبا طلحة، إذا عدتم من حفرتي فكن في خمسين رجلا من الأنصار حاملي سيوفكم، فخذ هؤلاء النفر بإمضاء الأمر و تعجيله و اجمعهم في بيت و قف بأصحابك على باب البيت ليتشاوروا و يختاروا واحدا منهم، فإن اتفق خمسة و أبى واحد فاضرب عنقه، و إن اتفق أربعة و أبى اثنان فاضرب أعناقهما، و إن اتفق ثلاثة و خالف ثلاثة، فانظر الثلاثة التي فيها عبد الرحمن فارجع إلى ما قد اتفقت عليه، فإن أصرت الثلاثة الأخرى على خلافها فاضرب أعناقها، و إن مضت ثلاثة أيام و لم يتفقوا على أمر فاضرب أعناق الستة، و دع المسلمين يختاروا لأنفسهم. فلما دفن عمر جمعهم أبو طلحة و وقف على باب البيت بالسيف في خمسين من الأنصار حاملي سيوفهم، ثم تكلم القوم و تنازعوا فأول ما عمل طلحة أنه أشهدهم على نفسه أنه قد وهب حقه من الشورى لعثمان، و ذلك لعلمه أن الناس لا يعدلون به عليا، و عثمان، و أن الخلافة لا تخلص له، و هذان موجودان فأراد تقوية أمر عثمان و إضعاف جانب علي (عليه‌السلام ) بهبة أمر لا انتفاع له به، و لا تمكن له منه. فقال الزبير في معارضته و أنا أشهدكم على نفسي أني قد وهبت حقي من الشورى لعلي، و إنما فعل ذلك؛ لأنه لما رأى عليا قد ضعف و انخزل بهبة طلحة حقه لعثمان دخلته حمية النسب؛ لأنه ابن عمة أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) و هي صفية بنت عبد المطلب و أبو طالب خاله، و إنما مال طلحة إلى عثمان لانحرافه عن علي (عليه‌السلام ) باعتبار أنه

١٨٧

تيمي، و ابن عم أبي بكر الصديق، و قد كان حصل في نفوس بني هاشم من بني تيم حنق شديد لأجل الخلافة، و كذلك صار في صدور تيم على بني هاشم، و هذا أمر مركوز في طبيعة البشر، و خصوصا طينة العرب و طباعها و التجربة إلى الآن تحقق ذلك فبقي من الستة أربعة. فقال سعد بن أبي وقاص: و أنا قد وهبت حقي من الشورى لابن عمي عبد الرحمن، و ذلك؛ لأنهما من بني زهرة و لعلم سعد أن الأمر لا يتم له فلما لم يبق إلا الثلاثة. قال: عبد الرحمن لعلي و عثمان أيكما يخرج نفسه من الخلافة و يكون إليه الاختيار في الاثنين الباقيين فلم يتكلم منهما أحد، فقال عبد الرحمن أشهدكم أنني قد أخرجت نفسي من الخلافة على أن أختار أحدهما فأمسكا فبدأ بعلي (عليه‌السلام )، و قال له: أبايعك على كتاب الله و سنة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و سيرة الشيخين أبي بكر و عمر، فقال: بل على كتاب الله و سنة رسوله و اجتهاد رأيي، فعدل عنه إلى عثمان فعرض ذلك عليه، فقال: نعم فعاد إلى علي (عليه‌السلام ) فأعاد قوله فعل ذلك عبد الرحمن ثلاثا، فلما رأى أن عليا غير راجع عما قاله، و أن عثمان ينعم له(1) بالإجابة ف صفق(2) على يد عثمان و قال: السلام عليك يا أمير المؤمنين، فيقال: إن عليا (عليه‌السلام ) قال له: و الله ما فعلتها إلا؛ لأنك رجوت منه ما رجا صاحبكما من صاحبه دق الله بينكما عطر منشم(3) . قيل: ففسد بعد ذلك بين عثمان، و عبد الرحمن، فلم يكلم أحدهما صاحبه حتى مات عبد الرحمن

____________________

(1) أنعم له، إذا قال مجيبا " نعم ".

(2) يقال: صفق يده صفقا أى ضرب بيده.

(3) قال الأصمعي: منشم، بكسر الشين: اسم امرأة كانت بمكة عطارة، وكانت خزاعة وجرهم إذا أرادوا القتال تطيبوا من طيبها، وكانوا إذا فعلوا ذلك كثرت القتلى فيما بينهم، فكان يقال: أشأم من عطر منشم، فصار مثلا. صحاح الجوهري 5: 2041

١٨٨

، ثم نرجع إلى تفسير ألفاظ الفصل أما قوله (عليه‌السلام ) : فصغا رجل منهم لضغنه فإنه يعني طلحة و قال القطب الراوندي يعني سعد بن أبي وقاص؛ لأن عليا (عليه‌السلام ) قتل أباه يوم بدر و هذا خطأ، فإن أباه أبو وقاص و اسمه مالك بن أهيب، بن عبد مناف، بن زهرة، بن كلاب، بن مرة، بن كعب، بن لؤي، بن غالب، مات في الجاهلية حتف أنفه. و أما قوله: و مال الآخر لصهره يعني عبد الرحمن مال إلى عثمان؛ لأن أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط كانت تحته، و أم كلثوم هذه هي أخت عثمان من أمه أروى بنت كريز. و روى القطب الراوندي أن عمر لما قال كونوا مع الثلاثة التي عبد الرحمن فيها. قال: ابن عباس لعلي (عليه‌السلام ) ذهب الأمر منا الرجل يريد أن يكون الأمر في عثمان فقال علي (عليه‌السلام ) : و أنا أعلم ذلك و لكني أدخل معهم في الشورى؛ لأن عمر قد أهلني الآن للخلافة و كان قبل ذلك(1) يقول إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال إن النبوة و الإمامة لا يجتمعان في بيت، فأنا(2) أدخل في ذلك لأظهر للناس مناقضة فعله لروايته الذي ذكره(3) الراوندي غير معروف، و لم ينقل عمر هذا عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و لكنه قال لعبد الله بن عباس يوما يا عبد الله، ما تقول منع قومكم منكم(4) ؟. قال: لا أعلم يا أمير المؤمنين، قال اللهم غفرا إن قومكم كرهوا أن تجتمع لكم النبوة و الخلافة فتذهبون في السماء بذخا و شمخا لعلكم تقولون إن أبا بكر أراد الإمرة عليكم و هضمكم كلا لكنه حضره أمر لم يكن عنده أحزم مما فعل، و لولا رأي أبي بكر

____________________

(1) كلمة " ذلك " ساقطة من ب

(2) ا: " وأنا "

(3) ب " رواه "

(4) كذا فى الأصول وربما كانت كلمة"تقول"مقحمة، أوتكون بمعنى الظن.وفى تاريخ الطبرى:"أتدرى مامنع وقمكم منكم".

١٨٩

في بعد موته لأعاد أمركم إليكم، و لو فعل ما هنأكم مع قومكم إنهم لينظرون إليكم نظر الثور إلى جازره. فأما الرواية التي جاءت بأن طلحة لم يكن حاضرا يوم الشورى، فإن صحت فذو الضغن هو سعد بن أبي وقاص؛ لأن أمه حمنة بنت سفيان بن أمية بن عبد شمس، و الضغينة التي عنده على علي (عليه‌السلام ) من قبل أخواله الذين قتل صناديدهم و تقلد دماءهم، و لم يعرف أن عليا (عليه‌السلام ) قتل أحدا من بني زهرة لينسب الضغن إليه. و هذه الرواية هي التي اختارها أبو جعفر محمد بن جرير الطبري صاحب؟ التاريخ، قال: لما طعن عمر(1) قيل له: لو استخلفت يا أمير المؤمنين(2 ، فقال: من أستخلف2) لو كان أبو عبيدة حيا لاستخلفته(3) و قلت لربي لو سألني سمعت نبيك، يقول أبو عبيدة أمين هذه الأمة(4) و لو كان سالم مولى أبي حذيفة حيا استخلفته و قلت لربي إن سألني(5) سمعت نبيك (عليه‌السلام ) يقول: إن سالما شديد الحب لله فقال له رجل ول(6) عبد الله بن عمر، فقال قاتلك الله و الله ما الله أردت بهذا الأمر، ويحك(2) كيف أستخلف رجلا عجز عن طلاق امرأته لا أرب لعمر في خلافتكم(7) ما حمدتها فأرغب فيها لأحد من أهل بيتي إن تك خيرا فقد أصبنا منه و إن تك شرا يصرف عنا(8) حسب آل عمر أن يحاسب منهم رجل واحد و يسأل عن أمر أمة محمد. فخرج الناس من عنده، ثم راحوا إليه فقالوا له لو عهدت عهدا، قال: قد كنت أجمعت بعد مقالتي لكم(1) أن أولي أمركم رجلا هو أحراكم أن يحملكم على الحق

____________________

(1) تاريخ الرسل والملوك 227:4 وما بعدها، مع تصرف واختصار.

(2) تكملة من تاريخ الطبري

(3) الطبري: " استخلفته "

(4) الطبري: " أدلك عليه؟ عبد الله بن عمر "

(5) الطبري: " فإن سألني ربى قلت... "

(6) الطبري: " إنه أمين هذه الأمة "

(7) الطبري: " أموركم "

(8) فى الطبري: "فشر عنا آل عمر".

١٩٠

و أشار إلى علي (عليه‌السلام ) فرهقتني غشية فرأيت رجلا يدخل جنة قد غرسها(1) ، فجعل يقطف كل غضة و يانعة فيضمها إليه و يصيرها تحته فخفت أن أتحملها حيا، و ميتا و علمت أن الله غالب أمره عليكم بالرهط الذي قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) عنهم إنهم من أهل الجنة، ثم ذكر خمسة عليا، و عثمان، و عبد الرحمن، و الزبير، و سعدا. قال و لم يذكر في هذا المجلس طلحة و لا كان طلحة يومئذ بالمدينة، ثم قال لهم انهضوا إلى حجرة عائشة فتشاوروا فيها، و وضع رأسه و قد نزفه الدم. فقال العباس لعلي (عليه‌السلام ) : لا تدخل معهم و ارفع نفسك عنهم. قال: إني أكره الخلاف. قال: إذن ترى ما تكره، فدخلوا الحجرة فتناجوا حتى ارتفعت أصواتهم، فقال عبد الله بن عمر إن أمير المؤمنين لم يمت بعد ففيم هذا اللغط، و انتبه عمر و سمع الأصوات، فقال ليصل بالناس صهيب و لا يأتين اليوم الرابع من يوم موتي إلا و عليكم أمير و ليحضر عبد الله بن عمر مشيرا و ليس له شي‏ء من الأمر، و طلحة بن عبيد الله شريككم في الأمر، فإن قدم إلى ثلاثة أيام فأحضروه أمركم و إلا فأرضوه، و من لي برضا طلحة، فقال: سعد أنا لك به و لن يخالف إن شاء الله تعالى. ثم ذكر وصيته لأبي طلحة الأنصاري و ما خص به عبد الرحمن بن عوف من كون الحق في الفئة التي هو فيها، و أمره بقتل من يخالف ثم خرج الناس، فقال علي (عليه‌السلام ) لقوم معه من بني هاشم إن أطيع فيكم قومكم من قريش لم تؤمروا أبدا، و قال للعباس عدل بالأمر عني يا عم قال: و ما علمك قال قرن بي عثمان، و قال عمر كونوا مع الأكثر فإن رضي رجلان رجلا و رجلان رجلا فكونوا مع الذين فيهم عبد الرحمن، فسعد لا يخالف ابن عمه و عبد الرحمن صهر عثمان لا يختلفان فيوليها أحدهما الآخر، فلو كان الآخران معي لم يغنيا شيئا، فقال العباس: لم أدفعك إلى شي‏ء إلا رجعت إلي

____________________

(1) من الطبرى.

١٩١

مستأخرا بما أكره أشرت عليك عند مرض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أن تسأله عن هذا الأمر فيمن هو، فأبيت و أشرت عليك عند وفاته أن تعاجل البيعة(1) فأبيت، و قد أشرت عليك حين سماك عمر في الشورى اليوم أن ترفع نفسك عنها، و لا تدخل معهم فيها فأبيت، فاحفظ عني واحدة كلما عرض عليك القوم الأمر، فقل لا إلا أن يولوك، و اعلم أن هؤلاء لا يبرحون يدفعونك عن هذا الأمر حتى يقوم لك به غيرك، و ايم الله لا تناله إلا بشر لا ينفع معه خير. فقال (عليه‌السلام ) : أما إني أعلم أنهم سيولون عثمان، و ليحدثن البدع و الأحداث و لئن بقي لأذكرنك، و إن قتل أو مات ليتداولنها بنو أمية بينهم، و إن كنت حيا لتجدني حيث تكرهون، ثم تمثل:

حلفت برب الراقصات عشية

غدون خفافا يبتدرن المحصبا(2)

ليجتلبن رهط ابن يعمر غدوة(3)

نجيعا بنو الشداخ وردا مصلبا

قال ثم التفت فرأى أبا طلحة الأنصاري فكره مكانه، فقال أبو طلحة لا ترع أبا حسن، فلما مات عمر و دفن و خلوا بأنفسهم للمشاورة في الأمر، و قام أبو طلحة يحجبهم بباب البيت جاء عمرو بن العاص، و المغيرة بن شعبة فجلسا بالباب، فحصبهما سعد و أقامهما، و قال: إنما تريدان أن تقولا حضرنا و كنا في أصحاب الشورى. فتنافس القوم في الأمر و كثر بينهم الكلام. فقال أبو طلحة: أنا كنت؛ لأن تدافعوها أخوف مني عليكم أن تنافسوها أما و الذي ذهب بنفس عمر لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي وقفت لكم فاصنعوا ما بدا لكم. قال ثم إن عبد الرحمن قال لابن عمه سعد بن أبي وقاص إني قد كرهتها، و سأخلع نفسي منها؛ لأني رأيت الليلة روضة خضراء كثيرة العشب، فدخل فحل ما رأيت

____________________

(1) الطبري: " الامر "

(2) الطبري: " فابتدرن ".

(3) الطبري: ليختلن رهط ابن يعمر مارئا"، وابن الأثير 36:3:"ليختلين رهط ابن يعمر فارسا".

١٩٢

أكرم منه، فمر كأنه سهم لم يلتفت إلى شي‏ء منها حتى قطعها لم يعرج و دخل بعير يتلوه تابع أثره حتى خرج منها، ثم دخل فحل عبقري يجر خطامه، و مضى قصد الأولين، ثم دخل بعير رابع فوقع في الروضة يرتع و يخضم، و لا و الله لا أكون الرابع و إن أحدا لا يقوم مقام أبي بكر و عمر فيرضى الناس عنه. ثم ذكر خلع عبد الرحمن نفسه من الأمر على أن يوليها أفضلهم في نفسه، و أن عثمان أجاب إلى ذلك و أن عليا (عليه‌السلام ) سكت، فلما روجع رضي على موثق أعطاه عبد الرحمن أن يؤثر الحق، و لا يتبع الهوى، و لا يخص ذا رحم، و لا يألو الأمة نصحا و أن عبد الرحمن ردد القول بين علي (عليه‌السلام )، و عثمان متلوما، و أنه خلا بسعد تارة و بالمسور بن مخرمة الزهري تارة أخرى، و أجال فكره و أعمل نظره و وقف موقف الحائر بينهما قال: قال علي (عليه‌السلام ) لسعد بن أبي وقاص: يا سعد، (اِتَّقُوا اَللَّهَ اَلَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ اَلْأَرْحامَ) أسألك برحم ابني هذا من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و برحم عمي حمزة منك، ألا تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيرا قلت رحم حمزة من سعد هي أن أم حمزة هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة و هي أيضا أم المقوم و حجفل و اسمه المغيرة، و الغيداق أبناء عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، هؤلاء الأربعة بنو عبد المطلب من هالة، و هالة هذه هي عمة سعد بن أبي وقاص، فحمزة إذن ابن عمة سعد، و سعد ابن خال حمزة. قال أبو جعفر: فلما أتى اليوم الثالث جمعهم عبد الرحمن و اجتمع الناس كافة فقال: عبد الرحمن أيها الناس أشيروا علي في هذين الرجلين، فقال عمار بن ياسر: إن أردت ألا يختلف الناس فبايع عليا (عليه‌السلام )، فقال المقداد: صدق عمار، و إن بايعت عليا سمعنا و أطعنا. فقال عبد الله بن أبي سرح: إن أردت ألا تختلف قريش

١٩٣

فبايع عثمان. قال عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي: صدق إن بايعت عثمان سمعنا و أطعنا، فشتم عمار ابن أبي سرح و قال له: متى كنت تنصح الإسلام(1) . فتكلم بنو هاشم، و بنو أمية، و قام عمار فقال: أيها الناس، إن الله أكرمكم بنبيه و أعزكم بدينه فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم. فقال رجل من بني مخزوم: لقد عدوت طورك يا ابن سمية، و ما أنت و تأمير قريش لأنفسها. فقال سعد: يا عبد الرحمن، افرغ من أمرك قبل أن يفتتن الناس فحينئذ عرض عبد الرحمن على علي (عليه‌السلام ) العمل بسيرة الشيخين، فقال: (بل أجتهد برأيي) فبايع عثمان بعد أن عرض عليه، فقال: نعم. فقال علي (عليه‌السلام ) : (ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اَللَّهُ اَلْمُسْتَعانُ عَلى‏ ما تَصِفُونَ و الله ما وليته الأمر إلا ليرده إليك و الله كل يوم في شأن). فقال عبد الرحمن: لا تجعلن على نفسك سبيلا يا علي، يعني: أمر عمر أبا طلحة أن يضرب عنق المخالف، فقام علي (عليه‌السلام ) فخرج و قال: (سيبلغ الكتاب أجله)، فقال عمار: يا عبد الرحمن، أما و الله لقد تركته و إنه من الذين يقضون بالحق و به كانوا يعدلون. فقال المقداد: تالله ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم وا عجبا لقريش لقد تركت رجلا ما أقول و لا أعلم أن أحدا أقضى بالعدل، و لا أعلم، و لا أتقى منه، أما و الله لو أجد أعوانا. فقال عبد الرحمن: اتق الله يا مقداد، فإني خائف عليك الفتنة.

و قال علي (عليه‌السلام ) : (إني لأعلم ما في أنفسهم إن الناس ينظرون إلى قريش، و قريش تنظر في صلاح شأنها فتقول إن ولي الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبدا، و ما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش). قال و قدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان فتلكأ ساعة، ثم بايع.

____________________

(1) الطبري: "المسلمين".

١٩٤

و روى أبو جعفر رواية أخرى أطالها و ذكر خطب أهل الشورى، و ما قاله كل منهم و ذكر كلاما قاله علي (عليه‌السلام ) في ذلك اليوم، و هو: (الحمد لله الذي اختار محمدا منا نبيا، و ابتعثه إلينا رسولا، فنحن أهل بيت النبوة، و معدن الحكمة أمان لأهل الأرض و نجاة لمن طلب، إن لنا حقا إن نعطه نأخذه و إن نمنعه نركب أعجاز الإبل و إن طال السرى، لو عهد إلينا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) عهدا لأنفذنا عهده و لو قال لنا قولا لجالدنا عليه حتى نموت لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق، و صلة رحم و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم، اسمعوا كلامي و عوا منطقي عسى أن تروا هذا الأمر بعد هذا الجمع تنتضى فيه السيوف، و تخان فيه العهود حتى لا يكون لكم جماعة و حتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة و شيعة لأهل الجهالة). قلت: و قد ذكر الهروي(1) في كتاب الجمع بين الغريبين قوله و إن نمنعه نركب أعجاز الإبل و فسره على وجهين: أحدهما: أن من ركب عجز البعير يعاني مشقة و يقاسي جهدا، فكأنه قال: و إن نمنعه نصبر على المشقة كما يصبر عليها راكب عجز البعير. و الوجه الثاني: أنه أراد نتبع غيرنا كما أن راكب عجز البعير يكون رديفا لمن هو أمامه، فكأنه قال: و إن نمنعه نتأخر و نتبع غيرنا كما يتأخر راكب البعير.

____________________

(1) هو أبو عبيد أحمد بن محمد الهروي، صيف كتابه في الجمع بين غريبي القرآن والحديث.

١٩٥

و قال أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل: استجيبت دعوة علي (عليه‌السلام ) في عثمان، و عبد الرحمن، فما ماتا إلا متهاجرين متعاديين أرسل عبد الرحمن إلى عثمان يعاتبه، و قال لرسوله: قل له، لقد وليتك ما وليتك من أمر الناس و إن لي لأمورا ما هي لك شهدت بدرا، و ما شهدتها و شهدت بيعة الرضوان و ما شهدتها، و فررت يوم أحد و صبرت. فقال عثمان لرسوله: قل له، أما يوم بدر فإن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ردني إلى ابنته لما بها من المرض، و قد كنت خرجت للذي خرجت له و لقيته عند منصرفه، فبشرني بأجر مثل أجوركم و أعطاني سهما مثل سهامكم، و أما بيعة الرضوان فإنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) بعثني أستأذن قريشا في دخوله إلى مكة، فلما قيل له إني قتلت بايع المسلمين على الموت لما سمعه عني، و قال إن كان حيا فأنا أبايع عنه و صفق بإحدى يديه على الأخرى، و قال يساري خير من يمين عثمان فيدك أفضل أم يد رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )؟ و أما صبرك يوم أحد و فراري فلقد كان ذلك فأنزل الله تعالى العفو عني في كتابه فعيرتني بذنب غفره الله لي، و نسيت من ذنوبك ما لا تدري أغفر لك أم لم يغفر. لما بنى عثمان قصره طمار(1) بالزوراء و صنع طعاما كثيرا، و دعا الناس إليه كان فيهم عبد الرحمن فلما نظر للبناء و الطعام، قال: يا ابن عفان، لقد صدقنا عليك ما كنا نكذب فيك و إني أستعيذ بالله من بيعتك، فغضب عثمان و قال: أخرجه عني يا غلام، فأخرجوه و أمر الناس ألا يجالسوه ف، لم يكن يأتيه أحد إلا ابن عباس كان يأتيه فيتعلم منه القرآن و الفرائض، و مرض عبد الرحمن فعاده عثمان و كلمه فلم يكلمه حتى مات

____________________

(1) طمار:موضع عنى سوق المدينة، ذكرة ياقوت.

١٩٦

(إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ اَلْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اَللَّهِ خَضْمَ خِضْمَةَ اَلْإِبِلِ نِبْتَةَ اَلرَّبِيعِ إِلَى أَنِ اِنْتَكَثَ عَلَيْهِ فَتْلُهُ وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَ كَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ)، نافجا حضنيه رافعا لهما، و الحضن ما بين الإبط و الكشح، يقال للمتكبر جاء نافجا حضنيه، و يقال لمن امتلأ بطنه طعاما جاء نافجا حضنيه و مراده (عليه‌السلام ) هذا الثاني، و النثيل الروث و المعتلف موضع العلف يريد أن همه الأكل و الرجيع، و هذا من ممض الذم و أشد من قول الحطيئة الذي قيل إنه أهجى بيت للعرب:

دع المكارم لا ترحل لبغيتها

واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي(1)

و الخضم أكل بكل الفم، و ضده القضم، و هو الأكل بأطراف الأسنان، و قيل الخضم أكل الشي‏ء الرطب، و القضم أكل الشي‏ء اليابس، و المراد على التفسيرين لا يختلف، و هو أنهم على قدم عظيمة من النهم، و شدة الأكل، و امتلاء الأفواه، و قال أبو ذررحمه‌الله تعالى إن بني أمية يخضمون، و نقضم و الموعد لله، و الماضي خضمت بالكسر و مثله قضمت. و النبتة بكسر النون كالنبات تقول نبت الرطب نباتا، و نبتة و انتكث فتله انتقض، و هذه استعارة، و أجهز عليه عمله تمم قتله يقال أجهزت على الجريح مثل: ذففت إذا أتممت قتله و كبت به بطنته كبا الجواد إذا سقط لوجهه، و البطنة الإسراف في الشبع

____________________

(1) ديوانه 54

١٩٧

نتف من أخبار عثمان بن عفان

و ثالث القوم هو عثمان بن عفان، بن أبي العاص؛ بن أمية بن، عبد شمس، بن عبد مناف، كنيته أبو عمرو، و أمه أروى بنت كريز، بن ربيعة، بن حبيب، بن عبد شمس. بايعه الناس بعد انقضاء الشورى، و استقرار الأمر له، و صحت فيه فراسة عمر، فإنه أوطأ بني أمية رقاب الناس و ولاهم الولايات، و أقطعهم القطائع، و افتتحت إفريقية في أيامه فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان، فقال عبد الرحمن بن حنبل الجمحي:

أحلف بالله رب الأنام

ما ترك الله شيئا سدى

ولكن خلقت لنا فتنة

لكي نبتلى بك أو تبتلى

فإن الأمينين قد بينا

منار الطريق عليه الهدى

فما أخذا درهما غيلة

و لا جعلا درهما في هوى

و أعطيت مروان خمس البلاد

فهيهات سعيك ممن سعى

الأمينان أبوبكر و عمر. و طلب منه عبد الله بن خالد بن أسيد صلة، فأعطاه أربعمائة ألف درهم. و أعاد الحكم بن أبي العاص بعد أن كان(1) رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قد سيره ثم لم يرده أبوبكر و لا عمر، و أعطاه مائة ألف درهم. و تصدق رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) بموضع سوق بالمدينة يعرف بمهزور على المسلمين، فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم. و أقطع مروان فدك(2) ، و قد كانت فاطمة (سلام الله عليها) طلبتها بعد وفاة أبيها (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )

____________________

(1) كلمة " كان " ساقطة من ب

(2) فدك: قربة بالحجاز بينها وبين المدينة يومان، أفاءها الله على رسوله في سنة سبع صلحا، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل خيبر، وفتح حصونها، ولم يبق إلا ثلث، واشتد بهم الحصار، راسلوا رسول الله صلى الله عليه وسلم يسألونه أن ينزلهم على الجلاء، وفعل، وبلغ ذلك أهل فدك، فأرسلوا إلى رسول الله أن يصالحهم على النصف من ثمارها وأموالهم فأجابهم إلى ذلك، فهي مما لم يوجف عليه بخيل ولا ركاب، فكانت خالصة لرسول الله صلى الله عليه. معجم البلدان 6: 343

١٩٨

تارة بالميراث، و تارة بالنحلة فدفعت عنها، و حمى المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين، كلهم إلا عن بني أمية. و أعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقية بالمغرب، و هي من طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين. و أعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال، و قد كان زوجه ابنته أم أبان فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح، فوضعها بين يدي عثمان و بكى، فقال عثمان: أتبكي أن وصلت رحمي. قال: لا و لكن أبكي؛ لأني أظنك أنك أخذت هذا المال عوضا عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، و الله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا. فقال: ألق المفاتيح يا ابن أرقم، فأنا سنجد غيرك. و أتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة فقسمها كلها في بني أمية، و أنكح الحارث بن الحكم ابنته عائشة، فأعطاه مائة ألف من بيت المال أيضا بعد صرفه زيد بن أرقم عن خزنة. و انضم إلى هذه الأمور أمور أخرى نقمها عليه المسلمون، كتسيير أبي ذررحمه‌الله تعالى إلى الربذة، و ضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر أضلاعه، و ما أظهر من الحجاب و العدول عن طريقة عمر في إقامة الحدود، و رد المظالم، و كف الأيدي العادية، و الانتصاب لسياسة الرعية، و ختم ذلك ما وجدوه من كتابه إلى معاوية(1) يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين، و اجتمع عليه كثير من أهل المدينة مع القوم الذين وصلوا من مصر لتعديد أحداثه عليه فقتلوه. و قد أجاب أصحابنا عن المطاعن في عثمان بأجوبة مشهورة مذكورة في كتبهم، و الذي نقول نحن إنها و إن كانت أحداثا إلا أنها لم تبلغ المبلغ الذي يستباح به دمه

____________________

(1) كلاا فى جميع الأصول؛ ويرى الأستاذ مكى السيى جاسم أن الصحيح أن الكتاب الذي وجودوه ممه موجه إلى عبد الله بن أبي سرح لا إلى معاوية.

١٩٩

و قد كان الواجب عليهم أن يخلعوه من الخلافة حيث لم يستصلحوه لها و لا يعجلوا بقتله و أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) أبرأ الناس من دمه، و قد صرح بذلك في كثير من كلامه من ذلك قوله (عليه‌السلام ) : (و الله ما قتلت عثمان و لا مالأت على قتله و صدق (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) : فَمَا رَاعَنِي إِلاَّ وَ اَلنَّاسُ إِلَيَّ كَعُرْفِ اَلضَّبُعِ إِلَيَّ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ اَلْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَايَ [ عِطَافِي ] مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ اَلْغَنَمِ فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ وَ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ فَسَقَ قَسَطَ [ فَسَقَ ] آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلاَمَ اَللَّهِ سُبْحَانَهُ حَيْثُ يَقُولُ( تِلْكَ اَلدَّارُ اَلْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي اَلْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ اَلْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ ) (1) بَلَى وَ اَللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا وَ لَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ اَلدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا)، عرف الضبع ثخين و يضرب به المثل في الازدحام، و ينثالون يتتابعون مزدحمين، و الحسنان الحسن و الحسين (عليه‌السلام )، و العطفان الجانبان من المنكب إلى الورك، و يروى عطافي و العطاف الرداء، و هو أشبه بالحال إلا أن الرواية الأولى أشهر و المعنى خدش جانباي لشدة الاصطكاك منهم و الزحام، و قال القطب الراوندي: الحسنان إبهاما الرجل و هذا لا أعرفه.

____________________

(1) سورة القصص 83

٢٠٠