كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٢

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 335

كتاب شرح نهج البلاغة

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف: الصفحات: 335
المشاهدات: 39832
تحميل: 7274


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 335 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 39832 / تحميل: 7274
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 2

مؤلف:
العربية

هذا الكتاب نشر الكترونيا وأخرج فنيّا برعاية وإشراف شبكة الإمامين الحسنين (عليهما السلام) وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً قسم اللجنة العلمية في الشبكة

إني امرأة من العرب و هذه من العجم فقال إني و الله لا أجد لبني إسماعيل في هذا الفي‏ء فضلا على بني إسحاق

و روى معاوية بن عمار عن جعفر بن محمد ع قال ما اعتلج على علي ع أمران في ذات الله إلا أخذ بأشدهما و لقد علمتم أنه كان يأكل يا أهل الكوفة عندكم من ماله بالمدينة و أن كان ليأخذ السويق فيجعله في جراب و يختم عليه مخافة أن يزاد عليه من غيره و من كان أزهد في الدنيا من علي ع

و روى النضر بن منصور عن عقبة بن علقمة قال دخلت على علي ع فإذا بين يديه لبن حامض آذتني حموضته و كسر يابسة فقلت يا أمير المؤمنين أ تأكل مثل هذا فقال لي يا أبا الجنوب كان رسول الله يأكل أيبس من هذا و يلبس أخشن من هذا و أشار إلى ثيابه فإن أنا لم آخذ بما أخذ به خفت ألا ألحق به

و روى عمران بن مسلمة عن سويد بن علقمة قال دخلت على علي ع بالكوفة فإذا بين يديه قعب لبن أجد ريحه من شدة حموضته و في يده رغيف ترى قشار الشعير على وجهه و هو يكسره و يستعين أحيانا بركبته و إذا جاريته فضة قائمة على رأسه فقلت يا فضة أ ما تتقون الله في هذا الشيخ أ لا نخلتم دقيقه فقالت إنا نكره أن نؤجر و يأثم نحن قد أخذ علينا ألا ننخل له دقيقا ما صحبناه قال و علي ع لا يسمع ما تقول فالتفت إليها فقال ما تقولين قالت سله فقال لي ما قلت لها قال فقلت إني قلت لها لو نخلتم دقيقه فبكى ثم قال بأبي و أمي من لم يشبع ثلاثا متوالية من خبز بر حتى فارق الدنيا و لم ينخل دقيقه قال يعني رسول الله ص

٢٠١

و روى يوسف بن يعقوب عن صالح بياع الأكسية أن جدته لقيت عليا ع بالكوفة و معه تمر يحمله فسلمت عليه و قالت له أعطني يا أمير المؤمنين هذا التمر أحمله عنك إلى بيتك فقال أبو العيال أحق بحمله قالت ثم قال لي أ لا تأكلين منه فقلت لا أريد قالت فانطلق به إلى منزله ثم رجع مرتديا بتلك الشملة و فيها قشور التمر فصلى بالناس فيها الجمعة

و روى محمد بن فضيل بن غزوان قال قيل لعلي ع كم تتصدق كم تخرج مالك أ لا تمسك قال إني و الله لو أعلم أن الله تعالى قبل مني فرضا واحدا لأمسكت و لكني و الله ما أدري أ قبل مني سبحانه شيئا أم لا

روى عنبسة العابد عن عبد الله بن الحسين بن الحسن قال أعتق علي ع في حياة رسول الله ص ألف مملوك مما مجلت يداه و عرق جبينه و لقد ولي الخلافة و أتته الأموال فما كان حلواه إلا التمر و لا ثيابه إلا الكرابيس

و روى العوام بن حوشب عن أبي صادق قال تزوج علي ع ليلى بنت مسعود النهشلية فضربت له في داره حجلة فجاء فهتكها و قال حسب أهل علي ما هم فيه

و روى حاتم بن إسماعيل المدني عن جعفر بن محمد ع قال ابتاع علي ع في خلافته قميصا سملا بأربعة دراهم ثم دعا الخياط فمد كم القميص و أمره بقطع ما جاوز الأصابع و إنما ذكرنا هذه الأخبار و الروايات و إن كانت خارجة عن مقصد الفصل لأن الحال اقتضى ذكرها من حيث أردنا أن نبين أن أمير المؤمنين ع لم يكن

٢٠٢

يذهب في خلافته مذهب الملوك الذين يصانعون بالأموال و يصرفونها في مصالح ملكهم و ملاذ أنفسهم و أنه لم يكن من أهل الدنيا و إنما كان رجلا متألها صاحب حق لا يريد بالله و رسوله بدلا و

روى علي بن محمد بن أبي يوسف المدائني أن طائفة من أصحاب علي ع مشوا إليه فقالوا يا أمير المؤمنين أعط هذه الأموال و فضل هؤلاء الأشراف من العرب و قريش على الموالي و العجم و استمل من تخاف خلافه من الناس و فراره و إنما قالوا له ذلك لما كان معاوية يصنع في المال فقال لهم أ تأمرونني أن أطلب النصر بالجور لا و الله لا أفعل ما طلعت شمس و ما لاح في السماء نجم و الله لو كان المال لي لواسيت بينهم فكيف و إنما هي أموالهم ثم سكت طويلا واجما ثم قال الأمر أسرع من ذلك قالها ثلاثا

٢٠٣

35 و من خطبة له ع بعد التحكيم

اَلْحَمْدُ لِلَّهِ وَ إِنْ أَتَى اَلدَّهْرُ بِالْخَطْبِ اَلْفَادِحِ وَ اَلْحَدَثِ اَلْجَلِيلِ وَ أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اَللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ لَيْسَ مَعَهُ إِلَهٌ غَيْرُهُ وَ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ص أَمَّا بَعْدُ فَإِنَّ مَعْصِيَةَ اَلنَّاصِحِ اَلشَّفِيقِ اَلْعَالِمِ اَلْمُجَرِّبِ تُورِثُ اَلْحَسْرَةَ وَ تُعْقِبُ اَلنَّدَامَةَ وَ قَدْ كُنْتُ أَمَرْتُكُمْ فِي هَذِهِ اَلْحُكُومَةِ أَمْرِي وَ نَخَلْتُ لَكُمْ مَخْزُونَ رَأْيِي لَوْ كَانَ يُطَاعُ لِقَصِيرٍ أَمْرٌ فَأَبَيْتُمْ عَلَيَّ إِبَاءَ اَلْمُخَالِفِينَ اَلْجُفَاةِ وَ اَلْمُنَابِذِينَ اَلْعُصَاةِ حَتَّى اِرْتَابَ اَلنَّاصِحُ بِنُصْحِهِ وَ ضَنَّ اَلزَّنْدُ بِقَدْحِهِ فَكُنْتُ أَنَا وَ إِيَّاكُمْ كَمَا قَالَ أَخُو هَوَازِنَ

أَمَرْتُكُمْ أَمْرِي بِمُنْعَرَجِ اَللِّوَى

فَلَمْ تَسْتَبِينُوا اَلنُّصْحَ [ اَلرُّشْدَ ] إِلاَّ ضُحَى اَلْغَدِ

الخطب الفادح الثقيل و نخلت لكم أي أخلصته من نخلت الدقيق بالمنخل و قوله الحمد لله و إن أتى الدهر أي أحمده على كل حال من السراء و الضراء و قوله لو كان يطاع لقصير أمر فهو قصير صاحب جذيمة و حديثة مع جذيمة و مع الزباء مشهور فضرب المثل لكل ناصح يعصى بقصير

٢٠٤

و قوله حتى ارتاب الناصح بنصحه و ضن الزند بقدحه يشير إلى نفسه يقول خالفتموني حتى ظننت أن النصح الذي نصحتكم به غير نصح و لإطباقكم و إجماعكم على خلافي و هذا حق لأن ذا الرأي الصواب إذا كثر مخالفوه يشك في نفسه و أما ضن الزند بقدحه فمعناه أنه لم يقدح لي بعد ذلك رأي صالح لشدة ما لقيت منكم من الإباء و الخلاف و العصيان و هذا أيضا حق لأن المشير الناصح إذا اتهم و استغش عمي قلبه و فسد رأيه و أخو هوازن صاحب الشعر هو دريد بن الصمة و الأبيات مذكورة في الحماسة و أولها:

نصحت لعارض و أصحاب عارض

و رهط بني السوداء و القوم شهدي

فقلت لهم ظنوا بألفي مدجج

سراتهم في الفارسي المسرد

أمرتهم أمري بمنعرج اللوى

فلم يستبينوا النصح إلا ضحى الغد

فلما عصوني كنت منهم و قد أرى

غوايتهم و أنني غير مهتد

و ما أنا إلا من غزية إن غوت

غويت و إن ترشد غزية أرشد

٢٠٥

و هذه الألفاظ من خطبة خطب بها ع بعد خديعة ابن العاص لأبي موسى و افتراقهما و قبل وقعة النهروان

قصة التحكيم ثم ظهور أمر الخوارج

و يجب أن نذكر في هذا الفصل أمر التحكيم كيف كان و ما الذي دعا إليه فنقول إن الذي دعا إليه طلب أهل الشام له و اعتصامهم به من سيوف أهل العراق فقد كانت أمارات القهر و الغلبة لاحت و دلائل النصر و الظفر وضحت فعدل أهل الشام عن القراع إلى الخداع و كان ذلك برأي عمرو بن العاص و هذه الحال وقعت عقيب ليلة الهرير و هي الليلة العظيمة التي يضرب بها المثل و نحن نذكر ما أورده نصر بن مزاحم في كتاب صفين في هذا المعنى فهو ثقة ثبت صحيح النقل غير منسوب إلى هوى و لا إدغال و هو من رجال أصحاب الحديث قال نصر حدثنا عمرو بن شمر قال حدثني أبو ضرار قال حدثني عمار بن ربيعة قال غلس علي ع بالناس صلاة الغداة يوم الثلاثاء عاشر شهر ربيع الأول سنة سبع و ثلاثين و قيل عاشر شهر صفر ثم زحف إلى أهل الشام بعسكر العراق و الناس على راياتهم و أعلامهم و زحف إليهم أهل الشام و قد كانت الحرب أكلت الفريقين و لكنها

٢٠٦

في أهل الشام أشد نكاية و أعظم وقعا فقد ملوا الحرب و كرهوا القتال و تضعضعت أركانهم قال فخرج رجل من أهل العراق على فرس كميت ذنوب عليه السلاح لا يرى منه إلا عيناه و بيده الرمح فجعل يضرب رءوس أهل العراق بالقناة و يقول سووا صفوفكم رحمكم الله حتى إذا عدل الصفوف و الرايات استقبلهم بوجهه و ولى أهل الشام ظهره ثم حمد الله و أثنى عليه و قال الحمد لله الذي جعل فينا ابن عم نبيه أقدمهم هجرة و أولهم إسلاما سيف من سيوف الله على أعدائه فانظروا إذا حمي الوطيس و ثار القتام و تكسر المران و جالت الخيل بالأبطال فلا أسمع إلا غمغمة أو همهمة فاتبعوني و كونوا في أثري ثم حمل على أهل الشام فكسر فيهم رمحه ثم رجع فإذا هو الأشتر

قال و خرج رجل من أهل الشام فنادى بين الصفين يا أبا الحسن يا علي ابرز إلي فخرج إليه علي ع حتى اختلفت أعناق دابتيهما بين الصفين فقال إن لك يا علي لقدما في الإسلام و الهجرة فهل لك في أمر أعرضه عليك يكون فيه حقن هذه الدماء و تأخر هذه الحروب حتى ترى رأيك قال و ما هو قال ترجع إلى

٢٠٧

عراقك فنخلي بينك و بين العراق و نرجع نحن إلى شامنا فتخلي بيننا و بين الشام فقال علي ع قد عرفت ما عرضت إن هذه لنصيحة و شفقة و لقد أهمني هذا الأمر و أسهرني و ضربت أنفه و عينه فلم أجد إلا القتال أو الكفر بما أنزل الله على محمد إن الله تعالى ذكره لم يرض من أوليائه أن يعصى في الأرض و هم سكوت مذعنون لا يأمرون بمعروف و لا ينهون عن منكر فوجدت القتال أهون علي من معالجة في الأغلال في جهنم قال فرجع الرجل و هو يسترجع و زحف الناس بعضهم إلى بعض فارتموا بالنبل و الحجارة حتى فنيت ثم تطاعنوا بالرماح حتى تكسرت و اندقت ثم مشى القوم بعضهم إلى بعض بالسيوف و عمد الحديد فلم يسمع السامعون إلا وقع الحديد بعضه على بعض لهو أشد هولا في صدور الرجال من الصواعق و من جبال تهامة يدك بعضها بعضا و انكسفت الشمس بالنقع و ثار القتام و القسطل و ضلت الألوية و الرايات و أخذ الأشتر يسير فيما بين الميمنة و الميسرة فيأمر كل قبيلة أو كتيبة من القراء بالإقدام على التي تليها فاجتلدوا بالسيوف و عمد الحديد من صلاة الغداة من اليوم المذكور إلى نصف الليل لم يصلوا لله صلاة فلم يزل الأشتر يفعل ذلك حتى أصبح و المعركة خلف ظهره و افترقوا عن سبعين ألف قتيل في ذلك اليوم و تلك الليلة و هي ليلة الهرير المشهورة و كان الأشتر في ميمنة الناس و ابن عباس في الميسرة و علي ع في القلب و الناس يقتتلون ثم استمر القتال من نصف الليل الثاني إلى ارتفاع الضحى و الأشتر يقول لأصحابه

٢٠٨

و هو يزحف بهم نحو أهل الشام ازحفوا قيد رمحي هذا و يلقي رمحه فإذا فعلوا ذلك قال ازحفوا قاب هذا القوس فإذا فعلوا ذلك سألهم مثل ذلك حتى مل أكثر الناس من الإقدام فلما رأى ذلك قال أعيذكم بالله أن ترضعوا الغنم سائر اليوم ثم دعا بفرسه و ركز رايته و كانت مع حيان بن هوذة النخعي و سار بين الكتائب و هو يقول أ لا من يشتري نفسه لله و يقاتل مع الأشتر حتى يظهر أو يلحق بالله فلا يزال الرجل من الناس يخرج إليه فيقاتل معه قال نصر و حدثني عمرو قال حدثني أبو ضرار قال حدثني عمار بن ربيعة قال مر بي الأشتر فأقبلت معه حتى رجع إلى المكان الذي كان به فقام في أصحابه فقال شدوا فدا لكم عمي و خالي شدة ترضون بها الله و تعرزون بها الدين إذا أنا حملت فاحملوا ثم نزل و ضرب وجه دابته و قال لصاحب رايته أقدم فتقدم بها ثم شد على القوم و شد معه أصحابه فضرب أهل الشام حتى انتهى بهم إلى معسكرهم فقاتلوا عند المعسكر قتالا شديدا و قتل صاحب رايتهم و أخذ علي ع لما رأى الظفر قد جاء من قبله يمده بالرجال

و روى نصر عن رجاله قال لما بلغ القوم إلى ما بلغوا إليه قام علي ع خطيبا فحمد الله و أثنى عليه و قال

٢٠٩

أيها الناس قد بلغ بكم الأمر و بعدوكم ما قد رأيتم و لم يبق منهم إلا آخر نفس و إن الأمور إذا أقبلت اعتبر آخرها بأولها و قد صبر لكم القوم على غير دين حتى بلغنا منهم ما بلغنا و أنا غاد عليهم بالغداة أحاكمهم إلى الله قال فبلغ ذلك معاوية فدعا عمرو بن العاص و قال يا عمرو إنما هي الليلة حتى يغدو علي علينا بالفيصل فما ترى قال إن رجالك لا يقومون لرجاله و لست مثله هو يقاتلك على أمر و أنت تقاتله على غيره أنت تريد البقاء و هو يريد الفناء و أهل العراق يخافون منك إن ظفرت بهم و أهل الشام لا يخافون عليا إن ظفر بهم و لكن ألق إلى القوم أمرا إن قبلوه اختلفوا و إن ردوه اختلفوا ادعهم إلى كتاب الله حكما فيما بينك و بينهم فإنك بالغ به حاجتك في القوم و إني لم أزل أؤخر هذا الأمر لوقت حاجتك إليه فعرف معاوية ذلك و قال له صدقت

قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر بن عمير الأنصاري قال و الله لكأني أسمع عليا يوم الهرير و ذلك بعد ما طحنت رحى مذحج فيما بينها و بين عك و لخم و جذام و الأشعريين بأمر عظيم تشيب منه النواصي حتى استقلت الشمس و قام قائم الظهر و علي ع يقول لأصحابه حتى متى نخلي بين هذين الحيين قد فنيا و أنتم وقوف تنظرون أ ما تخافون مقت الله ثم انفتل إلى القبلة و رفع

٢١٠

يديه إلى الله عز و جل و نادى يا الله يا رحمان يا رحيم يا واحد يا أحد يا صمد يا الله يا إله محمد اللهم إليك نقلت الأقدام و أفضت القلوب و رفعت الأيدي و مدت الأعناق و شخصت الأبصار و طلبت الحوائج اللهم إنا نشكو إليك غيبة نبينا و كثرة عدونا و تشتت أهوائنا( ربنا افتح بيننا و بين قومنا بالحق و أنت خير الفاتحين ) سيروا على بركة الله ثم نادى لا إله إلا الله و الله أكبر كلمة التقوى قال فلا و الذي بعث محمدا بالحق نبيا ما سمعنا رئيس قوم منذ خلق الله السموات و الأرض أصاب بيده في يوم واحد ما أصاب إنه قتل فيما ذكر العادون زيادة على خمسمائة من أعلام العرب يخرج بسيفه منحنيا

فيقول معذرة إلى الله و إليكم من هذا لقد هممت أن أفلقه و لكن يحجزني عنه أني سمعت رسول الله ص يقول لا سيف إلا ذو الفقار و لا فتى إلا علي و أنا أقاتل به دونه ص قال فكنا نأخذه فنقومه ثم يتناوله من أيدينا فيقتحم به في عرض الصف فلا و الله ما ليث بأشد نكاية منه في عدوه ع قال نصر فحدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال سمعت تميم بن حذيم يقول لما أصبحنا من ليلة الهرير نظرنا فإذا أشباه الرايات أمام أهل الشام في وسط الفيلق

٢١١

حيال موقف علي و معاوية فلما أسفرنا إذا هي المصاحف قد ربطت في أطراف الرماح و هي عظام مصاحف العسكر و قد شدوا ثلاثة أرماح جميعا و ربطوا عليها مصحف المسجد الأعظم يمسكه عشرة رهط قال نصر و قال أبو جعفر و أبو الطفيل استقبلوا عليا بمائة مصحف و وضعوا في كل مجنبة مائتي مصحف فكان جميعها خمسمائة مصحف قال أبو جعفر ثم قام الطفيل بن أدهم حيال علي ع و قام أبو شريح الجذامي حيال الميمنة و قام ورقاء بن المعمر حيال الميسرة ثم نادوا يا معشر العرب الله الله في النساء و البنات و الأبناء من الروم و الأتراك و أهل فارس غدا إذا فنيتم الله الله في دينكم هذا كتاب الله بيننا و بينكم

فقال علي ع اللهم إنك تعلم أنهم ما الكتاب يريدون فاحكم بيننا و بينهم إنك أنت الحكم الحق المبين فاختلف أصحاب علي ع في الرأي فطائفة قالت القتال و طائفة قالت المحاكمة إلى الكتاب و لا يحل لنا الحرب و قد دعينا إلى حكم الكتاب فعند ذلك بطلت الحرب و وضعت أوزارها

قال نصر و حدثنا عمرو بن شمر عن جابر قال حدثنا أبو جعفر محمد بن علي بن الحسين قال لما كان اليوم الأعظم قال أصحاب معاوية و الله لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا و قال أصحاب علي ع لا نبرح اليوم العرصة حتى نموت أو يفتح لنا فبادروا القتال غدوة في يوم من أيام الشعرى طويل شديد

٢١٢

الحر فتراموا حتى فنيت النبال و تطاعنوا حتى تقصفت الرماح ثم نزل القوم عن خيولهم و مشى بعضهم إلى بعض بالسيوف حتى كسرت جفونها و قام الفرسان في الركب ثم اضطربوا بالسيوف و بعمد الحديد فلم يسمع السامعون إلا تغمغم القوم و صليل الحديد في الهام و تكادم الأفواه و كسفت الشمس و ثار القتام و ضلت الألوية و الرايات و مرت مواقيت أربع صلوات ما يسجد فيهن لله إلا تكبيرا و نادت المشيخة في تلك الغمرات يا معشر العرب الله الله في الحرمات من النساء و البنات قال جابر فبكى أبو جعفر و هو يحدثنا بهذا الحديث قال نصر و أقبل الأشتر على فرس كميت محذوف و قد وضع مغفره على قربوس السرج و هو ينادي اصبروا يا معشر المؤمنين فقد حمي الوطيس و رجعت الشمس من الكسوف و اشتد القتال و أخذت السباع بعضها بعضا فهم كما قال الشاعر:

مضت و استأخر القرعاء عنها

و خلي بينهم إلا الوريع

قال يقول واحد لصاحبه في تلك الحال أي رجل هذا لو كانت له نية فيقول له صاحبه و أي نية أعظم من هذه ثكلتك أمك و هبلتك إن رجلا كما ترى قد سبح في الدم و ما أضجرته الحرب و قد غلت هام الكماة من الحر و بلغت القلوب الحناجر و هو كما تراه جزعا يقول هذه المقالة اللهم لا تبقنا بعد هذا قلت لله أم قامت عن الأشتر لو أن إنسانا يقسم أن الله تعالى ما خلق في العرب

٢١٣

و لا في العجم أشجع منه إلا أستاذه ع لما خشيت عليه الإثم و لله در القائل و قد سئل عن الأشتر ما أقول في رجل هزمت حياته أهل الشام و هزم موته أهل العراق و بحق ما

قال فيه أمير المؤمنين ع كان الأشتر لي كما كنت لرسول الله ص قال نصر و روى الشعبي عن صعصعة قال و قد كان الأشعث بن قيس بدر منه قول ليلة الهرير نقله الناقلون إلى معاوية فاغتنمه و بنى عليه تدبيره و ذلك أن الأشعث خطب أصحابه من كندة تلك الليلة فقال الحمد لله أحمده و أستعينه و أومن به و أتوكل عليه و أستنصره و أستغفره و أستجيره و أستهديه و أستشيره و أستشهد به فإن من هداه الله فلا مضل له و من يضلل الله فلا هادي له و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له و أشهد أن محمدا عبده و رسوله ص ثم قال قد رأيتم يا معشر المسلمين ما قد كان في يومكم هذا الماضي و ما قد فني فيه من العرب فو الله لقد بلغت من السن ما شاء الله أن أبلغ فما رأيت مثل هذا اليوم قط ألا فليبلغ الشاهد الغائب إنا نحن إن تواقفنا غدا إنه لفناء العرب و ضيعة الحرمات أما و الله ما أقول هذه المقالة جزعا من الحرب و لكني رجل مسن أخاف على النساء و الذراري غدا إذا فنينا اللهم إنك تعلم أني قد نظرت لقومي و لأهل ديني فلم آل و ما توفيقي إلا بالله عليه توكلت و إليه أنيب و الرأي يخطئ و يصيب

٢١٤

و إذا قضى الله أمرا أمضاه على ما أحب العباد أو كرهوا أقول قولي هذا و أستغفر الله العظيم لي و لكم قال الشعبي قال صعصعة فانطلقت عيون معاوية إليه بخطبة الأشعث فقال أصاب و رب الكعبة لئن نحن التقينا غدا لتميلن على ذراري أهل الشام و نسائهم و لتميلن فارس على ذراري أهل العراق و نسائهم إنما يبصر هذا ذوو الأحلام و النهى ثم قال لأصحابه اربطوا المصاحف على أطراف القنا فثار أهل الشام في سواد الليل ينادون عن قول معاوية و أمره يا أهل العراق من لذرارينا إن قتلتمونا و من لذراريكم إذا قتلناكم الله الله في البقية و أصبحوا و قد رفعوا المصاحف على رءوس الرماح و قد قلدوها الخيل و الناس على الرايات قد اشتهوا ما دعوا إليه و مصحف دمشق الأعظم يحمله عشرة رجال على رءوس الرماح و هم ينادون كتاب الله بيننا و بينكم و أقبل أبو الأعور السلمي على برذون أبيض و قد وضع المصحف على رأسه ينادي يا أهل العراق كتاب الله بيننا و بينكم قال فجاء عدي بن حاتم الطائي فقال يا أمير المؤمنين إنه لم يصب منا عصبة إلا و قد أصيب منهم مثلها و كل مقروح و لكنا أمثل بقية منهم و قد جزع القوم و ليس بعد الجزع إلا ما نحب فناجزهم و قام الأشتر فقال يا أمير المؤمنين إن معاوية لا خلف له من رجاله و لكن

٢١٥

بحمد الله لك الخلف و لو كان له مثل رجالك لم يكن له مثل صبرك و لا نصرك فاقرع الحديد بالحديد و استعن بالله الحميد ثم قام عمرو بن الحمق فقال يا أمير المؤمنين إنا و الله ما أجبناك و لا نصرناك على الباطل و لا أجبنا إلا الله و لا طلبنا إلا الحق و لو دعانا غيرك إلى ما دعوتنا إليه لاستشرى فيه اللجاج و طالت فيه النجوى و قد بلغ الحق مقطعه و ليس لنا معك رأي فقام الأشعث بن قيس مغضبا فقال يا أمير المؤمنين إنا لك اليوم على ما كنا عليه أمس و ليس آخر أمرنا كأوله و ما من القوم أحد أحنى على أهل العراق و لا أوتر لأهل الشام مني فأجب القوم إلى كتاب الله عز و جل فإنك أحق به منهم و قد أحب الناس البقاء و كرهوا القتال فقال علي ع هذا أمر ينظر فيه فتنادى الناس من كل جانب الموادعة

فقال علي ع أيها الناس إني أحق من أجاب إلى كتاب الله و لكن معاوية و عمرو بن العاص و ابن أبي معيط و ابن أبي سرح و ابن مسلمة ليسوا بأصحاب دين و لا قرآن إني أعرف بهم منكم صحبتهم صغارا و رجالا فكانوا شر صغار و شر رجال ويحكم إنها كلمة حق يراد بها باطل إنهم ما رفعوها أنهم يعرفونها و يعملون بها و لكنها الخديعة و الوهن و المكيدة أعيروني سواعدكم و جماجمكم ساعة واحدة فقد بلغ الحق مقطعه و لم يبق إلا أن يقطع دابر الذين ظلموا فجاءه من أصحابه زهاء عشرين ألفا مقنعين في الحديد شاكي السلاح سيوفهم على

٢١٦

عواتقهم و قد اسودت جباههم من السجود يتقدمهم مسعر بن فدكي و زيد بن حصين و عصابة من القراء الذين صاروا خوارج من بعد فنادوه باسمه لا بإمرة المؤمنين يا علي أجب القوم إلى كتاب الله إذ دعيت إليه و إلا قتلناك كما قتلنا ابن عفان فو الله لنفعلنها إن لم تجبهم فقال لهم ويحكم أنا أول من دعا إلى كتاب الله و أول من أجاب إليه و ليس يحل لي و لا يسعني في ديني أن أدعى إلى كتاب الله فلا أقبله إني إنما قاتلتهم ليدينوا بحكم القرآن فإنهم قد عصوا الله فيما أمرهم و نقضوا عهده و نبذوا كتابه و لكني قد أعلمتكم أنهم قد كادوكم و أنهم ليس العمل بالقرآن يريدون قالوا فابعث إلى الأشتر ليأتينك و قد كان الأشتر صبيحة ليلة الهرير أشرف على عسكر معاوية ليدخله قال نصر فحدثني فضيل بن خديج عن رجل من النخع قال سأل مصعب إبراهيم بن الأشتر عن الحال كيف كانت فقال كنت عند علي ع حين بعث إلى الأشتر ليأتيه و قد كان الأشتر أشرف على معسكر معاوية ليدخله فأرسل إليه علي ع يزيد بن هانئ أن ائتني فأتاه فأبلغه فقال الأشتر ائته فقل له ليس هذه بالساعة التي ينبغي لك أن تزيلني عن موقفي

٢١٧

إني قد رجوت الفتح فلا تعجلني فرجع يزيد بن هانئ إلى علي ع فأخبره فما هو إلا أن انتهى إلينا حتى ارتفع الرهج و علت الأصوات من قبل الأشتر و ظهرت دلائل الفتح و النصر لأهل العراق و دلائل الخذلان و الإدبار على أهل الشام فقال القوم لعلي و الله ما نراك أمرته إلا بالقتال قال أ رأيتموني ساررت رسولي إليه أ ليس إنما كلمته على رءوسكم علانية و أنتم تسمعون قالوا فابعث إليه فليأتك و إلا فو الله اعتزلناك فقال ويحك يا يزيد قل له أقبل إلي فإن الفتنة قد وقعت فأتاه فأخبره فقال الأشتر أ برفع هذه المصاحف قال نعم قال أما و الله لقد ظننت أنها حين رفعت ستوقع خلافا و فرقة إنها مشورة ابن النابغة ثم قال ليزيد بن هانئ ويحك أ لا ترى إلى الفتح أ لا ترى إلى ما يلقون أ لا ترى الذي يصنع الله لنا أ ينبغي أن ندع هذا و ننصرف عنه فقال له يزيد أ تحب أنك ظفرت هاهنا و أن أمير المؤمنين بمكانه الذي هو فيه يفرج عنه و يسلم إلى عدوه قال سبحان الله لا و الله لا أحب ذلك قال فإنهم قد قالوا له و حلفوا عليه لترسلن إلى الأشتر فليأتينك أو لنقتلنك بأسيافنا كما قتلنا عثمان أو لنسلمنك إلى عدوك فأقبل الأشتر حتى انتهى إليهم فصاح يا أهل الذل و الوهن أ حين علوتم القوم و ظنوا أنكم لهم قاهرون رفعوا المصاحف يدعونكم إلى ما فيها و قد و الله تركوا ما أمر الله به فيها و تركوا سنة من أنزلت عليه فلا تجيبوهم أمهلوني فواقا فإني

٢١٨

قد أحسست بالفتح قالوا لا نمهلك قال فأمهلوني عدوة الفرس فإني قد طمعت في النصر قالوا إذن ندخل معك في خطيئتك قال فحدثوني عنكم و قد قتل أماثلكم و بقي أراذلكم متى كنتم محقين أ حين كنتم تقتلون أهل الشام فأنتم الآن حين أمسكتم عن قتالهم مبطلون أم أنتم الآن في إمساككم عن القتال محقون فقتلاكم إذن الذين لا تنكرون فضلهم و أنهم خير منكم في النار قالوا دعنا منك يا أشتر قاتلناهم في الله و ندع قتالهم في الله إنا لسنا نطيعك فاجتنبنا فقال خدعتم و الله فانخدعتم و دعيتم إلى وضع الحرب فأجبتم يا أصحاب الجباه السود كنا نظن صلاتكم زهادة في الدنيا و شوقا إلى لقاء الله فلا أرى فراركم إلا إلى الدنيا من الموت ألا فقبحا يا أشباه النيب الجلالة ما أنتم براءين بعدها عزا أبدا فابعدوا كما بعد القوم الظالمون فسبوه و سبهم و ضربوا بسياطهم وجه دابته و ضرب بسوطه وجوه دوابهم و صاح بهم علي ع فكفوا و قال الأشتر يا أمير المؤمنين احمل الصف على الصف تصرع القوم فتصايحوا أن أمير المؤمنين قد قبل الحكومة و رضي بحكم القرآن فقال الأشتر إن كان أمير المؤمنين قد قبل و رضي فقد رضيت بما رضي به أمير المؤمنين فأقبل الناس يقولون قد رضي أمير المؤمنين قد قبل أمير المؤمنين و هو ساكت لا يبض بكلمة مطرق إلى الأرض ثم قال فسكت الناس كلهم

فقال أيها الناس إن أمري لم يزل معكم على ما أحب إلى أن أخذت منكم الحرب و قد و الله أخذت منكم و تركت و أخذت من عدوكم فلم تترك و إنها فيهم أنكى و أنهك ألا إني كنت أمس أمير المؤمنين فأصبحت اليوم

٢١٩

مأمورا و كنت ناهيا فأصبحت منهيا و قد أحببتم البقاء و ليس لي أن أحملكم على ما تكرهون ثم قعد قال نصر ثم تكلم رؤساء القبائل فكل قال ما يراه و يهواه إما من الحرب أو من السلم فقام كردوس بن هانئ البكري فقال أيها الناس إنا و الله ما تولينا معاوية منذ تبرأنا منه و لا تبرأنا من علي منذ توليناه و إن قتلانا لشهداء و إن أحياءنا لأبرار و إن عليا لعلى بينة من ربه و ما أحدث إلا الإنصاف فمن سلم له نجا و من خالفه هلك ثم قام شقيق بن ثور البكري فقال أيها الناس إنا دعونا أهل الشام إلى كتاب الله فردوه علينا فقاتلناهم عليه و إنهم قد دعونا اليوم إليه فإن رددناه عليهم حل لهم منا ما حل لنا منهم و لسنا نخاف أن يحيف الله علينا و رسوله ألا إن عليا ليس بالراجع الناكس و لا الشاك الواقف و هو اليوم على ما كان عليه أمس و قد أكلتنا هذه الحرب و لا نرى البقاء إلا في الموادعة قال نصر ثم إن أهل الشام لما أبطأ عنهم علم حال أهل العراق هل أجابوا إلى الموادعة أم لا جزعوا فقالوا يا معاوية ما نرى أهل العراق أجابوا إلى ما دعوناهم إليه فأعدها جذعة فإنك قد غمرت بدعائك القوم و أطمعتهم فيك فدعا معاوية عبد الله بن عمرو بن العاص فأمره أن يكلم أهل العراق و يستعلم له ما عندهم فأقبل حتى إذا كان بين الصفين نادى يا أهل العراق أنا عبد الله بن

٢٢٠