كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 351
المشاهدات: 50811
تحميل: 7641


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50811 / تحميل: 7641
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 3

مؤلف:
العربية

شدوا أيديكم على صدقاتكم ،ثم صلوا بها أرحامكم و عودوا إن شئتم على فقرائكم فأرضى كل طائفة بضرب من القول و كان فيهم نصارى كثير و قد كانوا أسلموا فلما رأوا ذلك الاختلاف قالوا:و الله لديننا الذي خرجنا منه خير و أهدى من دين هؤلاء الذين لا ينهاهم دينهم عن سفك الدماء و إخافة السبل فرجعوا إلى دينهم.فلقي الخريت أولئك فقال:ويحكم إنه لا ينجيكم من القتل إلا الصبر لهؤلاء القوم و لقتالهم أ تدرون ما حكم علي فيمن أسلم من النصارى ،ثم رجع إلى النصرانية لا و الله لا يسمع له قولا و لا يرى له عذرا و لا يقبل منه توبة و لا يدعوه إليها و إن حكمه فيه أن يضرب عنقه ساعة يستمكن منه فما زال حتى خدعهم و جاءهم من كان من بني ناجية في تلك الناحية و من غيرهم فاجتمع إليه ناس كثير و كان منكرا داهيا.قال:فلما رجع معقل قرأ على أصحابه كتابا من علي(عليه‌السلام )

فيه من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من المسلمين و المؤمنين و المارقين و النصارى و المرتدين سلام على من اتبع الهدى و آمن بالله و رسوله و كتابه و البعث بعد الموت وافيا بعهد الله و لم يكن من الخائنين أما بعد فإني أدعوكم إلى كتاب الله و سنة نبيه و أن أعمل فيكم بالحق و بما أمر الله تعالى في كتابه فمن رجع منكم إلى رحله و كف يده و اعتزل هذا المارق الهالك المحارب الذي حارب الله و رسوله و المسلمين و سعى في الأرض فسادا فله الأمان على ماله و دمه و من تابعه على حربنا و الخروج من طاعتنا استعنا بالله عليه و جعلناه بيننا و بينه و كفى بالله وليا و السلام.قال:فأخرج معقل راية أمان فنصبها و قال:من أتاها من الناس فهو آمن إلا الخريت و أصحابه الذين نابذوا أول مرة فتفرق عن الخريت كل من كان معه من غير قومه و عبأ معقل بن قيس أصحابه ،ثم زحف بهم نحوه و قد حضر مع الخريت جميع

١٤١

قومه مسلمهم و نصرانيهم و مانعي الصدقة منهم فجعل مسلميهم يمنة و النصارى و مانعي الصدقة يسرة و جعل يقول لقومه امنعوا اليوم حريمكم و قاتلوا عن نسائكم و أولادكم و الله لئن ظهروا عليكم ليقتلنكم و ليسلبنكم.فقال له رجل من قومه:هذا و الله ما جرته علينا يدك و لسانك فقال لهم:قاتلوا فقد سبق السيف العذل.قال:و سار معقل بن قيس يحرض أصحابه فيما بين الميمنة و الميسرة و يقول:أيها الناس ما تدرون ما سيق إليكم في هذا الموقف من الأجر العظيم إن الله ساقكم إلى قوم منعوا الصدقة و ارتدوا عن الإسلام و نكثوا البيعة ظلما و عدوانا إني شهيد لمن قتل منكم بالجنة و من عاش بأن الله يقر عينه بالفتح و الغنيمة ففعل ذلك حتى مر بالناس أجمعين ،ثم وقف في القلب برايته و بعث إلى يزيد بن المعقل الأزدي و هو في الميمنة أن احمل عليهم فحمل فثبتوا له فقاتل طويلا و قاتلوه ،ثم رجع حتى وقف موقفه الذي كان فيه من الميمنة ،ثم بعث إلى المنجاب بن راشد الضبي و هو في الميسرة أن احمل عليهم فحمل فثبتوا له فقاتل طويلا و قاتلوه ،ثم رجع حتى وقف موقفه الذي كان في الميسرة ،ثم بعث معقل إلى ميمنته و ميسرته إذا حملت فاحملوا جميعا ،ثم أجرى فرسه و ضربها و حمل أصحابه فصبروا لهم ساعة.ثم إن النعمان بن صهبان الراسبي بصر بالخريت فحمل عليه فصرعه عن فرسه ،ثم نزل إليه و قد جرحه فاختلفا بينهما ضربتين فقتله النعمان و قتل معه في المعركة سبعون و مائة و ذهب الباقون في الأرض يمينا و شمالا و بعث معقل الخيل إلى رحالهم فسبى من أدرك فيها رجالا و نساء و صبيانا ،ثم نظر فيهم فمن كان مسلما خلاه و أخذ

١٤٢

بيعته و خلى سبيل عياله و من كان ارتد عن الإسلام عرض عليه الرجوع إلى الإسلام و إلا القتل فأسلموا فخلى سبيلهم و سبيل عيالاتهم إلا شيخا منهم نصرانيا يقال له:الرماحس بن منصور فإنه قال:و الله ما زلت مصيبا مذ عقلت إلا في خروجي من ديني دين الصدق إلى دينكم دين السوء لا و الله لا أدع ديني و لا أقرب دينكم ما حييت.فقدمه معقل فضرب عنقه و جمع الناس فقال:أدوا ما عليكم في هذه السنين من الصدقة فأخذ من المسلمين عقالين و عمد إلى النصارى و عيالاتهم فاحتملهم معه و أقبل المسلمون الذين كانوا معهم يشيعونهم فأمر معقل بردهم فلما ذهبوا لينصرفوا تصايحوا و دعا الرجال و النساء بعضهم إلى بعض.قال:فلقد رحمتهم رحمة ما رحمتها أحدا قبلهم و لا بعدهم و كتب معقل إلى علي(عليه‌السلام )أما بعد فإني أخبر أمير المؤمنين عن جنده و عن عدوه إنا دفعنا إلى عدونا بأسياف البحر فوجدنا بها قبائل ذات حد و عدد و قد جمعوا لنا فدعوناهم إلى الجماعة و الطاعة و إلى حكم الكتاب و السنة و قرأنا عليهم كتاب أمير المؤمنين(عليه‌السلام )و رفعنا لهم راية أمان فمالت إلينا طائفة منهم و ثبتت طائفة أخرى فقبلنا أمر التي أقبلت و صمدنا إلى التي أدبرت فضرب الله وجوههم و نصرنا عليهم فأما من كان مسلما فإنا مننا عليه و أخذنا بيعته لأمير المؤمنين و أخذنا منهم الصدقة التي كانت عليهم و أما من ارتد فعرضنا عليهم الرجوع إلى الإسلام و إلا قتلناهم فرجعوا إلى الإسلام غير رجل واحد فقتلناه و أما النصارى فإنا سبيناهم و أقبلنا بهم ليكونوا نكالا لمن بعدهم من أهل الذمة كي لا يمنعوا الجزية و لا يجترئوا على قتال أهل القبلة و هم للصغار و الذلة

١٤٣

أهل رحمك الله يا أمير المؤمنين و عليك الصلاة و السلام و أوجب لك جنات النعيم و السلام.قال ،ثم أقبل بالأسارى حتى مر على مصقلة بن هبيرة الشيباني و هو عامل لعلي(عليه‌السلام )على أردشيرخرة و هم خمسمائة إنسان فبكى إليه النساء و الصبيان و تصايح الرجال يا أبا الفضل يا حامل الثقل يا مؤي الضعيف و فكاك العصاة امنن علينا فاشترنا و أعتقنا فقال مصقلة:أقسم بالله لأتصدقن عليهم إن الله يجزي المتصدقين فبلغ قوله معقل بن قيس فقال:و الله لو أعلمه قالها توجعا لهم و إزراء علي لضربت عنقه و إن كان في ذلك فناء بني تميم و بكر بن وائل.ثم إن مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذهلي إلى معقل فقال:بعني نصارى ناجية فقال:أبيعكهم بألف ألف درهم فأبى عليه فلم يزل يراوده حتى باعه إياهم بخمسمائة ألف درهم و دفعهم إليه و قال:عجل بالمال إلى أمير المؤمنين(عليه‌السلام )فقال مصقلة:أنا باعث الآن بصدر منه ،ثم أتبعك بصدر آخر ثم كذلك حتى لا يبقى منه شي‏ء و أقبل معقل إلى أمير المؤمنين(عليه‌السلام )فأخبره بما كان من الأمر فقال له:أحسنت و أصبت و وفقت.و انتظر علي(عليه‌السلام )مصقلة أن يبعث بالمال فأبطأ به و بلغ عليا(عليه‌السلام )أن مصقلة خلى الأسارى و لم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشي‏ء فقال:ما أرى مصقلة إلا قد حمل حمالة و لا أراكم إلا سترونه عن قريب مبلدحا ،ثم كتب إليه

١٤٤

أما بعد فإن من أعظم الخيانة خيانة الأمة و أعظم الغش على أهل المصر غش الإمام و عندك من حق المسلمين خمسمائة ألف درهم فابعث بها إلى حين يأتيك رسولي و إلا فأقبل إلي حين تنظر في كتابي فإني قد تقدمت إلى رسولي ألا يدعك ساعة واحدة تقيم بعد قدومه عليك إلا أن تبعث بالمال و السلام.و كان الرسول أبو جرة الحنفي فقال له أبو جرة:إن تبعث بهذا المال و إلا فاشخص معي إلى أمير المؤمنين فلما قرأ كتابه أقبل حتى نزل البصرة و كان العمال يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عباس فيكون ابن عباس هو الذي يبعث به إلى أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،ثم أقبل من البصرة حتى أتى عليا(عليه‌السلام )بالكوفة فأقره أياما لم يذكر له شيئا،ثم سأله المال فأدى إليه مائتي ألف درهم و عجز عن الباقي.قال:فروى ابن أبي سيف عن أبي الصلت عن ذهل بن الحارث قال:دعاني مصقلة إلى رحله فقدم عشاء فطعمنا منه ،ثم قال:و الله إن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )يسألني هذا المال و و الله ما أقدر عليه فقلت له لو شئت لم يمض عليك جمعة حتى تجمع هذا المال فقال ما كنت لأحملها قومي و لا أطلب فيها إلى أحد.ثم قال:و الله لو أن ابن هند مطالبي بها أو ابن عفان لتركها لي ألم تر إلى عثمان كيف أعطى الأشعث مائة ألف درهم من خراج آذربيجان في كل سنة فقلت إن هذا لا يرى ذلك الرأي و ما هو بتارك لك شيئا فسكت ساعة و سكت عنه فما مكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية.فبلغ ذلك عليا(عليه‌السلام )فقال:ما له ترحه الله فعل فعل السيد و فر فرار العبد و خان خيانة الفاجر أما إنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه فإن وجدنا له شيئا أخذناه

١٤٥

و إن لم نجد له مالا تركناه ،ثم سار علي(عليه‌السلام )إلى داره فهدمها.و كان أخوه نعيم بن هبيرة الشيباني شيعة لعلي(عليه‌السلام )مناصحا فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من نصارى تغلب يقال له:حلوان أما بعد فإني كلمت معاوية فيك فوعدك الكرامة و مناك الإمارة فأقبل ساعة تلقى رسولي و السلام.فأخذه مالك بن كعب الأرحبي فسرح به إلى علي(عليه‌السلام )فأخذ كتابه فقرأه ،ثم قدمه فقطع يده فمات و كتب نعيم إلى أخيه مصقلة شعرا لم يرده عليه:

لا ترمين هداك الله معترضا

بالظن منك فما بالي و حلوانا

ذاك الحريص على ما نال من طمع

و هو البعيد فلا يورثك أحزانا

ما ذا أردت إلى إرساله سفها

ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا

عرضته لعلي إنه أسد

يمشي العرضنة من آساد خفانا

قد كنت في خير مصطاف و مرتبع

تحمي العراق و تدعى خير شيبانا

حتى تقحمت أمرا كنت تكرهه

للراكبين له سرا و إعلانا

لو كنت أديت مال الله مصطبرا

للحق زكيت أحيانا و موتانا

لكن لحقت بأهل الشام ملتمسا

فضل ابن هند فذاك الرأي أشجانا

فاليوم تقرع سن العجز من ندم

ما ذا تقول و قد كان الذي كانا

أصبحت تبغضك الأحياء قاطبة

لم يرفع الله بالعصيان إنسانا

١٤٦

فلما بلغ الكتاب إليه علم أن النصراني قد هلك و لم يلبث التغلبيون إلا قليلا حتى بلغهم هلاك صاحبهم فأتوا مصقلة فقالوا:أنت أهلكت صاحبنا فإما أن تجيئنا به و إما أن تديه فقال:أما أن أجي‏ء به فلست أستطيع ذلك و أما أن أديه فنعم فوداه.قال إبراهيم:و حدثني ابن أبي سيف عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال:قيل لعلي(عليه‌السلام )حين هرب مصقلة اردد الذين سبوا و لم تستوف أثمانهم في الرق فقال:ليس ذلك في القضاء بحق قد عتقوا إذ أعتقهم الذي اشتراهم و صار مالي دينا على الذي اشتراهم.و روى إبراهيم أيضا عن إبراهيم بن ميمون عن عمرو بن القاسم بن حبيب التمار عن عمار الدهني قال:لما هرب مصقلة قال أصحاب علي(عليه‌السلام )له:يا أمير المؤمنين فيئنا قال:إنه قد صار على غريم من الغرماء فاطلبوه.و قال ظبيان بن عمارة أحد بني سعد بن زيد مناة في بني ناجية:

هلا صبرت للقراع ناجيا

و المرهفات تختلي الهواديا

و الطعن في نحوركم تواليا

و صائبات الأسهم القواضيا

و قال ظبيان أيضا:

ألا فاصبروا للطعن و الضرب ناجيا

و للمرهفات يختلين الهواديا

فقد صب رب الناس خزيا عليكم

و صيركم من بعد عز مواليا

١٤٧

سما لكم بالخيل جردا عواديا

أخو ثقة لا يبرح الدهر غازيا

فصبحكم في رحلكم و خيولكم

بضرب يرى منه المدجج هاويا

فأصبحتم من بعد عز و كثرة

عبيد العصا لا تمنعون الذراريا

قال إبراهيم بن هلال و روى عبد الرحمن بن حبيب عن أبيه:أنه لما بلغ عليا(عليه‌السلام )مصاب بني ناجية و قتل صاحبهم قال:هوت أمه ما كان أنقص عقله و أجرأه إنه جاءني مرة فقال:إن في أصحابك رجالا قد خشيت أن يفارقوك فما ترى فيهم فقلت إني لا آخذ على التهمة و لا أعاقب على الظن و لا أقاتل إلا من خالفني و ناصبني و أظهر العداوة لي ،ثم لست مقاتله حتى أدعوه و أعذر إليه فإن تاب و رجع قبلنا منه و إن أبى إلا الاعتزام على حربنا استعنا بالله عليه و ناجزناه فكف عني ما شاء الله ،ثم جاءني مرة أخرى فقال لي:إني قد خشيت أن يفسد عليك عبد الله بن وهب و زيد بن حصين الطائي إني سمعتهما يذكرانك بأشياء لو سمعتهما لم تفارقهما حتى تقتلهما أو توثقهما فلا يزالان بمحبسك أبدا فقلت له إني مستشيرك فيهما فما ذا تأمرني به قال:إني آمرك أن تدعو بهما فتضرب رقابهما فعلمت أنه لا ورع له و لا عقل فقلت له و الله ما أظن لك ورعا و لا عقلا لقد كان ينبغي لك أن تعلم أني لا أقتل من لم يقاتلني و لم يظهر لي عداوته للذي كنت أعلمتكه من رأيي حيث جئتني في المرة الأولى و لقد كان ينبغي لك لو أردت قتلهم أن تقول لي اتق الله بم تستحل قتلهم و لم يقتلوا أحدا و لم ينابذوك و لم يخرجوا من طاعتك.فأما ما يقوله الفقهاء في مثل هذا السبي فقبل أن نذكر ذلك نقول إن الرواية قد

١٤٨

اختلفت في المرتدين من بني ناجية فالرواية الأولى التي رواها محمد بن عبد الله بن عثمان عن نصر بن مزاحم تتضمن أن الأمير الذي من قبل علي(عليه‌السلام )قتل مقاتلة المرتدين منهم بعد امتناعهم من العود إلى الإسلام و سبى ذراريهم فقدم بها على علي(عليه‌السلام )فعلى هذه الرواية يكون الذين اشتراهم مصقلة ذراري أهل الردة.و الرواية الثانية التي رواها محمد بن عبد الله عن ابن أبي سيف تتضمن أن معقل بن قيس الأمير من قبل علي(عليه‌السلام )لم يقتل من المرتدين من بني ناجية إلا رجلا واحدا و أما الباقون فرجعوا إلى الإسلام و الاسترقاق إنما كان للنصارى الذين ساعدوا في الحرب و شهروا السيف على جيش الإمام و ليسوا مرتدين بل نصارى في الأصل و هم الذين اشتراهم مصقلة.فإن كانت الرواية الأولى هي الصحيحة ففيها إشكال ؛ لأن المرتدين لا يجوز عند الفقهاء استرقاقهم و لا أعرف خلافا في هذه المسألة و لا أظن الإمامية أيضا تخالف فيها و إنما ذهب أبو حنيفة إلى أن المرأة المرتدة إذا لحقت بدار الحرب جاز استرقاقها و سائر الفقهاء على خلافه و لم يختلفوا في أن الذكور البالغين من المرتدين لا يجوز استرقاقهم فلا أعلم كيف وقع استرقاق المرتدين من بني ناجية على هذه الرواية على أني أرى أن الرواية المذكورة لم يصرح فيها باسترقاقهم و لا بأنهم بيعوا على مصقلة ؛ لأن لفظ الراوي فأبوا فقتل مقاتلتهم و سبى ذراريهم فقدم بهم على علي(عليه‌السلام )و ليس في الرواية ذكر استرقاقهم و لا بيعهم على مصقلة بل فيها ما ينافي بيعهم على مصقلة و هو قوله فقدم بهم على علي(عليه‌السلام )فإن مصقلة ابتاع السبي من الطريق في أردشيرخرة قبل قدومه على علي(عليه‌السلام )و لفظ الخبر فقدم بهم على علي(عليه‌السلام ).و إنما يبقى الأشكال على هذه الرواية أن يقال:إذا كان قد قدم بهم على علي(عليه‌السلام )

١٤٩

فمصقلة من اشترى و لا يمكن دفع كون مصقلة اشترى قوما في الجملة فإن الخبر بذلك مشهور جدا يكاد يكون متواترا.فإن قيل فما قولكم فيما إذا ارتد البالغون من الرجال و النساء،ثم أولدوا ذرية صغارا بعد الردة هل يجوز استرقاق الأولاد فإن كان يجوز فهلا حملتم الخبر عليه قيل إذا ارتد الزوجان فحملت منه في حال الردة و أتت بولد كان محكوما بكفره ؛ لأنه ولد بين كافرين.و هل يجوز استرقاقه فيه للشافعي قولان و أما أبو حنيفة فقال:إن ولد في دار الإسلام لم يجز استرقاقه و إن ولد في دار الحرب جاز استرقاقه فإن كان استرقاق هؤلاء الذرية موافقا لأحد قولي الشافعي فلعله ذاك.و أما الرواية الثانية فإن كانت هي الصحيحة و هو الأولى فالفقه في المسألة أن الذمي إذا حارب المسلمين فقد نقض عهده فصار كالمشركين الذين في دار الحرب فإذا ظفر به الإمام جاز استرقاقه و بيعه و كذلك إذا امتنع من أداء الجزية أو امتنع من التزام أحكام الإسلام.و اختلف الفقهاء في أمور سبعة هل ينتقض بها عهدهم و يجوز استرقاقهم أم لا و هي أن يزني الذمي بمسلمة أو يصيبها باسم نكاح أو يفتن مسلما عن دينه أو يقطع الطريق على المسلمين أو يؤوي للكفار عينا أو يدل على عورات المسلمين أو يقتل مسلما.فأصحاب الشافعي يقولون إن شرط عليهم في عقد الذمة الكف عن ذلك فهل ينقض عهدهم بفعله فيه وجهان و إن لم يشترط ذلك في عقد الذمة لم ينتقض عهدهم بذلك.و قال الطحاوي من أصحاب أبي حنيفة:ينتقض عهدهم بذلك سواء شورطوا عن

١٥٠

الكف عنه في عقد الذمة أو لم يشارطوا عليه،فنصارى بني ناجية على هذه الرواية قد انتقض عهدهم بحرب المسلمين،فأبيحت دماؤهم،و جاز للإمام قتلهم،و جاز له استرقاقهم كالمشركين الأصليين في دار الحرب،و أما استرقاق أبي بكر بن أبي قحافة لأهل الردة و سبيه ذراريهم،فإن صح كان مخالفا لما يقول الفقهاء من تحريم استرقاق المرتدين،إلا أن يقولوا إنه لم يسب المرتدين،و إنما سبى من ساعدهم و أعانهم في الحرب من المشركين الأصليين،و في هذا الموضع نظر

١٥١

45.و من خطبة له(عليه‌السلام )

(اَلْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مَقْنُوطٍ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ لاَ مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ وَ لاَ مَأْيُوسٍ مِنْ مَغْفِرَتِهِ وَ لاَ مُسْتَنْكَفٍ عَنْ عِبَادَتِهِ اَلَّذِي لاَ تَبْرَحُ مِنْهُ رَحْمَةٌ وَ لاَ تُفْقَدُ لَهُ نِعْمَةٌ وَ اَلدُّنْيَا دَارٌ مُنِيَ لَهَا اَلْفَنَاءُ وَ لِأَهْلِهَا مِنْهَا اَلْجَلاَءُ وَ هِيَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ خَضْرَاءُ وَ قَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ وَ اِلْتَبَسَتْ بِقَلْبِ اَلنَّاظِرِ فَارْتَحِلُوا مِنْهَا بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ اَلزَّادِ وَ لاَ تَسْأَلُوا فِيهَا فَوْقَ اَلْكَفَافِ وَ لاَ تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ اَلْبَلاَغِ مني لها الفناء أي قدر و الجلاء بفتح الجيم الخروج عن الوطن قال سبحانه وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اَللَّهُ عَلَيْهِمُ اَلْجَلاءَ).و حلوة خضرة مأخوذ من قول رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ):إن الدنيا حلوة خضرة،و إن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون.و الكفاف من الرزق قدر القوت،و هو ما كف عن الناس،أي:أغنى.و البلاغ و البلغة من العيش ما يتبلغ به.

١٥٢

و اعلم أن هذا الفصل يشتمل على فصلين من كلام أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،أحدهما:حمد الله و الثناء عليه إلى قوله و لا تفقد له نعمة،و الفصل الثاني:ذكر الدنيا إلى آخر الكلام،و أحدهما غير مختلط بالآخر و لا منسوق عليه،و لكن الرضي رحمة الله تعالى يلتقط كلام أمير المؤمنين(عليه‌السلام )التقاطا،و لا يقف مع الكلام المتوالي ؛ لأن غرضه ذكر فصاحته(عليه‌السلام )لا غير و لو أتى بخطبه كلها على وجهها لكانت أضعاف كتابه الذي جمعه.

فصل بلاغي في الموازنة و السجع

فأما الفصل الأول:فمشتمل من علم البيان على باب كبير يعرف بالموازنة و ذلك غير مقنوط،فإنه وازنه في الفقرة الثانية بقوله و لا مخلو،ألا ترى أن كل واحدة منهما على وزن مفعول،ثم قال في الفقرة الثالثة:و لا مأيوس فجاء بها على وزن مفعول أيضا،و لم يمكنه في الفقرة الرابعة ما أمكنه في الأولى،فقال:و لا مستنكف فجاء به على وزن مستفعل،و هو و إن كان خارجا عن الوزن،فإنه غير خارج عن المفعولية ؛ لأن مستفعل مفعول في الحقيقة،كقولك:زيد مستحسن،ألا ترى أن مستحسنا من استحسنه فهو أيضا غير خارج عن المفعولية.ثم وازن(عليه‌السلام )بين قوله:لا تبرح و قوله:لا تفقد و بين رحمة و نعمة،فأعطت هذه الموازنات الكلام من الطلاوة،و الصنعة ما لا تجده عليه لو قال الحمد لله غير مخلو من نعمته و لا مبعد من رحمته ؛ لأن مبعد بوزن مفعل و هو غير مطابق و لا مماثل لمفعول،بل هو بناء آخر.و كذلك لو قال:لا تزول منه رحمة،فإن تزول ليست في المماثلة و الموازنة

١٥٣

لتفقد كتبرح ألا ترى أنها معتلة و تلك صحيحة،و كذلك لو قال:لا تبرح منه رحمة و لا يفقد له أنعام،فإن أنعاما ليس في وزن رحمة و الموازنة مطلوبة في الكلام الذي يقصد فيه الفصاحة لأجل الاعتدال الذي هو مطلوب الطبع في جميع الأشياء و الموازنة أعم من السجع ؛ لأن السجع تماثل أجزاء الفواصل لو أوردها على حرف واحد،نحو:القريب و الغريب و النسيب و ما أشبه ذلك،و أما الموازنة فنحو:القريب و الشديد و الجليل،و ما كان على هذا الوزن و إن لم يكن الحرف الآخر بعينه واحدا،و كل سجع موازنة،و ليس كل موازنة سجعا،و مثال الموازنة في الكتاب العزيز:( وَ آتَيْناهُمَا اَلْكِتابَ اَلْمُسْتَبِينَ وَ هَدَيْناهُمَا اَلصِّراطَ اَلْمُسْتَقِيمَ ) ،و قوله تعالى:( لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ) ،ثم قال:( وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ) ،ثم قال:( تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) ،ثم قال:( نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ) فهذه الموازنة.و مما جاء من المثال في الشعر قوله:

بأشدهم بأسا على أعدائهم

و أعزهم فقدا على الأصحاب

فقوله:و أعزهم بإزاء أشدهم،و قوله:فقدا بإزاء بأسا.و الموازنة كثيرة في الكلام و هي في كتاب الله تعالى أكثر.

نبذ من كلام الحكماء في مدح القناعة و ذم الطمع

فأما الفصل الثاني،فيشتمل على التحذير من الدنيا و على الأمر بالقناعة و الرضا بالكفاف،فأما التحذير من الدنيا فقد ذكرنا و نذكر منه ما يحضرنا،و أما القناعة فقد ورد فيها شي‏ء كثير.

١٥٤

قال رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )لأخوين من الأنصار:لا تيئسا من روح الله ما تهزهزت رءوسكما،فإن أحدكم يولد لا قشر عليه،ثم يكسوه الله و يرزقه،و عنه(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و يعزى إلى أمير المؤمنين(عليه‌السلام ):القناعة كنز لا ينفد،و ما يقال:إنه من كلام لقمان الحكيم كفى بالقناعة عزا،و بطيب النفس نعيما،و من كلام عيسى(عليه‌السلام ):اتخذوا البيوت منازل،و المساجد مساكن و كلوا من بقل البرية،و اشربوا من الماء القراح،و اخرجوا من الدنيا بسلام لعمري لقد انقطعتم إلى غير الله فما ضيعكم،أفتحافون الضيعة إذا انقطعتم إليه.و في بعض الكتب الإلهية القديمة،يقول الله تعالى:يا ابن آدم،أتخاف أن أقتلك بطاعتي هزلا و أنت تتفتق بمعصيتي سمنا.قال أبو وائل:ذهبت أنا و صاحب لي إلى سلمان الفارسي فجلسنا عنده،فقال:لو لا أن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )نهى عن التكلف لتكلفت لكم،ثم جاء بخبز و ملح ساذج لا أبزار عليه،فقال صاحبي:لو كان لنا في ملحنا هذا سعتر،فبعث سلمان بمطهرته فرهنها على سعتر،فلما أكلنا قال صاحبي:الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا فقال سلمان:لو قنعت بما رزقك لم تكن مطهرتي مرهونة.عباد بن منصور لقد كان بالبصرة من هو أفقه من عمرو بن عبيد و أفصح،و لكنه كان أصبرهم عن الدينار و الدرهم فساد أهل البصرة.قال خالد بن صفوان لعمرو بن عبيد:لم لا تأخذ مني ؟ فقال:لا يأخذ أحد من أحد إلا ذل له و أنا أكره أن أذل لغير الله.

١٥٥

كان معاش عمرو بن عبيد من دار ورثها كان يأخذ أجرتها في كل شهر دينارا واحدا فيتبلغ به.الخليل بن أحمد كان الناس يكتسبون الرغائب بعلمه،و هو بين أخصاص البصرة لا يلتفت إلى الدنيا و لا يطلبها.وهب بن منبه أرملت مرة حتى كدت أقنط،فأتاني آت في المنام و معه شبه لوزة،فقال:افضض ففضضتها،فإذا حريرة فيها ثلاثة أسطر لا ينبغي لمن عقل عن الله أمره،و عرف لله عدله أن يستبطئ الله في رزقه فقنعت و صبرت،ثم أعطاني الله فأكثر.

قيل للحسن(عليه‌السلام ):إن أبا ذر كان يقول الفقر أحب إلي من الغنى،و السقم أحب إلي من الصحة،فقال:رحم الله أبا ذر،أما أنا فأقول من اتكل إلى حسن الاختيار من الله لم يتمن أنه في غير الحال التي اختارها الله له لعمري،يا ابن آدم،الطير لا تأكل رغدا و لا تخبأ لغد،و أنت تأكل رغدا و تخبأ لغد،فالطير أحسن ظنا منك بالله عز و جل،حبس عمر بن عبد العزيز الغذاء عن مسلمة حتى برح به الجوع،ثم دعا بسويق فسقاه،فلما فرغ منه لم يقدر على الأكل،فقال:يا مسلمة،إذا كفاك من الدنيا ما رأيت فعلام التهافت في النار.عبد الواحد بن زيد ما أحسب شيئا من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا و القناعة،و لا أعلم درجة أرفع من الرضا و هو رأس المحبة.قال ابن شبرمة في محمد بن واسع:لو أن إنسانا اكتفى بالتراب لاكتفى به.يقال من جملة ما أوحى الله تعالى إلى موسى(عليه‌السلام ):قل لعبادي المتسخطين لرزقي إياكم أن أغضب فأبسط عليكم الدنيا.

١٥٦

كان لبعض الملوك نديم فسكر،ففاتته الصلاة،فجاءت جارية له بجمرة نار،فوضعتها على رجله فانتبه مذعورا،فقالت:إنك لم تصبر على نار الدنيا فكيف تصبر على نار الآخرة ؟ فترك الدنيا و انقطع إلى العبادة،و قعد يبيع البقل،فدخل عليه الفضيل و ابن عيينة،فإذا تحت رأسه لبنة و ليس تحت جنبه حصير،فقالا:له إنا روينا أنه لم يدع أحد شيئا لله إلا عوضه خيرا منه فما عوضك ؟ قال:القناعة و الرضا بما أنا فيه.أصابت داود الطائي ضائقة شديدة،فجاء حماد بن أبي حنيفة بأربعمائة درهم من تركة أبيه،فقال داود:هي لعمري من مال رجل ما أقدم عليه أحدا في زهده و ورعه و طيب كسبه،و لو كنت قابلا من أحد شيئا لقبلتها إعظاما للميت و إيجابا للحي،و لكني أحب أن أعيش في عز القناعة.سفيان الثوري:ما أكلت طعام أحد قط إلا هنت عليه.مسعر بن كدام من صبر على الخل و البقل لم يستعبد.فضيل:أصل الزهد الرضا بما رزقك الله،ألا تراه كيف يصنع بعبده ما تصنع الوالدة الشفيقة بولدها تطعمه مرة خبيصا و مرة صبرا،تريد بذلك ما هو أصلح له.

المسيح(عليه‌السلام ):أنا الذي كببت الدنيا على وجهها و قدرتها بقدرها ليس لي ولد يموت،و لا بيت يخرب،وسادي الحجر،و فراشي المدر،و سراجي القمر أمير المؤمنين(عليه‌السلام )أكل تمر دقل،ثم شرب عليه ماء و مسح بطنه،و قال:من أدخلته بطنه النار فأبعده الله،ثم أنشد:

فإنك إن أعطيت بطنك سؤله

و فرجك نالا منتهى الذم أجمعا

١٥٧

في الحديث الصحيح المرفوع إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فأجملوا في الطلب.من كلام الحكماء من ظفر بالقناعة،فقد ظفر بالكيمياء الأعظم.الحسن:الحريص الراغب و القانع الزاهد كلاهما مستوف أجله مستكمل أكله غير مزداد و لا منتقص مما قدر له فعلام التقحم في النار.

ابن مسعود رفعه:إنه ليس أحد بأكيس من أحد قد كتب النصيب و الأجل،و قسمت المعيشة و العمل و الناس يجرون منهما إلى منتهى معلوم.المسيح(عليه‌السلام )انظروا إلى طير السماء تغدو و تروح ليس معها شي‏ء من أرزاقها لا تحرث و لا تحصد و الله يرزقها،فإن زعمتم أنكم أوسع بطونا من الطير،فهذه الوحوش من البقر و الحمر لا تحرث و لا تحصد و الله يرزقها.سويد بن غفلة كان إذا قيل له قد ولي فلان يقول حسبي كسرتي و ملحي.وفد عروة بن أذينة على هشام بن عبد الملك فشكا إليه خلته،فقال له:ألست القائل:

لقد علمت و ما الإشراف من خلقي

أن الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعى له فيعنيني تطلبه

و لو قعدت أتاني لا يعنيني

فكيف خرجت من الحجاز إلى الشام تطلب الرزق،ثم اشتغل عنه فخرج و قعد على ناقته و نصها راجعا إلى الحجاز،فذكره هشام في الليل،فسأل عنه فقيل إنه رجع إلى الحجاز فتذمر و ندم،و قال رجل:قال حكمة و وفد علي مستجديا فجبهته،

١٥٨

و رددته،ثم وجه إليه بألفي درهم فجاء الرسول و هو بالمدينة فدفعها إليه،فقال له:قل لأمير المؤمنين كيف رأيت سعيت،فأكديت و قعدت في منزلي،فأتاني رزقي.عمر بن الخطاب تعلم أن الطمع فقر و أن اليأس غنى و من يئس من شي‏ء استغنى عنه أهدي لرسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )طائران،فأكل أحدهما عشية،فلما أصبح طلب غداء فأتته بعض أزواجه بالطائر الآخر،فقال:ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد،فإن من خلق الغد خلق رزقه و في الحديث المرفوع قد أفلح من رزق كفافا و قنعه الله بما آتاه من حكمة سليمان(عليه‌السلام )قد جربنا لين العيش و شدته،فوجدنا أهنأه أدناه وهب في قوله تعالى:( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ) قال:القناعة.بعض حكماء الشعراء:

فلا تجزع إذا أعسرت يوما

فقد أيسرت في الدهر الطويل

و لا تظنن بربك ظن سوء

فإن الله أولى بالجميل

و إن العسر يتبعه يسار

و قيل الله أصدق كل قيل

و لو أن العقول تجر رزقا

لكان المال عند ذوي العقول

عائشة:قال لي رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )إن أردت اللحوق بي فيكفيك من الدنيا زاد الراكب،و لا تخلقي ثوبا حتى ترقعيه،و إياك و مجالسة الأغنياء

١٥٩

يقال:إن جبرائيل(عليه‌السلام )جاء إلى رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )بمفاتيح خزائن الدنيا،فقال:لا حاجة لي فيها،بل جوعتان و شبعة.وجد مكتوبا على صخرة عادية يا ابن آدم،لست ببالغ أملك و لا سابق أجلك،و لا مغلوب على رزقك،و لا مرزوق ما ليس لك،فعلام تقتل نفسك.الحسين بن الضحاك:

يا روح من عظمت قناعته

حسم المطامع من غد و غد

من لم يكن لله متهما

لم يمس محتاجا إلى أحد

أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه،أتدري لم رزقت الأحمق ؟ قال:لا.قال:ليعلم العاقل أن طلب الرزق ليس بالاحتمال.قنط يوسف بن يعقوب(عليه‌السلام )في الجب لجوع اعتراه،فأوحي إليه انظر إلى حائط البئر،فنظر،فانفرج الحائط عن ذرة على صخرة معها طعامها،فقيل له:أتراني لا أغفل عن هذه الذرة و أغفل عنك و أنت نبي ابن نبي.دخل علي(عليه‌السلام )المسجد و قال لرجل:أمسك على بغلتي فخلع لجامها و ذهب به،فخرج علي(عليه‌السلام )بعد ما قضى صلاته و بيده درهمان ليدفعهما إليه مكافأة له،فوجد البغلة عطلا،فدفع إلى أحد غلمانه الدرهمين ليشتري بهما لجاما،فصادف الغلام اللجام المسروق في السوق قد باعه الرجل بدرهمين،فأخذه بالدرهمين و عاد إلى مولاه،فقال علي(عليه‌السلام ):إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر

١٦٠