كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 350

كتاب شرح نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف: الصفحات: 350
المشاهدات: 90593
تحميل: 7663


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 350 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90593 / تحميل: 7663
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

ثم قال و لئن رجعت عليكم أموركم، أي: إن ساعدني الوقت و تمكنت من أن أحكم فيكم بحكم الله تعالى و رسوله و عادت إليكم أيام شبيهة بأيام رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و سيرة مماثلة لسيرته في أصحابه إنكم لسعداء. ثم قال: و إني لأخشى أن تكونوا في فترة الفترة هي الأزمنة التي بين الأنبياء إذا انقطعت الرسل فيها كالفترة التي بين عيسى (عليه‌السلام ) و محمد (عليه‌السلام ) ؛ لأنه لم يكن بينهما نبي بخلاف المدة التي كانت بين موسى و عيسى (عليه‌السلام ) ؛ لأنه بعث فيها أنبياء كثيرون فيقول (عليه‌السلام ) : إني لأخشى ألا أتمكن من الحكم بكتاب الله تعالى فيكم فتكونوا كالأمم الذين في أزمنة الفترة لا يرجعون إلى نبي يشافههم بالشرائع و الأحكام، و كأنه (عليه‌السلام ) قد كان يعلم أن الأمر سيضطرب عليه. ثم قال و ما علينا إلا الاجتهاد يقول أنا أعمل ما يجب علي(1 من الاجتهاد1) في القيام بالشريعة، و عزل ولاة السوء و أمراء الفساد عن المسلمين فإن تم ما أريده فذاك و إلا كنت قد أعذرت. و أما التتمة المروية عن جعفر بن محمد (عليه‌السلام ) فواضحة الألفاظ، و قوله: في آخرها و بنا تختم لا بكم إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان، و أكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة (عليه‌السلام ) و أصحابنا المعتزلة لا ينكرونه، و قد صرحوا بذكره في كتبهم و اعترف به شيوخهم إلا أنه عندنا لم يخلق بعد و سيخلق. و إلى هذا المذهب يذهب أصحاب الحديث أيضا. و روى قاضي القضاة

____________________

(1 – 1) ساقط من ب

٢٨١

رحمه‌الله تعالى عن كافي الكفاة أبي القاسم إسماعيل بن عبادرحمه‌الله بإسناد متصل بعلي (عليه‌السلام ) أنه ذكر المهدي (عليه‌السلام )، و قال: إنه من ولد الحسين (عليه‌السلام )، و ذكر حليته(1) فقال: رجل أجلى الجبين أقنى الأنف ضخم البطن أزيل(2) الفخذين أبلج الثنايا بفخذه اليمنى شامة، و ذكر هذا الحديث بعينه عبد الله بن قتيبة في كتاب غريب الحديث

____________________

(1) الحلية هنا: الصفة.

(2) الزيل، محركة: تباعد ما بين الفخذين، وهو أزيل.

٢٨٢

17. و من كلام له (عليه‌السلام ) في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة و ليس لذلك بأهل

( إِنَّ أَبْغَضَ اَلْخَلاَئِقِ إِلَى اَللَّهِ تَعَالَى رَجُلاَنِ رَجُلٌ وَكَلَهُ اَللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ اَلسَّبِيلِ مَشْغُوفٌ بِكَلاَمِ بِدْعَةٍ وَ دُعَاءِ ضَلاَلَةٍ فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ اِفْتَتَنَ بِهِ ضَالٌّ عَنْ هُدَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مُضِلٌّ لِمَنِ اِقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَ بَعْدَ وَفَاتِهِ حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ رَهْنٌ [ رَهِينٌ ] بِخَطِيئَتِهِ وَ رَجُلٌ قَمَشَ جَهْلاً مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ اَلْأُمَّةِ عَادٍ(1) [ غَادِرٌ ] فِي أَغْبَاشِ اَلْفِتْنَةِ عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ اَلْهُدْنَةِ قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ اَلنَّاسِ عَالِماً وَ لَيْسَ بِهِ بَكَّرَ [ بَكَرَ ] فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ حَتَّى إِذَا اِرْتَوَى مِنْ مَاءٍ آجِنٍ وَ اِكْتَنَزَ اِكْتَثَرَ [ اِكْتَنَزَ ] مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ جَلَسَ بَيْنَ اَلنَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا اِلْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى اَلْمُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ فَهُوَ مِنْ لَبْسِ اَلشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ اَلْعَنْكَبُوتِ لاَ يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ وَ إِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالاَتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ لَمْ يَعَضَّ عَلَى اَلْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ يُذْرِي يَذْرُو [ يُذْرِي ] اَلرِّوَايَاتِ إِذْرَاءَ ذَرْوَ [ إِذْرَاءَ ] اَلرِّيحِ اَلْهَشِيمَ لاَ مَلِي‏ءٌ وَ اَللَّهِ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيْهِ وَ لاَ هُوَ أَهْلٌ لِمَا فُوِّضَ قُرِّظَ [ فُوِّضَ ] بِهِ إِلَيْهِ لاَ يَحْسَبُ اَلْعِلْمَ فِي شَيْ‏ءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ وَ لاَ يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرِهِ وَ إِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اِكْتَتَمَ بِهِ لِمَا يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ تَصْرُخُ مِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ اَلدِّمَاءُ وَ تَعَجُّ مِنْهُ

____________________

(1)ج:"غاد".

٢٨٣

اَلْمَوَارِيثُ إِلَى اَللَّهِ مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالاً وَ يَمُوتُونَ ضُلاَّلاً لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ اَلْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلاَوَتِهِ وَ لاَ سِلْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً وَ لاَ أَغْلَى ثَمَناً مِنَ اَلْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَ لاَ عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ اَلْمَعْرُوفِ وَ لاَ أَعْرَفُ مِنَ اَلْمُنْكَرِ)، وكله إلى نفسه تركه و نفسه وكلته وكلا و وكولا و الجائر الضال العادل عن الطريق، و قمش جهلا جمعه، و موضع مسرع أوضع البعير أسرع و أوضعه راكبه فهو موضع به، أي: أسرع به. و أغباش الفتنة ظلمها الواحدة غبش و أغباش الليل بقايا ظلمته، و منه الحديث في صلاة الصبح و النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغبش و الماء الآجن الفاسد، و أكثر كقولك استكثر و يروى اكتنز، أي: اتخذ العلم كنزا. و التخليص التبيين، و هو و التلخيص متقاربان و لعلهما شي‏ء واحد من المقلوب. و المبهمات المشكلات و إنما قيل لها مبهمة؛ لأنها أبهمت عن البيان كأنها أصمتت، فلم يجعل عليها دليل و لا إليها سبيل أو جعل عليها دليل، و إليها سبيل إلا أنه متعسر مستصعب و لهذا قيل لما لا ينطق من الحيوان بهيمة، و قيل: للمصمت اللون الذي لا شية فيه بهيم. و قوله: حشوا رثا كلام مخرجه الذم و الرث الخلق ضد الجديد. و قوله: حشوا يعني كثيرا لا فائدة فيه و عاش خابط في ظلام، و قوله: لم يعض يريد أنه لم يتقن و لم يحكم الأمور فيكون بمنزلة من يعض بالناجذ، و هو آخر الأضراس و إنما

____________________

(1) مروطهن: أكسيتهن.

٢٨٤

يطلع إذا استحكمت شبيبة الإنسان و اشتدت مرته و لذلك يدعوه العوام ضرس الحلم، كأن الحلم(1) يأتي مع طلوعه و يذهب نزق الصبا و يقولون: رجل منجذ، أي: مجرب محكم، كأنه قد عض على ناجذه و كمل عقله. و قوله: يذري الروايات هكذا أكثر النسخ، و أكثر الروايات يذري من أذرى رباعيا، و قد أوضحه قوله: إذراء الريح يقال طعنه فأذراه، أي: ألقاه و أذريت الحب للزرع، أي: ألقيته فكأنه يقول يلقي الروايات كما يلقي الإنسان الشي‏ء على الأرض و الأجود الأصح الرواية الأخرى يذرو الروايات ذرو الريح الهشيم، و هكذا ذكر ابن قتيبة في غريب الحديث لما ذكر هذه الخطبة عن أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) قال تعالى:( فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ اَلرِّياحُ ) (2) و الهشيم ما يبس من النبت و تفتت. قوله: لا ملي‏ء، أي: لا قيم به و فلان غني ملي‏ء، أي: ثقة بين الملأ و الملاء بالمد و في كتاب ابن قتيبة تتمة هذا الكلام و لا أهل لما قرظ به قال، أي: ليس بمستحق للمدح الذي مدح به، و الذي رواه ابن قتيبة من تمام كلام أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) : هو الصحيح الجيد؛ لأنه يستقبح في العربية أن تقول لا زيد قائم حتى تقول و لا عمرو أو تقول و لا قاعد فقوله: (عليه‌السلام ) لا ملي‏ء، أي: لا هو ملي‏ء و هذا يستدعي لا ثانية و لا يحسن الاقتصار على الأولى. و قوله (عليه‌السلام ) : اكتتم به، أي: كتمه و ستره، و قوله: تصرخ منه و تعج العج رفع الصوت و هذا من باب الاستعارة. و في كثير من النسخ إلى الله أشكو، فمن روى ذلك وقف على المواريث

____________________

(1) الحلم، بالكسر: الأناة والمقل.

(2) سورة الكهف 45

٢٨٥

و من روى الرواية الأولى وقف على قوله إلى الله، و يكون قوله من معشر من تمام صفات ذلك الحاكم، أي: هو من معشر صفتهم كذا. و أبور أفعل من البور الفاسد بار الشي‏ء، أي: فسد و بارت السلعة، أي: كسدت و لم تنفق، و هو المراد هاهنا و أصله الفساد أيضا. إن قيل بينوا الفرق بين الرجلين اللذين أحدهما وكله الله إلى نفسه و الآخر رجل قمش جهلا، فإنهما في الظاهر واحد. قيل: أما الرجل الأول فهو الضال في أصول العقائد كالمشبه و المجبر و نحوهما ألا تراه كيف قال مشغوف بكلام بدعة و دعاء ضلالة، و هذا يشعر بما قلناه من أن مراده به المتكلم في أصول الدين و هو ضال عن الحق و لهذا قال إنه فتنة لمن افتتن به ضال عن هدى من قبله مضل لمن يجي‏ء بعده و أما الرجل الثاني فهو المتفقه في فروع الشرعيات و ليس بأهل لذلك كفقهاء السوء ألا تراه كيف يقول جلس بين الناس قاضيا. و قال أيضا تصرخ من جور قضائه الدماء و تعج منه المواريث، فإن قيل ما معنى قوله في الرجل الأول رهن بخطيئته، قيل: لأنه إن كان ضالا في دعوته مضلا لمن اتبعه فقد حمل خطاياه و خطايا غيره فهو رهن بالخطيئتين معا، و هذا مثل قوله تعالى:( وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالاً مَعَ أَثْقالِهِمْ ) (1) . إن قيل ما معنى قوله: عم بما في عقد الهدنة قيل الهدنة أصلها في اللغة السكون يقال هدن إذا سكن، و معنى الكلام أنه لا يعرف ما في الفتنة من الشر، و لا ما في السكون و المصالحة(2) من الخير.

____________________

(1) سورة العنكبوت 13

(2) ا: ا«المصلحة»، تصحيف.

٢٨٦

و يروى بما في غيب الهدنة، أي: في طيها و في ضمنها و يروى غار في أغباش الفتنة، أي: غافل ذو غرة. و روي من جمع بالتنوين فتكون ما على هذا اسما موصولا، و هي و صلتها في موضع جر؛ لأنها صفة جمع و من لم يرو التنوين في جمع حذف الموصوف تقديره من جمع شي‏ء ما قل منه خير مما كثر، فتكون ما مصدرية و تقدير الكلام قلته خير من كثرته، و يكون موضع ذلك جرا أيضا بالصفة

٢٨٧

18. و من كلام له (عليه‌السلام ) في ذم اختلاف العلماء في الفتيا

( تَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ اَلْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ اَلْأَحْكَامِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ اَلْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلاَفِ قَوْلِهِ(1) ثُمَّ يَجْتَمِعُ اَلْقُضَاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ اَلْإِمَامِ اَلَّذِي اِسْتَقْضَاهُمْ فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً وَ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ وَ نَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَ كِتَابُهُمْ وَاحِدٌ أَ فَأَمَرَهُمُ اَللَّهُ تَعَالَى سُبْحَانَهُ بِالاِخْتِلاَفِ فَأَطَاعُوهُ أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ أَمْ أَنْزَلَ اَللَّهُ(2) سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى أَمْ أَنْزَلَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً فَقَصَّرَ اَلرَّسُولُ ص عَنْ تَبْلِيغِهِ وَ أَدَائِهِ وَ اَللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ( ما فَرَّطْنا فِي اَلْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) (3) وَ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ تِبْيَانٌ لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ(4) وَ ذَكَرَ أَنَّ اَلْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً وَ أَنَّهُ لاَ اِخْتِلاَفَ فِيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ( وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اَللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلافاً كَثِيراً ) (5) وَ إِنَّ اَلْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَ بَاطِنُهُ عَمِيقٌ لاَ تَفْنَى عَجَائِبُهُ وَ لاَ تَنْقَضِي غَرَائِبُهُ وَ لاَ تُكْشَفُ اَلظُّلُمَاتُ إِلاَّ بِهِ)

____________________

(1) كذا في ا ومخطوطة النهج، وفى ب " بخلافه ".

(2) ا: " أم أنزل إليهم ".

(3) سورة الأنعام 38

(4 – 4) في ب: " وقال: فيه تبيان كل شئ "، والأصوب ما أثبته من ا، ومخطوطةالنهج.

(5) سورة النساء 82

٢٨٨

الأنيق المعجب و آنقني الشي‏ء، أي أعجبني يقول لا ينبغي أن يحمل جميع ما في الكتاب العزيز على ظاهره فكم من ظاهر فيه غير مراد بل المراد به أمر آخر باطن و المراد الرد على أهل الاجتهاد في الأحكام الشرعية و إفساد قول من قال كل مجتهد مصيب، و تلخيص الاحتجاج من خمسة أوجه: الأول: أنه لما كان الإله سبحانه واحدا، و الرسول (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) واحدا، و الكتاب واحدا، وجب أن يكون الحكم في الواقعة واحدا كالملك الذي يرسل إلى رعيته رسولا بكتاب يأمرهم فيه بأوامر يقتضيها ملكه و إمرته، فإنه لا يجوز أن تتناقض أوامره و لو تناقضت لنسب إلى السفه و الجهل. الثاني: لا يخلو الاختلاف الذي ذهب إليه المجتهدون إما أن يكون مأمورا به أو منهيا عنه، و الأول: باطل؛ لأنه ليس في الكتاب و السنة ما يمكن الخصم أن يتعلق به في كون الاختلاف مأمورا به، و الثاني: حق و يلزم منه تحريم الاختلاف. الثالث: إما أن يكون دين الإسلام ناقصا أو تاما، فإن كان الأول كان الله سبحانه قد استعان بالمكلفين على إتمام شريعة ناقصة أرسل بها رسوله إما استعانة على سبيل النيابة عنه أو على سبيل المشاركة له، و كلاهما كفر، و إن كان الثاني فإما أن يكون الله تعالى أنزل الشرع تاما فقصر الرسول عن تبليغه أو يكون الرسول قد أبلغه على تمامه و كماله، فإن كان الأول فهو كفر أيضا و إن كان الثاني فقد بطل الاجتهاد؛ لأن الاجتهاد إنما يكون فيما لم يتبين فأما ما قد بين فلا مجال للاجتهاد فيه. الرابع الاستدلال بقوله تعالى:( ما فَرَّطْنا فِي اَلْكِتابِ مِنْ شَيْ‏ءٍ ) (1) و قوله( تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ ) (2) و قوله سبحانه( وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاَّ فِي كِتابٍ

____________________

(1) سورة الأنعام 38

(2) سورة النحل 89، وفى الأصول: وقوله: " فيه تبيان كل شئ "، والتلاوة ما أثبته

٢٨٩

مُبِينٍ ) (1) فهذه الآيات دالة على اشتمال الكتاب العزيز على جميع الأحكام، فكل ما ليس في الكتاب وجب ألا يكون في الشرع. الخامس قوله تعالى:( وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اَللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اِخْتِلافاً كَثِيراً ) (2) فجعل الاختلاف دليلا على أنه ليس من عند الله، لكنه من عند الله سبحانه بالأدلة القاطعة الدالة على صحة النبوة، فوجب ألا يكون فيه اختلاف. و اعلم أن هذه الوجوه هي التي يتعلق بها الإمامية، و نفاه القياس و الاجتهاد في الشرعيات، و قد تكلم عليها أصحابنا في كتبهم، و قالوا إن أميرالمؤمنين (عليه‌السلام ) كان يجتهد و يقيس و ادعوا إجماع الصحابة على صحة الاجتهاد و القياس، و دفعوا صحة هذا الكلام المنسوب في هذا الكتاب إلى أميرالمؤمنين (عليه‌السلام )، و قالوا إنه من رواية الإمامية و هو معارض بما ترويه الزيدية عنه و عن أبنائه (عليه‌السلام ) في صحة القياس و الاجتهاد، و مخالطة الزيدية لأئمة أهل البيت (عليه‌السلام ) كمخالطة الإمامية لهم و معرفتهم بأقوالهم و أحوالهم و مذاهبهم، كمعرفة الإمامية لا فرق بين الفئتين في ذلك و الزيدية قاطبة جاروديتها و صالحيتها(3) تقول بالقياس و الاجتهاد، و ينقلون في ذلك نصوصا عن أهل البيت (عليه‌السلام )، و إذا تعارضت الروايتان تساقطتا، و عدنا إلى الأدلة المذكورة في هذه المسألة، و قد تكلمت في اعتبار الذريعة للمرتضى(4) على احتجاجه في إبطال القياس و الاجتهاد بما ليس هذا موضع ذكره

____________________

(1) سورة الأنعام 59

(2) سورة النساء 82

(3) الزيدية: أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب، وهم أصناف ثلاثة: جارودية، وهم أصحاب أبي الجارود زياد بن أبي زياد، وسليمانية وهم أصحاب سليمان بن جرير، وصالحية أصحاب الحسن بن صالح بن حي، ومن هؤلاء البترية أصحاب كثير الأبتر. وانظر بتفصيل مذهبهم في الملل والنحل للشهرستاني 1: 137-143.

(4) هو كتاب الذريعة إلى أصول الشريعة، للشريف المرتضى، شرحه ابن أبي الحديد وسمى شرحه الاعتبار على كتاب الذريعة، في ثلاثة مجلدات. وانظر كتاب الذريعة إلى تصانيف الشيعة 10: 26

٢٩٠

19. و من كلام له (عليه‌السلام ) قاله للأشعث بن قيس

و هو على منبر الكوفة يخطب فمضى في بعض كلامه شي‏ء اعترضه الأشعث فيه فقال يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك فخفض إليه بصره (عليه‌السلام ) ثم قال: (وَ مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي عَلَيْكَ لَعْنَةُ اَللَّهِ وَ لَعْنَةُ اَللاَّعِنِينَ حَائِكٌ اِبْنُ حَائِكٍ مُنَافِقٌ اِبْنُ كَافِرٍ وَ اَللَّهِ لَقَدْ أَسَرَكَ اَلْكُفْرُ مَرَّةً وَ اَلْإِسْلاَمُ أُخْرَى [ مَرَّةً ] فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ وَ لاَ حَسَبُكَ وَ إِنَّ اِمْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ اَلسَّيْفَ وَ سَاقَ إِلَيْهِمُ اَلْحَتْفَ لَحَرِيٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ اَلْأَقْرَبُ وَ لاَ يَأْمَنَهُ اَلْأَبْعَدُ) قال الرضيرحمه‌الله يريد (عليه‌السلام ) أنه أسر في الكفر مرة و في الإسلام مرة. و أما قوله (عليه‌السلام ) : دل على قومه السيف فأراد به حديثا كان للأشعث مع خالد بن الوليد باليمامة غر فيه قومه و مكر بهم حتى أوقع بهم خالد و كان قومه بعد ذلك يسمونه عرف النار و هو اسم للغادر عندهم

٢٩١

خفض إليه بصره طأطأه و قوله: فما فداك لا يريد به الفداء الحقيقي، فإن الأشعث فدي في الجاهلية بفداء يضرب به المثل، فقال أغلى فداء من الأشعث و سنذكره، و إنما يريد ما دفع عنك الأسر مالك، و لا حسبك و يمقته يبغضه و المقت البغض.

الأشعث بن قيس و نسبه و بعض أخباره

اسم الأشعث معديكرب و أبوه قيس الأشج سمي الأشج؛ لأنه شج في بعض حروبهم ابن معديكرب، بن معاوية، بن معديكرب، بن معاوية، بن جبلة، بن عبد العزى، بن ربيعة، بن معاوية الأكرمين، بن الحارث، بن معاوية، بن الحارث، بن معاوية، بن ثور، بن مرتع(1) ، بن معاوية، بن كندة، بن عفير، بن عدي، بن الحارث، بن مرة بن أدد. و أم الأشعث كبشة بنت يزيد، بن شرحبيل، بن يزيد، بن إمرئ القيس، بن عمرو المقصور الملك. كان الأشعث أبدا أشعث الرأس فسمي الأشعث و غلب عليه حتى نسي اسمه، و لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث يقول أعشى همدان(2) :

يا ابن الأشج قريع كندة

لا أبالي فيك عتبا(3)

____________________

(1) مرتع، كمحدث، وكمحسن أيضا. القاموس.

(2) هو أبو مصح عبد الرحمن بن عبد الله، من أبيات في ديوانه الأعشير 113، أولها:

من مبلغ الحجاج أنى قد ندبت إليه حربا

حربا مذكرة عوانا

تترك الشبان شهبا

(3) في الديوان:

لابن الأشج قريع كندة

لا أبين فيه عتبا

٢٩٢

أنت الرئيس ابن الرئيس

و أنت أعلى الناس كعبا(1)

و تزوج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قتيلة أخت الأشعث فتوفي قبل أن تصل إليه. فأما الأسر الذي أشار أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) إليه في الجاهلية فقد ذكره ابن الكلبي في جمهرة النسب، فقال إن مرادا لما قتلت قيسا الأشج خرج الأشعث طالبا بثأره(2) ، فخرجت كندة متساندين على ثلاثة ألوية على أحد الألوية، كبس بن هانئ، بن شرحبيل، بن الحارث، بن عدي، بن ربيعة، بن معاوية الأكرمين، و يعرف هانئ بالمطلع؛ لأنه كان يغزو فيقول اطلعت بني(3) فلان، فسمي المطلع و على أحدها القشعم أبو جبر(4) بن يزيد الأرقم و على أحدها الأشعث فأخطئوا مرادا، و لم يقعوا عليهم و وقعوا على بني الحارث بن كعب، فقتل كبس و القشعم أبو جبر، و أسر الأشعث، ففدي بثلاثة آلاف بعير لم يفد بها عربي بعده، و لا قبله، فقال في ذلك عمرو بن معديكرب الزبيدي:

فكان فداؤه ألفي بعير

و ألفا من طريفات و تلد

و أما الأسر الثاني في الإسلام فإن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) لما قدمت كندة حجاجا قبل الهجرة عرض رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) نفسه عليهم كما كان يعرض نفسه على أحياء العرب، فدفعه بنو وليعة من بني عمرو بن معاوية و لم يقبلوه، فلما هاجر (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و تمهدت دعوته و جاءته وفود العرب جاءه وفد كندة فيهم الأشعث و بنو وليعة فأسلموا، فأطعم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) بني وليعة طعمة من صدقات حضرموت، و كان قد استعمل على حضرموت زياد بن لبيد البياضي الأنصاري فدفعها زياد إليهم فأبوا أخذها و قالوا: لا ظهر لنا(5) ، فابعث بها إلى بلادنا على ظهر

____________________

(1) الديوان: " أعلى القوم ".

(2) ا: " ثأره ".

(3) أطلع القوم: هجم عليهم.

(4) ا: " القاسم بن جبر "، وصوابه من ب، والاشتقاق 365

(5) الظهر: الركاب التي تحمل الاسفار في السفر سميت بذلك لحملها إياها على طهورها.

٢٩٣

من عندك فأبى زياد و حدث بينهم و بين زياد شر كاد يكون حربا فرجع منهم قوم إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )، و كتب زياد إليه (عليه‌السلام ) يشكوهم و في هذه الوقعة كان الخبر المشهور عن رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) قال لبني وليعة لتنتهن يا بني وليعة أو لأبعثن عليكم رجلا عديل نفسي يقتل مقاتلتكم و يسبي ذراريكم قال عمر بن الخطاب فما تمنيت الإمارة إلا يومئذ و جعلت أنصب له صدري رجاء أن يقول هو هذا فأخذ بيد علي (عليه‌السلام ) و قال هو هذا. ثم كتب لهم رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) إلى زياد فوصلوا إليه بالكتاب و قد توفي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و طار الخبر بموته إلى قبائل العرب فارتدت بنو وليعة و غنت بغاياهم و خضبن له أيديهن. و قال محمد بن حبيب: كان إسلام بني وليعة ضعيفا و كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يعلم ذلك منهم و لما حج رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) حجة الوداع و انتهى إلى فم الشعب دخل أسامة بن زيد ليبول فانتظره رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و كان أسامة أسود أفطس فقال بنو وليعة: هذا الحبشي حبسنا فكانت الردة في أنفسهم. قال أبو جعفر محمد بن جرير: فأمر(1) أبو بكر زيادا على حضرموت، و أمره بأخذ البيعة على أهلها، و استيفاء صدقاتهم، فبايعوه إلا بني وليعة، فلما خرج ليقبض الصدقات من بني عمرو بن معاوية أخذ ناقة لغلام منهم يعرف بشيطان بن حجر، و كانت صفية(2) نفيسة اسمها شذرة فمنعه الغلام عنها، و قال خذ غيرها فأبى زياد ذلك، و لج فاستغاث شيطان بأخيه العداء بن حجر، فقال لزياد دعها و خذ غيرها فأبى زياد ذلك و لج الغلامان في أخذها، و لج زياد و قال لهما: لا تكونن شذرة عليكما كالبسوس

____________________

(1) تاريخ الطبري 3: 332، 333؛مع تصرف.

(2) الصفية: الناقة الغزيرة اللبن.

٢٩٤

فهتف الغلامان: يا لعمرو، أنضام و نضطهد إن الذليل من أكل في داره و، هتفا بمسروق بن معديكرب فقال مسروق لزياد أطلقها فأبى فقال مسروق:

يطلقها شيخ بخديه الشيب(1)

ملمع فيه كتلميع الثوب(2)

ماض على الريب إذا كان الريب(3)

ثم قام فأطلقها فاجتمع إلى زياد بن لبيد أصحابه و اجتمع بنو وليعة و أظهروا أمرهم فبيتهم زياد و هم غارون، فقتل منهم جمعا كثيرا و نهب و سبى و لحق فلهم بالأشعث بن قيس فاستنصروه، فقال: لا أنصركم حتى تملكوني عليكم فملكوه، و توجوه كما يتوج الملك من قحطان، فخرج إلى زياد في جمع كثيف و كتب أبو بكر إلى المهاجر بن أبي أمية، و هو على صنعاء أن يسير بمن معه إلى زياد فاستخلف على صنعاء و سار إلى زياد فلقوا الأشعث فهزموه، و قتل مسروق و لجأ الأشعث، و الباقون إلى الحصن المعروف بالنجير(4) ، فحاصرهم المسلمون حصارا شديدا حتى ضعفوا، و نزل الأشعث ليلا إلى المهاجر و زياد فسألهما الأمان على نفسه حتى يقدما به على أبي بكر فيرى فيه رأيه على أن يفتح لهم الحصن و يسلم إليهم من فيه. و قيل: بل كان في الأمان عشرة من أهل الأشعث. فأمناه و أمضيا شرطه ففتح لهم الحصن فدخلوه، و استنزلوا كل من فيه و أخذوا أسلحتهم و قالوا للأشعث: اعزل العشرة فعزلهم، فتركوهم و قتلوا الباقين، و كانوا ثمانمائة، و قطعوا أيدي النساء اللواتي شمتن برسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و حملوا الأشعث

____________________

(1) الطبري: " يمنعها "

(2) الطبري: * ملمع كما يلمع الثوب *

(3) لم يرد هذا البيت في الطبري.

(4) كذا ضبطه صاحب مراصد الاطلاع بالتصغير، وقال: " حصن باليمن قرب حضر موت

٢٩٥

إلى أبي بكر موثقا في الحديد هو، و العشرة فعفا عنه و عنهم و زوجه أخته أم فروة بنت أبي قحافة، و كانت عمياء فولدت للأشعث محمدا، و إسماعيل، و إسحاق. و خرج الأشعث يوم البناء عليها إلى سوق المدينة فما مر بذات أربع إلا عقرها، و قال للناس هذه وليمة البناء، و ثمن كل عقيرة في مالي، فدفع أثمانها إلى أربابها. قال أبو جعفر محمد بن جرير في التاريخ: و كان المسلمون يلعنون الأشعث و يلعنه الكافرون أيضا و سبايا قومه، و سماه نساء قومه عرف النار و هو اسم للغادر عندهم(1) . و هذا عندي هو الوجه، و هو أصح مما ذكره الرضيرحمه‌الله تعالى من قوله في تفسير قول أمير المؤمنين: و إن امرأ دل على قومه السيف أنه أراد به حديثا كان للأشعث مع خالد بن الوليد باليمامة غر فيه قومه و مكر بهم حتى قتلهم، فإنا لم نعرف في التواريخ أن الأشعث جرى له باليمامة مع خالد هذا و لا شبهه، و أين كندة، و اليمامة كندة باليمن، و اليمامة لبني حنيفة، و لا أعلم من أين نقل الرضيرحمه‌الله تعالى هذا. فأما الكلام الذي كان أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) قاله على منبر الكوفة فاعترضه فيه الأشعث فإن عليا (عليه‌السلام ) قام إليه، و هو يخطب و يذكر أمر الحكمين رجل من أصحابه بعد أن انقضى أمر الخوارج فقال له: نهيتنا عن الحكومة ثم أمرتنا بها فما ندري أيالأمرين أرشد، فصفق (عليه‌السلام ) بإحدى يديه على الأخرى و قال: هذا جزاء من ترك العقدة، و كان مراده (عليه‌السلام ) هذا جزاؤكم إذ تركتم الرأي و الحزم، و أصررتم على إجابة القوم إلى التحكيم فظن الأشعث أنه أراد هذا جزائي حيث تركت الرأي و الحزم و حكمت؛ لأن هذه اللفظة محتملة ألا ترى أن الرئيس

____________________

(1) الطبري 3: 338؛ وعبارته: «كلام يمان به الغادر»

٢٩٦

إذا شغب عليه جنده و طلبوا منه اعتماد أمر ليس بصواب فوافقهم تسكينا لشغبهم لا استصلاحا لرأيهم، ثم ندموا بعد ذلك قد يقول: هذا جزاء من ترك الرأي و خالف وجه الحزم، و يعني بذلك أصحابه و قد يقوله يعني به نفسه حيث وافقهم أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) إنما عنى ما ذكرناه دون ما خطر للأشعث، فلما قال له هذه عليك لا لك. قال له: و ما يدريك ما علي مما لي عليك لعنة الله و لعنة اللاعنين. و كان الأشعث من المنافقين في خلافة علي (عليه‌السلام )، و هو في أصحاب أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) كما كان عبد الله بن أبي بن سلول في أصحاب رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) كل واحد منهما رأس النفاق في زمانه. و أما قوله (عليه‌السلام ) : للأشعث حائك ابن حائك فإن أهل اليمن يعيرون بالحياكة و ليس هذا مما يخص الأشعث. و من كلام خالد بن صفوان ما أقول في قوم ليس فيهم إلا حائك برد أو دابغ جلد أو سائس قرد ملكتهم امرأة و أغرقتهم فأرة و دل عليهم هدهد

٢٩٧

20. و من خطبة له (عليه‌السلام )

) فَإِنَّكُمْ لَوْ قَدْ عَايَنْتُمْ مَا قَدْ عَايَنَ مَنْ مَاتَ مِنْكُمْ لَجَزِعْتُمْ وَ وَهِلْتُمْ وَ سَمِعْتُمْ وَ أَطَعْتُمْ وَ لَكِنْ مَحْجُوبٌ عَنْكُمْ مَا قَدْ عَايَنُوا وَ قَرِيبٌ مَا يُطْرَحُ اَلْحِجَابُ وَ لَقَدْ بُصِّرْتُمْ إِنْ أَبْصَرْتُمْ وَ أُسْمِعْتُمْ إِنْ سَمِعْتُمْ وَ هُدِيتُمْ إِنِ اِهْتَدَيْتُمْ وَ بِحَقٍّ أَقُولُ لَكُمْ(1) : لَقَدْ جَاهَرَتْكُمْ اَلْعِبَرُ وَ زُجِرْتُمْ بِمَا فِيهِ مُزْدَجَرٌ وَ مَا يُبَلِّغُ عَنِ اَللَّهِ بَعْدَ رُسُلِ اَلسَّمَاءِ إِلاَّ اَلْبَشَرُ) الوهل الخوف وهل الرجل يوهل. و ما في قوله ما يطرح مصدرية تقديره و قريب طرح الحجاب يعني رفعه بالموت. و هذا الكلام يدل على صحة القول بعذاب القبر و أصحابنا كلهم يذهبون إليه، و إن شنع عليهم أعداؤهم من الأشعرية و غيرهم بجحده. و ذكر قاضي القضاةرحمه‌الله تعالى أنه لم يعرف(2) معتزليا نفى عذاب القبر لا من

____________________

(1) كلمة " لكم " ساقطة من ا

(2) : " يعرف "

٢٩٨

متقدميهم و لا من متأخريهم قال: و إنما نفاه ضرار(1) بن عمرو لمخالطته لأصحابنا و أخذه عن شيوخنا ما نسب قوله إليهم. و يمكن أن يقول قائل هذا الكلام لا يدل على صحة القول بعذاب القبر لجواز أن يعني بمعاينة من قد مات ما يشاهده المحتضر من الحالة الدالة على السعادة أو الشقاوة، فقد جاء في الخبر لا يموت امرؤ حتى يعلم مصيره هل هو إلى الجنة أم إلى النار و يمكن أن يعني به ما يعاينه المحتضر من ملك الموت و هول قدومه، و يمكن أن يعني به ما كان (عليه‌السلام ) يقوله عن نفسه إنه لا يموت ميت حتى يشاهده (عليه‌السلام ) حاضرا عنده و الشيعة تذهب إلى هذا القول و تعتقده و تروي عنه (عليه‌السلام ) شعرا قاله للحارث الأعور الهمداني:

يا حار همدان من يمت يرني

من مؤمن أو منافق قبلا

يعرفني طرفه و أعرفه

بعينه و اسمه و ما فعلا

أقول للنار و هي توقد للعرض

ذريه لا تقربي الرجلا

ذريه لا تقربيه إن له

حبلا بحبل الوصي متصلا

و أنت يا حار إن تمت ترني

فلا تخف عثرة و لا زللا(2)

أسقيك من بارد على ظمإ

تخاله في الحلاوة العسلا

و ليس هذا بمنكر إن صح أنه (عليه‌السلام ) قاله عن نفسه ففي الكتاب العزيز ما يدل على أن أهل الكتاب لا يموت منهم ميت حتى يصدق بعيسى ابن مريم (عليه‌السلام )، و ذلك قوله:( وَ إِنْ مِنْ أَهْلِ اَلْكِتابِ إِلاَّ لَيُؤْمِنَنَّ بِهِ قَبْلَ مَوْتِهِ وَ يَوْمَ

____________________

(1) ضرار بن عمرو، صاحب مذهب الضرارية من فرق الجبرية، وكان في بدء أمره تلميذا لواصل ابن عطاء المعتزلي، ثم خالفه في خلق الأعمال وإنكار عذاب القبر. الفرق بين الفرق 201

(2) هذا البيت والذي يليه لم يذكرا في ب

٢٩٩

اَلْقِيامَةِ يَكُونُ عَلَيْهِمْ شَهِيداً ) (1) ، قال كثير من المفسرين معنى ذلك أن كل ميت من اليهود و غيرهم من أهل الكتب السالفة إذا احتضر رأى المسيح عيسى(2) عنده، فيصدق به من لم يكن في أوقات التكليف مصدقا به. و شبيه بقوله (عليه‌السلام ) : لو عاينتم ما عاين من مات قبلكم قول أبي حازم لسليمان بن عبد الملك في كلام يعظه به أن آباءك ابتزوا هذا الأمر من غير مشورة، ثم ماتوا فلو علمت ما قالوا و ما قيل لهم فقيل إنه(3 بكى حتى سقط3)

____________________

(1) سورة النساء159.

(2) ساقط من ب

(3-3) ا:"إن سليمان بكي حتى سقط".

٣٠٠