كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 350

كتاب شرح نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف: الصفحات: 350
المشاهدات: 90602
تحميل: 7663


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 350 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90602 / تحميل: 7663
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

فتكلم العباس فحمد الله و أثنى عليه، ثم قال: إن الله ابتعث محمدا نبيا كما وصفت و وليا للمؤمنين، فمن الله به على أمته حتى اختار له ما عنده فخلى الناس على أمرهم ليختاروا لأنفسهم مصيبين للحق مائلين عن زيغ الهوى، فإن كنت برسول الله طلبت فحقنا أخذت و إن كنت بالمؤمنين، فنحن منهم ما تقدمنا في أمركم فرطا، و لا حللنا وسطا، و لا نزحنا شحطا، فإن كان هذا الأمر يجب لك بالمؤمنين، فما وجب إذ كنا كارهين و ما أبعد قولك إنهم طعنوا من قولك إنهم مالوا إليك، و أما ما بذلت لنا فإن يكن حقك أعطيتناه فأمسكه عليك و إن يكن حق المؤمنين، فليس لك أن تحكم فيه، و إن يكن حقنا لم نرض لك ببعضه دون بعض، و ما أقول هذا أروم صرفك عما دخلت فيه، و لكن للحجة نصيبها من البيان، و أما قولك: إن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) منا و منكم، فإن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) من شجرة نحن أغصانها، و أنتم جيرانها، و أما قولك: يا عمر، إنك تخاف الناس علينا فهذا الذي قدمتموه أول ذلك و بالله المستعان. لما اجتمع المهاجرون على بيعة أبي بكر أقبل أبو سفيان و هو يقول: أما و الله إني لأرى عجاجة لا يطفئها إلا الدم، يا لعبد مناف فيم أبو بكر من أمركم أين المستضعفان أين الأذلان يعني عليا و العباس، ما بال هذا الأمر في أقل حي من قريش، ثم قال لعلي ابسط يدك أبايعك فو الله إن شئت لأملأنها على أبي فصيل، يعني أبا بكر... خيلا و رجلا، فامتنع عليه علي (عليه‌السلام ) فلما يئس منه قام عنه، و هو ينشد شعر المتلمس:

٢٢١

و لا يقيم على ضيم يراد به

إلا الأذلان عير الحي و الوتد(1)

هذا على الخسف مربوط برمته

و ذا يشج فلا يرثي له أحد(2)

قيل لأبي قحافة: يوم ولي الأمر ابنه قد ولي ابنك الخلافة، فقرأ:( قُلِ اَللَّهُمَّ مالِكَ اَلْمُلْكِ تُؤْتِي اَلْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ اَلْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ ) (3) ، ثم قال لم ولوه قالوا لسنه قال أنا أسن منه. نازع أبو سفيان أبا بكر في أمر، فأغلظ له أبو بكر، فقال له أبو قحافة: يا بني، أتقول هذا لأبي سفيان شيخ البطحاء؟ قال: إن الله تعالى رفع بالإسلام بيوتا و وضع بيوتا، فكان مما رفع بيتك يا أبت و مما وضع بيت أبي سفيان

____________________

(1) معاهد التنصيص 2: 306. والعير هنا: الحمار.

(2) الخسف: النقيصة. والرمة: القطعة من الحبل.

(3) سورة آل عمران 26

٢٢٢

6. و من كلام له (عليه‌السلام ) لما أشير عليه بألا يتبع طلحة و الزبير و لا يرصد لهما القتال:

و فيه يبين عن صفته بأنه (عليه‌السلام ) لا يخدع (وَ اَللَّهِ لاَ أَكُونُ كَالضَّبُعِ تَنَامُ عَلَى طُولِ اَللَّدْمِ حَتَّى يَصِلَ إِلَيْهَا طَالِبُهَا وَ يَخْتِلَهَا رَاصِدُهَا وَ لَكِنِّي أَضْرِبُ بِالْمُقْبِلِ إِلَى اَلْحَقِّ اَلْمُدْبِرَ عَنْهُ وَ بِالسَّامِعِ اَلْمُطِيعِ اَلْعَاصِيَ اَلْمُرِيبَ أَبَداً حَتَّى يَأْتِيَ عَلَيَّ يَوْمِي فَوَاللَّهِ مَا زِلْتُ مَدْفُوعاً عَنْ حَقِّي مُسْتَأْثَراً عَلَيَّ(1) مُنْذُ قَبَضَ اَللَّهُ نَبِيَّهُ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ حَتَّى يَوْمِ اَلنَّاسِ هَذَا) يقال: أرصد له بشر، أي: أعد له و هيأه و في الحديث إلا أن أرصده لدين علي(2) و اللدم صوت الحجر أو العصا أو غيرهما تضرب به الأرض ضربا ليس بشديد. و لما شرح الراوندي هذه اللفظات، قال و في الحديث: و الله لا أكون مثل الضبع تسمع اللدم حتى تخرج فتصاد و، قد كان سامحه الله وقت تصنيفه الشرح ينظر في صحاح الجوهري(3) و ينقل منها ف، نقل هذا الحديث ظنا منه أنه حديث عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و ليس كما ظن بل الحديث الذي أشار إليه الجوهري هو حديث علي (عليه‌السلام ) الذي نحن بصدد تفسيره. و يختلها راصدها يخدعها مترقبها ختلت فلانا خدعته و رصدته ترقبته، و مستأثرا علي، أي: مستبدا دوني بالأمر و الاسم الأثرة و في الحديث أنه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )

____________________

(1) مخطوطة النهج " مُسْتَأْثَراً عَلَىَّ غَيِرْى ".

(2) نقله ابن الأثير في النهاية (2: 82) عن أبي ذر: قال له عليه الصلاة والسلام: " ما أحب عندي مثل أحد ذهبا فأنفقه في سبيل الله، وتمسي ثالثة وعندي منه دينارا، إلا دينارا أرصده لدين "

(3) صحاح الجوهري 5: 2029

٢٢٣

قال للأنصار: ستلقون بعدي أثرة، فإذا كان ذلك فاصبروا حتى تردوا علي الحوض(1) . و العرب تقول في رموزها و أمثالها أحمق من الضبع(2) و يزعمون أن الصائد يدخل عليها وجارها، فيقول لها: أطرقي أم طريق خامري أم عامر و يكرر ذلك عليها مرارا معنى أطرقي أم طريق طأطئي رأسك و كناها أم طريق لكثرة إطراقها على فعيل كالقبيط للناطف و العليق لنبت، و معنى خامري الزمي وجارك و استتري فيه خامر الرجل منزله إذا لزمه قالوا فتلجأ إلى أقصى مغارها و تتقبض، فيقول: أم عامر ليست في وجارها أم عامر نائمة فتمد يديها و رجليها و تستلقي فيدخل عليها فيوثقها، و هو يقول لها أبشري أم عامر بكم(3) الرجال، أبشري أم عامر بشاء هزلى و جراد عظلى(4) ، أي: يركب بعضه بعضا، فتشد عراقيبها فلا تتحرك و لو شاءت أن تقتله لأمكنها قال الكميت:

فعل المقرة للمقالة

خامري يا أم عامر(5)

و قال الشنفري:

لا تقبروني إن قبري محرم

عليكم و لكن خامري أم عامر(6)

إذا ما مضى رأسي و في الرأس أكثري

و غودر عند الملتقى ثم سائري(7)

هنا لك لا أرجو حياة تسرني

سجيس الليالي مبسلا بالجرائر(8)

____________________

(1) ذكره ابن الأثير في النهاية (1: 15)، وقال: " الأثرة "، بفتح الهمزة والثاء الاسم من آثر يؤثر إيثار، إذا أعطى، أراد أنه يستأثر عليكم فيفضل غيركم في نصيبه في الفئ ".

(2) المثل في جمهرة الأمثال 1: 276

(3) كم: جمع كمة، وهي قلفة الذكر، وفى جمهرة الأمثال: " كمر "، جمع كمرة، وهي رأس الذكر.

(4) في اللسان: " تعاطلت الجراد، إذا تسافدت " وأورد المثل.

(5) من أبيات في معاني ابن قتيبة 1: 214

(6) ديوانه 63 (من مجموعة الطائف الأدبية (، وفيه: " أبشري أم عامر "

(7) ديوانه: * إذا احتملوا رأسي وفى الرأس أكثري *

(8) سجيس الليالي، أي أبدا، ومبسلا، أي مسلما، كذا فسره صاحب اللسان في (408:7)، (13: 57)، واستشهد بالبيت.

٢٢٤

أوصاهم ألا يدفنوه إذا قتل، و قال: اجعلوني أكلا للسباع كالشي‏ء الذي يرغب به الضبع في الخروج، و تقدير الكلام، لا تقبروني و لكن اجعلوني كالتي يقال لها خامري أم عامر، و هي الضبع، فإنها لا تقبر و يمكن أن يقال أيضا، أراد لا تقبروني و اجعلوني فريسة للتي يقال لها خامري أم عامر؛ لأنها تأكل الجيف و أشلاء القتلى و الموتى. و قال أبو عبيدة: يأتي الصائد فيضرب بعقبه الأرض عند باب مغارها ضربا خفيفا و ذلك هو اللدم، و يقول خامري أم عامر مرارا بصوت ليس بشديد، فتنام على ذلك، فيدخل إليها فيجعل الحبل في عرقوبها و يجرها فيخرجها، يقول: لا أقعد عن الحرب و الانتصار لنفسي و سلطاني، فيكون حالي مع القوم المشار إليهم حال الضبع مع صائدها، فأكون قد أسلمت نفسي فعل العاجز الأحمق و لكني أحارب من عصاني بمن أطاعني حتى أموت، ثم عقب ذلك بقوله إن الاستئثار علي و التغلب أمر لم يتجدد الآن، و لكنه كان منذ قبض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).

طلحة و الزبير و نسبهما

و طلحة هو أبو محمد طلحة بن عبيد الله، بن عثمان، بن عمرو، بن كعب، بن سعد، بن تيم، بن مرة، أبوه ابن عم أبي بكر و أمه الصعبة بنت الحضرمي، و كانت قبل أن تكون عند عبيد الله تحت أبي سفيان صخر بن حرب فطلقها، ثم تبعتها نفسه، فقال فيها شعرا أوله:

وإني و صعبة فيما أرى

بعيدان و الود ود قريب

في أبيات مشهورة، و طلحة أحد العشرة المشهود لهم بالجنة و أحد أصحاب الشورى، و كان له في الدفاع عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يوم أحد أثر عظيم و شلت بعض

٢٢٥

أصابعه يومئذ وقى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) بيده من سيوف المشركين، و قال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يومئذ اليوم أوجب طلحة الجنة(1) . و الزبير، هو أبو عبد الله الزبير بن العوام، بن خويلد، بن أسد، بن عبد العزى، بن قصي أمه صفية بنت عبد المطلب بن هاشم، بن عبد مناف عمة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، و هو أحد العشرة أيضا، و أحد الستة و ممن ثبت مع رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يوم أحد و أبلى بلاء حسنا و قال النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) لكل نبي حواري و حواري الزبير. و الحواري الخالصة تقول: فلان خالصة فلان و خلصانه و حواريه، أي: شديد الاختصاص به و الاستخلاص له.

خروج طارق بن شهاب لاستقبال علي بن أبي طالب

خرج طارق بن شهاب الأحمسي يستقبل عليا (عليه‌السلام ) و قد صار بالربذة طالبا عائشة و أصحابها، و كان طارق من صحابة علي (عليه‌السلام ) و شيعته. قال: فسألت عنه قبل أن ألقاه ما أقدمه، فقيل: خالفه طلحة و الزبير و عائشة فأتوا البصرة، فقلت في نفسي: إنها الحرب أ فأقاتل أم المؤمنين و حواري رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) إن هذا لعظيم، ثم قلت أأدع عليا و هو أول المؤمنين إيمانا بالله و ابن عم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و وصيه هذا أعظم، ثم أتيته فسلمت عليه، ثم جلست إليه فقص علي قصة القوم و قصته، ثم صلى بنا الظهر فلما انفتل جاءه الحسن ابنه (عليه‌السلام ) فبكى بين يديه، قال: ما بالك؟ قال: أبكي لقتلك غدا بمضيعة و لا ناصر لك أما إني أمرتك فعصيتني، ثم أمرتك فعصيتني فقال (عليه‌السلام ) : لا تزال تخن خنين الأمة ما الذي أمرتني به فعصيتك، قال أمرتك حين أحاط الناس بعثمان أن تعتزل، فإن الناس إذا قتلوه طلبوك أينما كنت حتى يبايعوك فلم تفعل، ثم أمرتك لما قتل عثمان ألا توافقهم على

____________________

(1) أي عمل أوجب له الجنة. وانظر النهاية لابن الأثير 4: 194

(2) الخنين: تردد البسكاء حتي يكون فى الصوت غنة والخبر فى اللسان (خنن (وفى الأصول:" حنين " تحريف.

٢٢٦

البيعة حتى يجتمع الناس و يأتيك وفود العرب فلم تفعل، ثم خالفك هؤلاء القوم فأمرتك ألا تخرج من المدينة و أن تدعهم و شأنهم، فإن اجتمعت عليك الأمة فذاك و إلا رضيت بقضاء الله فقال (عليه‌السلام ) : (و الله لا أكون كالضبع تنام على اللدم حتى يدخل إليها طالبها فيعلق الحبل برجلها و يقول لها دباب دباب حتى يقطع عرقوبها...) و ذكر تمام الفصل فكان طارق بن شهاب يبكي إذا ذكر هذا الحديث دباب: اسم الضبع مبني على الكسر كبراح اسم للشمس

٢٢٧

7. و من خطبة له (عليه‌السلام )

(اِتَّخَذُوا اَلشَّيْطَانَ لِأَمْرِهِمْ مِلاَكاً وَ اِتَّخَذَهُمْ لَهُ أَشْرَاكاً فَبَاضَ وَ فَرَّخَ فِي صُدُورِهِمْ وَ دَبَّ وَ دَرَجَ فِي حُجُورِهِمْ فَنَظَرَ بِأَعْيُنِهِمْ وَ نَطَقَ بِأَلْسِنَتِهِمْ فَرَكِبَ بِهِمُ اَلزَّلَلَ وَ زَيَّنَ لَهُمُ اَلْخَطَلَ فِعْلَ مَنْ قَدْ شَرِكَهُ اَلشَّيْطَانُ فِي سُلْطَانِهِ وَ نَطَقَ بِالْبَاطِلِ عَلَى لِسَانِهِ)، يجوز أن يكون أشراكا جمع شريك كشريف و أشراف، و يجوز أن يكون جمع شرك كجبل و أجبال، و المعنى بالاعتبارين مختلف. و باض و فرخ في صدورهم استعارة للوسوسة و الإغواء و مراده طول مكثه و إقامته عليهم؛ لأن الطائر لا يبيض و يفرخ إلا في الأعشاش التي هي وطنه و مسكنه، و دب و درج في حجورهم، أي: ربوا الباطل كما يربي الوالدان الولد في حجورهما، ثم ذكر أنه لشدة اتحاده بهم و امتزاجه صار كمن ينظر بأعينهم و ينطق بألسنتهم، أي: صار الاثنان كالواحد قال أبو الطيب:

ما الخل إلا من أود بقلبه

وأرى بطرف لا يرى بسوائه(1)

و قال آخر:

كنا من المساعده

نحيا بروح واحده

____________________

(1) ديوانه 1:4

٢٢٨

و قال آخر:

جبلت نفسك في نفسي كما

تجبل الخمرة بالماء الزلال

فإذا مسك شي‏ء مسني

فإذا أنت أنا في كل حال

و الخطل القول الفاسد و يجوز أشركه الشيطان في سلطانه بالهمزة و شركه أيضا و بغير الهمزة أفصح.

٢٢٩

8. و من كلام له (عليه‌السلام ) يعني به الزبير في حال اقتضت ذلك

و يدعوه للدخول في البيعة ثانية (يَزْعُمُ أَنَّهُ قَدْ بَايَعَ بِيَدِهِ وَ لَمْ يُبَايِعْ بِقَلْبِهِ فَقَدْ أَقَرَّ بِالْبَيْعَةِ وَ اِدَّعَى اَلْوَلِيجَةَ فَلْيَأْتِ عَلَيْهَا بِأَمْرٍ يُعْرَفُ وَ إِلاَّ فَلْيَدْخُلْ فِيمَا خَرَجَ مِنْهُ) الوليجة البطانة و الأمر يسر و يكتم قال الله سبحانه:( وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اَللَّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لاَ اَلْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً ) (1) كان الزبير يقول بايعت بيدي لا بقلبي، و كان يدعي تارة أنه أكره، و يدعي تارة أنه ورى في البيعة تورية و نوى دخيلة، و أتى بمعاريض لا تحمل على ظاهرها فقال (عليه‌السلام ) : هذا الكلام إقرار منه بالبيعة و ادعاء أمر آخر لم يقم عليه دليلا و لم ينصب له برهانا فإما أن يقيم دليلا على فساد البيعة الظاهرة، و أنها غير لازمة له و إما أن يعاود طاعته.

قال علي (عليه‌السلام ) للزبير يوم بايعه إني لخائف أن تغدر بي و تنكث بيعتي. قال لا تخافن فإن ذلك لا يكون مني أبدا فقال (عليه‌السلام ) فلي الله عليك بذلك راع و كفيل قال: نعم الله لك علي بذلك راع و كفيل.

أمر طلحة و الزبير مع علي بن أبي طالب بعد بيعتهما له

لما بويع علي (عليه‌السلام ) كتب إلى معاوية أما بعد فإن الناس قتلوا عثمان عن غير

____________________

(1) سورة التوبة 16

٢٣٠

مشورة مني و بايعوني عن مشورة منهم و اجتماع، فإذا أتاك كتابي فبايع لي و أوفد إلي أشراف أهل الشام قبلك، فلما قدم رسوله على معاوية و قرأ كتابه بعث رجلا من بني عميس، و كتب معه كتابا إلى الزبير بن العوام، و فيه بسم الله الرحمن الرحيم لعبد الله الزبير أمير المؤمنين من معاوية بن أبي سفيان سلام، عليك أما بعد فإني قد بايعت لك أهل الشام فأجابوا و استوسقوا(1) كما يستوسق الجلب، فدونك الكوفة و البصرة لا يسبقك إليها ابن أبي طالب، فإنه لا شي‏ء بعد هذين المصرين، و قد بايعت لطلحة بن عبيد الله من بعدك فأظهرا الطلب بدم عثمان و ادعوا الناس إلى ذلك و ليكن منكما الجد و التشمير أظفركما الله و خذل مناوئكما. فلما وصل هذا الكتاب إلى الزبير سر به و أعلم به طلحة و أقرأه إياه فلم يشكا في النصح لهما من قبل معاوية، و أجمعا عند ذلك على خلاف علي (عليه‌السلام ). جاء الزبير و طلحة إلى علي (عليه‌السلام ) بعد البيعة بأيام فقالا له: يا أمير المؤمنين، قد رأيت ما كنا فيه من الجفوة في ولاية عثمان كلها و علمت رأي عثمان كان في بني أمية، و قد ولاك الله الخلافة من بعده فولنا بعض أعمالك، فقال لهما ارضيا بقسم الله لكما حتى أرى رأيي و اعلما أني لا أشرك في أمانتي إلا من أرضى بدينه و أمانته من أصحابي و من قد عرفت دخيلته. فانصرفا عنه و قد دخلهما اليأس فاستأذناه في العمرة.

____________________

(1) استوسقوا: استجمعوا وانضموا. وفى نهاية ابن الأثير: " ومنه حديث أحد: استوسقوا كما يستوسق جرب الغنم، أي استجمعوا ".

٢٣١

طلب طلحة و الزبير من علي (عليه‌السلام ) أن يوليهما المصرين البصرة و الكوفة، فقال: حتى أنظر، ثم استشار المغيرة بن شعبة، فقال له: أرى أن توليهما إلى أن يستقيم لك أمر الناس فخلا بابن عباس، و قال: ما ترى؟ قال: يا أمير المؤمنين، إن الكوفة و البصرة عين الخلافة و بهما كنوز الرجال، و مكان طلحة و الزبير من الإسلام ما قد علمت، و لست آمنهما إن وليتهما أن يحدثا أمرا، فأخذ علي (عليه‌السلام ) برأي ابن عباس، و قد كان استشار المغيرة أيضا في أمر معاوية، فقال له: أرى إقراره على الشام و أن تبعث إليه بعده إلى أن يسكن شغب الناس و لك بعد رأيك فلم يأخذ برأيه. فقال المغيرة: بعد ذلك و الله ما نصحته قبلها و لا أنصحه بعدها ما بقيت.

دخل الزبير و طلحة على علي (عليه‌السلام ) فاستأذناه في العمرة، فقال: ما العمرة تريدان! فحلفا له بالله أنهما ما يريدان غير العمرة. فقال لهما: ما العمرة تريدان، و إنما تريدان الغدرة و نكث البيعة، فحلفا بالله ما الخلاف عليه و لا نكث بيعة يريدان و ما رأيهما غير العمرة، قال لهما: فأعيدا البيعة لي ثانية، فأعاداها بأشد ما يكون من الإيمان و المواثيق، فأذن لهما فلما خرجا من عنده قال لمن كان حاضرا و الله لا ترونهما إلا في فتنة يقتتلان فيها قالوا يا أمير المؤمنين، فمر بردهما عليك قال ليقضي الله أمرا كان مفعولا لما خرج الزبير و طلحة من المدينة إلى مكة لم يلقيا أحدا إلا و قالا له: ليس لعلي في أعناقنا بيعة، و إنما بايعناه مكرهين فبلغ عليا (عليه‌السلام ) قولهما فقال أبعدهما الله و أغرب دارهما أما و الله لقد علمت أنهما سيقتلان أنفسهما أخبث مقتل و يأتيان من

____________________

(1) يقال: أغرب دار: أبعدها.

٢٣٢

وردا عليه بأشأم يوم، و الله ما العمرة يريدان و لقد أتياني بوجهي فاجرين و رجعا بوجهي غادرين ناكثين، و الله لا يلقيانني بعد اليوم إلا في كتيبة خشناء(1) يقتلان فيها أنفسهما، فبعدا لهما و سحقا، و ذكر أبو مخنف في كتاب الجمل أن عليا (عليه‌السلام ) خطب لما سار الزبير و طلحة من مكة، و معهما عائشة يريدون البصرة، فقال: (أيها الناس، إن عائشة سارت إلى البصرة و معها طلحة و الزبير، و كل منهما يرى الأمر له دون صاحبه، أما طلحة فابن عمها، و أما الزبير فختنها، و الله لو ظفروا بما أرادوا و لن ينالوا ذلك أبدا ليضربن أحدهما عنق صاحبه بعد تنازع منهما شديد، و الله إن راكبة الجمل الأحمر ما تقطع عقبة، و لا تحل عقدة إلا في معصية الله و سخطه حتى تورد نفسها و من معها موارد الهلكة، إي و الله ليقتلن ثلثهم، و ليهربن ثلثهم، و ليتوبن ثلثهم، و إنها التي تنبحها كلاب الحوأب، و إنهما ليعلمان أنهما مخطئان و رب عالم قتله جهله، و معه علمه لا ينفعه، و حسبنا الله و نعم الوكيل، فقد قامت الفتنة فيها الفئة الباغية، أين المحتسبون؟ أين المؤمنون؟ ما لي و لقريش، أما و الله لقد قتلتهم كافرين و لأقتلنهم مفتونين، و ما لنا إلى عائشة من ذنب إلا أنا أدخلناها في حيزنا و الله لأبقرن الباطل حتى يظهر الحق من خاصرته، فقل لقريش فلتضج ضجيجها)، ثم نزل برز علي (عليه‌السلام ) يوم الجمل و نادى بالزبير، يا أبا عبد الله، مرارا فخرج الزبير فتقاربا حتى اختلفت أعناق خيلهما، فقال له علي (عليه‌السلام ) : إنما دعوتك لأذكرك حديثا قاله لي و لك رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أتذكر يوم رآك و أنت معتنقي، فقال لك:

____________________

(1) كتيبة خشنازء، أى كثيرة السلاح خشنته.

٢٣٣

أتحبه قلت: و ما لي لا أحبه و هو أخي و ابن خالي، فقال: أما إنك ستحاربه و أنت ظالم له فاسترجع الزبير، و قال: أذكرتني ما أنسانيه الدهر و رجع إلى صفوفه، فقال له عبد الله ابنه: لقد رجعت إلينا بغير الوجه الذي فارقتنا به. فقال: أذكرني علي حديثا أنسانيه الدهر فلا أحاربه أبدا و إني لراجع و تارككم منذ اليوم. فقال له عبد الله: ما أراك إلا جبنت عن سيوف بني عبد المطلب، إنها لسيوف حداد تحملها فتية أنجاد، فقال: الزبير ويلك أتهيجني على حربه أما إني قد حلفت ألا أحاربه قال كفر عن يمينك لا تتحدث نساء قريش أنك جبنت و ما كنت جبانا، فقال الزبير: غلامي مكحول حر كفارة عن يميني، ثم أنصل(1) سنان رمحه و حمل على عسكر علي (عليه‌السلام ) برمح لا سنان له، فقال علي (عليه‌السلام ) : أفرجوا له فإنه محرج، ثم عاد إلى أصحابه، ثم حمل ثانية، ثم ثالثة، ثم قال لابنه: أجبنا ويلك ترى؟ فقال: لقد أعذرت. لما أذكر علي (عليه‌السلام ) الزبير بما أذكره به و رجع الزبير قال:

نادى علي بأمر لست أنكره

و كان عمر أبيك الخير مذ حين

فقلت حسبك من عذل أبا حسن

بعض الذي قلت منذ اليوم يكفيني

ترك الأمور التي تخشى مغبتها

و الله أمثل في الدنيا و في الدين

فاخترت عارا على نار مؤججة

أنى يقوم لها خلق من الطين

لما خرج علي (عليه‌السلام ) لطلب الزبير خرج حاسرا، و خرج إليه الزبير دارعا مدججا، فقال للزبير: يا أبا عبد الله، قد لعمري أعددت سلاحا و حبذا فهل أعددت عند الله عذرا؟ فقال الزبير: إن مردنا إلى الله. قال علي (عليه‌السلام ) :( يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق و يعلمون أن الله هو الحق المبين ) (2) ، ثم أذكره الخبر فلما كر

____________________

(1) أنصل سنان رمحه، أي نزعه.

(2) سورة النور 25

٢٣٤

الزبير راجعا إلى أصحابه نادما واجما، رجع علي (عليه‌السلام ) إلى أصحابه جذلا مسرورا. فقال له أصحابه: يا أمير المؤمنين، تبرز إلى الزبير حاسرا و هو شاك(1) في السلاح، و أنت تعرف شجاعته؟ قال: إنه ليس بقاتلي، إنما يقتلني رجل خامل الذكر، ضئيل النسب غيلة في غير مأقط(2) حرب و لا معركة رجال ويلمه أشقى البشر ليودن أن أمه هبلت به أما إنه و أحمر ثمود لمقرونان في قرن. لما انصرف الزبير عن حرب علي (عليه‌السلام ) مر بوادي السباع، و الأحنف بن قيس هناك في جمع من بني تميم قد اعتزل الفريقين، فأخبر الأحنف بمرور الزبير، فقال رافعا صوته: ما أصنع بالزبير؟ لف غارين(3) من المسلمين حتى أخذت السيوف منهما مأخذها انسل و تركهم، أما إنه لخليق بالقتل، قتله الله، فاتبعه عمرو بن جرموز و كان فاتكا، فلما قرب منه وقف الزبير، و قال: ما شأنك؟ قال: جئت لأسألك عن أمر الناس. قال الزبير: إني تركتهم قياما في الركب يضرب بعضهم وجه بعض بالسيف، فسار ابن جرموز معه و كل واحد منهما يتقي الآخر، فلما حضرت الصلاة، قال الزبير: يا هذا، إنا نريد أن نصلي. فقال ابن جرموز: و أنا أريد ذلك. فقال الزبير: فتؤمني و أؤمنك. قال: نعم فثنى الزبير رجله و أخذ وضوءه، فلما قام إلى الصلاة شد ابن جرموز عليه فقتله و أخذ رأسه و خاتمه و سيفه و حثا عليه ترابا يسيرا، و رجع إلى الأحنف فأخبره فقال: و الله ما أدري أسأت أم أحسنت، اذهب إلى علي (عليه‌السلام ) فأخبره، فجاء إلى علي (عليه‌السلام ) فقال للآذن: قل له عمرو بن جرموز بالباب و معه رأس الزبير و سيفه، فأدخله، و في كثير من الروايات أنه لم يأت بالرأس بل بالسيف فقال له: و أنت قتلته؟ قال: نعم. قال: (و الله ما كان ابن صفية جبانا و لا لئيما و لكن الحين و مصارع السوء)

____________________

(1) يقال:رجل شاكي السلاح؛إذا كان ذا شوكة و حد فى سلاحه

(2) المأقط:ساحة القتال.

(2) الغار هنا: الجيش، وفى اللسان 6: 43: " جمع غارين ".

٢٣٥

ثم قال: (ناولني سيفه) فناوله فهزه و قال: (سيف طالما جلى به الكرب عن وجه رسول الله (صلي الله عليه و آله وسلم)) فقال ابن جرموز: الجائزة يا أمير المؤمنين، فقال: (أما إني سمعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يقول بشر قاتل ابن صفية بالنار) فخرج ابن جرموز خائبا و قال:

أتيت عليا برأس الزبير

أبغي به عنده الزلفه(1)

فبشر بالنار يوم الحساب

فبئست بشارة ذي التحفه

فقلت له إن قتل الزبير

لو لا رضاك من الكلفه

فإن ترض ذاك فمنك الرضا

و إلا فدونك لي حلفه

ورب المحلين و المحرمين

ورب الجماعة و الألفه

لسيان عندي قتل الزبير

و ضرطة عنز بذي الجحفه

ثم خرج ابن جرموز على علي (عليه‌السلام ) مع أهل النهر، فقتله معهم فيمن قتل

____________________

(1) السعودى373:1

٢٣٦

9. و من كلام له (عليه‌السلام )

) وَ قَدْ أَرْعَدُوا وَ أَبْرَقُوا وَ مَعَ هَذَيْنِ اَلْأَمْرَيْنِ اَلْفَشَلُ وَ لَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ وَ لاَ نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ) أرعد الرجل و أبرق إذا أوعد و تهدد، و كان الأصمي ينكره و يزعم أنه لا يقال إلا رعد و برق و لما احتج عليه ببيت الكميت:

أرعد و أبرق يا يزيد

فما وعيدك لي بضائر

قال الكميت قروي لا يحتج بقوله(1) . و كلام أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) حجة دالة على بطلان قول الأصمي و الفشل الجبن و الخور. و قوله: و لا نسيل حتى نمطر كلمة فصيحة يقول إن أصحاب الجمل في وعيدهم و إجلابهم بمنزلة من يدعي أنه يحدث السيل قبل إحداث المطر، و هذا محال؛ لأن السيل إنما يكون من المطر فكيف يسبق المطر، و أما نحن فإنا لا ندعي ذلك و إنما نجري الأمور على حقائقها، فإن كان منا مطر كان منا سيل و إذا أوقعنا بخصمنا أوعدنا حينئذ بالإيقاع به غيره من خصومنا.

____________________

(1) الخبر والبيت في أمالي القالي 96:1

٢٣٧

و قوله (عليه‌السلام ) و مع هذين الأمرين الفشل معنى حسن؛ لأن الغالب من الجبناء كثرة الضوضاء، و الجلبة يوم الحرب كما أن الغالب من الشجعان الصمت و السكون. و سمع أبو طاهر الجنابي(1) ضوضاء عسكر المقتدر بالله و دبادبهم(2) و بوقاتهم، و هو في ألف و خمسمائة و عسكر المقتدر في عشرين ألفا مقدمهم يوسف بن أبي الساج، فقال لبعض أصحابه: ما هذا الزجل(3) ؟ قال: فشل. قال: أجل. و يقال: إنه ما رئي جيش كجيش أبي طاهر، ما كان يسمع لهم صوت حتى أن الخيل لم تكن لها حمحمة فرشق عسكر ابن أبي الساج(4) القرامطة بالسهام المسمومة فجرح منهم أكثر من خمسمائة إنسان. و كان أبو طاهر في عمارية له فنزل و ركب فرسات، و حمل بنفسه و معه أصحابه حملة على عسكر ابن أبي الساج فكسروه و فلوه و خلصوا إلى يوسف فأسروه، و تقطع عسكره بعد أن أتى بالقتل على كثير منهم، و كان ذلك في سنة خمس عشرة و ثلاثمائة. و من أمثالهم الصدق ينبئ عنك لا الوعيد

____________________

(1) هو أبو طاهر سليمان بن أبي سعيد الحسن بن بهرام الجنابي، كان أبوه الحسن كبير القرامطة، وقتل سنة 301، قتله خام له صقلبي، فتولى ابنه أبو طاهر أمر القرامطة بعده، بعد أن عجز أخوه سعيد عن الامر. ابن الأثير 147:6

(2) في اللسان: " الدبادب: صوت كأنه دب، دب، وهي حكاية الصوت ".

(3) الزجل: الجلبة ورفع الصوت

(4) هو يوسف بن أبي الساج، أحد ولاة الري في عهد المقتدر، وكان استقل عن الخليفة، ثم عاد إلى طاعته. وانظر طرفا من أخباره في ابن الأثير في 175:6، وما بعدها.

٢٣٨

10. و من خطبة له (عليه‌السلام )

) أَلاَ وَ إِنَّ اَلشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ وَ اِسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَ رَجِلَهُ وَ إِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي وَ لاَ لُبِّسَ عَلَيَّ وَ اَيْمُ اَللَّهِ لَأُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ لاَ يَصْدُرُونَ عَنْهُ وَ لاَ يَعُودُونَ إِلَيْهِ) يمكن أن يعني بالشيطان الشيطان الحقيقي، و يمكن أن يعني به معاوية، فإن عنى معاوية فقوله قد جمع حزبه و استجلب خيله و رجله كلام جار على حقائقه، و إن عنى به الشيطان كان ذلك من باب الاستعارة، و مأخوذا من قوله تعالى:( وَ اِسْتَفْزِزْ مَنِ اِسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ ) (1) ، و الرجل جمع راجل كالشرب جمع شارب و الركب جمع راكب. قوله: (و إن معي لبصيرتي يريد أن البصيرة التي كانت معي في زمن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) تتغير). و قوله: ما لبست تقسيم جيد؛ لأن كل ضال عن الهداية، فإما أن يضل من تلقاء نفسه أو بإضلال غيره له. و قوله: لأفرطن من رواها بفتح الهمزة فأصله فرط ثلاثي يقال فرط

____________________

(1) سورة الإسراء 64.

٢٣٩

زيد القوم، أي: سبقهم و رجل فرط يسبق القوم إلى البئر فيهيئ لهم الأرشية و الدلاء، و منه قوله (عليه‌السلام ) إنا فرطكم على الحوض و يكون تقدير الكلام و ايم الله لأفرطن لهم إلى حوض، فلما حذف الجار عدي الفعل بنفسه فنصب كقوله تعالى:( وَ اِخْتارَ مُوسى‏ قَوْمَهُ ) (1) و تكون اللام في لهم إما لام التعدية، كقوله: و يؤمن للمؤمنين، أي: و يؤمن المؤمنين أو تكون لام التعليل، أي: لأجلهم و من رواها لأفرطن بضم الهمزة فهو من أفرط المزادة، أي: ملأها. و الماتح المستقي متح يمتح بالفتح، و المائح بالياء الذي ينزل إلى البئر فيملأ الدلو. و قيل: لأبي عليرحمه‌الله ما الفرق بين الماتح و المائح. فقال: هما كإعجامهما، يعني: أن التاء بنقطتين من فوق و كذلك الماتح؛ لأنه المستقي فهو فوق البئر، و الياء بنقطتين من تحت و كذلك المائح؛ لأنه تحت في الماء الذي في البئر يملأ الدلاء، و معنى قوله: أنا ماتحه أنا خبير به كما يقول من يدعي معرفة الدار أنا باني هذه الدار، و الكلام استعارة يقول: لأملأن لهم حياض الحرب التي هي دربتي و عادتي أو لأسبقنهم إلى حياض حرب أنا متدرب بها مجرب لها إذا وردوها لا يصدرون عنها يعني قتلهم و إزهاق أنفسهم و من فر منهم لا يعود إليها، و من هذا اللفظ قول الشاعر:

مخضت بدلوه حتى تحسى

ذنوب الشر ملأى أو قرابا(2)

____________________

(1) سورة الأعراف 155

(2) البيت في شرح الحماسة للمرزوقي 533 من غير نسبة.

٢٤٠