كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

كتاب شرح نهج البلاغة11%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53087 / تحميل: 8395
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

مؤلف:
العربية

كتاب شرح نهج البلاغة

الجزء الثالث

ابن أبي الحديد

١

هذا الكتاب

طبع ونشر إليكترونياً وأخرج فنِّياً برعاية وإشراف

شبكة الإمامين الحسنين(عليهما‌السلام )للتراث والفكر الإسلامي

وتولَّى العمل عليه ضبطاً وتصحيحاً وترقيماً

قسم اللجنة العلمية في الشبكة

٢

تتمة الخطب و الأوامر

تتمة خطبة.٤٣

بسم الله الرحمن الرحيم،الحمد لله الواحد العدل الكريم،و اعلم أن الذي ذكره المرتضىرحمه‌الله تعالى،و أورده على قاضي القضاة جيد و لازم متى ادعى قاضي القضاة أن العدالة إذا ثبتت ظنا أو قطعا لم يجز العدول عنها،و التبرؤ إلا بما يوجب القطع،و يعلم به علما يقينيا زوالها،فأما إذا ادعى أن المعلوم لا يزول إلا بما يوجب العلم،فلا يرد عليه ما ذكره المرتضىرحمه‌الله تعالى.و له أن يقول قد ثبتت بالإجماع إمامة عثمان،و الإجماع دليل قطعي عند أصحابنا،و كل من ثبتت إمامته ثبتت عدالته بالطريق التي بها ثبتت إمامته ؛ لأنه لا يجوز أن تكون إمامته معلومة و شرائطها مظنونة ؛ لأن الموقوف على المظنون مظنون،فتكون إمامته مظنونة،و قد فرضناها معلومة و هذا خلف و محال،و إذا كانت عدالته معلومة لم يجز القول بانتفائها و زوالها إلا بأمر معلوم.و الأخبار التي رويت في أحداثه أخبار آحاد لا تفيد العلم،فلا يجوز العدول عن المعلوم بها،فهذا الكلام إذا رتب هذا الترتيب اندفع به ما اعترض به المرتضىرحمه‌الله تعالى

٣

بقية رد المرتضى على ما أورده القاضي عبد الجبار من الدفاع عن عثمان

فأما كلام المرتضىرحمه‌الله تعالى على الفصل الثاني من كلام قاضي القضاة،و هو الفصل المحكي عن شيخنا أبي عليرحمه‌الله تعالى،فنحن نورده قالرحمه‌الله تعالى.أما قوله:لو كان ما ذكر من الأحداث قادحا لوجب من الوقت الذي ظهرت الأحداث فيه أن يطلبوا رجلا ينصبونه في الإمامة ؛ لأن ظهور الحدث كموته فلما رأيناهم طلبوا إماما بعد قتله،دل على بطلان ما أضافوه إليه من الأحداث،فليس بشي‏ء معتمد ؛ لأن تلك الأحداث و إن كانت مزيلة عندهم لإمامته و فاسخة لها و مقتضية ؛ لأن يعقدوا لغيره الإمامة إلا أنهم لم يكونوا قادرين على أن يتفقوا على نصب غيره مع تشبثه بالأمر خوفا من الفتنة و التنازع و التجاذب،و أرادوا أن يخلع نفسه حتى تزول الشبهة و ينشط من يصلح للأمر لقبول العقد و التكفل بالأمر،و ليس يجري ذلك مجرى موته ؛ لأن موته يحسم الطمع في استمرار ولايته و لا تبقى شبهة في خلو الزمان من إمام،و ليس كذلك حدثه الذي يسوغ فيه التأويل على بعده،و تبقى معه الشبهة في استمرار أمره،و ليس نقول إنهم لم يتمكنوا من ذلك كما سأل نفسه بل الوجه في عدولهم ما ذكرناه من إرادتهم حسم المواد و إزالة الشبهة و قطع أسباب الفتنة.

٤

قال:فأما قوله:إنه معلوم من حال هذه الأحداث أنها لم تحصل أجمع في الأيام التي حصر فيها و قتل،بل كانت تقع حالا بعد حال،فلو كانت توجب الخلع و البراءة لما تأخر من المسلمين الإنكار عليه،و لكان المقيمون من الصحابة بالمدينة أولى بذلك من الواردين من البلاد،فلا شك أن الأحداث لم تحصل في وقت واحد إلا أنه غير منكر أن يكون نكيرهم إنما تأخر ؛ لأنهم تأولوا ما ورد عليهم من أفعاله على أجمل الوجوه حتى زاد الأمر و تفاقم،و بعد التأويل و تعذر التخريج و لم يبق للظن الجميل طريق فحينئذ أنكروا،و هذا مستمر على ما قدمنا ذكره من أن العدالة و الطريقة الجميلة،يتأول لها في الفعل و الأفعال القليلة بحسب ما تقدم من حسن الظن به،ثم ينتهي الأمر بعد ذلك إلى بعد التأويل و العمل على الظاهر القبيح.قال:على أن الوجه الصحيح في هذا الباب أن أهل الحق كانوا معتقدين بخلعه من أول حدث بل معتقدين أن إمامته لم تثبت وقتا من الأوقات،و إنما منعهم من إظهار ما في نفوسهم ما قدمناه من أسباب الخوف و التقية ؛ لأن الاعتذار بالوجل كان عاما،فلما تبين أمره حالا بعد حال و أعرضت الوجوه عنه،و قل العاذر له قويت الكلمة في خلعه،و هذا إنما كان في آخر الأمر دون أوله،فليس يقتضي الإمساك عنه إلى الوقت الذي وقع الكلام فيه نسبة الخطأ إلى الجميع على ما ظنه.قال:فأما دفعه بأن تكون الأمة أجمعت على خلعه بخروجه نفسه،و خروج من كان في حيزه عن القوم فليس بشي‏ء ؛ لأنه إذا ثبت أن من عداه و عدا عبيده و الرهيط من فجار أهله و فساقهم،كمروان و من جرى مجراه كانوا مجمعين على خلعه فلا شبهة

٥

في أن الحق في غير حيزه ؛ لأنه لا يجوز أن يكون هو المصيب و جميع الأمة مبطل،و إنما يدعى أنه على الحق لمن ينازع في إجماع من عداه،فأما مع التسليم لذلك فليس يبقى شبهة،و ما نجد مخالفينا يعتبرون في باب الإجماع بإجماع الشذاذ،و النفر القليل الخارجين من الإجماع،ألا ترى أنهم لا يحفلون بخلاف سعد و أهله و ولده في بيعه أبي بكر لقلتهم و كثرة من بإزائهم،و لذلك لا يعتدون بخلاف من امتنع من بيعة أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،و يجعلونه شاذا لا تأثير بخلافه،فكيف فارقوا هذه الطريقة في خلع عثمان،و هل هذا إلا تقلب و تلون.قلت:أما إذا احتج أصحابنا على إمامة أبي بكر بالإجماع،فاعتراض حجتهم بخلاف سعد و ولده و أهله اعتراض جيد،و ليس يقول أصحابنا في جوابه هؤلاء شذاذ فلا نحفل بخلافهم،و إنما المعتبر بالكثرة التي بإزائهم،و كيف يقولون هذا و حجتهم الإجماع و لا إجماع،و لكنهم يجيبون عن ذلك بأن سعدا مات في خلافة عمر،فلم يبق من يخالف في خلافة عمر فانعقد الإجماع عليها،و بايع ولد سعد و أهله من قبل،و إذا صحت خلافة عمر صحت خلافة أبي بكر ؛ لأنها فرع عليها و محال أن يصح الفرع و يكون الأصل فاسدا،فهكذا يجيب أصحابنا عن الاعتراض بخلاف سعد إذا احتجوا بالإجماع،فأما إذا احتجوا بالاختيار،فلا يتوجه نحوهم الاعتراض بخلاف سعد و أهله و ولده ؛ لأنه ليس من شرط ثبوت الإمامة بالاختيار إجماع الأمة على الاختيار،و إنما يكفي فيه بيعة خمسة من أهل الحل و العقد على الترتيب الذي يرتب أصحابنا الدلالة عليه،و بهذا الطريق يثبت عندهم إمامة علي(عليه‌السلام )،و لم يحفل بخلاف معاوية و أهل الشام فيها.

٦

قالرحمه‌الله تعالى:فأما قوله إن الصحابة كانت بين فريقين من نصره كزيد بن ثابت،و ابن عمر،و فلان و فلان،و الباقون ممتنعون انتظارا لزوال العارض،و لأنه ما ضيق عليهم الأمر في الدفع عنه فعجيب ؛ لأن الظاهر أن أنصاره هم الذين كانوا معه في الدار يقاتلون عنه و يدفعون الهاجمين عليه.فأما من كان في منزله ما أغنى عنه فتيلا فلا يعد ناصرا،و كيف يجوز ممن أراد نصرته و كان معتقدا لصوابه و خطإ المطالبين له بالخلع أن يتوقف عن النصرة طلبا لزوال العارض،و هل تراد النصرة إلا لدفع العارض و بعد زواله لا حاجة إليها،و ليس يحتاج في نصرته إلى أن يضيق هو عليهم الأمر فيها بل من كان معتقدا لها لا يحتاج حمله إلى إذنه فيها،و لا يحفل بنهيه عنها ؛ لأن المنكر مما قد تقدم أمر الله تعالى بالنهي عنه،فليس يحتاج في إنكاره إلى أمر غيره.قال:فأما زيد بن ثابت فقد روي ميله إلى عثمان و ما يغني ذلك و بإزائه جميع المهاجرين و الأنصار و لميله إليه سبب معروف،فإن الواقدي روى في كتاب الدار أن مروان بن الحكم لما حصر عثمان الحصر الأخير أتى زيد بن ثابت فاستصحبه إلى عائشة ليكلمها في هذا الأمر فمضيا إليها،و هي عازمة على الحج فكلماها في أن تقيم و تذب عنه فأقبلت على زيد بن ثابت،فقالت:و ما منعك يا ابن ثابت و لك الأشاريف قد اقتطعكها عثمان،و لك كذا و كذا،و أعطاك عثمان من بيت المال عشرة آلاف دينار.قال زيد:فلم أرجع عليها حرفا واحدا و أشارت إلى مروان بالقيام،فقام مروان و هو يقول:

٧

حرق قيس علي البلاد

حتى إذا اضطرمت أجذما

فنادته عائشة و قد خرج من العتبة:يا ابن الحكم أعلي تمثل الأشعار قد و الله سمعت ما قلت،أتراني في شك من صاحبك ؟ و الذي نفسي بيده لوددت أنه الآن في غرارة من غرائري مخيط عليه فألقيه في البحر الأخضر.قال زيد بن ثابت:فخرجنا من عندها على اليأس منها.و روى الواقدي أن زيد بن ثابت اجتمع عليه عصابة من الأنصار،و هو يدعوهم إلى نصرة عثمان فوقف عليه جبلة بن عمرو بن حبة المازني،فقال له:و ما يمنعك يا زيد،أن تذب عنه أعطاك عشرة آلاف دينار و حدائق من نخل لم ترث عن أبيك مثل حديقة منها ؟ فأما ابن عمر،فإن الواقدي روى أيضا عنه أنه قال:و الله ما كان فينا إلا خاذل أو قاتل،و الأمر على هذا أوضح من أن يخفى.فأما ما ذكره من إنفاذ أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،الحسن و الحسين(عليهما‌السلام )،فإنما أنفذهما إن كان أنفذهما ليمنعا من انتهاك حريمه و تعمد قتله و منع خرمه و نسائه من الطعام و الشراب،و لم ينفذهما ليمنعا من مطالبته بالخلع و كيف و هو(عليه‌السلام )مصرح بأنه يستحق بإحداثه الخلع،و القوم الذين سعوا في ذلك إليه كانوا يغدون و يروحون،و معلوم منه ضرورة أنه كان مساعدا على خلعه و نقض أمره،لا سيما في المرة الأخيرة فأما ادعاؤه أنه(عليه‌السلام )لعن قتلته فهو يعلم ما في هذا من الروايات المختلفة التي

٨

هي أظهر من هذه الرواية،و إن صحت فيجوز أن تكون محمولة على لعن من قتله متعمدا قتله قاصدا إليه،فإن ذلك لم يكن لهم.فأما ادعاؤه أن طلحة رجع لما ناشده عثمان يوم الدار،فظاهر البطلان و غير معروف في الرواية،و الظاهر المعروف أنه لم يكن على عثمان أشد من طلحة و لا أغلظ منه.قال:و لو حكينا من كلامه فيه ما قد روي،لأفنينا قطعة كثيرة من هذا الكتاب،و قد روي أن عثمان كان يقول يوم الدار:اللهم اكفني طلحة و يكرر ذلك علما بأنه أشد القوم عليه،و روي أن طلحة كان عليه يوم الدار درع و هو يرامي الناس و لم ينزع عن القتال حتى قتل الرجل.فأما ادعاؤه الرواية عن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )ستكون فتنة،و أن عثمان و أصحابه يومئذ على الهدى،فهو يعلم أن هذه الرواية الشاذة لا تكون في مقابلة المعلوم ضرورة من إجماع الأمة على خلعه و خذله،و كلام وجوه المهاجرين و الأنصار فيه،و بإزاء هذه الرواية ما يملأ الطروس عن النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و غيره مما يتضمن ما تضمنته،و لو كانت هذه الرواية معروفة لكان عثمان أولى الناس بالاحتجاج بها يوم الدار،و قد احتج عليهم بكل غث و سمين،و قبل ذلك لما خوصم و طولب بأن يخلع نفسه،و لاحتج بها عنه بعض أصحابه و أنصاره،و في علمنا بأن شيئا من ذلك لم يكن دلالة على أنها مصنوعة موضوعة.فأما ما رواه عن عائشة من قولها:قتل و الله مظلوما،فأقوال عائشة فيه معروفة و معلومة و إخراجها قميص رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و هي تقول:هذا قميصه لم يبل،و قد أبلى عثمان سنته إلى غير ذلك مما لا يحصى كثرة.

٩

فأما مدحها له و ثناؤها عليه،فإنما كانا عقيب علمها بانتقال الأمر إلى من انتقل إليه،و السبب فيه معروف،و قد وقفت عليه و قوبل بين كلامها فيه متقدما و متأخرا.فأما قوله،لا يمتنع أن يتعلق بأخبار الآحاد في ذلك ؛ لأنها في مقابلة ما يدعونه مما طريقه أيضا الآحاد فواضح البطلان ؛ لأن إطباق الصحابة و أهل المدينة إلا من كان في الدار معه على خلافه،فإنهم كانوا بين مجاهد و مقاتل مبارز،و بين متقاعد خاذل معلوم ضرورة لكل من سمع الأخبار،و كيف يدعى أنها من جهة الآحاد حتى يعارض بأخبار شاذة نادرة،و هل هذا إلا مكابرة ظاهرة ؟ فأما قوله:إنا لا نعدل عن ولايته بأمور محتملة،فقد مضى الكلام في هذا المعنى،و قلنا إن المحتمل هو ما لا ظاهر له و يتجاذبه أمور محتملة،فأما ما له ظاهر فلا يسمى محتملا،و إن سماه بهذه التسمية فقد بينا أنه مما يعدل من أجله عن الولاية،و فصلنا ذلك تفصيلا بينا.و أما قوله:إن للإمام أن يجتهد برأيه في الأمور المنوطة به و يكون مصيبا،و إن أفضت إلى عاقبة مذمومة،فأول ما فيه أنه ليس للإمام و لا غيره أن يجتهد في الأحكام،و لا يجوز أن يعمل فيها إلا على النص،ثم إذا سلمنا الاجتهاد فلا شك أن هاهنا أمورا لا يسوغ فيها الاجتهاد حتى يكون من خبرنا عنه بأنه اجتهد فيها غير مصوب،و تفصيل هذه الجملة يبين عند الكلام على ما تعاطاه من الإعذار عن أحداثه على جهة التفصيل.قلت:الكلام في هذا الموضع على سبيل الاستقصاء إنما يكون في الكتب الكلامية المبسوطة في مسألة الإمامة،و ليس هذا موضع ذاك و لكن يكفي قاضي القضاة أن يقول:

١٠

قد ثبت بالإجماع صحة إمامة عثمان،فلا يجوز الرجوع عن هذا الإجماع إلا بإجماع معلوم على خلعه و إباحة قتله،و لم يجمع المسلمون على ذلك ؛ لأنه قد كان بالمدينة من ينكر ذلك و إن قلوا،و قد كان أهل الأمصار ينكرون ذلك كالشام و البصرة،و الحجاز،و اليمن،و مكة،و خراسان،و كثير من أهل الكوفة،و هؤلاء مسلمون فيجب أن تعتبر أقوالهم في الإجماع،فإذا لم يدخلوا فيمن أجلب عليه لم ينعقد الإجماع على خلعه،و لا على إباحة دمه فوجب البقاء على ما اقتضاه الإجماع الأول.

ذكر المطاعن التي طعن بها على عثمان و الرد عليها

فأما الكلام في المطاعن المفصلة التي طعن بها فيه،فنحن نذكرها و نحكي ما ذكره قاضي القضاة،و ما اعترضه به المرتضىرحمه‌الله تعالى.الطعن الأول:قال قاضي القضاة في المغني فمما طعن به عليه،قولهم:إنه ولى أمور المسلمين من لا يصلح لذلك و لا يؤتمن عليه،و من ظهر منه الفسق و الفساد،و من لا علم عنده مراعاة منه لحرمة القرابة،و عدولا عن مراعاة حرمة الدين،و النظر للمسلمين حتى ظهر ذلك منه و تكرر،و قد كان عمر حذره من ذلك حيث وصفه بأنه كلف بأقاربه،و قال له:إذا وليت هذا الأمر فلا تسلط بني أبي معيط على رقاب الناس،فوقع منه ما حذره إياه و عوتب في ذلك،فلم ينفع العتب و ذلك نحو استعماله الوليد بن عقبة و تقليده إياه

١١

حتى ظهر منه شرب الخمر،و استعماله سعيد بن العاص حتى ظهرت منه الأمور التي عندها أخرجه أهل الكوفة،و توليته عبد الله بن أبي سرح،و عبد الله بن عامر،بن كريز حتى روي عنه في أمر ابن أبي سرح أنه لما تظلم منه أهل مصر،و صرفه عنهم بمحمد بن أبي بكر كاتبه بأن يستمر على ولايته،فأبطن خلاف ما أظهر فعل من غرضه خلاف الدين،و يقال:إنه كاتبه بقتل محمد بن أبي بكر و غيره ممن يرد عليه و ظفر بذلك الكتاب،و لذلك عظم التظلم من بعد و كثر الجمع،و كان سبب الحصار و القتل حتى كان من أمر مروان و تسلطه عليه و على أموره ما قتل بسببه،و ذلك ظاهر لا يمكن دفعه.قالرحمه‌الله تعالى:و جوابنا عن ذلك أن نقول أما ما ذكر من توليته من لا يجوز أن يستعمل،فقد علمنا أنه لا يمكن أن يدعى أنه حين استعملهم علم من أحوالهم خلاف الستر و الصلاح ؛ لأن الذي ثبت عنهم من الأمور القبيحة حدث من بعد،و لا يمتنع كونهم في الأول مستورين في الحقيقة أو مستورين عنده،و إنما كان يجب تخطئته لو استعملهم،و هم في الحال لا يصلحون لذلك.فإن قيل فلما علم بحالهم كان يجب أن يعزلهم،قيل:كذلك فعل ؛ لأنه إنما استعمل الوليد بن عقبة قبل ظهور شرب الخمر عنه

١٢

فلما شهد عليه بذلك جلده الحد و صرفه،و قد روي مثله عن عمر،فإنه ولى قدامة بن مظعون بعض أعماله فشهدوا عليه بشرب الخمر أشخصه و جلده الحد،فإذا عد ذلك في فضائل عمر لم يجز أن يعد ما ذكروه في الوليد من معايب عثمان،و يقال إنه لما أشخصه أقام عليه الحد بمشهد أمير المؤمنين(عليه‌السلام ).و قد اعتذر من عزله سعد بن أبي وقاص بالوليد بأن سعدا شكاه أهل الكوفة،فأداه اجتهاده إلى عزله بالوليد.فأما سعيد بن العاص،فإنه عزله عن الكوفة و ولى مكانه أبا موسى و كذلك عبد الله بن أبي سرح عزله،و ولى مكانه محمد بن أبي بكر،و لم يظهر له من مروان ما يوجب أن يصرفه عما كان مستعملا فيه،و لو كان ذلك طعنا لوجب مثله في كل من ولى،و قد علمنا أن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )ولى الوليد بن عقبة فحدث منه ما حدث،و حدث من بعض أمراء أمير المؤمنين(عليه‌السلام )الخيانة كالقعقاع بن شور ؛ لأنه ولاه على ميسان فأخذ مالها و لحق بمعاوية،و كذلك فعل الأشعث بن قيس بمال آذربيجان،و ولى أبا موسى الحكم فكان منه ما كان و لا يجب أن يعاب أحد بفعل غيره،و إذا لم يلحقه عيب في ابتداء ولايته فقد زال العيب فيما بعده.و قولهم إنه قسم أكثر الولايات في أقاربه،و زال عن طريقة الاحتياط للمسلمين،و قد كان عمر حذره من ذلك فليس بعيب ؛ لأن تولية الأقارب كتولية الأباعد في أنه يحسن إذا كانوا على صفات مخصوصة،و لو قيل:إن تقديمهم أولى لم يمتنع إذا كان المولي لهم أشد تمكنا من عزلهم و الاستبدال بهم،و قد ولى أمير المؤمنين(عليه‌السلام )عبد الله بن العباس البصرة،و عبيد الله بن العباس اليمن،و قثم بن العباس مكة حتى قال مالك الأشتر عند ذلك:

١٣

على ما ذا قتلنا الشيخ أمس فيما يروى،و لم يكن ذلك بعيب إذا أدى ما وجب عليه في اجتهاده.فأما قولهم:إنه كتب إلى ابن أبي سرح حيث ولى محمد بن أبي بكر بأنه يقتله و يقتل أصحابه،فقد أنكر ذلك أشد إنكار حتى حلف عليه،و بين أن الكتاب الذي ظهر ليس كتابه و لا الغلام غلامه و لا الراحلة راحلته،و كان في جملة من خاطبه في ذلك أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،فقبل عذره و ذلك بين ؛ لأن قول كل أحد مقبول في مثل ذلك،و قد علم أن الكتاب يجوز فيه التزوير،فهو بمنزلة الخبر الذي يجوز فيه الكذب.فإن قيل:فقد علم أن مروان هو الذي زور الكتاب ؛ لأنه هو الذي كان يكتب عنه فهلا أقام فيه الحد.قيل ليس يجب بهذا القدر أن يقطع على أن مروان هو الذي فعل ذلك ؛ لأنه و إن غلب ذلك في الظن،فلا يجوز أن يحكم به و قد كان القوم يسومونه تسليم مروان إليهم و ذلك ظلم ؛ لأن الواجب على الإمام أن يقيم الحد على من يستحقه أو التأديب،و لا يحل له تسليمه إلى غيره،فقد كان الواجب أن يثبتوا عنده ما يوجب في مروان الحد و التأديب ليفعله به،و كان إذا لم يفعل،و الحال هذه يستحق التعنيف،و قد ذكر الفقهاء في كتبهم أن الأمر بالقتل لا يوجب قودا و لا دية و لا حدا،فلو ثبت في مروان ما ذكروه لم يستحق القتل،و إن استحق التعزير لكنه عدل عن تعزيره ؛ لأنه لم يثبت و قد يجوز أن يكون عثمان ظن أن هذا الفعل فعل بعض من يعادي مروان تقبيحا لأمره ؛ لأن ذلك يجوز كما يجوز أن يكون من فعله،و لا يعلم كيف كان اجتهاده و ظنه و بعد،فإن هذا الحدث من أجل ما نقموا عليه،فإن كان شي‏ء من ذلك يوجب خلع عثمان و قتله فليس إلا هذا،و قد علمنا أن هذا الأمر لو ثبت ما كان يوجب القتل ؛ لأن الأمر بالقتل لا يوجب القتل سيما قبل وقوع القتل المأمور به فنقول لهم لو ثبت ذلك على عثمان أكان يجب قتله فلا يمكنهم ادعاء

١٤

ذلك؛لأنه بخلاف الدين و لا بد أن يقولوا إن قتله ظلم و كذلك حبسه في الدار و منعه من الماء،فقد كان يجب أن يدفع القوم عن كل ذلك ،و أن يقال إن من لم يدفعهم و ينكر عليهم يكون مخطئا.و في القول بأن الصحابة اجتمعوا على ذلك كلهم تخطئة لجميع أصحاب رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و ذلك غير جائز،و قد علم أيضا أن المستحق للقتل و الخلع لا يحل أن يمنع الطعام و الشراب،و علم أن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لم يمنع أهل الشام من الماء في صفين،و قد تمكن من منعهم و كل ذلك يدل على كون عثمان مظلوما،و أن ذلك من صنع الجهال،و أن أعيان الصحابة كانوا كارهين لذلك،و أيضا فإن قتله لو وجب لم يجز أن يتولاه العوام من الناس،و لا شبهة أن الذين أقدموا على قتله كانوا بهذه الصفة،و إذا صح أن قتله لم يكن لهم فمنعهم و النكير عليهم واجب.و أيضا فقد علم أنه لم يكن من عثمان ما يستحق به القتل من كفر بعد إيمان أو زنى بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق،و أنه لو كان منه ما يوجب القتل لكان الواجب أن يتولاه الإمام فقتله على كل حال منكر،و إنكار المنكر واجب.و ليس لأحد أن يقول إنه أباح قتل نفسه من حيث امتنع من دفع الظلم عنهم ؛ لأنه لم يمتنع من ذلك بل أنصفهم،و نظر في حالهم،و لأنه لو لم يفعل ذلك لم يحل لهم قتله ؛ لأنه إنما يحل قتل الظالم إذا كان على وجه الدفع و المروي أنهم أحرقوا بابه،و هجموا عليه في منزله،و بعجوه بالسيف و المشاقص،و ضربوا يد زوجته لما وقعت عليه و انتهبوا متاع داره،و مثل هذه القتلة لا تحل في الكافر و المرتد فكيف يظن أن الصحابة لم ينكروا ذلك ،و لم يعدوه ظلما حتى يقال:إنه مستحق من حيث لم يدفع القوم عنه،و قد تظاهر الخبر بما جرى من تجمع القوم عليه،و توسط أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لأمرهم و أنه

١٥

بذل لهم ما أرادوه و أعتبهم و أشهد على نفسه بذلك،و أن الكتاب الموجود بعد ذلك المتضمن لقتل القوم و وقف عليه و ممن أوقفه عليه أمير المؤمنين(عليه‌السلام )فحلف أنه ما كتبه و لا أمر به،فقال له:فمن تتهم ؟ قال:ما أتهم أحدا و إن للناس لحيلا.و الرواية ظاهرة أيضا

بقوله:إن كنت أخطأت أو تعمدت،فإني تائب و مستغفر،فكيف يجوز و الحال هذه أن تهتك فيه حرمة الإسلام و حرمة البلد الحرام،و لا شبهة في أن القتل على وجه الغيلة لا يحل فيمن يستحق القتل،فكيف فيمن لا يستحقه و لو لا أنه كان يمنع من محاربة القوم ظنا منه أن ذلك يؤدي إلى القتل الذريع لكثر أنصاره.و قد جاء في الرواية أن الأنصار بدأت معونته و نصرته،و أن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )قد بعث إليه ابنه الحسن(عليه‌السلام )فقال له:قل لأبيك فلتأتني،فأراد أمير المؤمنين(عليه‌السلام )المصير إليه فمنعه من ذلك محمد ابنه،و استعان بالنساء عليه حتى جاء الصريخ بقتل عثمان،فمد يده إلى القبلة و قال:اللهم إني أبرأ إليك من دم عثمان.فإن قالوا إنهم اعتقدوا أنه من المفسدين في الأرض و أنه داخل تحت آية المحاربين.قيل:فقد كان يجب أن يتولى الإمام هذا الفعل ؛ لأن ذلك يجري مجرى الحد و كيف يدعى ذلك،و المشهور عنه أنه كان يمنع من مقاتلتهم حتى روي أنه قال لعبيدة و مواليه،و قد هموا بالقتال من أغمد سيفه فهو حر،و لقد كان مؤثرا لنكير ذلك الأمر بما لا يؤدي إلى إراقة الدماء و الفتنة،و لذلك لم يستعن بأصحاب الرسول(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و إن كان لما اشتد الأمر أعانه من أعان ؛ لأن عند ذلك تجب النصرة و المعونة فحيث

١٦

كانت الحال متماسكة،و كان ينهى عن إنجاده و إعانته بالحرب امتنعوا و توقفوا،و حيث اشتد الأمر أعانه و نصره من أدركه دون من لم يغلب ذلك في ظنه.اعترض المرتضىرحمه‌الله تعالى هذا الكلام،فقال:أما قوله لم يكن عالما بحال الفسقة الذين ولاهم قبل الولاية،فلا تعويل عليه ؛ لأنه لم يول هؤلاء النفر إلا و حالهم مشهورة في الخلاعة و المجانة و التجرم و التهتك،و لم يختلف اثنان في أن الوليد بن عقبة لم يستأنف التظاهر بشرب الخمر،و الاستخفاف بالدين على استقبال ولايته للكوفة،بل هذه كانت سنته و العادة المعروفة منه،و كيف يخفى على عثمان و هو قريبه و لصيقه و أخوه لأمه من حاله ما لا يخفى على الأجانب الأباعد،و لهذا قال له سعد بن أبي وقاص في رواية الواقدي،و قد دخل الكوفة:يا أبا وهب،أمير أم زائر ؟ قال:بل أمير،فقال سعد:ما أدري أحمقت بعدك أم كست بعدي ؟ قال:ما حمقت بعدي و لا كست بعدك،و لكن القوم ملكوا فاستأثروا،فقال سعد:ما أراك إلا صادقا.و في رواية أبي مخنف لوط بن يحيى الأزدي أن الوليد لما دخل الكوفة مر على مجلس عمرو بن زرارة النخعي فوقف،فقال عمرو:يا معشر بني أسد،بئسما استقبلنا به أخوكم ابن عفان أمن عدله أن ينزع عنا ابن أبي وقاص الهين اللين السهل القريب،و يبعث بدله أخاه الوليد الأحمق الماجن الفاجر قديما و حديثا و استعظم الناس مقدمه،و عزل سعد به و قالوا أراد عثمان كرامة أخيه بهوان أمة محمد(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و هذا تحقيق ما ذكرناه من أن حاله كانت مشهورة قبل الولاية لا ريب فيها عند أحد،فكيف

١٧

يقال:إنه كان مستورا حتى ظهر منه ما ظهر و في الوليد نزل قوله تعالى:( أَفَمَنْ كانَ مُؤْمِناً كَمَنْ كانَ فاسِقاً لا يَسْتَوُونَ ) ،فالمؤمن هاهنا أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،و الفاسق الوليد على ما ذكره أهل التأويل،و فيه نزل قوله تعالى:( يا أَيُّهَا اَلَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى‏ ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ ) و السبب في ذلك أنه كذب على بني المصطلق عند رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و ادعى أنهم منعوه الصدقة و لو قصصنا مخازيه المتقدمة و مساويه،لطال بها الشرح.و أما شربه الخمر بالكوفة و سكره حتى دخل عليه [ من دخل ] و أخذ خاتمه من إصبعه،و هو لا يعلم فظاهر و قد سارت به الركبان،و كذلك كلامه في الصلاة و التفاته إلى من يقتدي به فيها و هو سكران،و قوله لهم:أأزيدكم ؟ فقالوا:لا قد قضينا صلواتنا حتى قال الحطيئة في ذلك.

شهد الحطيئة يوم يلقى ربه

أن الوليد أحق بالعذر

١٨

نادى و قد نفدت صلاتهم

أأزيدكم ثملا و ما يدري

ليزيدهم خيرا و لو قبلوا

منه لقادهم على عشر

فأبوا أبا وهب و لو فعلوا

لقرنت بين الشفع و الوتر

حبسوا عنانك إذ جريت و لو

خلوا عنانك لم تزل تجري

و قال فيه أيضا:

تكلم في الصلاة و زاد فيها

علانية و جاهر بالنفاق

و مج الخمر في سنن المصلى

و نادى و الجميع إلى افتراق

أزيدكم على أن تحمدوني

فما لكم و ما لي من خلاق

و أما قوله:إنه جلده الحد و عزله فبعد أي شي‏ء كان ذلك،و لم يعزله إلا بعد أن دافع و مانع و احتج عنه و ناضل،و لو لم يقهره أمير المؤمنين(عليه‌السلام )على رأيه لما عزله،و لا أمكن من جلده،و قد روى الواقدي أن عثمان لما جاءه الشهود يشهدون على الوليد بشرب الخمر أوعدهم و تهددهم.قال الواقدي:و يقال إنه ضرب بعض الشهود أيضا أسواطا،فأتوا أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،فشكوا إليه،فأتى عثمان،فقال:عطلت الحدود و ضربت قوما شهدوا على أخيك،فقلبت الحكم و قد قال لك عمر:لا تحمل بني أمية و آل أبي معيط على رقاب الناس.قال:فما ترى ؟ قال:أرى أن تعزله و لا توليه شيئا من أمور المسلمين،و أن تسأل عن الشهود،فإن لم يكونوا أهل ظنة و لا عداوة أقمت على صاحبك الحد،و تكلم في مثل ذلك طلحة،و الزبير،و عائشة،و قالوا أقوالا شديدة و أخذته الألسن من كل جانب،فحينئذ عزله و مكن من إقامة الحد عليه.

١٩

و قد روى الواقدي:أن الشهود لما شهدوا عليه في وجهه،و أراد عثمان أن يحده ألبسه جبة خز و أدخله بيتا فجعل إذا بعث إليه رجلا من قريش ليضربه قال له الوليد:أنشدك الله أن تقطع رحمي و تغضب أمير المؤمنين،فلما رأى علي(عليه‌السلام )ذلك أخذ السوط و دخل عليه فجلده به،فأي عذر لعثمان في عزله و جلده بعد هذه الممانعة الطويلة و المدافعة الشديدة.و قصة الوليد مع الساحر الذي كان يلعب بين يديه و يغر الناس بمكره و خديعته،و أن جندب بن عبد الله الأزدي امتعض من ذلك و دخل عليه فقتله و قال له:أحي نفسك إن كنت صادقا،و أن الوليد أراد أن يقتل جندبا بالساحر حتى أنكر الأزد ذلك عليه فحبسه،و طال حبسه حتى هرب من السجن معروفة مشهورة.فإن قيل:فقد ولى رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )الوليد بن عقبة هذا صدقة بني المصطلق و ولاه عمر صدقة تغلب،فكيف تدعون أن حاله في أنه لا يصلح للولاية ظاهرة ؟ قلنا:لا جرم إنه غر رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و كذب على القوم حتى نزلت فيه الآية التي قدمنا ذكرها،فعزله و ليس خطب ولاية الصدقة مثل خطب ولاية الكوفة.فأما عمر فإنه لما بلغه قوله:

إذا ما شددت الرأس مني بمشوذ

فويلك مني تغلب ابنة وائل

عزله.و أما عزل أمير المؤمنين(عليه‌السلام )بعض أمرائه لما ظهر من الحدث كالقعقاع بن شور و غيره،و كذلك عزل عمر قدامة بن مظعون لما شهد عليه بشرب الخمر و جلده له،فإنه لا يشبه ما تقدم ؛ لأن كل واحد ممن ذكرناه لم يول إلا من هو حسن الظاهر عنده و عند الناس غير معروف باللعب و لا مشهور بالفساد،ثم لما ظهر منه ما ظهر

٢٠

لم يحام عنه و لا كذب الشهود عليه و كابرهم بل عزله مختارا غير مضطر،و كل هذا لم يجر في أمراء عثمان،و قد بينا كيف كان عزل الوليد و إقامة الحد عليه.فأما أبو موسى فإن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لم يوله الحكم مختارا لكنه غلب على رأيه و قهر على أمره و لا رأى لمقهور.فأما قوله:إن ولاية الأقارب كولاية الأباعد،بل الأقارب أولى من حيث كان التمكن من عزلهم أشد،و ذكر تولية أمير المؤمنين(عليه‌السلام )أولاد العباسرحمه‌الله تعالى و غيرهم فليس بشي‏ء ؛ لأن عثمان لم ينقم عليه تولية الأقارب من حيث كانوا أقارب،بل من حيث كانوا أهل بيت الظنة و التهمة،و لهذا حذره عمر و أشعر بأنه يحملهم على رقاب الناس و أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لم يول من أقاربه متهما و لا ظنينا،و حين أحس من ابن العباس ببعض الريبة لم يمهله و لا احتمله،و كاتبه بما هو شائع ظاهر،و لو لم يجب على عثمان أن يعدل عن ولاية أقاربه إلا من حيث جعل عمر ذلك سبب عدوله عن النص عليه،و شرط عليه يوم الشورى ألا يحمل أقاربه على رقاب الناس،و لا يؤثرهم لمكان القرابة بما لا يؤثر به غيرهم لكان صارفا قويا،فضلا عن أن ينضاف إلى ذلك ما انضاف من خصالهم الذميمة و طرائقهم القبيحة.فأما سعيد بن أبي العاص،فإنه قال في الكوفة:إنما السواد بستان لقريش تأخذ منه ما شاءت و تترك حتى قالوا له أتجعل ما أفاء الله علينا بستانا لك و لقومك،و نابذوه و أفضى الأمر إلى تسييره من سير عن الكوفة و القصة مشهورة،ثم انتهى الأمر إلى منع أهل الكوفة سعيدا من دخولها و تكلموا فيه،و فيه عثمان كلاما ظاهرا حتى

٢١

كادوا يخلعون عثمان،فاضطر حينئذ إلى إجابتهم إلى ولاية أبي موسى،فلم يصرف سعيدا مختارا بل ما صرفه جملة،و إنما صرفه أهل الكوفة عنهم.فأما قوله:إنه أنكر الكتاب المتضمن لقتل محمد بن أبي بكر و أصحابه،و حلف على أن الكتاب ليس بكتابه،و لا الغلام غلامه،و لا الراحلة راحلته،و أن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )قبل عذره،فأول ما فيه أنه حكى القصة بخلاف ما جرت عليه ؛ لأن جميع من يروي هذه القصة ذكر أنه اعترف بالخاتم و الغلام و الراحلة،و إنما أنكر أن يكون أمر بالكتابة ؛ لأنه روي أن القوم لما ظفروا بالكتاب قدموا المدينة،فجمعوا أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،و طلحة و الزبير و سعدا و جماعة الأصحاب،ثم فكوا الكتاب بمحضر منهم و أخبروهم بقصة الغلام،فدخلوا على عثمان و الكتاب مع أمير المؤمنين،فقال له:أهذا الغلام غلامك ؟ قال:نعم.قال:و البعير بعيرك ؟ قال:نعم.قال:أفأنت كتبت هذا الكتاب ؟ قال:لا و حلف بالله أنه ما كتب الكتاب و لا أمر به،فقال له:فالخاتم خاتمك ؟ قال:نعم.قال:فكيف يخرج غلامك على بعيرك بكتاب عليه خاتمك و لا تعلم به.و في رواية أخرى أنه لما واقفه عليه،قال عثمان:أما الخط فخط كاتبي و أما الخاتم فعلى خاتمي.قال:فمن تتهم ؟ قال:أتهمك و أتهم كاتبي،فخرج أمير المؤمنين(عليه‌السلام )مغضبا و هو يقول بل بأمرك،و لزم داره و بعد عن توسط أمره حتى جرى عليه ما جرى.و أعجب الأمور قوله لأمير المؤمنين(عليه‌السلام ):إني أتهمك و تظاهره بذلك و تلقيه إياه في وجهه بهذا القول مع بعده من التهمة و الظنة في كل شي‏ء و في أمره خاصة،فإن القوم في الدفعة الأولى أرادوا أن يعجلوا له ما أخبروه،حتى قام أمير المؤمنين(عليه‌السلام )بأمره،و توسطه،و أصلحه،و أشار عليه بأن يقاربهم و يعينهم حتى انصرفوا عنه و هذا

٢٢

فعل النصيح المشفق الحدب المتحنن،و لو كان(عليه‌السلام )و حوشي من ذلك متهما عليه لما كان للتهمة عليه مجال في أمر الكتاب خاصة ؛ لأن الكتاب بخط عدوه مروان،و في يد غلام عثمان،و محمول على بعيره و مختوم بخاتمه،فأي ظن تعلق بأمير المؤمنين(عليه‌السلام )في هذا المكان لو لا العداوة و قلة الشكر للنعمة.و لقد قال له المصريون لما جحد:أن يكون الكتاب كتابه شيئا لا زيادة عليه في باب الحجة ؛ لأنهم قالوا له:إذا كنت ما كتبت و لا أمرت به ف،أنت ضعيف من حيث تم عليك أن يكتب كاتبك بما تختمه بخاتمك،و ينفذه بيد غلامك،و على بعيرك بغير أمرك،و من تم عليه ذلك لا يصلح أن يكون واليا على أمور المسلمين فاختلع عن الخلافة على كل حال.قال:و لقد كان يجب على صاحب المغني أن يستحيي من قوله،إن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )قبل عذره،و كيف يقبل عذر من يتهمه و يستغشه،و هو له ناصح،و ما قاله أمير المؤمنين(عليه‌السلام )بعد سماع هذا القول منه معروف.و قوله:إن الكتاب يجوز فيه التزوير ليس بشي‏ء ؛ لأنه لا يجوز التزوير في الكتاب و الغلام و البعير،و هذه الأمور إذا انضاف بعضها إلى بعض بعد فيها التزوير،و قد كان يجب على كل حال أن يبحث عن القصة و عمن زور الكتاب،و أنفذ الرسول و لا ينام عن ذلك حتى يعرف من أين دهي و كيف تمت الحيلة عليه،فيحترز من مثلها و لا يغضي عن ذلك إغضاء ساتر له خائف من بحثه و كشفه.فأما قوله:إنه و إن غلب على الظن أن مروان كتب الكتاب،فإن الحكم بالظن لا يجوز و تسليمه إلى القوم على ما سألوه إياه ظلم ؛ لأن الحد و الأدب إذا وجب عليه فالإمام يقيمه دونهم،فتعلل بما لا يجدي ؛ لأنا لا نعمل إلا على قوله في أنه لم يعلم أن

٢٣

مروان هو الذي كتب الكتاب،و إنما غلب على ظنه أما كان يستحق مروان بهذا الظن بعض التعنيف و الزجر و التهديد،أو ما كان يجب مع وقوع التهمة عليه،و قوة الأمارات في أنه جالب الفتنة و سبب الفرقة أن يبعده عنه و يطرده من داره و يسلبه ما كان يخصه به من إكرامه،و ما في هذه الأمور أظهر من أن ينبه له.فأما قوله:إن الأمر بالقتل لا يوجب قودا و لا دية سيما قبل وقوع القتل المأمور به،فهب أن ذلك على ما قال:أما أوجب الله تعالى على الأمر بقتل المسلمين تأديبا،و لا تعزيرا،و لا طردا،و لا إبعادا.و قوله:لم يثبت ذلك قد مضى ما فيه و بين أنه لم يستعمل فيه ما يجب استعماله من البحث،و الكشف،و تهديد المتهم،و طرده،و إبعاده،و التبرؤ من التهمة بما يتبرأ به من مثلها.فأما قوله:إن قتله ظلم و كذلك حبسه في الدار و منعه من الماء،و إنه لو استحق القتل أو الخلع لا يحل أن يمنع الطعام و الشراب،و قوله:إن من لم يدفع عن ذلك من الصحابة يجب أن يكون مخطئا،و قوله:إن قتله لو وجب لم يجز أن يتولاه العوام من الناس فباطل ؛ لأن الذين قتلوه غير منكر أن يكونوا تعمدوا قتله،و إنما طالبوه بأن يخلع نفسه لما ظهر لهم من أحداثه و يعتزل عن الأمر اعتزالا يتمكنون معه من إقامة غيره فلج،و صمم على الامتناع،و أقام على أمر واحد،فقصد القوم بحصره أن يلجئوه إلى خلع نفسه،فاعتصم بداره و اجتمع إليه نفر من أوباش بني أمية يدفعون عنه و يرمون من دنا إلى الدار،فانتهى الأمر إلى القتال بتدريج،ثم إلى القتل و لم يكن القتال،و لا القتل مقصودين في الأصل،و إنما أفضى الأمر إليهما على ترتيب و جرى ذلك مجرى

٢٤

ظالم غلب إنسانا على رحله أو متاعه،فالواجب على المغلوب أن يمانعه و يدافعه ليخلص ماله من يده،و لا يقصد إلى إتلافه و لا قتله،فإن أفضى الأمر إلى ذلك بلا قصد كان معذورا،و إنما خاف القوم في التأني به و الصبر عليه إلى أن يخلع نفسه من كتبه التي طارت في الآفاق يستنصر عليهم،و يستقدم الجيوش إليهم،و لم يأمنوا أن يرد بعض من يدفع عنه فيؤدي ذلك إلى الفتنة الكبرى و البلية العظمى.و أما منع الماء و الطعام،فما فعل ذلك إلا تضييقا عليه ليخرج و يحوج إلى الخلع الواجب عليه،و قد يستعمل في الشريعة مثل ذلك فيمن لجأ إلى الحرم من ذوي الجنايات،و تعذر إقامة الحد عليه لمكان الحرم على أن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )قد أنكر منع الماء و الطعام،و أنفذ من مكن من حمل ذلك ؛ لأنه قد كان في الدار من الحرم و النسوان و الصبيان من لا يحل منعه من الطعام و الشراب،و لو كان حكم المطالبة بالخلع و التجمع عليه و التضافر فيه حكم منع الطعام و الشراب في القبح و المنكر،لأنكره أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،و منع منه كما منع من غيره،فقد روي عنه(عليه‌السلام ):أنه لما بلغه أن القوم قد منعوا الدار من الماء،قال:لا أرى ذلك إن في الدار صبيانا و عيالا،لا أرى أن يقتل هؤلاء عطشا بجرم عثمان،فصرح بالمعنى الذي ذكرناه،و معلوم أن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )ما أنكر المطالبة بالخلع بل كان مساعدا على ذلك و مشاورا فيه.فأما قوله:إن قتل الظالم إنما يحل على سبيل الدفع،فقد بينا أنه لا ينكر أن يكون قتله وقع على ذلك الوجه ؛ لأنه في تمسكه بالولاية عليهم،و هو لا يستحقها في حكم الظالم لهم فمدافعته واجبة.

٢٥

و أما قصة الكتاب الموجود فلم يحكها على الوجه،و قد شرحنا نحن الرواية الواردة بها.و أما قوله:إنه قال إن كنت أخطأت أو تعمدت،فإني تائب مستغفر،فقد أجابه القوم عن هذا،و قالوا:هكذا قلت في المرة الأولى و خطبت على المنبر بالتوبة و الاستغفار،ثم وجدنا كتابك بما يقتضي الإصرار على أقبح ما عتبنا منه،فكيف نثق بتوبتك و استغفارك.فأما قوله:إن القتل على وجه الغيلة لا يحل فيمن يستحق القتل فكيف فيمن لا يستحقه،فقد بينا أنه لم يكن على سبيل الغيلة و أنه لا يمتنع أن يكون إنما وقع على سبيل المدافعة.فأما ادعاؤه أنه منع من نصرته و أقسم على عبيده بترك القتال،فقد كان ذلك لعمري في ابتداء الأمر ظنا منه أن الأمر ينصلح،و القوم يرجعون عما هموا به،فلما اشتد الأمر و وقع اليأس من الرجوع و النزوع،لم يمنع أحدا من نصرته و المحاربة عنه،و كيف يمنع من ذلك،و قد بعث إلى أمير المؤمنين(عليه‌السلام )يستنصره و يستصرخه.و الذي يدل على أنه لم يمنع في الابتداء من محاربتهم إلا للوجه الذي ذكرناه دون غيره أنه لا خلاف بين أهل الرواية غب عن نصرة الحاضر من يستدعي نصرة الغائب.فأما قوله:إن أميفي أن كتبه تفرقت في الآفاق يستنصر و يستدعي الجيوش فكيف يرر المؤمنين(عليه‌السلام )أراد أن يأتيه حتى منعه ابنه محمد،فقول بعيد مما جاءت به الرواية جدا ؛ لأنه لا إشكال في أن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لما واجهه عثمان بأنه يتهمه و يستغشه انصرف مغضبا عامدا،على أنه لا يأتيه أبدا قائلا فيه ما يستحقه من الأقوال.

٢٦

فأما قوله في جواب سؤال،من قال إنهم اعتقدوا فيه أنه من المفسدين في الأرض،و أن آية المحاربة تتناوله،و أنه قد كان يجب أن يتولى الإمام ذلك الفعل بنفسه ؛ لأن ذلك يجري مجرى الحد فطريف ؛ لأن الإمام يتولى ما يجري هذا المجرى إذا كان منصوبا ثابتا،و لم يكن على مذهب القوم هناك إمام يجوز أن يتولى ما يجري مجرى الحدود،و متى لم يكن إمام يقوم بالدفع عن الدين و الذب عن الأمة جاز أن تتولى الأمة ذلك بنفوسها.قال:و ما رأيت أعجب من ادعاء مخالفينا أن أصحاب الرسول(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )كانوا كارهين لما جرى على عثمان،و أنهم كانوا يعتقدونه منكرا و ظلما،و هذا يجري عند من تأمله مجرى دفع الضرورات قبل النظر في الأخبار،و سماع ما ورد من شرح هذه القصة ؛ لأنه معلوم أن ما يكرهه جميع الصحابة أو أكثرهم في دار عزهم و بحيث ينفذ أمرهم و نهيهم لا يجوز أن يتم،و معلوم أن نفرا من أهل مصر لا يجوز أن يقدموا المدينة،فيغلبوا جميع المسلمين على آرائهم و يفعلوا بإمامهم ما يكرهونه بمرأى منهم و مسمع،و هذا معلوم بطلانه بالبداهة،و الضرورات قبل تصفح الأخبار و تأملها،و قد روى الواقدي عن ابن أبي الزناد عن أبي جعفر القارئ مولى بني مخزوم،قال:كان المصريون الذين حصروا عثمان ستمائة عليهم عبد الرحمن بن عديس البلوي،و كنانة بن بشر الكندي،و عمرو بن الحمق الخزاعي،و الذين قدموا المدينة من الكوفة مائتين عليهم مالك الأشتر النخعي،و الذين قدموا من البصرة مائة رجل رئيسهم حكيم بن جبلة العبدي،و كان أصحاب النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )الذين خذلوه لا يرون أن الأمر يبلغ به القتل،و لعمري لو قام بعضهم فحثا التراب في وجوه أولئك لانصرفوا،و هذه الرواية تضمنت من عدد القوم الوافدين،في هذا الباب أكثر مما تضمنه غيرها.و روى شعبة بن الحجاج عن سعد بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف قال:قلت له

٢٧

كيف لم يمنع أصحاب رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )عن عثمان،فقال:إنما قتله أصحاب رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ).و روي عن أبي سعيد الخدري أنه سئل عن مقتل عثمان هل شهده أحد من أصحاب رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،فقال:نعم شهده ثمانمائة.و كيف يقال إن القوم كانوا كارهين،و هؤلاء المصريون كانوا يغدون إلى كل واحد منهم،و يروحون و يشاورونه فيما يصنعونه،و هذا عبد الرحمن بن عوف،و هو عاقد الأمر لعثمان و جالبه إليه،و مصيره في يده يقول على ما رواه الواقدي،و قد ذكر له عثمان في مرضه الذي مات فيه عاجلوه قبل أن يتمادى في ملكه،فبلغ ذلك عثمان،فبعث إلى بئر كان عبد الرحمن يسقي منها نعمه فمنع منها،و وصى عبد الرحمن ألا يصلي عليه عثمان،فصلى عليه الزبير أو سعد بن أبي وقاص،و قد كان حلف لما تتابعت أحداث عثمان ألا يكلمه أبدا.و روى الواقدي قال:لما توفي أبو ذر بالربذة تذاكر أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،و عبد الرحمن فعل عثمان،فقال أمير المؤمنين(عليه‌السلام )له:هذا عملك فقال عبد الرحمن،فإذا شئت فخذ سيفك و آخذ سيفي إنه خالف ما أعطاني.فأما محمد بن مسلمة،فإنه أرسل إليه عثمان يقول له عند قدوم المصريين في الدفعة الثانية،اردد عني،فقال:لا و الله لا أكذب الله في سنة مرتين و إنما عنى بذلك أنه كان أحد من كلم المصريين في الدفعة الأولى،و ضمن لهم عن عثمان الرضا.و في رواية الواقدي أن محمد بن مسلمة كان يموت و عثمان محصور،فيقال له:عثمان مقتول،فيقول:هو قتل نفسه.

٢٨

فأما كلام أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،و طلحة،و الزبير،و عائشة،و جميع الصحابة واحدا واحدا،فلو تعاطينا ذكره لطال به الشرح و من أراد أن يقف على أقوالهم مفصلة،و ما صرحوا به من خلعه و الإجلاب عليه فعليه بكتاب الواقدي،فقد ذكر هو و غيره من ذلك ما لا زيادة عليه.الطعن الثاني:كونه رد الحكم بن أبي العاص إلى المدينة،و قد كان رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )طرده و امتنع أبو بكر من رده،فصار بذلك مخالفا للسنة و لسيرة من تقدمه مدعيا على رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )عاملا بدعواه من غير بينة.قال قاضي القضاةرحمه‌الله ،و جوابنا عن ذلك:أن المروي في الأخبار أنه لما عوتب في ذلك ذكر أنه استأذن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )فيه،و إنما لم يقبل أبو بكر و عمر قوله ؛ لأنه شاهد واحد،و كذلك روي عنهما فكأنهما جعلا ذلك بمنزلة الحقوق التي تختص،فلم يقبلا فيه خبر الواحد،و أجرياه مجرى الشهادة،فلما صار الأمر إليه حكم بعلمه ؛ لأن للحاكم أن يحكم بعلمه في هذا الباب،و في غيره عند شيخينا و لا يفصلان بين حد و حق و لا بين أن يكون العلم قبل الولاية أو حال الولاية،و يقولان إنه أقوى من البينة و الإقرار.و قال شيخنا أبو عليرحمه‌الله تعالى:إنه لا وجه يقطع به على كذب روايته في إذن

٢٩

النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )في رده ،و لا بد من تجويز كونه صادقا ،و في تجويز ذلك كونه معذورا.فإن قيل الحاكم إنما يحكم بعلمه مع زوال التهمة ،و قد كانت التهمة في رد الحكم قوية لقرابته.قيل:الواجب على غيره ألا يتهمه إذا كان لفعله وجه يصح عليه ؛ لأنه قد نصب منصبا يقتضي زوال التهمة عنه ،و حمل أفعاله على الصحة ،و متى طرقنا عليه التهمة أدى إلى بطلان كثير من الأحكام ،و قد قال الشيخ أبو الحسين الخياطرحمه‌الله تعالى إنه لو لم يكن في رده إذن من رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )لجاز أن يكون طريقه الاجتهاد ؛ لأن النفي إذا كان صلاحا في الحال لا يمتنع أن يتغير حكمه باختلاف الأوقات ،و تغير حال المنفي ،و إذا كان لأبي بكر أن يسترد عمر من جيش أسامة للحاجة إليه ،و إن كان قد أمر رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )بنفوذه من حيث تغيرت الحال ،فغير ممتنع مثله في الحكم.اعترض المرتضىرحمه‌الله تعالى على هذا ،فقال:أما دعواه أن عثمان ادعى أن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )أذن في رد الحكم فشي‏ء لم يسمع إلا من قاضي القضاة ،و لا يدرى من أين نقله ،و لا في أي كتاب وجده ،و الذي رواه الناس كلهم خلاف ذلك.روى الواقدي من طرق مختلفة ،و غيره أن الحكم بن أبي العاص لما قدم المدينة بعد الفتح أخرجه النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )إلى الطائف ،و قال لا تساكني في بلد أبدا ،فجاءه عثمان فكلمه فأبى،ثم كان من أبي بكر مثل ذلك،ثم كان من عمر مثل ذلك ،فلما قام عثمان أدخله و وصله و أكرمه ،فمشى في ذلك علي و الزبير ،و طلحة ،و سعد ،و عبد الرحمن بن عوف

٣٠

و عمار بن ياسر حتى دخلوا على عثمان،فقالوا له:إنك قد أدخلت هؤلاء القوم يعنون الحكم و من معه،و قد كان النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )أخرجهم،و إنا نذكرك الله و الإسلام و معادك،فإن لك معادا و منقلبا،و قد أبت ذلك الولاة قبلك،و لم يطمع أحد أن يكلمها فيهم،و هذا شي‏ء نخاف الله فيه عليك،فقال عثمان:إن قرابتهم مني ما تعلمون،و قد كان رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )حيث كلمته أطعمني في أن يأذن لهم،و إنما أخرجهم لكلمة بلغته عن الحكم،و لم يضركم مكانهم شيئا،و في الناس من هو شر منهم،فقال علي(عليه‌السلام ):لا أجد شرا منه و لا منهم،ثم قال:هل تعلم عمر يقول:و الله ليحملن بني أبي معيط على رقاب الناس،و الله إن فعل ليقتلنه،فقال عثمان:ما كان منكم أحد ليكون بينه و بينه من القرابة ما بيني و بينه،و ينال من المقدرة ما نلت إلا قد كان سيدخله،و في الناس من هو شر منه،قال فغضب علي(عليه‌السلام )،و قال:و الله لتأتينا بشر من هذا إن سلمت،و سترى يا عثمان،غب ما تفعل،ثم خرجوا من عنده.و هذا كما ترى خلاف ما ادعاه صاحب المغني ؛ لأن الرجل لما احتفل ادعى أن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )كان أطمعه في رده،ثم صرح بأن رعايته فيه القرابة هي الموجبة لرده و مخالفة الرسول(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و قد روي من طرق مختلفة أن عثمان لما كلم أبا بكر و عمر في رد الحكم أغلظا له و زبراه،و قال له عمر يخرجه رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و تأمرني أن أدخله،و الله لو أدخلته لم آمن أن يقول قائل غير عهد رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و الله لأن أشق باثنتين كما تشق الأبلمة أحب إلى من أن أخالف لرسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )أمرا،و إياك يا ابن عفان،أن تعاودني فيه بعد اليوم و ما رأينا

٣١

عثمان.قال في جواب هذا التعنيف و التوبيخ من أبي بكر و عمر:إن عندي عهدا من رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )فيه لا أستحق معه عتابا و لا تهجينا،و كيف تطيب نفس مسلم موقر لرسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )معظم له أن يأتي إلى عدو رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )مصرح بعداوته و الوقيعة فيه،حتى بلغ به الأمر إلى أن كان يحكى مشيته طرده رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و أبعده و لعنه،حتى صار مشهورا بأنه طريد رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )فيكرمه و يرده إلى حيث أخرج منه،و يصله بالمال العظيم إما من مال المسلمين أو من ماله إن هذا لعظيم كبير قبل التصفح و التأمل و التعلل بالتأويل الباطل.فأما قول صاحب المغني إن أبا بكر و عمر لم يقبلا قوله ؛ لأنه شاهد واحد و جعلا ذلك بمنزلة الحقوق التي تخص،فأول ما فيه أنه لم يشهد عندهما بشي‏ء واحد في باب الحكم على ما رواه جميع الناس،ثم ليس هذا من باب الذي يحتاج فيه إلى الشاهدين،بل هو بمنزلة كل ما يقبل فيه أخبار الآحاد و كيف يجوز أن يجري أبو بكر و عمر مجرى الحقوق ما ليس منها،و قوله لا بد من تجويز كونه صادقا في روايته ؛ لأن القطع على كذب روايته لا سبيل إليه ليس بشي‏ء ؛ لأنا قد بينا أنه لم يرو عن الرسول(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )إذنا إنما ادعى أنه أطمعه في ذلك،و إذا جوزنا كونه صادقا في هذه الرواية بل قطعنا على صدقه لم يكن معذورا.فأما قوله:الواجب على غيره ألا يتهمه إذا كان لفعله وجه يصح عليه لانتصابه منصبا يزيل التهمة،فأول ما فيه أن الحاكم لا يجوز أن يحكم بعلمه مع التهمة،و التهمة قد تكون لها أمارات و علامات فما وقع منها عن أمارات و أسباب تتهم في العادة كان مؤثرا،و ما لم يكن كذلك فلا تأثير له و الحكم هو عم عثمان و قريبه و نسيبه و من

٣٢

قد تكلم في رده مرة بعد أخرى،و لوال بعد وال،و هذه كلها أسباب التهمة،فقد كان يجب أن يتجنب الحكم بعلمه في هذا الباب خاصة لتطرق التهمة إليه.فأما ما حكاه عن أبي الحسين الخياط من أن الرسول(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )لو لم يأذن في رده لجاز أن يرده إذا أداه اجتهاده إلى ذلك ؛ لأن الأحوال قد تتغير فظاهر البطلان ؛ لأن الرسول(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )إذا حظر شيئا أو أباحه لم يكن لأحد أن يجتهد في إباحة المحظور أو حظر المباح،و من يجوز الاجتهاد في الشريعة لا يقدم على مثل هذا ؛ لأنه إنما يجوز عندهم فيما لا نص فيه و لو سوغنا الاجتهاد في مخالفة ما تناوله النص لم يؤمن أن يؤدي اجتهاد مجتهد إلى تحليل الخمر،و إسقاط الصلاة بأن تتغير الحال،و هذا هدم للشريعة،فأما الاستشهاد باسترداد عمر من جيش أسامة،فالكلام في الأمرين واحد.الطعن الثالث:أنه كان يؤثر أهل بيته بالأموال العظيمة التي هي عدة المسلمين،نحو ما روي أنه دفع إلى أربعة أنفس من قريش زوجهم بناته أربعمائة ألف دينار،و أعطى مروان مائة ألف عند فتح إفريقية،و يروى خمس إفريقية و غير ذلك،و هذا بخلاف سيرة من تقدمه في القسمة على الناس بقدر الاستحقاق،و إيثار الأباعد على الأقارب.قال قاضي القضاة و جوابنا عن ذلك أن من الظاهر المشهور أن عثمان كان عظيم اليسار كثير المال،فلا يمتنع أن يكون إنما أعطى أهل بيته من ماله،و إذا احتمل ذلك وجب حمله على الصحة.و قد قال شيخنا أبو عليرحمه‌الله تعالى أن الذي روي من دفعه إلى ثلاثة نفر من قريش زوجهم بناته إلى كل واحد منهم مائة ألف دينار،إنما هو من ماله و لا رواية

٣٣

تصح أنه أعطاهم ذلك من بيت المال و لو صح ذلك لكان لا يمتنع أن يكون أعطاهم من بيت المال ليرد عوضه من ماله ؛ لأن للإمام عند الحاجة أن يفعل ذلك كما له أن يقرض غيره.و قال شيخنا أبو علي أيضا أن ما روي من دفعه خمس إفريقية لما فتحت إلى مروان ليس بمحفوظ و لا منقول على وجه يجب قبوله و إنما يرويه من يقصد التشنيع و قد قال الشيخ أبو الحسين الخياط أن ابن أبي سرح لما غزا البحر و معه مروان في الجيش ففتح الله عليهم و غنموا غنيمة عظيمة اشترى مروان من ابن أبي سرح الخمس بمائة ألف و أعطاه أكثرها ثم قدم على عثمان بشيرا بالفتح و قد كانت قلوب المسلمين تعلقت بأمر ذلك الجيش فرأى عثمان أن يهب له ما بقي عليه من المال و للإمام فعل مثل ذلك ترغيبا في مثل هذه الأمور.قال و هذا الصنع كان منه في السنة الأولى من إمامته و لم يبرأ أحد منه فيها فلا وجه للتعلق بذلك.و ذكر أبو الحسين الخياط أيضا فيما أعطاه أقاربه أنه وصلهم لحاجتهم فلا يمتنع مثله في الإمام إذا رآه صلاحا و ذكر في إقطاعه القطائع لبني أمية أن الأئمة قد تحصل في أيديهم الضياع لا مالك لها و يعلمون أنها لا بد فيها ممن يقوم بإصلاحها و عمارتها و يؤدى عنها ما يجب من الحق فله أن يصرف من ذلك إلى من يقوم به و له أيضا أن يهد بعضها على بعض بحسب ما يعلم من الصلاح و التألف و طريق ذلك الاجتهاد.اعترض المرتضىرحمه‌الله تعالى هذا الكلام فقال أما قوله يجوز أن يكون إنما أعطاهم من ماله فالرواية بخلاف ذلك و قد صرح الرجل بأنه كان يعطي من بيت المال

٣٤

صلة لرحمه و لما عوتب على ذلك لم يعتذر عنه بهذا الضرب من العذر و لا قال إن هذه العطايا من مالي فلا اعتراض لأحد فيها روى الواقدي بإسناده عن المسور بن عتبة قال سمعت عثمان يقول إن أبا بكر و عمر كانا يتأولان في هذا المال ظلف أنفسهما و ذوي أرحامهما و إني تأولت فيه صلة رحمي.و روي عنه أيضا أنه كان بحضرته زياد بن عبيد مولى الحارث بن كلدة الثقفي و قد بعث إليه أبو موسى بمال عظيم من البصرة فجعل عثمان يقسمه بين ولده و أهله بالصحاف فبكى زياد فقال لا تبك فإن عمر كان يمنع أهله و ذوي قرابته ابتغاء وجه الله و أنا أعطي أهلي و ولدي و قرابتي ابتغاء وجه الله.و قد روي هذا المعنى عنه من عدة طرق بألفاظ مختلفة.و روى الواقدي أيضا بإسناده قال قدمت إبل من إبل الصدقة على عثمان فوهبها للحارث بن الحكم بن أبي العاص و روى أيضا أنه ولى الحكم بن أبي العاص صدقات قضاعة فبلغت ثلاثمائة ألف فوهبها له حين أتاه بها و روى أبو مخنف و الواقدي أن الناس أنكروا على عثمان إعطاء سعيد بن العاص مائة ألف و كلمه علي و الزبير و طلحة و سعد و عبد الرحمن في ذلك فقال إن له قرابة و رحما قالوا فما كان لأبي بكر و عمر قرابة و ذوو رحم فقال إن أبا بكر و عمر كان يحتسبان في منع قرابتهما و أنا أحتسب في إعطاء قرابتي قالوا فهديهما و الله أحب إلينا من هديك.و روى أبو مخنف أن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية قدم على عثمان من مكة و معه ناس فأمر لعبد الله بثلاثمائة ألف و لكل واحد من القوم بمائة ألف

٣٥

و صك بذلك على عبد الله بن الأرقم و كان خازن بيت المال فاستكثره و رد الصك به و يقال إنه سأل عثمان أن يكتب عليه بذلك كتابا فأبى و امتنع ابن الأرقم أن يدفع المال إلى القوم فقال له عثمان إنما أنت خازن لنا فما حملك على ما فعلت فقال ابن الأرقم كنت أراني خازن المسلمين و إنما خازنك غلامك و الله لا إلي لك بيت المال أبدا و جاء بالمفاتيح فعلقها على المنبر و يقال بل ألقاها إلى عثمان فرفعها إلى نائل مولاه.و روى الواقدي أن عثمان أمر زيد بن ثابت أن يحمل من بيت مال المسلمين إلى عبد الله بن الأرقم في عقيب هذا الفعل ثلاثمائة ألف درهم فلما دخل بها عليه قال له يا أبا محمد إن أمير المؤمنين أرسل إليك يقول إنا قد شغلناك عن التجارة و لك ذوو رحم أهل حاجة ففرق هذا المال فيهم و استعن به على عيالك فقال عبد الله بن الأرقم:ما لي إليه حاجة و ما عملت ؛ لأن يثيبني عثمان و الله إن كان هذا من بيت مال المسلمين ما بلغ قدر عملي أن أعطى ثلاثمائة ألف و لئن كان من مال عثمان ما أحب أن أرزأه من ماله شيئا و ما في هذه الأمور أوضح من أن يشار إليه و ينبه عليه.فأما قوله و لو صح أنه أعطاهم من بيت المال لجاز أن يكون ذلك على طريق القرض فليس بشي‏ء ؛ لأن الروايات أولا تخالف ما ذكره و قد كان يجب لما نقم عليه وجوه الصحابة إعطاء أقاربه من بيت المال أن يقول لهم هذا على سبيل القرض و أنا أرد عوضه و لا يقول ما تقدم ذكره من أنني أصل به رحمي على أنه ليس للإمام أن يقترض من بيت مال المسلمين إلا ما ينصرف في مصلحة لهم مهمة يعود عليهم نفعها أو في سد خلة و فاقة لا يتمكنون من القيام بالأمر معها فأما أن يقرض المال ليتسع به

٣٦

و يمرح فيه مترفي بني أمية و فساقهم فلا أحد يجيز ذلك.فأما قوله حاكيا عن أبي علي إن دفعه خمس إفريقية إلى مروان ليس بمحفوظ و لا منقول فباطل ؛ لأن العلم بذلك يجري مجرى العلم بسائر ما تقدم و من قرأ الأخبار علم ذلك على وجه لا يعترض فيه شك كما يعلم نظائره.روى الواقدي عن أسامة بن زيد عن نافع مولى الزبير عن عبد الله بن الزبير قال أغزانا عثمان سنة سبع و عشرين إفريقية فأصاب عبد الله بن سعد بن أبي سرح غنائم جليلة فاعطى عثمان مروان بن الحكم تلك الغنائم و هذا كما ترى يتضمن الزيادة على إعطاء الخمس و يتجاوزه إلى إعطاء الأصل.و روى الواقدي عن عبد الله بن جعفر عن أم بكر بنت المسور قالت لما بنى مروان داره بالمدينة دعا الناس إلى طعامه و كان المسور ممن دعاه فقال مروان و هو يحدثهم و الله ما أنفقت في داري هذه من مال المسلمين درهما فما فوقه فقال المسور لو أكلت طعامك و سكت كان خيرا لك لقد غزوت معنا إفريقية و إنك لأقلنا مالا و رقيقا و أعوانا و أخفنا ثقلا فأعطاك ابن عمك خمس إفريقية و عملت على الصدقات فأخذت أموال المسلمين.و روى الكلبي عن أبيه عن أبي مخنف أن مروان ابتاع خمس إفريقية بمائتي ألف درهم و مائتي ألف دينار و كلم عثمان فوهبها له فأنكر الناس ذلك على عثمان و هذا بعينه هو الذي اعترف به أبو الحسين الخياط و اعتذر عنه بأن قلوب المسلمين تعلقت بأمر ذلك الجيش فرأى عثمان أن يهب لمروان ثمن ما ابتاعه من الخمس لما جاءه بشيرا بالفتح على سبيل الترغيب و هذا الاعتذار ليس بشي‏ء لأن الذي رويناه من الأخبار في هذا الباب خال من البشارة و إنما يقتضي أنه سأله ترك ذلك عليه فتركه و ابتدأ هو بصلته و لو أتى بشيرا بالفتح كما ادعوا لما جاز أن يترك عليه خمس الغنيمة العائد نفعه على المسلمين،

٣٧

لأن تلك البشارة لا تبلغ إلى أن يستحق البشير بها مائتي ألف درهم و لا اجتهاد في مثل هذا و لا فرق بين من جوز أن يؤدي الاجتهاد إلى مثله و من جوز أن يؤدي الاجتهاد إلى دفع أصل الغنيمة إلى البشير بها و من ارتكب ذلك ألزم جواز أن يؤدي الاجتهاد إلى إعطاء هذا البشير جميع أموال المسلمين في الشرق و الغرب.فأما قوله إنه وصل بني عمه لحاجتهم و رأى في ذلك صلاحا فقد بينا أن صلاته لهم كانت أكثر مما تقتضيه الخلة و الحاجة و أنه كان يصل فيهم المياسير،ثم الصلاح الذي زعم أنه رآه لا يخلو إما أن يكون عائدا على المسلمين أو على أقاربه فإن كان على المسلمين فمعلوم ضرورة أنه لا صلاح لأحد من المسلمين في إعطاء مروان مائتي ألف دينار و الحكم بن أبي العاص ثلاثمائة ألف درهم و ابن أسيد ثلاثمائة ألف درهم إلى غير ما ذكرنا بل على المسلمين في ذلك غاية الضرر و إن أراد الصلاح الراجع إلى الأقارب فليس له أن يصلح أمر أقاربه بفساد أمر المسلمين و ينفعهم بما يضر به المسلمين.و أما قوله:إن القطائع التي أقطعها بني أمية إنما أقطعهم إياها لمصلحة تعود على المسلمين ؛ لأن تلك الضياع كانت خرابا لا عامر لها فسلمها إلى من يعمرها و يؤدي الحق عنه فأول ما فيه أنه لو كان الأمر على ما ذكره و لم تكن هذه القطائع على سبيل الصلة و المعونة لأقاربه لما خفي ذلك على الحاضرين و لكانوا لا يعدون ذلك من مثالبه و لا يواقفونه عليه في جملة ما واقفوه عليه من أحداثه،ثم كان يجب لو فعلوا ذلك أن يكون جوابه بخلاف ما روي من جوابه ؛ لأنه كان يجب أن يقول لهم و أي منفعة في هذه القطائع عائدة على قرابتي حتى تعدوا ذلك من جملة صلاتي لهم و إيصالي المنافع إليهم و إنما جعلتهم فيها بمنزلة الأكرة الذين ينتفع بهم أكثر من انتفاعهم أنفسهم و ما كان

٣٨

يجب أن يقول ما تقدمت روايته من أني محتسب في إعطاء قرابتي و أن ذلك على سبيل الصلة لرحمي إلى غير ذلك مما هو خال من المعنى الذي ذكره.الطعن الرابع إنه حمى الحمى عن المسلمين مع أن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )جعلهم سواء في الماء و الكلأ.قال قاضي القضاة و جوابنا عن ذلك إنه لم يحم الكلأ لنفسه و لا استأثر به لكنه حماه لإبل الصدقة التي منفعتها تعود على المسلمين و قد روي عنه هذا الكلام بعينه و أنه قال إنما فعلت ذلك لإبل الصدقة و قد أطلقته الآن و أنا أستغفر الله و ليس في الاعتذار ما يزيد عن ذلك.اعترض المرتضىرحمه‌الله تعالى هذا الكلام فقال:أما أولا فالمروي بخلاف ما ذكر ؛ لأن الواقدي روى بإسناده قال كان عثمان يحمي الربذة و الشرف و البقيع فكان لا يدخل الحمى بعير له و لا فرس و لا لبني أمية حتى كان آخر الزمان فكان يحمي الشرف لإبله و كانت ألف بعير و لإبل الحكم بن أبي العاص و يحمي الربذة لإبل الصدقة و يحمي البقيع لخيل المسلمين و خيله و خيل بني أمية.قال على أنه لو كان إنما حماه لإبل الصدقة لم يكن بذلك مصيبا ؛ لأن الله تعالى و رسوله أباحا الكلأ و جعلاه مشتركا فليس لأحد أن يغير هذه الإباحة و لو كان

٣٩

في هذا الفعل مصيبا و أنه إنما حماه لمصلحة تعود على المسلمين لما جاز أن يستغفر الله منه و يعتذر ؛ لأن الاعتذار إنما يكون من الخطإ دون الصواب.الطعن الخامس إنه أعطى من بيت مال الصدقة المقاتلة و غيرها و ذلك مما لا يحل في الدين قال قاضي القضاة و جوابنا عن ذلك أنه إنما جاز له ذلك لعلمه بحاجة المقاتلة و استغناء أهل الصدقة ففعل ذلك على سبيل الإفراض و قد فعل رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )مثله و للإمام في مثل هذه الأمور أن يفعل ما جرى هذا المجرى ؛ لأن عند الحاجة ربما يجوز له أن يقترض من الناس فأن يجوز له أن يتناول من مال في يده ليرد عوضه من المال الآخر أولى.اعترض المرتضىرحمه‌الله تعالى هذا الكلام،فقال:إن المال الذي جعل الله تعالى له جهة مخصوصة لا يجوز أن يعدل به عن جهته بالاجتهاد و لو كانت المصلحة في ذلك موقوفة على الحاجة لشرطها الله تعالى في هذا الحكم لأنه سبحانه أعلم بالمصالح و اختلافها منا و لكان لا يجعل لأهل الصدقة منها القسط مطلقا.و أما قوله إن الرسول(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )فعل مثله فهي دعوى مجردة من برهان و قد كان يجب أن يروي ما ذكر في ذلك و أما ما ذكره من الاقتراض فأين كان عثمان عن هذا العذر لما ووقف عليه.الطعن السادس أنه ضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر بعض أضلاعه

٤٠

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351