كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ١

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 350

كتاب شرح نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف: الصفحات: 350
المشاهدات: 90596
تحميل: 7663


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 350 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 90596 / تحميل: 7663
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 1

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

كتاب شرح نهج البلاغة

الجزء الأول

ابن أبي الحديد

١

هذا الكتاب

نشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين (عليهم‌السلام ) للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

المقدمة

بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله الواحد العدل(1) الحمد لله الذي تفرد بالكمال فكل كامل سواه منقوص و استوعب عموم المحامد و الممادح، فكل ذي عموم عداه مخصوص الذي وزع منفسات نعمه بين من يشاء من خلقه، و اقتضت حكمته أن نافس الحاذق في حذقه فاحتسب به عليه من رزقه و زوى(2) الدنيا عن الفضلاء، فلم يأخذها الشريف بشرفه و لا السابق بسبقه و قدم المفضول على الأفضل لمصلحة اقتضاها التكليف و اختص الأفضل من جلائل المآثر و نفائس المفاخر بما يعظم عن التشبيه، و يجل عن التكييف و صلى الله على رسوله محمد الذي(3) المكني عنه شعاع من شمسه، و غصن من غرسه و قوة من قوى نفسه، و منسوب إليه نسبة الغد إلى يومه، و اليوم إلى أمسه فما هما إلا سابق و لاحق و قائد و سائق و ساكت، و ناطق و مجل و مصل سبقا لمحة البارق و أنارا سدفة الغاسق (صلى الله عليهما) ما استخلب(4) خبير و تناوح حراء و ثبير(5) . و بعد فإن مراسم المولى الوزير الأعظم الصاحب(6) الصدر الكبير المعظم العالم العادل المظفر، المنصور المجاهد المرابط(7) ، مؤيد الدين عضد الإسلام سيد وزراء الشرق و الغرب أبي طالب(8)

____________________

(1) تكملة من ب.

(2) زوى الدنيا: نحاها وصرفها.

(3) في ا: " والذي ".

(4) استخلب، بالبناء للمجهول: قطع. والخبير: النبات، وورد في حديث طهفة: " ونستخلب الخبير " قال ابن الأثير: الخبير: النبات والعشب، شبه بخبير الإبل، وهو وبرها. النهاية 1: 280

(5) يقال: هما جبلان يتناوحان، إذا كانا متقابلين، وثبير: جبل شامخ بمكة يقابل حراء، وهو أرفع من ثبير. ياقوت 3: 240

(6) ب: " صاحب ".

(7) ا: والمرابط.

(8) فى الطبعة الأولى:" أبى محمدبن أحمد"، وهو خطأ.

٣

محمد بن أحمد بن محمد العلقمي(1) نصير أمير المؤمنين أسبغ الله عليه من ملابس النعم أضفاها و أحله من مراقب السعادة، و مراتب السيادة أشرفها و أعلاها لما شرفت عبد دولته و ربيب نعمته بالاهتمام بشرح نهج البلاغة على صاحبه أفضل الصلوات، و لذكره أطيب التحيات بادر إلى ذلك مبادرة من بعثه من قبل عزم، ثم حمله(2) أمر جزم و شرع فيه بادي الرأي شروع مختصر و على ذكر الغريب و المعنى مقتصر، ثم تعقب الفكر فرأى أن هذه النغبة(3) لا تشفي أواما، و لا تزيد الحائم إلا خياما فتنكب ذلك المسلك، و رفض ذلك المنهج و بسط القول في شرحه بسطا اشتمل على الغريب و المعاني و علم البيان، و ما عساه يشتبه و يشكل من الإعراب و التصريف، و أورد في كل موضع ما يطابقه من النظائر و الأشباه نثرا و نظما، و ذكر ما يتضمنه من السير و الوقائع و الأحداث فصلا فصلا، و أشار إلى ما ينطوي عليه من دقائق علم التوحيد و العدل إشارة خفيفة، و لوح إلى ما يستدعي الشرح ذكره من الأنساب و الأمثال و النكت تلويحات لطيفة، و رصعه من المواعظ الزهدية و الزواجر الدينية و الحكم النفسية و الآداب الخلقية المناسبة لفقره و المشاكلة لدرره، و المنتظمة مع معانيه في سمط و المتسقة مع جواهره في لط(4) بما يهزأ بشنوف النضار و يخجل قطع الروض غب القطار، و أوضح ما يومئ إليه من المسائل الفقهية و برهن على أن كثيرا من فصوله داخل في باب المعجزات المحمدية لاشتمالها على

____________________

(1) هو مؤيد الدين أبو طالب محمد بن أحمد بن العلقمي البغدادي، وزير المستعصم بالله، الخليفة العباسي. اشتغل في صباه بالأدب، ففاق فيه، وكتب خطا مليحا، وترسل ترسلا فصيحا، وكان لبيبا كريما، رئيسا متمسكا بقوانين الرياسة، خبيرا بأدوات السياسة، محبا للأدب، مقربا لأهل العلم، اقتنى كتبا كثيرة نفيسة، وصنف الناس له، منهم الصغاني، صنف له العباب، وهذا المصنف الذي ألف برسمه، وكان ممدحا، مدحه الشعراء، وانتجعه الفضلاء، وأخباره الطيبة كثيرة وجليلة. توفي سنة 656. الفخري 295، 296

(2) ب، ج" حركة ".

(3) النغبة في الأصل: الجرعة من الماء. وفي ا: " البغية "، والأجود ما أثبته من ب.

(4) للط: العقد.

٤

الأخبار الغيبية و خروجها عن وسع الطبيعة البشرية، و بين من مقامات العارفين التي يرمز إليها في كلامه ما لا يعقله إلا العالمون، و لا يدركه إلا الروحانيون المقربون، و كشف عن مقاصده ع في لفظة يرسلها و معضلة(1) يكني عنها و غامضة يعرض بها و خفايا يجمجم(2) بذكرها و هنات تجيش في صدره فينفث بها نفثة المصدور و مرمضات مؤلمات يشكوها فيستريح بشكواها استراحة المكروب. فخرج هذا الكتاب كتابا كاملا في فنه واحدا بين أبناء جنسه ممتعا بمحاسنه جليلة فوائده شريفة مقاصده عظيما شأنه عالية منزلته و مكانه، و لا عجب أن يتقرب بسيد الكتب إلى سيد الملوك و بجامع الفضائل إلى جامع المناقب، و بواحد العصر إلى أوحد الدهر، فالأشياء بأمثالها أليق و إلى أشكالها أقرب و شبه الشي‏ء إليه منجذب و نحوه دان و مقترب. و لم يشرح هذا الكتاب قبلي فيما أعلمه إلا واحد و هو سعيد بن هبة الله بن الحسن الفقيه المعروف بالقطب الراوندي(3) و كان من فقهاء الإمامية، و لم يكن من رجال هذا الكتاب لاقتصاره مدة عمره على الاشتغال بعلم الفقه وحده و أنى للفقيه أن يشرح هذه الفنون المتنوعة و يخوض في هذه العلوم المتشعبة لا جرم أن شرحه لا يخفى حاله عن الذكي و جرى الوادي فطم على القرى(4) ، و قد تعرضت في هذا الشرح لمناقضته

____________________

(1) كذا فى ج وجمجم بالكلام:لم يبينه، وفى ا، ب:"يحجم".

(2) ا: " معضلة " بدون الواو.

(3) هو سعيد بن هبة الله بن الحسن الراوندي، أحد فقهاء الشيعة، وتصانيفه كثيرة متنوعة، أسمى كتابه في شرح النهج " منهاج البراعة، في شرح نهج البلاغة "، وتوفي سنة 573. لسان الميزان 3: 48، روضات الجنان 302

(4) جرى الوادي فطم على القرى، مثل، قال الميداني في شرحه: أي جرى الوادي فطم، أي دفن، يقال: طم السيل الركية، أي دفنها. والقرى: مجرى الماء في الروضة، والجمع أقرية وقريان، و " على " من صلة المعنى، أي أتى على القرى، يعنى أهلكه بأن رفنه، يضرب عند تجاوز الشئ حده ". مجمع الأمثال 1: 159

٥

في مواضع يسيرة اقتضت الحال ذكرها و أعرضت عن كثير مما قاله إذ لم أر في ذكره و نقضه كبير فائدة. و أنا قبل أن أشرع في الشرح أذكر أقوال أصحابنا رحمهم الله في الإمامة و التفضيل و البغاة و الخوارج و متبع ذلك بذكر نسب أمير المؤمنين (عليه‌السلام )، و لمع يسيرة من فضائله، ثم أثلث بذكر نسب الرضي أبي الحسن محمد بن الحسين الموسويرحمه‌الله و بعض خصائصه و مناقبه، ثم أشرع في شرح خطبة نهج البلاغة التي هي من كلام الرضي أبي الحسنرحمه‌الله (1) فإذا انتهيت من ذلك كله ابتدأت بعون الله و توفيقه في شرح كلام أمير المؤمنين (عليه‌السلام ) شيئا فشيئا. و من الله سبحانه أستمد المعونة و أستدر أسباب العصمة و أستميح غمائم الرحمة و أمتري أخلاف البركة و أشيم بارق النماء و الزيادة فما المرجو إلا فضله، و لا المأمول إلا طوله و لا الوثوق إلا برحمته و لا السكون إلا إلى رأفته،( رَبَّنا عَلَيْكَ تَوَكَّلْنا وَ إِلَيْكَ أَنَبْنا وَ إِلَيْكَ اَلْمَصِيرُ رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلَّذِينَ كَفَرُوا وَ اِغْفِرْ لَنا رَبَّنا إِنَّكَ أَنْتَ اَلْعَزِيزُ اَلْحَكِيمُ ) (2)

____________________

(1) ب: "رضي‌الله‌عنه ".

(2) سورة الممتحنة 4، 5.

٦

القول فيما يذهب إليه أصحابنا المعتزلة في الإمامة و التفضيل و البغاة و الخوارج

اتفق شيوخنا كافة رحمهم الله المتقدمون منهم و المتأخرون و البصريون و البغداديون، على أن بيعة أبي بكر الصديق بيعة صحيحة شرعية و أنها لم تكن عن نص، و إنما كانت بالاختيار الذي ثبت بالإجماع و بغير الإجماع كونه طريقا إلى الإمامة. و اختلفوا في التفضيل فقال قدماء البصريين كأبي عثمان عمرو بن عبيد و أبي إسحاق إبراهيم بن سيار النظام و أبي عثمان عمرو بن بحر الجاحظ و أبي معن ثمامة بن أشرس و أبي محمد هشام بن عمرو الفوطي و أبي يعقوب يوسف بن عبد الله الشحام و جماعة غيرهم إن أبا بكر أفضل من علي (عليه‌السلام ) و هؤلاء يجعلون ترتيب الأربعة في الفضل كترتيبهم في الخلافة. و قال البغداديون قاطبة قدماؤهم و متأخروهم كأبي سهل بشر بن المعتمر و أبي موسى عيسى بن صبيح، و أبي عبد الله جعفر بن مبشر و أبي جعفر الإسكافي، و أبي الحسين الخياط و أبي القاسم عبد الله بن محمود البلخي، و تلامذته، إن عليا (عليه‌السلام ) أفضل من أبي بكر. و إلى هذا المذهب ذهب من البصريين أبو علي محمد بن عبد الوهاب الجبائي أخيرا و كان من قبل من المتوقفين كان يميل إلى التفضيل، و لا يصرح به و إذا صنف ذهب إلى الوقف في مصنفاته، و قال في كثير من تصانيفه إن صح خبر الطائر فعلي أفضل(1)

____________________

(1) يشير إلى ما رواه الترمذي في باب المناقب 13: 170، بسنده عن أنس بن مالك، ولفظه: كان عند النبىصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم طير، فقال:"اللهم ائتنى بأحب خلقك إليك يأكل معى هذا الطير "، فجاء على فأكل معه. قال أبو عيسى: هذا حديث غريب لا يعرف من حديث السدى إلا من هذا الوجه.

٧

ثم إن قاضي القضاةرحمه‌الله ذكر في شرح المقالات لأبي القاسم البلخي، أن أبا عليرحمه‌الله ما مات حتى قال بتفضيل علي (عليه‌السلام ) و قال إنه نقل ذلك عنه سماعا، و لم يوجد في شي‏ء من مصنفاته، و قال أيضا إن أبا عليرحمه‌الله يوم مات استدنى ابنه أبا هاشم إليه و كان قد ضعف عن رفع الصوت فألقى إليه أشياء من جملتها القول بتفضيل علي (عليه‌السلام ). و ممن ذهب من البصريين إلى تفضيله (عليه‌السلام ) الشيخ أبو عبد الله الحسين بن علي البصريرضي‌الله‌عنه كان متحققا بتفضيله و مبالغا في ذلك و صنف فيه كتابا مفردا. و ممن ذهب إلى تفضيله (عليه‌السلام ) من البصريين قاضي القضاة أبو الحسن عبد الجبار بن أحمدرحمه‌الله ذكر ابن متويه عنه في كتاب الكفاية في علم الكلام أنه كان من المتوقفين بين علي (عليه‌السلام ) و أبي بكر، ثم قطع على تفضيل علي (عليه‌السلام ) بكامل المنزلة. و من البصريين الذاهبين إلى تفضيله (عليه‌السلام ) أبو محمد الحسن بن متويه صاحب التذكرة نص في كتاب الكفاية على تفضيله (عليه‌السلام ) على أبي بكر احتج لذلك و أطال في الاحتجاج. فهذان المذهبان كما عرفت. و ذهب كثير من الشيوخ رحمهم الله إلى التوقف فيهما و هو قول أبي حذيفة واصل بن عطاء و أبي الهذيل محمد بن الهذيل العلاف من المتقدمين و هما و إن ذهبا إلى التوقف(1) بينه (عليه‌السلام ) و بين أبي بكر و عمر قاطعان على تفضيله على عثمان.

____________________

(1) ب " الوقف ".

٨

و من الذاهبين إلى الوقف الشيخ أبو هاشم عبد السلام بن أبي علي رحمهما الله، و الشيخ أبو الحسين محمد بن علي بن الطيب البصريرحمه‌الله . و أما نحن فنذهب إلى ما يذهب إليه شيوخنا البغداديون من تفضيله (عليه‌السلام ) و قد ذكرنا في كتبنا الكلامية ما معنى الأفضل و هل المراد به الأكثر ثوابا أو(1) الأجمع لمزايا الفضل و الخلال الحميدة، و بينا أنه (عليه‌السلام ) أفضل على التفسيرين معا و ليس هذا الكتاب موضوعا لذكر الحجاج في ذلك أو في غيره من المباحث الكلامية لنذكره، و لهذا موضع هو أملك به. و أما(2) القول في البغاة عليه(3) و الخوارج فهو على(4) ما أذكره لك. أما أصحاب الجمل فهم عند أصحابنا هالكون كلهم إلا عائشة و طلحة و الزبير(5 رحمهم الله5)، فإنهم تابوا و لو لا التوبة لحكم لهم بالنار لإصرارهم على البغي. و أما عسكر الشام بصفين فإنهم هالكون كلهم عند أصحابنا لا يحكم لأحد منهم إلا بالنار لإصرارهم على البغي و موتهم عليه رؤساؤهم و الأتباع جميعا. و أما الخوارج فإنهم مرقوا عن الدين بالخبر النبوي المجمع عليه و لا يختلف أصحابنا في أنهم من أهل النار. و جملة الأمر أن أصحابنا يحكمون بالنار لكل فاسق مات على فسقه، و لا ريب في أن الباغي على الإمام الحق و الخارج عليه بشبهة أو بغير شبهة فاسق، و ليس هذا مما يخصون به عليا (عليه‌السلام ) فلو خرج قوم من المسلمين على غيره من أئمة الإسلام العدول(6) لكان حكمهم حكم من خرج على علي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ). و قد برئ(7) كثير(8) من أصحابنا من قوم من الصحابة أحبطوا ثوابهم كالمغيرة بن شعبة

____________________

(1) ب: " أم ".

(2) ب، ج: " فأما ".

(3) ساقطة من أ

(4) ا:"فعلى ماأذكره".

(5 - 5) ساقط من ب

(6) ب، ج: " من أئمة العدل ".

(7) ب: " يرى " تصحيف.

(8) كذا في ب، ج وفى ا:"قوم".

٩

و كان شيخنا أبو القاسم البلخي إذا ذكر عنده عبد الله بن الزبير يقول لا خير فيه و قال مرة لا يعجبني صلاته و صومه و ليسا بنافعين له مع

قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) لعلي (عليه‌السلام ) لا يبغضك إلا منافق و قال أبو عبد الله البصريرحمه‌الله لما سئل عنه ما صح عندي أنه تاب من يوم الجمل و لكنه استكثر مما كان عليه. فهذه هي المذاهب و الأقوال أما الاستدلال عليها فهو مذكور في الكتب الموضوعة لهذا الفن

١٠

القول في نسب أمير المؤمنين علي (عليه‌السلام )

و ذكر لمع يسيرة من فضائله

هو أبو الحسن علي بن أبي طالب و اسمه عبد مناف بن عبد المطلب و اسمه شيبة بن هاشم، و اسمه عمرو بن عبد مناف بن قصي الغالب عليه من الكنية (عليه‌السلام )، أبو الحسن و كان ابنه الحسن (عليه‌السلام ) يدعوه في حياة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أبا الحسين و يدعوه الحسين (عليه‌السلام ) أبا الحسن، و يدعوان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أباهما فلما توفي النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )(1) دعواه بأبيهما.

و كناه رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أبا تراب، وجده نائما في تراب قد سقط عنه رداؤه و أصاب التراب جسده فجاء حتى جلس عند رأسه و أيقظه و جعل يمسح التراب عن ظهره و يقول له: (اجلس إنما أنت أبو تراب)(2) فكانت من أحب كناه إليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و كان يفرح إذا دعي بها و كانت ترغب بنو أمية خطباءها(3)

____________________

(1) ساقطة من أ

(2) رواية الخبر كما في صحيح البخاري، في كتاب فضائل الصحابة 2: 300، بسنده عن عبد الله ابن مسلمة: " أن رجلا جاء إلى سهل بن سعد، فقال: هذا فلان - لأمير المدينة - يدعو عليا عند المنبر، قال: فيقول ماذا؟ قال: يقول له: أبو تراب. فضحك، قال: والله ما سماه إلا النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ، وما كان له اسم أحب إليه منه. فاستطعمت الحديث سهلا، وقلت: يا أبا عباس، كيف؟ قال: دخل علي على فاطمة، ثم خرج فاضطجع في المسجد، فقال النبيصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : أين ابن عمك؟ قالت: في المسجد، فخرج إليه فوجد رداءه قد سقط عن طهره، وخلص التراب إلى طهره، فجعل يمسح التراب عن طهره فيقول: اجلس يا أبا تراب، مرتين ". ولهذا الخبر رواية أخرى ذكرها صاحب الرياض النضرة 2: 154

(3) ب، ج: " فدعت بنو أمية "، وما أئبته من ا.

١١

أن يسبوه بها على المنابر و جعلوها نقيصة له، و وصمة عليه فكأنما كسوة بها الحلي و الحلل كما قال الحسن البصريرحمه‌الله . و كان اسمه الأول الذي سمته به أمه حيدرة باسم أبيها أسد بن هاشم و الحيدرة الأسد، فغير أبوه اسمه و سماه عليا. و قيل: إن حيدرة اسم كانت قريش تسميه به و القول الأول أصح يدل عليه خبره(1) يوم برز إليه مرحب و ارتجز عليه فقال:

أنا الذي سمتني أمي مرحبا(2)

فأجابه (عليه‌السلام ) رجزا:

أنا الذي سمتني أمي حيدرة(3)

و رجزهما معا مشهور منقول لا حاجة لنا الآن إلى ذكره. و تزعم الشيعة أنه خوطب في حياة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) بأمير المؤمنين خاطبه بذلك جلة المهاجرين و الأنصار، و لم يثبت ذلك في أخبار المحدثين، إلا أنهم قد رووا ما يعطي هذا المعنى و إن لم يكن اللفظ بعينه و هو قول رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) له أنت يعسوب الدين و المال يعسوب الظلمة و في رواية أخرى: هذا يعسوب المؤمنين

____________________

(1) الخبر رواه مسلم مفصلا بسنده عن إياس بن سلمة عن أبيه، في كتاب الجهاد والسير ص 1433 - 1441، في غزوة خيبر.

(2) رواية مسلم:

قد علمت خيبر أني مرحب

شاكي السلاح بطل مجرب

إذا الحروب أقبلت تلهب

(3) بقيته، كما رواه مسلم:

كليث غاب كريه المنظره

أوفيهم بالصاع كيل السندرة

والسندرة: مكيال واسع.

١٢

و قائد الغر المحجلين(1) ، و اليعسوب ذكر النحل و أميرها روى هاتين الروايتين أبوعبد الله أحمد بن حنبل الشيباني، في المسند في كتابه فضائل الصحابة و رواهما أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء(2) . و دعي بعد وفاة رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) بوصي رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) لوصايته إليه بما أراده و أصحابنا لا ينكرون ذلك، و لكن يقولون إنها لم تكن وصية بالخلافة بل بكثير من المتجددات بعده أفضى بها إليه (عليه‌السلام )، و سنذكر طرفا من هذا المعنى فيما بعد. و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أول هاشمية ولدت لهاشمي كان علي (عليه‌السلام ) أصغر بنيها، و جعفر أسن منه بعشر سنين، و عقيل أسن منه بعشر سنين، و طالب أسن من عقيل بعشر سنين و فاطمة بنت أسد أمهم جميعا. و أم فاطمة بنت أسد فاطمة(3) بنت هرم بن رواحة بن حجر بن عبد بن معيص بن عامر بن لؤي و أمها حدية بنت(4) وهب بن ثعلبة بن واثلة بن عمرو بن شيبان بن محارب بن فهر، و أمها فاطمة بنت عبيد بن منقذ بن عمرو بن معيص بن عامر بن لؤي، و أمها سلمى بنت عامر بن ربيعة بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر(4) ، و أمها عاتكة بنت أبي همهمة و اسمه عمرو بن عبد العزى بن عامر بن عميرة بن وديعة(5) بن الحارث بن فهر، و أمها تماضر بنت عمرو بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي(4) ، و أمها حبيبة، و هي أمة الله بنت عبد ياليل بن سالم بن مالك بن حطيط بن جشم بن قسي، و هو ثقيف و أمها فلانة بنت مخزوم بن أسامة بن ضبع(6) بن وائلة بن نصر بن صعصعة بن ثعلبة بن كنانة بن عمرو بن قين بن فهم بن عمرو بن قيس بن عيلان

____________________

(1) ورواه أيضا الطبراني في الكبير، ونقله صاحب الرياض النضيرة 2: 155، مع اختلاف في اللفظ.

(2) حليلة الأولياء 1: 63، بسنده عن أنس، ولفظه: قال رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم : يا أنس، أول من يدخل من هذا الباب أمير المؤمنين، وسيد المسلمين، وقائد الغر المحجلين، وخاتم الوصيين ".

(3) فى مقاتل الطالبيين:"وتعرف بحبى بنت هرم".

(4) تكملة في مقاتل الطالبين.

(5) مقاتل الطالبيين:"ابن أبي وديعة ".

(6) كذا في ب، وفي أ: " ضجيج " وفي مقاتل الطالبيين " صبح ".

١٣

بن مضر، و أمها ريطة بنت يسار بن مالك بن حطيط بن جشم بن ثقيف، و أمها كلة(1) بنت حصين بن سعد بن بكر بن هوازن، و أمها حبى بنت الحارث بن النابغة بن عميرة بن عوف بن نصر بن بكر بن هوازن ذكر هذا النسب أبو الفرج علي بن الحسين الأصفهاني في كتاب مقاتل الطالبيين(2) . أسلمت فاطمة بنت أسد بعد عشرة من المسلمين و كانت الحادية عشرة

و كان رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) يكرمها و يعظمها و يدعوها أمي، و أوصت إليه حين حضرتها الوفاة فقبل وصيتها و صلى عليها و نزل في لحدها و اضطجع معها فيه بعد أن ألبسها قميصه فقال له أصحابه أنا ما رأيناك صنعت يا رسول الله بأحد ما صنعت بها، فقال: إنه لم يكن أحد بعد أبي طالب أبر بي منها إنما ألبستها قميصي لتكسى من حلل الجنة، و اضطجعت معها ليهون عليها ضغطة القبر. و فاطمة أول امرأة بايعت رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) من النساء. و أم أبي طالب بن عبد المطلب فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم، و هي أم عبد الله والد سيدنا رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) و أم الزبير بن عبد المطلب و سائر ولد عبد المطلب بعد لأمهات شتى. و اختلف في مولد علي (عليه‌السلام ) أين كان فكثير من الشيعة يزعمون أنه ولد في الكعبة، و المحدثون لا يعترفون بذلك و يزعمون أن المولود في الكعبة حكيم بن حزام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي. و اختلف في سنه حين أظهر النبي (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) الدعوة إذ تكامل له (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أربعون سنة، فالأشهر من الروايات أنه كان ابن عشر و كثير من أصحابنا المتكلمين يقولون إنه كان ابن ثلاث عشرة سنة ذكر ذلك شيخنا أبو القاسم البلخي و غيره من شيوخنا.

____________________

(1) مقاتل الطالبيين: " كلية بنت قصية ".

(2) في ترجمة جعفر بن أبي طالب ص 7.

١٤

و الأولون يقولون: إنه قتل و هو ابن ثلاث و ستين سنة، و هؤلاء يقولون ابن ست و ستين و الروايات في ذلك مختلفة و من الناس من يزعم أن سنه كانت دون العشر و الأكثر الأظهر خلاف ذلك. و ذكر أحمد بن يحيى البلاذري و علي بن الحسين الأصفهاني أن قريشا أصابتها أزمة و قحط، فقال رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) لعمية حمزة و العباس: (ألا نحمل ثقل أبي طالب في هذا المحل) فجاءوا إليه و سألوه أن يدفع إليهم ولده ليكفوه أمرهم فقال: دعوا لي عقيلا و خذوا من شئتم، و كان شديد الحب لعقيل، فأخذ العباس طالبا و أخذ حمزة جعفرا، و أخذ محمد (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) عليا، و قال لهم: (قد اخترت من اختاره الله لي عليكم عليا) قالوا فكان علي (عليه‌السلام ) في حجر رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) منذ كان عمره ست سنين. و كان ما يسدي إليه (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) من إحسانه و شفقته و بره و حسن تربيته كالمكافأة و المعاوضة لصنيع أبي طالب به حيث مات عبد المطلب و جعله في حجره، و هذا يطابق قوله (عليه‌السلام ) : (لقد عبدت الله قبل أن يعبده أحد من هذه الأمة سبع سنين)، و قوله: (كنت أسمع الصوت و أبصر الضوء سنين سبعا) و رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) حينئذ صامت ما أذن له في الإنذار و التبليغ و ذلك؛ لأنه إذا كان عمره يوم إظهار الدعوة ثلاث عشرة سنة و تسليمه إلى رسول الله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) من أبيه، و هو ابن ست فقد صح أنه كان يعبد الله قبل الناس بأجمعهم سبع سنين و ابن ست تصح منه العبادة إذا كان ذا تمييز على أن عبادة مثله هي التعظيم و الإجلال و خشوع القلب و استخذاء الجوارح إذا شاهد شيئا من جلال الله سبحانه و آياته الباهرة، و مثل هذا موجود في الصبيان. و قتل (عليه‌السلام ) ليلة الجمعة لثلاث عشرة بقين من شهر رمضان سنة أربعين في

١٥

رواية أبي عبد الرحمن السلمي(1) ، و هي الرواية المشهورة و في رواية أبي مخنف أنها كانت لإحدى عشرة ليلة بقين من شهر رمضان، و عليه الشيعة في زماننا. و القول الأول أثبت عند المحدثين و الليلة السابعة عشرة من شهر رمضان هي ليلة بدر، و قد كانت الروايات وردت أنه يقتل في ليلة بدر (عليه‌السلام ) و قبره بالغري. و ما يدعيه أصحاب الحديث من الاختلاف في قبره و أنه حمل إلى المدينة أو أنه دفن في رحبة الجامع أو عند باب قصر الإمارة أو ند البعير الذي حمل عليه فأخذته الأعراب باطل كله لا حقيقة له و أولاده أعرف بقبره، و أولاد كل الناس أعرف بقبور آبائهم من الأجانب، و هذا القبر الذي زاره بنوه لما قدموا العراق منهم جعفر بن محمد (عليه‌السلام ) و غيره من أكابرهم و أعيانهم و روى أبو الفرج في مقاتل الطالبيين بإسناد(2) ذكره هناك أن الحسين (عليه‌السلام ) لما سئل أين دفنتم أمير المؤمنين فقال خرجنا به ليلا من منزله بالكوفة حتى مررنا(3) به على مسجد الأشعث حتى انتهينا به إلى الظهر بجنب الغري. و سنذكر خبر مقتله (عليه‌السلام ) فيما بعد. فأما فضائله (عليه‌السلام ) فإنها قد بلغت من العظم و الجلالة و الانتشار و الاشتهار مبلغا يسمج معه التعرض لذكرها، و التصدي لتفصيلها فصارت كما قال أبو العيناء لعبيد الله بن يحيى بن خاقان وزير المتوكل و المعتمد رأيتني فيما أتعاطى من وصف فضلك كالمخبر عن ضوء النهار الباهر و القمر الزاهر الذي لا يخفى على الناظر، فأيقنت أني حيث انتهى بي القول منسوب إلى العجز مقصر عن الغاية فانصرفت عن الثناء عليك إلى الدعاء لك و وكلت الإخبار عنك إلى علم الناس بك. و ما أقول في رجل أقر له أعداؤه و خصومه بالفضل و لم يمكنهم جحد مناقبه

____________________

(1) نقلها أبو الفرج في مقاتل الطالبين40.

(2) مقاتل الطالبيين ص 42: " الحسن ".

(3) كذا فى الأصول ومقاتل الظالبيين والأجود:"فمررنا".

١٦

و لا كتمان فضائله فقد علمت أنه استولى بنو أمية على سلطان الإسلام في شرق الأرض و غربها و اجتهدوا بكل حيلة في إطفاء نوره، و التحريض عليه و وضع المعايب و المثالب له و لعنوه على جميع المنابر، و توعدوا مادحيه بل حبسوهم و قتلوهم و منعوا من رواية حديث يتضمن له فضيلة أو يرفع له ذكرا حتى حظروا أن يسمى أحد باسمه فما زاده ذلك إلا رفعة و سموا، و كان كالمسك كلما ستر انتشر عرفه و كلما كتم تضوع نشره و كالشمس لا تستر بالراح و كضوء النهار أن حجبت عنه عين واحدة أدركته عيون كثيرة. و ما أقول في رجل تعزى إليه كل فضيلة و تنتهي إليه كل فرقة و تتجاذبه كل طائفة فهو رئيس الفضائل و ينبوعها و أبو عذرها و سابق مضمارها و مجلي حلبتها كل من بزغ فيها بعده فمنه أخذ و له اقتفى و على مثاله احتذى. و قد عرفت أن أشرف العلوم هو العلم الإلهي؛ لأن شرف العلم بشرف المعلوم، و معلومه أشرف الموجودات فكان هو أشرف العلوم، و من كلامه (عليه‌السلام ) اقتبس و عنه نقل و إليه انتهى و منه ابتدأ فإن المعتزلة(1) الذين هم أهل التوحيد و العدل و أرباب النظر و منهم تعلم الناس هذا الفن تلامذته و أصحابه؛ لأن كبيرهم واصل بن عطاء تلميذ أبي هاشم عبد الله بن محمد بن الحنفية(2) و أبو هاشم تلميذ أبيه و أبوه تلميذه (عليه‌السلام )، و أما الأشعرية فإنهم ينتمون إلى أبي الحسن علي بن إسماعيل بن(3) أبي بشر الأشعري، و هو تلميذ أبي علي الجبائي و أبو علي أحد مشايخ المعتزلة فالأشعرية ينتهون بآخره إلى أستاذ المعتزلة، و معلمهم و هو علي بن أبي طالب (عليه‌السلام ). و أما الإمامية و الزيدية فانتماؤهم إليه ظاهر.

____________________

(1) انظر أمالي المرتضى 1: 148 وما بعدها، في كلام المؤلف عن سند المعتزلة إلى عليعليه‌السلام

(2) هو إمام الكيسانية، وعنه انتقلت البيعة إلى بنى العباس. " تنقيح المقال 2: 212 ".

(3) من ابن خلكان 326:1

١٧

و من العلوم علم الفقه و هو (عليه‌السلام ) أصله و أساسه و كل فقيه في الإسلام فهو عيال عليه و مستفيد من فقهه، أما أصحاب أبي حنيفة كأبي يوسف و محمد و غيرهما فأخذوا عن أبي حنيفة، و أما الشافعي فقرأ على محمد بن الحسن فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة و أما أحمد بن حنبل فقرأ على الشافعي فيرجع فقهه أيضا إلى أبي حنيفة و أبو حنيفة قرأ على جعفر بن محمد (عليه‌السلام ) و قرأ جعفر على أبيه (عليه‌السلام ) و ينتهي الأمر إلى علي (عليه‌السلام )، و أما مالك بن أنس فقرأ على ربيعة الرأي و قرأ ربيعة على عكرمة و قرأ عكرمة على عبد الله بن عباس و قرأ عبد الله بن عباس على علي بن أبي طالب(1) . و إن شئت فرددت(2) إليه فقه الشافعي بقراءته على مالك كان لك ذلك فهؤلاء الفقهاء الأربعة. و أما فقه الشيعة فرجوعه إليه ظاهر و أيضا فإن فقهاء الصحابة كانوا عمر بن الخطاب و عبد الله بن عباس و كلاهما أخذ عن علي (عليه‌السلام ) أما ابن عباس فظاهر، و أما عمر فقد عرف كل أحد رجوعه إليه في كثير من المسائل التي أشكلت عليه و على غيره من الصحابة و قوله غير مرة: لو لا علي لهلك عمر، و قوله: لا بقيت لمعضلة ليس لها أبو الحسن، و قوله: لا يفتين أحد في المسجد و علي حاضر، فقد عرف بهذا الوجه أيضا انتهاء الفقه إليه. و قد روت العامة و الخاصة قوله (صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ) أقضاكم علي(3) و القضاء هو الفقه فهو إذا أفقههم و روى الكل أيضا أنه (عليه‌السلام ) قال له و قد بعثه إلى اليمن قاضيا اللهم اهد قلبه و ثبت لسانه قال فما شككت بعدها في قضاء بين اثنين(4)

____________________

(1) ب: " عن علي ".

(2) فى الأصول:"رددت ".

(3) نقله السيوطي في الجامع الصغير 1: 58 عن مسند أبي يعلي بلفظ: " أرأف أمتي أبو بكر، وأشدهم في دين الله عمر، وأصدقهم حياء عثمان، وأقضاهم علي... " وضعفه.

(4) رواه أبو داود في كتاب الأقضية 3: 409 بسنده عن علي، ولفظه: بعثني رسول اللهصلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم إلى اليمن قاضيا فقلت: يا رسول الله، ترسلني وأنا حديث السن، ولا علم لي بالقضاء! فقال: " إن الله سيهدي قلبك ويثبت لسانك، فإذا جلس بين يديك الخصمان فلا تقضين حتى تسمع من الآخر كما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء "، قال: فما زلت قاضيا - أو ما شككت في قضاء بعد.

١٨

و هو (عليه‌السلام ) الذي أفتى في المرأة التي وضعت لستة أشهر، و هو الذي أفتى في الحامل الزانية(1) ، و هو الذي قال في المنبرية(2) صار ثمنها تسعا و هذه المسألة لو فكر الفرضي فيها فكرا طويلا لاستحسن منه بعد طول النظر هذا الجواب، فما ظنك بمن قاله بديهة و اقتضبه ارتجالا. و من العلوم علم تفسير القرآن و عنه أخذ و منه فرع و إذا رجعت إلى كتب التفسير علمت صحة ذلك؛ لأن أكثره عنه و عن عبد الله بن عباس و قد علم الناس حال ابن عباس في ملازمته له و انقطاعه إليه و أنه تلميذه و خريجه، و قيل له أين علمك من علم ابن عمك فقال: كنسبة قطرة من المطر إلى البحر المحيط. و من العلوم علم الطريقة و الحقيقة و أحوال التصوف و قد عرفت أن أرباب هذا الفن في جميع بلاد الإسلام إليه ينتهون و عنده يقفون و قد صرح بذلك الشبلي و الجنيد و سري(3) و أبو يزيد البسطامي و أبو محفوظ معروف الكرخي و غيرهم، و يكفيك دلالة على ذلك الخرقة(4) التي هي شعارهم إلى اليوم و كونهم يسندونها بإسناد متصل إليه (عليه‌السلام ).

____________________

(1) ذكر القرطبي في تفسيره 16: 193، عند الكلام على قوله تعالى:( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ) أن عثمان قد أتى بامرأة ولدت لستة أشهر، فأراد أن يقضي عليها بالحد، فقال له علي رضي الله عنه: ليس ذلك عليها، قال الله تعالى:( وحمله وفصاله ثلاثون شهرا ).

(2) سميت المنبرية، لأنه سئل عنها وهو على المنبر، فأفتى من غير روية، وبيانها أنه سئل في ابنتين وأبوين وامرأة، فقال: صار ثمنها تسعا، قال أبو عبيد، أراد أن السهام عالت حتى صار للمرأة التسع، ولها في الأصل الثمن، وذلك أن الفريضة لو لم تعل كانت أربعة وعشرين، فلما عالت صارت من سبعة وعشرين، فللابنتين الثلثان: ستة عشر سهما، وللأبوين السدسان، ثمانية أسهم، وللمرأة ثلاثة من سبع وعشرين، وهو التسع، وكان لها قبل العول ثلاثة من أربعة وعشرين، وهو الثمن. وانظر النهاية لابن الأثير 3: 139، واللسان 13: 512، وحاشية البقري على متن الرحبية 34.

(3) هو سري بن المغلس السقطي، خال الجنيد وأستاذه، وصاحب معروف الكرخي، وأول من تكلم ببغداد في لسان التوحيد وحقائق الأحوال. مات سنة 251. " طبقات الصوفية للسلمي ص 48 ".

(4) فصل السهروردي في الباب الثاني عشر من كتابه عوارف المعارف " 4: 191 وما بعدها - على هامش الاحياء " الكلام في شرح خرقة المشايخ الصوفية ولبسها.

١٩

و من العلوم علم النحو و العربية، و قد علم الناس كافة أنه هو الذي ابتدعه و أنشأه و أملى على أبي الأسود الدؤلي جوامعه و أصوله من جملتها الكلام كله ثلاثة أشياء، اسم و فعل و حرف، و من جملتها: تقسيم الكلمة إلى معرفة و نكرة، و تقسيم وجوه الإعراب إلى الرفع و النصب و الجر و الجزم(1) ، و هذا يكاد يلحق بالمعجزات؛ لأن القوة البشرية لا تفي بهذا الحصر و لا تنهض بهذا الاستنباط. و إن رجعت إلى الخصائص الخلقية و الفضائل النفسانية و الدينية وجدته ابن جلاها و طلاع ثناياها(2) . و أما الشجاعة فإنه أنسى الناس فيها ذكر من كان قبله و محا اسم من يأتي بعده و مقاماته في الحرب مشهورة يضرب بها الأمثال إلى يوم القيامة، و هو الشجاع الذي ما فر قط، و لا ارتاع من كتيبة و لا بارز أحدا إلا قتله، و لا ضرب ضربة قط فاحتاجت الأولى إلى ثانية، و في الحديث كانت ضرباته وترا و لما دعا معاوية إلى المبارزة ليستريح الناس من الحرب بقتل أحدهما، قال له عمرو: لقد أنصفك، فقال معاوية: ما غششتني منذ نصحتني إلا اليوم أتأمرني بمبارزة أبي الحسن و أنت تعلم أنه الشجاع المطرق، أراك طمعت في إمارة الشام بعدي و كانت العرب تفتخر بوقوفها في الحرب في مقابلته فأما قتلاه فافتخار رهطهم بأنه (عليه‌السلام ) قتلهم أظهر و أكثر قالت أخت عمرو بن عبد ود ترثيه

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

بكيته أبدا ما دمت في الأبد(3)

____________________

(1) معجم الأدباء 14: 42 - 50

(2) اقتباس من قول سحيم بن وثيل الرياحي:

أنا ابن جلا وطلاع الثنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

وابن جلا، أي الواضح الامر، وطلاع الثنايا: كناية عن السمو إلى معالي الأمور، والثنايا في الأصل: جمع ثنية، وهي الطريق في الجبل. وانظر اللسان 18: 165.

(3) من أبيات ذكرها صاحب اللسان 8: 395، وروايته:

لو كان قاتل عمرو غير قاتله

بكيته ما أقام الروح في جسدي

لكن قاتله من لا يعاب به

وكان يدعى قديما بيضة البلد

٢٠