كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 351
المشاهدات: 50839
تحميل: 7649


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50839 / تحميل: 7649
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 3

مؤلف:
العربية

اسم أبيك فانظر بمل‏ء عينيك و أنطق بمل‏ء فيك فأنت المأمون المصدق فاصعد المنبر و اشتم عليا و اشهد عليه أنه قتل عثمان.فقال أيها الأمير أما شتمه فإن أباه أبو طالب و أمه فاطمة بنت أسد بن هاشم فما عسى أن أقول في حسبه و أما بأسه فهو الشجاع المطرق و أما أيامه فما قد عرفت و لكني ملزمه دم عثمان فقال عمرو بن العاص قد و أبيك إذن نكأت القرحة.فلما خرج عبيد الله بن عمر قال معاوية أما و الله لو لا قتله الهرمزان و مخافته عليا على نفسه ما أتانا أبدا أ لا ترى إلى تقريظه عليا فقال عمرو يا معاوية إن لم تغلب فاخلب قال و خرج حديثهما إلى عبيد الله فلما قام خطيبا تكلم بحاجته فلما انتهى إلى أمر علي أمسك و لم يقل شيئا فلما نزل بعث إليه معاوية يا ابن أخي إنك بين عي و خيانة فبعث إليه إني كرهت أن أقطع الشهادة على رجل لم يقتل عثمان و عرفت أن الناس محتملوها عني فتركتها.قال فهجره معاوية و استخف به و فسقه فقال عبيد الله:

معاوي لم أحرض بخطبة خاطب

و لم أك عيا في لؤي بن غالب

و لكنني زاولت نفسا أبية

على قذف شيخ بالعراقين غائب

و قذفي عليا بابن عفان جهرة

كذاب و ما طبي سجايا المكاذب

و لكنه قد قرب القوم جهده

و دبوا حواليه دبيب العقارب

فما قال أحسنتم و لا قد أسأتم

و أطرق إطراق الشجاع المواثب

١٠١

فأما ابن عفان فأشهد أنه

أصيب بريئا لابسا ثوب تائب

و قد كان فيها للزبير عجاجة

و طلحة فيها جاهد غير لاعب

و قد أظهرا من بعد ذلك توبة

فيا ليت شعري ما هما في العواقب

قال فلما بلغ معاوية شعره بعث إليه فأرضاه و قال حسبي هذا منك.و روى نصر عن عبيد الله بن موسى قال سمعت سفيان بن سعيد المعروف بسفيان الثوري يقول ما أشك أن طلحة و الزبير بايعا عليا و ما نقما عليه جورا في حكم و لا استئثارا بفي‏ء و ما قاتل عليا أحد إلا و علي أولى بالحق منه.و روى نصر بن مزاحم أن عليا ع قدم من البصرة في غرة شهر رجب من سنة ست و ثلاثين إلى الكوفة و أقام بها سبعة عشر شهرا تجري الكتب بينه و بين معاوية و عمرو بن العاص حتى سار إلى الشام.قال نصر و قد روي من طريق أبي الكنود و غيره أنه قدم الكوفة بعد وقعة الجمل لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر رجب سنة ست و ثلاثين.

قال نصر فدخل الكوفة و معه أشراف الناس من أهل البصرة و غيرهم فاستقبله أهل الكوفة و فيهم قراؤهم و أشرافهم فدعوا له بالبركة و قالوا يا أمير المؤمنين أين تنزل أ تنزل القصر قال لا و لكني أنزل الرحبة فنزلها و أقبل حتى دخل المسجد الأعظم فصلى فيه ركعتين ثم صعد المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على رسوله ثم قال

١٠٢

أما بعد يا أهل الكوفة فإن لكم في الإسلام فضلا ما لم تبدلوا و تغيروا دعوتكم إلى الحق فأجبتم و بدأتم بالمنكر فغيرتم ألا إن فضلكم فيما بينكم و بين الله فأما في الأحكام و القسم فأنتم أسوة غيركم ممن أجابكم و دخل فيما دخلتم فيه ألا إن أخوف ما أخاف عليكم اتباع الهوى و طول الأمل أما اتباع الهوى فيصد عن الحق و أما طول الأمل فينسي الآخرة ألا إن الدنيا قد ترحلت مدبرة و إن الآخرة قد ترحلت مقبلة و لكل واحدة منهما بنون فكونوا من أبناء الآخرة اليوم عمل و لا حساب و غدا حساب و لا عمل الحمد لله الذي نصر وليه و خذل عدوه و أعز الصادق المحق و أذل الناكث المبطل عليكم بتقوى الله و طاعة من أطاع الله من أهل بيت نبيكم الذين هم أولى بطاعتكم فيما أطاعوا الله فيه من المستحلين المدعين المقابلين إلينا يتفضلون بفضلنا و يجاحدوننا أمرنا و ينازعوننا حقنا و يباعدوننا عنه فقد ذاقوا وبال ما اجترحوا فسوف يلقون غيا ألا إنه قد قعد عن نصرتي رجال منكم و أنا عليهم عاتب زار فاهجروهم و أسمعوهم ما يكرهون حتى يعتبوا ليعرف بذلك حزب الله عند الفرقة فقام إليه مالك بن حبيب اليربوعي و كان صاحب شرطته فقال و الله إني لأرى الهجر و سماع المكروه لهم قليلا و الله لو أمرتنا لنقتلنهم فقال علي ع سبحان الله يا مال جزت المدى و عدوت الحد فأغرقت في النزع فقال يا أمير المؤمنين لبعض الغشم أبلغ في أمر ينوبك من مهادنة الأعادي فقال علي ع ليس هكذا قضى الله يا مال قال سبحانه( اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ ) فما بال ذكر الغشم

١٠٣

و قال تعالى( وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي اَلْقَتْلِ ) و الإسراف في القتل أن تقتل غير قاتلك فقد نهى الله عنه و ذاك هو الغشم فقام إليه أبو بردة بن عوف الأزدي و كان ممن تخلف عنه فقال يا أمير المؤمنين أ رأيت القتلى حول عائشة و طلحة و الزبير علام قتلوا أو قال بم قتلوا فقال علي ع قتلوا بما قتلوا شيعتي و عمالي و قتلوا أخا ربيعة العبدي في عصابة من المسلمين قالوا إنا لا ننكث كما نكثتم و لا نغدر كما غدرتم فوثبوا عليهم فقتلوهم فسألتهم أن يدفعوا إلي قتلة إخواني أقتلهم بهم ثم كتاب الله حكم بيني و بينهم فأبوا علي و قاتلوني و في أعناقهم بيعتي و دماء قريب من ألف رجل من شيعتي فقتلتهم أ في شك أنت من ذلك فقال قد كنت في شك فأما الآن فقد عرفت و استبان لي خطأ القوم و أنك المهتدي المصيب.قال نصر و كان أشياخ الحي يذكرون أنه كان عثمانيا و قد شهد على ذلك صفين مع علي ع و لكنه بعد ما رجع كان يكاتب معاوية فلما ظهر معاوية أقطعه قطيعة بالفلوجة و كان عليه كريما.قال ثم إن عليا ع تهيأ لينزل و قام رجال ليتكلموا فلما رأوه نزل جلسوا و سكتوا.قال و نزل علي ع بالكوفة على جعدة بن هبيرة المخزومي.قلت جعدة ابن أخته أم هانئ بنت أبي طالب كانت تحت هبيرة بن أبي وهب المخزومي فأولدها جعدة و كان شريفا.

١٠٤

قال نصر و لما قدم علي ع إلى الكوفة نزل على باب المسجد فدخل فصلى ثم تحول فجلس إليه الناس فسأل عن رجل من الصحابة كان نزل الكوفة فقال قائل استأثر الله به

فقال علي ع إن الله تبارك و تعالى لا يستأثر بأحد من خلقه إنما أراد الله جل ذكره بالموت إعزاز نفسه و إذلال خلقه و قرأ( كُنْتُمْ أَمْواتاً فَأَحْياكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يُحْيِيكُمْ ) قال نصر فلما لحقه ع ثقله قالوا أ ننزل القصر فقال قصر الخبال لا تنزلوا فيه.

قال نصر و دخل سليمان بن صرد الخزاعي على علي ع مرجعه من البصرة فعاتبه و عذله و قال له ارتبت و تربصت و راوغت و قد كنت من أوثق الناس في نفسي و أسرعهم فيما أظن إلى نصرتي فما قعد بك عن أهل بيت نبيك و ما زهدك في نصرتهم فقال يا أمير المؤمنين لا تردن الأمور على أعقابها و لا تؤنبني بما مضى منها و استبق مودتي تخلص لك نصيحتي فقد بقيت أمور تعرف فيها عدوك من وليك فسكت عنه و جلس سليمان قليلا ثم نهض فخرج إلى الحسن بن علي ع و هو قاعد في باب المسجد فقال أ لا أعجبك من أمير المؤمنين و ما لقيت منه من التوبيخ و التبكيت فقال الحسن إنما يعاتب من ترجى مودته و نصيحته فقال لقد وثبت أمور ستشرع فيها القنا و تنتضى فيها السيوف و يحتاج فيها إلى أشباهي فلا

١٠٥

تستغشوا عتبي و لا تتهموا نصحي،فقال الحسن رحمك الله ما أنت عندنا بظنين ،قال نصر:و دخل عليه سعيد بن قيس الأزدي فسلم عليه،فقال:و عليك السلام و إن كنت من المتربصين،قال:حاش لله يا أمير المؤمنين،فإني لست من أولئك،فقال لعل الله فعل ذلك.قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد،قال:حدثنا يحيى بن سعيد،عن محمد بن مخنف قال:دخلت مع أبي على علي(عليه‌السلام )مقدمه من البصرة،و هو عام بلغت الحلم،فإذا بين يديه رجال يؤنبهم و يقول لهم ما أبطأ بكم عني،و أنتم أشراف قومكم و الله إن كان من ضعف النية و تقصير البصيرة،إنكم لبور و إن كان من شك في فضلي و مظاهرة علي إنكم لعدو.فقالوا:حاش لله يا أمير المؤمنين،نحن سلمك و حرب عدوك،ثم اعتذر القوم فمنهم من ذكر عذرا،و منهم من اعتل بمرض،و منهم من ذكر غيبة فنظرت إليهم فعرفتهم،فإذا عبد الله المعتم العبسي،و حنظلة بن الربيع التميمي و كلاهما كانت له صحبة،و إذا أبو بردة بن عوف الأزدي،و إذا غريب بن شرحبيل الهمداني.قال و نظر علي(عليه‌السلام )إلى أبي،فقال:و لكن مخنف بن مسلم و قومه لم يتخلفوا و لم يكن مثلهم كمثل القوم الذين قال الله تعالى فيهم:( وَ إِنَّ مِنْكُمْ لَمَنْ لَيُبَطِّئَنَّ فَإِنْ

١٠٦

أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قالَ قَدْ أَنْعَمَ اَللَّهُ عَلَيَّ إِذْ لَمْ أَكُنْ مَعَهُمْ شَهِيداً وَ لَئِنْ أَصابَكُمْ فَضْلٌ مِنَ اَللَّهِ لَيَقُولَنَّ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُ مَوَدَّةٌ يا لَيْتَنِي كُنْتُ مَعَهُمْ فَأَفُوزَ فَوْزاً عَظِيماً ) .قال نصر:ثم إن عليا(عليه‌السلام )مكث بالكوفة،فقال الشني في ذلك [ شن بن عبد القيس ]:

قل لهذا الإمام قد خبت الحرب

و تمت بذلك النعماء

و فرغنا من حرب من نقض العهد

و بالشام حية صماء

تنفث السم ما لمن نهشته

فارمها قبل أن تعض شفاء

إنه و الذي يحج له الناس

و من دون بيته البيداء

لضعيف النخاع إن رمي اليوم

بخيل كأنها أشلاء

تتبارى بكل أصيد كالفحل

بكفيه صعدة سمراء

إن تذره فما معاوية الدهر

بمعطيك ما أراك تشاء

و لنيل السماء أقرب من ذاك

و نجم العيوق و العواء

فأعد بالحد و الحديد إليهم

ليس و الله غير ذاك دواء

١٠٧

قال نصر و أتم علي(عليه‌السلام )صلاته يوم دخل الكوفة،فلما كانت الجمعة خطب الناس،فقال:(الحمد لله الذي أحمده،و أستعينه و أستهديه،و أعوذ بالله من الضلالة من يهد الله فلا مضل له،و من يضلل فلا هادي له،و أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،و أشهد أن محمدا عبده و رسوله انتجبه لأمره و اختصه بنبوته،أكرم خلقه عليه و أحبهم إليه،فبلغ رسالة ربه و نصح لأمته و أدى الذي عليه أوصيكم بتقوى الله،فإن تقوى الله خير ما تواصى به عباد الله و أقربه إلى رضوان الله،و خيره في عواقب الأمور عند الله،و بتقوى الله أمرتم و للإحسان و الطاعة خلقتم،فاحذروا من الله ما حذركم من نفسه،فإنه حذر بأسا شديدا و اخشوا خشية ليست بتعذير،و اعملوا في غير رياء و لا سمعة،فإنه من عمل لغير الله وكله الله إلى ما عمل له،و من عمل لله مخلصا تولى الله أجره،أشفقوا من عذاب الله،فإنه لم يخلقكم عبثا،و لم يترك شيئا من أمركم سدى،قد سمى آثاركم،و علم أعمالكم،و كتب آجالكم،فلا تغتروا بالدنيا،فإنها غرارة لأهلها مغرور من اغتر بها و إلى فناء ما هي،و إن الآخرة هي دار الحيوان لو كانوا يعلمون،أسأل الله منازل الشهداء،و مرافقة الأنبياء،و معيشة السعداء،فإنما نحن به و له).قال نصر:ثم استعمل علي(عليه‌السلام )العمال و فرقهم في البلاد و كتب إلى معاوية مع جرير بن عبد الله البجلي ما تقدم ذكره

١٠٨

قال نصر:و قال معاوية لعمرو بن العاص أيام كان جرير عنده ينتظر جوابه إنني قد رأيت أن نلقي إلى أهل مكة و أهل المدينة كتابا نذكر فيه أمر عثمان،فإما أن ندرك به حاجتنا أو نكف القوم عنا،فقال له عمرو:إنما تكتب إلى ثلاثة نفر رجل راض بعلي فلا يزيده كتابك إلا بصيرة فيه،أو رجل يهوي عثمان فلن يزيده كتابك على ما هو عليه،أو رجل معتزل فلست في نفسه بأوثق من علي.قال علي:ذاك فكتبا أما بعد،فإنه مهما غاب عنا من الأمور فلم يغب عنا أن عليا قتل عثمان،و الدليل على ذلك مكان قتلته منه،و إنما نطلب قتلته حتى يدفعوا إلينا فنقتلهم بكتاب الله عز و جل،فإن دفعهم علي إلينا كففنا عنه و جعلناها شورى بين المسلمين على ما جعلها عليه عمر بن الخطاب،فأما الخلافة فلسنا نطلبها،فأعينونا على أمرنا هذا،و انهضوا من ناحيتكم،فإن أيدينا و أيديكم إذا اجتمعت على أمر واحد هاب علي ما هو فيه و السلام.فكتب إليهما عبد الله بن عمر:أما بعد،فلعمري لقد أخطأتما موضع النصرة و تناولتماها من مكان بعيد،و ما زاد الله من شك في هذا الأمر بكتابكما إلا شكا،و ما أنتما و المشورة،و ما أنتما و الخلافة،أما أنت يا معاوية،فطليق،و أما أنت يا عمرو فظنين،ألا فكفا أنفسكما فليس لكم فينا ولي و لا نصير و السلام.قال نصر:و كتب رجل من الأنصار إليهما مع كتاب عبد الله بن عمر

١٠٩

معاوي إن الحق أبلج واضح

و ليس بما ربصت أنت و لا عمرو

نصبت ابن عفان لنا اليوم خدعة

كما نصب الشيخان إذ قضي الأمر

يعني طلحة و الزبير رحمهما الله:

فهذا كهذاك البلا حذو نعله

سواء كرقراق يرغر به السفر

رميتم عليا بالذي لا يضيره

و إن عظمت فيه المكيدة و المكر

و ما ذنبه إن نال عثمان معشر

أتوه من الأحياء تجمعهم مصر

فثار إليه المسلمرون ببيعة

علانية ما كان فيها لهم قسر

و بايعه الشيخان ثم تحملا

إلى العمرة العظمى و باطنها الغدر

فكان الذي قد كان مما اقتصاصه

يطول فيا لله ما أحدث الدهر

و ما أنتما و النصر منا و أنتما

بعيثا حروب ما يبوخ لها جمر

و ما أنتما لله در أبيكما

و ذكركما الشورى و قد وضح الفجر

قال نصر:و قام عدي بن حاتم الطائي إلى علي(عليه‌السلام ):فقال يا أمير المؤمنين،إن عندي رجلا لا يوازى به رجل و هو يريد أن يزور ابن عمه حابس بن سعد الطائي بالشام،فلو أمرناه أن يلقى معاوية لعله أن يكسره و يكسر أهل الشام،فقال علي

١١٠

(عليه‌السلام ):نعم،فأمره عدي بذلك،و كان اسم الرجل خفاف بن عبد الله.فقدم على ابن عمه حابس بن سعد بالشام و حابس سيد طي‏ء بها،فحدث خفاف حابسا أنه شهد عثمان بالمدينة،و سار مع علي إلى الكوفة و كان لخفاف لسان و هيئة و شعر،فغدا حابس بخفاف إلى معاوية،فقال:إن هذا ابن عم لي قدم الكوفة مع علي،و شهد عثمان بالمدينة و هو ثقة،فقال له معاوية:هات حدثنا عن عثمان،فقال:نعم،حصره المكشوح و حكم فيه حكيم،و وليه عمار و تجرد في أمره ثلاثة نفر:عدي بن حاتم،و الأشتر النخعي،و عمرو بن الحمق،و جد في أمره رجلان:و طلحة،و الزبير،و أبرأ الناس منه علي قال:ثم مه.قال:ثم تهافت الناس على علي بالبيعة تهافت الفراش،حتى ضاعت النعل و سقط الرداء،و وطئ الشيخ و لم يذكر عثمان و لم يذكر له،ثم تهيأ للمسير و خف معه المهاجرون و الأنصار،و كره القتال معه ثلاثة نفر:سعد بن مالك،و عبد الله بن عمر و محمد بن مسلمة،فلم يستكره أحدا و استغنى بمن خف معه عمن ثقل،ثم سار حتى أتى جبل طي‏ء فأتته منا جماعة كان ضاربا بهم الناس،حتى إذا كان ببعض الطريق أتاه مسير طلحة و الزبير و عائشة إلى البصرة،فسرح رجالا إلى الكوفة يدعونهم،فأجابوا دعوته فسار إلى البصرة،فإذا هي في كفه،ثم قدم الكوفة فحمل إليه الصبي،و دبت إليه العجوز،و خرجت إليه العروس فرحا به و شوقا إليه و تركته،و ليس له همة إلا الشام.فذعر معاوية من قوله و قال حابس:أيها الأمير،لقد أسمعني شعرا غير به حالي في عثمان و عظم به عليا عندي.

١١١

فقال معاوية:أسمعنيه يا خفاف،فأنشده شعرا أوله:

قلت و الليل ساقط الأكناف

و لجنبي عن الفراش تجاف

يذكر فيه حال عثمان و قتله و فيه إطالة عدلنا عن ذكره...و من جملته:

قد مضى ما مضى و مر به الدهر

كما مر ذاهب الأسلاف

إنني و الذي يحج له الناس

على لحق البطون عجاف

تتبارى مثل القسي من النبع

بشعث مثل السهام نحاف

أرهب اليوم إن أتاكم علي

صيحة مثل صيحة الأحقاف

إنه الليث غاديا و شجاع

مطرق نافث برسم زعاف

واضع السيف فوق عاتقه الأيمن

يفري به شئون القحاف

سوم الخيل ثم قال لقوم

بايعوه إلى الرطعان خفاف

استعدوا لحرب طاغية الشام

فلبوه كاليدين اللطاف

ثم قالوا أنت الجناح لك الريش

القدامى و نحن منه الخوافي

فانظر اليوم قبل بادرة القوم

بسلم تهم أم بخلاف

قال فانكسر معاوية و قال:يا حابس،إني لأظن هذا عينا لعلي أخرجه عنك لئلا يفسد علينا أهل الشام.

١١٢

قال نصر:و حدثنا عطية بن غني عن زياد بن رستم،قال:كتب معاوية إلى عبد الله بن عمر خاصة،و إلى سعد بن أبي وقاص،و إلى محمد بن مسلمة دون كتابه إلى أهل المدينة،فكان كتابه إلى عبد الله بن عمر،أما بعد:فإنه لم يكن أحد من قريش أحب إلي أن يجتمع عليه الناس بعد قتل عثمان منك،ثم ذكرت خذلك إياه و طعنك على أنصاره فتغيرت لك،و قد هون ذلك علي خلافك على علي،و محا عنك بعض ما كان منك،فأعنا رحمك الله على حق هذا الخليفة المظلوم،فإني لست أريد الإمارة عليك و لكني أريدها لك،فإن أبيت كانت شورى بين المسلمين.فأجابه عبد الله بن عمر:أما بعد،فإن الرأي الذي أطمعك في هو الذي صيرك إلى ما صيرك إليه اترك عليا في المهاجرين و الأنصار،و طلحة و الزبير،و عائشة أم المؤمنين،و أتبعك،و أما زعمك أني طعنت على علي فلعمري ما أنا كعلي في الإيمان و الهجرة و مكانه من رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و نكايته في المشركين و لكني عهد إلي في هذا الأمر عهد ففزعت فيه إلى الوقوف،و قلت:إن كان هذا هدى ففضل تركته،و إن كان ضلالا فشر نجوت منه فأغن عنا نفسك و السلام.

١١٣

قال:و كان كتاب معاوية إلى سعد أما بعد،فإن أحق الناس بنصر عثمان أهل الشورى من قريش الذين أثبتوا حقه و اختاروه على غيره،و قد نصره طلحة و الزبير،و هما شريكان في الأمر و نظيراك في الإسلام،و خفت لذلك أم المؤمنين فلا تكرهن ما رضوا و لا تردن ما قبلوا،فإنا نردها شورى بين المسلمين.فأجابه سعد:أما بعد،فإن عمر لم يدخل في الشورى إلا من تحل له الخلافة من قريش،فلم يكن أحد منا أحق بها من صاحبه إلا بإجماعنا عليه إلا أن عليا كان فيه ما فينا،و لم يكن فينا ما فيه،و هذا أمر قد كرهت أوله و كرهت آخره،فأما طلحة و الزبير فلو لزما بيوتهما لكان خيرا لهما،و الله يغفر لأم المؤمنين ما أتت و السلام.قال:و كان كتاب معاوية إلى محمد بن مسلمة:أما بعد،فإني لم أكتب إليك و أنا أرجو مبايعتك،و لكني أردت أن أذكرك النعمة التي خرجت منها و الشك الذي صرت إليه،إنك فارس الأنصار و عدة المهاجرين،و قد ادعيت على رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )أمرا لم تستطع إلا أن تمضي عليه،و هو أنه نهاك عن قتال أهل القبلة أفلا نهيت أهل القبلة عن قتال بعضهم بعضا

١١٤

فقد كان عليك أن تكره لهم ما كره رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،ألم تر عثمان و أهل الدار من أهل القبلة،فأما قومك فقد عصوا الله و خذلوا عثمان،و الله سائلهم و سائلك عما كان يوم القيامة و السلام.قال:فكتب إليه محمد بن مسلمة:أما بعد،فقد اعتزل هذا الأمر من ليس في يده من رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )مثل الذي في يده قد أخبرني رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )بالذي هو كائن قبل أن يكون،فلما كان كسرت سيفي و جلست في بيتي و اتهمت الرأي على الدين إذ لم يصح لي معروف آمر به و لا منكر أنهي عنه،و أما أنت،فلعمري ما طلبت إلا الدنيا،و لا اتبعت إلا الهوى،و إن تنصر عثمان ميتا فقد خذلته حيا و السلام.

مفارقة جرير بن عبد الله البجلي لعلي

قد أتينا على ما أردنا ذكره من حال أمير المؤمنين(عليه‌السلام )مذ قدم من حرب البصرة إلى الكوفة و ما جرى بينه و بين معاوية من المراسلات،و ما جرى بين معاوية و بين غيره من الصحابة من الاستنجاد و الاستصراخ،و ما أجابوه به،و نحن نذكر الآن ما جرى لجرير بن عبد الله عند عوده إلى أمير المؤمنين من تهمة الشيعة له بممالأة معاوية عليهم،و مفارقته جنبة أمير المؤمنين.قال نصر بن مزاحم:حدثنا صالح بن صدقة بإسناده،قال:قال لما رجع جرير

١١٥

إلى علي(عليه‌السلام )كثر قول الناس في التهمة لجرير في أمر معاوية،فاجتمع جرير و الأشتر عند علي(عليه‌السلام )،فقال الأشتر:أما و الله يا أمير المؤمنين،أن لو كنت أرسلتني إلى معاوية لكنت خيرا لك من هذا الذي أرخى خناقه،و أقام عنده حتى لم يدع بابا يرجو فتحه إلا فتحه،و لا بابا يخاف أمره إلا سده.فقال جرير:لو كنت و الله أتيتهم لقتلوك و خوفه بعمرو،و ذي الكلاع،و حوشب،و قال:إنهم يزعمون أنك من قتلة عثمان.فقال الأشتر:و الله،لو أتيتهم يا جرير لم يعيني جوابها،و لم يثقل علي محملها،و لحملت معاوية على خطة أعجله فيها عن الفكر.قال:فائتهم إذا.قال:الآن،و قد أفسدتهم و وقع بينهم الشر.و روى نصر عن نمير بن وعلة عن الشعبي قال:اجتمع جرير و الأشتر عند علي(عليه‌السلام )،فقال الأشتر:أليس قد نهيتك يا أمير المؤمنين أن تبعث جريرا و أخبرتك بعداوته و غشه ؟ و أقبل الأشتر يشتمه و يقول:يا أخا بجيلة،إن عثمان اشترى منك دينك بهمدان،و الله ما أنت بأهل أن تترك تمشي فوق الأرض إنما أتيتهم لتتخذ عندهم يدا بمسيرك إليهم،ثم رجعت إلينا من عندهم تهددنا بهم،و أنت و الله منهم،و لا أرى سعيك إلا لهم،لئن أطاعني فيك أمير المؤمنين ليحبسنك و أشباهك في حبس لا تخرجون منه حتى تستتم هذه الأمور،و يهلك الله الظالمين.قال جرير:وددت و الله أن لو كنت مكاني بعثت إذن و الله لم ترجع.

١١٦

قال:فلما سمع جرير مثل ذلك من قوله،فارق عليا(عليه‌السلام )فلحق بقرقيسياء،و لحق به ناس من قسر من قومه،فلم يشهد صفين من قسر غير تسعة عشر رجلا،و لكن شهدها من أحمس سبعمائة رجل.قال نصر:و قال الأشتر فيما كان من تخويف من جرير،إياه بعمرو،و حوشب،و ذي الكلاع:

لعمرك يا جرير لقول عمرو

و صاحبه معاوي بالشام

و ذي كلع و حوشب ذي ظليم

أخف علي من ريش النعام

إذا اجتمعوا علي فخل عنهم

و عن باز مخالبه دوامي

و لست بخائف ما خوفوني

و كيف أخاف أحلام النيام

و همهم الذي حاموا عليه

من الدنيا و همي ما أمامي

فإن أسلم أعمهم بحرب

يشيب لهولها رأس الرغلام

و إن أهلك فقد قدمت أمرا

أفوز بفلجه يوم الخصام

و قد زادوا علي و أوعدوني

و من ذا مات من خوف الكلام

نسب جرير بن عبد الله البجلي و بعض أخباره

و ذكر ابن قتيبة في المعارف أن جريرا قدم على رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )

١١٧

سنة عشر من الهجرة في شهر رمضان فبايعه و أسلم،و كان جرير صبيح الوجه جميلا،قال رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ):كأن على وجهه مسحة ملك،و كان عمر يقول جرير يوسف هذه الأمة و كان طوالا يفتل في ذروة البعير من طوله،و كانت نعله ذراعا،و كان يخضب لحيته بالزعفران من الليل و يغسلها إذا أصبح فتخرج مثل لون التبر،و اعتزل عليا(عليه‌السلام )،و معاوية و أقام بالجزيرة و نواحيها حتى توفي بالشراة سنة أربع و خمسين في ولاية الضحاك بن قيس على الكوفة.فأما نسبه فقد ذكره ابن الكلبي في جمهرة الأنساب،فقال:هو جرير بن عبد الله،بن جابر،بن مالك،بن نضر،بن ثعلب،بن جشم،بن عويف،بن حرب،بن علي،بن مالك،بن سعد،بن بدير،بن قسر،و اسمه ملك بن عبقر،بن أنمار،بن أراش،بن عمرو،بن الغوث،بن نبت،بن زيد،بن كهلان.و يذكر أهل السير أن عليا(عليه‌السلام )هدم دار جرير و دور قوم ممن خرج معه،حيث فارق عليا(عليه‌السلام )منهم أبو أراكة بن مالك بن عامر القسري كان ختنه على ابنته و موضع داره بالكوفة،كان يعرف بدار أبي أراكة قديما،و لعله اليوم نسي ذلك الاسم.

١١٨

44.و من كلام له(عليه‌السلام )لما هرب مصقلة بن هبيرة الشيباني إلى معاوية

و كان قد ابتاع سبي بني ناجية من عامل أمير المؤمنين(عليه‌السلام )و أعتقه،فلما طالبه بالمال خاس به و هرب إلى الشام،فقال:(قَبَحَ اَللَّهُ مَصْقَلَةَ فَعَلَ فِعْلَ اَلسَّادَةِ [ اَلسَّادَاتِ ] وَ فَرَّ فِرَارَ اَلْعَبِيدِ فَمَا أَنْطَقَ مَادِحَهُ حَتَّى أَسْكَتَهُ وَ لاَ صَدَّقَ وَاصِفَهُ حَتَّى بَكَّتَهُ وَ لَوْ أَقَامَ لَأَخَذْنَا مَيْسُورَهُ وَ اِنْتَظَرْنَا بِمَالِهِ وُفُورَهُ خاس به يخيس

)و يخوس،أي:غدر به،و خاس فلان بالعهد:أي نكث.و قبح الله فلانا،أي:نحاه عن الخير،فهو مقبوح.و التبكيت كالتقريع و التعنيف و الوفور مصدر وفر المال،أي:تم و يجي‏ء متعديا و يروى موفوره و الموفور التام،و قد أخذ هذا المعنى بعض الشعراء،فقال:

يا من مدحناه فأكذبنا

بفعاله و أثابنا خجلا

بردا قشيبا من مدائحنا

سربلت فاردده لنا سملا

إن التجارب تهتك المستور من

أبنائها و تبهرج الرجلا

١١٩

نسب بني ناجية

فأما القول في نسب بني ناجية،فإنهم ينسبون أنفسهم إلى سامة،بن لؤي،بن غالب،بن فهر،بن مالك،بن النضر،بن كنانة،بن خزيمة،بن مدركة،بن إلياس،بن مضر،بن نزار،بن معد،بن عدنان،و قريش تدفعهم عن هذا النسب،و يسمونهم بني ناجية،و هي أمهم،و هي امرأة سامة بن لؤي،بن غالب،و يقولون إن سامة خرج إلى ناحية البحرين مغاضبا لأخيه كعب بن لؤي في مماظة كانت بينهما،فطأطأت ناقته رأسها لتأخذ العشب،فعلق بمشفرها أفعى،ثم عطفت على قتبها فحكته به فدب الأفعى على القتب حتى نهش ساق سامة فقتله،فقال أخوه كعب بن لؤي يرثيه:

عين جودي لسامة بن لؤي

علقت ساق سامة العلاقه

رب كأس هرقتها ابن لؤي

حذر الموت لم تكن مهراقه

قالوا:و كانت معه امرأته ناجية ،فلما مات تزوجت رجلا في البحرين ،فولدت منه الحارث و مات أبوه و هو صغير ،فلما ترعرع طمعت أمه أن تلحقه بقريش ،فأخبرته أنه ابن سامة بن لؤي بن غالب ،فرحل من البحرين إلى مكة ،و معه أمه ،فأخبر كعب بن لؤي أنه ابن أخيه سامة ،فعرف كعب أمه ناجية فظن أنه صادق في دعواه فقبله و مكث عنده مدة حتى قدم مكة ركب من البحرين ،فرأوا الحارث فسلموا عليه و حادثوه ،فسألهم كعب بن لؤي من أين يعرفونه ؟ فقالوا:هذا ابن رجل من بلدنا يعرف بفلان و شرحوا له خبره ،فنفاه كعب عن مكة ،و نفى أمه فرجعا إلى البحرين فكانا هناك ،و تزوج الحارث فأعقب هذا العقب.

١٢٠