كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 350

كتاب شرح نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف: الصفحات: 350
المشاهدات: 90585
تحميل: 7663


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 350 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90585 / تحميل: 7663
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

و قوله كربيضة الغنم أي كالقطعة الرابضة من الغنم يصف شدة ازدحامهم حوله و جثومهم بين يديه. و قال القطب الراوندي يصف بلادتهم و نقصان عقولهم؛ لأنالغنم توصف بقلة الفطنة و هذا التفسير بعيد و غير مناسب للحال. فأما الطائفة الناكثة فهم أصحاب الجمل و أما الطائفة الفاسقة فأصحاب صفين و سماهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) القاسطين و أما الطائفة المارقة فأصحاب النهروان و أشرنا نحن بقولنا سماهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) القاسطين إلى

قوله (عليه‌السلام ) : ستقاتل بعدي الناكثين و القاسطين و المارقين، و هذا الخبر من دلائل نبوته (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) ؛ لأنه إخبار صريح بالغيب لا يحتمل التمويه و التدليس، كما تحتمله الأخبار المجملة و صدق قوله (عليه‌السلام ) و المارقين، قوله أولا في الخوارج يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية، و صدق قوله (عليه‌السلام ) الناكثين كونهم نكثوا البيعة بادئ بدء، و قد كان (عليه‌السلام ) يتلو وقت مبايعتهم له:( فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى‏ نَفْسِهِ ) (1) . و أما أصحاب صفين فإنهم عند أصحابنا رحمهم الله مخلدون في النار لفسقهم، فصح فيهم قوله تعالى:( وَ أَمَّا اَلْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً ) (2) . و قوله (عليه‌السلام ) : حليت الدنيا في أعينهم تقول حلا الشي‏ء في فمي يحلو و حلي لعيني يحلى و الزبرج الزينة من وشي أو غيره، و يقال الزبرج الذهب. فأما الآية فنحن نذكر بعض ما فيها، فنقول إنه تعالى لم يعلق الوعد بترك العلو في الأرض و الفساد، و لكن بترك إرادتهما و هو كقوله تعالى:( وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى اَلَّذِينَ

____________________

(1) سورة الفتح 10

(2) سورة الجن 15

٢٠١

ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ اَلنَّارُ ) (1) علق الوعيد بالركون إليهم و الميل معهم و هذا شديد في الوعيد.

و يروى عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) أنه قال إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أحسن من شراك نعل صاحبه، فيدخل تحت هذه الآية و يقال إن عمر بن عبد العزيز كان يرددها حتى قبض: (أَمَا وَ اَلَّذِي فَلَقَ اَلْحَبَّةَ وَ بَرَأَ اَلنَّسَمَةَ لَوْ لاَ حُضُورُ اَلْحَاضِرِ وَ قِيَامُ اَلْحُجَّةِ بِوُجُودِ اَلنَّاصِرِ وَ مَا أَخَذَ اَللَّهُ عَلَى اَلْعُلَمَاءِ أَلاَّ يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لاَ سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ فلق الحبة من قوله تعالى( فالِقُ اَلْحَبِّ وَ اَلنَّوى) (2) و النسمة كل ذي روح من البشر خاصة. قوله: لو لا حضور الحاضر يمكن أن يريد به لو لا حضور البيعة، فإنها بعد عقدها تتعين المحاماة عنها، و يمكن أن يريد بالحاضر من حضره من الجيش الذين يستعين بهم على الحرب و الكظة بكسر الكاف ما يعتري الإنسان من الثقل، و الكرب عند الامتلاء من الطعام و السغب الجوع، و قولهم قد ألقى فلآن حبل فلآن على غاربه

____________________

(1) سورة هود 113

(2) سورة الأنعام 95

٢٠٢

أي: تركه هملا يسرح حيث يشاء من غير وازع و لا مانع، و الفقهاء يذكرون هذه اللفظة في كنايات الطلاق و عفطة عنز ما تنثره من أنفها عفطت تعفط بالكسر، و أكثر ما يستعمل ذلك في النعجة، فأما العنز فالمستعمل الأشهر فيها النفطة بالنون، و يقولون ما له عافط و لا نافط، أي: نعجة و لا عنز فإن قيل أ يجوز أن يقال العفطة هاهنا الحبقة، فإن ذلك يقال في العنز خاصة عفطت تعفط قيل ذلك جائز إلا أن الأحسن و الأليق بكلام أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) التفسير الأول فإن جلالته، و سؤدده تقتضي أن يكون ذاك أراد لا الثاني فإن صح أنه لا يقال في العطسة عفطة إلا للنعجة قلنا إنه استعمله في العنز مجازا. يقول (عليه‌السلام ) : لو لا وجود من ينصرني لا كما كانت الحال عليها أولا بعد وفاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، فإني لم أكن حينئذ واجدا للناصر مع كوني مكلفا إلا أمكن الظالم من ظلمه لتركت الخلافة و لرفضتها الآن كما رفضتها قبل، و لوجدتم هذه الدنيا عندي أهون من عطسة عنز، و هذا إشارة إلى ما يقوله أصحابنا من وجوب النهي عن المنكر عند التمكن: (قَالُوا وَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ اَلسَّوَادِ عِنْدَ بُلُوغِهِ إِلَى هَذَا اَلْمَوْضِعِ مِنْ خُطْبَتِهِ فَنَاوَلَهُ كِتَاباً قِيلَ إِنَّ فِيهِ مَسَائِلَ كَانَ يُرِيدُ اَلْإِجَابَةَ عَنْهَا فَأَقْبَلَ يَنْظُرُ فِيهِ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ [ فَلَمَّا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَتِهِ ] قَالَ لَهُ اِبْنُ عَبَّاسٍرضي‌الله‌عنه مَا يَا أَمِيرَ اَلْمُؤْمِنِينَ لَوِ اِطَّرَدَتْ مَقَالَتُكَ خُطْبَتُكَ مِنْ حَيْثُ أَفْضَيْتَ فَقَالَ هَيْهَاتَ يَا اِبْنَ عَبَّاسٍ تِلْكَ شِقْشِقَةٌ هَدَرَتْ ثُمَّ قَرَّتْ قَالَ اِبْنُ عَبَّاسٍ فَوَاللَّهِ مَا أَسَفْتُ عَلَى كَلاَمٍ قَطُّ كَأَسَفِي عَلَى هَذَا اَلْكَلاَمِ أَلاَّ يَكُونَ أَمِيرُ اَلْمُؤْمِنِينَ بَلَغَ مِنْهُ حَيْثُ أَرَادَ)

٢٠٣

قوله: (عليه‌السلام ) في هذه الخطبة كراكب الصعبة إن أشنق لها خرم، و إن أسلس لها تقحم يريد أنه إذا شدد عليها في جذب الزمام، و هي تنازعه رأسها خرم أنفها، و إن أرخى لها شيئا مع صعوبتها تقحمت به فلم يملكها يقال أشنق الناقة إذا جذب رأسها بالزمام فرفعه و شنقها أيضا، ذكر ذلك ابن السكيت في إصلاح المنطق و إنما قال (عليه‌السلام ) أشنق لها و لم يقل أشنقها؛ لأنه جعله في مقابلة قوله أسلس لها، فكأنه قال إن رفع لها رأسها بالزمام، يعني أمسكه عليها و في الحديث أن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) خطب على ناقة و قد شنق لها فهي تقصع بجرتها، و من الشاهد على أن أشنق بمعنى شنق قول عدي بن زيد العبادي:

ساءها ما لها تبين في الأيدي

وإشناقها إلى الأعناق

سمي السواد سوادا لخضرته بالزروع، و الأشجار و النخل، و العرب تسمي الأخضر أسود قال سبحانه:( مُدْهامَّتانِ ) (1) يريد الخضرة، و قوله لو اطردت مقالتك، أي: أتبعت الأول قولا ثانيا من قولهم اطرد النهر إذا تتابع جريه. و قوله: من حيث أفضيت أصل أفضى خرج إلى الفضاء فكأنه شبهه (عليه‌السلام ) حيث سكت عما كان يقوله بمن خرج من خباء أو جدار إلى فضاء من الأرض و ذلك؛ لأن النفس و القوى و الهمة عند ارتجال الخطب و الأشعار تجتمع إلى القلب، فإذا قطع الإنسان و فرغ تفرقت و خرجت عن حجر الاجتماع و استراحت

____________________

سورة الرحمن 64.

٢٠٤

و الشقشقة بالكسر فيهما شي‏ء يخرجه البعير من فيه إذا هاج، و إذا قالوا للخطيب ذو شقشقة فإنما شبهوه بالفحل و الهدير صوتها. و أما قول ابن عباس ما أسفت على كلام إلى آخره، فحدثني شيخي أبو الخير مصدق بن شبيب الواسطي(1) في سنة ثلاث و ستمائة، قال: قرأت على الشيخ أبي محمد عبد الله بن أحمد المعروف بابن الخشاب هذه الخطبة، فلما انتهيت إلى هذا الموضع، قال لي: لو سمعت ابن عباس يقول هذا لقلت له، و هل بقي في نفس ابن عمك أمر لم يبلغه في هذه الخطبة لتتأسف، ألا يكون بلغ من كلامه ما أراد و الله ما رجع عن الأولين و لا عن الآخرين و لا بقي في نفسه أحد لم يذكره إلا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ). قال مصدق و كان ابن الخشاب صاحب دعابة و هزل قال: فقلت له أ تقول إنها منحولة: فقال لا و الله و إني لأعلم أنها كلامه كما أعلم أنك مصدق. قال: فقلت له إن كثيرا من الناس يقولون إنها من كلام الرضيرحمه‌الله تعالى، فقال: أنى للرضي و لغير الرضي هذا النفس و هذا الأسلوب قد وقفنا على رسائل الرضي، و عرفنا طريقته و فنه في الكلام المنثور، و ما يقع مع هذا الكلام في خل و لا خمر، ثم قال و الله لقد وقفت على هذه الخطبة في كتب صنفت قبل أن يخلق الرضي بمائتي سنة و لقد وجدتها مسطورة بخطوط أعرفها، و أعرف خطوط من هو من العلماء و أهل الأدب قبل أن يخلق النقيب أبو أحمد والد الرضي. قلت: و قد وجدت أنا كثيرا من هذه الخطبة في تصانيف شيخنا أبي القاسم البلخي(2)

____________________

(1) مصدق بن شبيب بن الحسين الصلحي الواسطي، ذكره القفطي في إنباه الرواة (274:3)، وقال إنه قدم بغداد، وقرأ بها على ابن الخشاب وحبشي بن محمد الضرير، وعبد الرحمن بن الأنباري وغيرهم، وتوفى ببغداد سنة 605

(2) أبو القاسم البلخي، ذكره ابن النديم وقال: " كان من أهل بلخ، يطوف البلاد ويجول الأرض، حسن المعرفة عبد الله بن أحمد بالفلسفة والعلوم القديمة... ورأيت بخطه شيئا كثيرا في علوم كثيرة مسودات ودساتير، يخرج منها إلى الناس كتاب تام " الفهرست 299. وابن خلكان 252:1

٢٠٥

إمام البغداديين من المعتزلة و كان في دولة المقتدر قبل أن يخلق الرضي بمدة طويلة، و وجدت أيضا كثيرا منها في كتاب أبي جعفر بن قبة أحد متكلمي الإمامية(1) ، و هو الكتاب المشهور المعروف بكتاب الإنصاف، و كان أبو جعفر هذا من تلامذة الشيخ أبي القاسم البلخيرحمه‌الله تعالى و مات في ذلك العصر قبل أن يكون الرضيرحمه‌الله تعالى موجودا

____________________

(1) هو أبو جعفر بن قبة، من متكلمي الشيعة وحذاقهم، وله من الكتب كتاب الانصاف في الإمامة، الفهرست 176

٢٠٦

4. و من خطبة له (عليه‌السلام )

) بِنَا اِهْتَدَيْتُمْ فِي اَلظَّلْمَاءِ وَ تَسَنَّمْتُمُ تَسَنَّمْتُمْ ذُرْوَةَ اَلْعَلْيَاءَ(1) وَ بِنَا اِنْفَجَرْتُمْ أَفْجَرْتُمْ [ اِنْفَجَرْتُمْ ] عَنِ السِّرَارِ وُقِرَ سَمْعٌ لَمْ يَفْقَهِ [ يَسْمَعِ ] اَلْوَاعِيَةَ وَ كَيْفَ يُرَاعِي اَلنَّبْأَةَ مَنْ أَصَمَّتْهُ اَلصَّيْحَةُ رُبِطَ جَنَانٌ لَمْ يُفَارِقْهُ اَلْخَفَقَانُ مَا زِلْتُ أَنْتَظِرُ بِكُمْ عَوَاقِبَ اَلْغَدْرِ وَ أَتَوَسَّمُكُمْ بِحِلْيَةِ اَلْمُغْتَرِّينَ حَتَّى سَتَرَنِي عَنْكُمْ جِلْبَابُ اَلدِّينِ وَ بَصَّرَنِيكُمْ صِدْقُ اَلنِّيَّةِ أَقَمْتُ لَكُمْ عَلَى سَنَنِ اَلْحَقِّ فِي جَوَادِّ اَلْمَضَلَّةِ حَيْثُ تَلْتَقُونَ وَ لاَ دَلِيلَ وَ تَحْتَفِرُونَ وَ لاَ تُمِيهُونَ اَلْيَوْمَ أُنْطِقُ لَكُمُ اَلْعَجْمَاءَ ذَاتَ اَلْبَيَانِ عَزَبَ [ غَرَبَ ] رَأْيُ اِمْرِئٍ تَخَلَّفَ عَنِّي مَا شَكَكْتُ فِي اَلْحَقِّ مُذْ أُرِيتُهُ لَمْ يُوجِسْ مُوسَى ع خِيفَةً عَلَى نَفْسِهِ بَلْ أَشْفَقَ مِنْ غَلَبَةِ اَلْجُهَّالِ وَ دُوَلِ اَلضَّلاَلِ اَلْيَوْمَ تَوَاقَفْنَا عَلَى سَبِيلِ اَلْحَقِّ وَ اَلْبَاطِلِ مَنْ وَثِقَ بِمَاءٍ لَمْ يَظْمَأْ)

____________________

(1) فى ا:"تسنمتم العلياء".

٢٠٧

هذه الكلمات و الأمثال ملتقطة من خطبة طويلة منسوبة إليه (عليه‌السلام ) قد زاد(1) فيها قوم أشياء حملتهم عليها أهواؤهم لا توافق ألفاظها طريقته (عليه‌السلام ) في الخطب و لا تناسب فصاحتها فصاحته، و لا حاجة إلى ذكرها فهي شهيرة، و نحن نشرح هذه الألفاظ؛ لأنها كلامه (عليه‌السلام ) لا يشك في ذلك من له ذوق و نقد و معرفة بمذاهب الخطباء و الفصحاء في خطبهم و رسائلهم، و لأن الرواية لها كثيرة، ولأن الرضي رحمة الله تعالى عليه قد التقطها و نسبها إليه (عليه‌السلام )، و صححها و حذف ما عداها. و أما قوله (عليه‌السلام ) : بنا اهتديتم في الظلماء فيعني بالظلماء الجهالة و تسنمتم العلياء ركبتم سنامها و هذه استعارة. قوله: و بنا انفجرتم عن السرار، أي: دخلتم في الفجر، و السرار الليلة، و الليلتان يستتر فيهما القمر في آخر الشهر فلا يظهر، و روي أفجرتم و هو أفصح و أصح؛ لأن انفعل لا يكون إلا مطاوع فعل نحو كسرته فانكسر و حطمته فانحطم إلا ما شذ من قولهم أغلقت الباب فانغلق، و أزعجته فانزعج، و أيضا فإنه لا يقع إلا حيث يكون علاج و تأثير، نحو: انكسر و انحطم، و لهذا قالوا إن قولهم انعدم خطأ و أما أفعل فيجي‏ء لصيرورة الشي‏ء على حال و أمر نحو أغد البعير، أي: صار ذا غدة و أجرب الرجل إذا صار ذا إبل جربى و غير ذلك فأفجرتم، أي: صرتم ذوي فجر. و أما عن في قوله عن السرار فهي للمجاوزة على حقيقة معناها الأصلي، أي: منتقلين عن السرار و متجاوزين له. و قوله (عليه‌السلام ) : وقر سمع هذا دعاء على السمع الذي لم يفقه الواعية بالثقل و الصمم، وقرت أذن زيد بضم الواو فهي موقورة، و الوقر بالفتح الثقل في الأذن

____________________

(1) ب " رأى ".

٢٠٨

وقرت أذنه بفتح الواو و كسر القاف توقر وقرا، أي: صمت و المصدر في هذا الموضع جاء بالسكون، و هو شاذ و قياسه التحريك بالفتح، نحو: ورم ورما و الواعية الصارخة من الوعاء، و هو الجلبة و الأصوات و المراد العبر و المواعظ. قوله كيف يراعي النبأة هذا مثل آخر يقول كيف يلاحظ و يراعي العبر الضعيفة من لم ينتفع بالعبر الجلية الظاهرة بل فسد عندها، و شبه ذلك بمن أصمته الصيحة القوية، فإنه محال أن يراعي بعد ذلك الصوت الضعيف، و النبأة هي الصوت الخفي. فإن قيل هذا يخالف قولكم إن الاستفساد لا يجوز على الحكيم سبحانه، فإن كلامه (عليه‌السلام ) صريح في أن بعض المكلفين يفسد عند العبر و المواعظ. قيل: إن لفظة أفعل قد تأتي لوجود الشي‏ء على صفة نحو أحمدته إذا أصبته محمودا، و قالوا أحييت الأرض إذا وجدتها حية النبات(1) ، فقوله أصمته الصيحة ليس معناه أن الصيحة كانت علة لصممه، بل معناه صادفته أصم و بهذا تأول أصحابنا قوله تعالى:( وَ أَضَلَّهُ اَللَّهُ عَلى‏ عِلْمٍ ) (2) . قوله: ربط جنان لم يفارقه الخفقان هذا مثل آخر، و هو دعاء لقلب لا يزال خائفا من الله يخفق بالثبوت و الاستمساك. قوله: ما زلت أنتظر بكم يقول كنت مترقبا غدركم متفرسا فيكم الغرر و هو الغفلة. و قيل: إن هذه الخطبة خطبها بعد مقتل طلحة و الزبير مخاطبا بها لهما، و لغيرهما من أمثالهما كما قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يوم بدر بعد قتل من قتل من قريش يا عتبة بن ربيعة

____________________

(1) ا: " ذا نبات "

(2) سورة الجاثية 23

٢٠٩

يا شيبة بن ربيعة، يا عمرو بن هشام، و هم جيف منتنة قد جروا إلى القليب. قوله سترني عنكم هذا يحتمل وجوها أوضحها أن إظهاركم شعار الإسلام عصمكم مني مع علمي بنفاقكم، و إنما أبصرت نفاقكم و بواطنكم الخبيثة بصدق نيتي كما يقال المؤمن يبصر بنور الله و يحتمل أن يريد سترني عنكم جلباب ديني، و منعني أن أعرفكم نفسي و ما أقدر عليه من عسفكم، كما تقول لمن استهان بحقك أنت لا تعرفني و لو شئت لعرفتك نفسي. و فسر القطب الراوندي قوله (عليه‌السلام ) : و بصرنيكم صدق النية، قال: معناه أنكم إذا صدقتم نياتكم و نظرتم بأعين لم تطرف بالحسد و الغش و أنصفتموني أبصرتم عظيم منزلتي. و هذا ليس بجيد؛ لأنه لو كان هو المراد لقال و بصركم إياي صدق النية، و لم يقل ذلك و إنما قال بصرنيكم فجعل صدق النية مبصرا له لا لهم، و أيضا فإنه حكم بأن صدق النية هو علة التبصير و أعداؤه لم يكن فيهم صادق النية و ظاهر الكلام الحكم، و القطع لا التعليق بالشرط. قوله أقمت لكم على سنن الحق يقال تنح عن سنن الطريق، و سنن الطريق بفتح السين، و ضمها فالأول مفرد، و الثاني جمع سنة، و هي جادة الطريق و الواضح منها و أرض مضلة و مضلة بفتح الضاد و كسرها يضل سالكها، و أماه المحتفر يميه أنبط الماء يقول فعلت من إرشادكم و أمركم بالمعروف و نهيكم عن المنكر ما يجب على مثلي فوقفت لكم على جادة الحق، و منهجه حيث طرق الضلال كثيرة مختلفة من سائر جهاتي و أنتم تائهون فيها تلتقون، و لا دليل لكم و تحتفرون لتجدوا ماء تنقعون به غلتكم فلا تظفرون بالماء و هذه كلها استعارات.

٢١٠

قوله: اليوم أنطق هذا مثل آخر و العجماء التي لا نطق لها و هذا إشارة إلى الرموز التي تتضمنها هذه الخطبة يقول هي خفية غامضة، و هي مع غموضها جلية لأولى الألباب فكأنها تنطق كما ينطق ذوو الألسنة كما قيل ما الأمور الصامتة الناطقة، فقيل الدلائل المخبرة و العبر الواعظة و في الأثر سل الأرض من شق أنهارك و أخرج ثمارك، فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا. قوله: عزب رأي امرئ تخلف عني هذا كلام آخر عزب، أي: بعد و العازب البعيد، و يحتمل أن يكون هذا الكلام إخبارا، و أن يكون دعاء كما أن قوله تعالى:( حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ يحتمل الأمرين ) (1) . قوله: ما شككت في الحق مذ رأيته هذا كلام آخر يقول معارفي ثابتة لا يتطرق إليها الشك و الشبهة. قوله: لم يوجس موسى هذا كلام شريف جدا يقول إن موسى لما أوجس الخيفة بدلالة قوله تعالى:( فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى ‏) (1) لم يكن ذلك الخوف على نفسه، و إنما خاف من الفتنة و الشبهة الداخلة على المكلفين عند إلقاء السحرة عصيهم فخيل إليه من سحرهم أنها تسعى، و كذلك أنا لا أخاف على نفسي من الأعداء الذين نصبوا لي الحبائل، و أرصدوا لي المكايد و سعروا علي نيران الحرب، و إنما أخاف أن يفتتن المكلفون بشبههم و تمويهاتهم فتقوى دولة الضلال و تغلب كلمة الجهال. قوله: اليوم تواقفنا القاف قبل الفاء تواقف القوم على الطريق، أي: وقفوا كلهم عليها يقول اليوم اتضح الحق و الباطل و عرفناهما نحن و أنتم. قوله: من وثق بماء لم يظمأ الظمأ الذي يكون عند عدم الثقة بالماء و ليس

____________________

(1) سورة النساء 90

(2) سورة طه 67

٢١١

يريد النفي المطلق؛ لأن الواثق بالماء قد يظمأ و لكن لا يكون عطشه على حد العطش الكائن عند عدم الماء، و عدم الوثوق بوجوده و هذا كقول أبي الطيب:

وما صبابة مشتاق على أمل

من اللقاء كمشتاق بلا أمل(1)

و الصائم في شهر رمضان يصبح جائعا تنازعه نفسه إلى الغذاء، و في أيام الفطر لا يجد تلك المنازعة في مثل ذلك الوقت؛ لأن الصائم ممنوع و النفس تحرص على طلب ما منعت منه يقول إن وثقتم بي، و سكنتم إلى قولي كنتم أبعد عن الضلال و أقرب إلى اليقين، و ثلج النفس كمن وثق بأن الماء في إداوته يكون عن الظمأ و خوف الهلاك من العطش أبعد ممن لم يثق بذلك

____________________

(1) ديوانه 75:3

٢١٢

5. و من كلام خطبة له(1) ع لما قبض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و خاطبه العباس و أبو سفيان بن حرب في أن(2) يبايعا له بالخلافة

و ذلك بعد أن تمت البيعة لأبي بكر في السقيفة و فيها ينهى عن الفتنة و يبين عن خلقه و علمه (أَيُّهَا اَلنَّاسُ شُقُّوا أَمْوَاجَ اَلْفِتَنِ بِسُفُنِ اَلنَّجَاةِ وَ عَرِّجُوا عَنْ طَرِيقِ اَلْمُنَافَرَةِ وَ ضَعُوا تِيجَانَ اَلْمُفَاخَرَةِ أَفْلَحَ مَنْ نَهَضَ بِجَنَاحٍ أَوِ اِسْتَسْلَمَ(3) فَأَرَاحَ هَذَا مَاءٌ آجِنٌ وَ لُقْمَةٌ يَغَصُّ بِهَا آكِلُهَا وَ مُجْتَنِي اَلثَّمَرَةِ لِغَيْرِ وَقْتِ إِينَاعِهَا كَالزَّارِعِ بِغَيْرِ أَرْضِهِ فَإِنْ أَقُلْ يَقُولُوا حَرَصَ عَلَى اَلْمُلْكِ وَ إِنْ أَسْكُتْ يَقُولُوا جَزِعَ مِنَ اَلْمَوْتِ هَيْهَاتَ بَعْدَ اَللَّتَيَّا وَ اَلَّتِي وَ اَللَّهِ لاَبْنُ أَبِي طَالِبٍ آنَسُ بِالْمَوْتِ مِنَ اَلطِّفْلِ بِثَدْيِ أُمِّهِ بَلِ اِنْدَمَجْتُ عَلَى مَكْنُونِ عِلْمٍ لَوْ بُحْتُ بِهِ لاَضْطَرَبْتُمْ اِضْطِرَابَ اَلْأَرْشِيَةِ فِي اَلطَّوِيِّ اَلْبَعِيدَةِ(4) )، المفاخرة أن يذكر كل واحد من الرجلين مفاخره و فضائله و قديمه، ثم يتحاكما إلى ثالث و الماء الآجن المتغير الفاسد أجن الماء بفتح الجيم يأجن و يأجن بالكسر و الضم و الإيناع إدراك الثمرة، و اللتيا(5) تصغير التي كما أن اللذيا تصغير الذي، و اندمجت انطويت و الطوي البئر المطوية بالحجارة، يقول: تخلصوا عن الفتنة و انجوا منها بالمتاركة و المسالمة و العدول عن المنافرة و المفاخرة.

____________________

(1) ا: " خطبة "

(2) ا: " أن يبايعاه ".

(3) ا: " واستسلم "

(4) بعد هذه الكلمة في مخطوطة النهج: " السلام "

(5) فى القاموس بفتح اللام المشددة وضمها.

٢١٣

أفلح من نهض بجناح، أي: مات شبه الميت المفارق للدنيا بطائر نهض عن الأرض بجناحه، و يحتمل أن يريد بذلك أفلح من اعتزل هذا العالم و ساح في الأرض منقطعا عن تكاليف الدنيا، و يحتمل أيضا أن يريد أفلح من نهض في طلب الرئاسة بناصر ينصره، و أعوان يجاهدون بين يديه و على التقادير كلها تنطبق اللفظة الثانية، و هي قوله أو استسلم فأراح(1) أي أراح نفسه باستسلامه. ثم قال الإمرة على الناس وخيمة العاقبة ذات مشقة في العاجلة فهي في عاجلها كالماء الآجن يجد شاربه مشقة، و في آجلها كاللقمة التي تحدث عن أكلها الغصة، و يغص مفتوح حرف المضارعة و مفتوح الغين أصله غصصت بالكسر، و يحتمل أن يكون الأمران معا للعاجلة؛ لأن الغصص في أول البلع كما أن ألم شرب الماء الآجن يحدث في أول الشرب، و يجوز ألا يكون عنى الإمرة المطلقة بل هي(2) الإمرة المخصوصة يعني بيعة السقيفة. ثم أخذ في الاعتذار عن الإمساك و ترك المنازعة، فقال مجتني الثمرة قبل أن تدرك لا ينتفع بما اجتناه كمن زرع في غير أرضه و لا ينتفع بذلك الزرع يريد أنه ليس هذا الوقت هو الوقت الذي يسوغ لي فيه طلب الأمر و أنه لم يأن بعد. ثم قال: قد حصلت بين حالين إن قلت قال الناس حرص على الملك، و إن لم أقل قالوا جزع من الموت. قال: هيهات استبعادا لظنهم فيه(3) الجزع، ثم قال اللتيا و التي أي: أبعد اللتيا و التي أجزع أ بعد أن قاسيت الأهوال الكبار و الصغار و منيت بكل داهية عظيمة و صغيرة فاللتيا للصغيرة و التي للكبيرة.

____________________

(1) ا: " واستسلم "

(2) ا: " هذه "

(3) ساقطة من ا

٢١٤

ذكر أن أنسه بالموت كأنس الطفل بثدي أمه و أنه انطوى على علم هو ممتنع لموجبه من المنازعة، و أن ذلك العلم لا يباح به(1) و لو باح به لاضطرب سامعوه كاضطراب الأرشية، و هي الحبال في البئر البعيدة القعر و هذا إشارة إلى الوصية التي خص بها (عليه‌السلام ) إنه قد كان من جملتها الأمر بترك النزاع في مبدأ الاختلاف عليه.

استطراد بذكر طائفة من الاستعارات

و اعلم أن أحسن الاستعارات ما تضمن مناسبة بين المستعار، و المستعار منه كهذه الاستعارات فإن قوله (عليه‌السلام ) شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة من هذا النوع و ذلك؛ لأن الفتن قد تتضاعف و تترادف فحسن تشبيهها بأمواج البحر المضطربة و لما كانت السفن الحقيقية تنجي من أمواج البحر حسن أن يستعار لفظ السفن لما ينجي من الفتن و كذلك قوله و ضعوا تيجان المفاخرة؛ لأن التاج لما كان مما يعظم به قدر الإنسان استعارة لما يتعظم به الإنسان من الافتخار، و ذكر القديم و كذلك استعارة النهوض بالجناح لمن اعتزل الناس، كأنه لما نفض يديه عنهم صار كالطائر الذي ينهض من الأرض بجناحيه. و في الاستعارات ما هو خارج عن هذا النوع و هو مستقبح و ذلك كقول أبي نواس:

بح صوت المال مما

منك يبكي و ينوح(2)

و كذلك قوله:

ما لرجل المال أضحت

تشتكي منك الكلالا(3)

____________________

(1) ساقطة من ب.

(3) ديوانه 70وفيه:"يصيح".

(2) ديوانه 119.

٢١٥

و قول أبي تمام:

وكم أحرزت منكم على قبح قدها

صروف النوى من مرهف حسن القد(1)

و كقوله:

بلوناك أما كعب عرضك في العلا

فعال و لكن خد مالك أسفل(2)

فإنه لا مناسبة بين الرجل و المال، و لا بين الصوت و المال، و لا معنى لتصييره للنوى قدا و لا للعرض كعبا و لا للمال خدا. و قريب منه أيضا قوله:

لا تسقني ماء الملام فإنني

صب قد استعذبت ماء بكائي(3)

و يقال إن مخلدا الموصلي(4) بعث إليه بقارورة يسأله أن يبعث له فيها قليلا من ماء الملام، فقال لصاحبه: قل له يبعث إلي بريشة من جناح الذل لأستخرج بها من القارورة ما أبعثه إليه. و هذا ظلم من أبي تمام المخلد و ما الأمران سوء؛ لأن الطائر إذا أعيا و تعب ذل و خفض جناحيه و كذلك الإنسان إذا استسلم ألقى بيديه ذلا، و يده جناحه فذاك هو الذي حسن قوله تعالى:( وَ اِخْفِضْ لَهُما جَناحَ اَلذُّلِّ ) (5) ألا ترى أنه لو قال و اخفض لهما ساق الذل أو بطن الذل لم يكن مستحسنا. و من الاستعارة المستحسنة في الكلام المنثور ما اختاره قدامة بن جعفر في كتاب الخراج، نحو: قول أبي الحسين جعفر بن محمد بن ثوابة في جوابه لأبي الجيش خمارويه

____________________

(1) ديوانه 2: 011

(2) ديوانه 3: 73

(3) ديوانه 1: 25

(4) هو مخلد بن بكار الموصلي، وله مع أبي تمام أخبار ومساجلات، ذكرها الصولي في كتابه أخبار أبى تمام 234 - 243

(5) سورة الإسراء 24

٢١٦

ابن أحمد بن طولون عن المعتضد بالله لما كتب بإنفاذ ابنته قطر الندى التي تزوجها المعتضد، و ذلك قول ابن ثوابة هذا، و أما الوديعة فهي بمنزلة ما انتقل من شمالك إلى يمينك عناية بها، و حياطة لها، و رعاية لمودتك فيها. و قال ابن ثوابة لما كتب هذا الكتاب لأبي القاسم عبيد الله بن سليمان، بن وهب وزير المعتضد: و الله إن تسميتي إياها بالوديعة نصف البلاغة. و ذكر أحمد بن يوسف الكاتب رجلا خلا بالمأمون، فقال: ما زال يفتله في الذروة و الغارب حتى لفته عن رأيه. و قال إسحاق بن إبراهيم الموصلي النبيذ قيد الحديث. و ذكر بعضهم رجلا فذمه، فقال: هو أملس(1) ليس فيه مستقر لخير و لا شر. و رضي بعض الرؤساء عن رجل من موجدة، ثم أقبل يوبخه عليها، فقال: إن رأيت ألا تخدش وجه رضاك بالتوبيخ فافعل. و قال بعض الأعراب: خرجنا في ليلة حندس(2) قد ألقت على الأرض أكارعها فمحت صورة الأبدان فما كنا نتعارف إلا بالآذان. و غزت حنيفة نميرا فأتبعتهم نمير فأتوا عليهم، فقيل لرجل منهم كيف صنع قومك؟ قال: اتبعوهم و الله و قد أحقبوا كل جمالية خيفانة(3) فما زالوا يخصفون آثار المطي بحوافر الخيل حتى لحقوهم، فجعلوا المران أرشية(4) الموت فاستقوا بها أرواحهم. و من كلام لعبد الله بن المعتز يصف القلم يخدم الإرادة و لا يمل الاستزادة

____________________

(1) ا: " إبليس " تحريف.

(2) ليلة حندس: شديدة الظلمة

(3) الجمالية، الناقة الوثيقة، تشبه بالجمل في خلقتها وشدتها وعظمها. والخيفانة: السريعة، شبهت بالجرادة السريعة.

(4) حاشية ب: " المران: الرماح... "

٢١٧

و يسكت واقفا، و ينطق سائرا على أرض بياضها مظلم و سوادها مضي‏ء. فأما القطب الراوندي فقال: قوله (عليه‌السلام ) شقوا أمواج الفتن بسفن النجاة معناه كونوا مع أهل البيت؛ لأنهم سفن النجاة، لقوله (عليه‌السلام ) مثل أهل بيتي كسفينة نوح من ركبها نجا و من تخلف عنها غرق. و لقائل أن يقول لا شبهة أن أهل البيت سفن النجاة، و لكنهم لم يرادوا هاهنا بهذه اللفظة؛ لأنه لو كان ذلك هو المراد لكان قد أمر أبا سفيان و العباس بالكون مع أهل البيت و مراده الآن ينقض ذلك؛ لأنه يأمر بالتقية و إظهار اتباع الذين عقد لهم الأمر، و يرى أن الاستسلام هو المتعين، فالذي ظنه الراوندي لا يحتمله الكلام و لا يناسبه. و قال أيضا: التعريج على الشي‏ء الإقامة عليه يقال عرج، فلأن على المنزل إذا حبس نفسه عليه فالتقدير عرجوا على الاستقامة منصرفين عن المنافرة. و لقائل أن يقال التعريج يعدى تارة بعن و تارة بعلى، فإذا عديته بعن أردت التجنب و الرفض، و إذا عديته بعلى أردت المقام و الوقوف و كلامه (عليه‌السلام ) معدى بعن قال: و عرجوا عن طريق المنافرة. و قال أيضا: آنس بالموت، أي: أسر به و ليس بتفسير صحيح، بل هو من الأنس ضد الوحشة.

اختلاف الرأي في الخلافة بعد وفاة رسول الله

لما قبض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و اشتغل علي (عليه‌السلام ) بغسله و دفنه، و بويع أبو بكر خلا الزبير، و أبو سفيان، و جماعة من المهاجرين بعباس و علي (عليه‌السلام )

٢١٨

لإجالة الرأي، و تكلموا بكلام يقتضي الاستنهاض و التهييج، فقال العباسرضي‌الله‌عنه قد سمعنا قولكم فلا لقلة نستعين بكم و لا لظنة نترك آراءكم فأمهلونا نراجع الفكر، فإن يكن لنا من الإثم مخرج يصر بنا و بهم الحق صرير الجدجد(1) ، و نبسط إلى المجد أكفا لا نقبضها أو نبلغ المدى و إن تكن الأخرى فلا لقلة في العدد و لا لوهن في الأيد، و الله لو لا أن الإسلام قيد الفتك لتدكدكت جنادل صخر يسمع اصطكاكها من المحل العلي. فحل علي (عليه‌السلام ) حبوته، و قال: الصبر حلم و التقوى دين، و الحجة محمد، و الطريق الصراط أيها الناس شقوا أمواج الفتن... الخطبة، ثم نهض فدخل إلى منزله و افترق القوم. و قال البراء بن عازب لم أزل لبني هاشم محبا فلما قبض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) خفت أن تتمالأ قريش على إخراج هذا الأمر عنهم، فأخذني ما يأخذ الوالهة العجول مع ما في نفسي من الحزن لوفاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، فكنت أتردد إلى بني هاشم و هم عند النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) في الحجرة و أتفقد وجوه قريش، فإني كذلك إذ فقدت أبا بكر و عمر و إذا قائل يقول القوم في سقيفة بني ساعدة و إذا قائل آخر يقول قد بويع أبو بكر فلم ألبث و إذا أنا بأبي بكر قد أقبل و معه عمر و أبو عبيدة و جماعة من أصحاب السقيفة، و هم محتجزون بالأزر الصنعانية لا يمرون بأحد إلا خبطوه، و قدموه فمدوا يده فمسحوها على يد أبي بكر يبايعه شاء ذلك أو أبى، فأنكرت عقلي و خرجت أشتد حتى انتهيت إلى بني هاشم و الباب مغلق، فضربت عليهم الباب ضربا عنيفا و قلت قد بايع الناس لأبي بكر بن أبي قحافة، فقال العباس تربت أيديكم إلى آخر الدهر أما إني قد أمرتكم فعصيتموني، فمكثت أكابد ما في نفسي و رأيت

____________________

(1) الجدجى: ىوببة كالجندب.

٢١٩

في الليل المقداد، و سلمان، و أبا ذر، و عبادة بن الصامت، و أبا الهيثم بن التيهان، و حذيفة، و عمارا، و هم يريدون أن يعيدوا الأمر شورى بين المهاجرين. و بلغ ذلك أبا بكر و عمر، فأرسلا إلى أبي عبيدة و إلى المغيرة بن شعبة فسألاهما عن الرأي، فقال المغيرة: الرأي أن تلقوا العباس فتجعلوا له و لولده في هذه الإمرة نصيبا ليقطعوا بذلك ناحية علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ). فانطلق أبوبكر و عمر و أبو عبيدة و المغيرة حتى دخلوا على العباس، و ذلك في الليلة الثانية من وفاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، فحمد أبو بكر الله و أثنى عليه و قال: إن الله ابتعث لكم محمدا (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) نبيا، و للمؤمنين وليا، فمن الله عليهم بكونه بين ظهرانيهم حتى اختار له ما عنده فخلى على الناس أمورهم ليختاروا لأنفسهم متفقين غير مختلفين، فاختاروني عليهم واليا و لأمورهم راعيا فتوليت ذلك، و ما أخاف بعون الله و تسديده وهنا و لا حيرة و لا جبنا و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب، و ما أنفك يبلغني عن طاعن يقول بخلاف قول عامة المسلمين يتخذكم لجأ، فتكونون حصنه المنيع، و خطبه البديع، فإما دخلتم فيما دخل فيه الناس أو صرفتموهم عما مالوا إليه، فقد جئناك و نحن نريد أن نجعل لك في هذا الأمر نصيبا، و لمن بعدك من عقبك إذ كنت عم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و إن كان المسلمون قد رأوا مكانك من رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و مكان أهلك، ثم عدلوا بهذا الأمر عنكم و على رسلكم بني هاشم، فإن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) منا و منكم. فاعترض كلامه عمر و خرج إلى مذهبه في الخشونة و الوعيد و إتيان الأمر من أصعب جهاته، فقال: إي، و الله و أخرى إنا لم نأتكم حاجة إليكم و لكن كرهنا أن يكون الطعن فيما اجتمع عليه المسلمون منكم فيتفاقم الخطب بكم و بهم، فانظروا لأنفسكم و لعامتهم ثم سكت.

٢٢٠