كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

كتاب شرح نهج البلاغة11%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53093 / تحميل: 8397
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

شدوا أيديكم على صدقاتكم ،ثم صلوا بها أرحامكم و عودوا إن شئتم على فقرائكم فأرضى كل طائفة بضرب من القول و كان فيهم نصارى كثير و قد كانوا أسلموا فلما رأوا ذلك الاختلاف قالوا:و الله لديننا الذي خرجنا منه خير و أهدى من دين هؤلاء الذين لا ينهاهم دينهم عن سفك الدماء و إخافة السبل فرجعوا إلى دينهم.فلقي الخريت أولئك فقال:ويحكم إنه لا ينجيكم من القتل إلا الصبر لهؤلاء القوم و لقتالهم أ تدرون ما حكم علي فيمن أسلم من النصارى ،ثم رجع إلى النصرانية لا و الله لا يسمع له قولا و لا يرى له عذرا و لا يقبل منه توبة و لا يدعوه إليها و إن حكمه فيه أن يضرب عنقه ساعة يستمكن منه فما زال حتى خدعهم و جاءهم من كان من بني ناجية في تلك الناحية و من غيرهم فاجتمع إليه ناس كثير و كان منكرا داهيا.قال:فلما رجع معقل قرأ على أصحابه كتابا من علي(عليه‌السلام )

فيه من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى من قرئ عليه كتابي هذا من المسلمين و المؤمنين و المارقين و النصارى و المرتدين سلام على من اتبع الهدى و آمن بالله و رسوله و كتابه و البعث بعد الموت وافيا بعهد الله و لم يكن من الخائنين أما بعد فإني أدعوكم إلى كتاب الله و سنة نبيه و أن أعمل فيكم بالحق و بما أمر الله تعالى في كتابه فمن رجع منكم إلى رحله و كف يده و اعتزل هذا المارق الهالك المحارب الذي حارب الله و رسوله و المسلمين و سعى في الأرض فسادا فله الأمان على ماله و دمه و من تابعه على حربنا و الخروج من طاعتنا استعنا بالله عليه و جعلناه بيننا و بينه و كفى بالله وليا و السلام.قال:فأخرج معقل راية أمان فنصبها و قال:من أتاها من الناس فهو آمن إلا الخريت و أصحابه الذين نابذوا أول مرة فتفرق عن الخريت كل من كان معه من غير قومه و عبأ معقل بن قيس أصحابه ،ثم زحف بهم نحوه و قد حضر مع الخريت جميع

١٤١

قومه مسلمهم و نصرانيهم و مانعي الصدقة منهم فجعل مسلميهم يمنة و النصارى و مانعي الصدقة يسرة و جعل يقول لقومه امنعوا اليوم حريمكم و قاتلوا عن نسائكم و أولادكم و الله لئن ظهروا عليكم ليقتلنكم و ليسلبنكم.فقال له رجل من قومه:هذا و الله ما جرته علينا يدك و لسانك فقال لهم:قاتلوا فقد سبق السيف العذل.قال:و سار معقل بن قيس يحرض أصحابه فيما بين الميمنة و الميسرة و يقول:أيها الناس ما تدرون ما سيق إليكم في هذا الموقف من الأجر العظيم إن الله ساقكم إلى قوم منعوا الصدقة و ارتدوا عن الإسلام و نكثوا البيعة ظلما و عدوانا إني شهيد لمن قتل منكم بالجنة و من عاش بأن الله يقر عينه بالفتح و الغنيمة ففعل ذلك حتى مر بالناس أجمعين ،ثم وقف في القلب برايته و بعث إلى يزيد بن المعقل الأزدي و هو في الميمنة أن احمل عليهم فحمل فثبتوا له فقاتل طويلا و قاتلوه ،ثم رجع حتى وقف موقفه الذي كان فيه من الميمنة ،ثم بعث إلى المنجاب بن راشد الضبي و هو في الميسرة أن احمل عليهم فحمل فثبتوا له فقاتل طويلا و قاتلوه ،ثم رجع حتى وقف موقفه الذي كان في الميسرة ،ثم بعث معقل إلى ميمنته و ميسرته إذا حملت فاحملوا جميعا ،ثم أجرى فرسه و ضربها و حمل أصحابه فصبروا لهم ساعة.ثم إن النعمان بن صهبان الراسبي بصر بالخريت فحمل عليه فصرعه عن فرسه ،ثم نزل إليه و قد جرحه فاختلفا بينهما ضربتين فقتله النعمان و قتل معه في المعركة سبعون و مائة و ذهب الباقون في الأرض يمينا و شمالا و بعث معقل الخيل إلى رحالهم فسبى من أدرك فيها رجالا و نساء و صبيانا ،ثم نظر فيهم فمن كان مسلما خلاه و أخذ

١٤٢

بيعته و خلى سبيل عياله و من كان ارتد عن الإسلام عرض عليه الرجوع إلى الإسلام و إلا القتل فأسلموا فخلى سبيلهم و سبيل عيالاتهم إلا شيخا منهم نصرانيا يقال له:الرماحس بن منصور فإنه قال:و الله ما زلت مصيبا مذ عقلت إلا في خروجي من ديني دين الصدق إلى دينكم دين السوء لا و الله لا أدع ديني و لا أقرب دينكم ما حييت.فقدمه معقل فضرب عنقه و جمع الناس فقال:أدوا ما عليكم في هذه السنين من الصدقة فأخذ من المسلمين عقالين و عمد إلى النصارى و عيالاتهم فاحتملهم معه و أقبل المسلمون الذين كانوا معهم يشيعونهم فأمر معقل بردهم فلما ذهبوا لينصرفوا تصايحوا و دعا الرجال و النساء بعضهم إلى بعض.قال:فلقد رحمتهم رحمة ما رحمتها أحدا قبلهم و لا بعدهم و كتب معقل إلى علي(عليه‌السلام )أما بعد فإني أخبر أمير المؤمنين عن جنده و عن عدوه إنا دفعنا إلى عدونا بأسياف البحر فوجدنا بها قبائل ذات حد و عدد و قد جمعوا لنا فدعوناهم إلى الجماعة و الطاعة و إلى حكم الكتاب و السنة و قرأنا عليهم كتاب أمير المؤمنين(عليه‌السلام )و رفعنا لهم راية أمان فمالت إلينا طائفة منهم و ثبتت طائفة أخرى فقبلنا أمر التي أقبلت و صمدنا إلى التي أدبرت فضرب الله وجوههم و نصرنا عليهم فأما من كان مسلما فإنا مننا عليه و أخذنا بيعته لأمير المؤمنين و أخذنا منهم الصدقة التي كانت عليهم و أما من ارتد فعرضنا عليهم الرجوع إلى الإسلام و إلا قتلناهم فرجعوا إلى الإسلام غير رجل واحد فقتلناه و أما النصارى فإنا سبيناهم و أقبلنا بهم ليكونوا نكالا لمن بعدهم من أهل الذمة كي لا يمنعوا الجزية و لا يجترئوا على قتال أهل القبلة و هم للصغار و الذلة

١٤٣

أهل رحمك الله يا أمير المؤمنين و عليك الصلاة و السلام و أوجب لك جنات النعيم و السلام.قال ،ثم أقبل بالأسارى حتى مر على مصقلة بن هبيرة الشيباني و هو عامل لعلي(عليه‌السلام )على أردشيرخرة و هم خمسمائة إنسان فبكى إليه النساء و الصبيان و تصايح الرجال يا أبا الفضل يا حامل الثقل يا مؤي الضعيف و فكاك العصاة امنن علينا فاشترنا و أعتقنا فقال مصقلة:أقسم بالله لأتصدقن عليهم إن الله يجزي المتصدقين فبلغ قوله معقل بن قيس فقال:و الله لو أعلمه قالها توجعا لهم و إزراء علي لضربت عنقه و إن كان في ذلك فناء بني تميم و بكر بن وائل.ثم إن مصقلة بعث ذهل بن الحارث الذهلي إلى معقل فقال:بعني نصارى ناجية فقال:أبيعكهم بألف ألف درهم فأبى عليه فلم يزل يراوده حتى باعه إياهم بخمسمائة ألف درهم و دفعهم إليه و قال:عجل بالمال إلى أمير المؤمنين(عليه‌السلام )فقال مصقلة:أنا باعث الآن بصدر منه ،ثم أتبعك بصدر آخر ثم كذلك حتى لا يبقى منه شي‏ء و أقبل معقل إلى أمير المؤمنين(عليه‌السلام )فأخبره بما كان من الأمر فقال له:أحسنت و أصبت و وفقت.و انتظر علي(عليه‌السلام )مصقلة أن يبعث بالمال فأبطأ به و بلغ عليا(عليه‌السلام )أن مصقلة خلى الأسارى و لم يسألهم أن يعينوه في فكاك أنفسهم بشي‏ء فقال:ما أرى مصقلة إلا قد حمل حمالة و لا أراكم إلا سترونه عن قريب مبلدحا ،ثم كتب إليه

١٤٤

أما بعد فإن من أعظم الخيانة خيانة الأمة و أعظم الغش على أهل المصر غش الإمام و عندك من حق المسلمين خمسمائة ألف درهم فابعث بها إلى حين يأتيك رسولي و إلا فأقبل إلي حين تنظر في كتابي فإني قد تقدمت إلى رسولي ألا يدعك ساعة واحدة تقيم بعد قدومه عليك إلا أن تبعث بالمال و السلام.و كان الرسول أبو جرة الحنفي فقال له أبو جرة:إن تبعث بهذا المال و إلا فاشخص معي إلى أمير المؤمنين فلما قرأ كتابه أقبل حتى نزل البصرة و كان العمال يحملون المال من كور البصرة إلى ابن عباس فيكون ابن عباس هو الذي يبعث به إلى أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،ثم أقبل من البصرة حتى أتى عليا(عليه‌السلام )بالكوفة فأقره أياما لم يذكر له شيئا،ثم سأله المال فأدى إليه مائتي ألف درهم و عجز عن الباقي.قال:فروى ابن أبي سيف عن أبي الصلت عن ذهل بن الحارث قال:دعاني مصقلة إلى رحله فقدم عشاء فطعمنا منه ،ثم قال:و الله إن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )يسألني هذا المال و و الله ما أقدر عليه فقلت له لو شئت لم يمض عليك جمعة حتى تجمع هذا المال فقال ما كنت لأحملها قومي و لا أطلب فيها إلى أحد.ثم قال:و الله لو أن ابن هند مطالبي بها أو ابن عفان لتركها لي ألم تر إلى عثمان كيف أعطى الأشعث مائة ألف درهم من خراج آذربيجان في كل سنة فقلت إن هذا لا يرى ذلك الرأي و ما هو بتارك لك شيئا فسكت ساعة و سكت عنه فما مكث ليلة واحدة بعد هذا الكلام حتى لحق بمعاوية.فبلغ ذلك عليا(عليه‌السلام )فقال:ما له ترحه الله فعل فعل السيد و فر فرار العبد و خان خيانة الفاجر أما إنه لو أقام فعجز ما زدنا على حبسه فإن وجدنا له شيئا أخذناه

١٤٥

و إن لم نجد له مالا تركناه ،ثم سار علي(عليه‌السلام )إلى داره فهدمها.و كان أخوه نعيم بن هبيرة الشيباني شيعة لعلي(عليه‌السلام )مناصحا فكتب إليه مصقلة من الشام مع رجل من نصارى تغلب يقال له:حلوان أما بعد فإني كلمت معاوية فيك فوعدك الكرامة و مناك الإمارة فأقبل ساعة تلقى رسولي و السلام.فأخذه مالك بن كعب الأرحبي فسرح به إلى علي(عليه‌السلام )فأخذ كتابه فقرأه ،ثم قدمه فقطع يده فمات و كتب نعيم إلى أخيه مصقلة شعرا لم يرده عليه:

لا ترمين هداك الله معترضا

بالظن منك فما بالي و حلوانا

ذاك الحريص على ما نال من طمع

و هو البعيد فلا يورثك أحزانا

ما ذا أردت إلى إرساله سفها

ترجو سقاط امرئ لم يلف وسنانا

عرضته لعلي إنه أسد

يمشي العرضنة من آساد خفانا

قد كنت في خير مصطاف و مرتبع

تحمي العراق و تدعى خير شيبانا

حتى تقحمت أمرا كنت تكرهه

للراكبين له سرا و إعلانا

لو كنت أديت مال الله مصطبرا

للحق زكيت أحيانا و موتانا

لكن لحقت بأهل الشام ملتمسا

فضل ابن هند فذاك الرأي أشجانا

فاليوم تقرع سن العجز من ندم

ما ذا تقول و قد كان الذي كانا

أصبحت تبغضك الأحياء قاطبة

لم يرفع الله بالعصيان إنسانا

١٤٦

فلما بلغ الكتاب إليه علم أن النصراني قد هلك و لم يلبث التغلبيون إلا قليلا حتى بلغهم هلاك صاحبهم فأتوا مصقلة فقالوا:أنت أهلكت صاحبنا فإما أن تجيئنا به و إما أن تديه فقال:أما أن أجي‏ء به فلست أستطيع ذلك و أما أن أديه فنعم فوداه.قال إبراهيم:و حدثني ابن أبي سيف عن عبد الرحمن بن جندب عن أبيه قال:قيل لعلي(عليه‌السلام )حين هرب مصقلة اردد الذين سبوا و لم تستوف أثمانهم في الرق فقال:ليس ذلك في القضاء بحق قد عتقوا إذ أعتقهم الذي اشتراهم و صار مالي دينا على الذي اشتراهم.و روى إبراهيم أيضا عن إبراهيم بن ميمون عن عمرو بن القاسم بن حبيب التمار عن عمار الدهني قال:لما هرب مصقلة قال أصحاب علي(عليه‌السلام )له:يا أمير المؤمنين فيئنا قال:إنه قد صار على غريم من الغرماء فاطلبوه.و قال ظبيان بن عمارة أحد بني سعد بن زيد مناة في بني ناجية:

هلا صبرت للقراع ناجيا

و المرهفات تختلي الهواديا

و الطعن في نحوركم تواليا

و صائبات الأسهم القواضيا

و قال ظبيان أيضا:

ألا فاصبروا للطعن و الضرب ناجيا

و للمرهفات يختلين الهواديا

فقد صب رب الناس خزيا عليكم

و صيركم من بعد عز مواليا

١٤٧

سما لكم بالخيل جردا عواديا

أخو ثقة لا يبرح الدهر غازيا

فصبحكم في رحلكم و خيولكم

بضرب يرى منه المدجج هاويا

فأصبحتم من بعد عز و كثرة

عبيد العصا لا تمنعون الذراريا

قال إبراهيم بن هلال و روى عبد الرحمن بن حبيب عن أبيه:أنه لما بلغ عليا(عليه‌السلام )مصاب بني ناجية و قتل صاحبهم قال:هوت أمه ما كان أنقص عقله و أجرأه إنه جاءني مرة فقال:إن في أصحابك رجالا قد خشيت أن يفارقوك فما ترى فيهم فقلت إني لا آخذ على التهمة و لا أعاقب على الظن و لا أقاتل إلا من خالفني و ناصبني و أظهر العداوة لي ،ثم لست مقاتله حتى أدعوه و أعذر إليه فإن تاب و رجع قبلنا منه و إن أبى إلا الاعتزام على حربنا استعنا بالله عليه و ناجزناه فكف عني ما شاء الله ،ثم جاءني مرة أخرى فقال لي:إني قد خشيت أن يفسد عليك عبد الله بن وهب و زيد بن حصين الطائي إني سمعتهما يذكرانك بأشياء لو سمعتهما لم تفارقهما حتى تقتلهما أو توثقهما فلا يزالان بمحبسك أبدا فقلت له إني مستشيرك فيهما فما ذا تأمرني به قال:إني آمرك أن تدعو بهما فتضرب رقابهما فعلمت أنه لا ورع له و لا عقل فقلت له و الله ما أظن لك ورعا و لا عقلا لقد كان ينبغي لك أن تعلم أني لا أقتل من لم يقاتلني و لم يظهر لي عداوته للذي كنت أعلمتكه من رأيي حيث جئتني في المرة الأولى و لقد كان ينبغي لك لو أردت قتلهم أن تقول لي اتق الله بم تستحل قتلهم و لم يقتلوا أحدا و لم ينابذوك و لم يخرجوا من طاعتك.فأما ما يقوله الفقهاء في مثل هذا السبي فقبل أن نذكر ذلك نقول إن الرواية قد

١٤٨

اختلفت في المرتدين من بني ناجية فالرواية الأولى التي رواها محمد بن عبد الله بن عثمان عن نصر بن مزاحم تتضمن أن الأمير الذي من قبل علي(عليه‌السلام )قتل مقاتلة المرتدين منهم بعد امتناعهم من العود إلى الإسلام و سبى ذراريهم فقدم بها على علي(عليه‌السلام )فعلى هذه الرواية يكون الذين اشتراهم مصقلة ذراري أهل الردة.و الرواية الثانية التي رواها محمد بن عبد الله عن ابن أبي سيف تتضمن أن معقل بن قيس الأمير من قبل علي(عليه‌السلام )لم يقتل من المرتدين من بني ناجية إلا رجلا واحدا و أما الباقون فرجعوا إلى الإسلام و الاسترقاق إنما كان للنصارى الذين ساعدوا في الحرب و شهروا السيف على جيش الإمام و ليسوا مرتدين بل نصارى في الأصل و هم الذين اشتراهم مصقلة.فإن كانت الرواية الأولى هي الصحيحة ففيها إشكال ؛ لأن المرتدين لا يجوز عند الفقهاء استرقاقهم و لا أعرف خلافا في هذه المسألة و لا أظن الإمامية أيضا تخالف فيها و إنما ذهب أبو حنيفة إلى أن المرأة المرتدة إذا لحقت بدار الحرب جاز استرقاقها و سائر الفقهاء على خلافه و لم يختلفوا في أن الذكور البالغين من المرتدين لا يجوز استرقاقهم فلا أعلم كيف وقع استرقاق المرتدين من بني ناجية على هذه الرواية على أني أرى أن الرواية المذكورة لم يصرح فيها باسترقاقهم و لا بأنهم بيعوا على مصقلة ؛ لأن لفظ الراوي فأبوا فقتل مقاتلتهم و سبى ذراريهم فقدم بهم على علي(عليه‌السلام )و ليس في الرواية ذكر استرقاقهم و لا بيعهم على مصقلة بل فيها ما ينافي بيعهم على مصقلة و هو قوله فقدم بهم على علي(عليه‌السلام )فإن مصقلة ابتاع السبي من الطريق في أردشيرخرة قبل قدومه على علي(عليه‌السلام )و لفظ الخبر فقدم بهم على علي(عليه‌السلام ).و إنما يبقى الأشكال على هذه الرواية أن يقال:إذا كان قد قدم بهم على علي(عليه‌السلام )

١٤٩

فمصقلة من اشترى و لا يمكن دفع كون مصقلة اشترى قوما في الجملة فإن الخبر بذلك مشهور جدا يكاد يكون متواترا.فإن قيل فما قولكم فيما إذا ارتد البالغون من الرجال و النساء،ثم أولدوا ذرية صغارا بعد الردة هل يجوز استرقاق الأولاد فإن كان يجوز فهلا حملتم الخبر عليه قيل إذا ارتد الزوجان فحملت منه في حال الردة و أتت بولد كان محكوما بكفره ؛ لأنه ولد بين كافرين.و هل يجوز استرقاقه فيه للشافعي قولان و أما أبو حنيفة فقال:إن ولد في دار الإسلام لم يجز استرقاقه و إن ولد في دار الحرب جاز استرقاقه فإن كان استرقاق هؤلاء الذرية موافقا لأحد قولي الشافعي فلعله ذاك.و أما الرواية الثانية فإن كانت هي الصحيحة و هو الأولى فالفقه في المسألة أن الذمي إذا حارب المسلمين فقد نقض عهده فصار كالمشركين الذين في دار الحرب فإذا ظفر به الإمام جاز استرقاقه و بيعه و كذلك إذا امتنع من أداء الجزية أو امتنع من التزام أحكام الإسلام.و اختلف الفقهاء في أمور سبعة هل ينتقض بها عهدهم و يجوز استرقاقهم أم لا و هي أن يزني الذمي بمسلمة أو يصيبها باسم نكاح أو يفتن مسلما عن دينه أو يقطع الطريق على المسلمين أو يؤوي للكفار عينا أو يدل على عورات المسلمين أو يقتل مسلما.فأصحاب الشافعي يقولون إن شرط عليهم في عقد الذمة الكف عن ذلك فهل ينقض عهدهم بفعله فيه وجهان و إن لم يشترط ذلك في عقد الذمة لم ينتقض عهدهم بذلك.و قال الطحاوي من أصحاب أبي حنيفة:ينتقض عهدهم بذلك سواء شورطوا عن

١٥٠

الكف عنه في عقد الذمة أو لم يشارطوا عليه،فنصارى بني ناجية على هذه الرواية قد انتقض عهدهم بحرب المسلمين،فأبيحت دماؤهم،و جاز للإمام قتلهم،و جاز له استرقاقهم كالمشركين الأصليين في دار الحرب،و أما استرقاق أبي بكر بن أبي قحافة لأهل الردة و سبيه ذراريهم،فإن صح كان مخالفا لما يقول الفقهاء من تحريم استرقاق المرتدين،إلا أن يقولوا إنه لم يسب المرتدين،و إنما سبى من ساعدهم و أعانهم في الحرب من المشركين الأصليين،و في هذا الموضع نظر

١٥١

٤٥.و من خطبة له(عليه‌السلام )

(اَلْحَمْدُ لِلَّهِ غَيْرَ مَقْنُوطٍ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ لاَ مَخْلُوٍّ مِنْ نِعْمَتِهِ وَ لاَ مَأْيُوسٍ مِنْ مَغْفِرَتِهِ وَ لاَ مُسْتَنْكَفٍ عَنْ عِبَادَتِهِ اَلَّذِي لاَ تَبْرَحُ مِنْهُ رَحْمَةٌ وَ لاَ تُفْقَدُ لَهُ نِعْمَةٌ وَ اَلدُّنْيَا دَارٌ مُنِيَ لَهَا اَلْفَنَاءُ وَ لِأَهْلِهَا مِنْهَا اَلْجَلاَءُ وَ هِيَ حُلْوَةٌ خَضِرَةٌ خَضْرَاءُ وَ قَدْ عَجِلَتْ لِلطَّالِبِ وَ اِلْتَبَسَتْ بِقَلْبِ اَلنَّاظِرِ فَارْتَحِلُوا مِنْهَا بِأَحْسَنِ مَا بِحَضْرَتِكُمْ مِنَ اَلزَّادِ وَ لاَ تَسْأَلُوا فِيهَا فَوْقَ اَلْكَفَافِ وَ لاَ تَطْلُبُوا مِنْهَا أَكْثَرَ مِنَ اَلْبَلاَغِ مني لها الفناء أي قدر و الجلاء بفتح الجيم الخروج عن الوطن قال سبحانه وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اَللَّهُ عَلَيْهِمُ اَلْجَلاءَ).و حلوة خضرة مأخوذ من قول رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم ):إن الدنيا حلوة خضرة،و إن الله مستخلفكم فيها فناظر كيف تعملون.و الكفاف من الرزق قدر القوت،و هو ما كف عن الناس،أي:أغنى.و البلاغ و البلغة من العيش ما يتبلغ به.

١٥٢

و اعلم أن هذا الفصل يشتمل على فصلين من كلام أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،أحدهما:حمد الله و الثناء عليه إلى قوله و لا تفقد له نعمة،و الفصل الثاني:ذكر الدنيا إلى آخر الكلام،و أحدهما غير مختلط بالآخر و لا منسوق عليه،و لكن الرضي رحمة الله تعالى يلتقط كلام أمير المؤمنين(عليه‌السلام )التقاطا،و لا يقف مع الكلام المتوالي ؛ لأن غرضه ذكر فصاحته(عليه‌السلام )لا غير و لو أتى بخطبه كلها على وجهها لكانت أضعاف كتابه الذي جمعه.

فصل بلاغي في الموازنة و السجع

فأما الفصل الأول:فمشتمل من علم البيان على باب كبير يعرف بالموازنة و ذلك غير مقنوط،فإنه وازنه في الفقرة الثانية بقوله و لا مخلو،ألا ترى أن كل واحدة منهما على وزن مفعول،ثم قال في الفقرة الثالثة:و لا مأيوس فجاء بها على وزن مفعول أيضا،و لم يمكنه في الفقرة الرابعة ما أمكنه في الأولى،فقال:و لا مستنكف فجاء به على وزن مستفعل،و هو و إن كان خارجا عن الوزن،فإنه غير خارج عن المفعولية ؛ لأن مستفعل مفعول في الحقيقة،كقولك:زيد مستحسن،ألا ترى أن مستحسنا من استحسنه فهو أيضا غير خارج عن المفعولية.ثم وازن(عليه‌السلام )بين قوله:لا تبرح و قوله:لا تفقد و بين رحمة و نعمة،فأعطت هذه الموازنات الكلام من الطلاوة،و الصنعة ما لا تجده عليه لو قال الحمد لله غير مخلو من نعمته و لا مبعد من رحمته ؛ لأن مبعد بوزن مفعل و هو غير مطابق و لا مماثل لمفعول،بل هو بناء آخر.و كذلك لو قال:لا تزول منه رحمة،فإن تزول ليست في المماثلة و الموازنة

١٥٣

لتفقد كتبرح ألا ترى أنها معتلة و تلك صحيحة،و كذلك لو قال:لا تبرح منه رحمة و لا يفقد له أنعام،فإن أنعاما ليس في وزن رحمة و الموازنة مطلوبة في الكلام الذي يقصد فيه الفصاحة لأجل الاعتدال الذي هو مطلوب الطبع في جميع الأشياء و الموازنة أعم من السجع ؛ لأن السجع تماثل أجزاء الفواصل لو أوردها على حرف واحد،نحو:القريب و الغريب و النسيب و ما أشبه ذلك،و أما الموازنة فنحو:القريب و الشديد و الجليل،و ما كان على هذا الوزن و إن لم يكن الحرف الآخر بعينه واحدا،و كل سجع موازنة،و ليس كل موازنة سجعا،و مثال الموازنة في الكتاب العزيز:( وَ آتَيْناهُمَا اَلْكِتابَ اَلْمُسْتَبِينَ وَ هَدَيْناهُمَا اَلصِّراطَ اَلْمُسْتَقِيمَ ) ،و قوله تعالى:( لِيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا ) ،ثم قال:( وَ يَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا ) ،ثم قال:( تَؤُزُّهُمْ أَزًّا ) ،ثم قال:( نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا ) فهذه الموازنة.و مما جاء من المثال في الشعر قوله:

بأشدهم بأسا على أعدائهم

و أعزهم فقدا على الأصحاب

فقوله:و أعزهم بإزاء أشدهم،و قوله:فقدا بإزاء بأسا.و الموازنة كثيرة في الكلام و هي في كتاب الله تعالى أكثر.

نبذ من كلام الحكماء في مدح القناعة و ذم الطمع

فأما الفصل الثاني،فيشتمل على التحذير من الدنيا و على الأمر بالقناعة و الرضا بالكفاف،فأما التحذير من الدنيا فقد ذكرنا و نذكر منه ما يحضرنا،و أما القناعة فقد ورد فيها شي‏ء كثير.

١٥٤

قال رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )لأخوين من الأنصار:لا تيئسا من روح الله ما تهزهزت رءوسكما،فإن أحدكم يولد لا قشر عليه،ثم يكسوه الله و يرزقه،و عنه(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و يعزى إلى أمير المؤمنين(عليه‌السلام ):القناعة كنز لا ينفد،و ما يقال:إنه من كلام لقمان الحكيم كفى بالقناعة عزا،و بطيب النفس نعيما،و من كلام عيسى(عليه‌السلام ):اتخذوا البيوت منازل،و المساجد مساكن و كلوا من بقل البرية،و اشربوا من الماء القراح،و اخرجوا من الدنيا بسلام لعمري لقد انقطعتم إلى غير الله فما ضيعكم،أفتحافون الضيعة إذا انقطعتم إليه.و في بعض الكتب الإلهية القديمة،يقول الله تعالى:يا ابن آدم،أتخاف أن أقتلك بطاعتي هزلا و أنت تتفتق بمعصيتي سمنا.قال أبو وائل:ذهبت أنا و صاحب لي إلى سلمان الفارسي فجلسنا عنده،فقال:لو لا أن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )نهى عن التكلف لتكلفت لكم،ثم جاء بخبز و ملح ساذج لا أبزار عليه،فقال صاحبي:لو كان لنا في ملحنا هذا سعتر،فبعث سلمان بمطهرته فرهنها على سعتر،فلما أكلنا قال صاحبي:الحمد لله الذي قنعنا بما رزقنا فقال سلمان:لو قنعت بما رزقك لم تكن مطهرتي مرهونة.عباد بن منصور لقد كان بالبصرة من هو أفقه من عمرو بن عبيد و أفصح،و لكنه كان أصبرهم عن الدينار و الدرهم فساد أهل البصرة.قال خالد بن صفوان لعمرو بن عبيد:لم لا تأخذ مني ؟ فقال:لا يأخذ أحد من أحد إلا ذل له و أنا أكره أن أذل لغير الله.

١٥٥

كان معاش عمرو بن عبيد من دار ورثها كان يأخذ أجرتها في كل شهر دينارا واحدا فيتبلغ به.الخليل بن أحمد كان الناس يكتسبون الرغائب بعلمه،و هو بين أخصاص البصرة لا يلتفت إلى الدنيا و لا يطلبها.وهب بن منبه أرملت مرة حتى كدت أقنط،فأتاني آت في المنام و معه شبه لوزة،فقال:افضض ففضضتها،فإذا حريرة فيها ثلاثة أسطر لا ينبغي لمن عقل عن الله أمره،و عرف لله عدله أن يستبطئ الله في رزقه فقنعت و صبرت،ثم أعطاني الله فأكثر.

قيل للحسن(عليه‌السلام ):إن أبا ذر كان يقول الفقر أحب إلي من الغنى،و السقم أحب إلي من الصحة،فقال:رحم الله أبا ذر،أما أنا فأقول من اتكل إلى حسن الاختيار من الله لم يتمن أنه في غير الحال التي اختارها الله له لعمري،يا ابن آدم،الطير لا تأكل رغدا و لا تخبأ لغد،و أنت تأكل رغدا و تخبأ لغد،فالطير أحسن ظنا منك بالله عز و جل،حبس عمر بن عبد العزيز الغذاء عن مسلمة حتى برح به الجوع،ثم دعا بسويق فسقاه،فلما فرغ منه لم يقدر على الأكل،فقال:يا مسلمة،إذا كفاك من الدنيا ما رأيت فعلام التهافت في النار.عبد الواحد بن زيد ما أحسب شيئا من الأعمال يتقدم الصبر إلا الرضا و القناعة،و لا أعلم درجة أرفع من الرضا و هو رأس المحبة.قال ابن شبرمة في محمد بن واسع:لو أن إنسانا اكتفى بالتراب لاكتفى به.يقال من جملة ما أوحى الله تعالى إلى موسى(عليه‌السلام ):قل لعبادي المتسخطين لرزقي إياكم أن أغضب فأبسط عليكم الدنيا.

١٥٦

كان لبعض الملوك نديم فسكر،ففاتته الصلاة،فجاءت جارية له بجمرة نار،فوضعتها على رجله فانتبه مذعورا،فقالت:إنك لم تصبر على نار الدنيا فكيف تصبر على نار الآخرة ؟ فترك الدنيا و انقطع إلى العبادة،و قعد يبيع البقل،فدخل عليه الفضيل و ابن عيينة،فإذا تحت رأسه لبنة و ليس تحت جنبه حصير،فقالا:له إنا روينا أنه لم يدع أحد شيئا لله إلا عوضه خيرا منه فما عوضك ؟ قال:القناعة و الرضا بما أنا فيه.أصابت داود الطائي ضائقة شديدة،فجاء حماد بن أبي حنيفة بأربعمائة درهم من تركة أبيه،فقال داود:هي لعمري من مال رجل ما أقدم عليه أحدا في زهده و ورعه و طيب كسبه،و لو كنت قابلا من أحد شيئا لقبلتها إعظاما للميت و إيجابا للحي،و لكني أحب أن أعيش في عز القناعة.سفيان الثوري:ما أكلت طعام أحد قط إلا هنت عليه.مسعر بن كدام من صبر على الخل و البقل لم يستعبد.فضيل:أصل الزهد الرضا بما رزقك الله،ألا تراه كيف يصنع بعبده ما تصنع الوالدة الشفيقة بولدها تطعمه مرة خبيصا و مرة صبرا،تريد بذلك ما هو أصلح له.

المسيح(عليه‌السلام ):أنا الذي كببت الدنيا على وجهها و قدرتها بقدرها ليس لي ولد يموت،و لا بيت يخرب،وسادي الحجر،و فراشي المدر،و سراجي القمر أمير المؤمنين(عليه‌السلام )أكل تمر دقل،ثم شرب عليه ماء و مسح بطنه،و قال:من أدخلته بطنه النار فأبعده الله،ثم أنشد:

فإنك إن أعطيت بطنك سؤله

و فرجك نالا منتهى الذم أجمعا

١٥٧

في الحديث الصحيح المرفوع إن روح القدس نفث في روعي أنه لن تموت نفس حتى تستكمل رزقها فأجملوا في الطلب.من كلام الحكماء من ظفر بالقناعة،فقد ظفر بالكيمياء الأعظم.الحسن:الحريص الراغب و القانع الزاهد كلاهما مستوف أجله مستكمل أكله غير مزداد و لا منتقص مما قدر له فعلام التقحم في النار.

ابن مسعود رفعه:إنه ليس أحد بأكيس من أحد قد كتب النصيب و الأجل،و قسمت المعيشة و العمل و الناس يجرون منهما إلى منتهى معلوم.المسيح(عليه‌السلام )انظروا إلى طير السماء تغدو و تروح ليس معها شي‏ء من أرزاقها لا تحرث و لا تحصد و الله يرزقها،فإن زعمتم أنكم أوسع بطونا من الطير،فهذه الوحوش من البقر و الحمر لا تحرث و لا تحصد و الله يرزقها.سويد بن غفلة كان إذا قيل له قد ولي فلان يقول حسبي كسرتي و ملحي.وفد عروة بن أذينة على هشام بن عبد الملك فشكا إليه خلته،فقال له:ألست القائل:

لقد علمت و ما الإشراف من خلقي

أن الذي هو رزقي سوف يأتيني

أسعى له فيعنيني تطلبه

و لو قعدت أتاني لا يعنيني

فكيف خرجت من الحجاز إلى الشام تطلب الرزق،ثم اشتغل عنه فخرج و قعد على ناقته و نصها راجعا إلى الحجاز،فذكره هشام في الليل،فسأل عنه فقيل إنه رجع إلى الحجاز فتذمر و ندم،و قال رجل:قال حكمة و وفد علي مستجديا فجبهته،

١٥٨

و رددته،ثم وجه إليه بألفي درهم فجاء الرسول و هو بالمدينة فدفعها إليه،فقال له:قل لأمير المؤمنين كيف رأيت سعيت،فأكديت و قعدت في منزلي،فأتاني رزقي.عمر بن الخطاب تعلم أن الطمع فقر و أن اليأس غنى و من يئس من شي‏ء استغنى عنه أهدي لرسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )طائران،فأكل أحدهما عشية،فلما أصبح طلب غداء فأتته بعض أزواجه بالطائر الآخر،فقال:ألم أنهك أن ترفعي شيئا لغد،فإن من خلق الغد خلق رزقه و في الحديث المرفوع قد أفلح من رزق كفافا و قنعه الله بما آتاه من حكمة سليمان(عليه‌السلام )قد جربنا لين العيش و شدته،فوجدنا أهنأه أدناه وهب في قوله تعالى:( فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً ) قال:القناعة.بعض حكماء الشعراء:

فلا تجزع إذا أعسرت يوما

فقد أيسرت في الدهر الطويل

و لا تظنن بربك ظن سوء

فإن الله أولى بالجميل

و إن العسر يتبعه يسار

و قيل الله أصدق كل قيل

و لو أن العقول تجر رزقا

لكان المال عند ذوي العقول

عائشة:قال لي رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )إن أردت اللحوق بي فيكفيك من الدنيا زاد الراكب،و لا تخلقي ثوبا حتى ترقعيه،و إياك و مجالسة الأغنياء

١٥٩

يقال:إن جبرائيل(عليه‌السلام )جاء إلى رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )بمفاتيح خزائن الدنيا،فقال:لا حاجة لي فيها،بل جوعتان و شبعة.وجد مكتوبا على صخرة عادية يا ابن آدم،لست ببالغ أملك و لا سابق أجلك،و لا مغلوب على رزقك،و لا مرزوق ما ليس لك،فعلام تقتل نفسك.الحسين بن الضحاك:

يا روح من عظمت قناعته

حسم المطامع من غد و غد

من لم يكن لله متهما

لم يمس محتاجا إلى أحد

أوحى الله تعالى إلى بعض أنبيائه،أتدري لم رزقت الأحمق ؟ قال:لا.قال:ليعلم العاقل أن طلب الرزق ليس بالاحتمال.قنط يوسف بن يعقوب(عليه‌السلام )في الجب لجوع اعتراه،فأوحي إليه انظر إلى حائط البئر،فنظر،فانفرج الحائط عن ذرة على صخرة معها طعامها،فقيل له:أتراني لا أغفل عن هذه الذرة و أغفل عنك و أنت نبي ابن نبي.دخل علي(عليه‌السلام )المسجد و قال لرجل:أمسك على بغلتي فخلع لجامها و ذهب به،فخرج علي(عليه‌السلام )بعد ما قضى صلاته و بيده درهمان ليدفعهما إليه مكافأة له،فوجد البغلة عطلا،فدفع إلى أحد غلمانه الدرهمين ليشتري بهما لجاما،فصادف الغلام اللجام المسروق في السوق قد باعه الرجل بدرهمين،فأخذه بالدرهمين و عاد إلى مولاه،فقال علي(عليه‌السلام ):إن العبد ليحرم نفسه الرزق الحلال بترك الصبر

١٦٠

و لا يزاد على ما قدر له

سليمان بن المهاجر البجلي:

كسوت جميل الصبر وجهي فصانه

به الله عن غشيان كل بخيل

فلم يتبذلني البخيل و لم أقم

على بابه يوما مقام ذليل

و إن قليلا يستر الوجه أن يرى

إلى الناس مبذولا لغير قليل

وقف بعض الملوك على سقراط و هو في المشرقة،فقال له:سل حاجتك.قال:حاجتي أن تزيل عني ظلك فقد منعتني الرفق بالشمس،فأحضر له ذهبا و كسوة ديباج،فقال:إنه لا حاجة بسقراط إلى حجارة الأرض و لعاب الدود إنما حاجته إلى أمر يصحبه حيثما توجه.صلى معروف الكرخي خلف إمام فلما انفتل سأل ذلك الإمام معروفا من أين تأكل ؟ قال:اصبر علي حتى أعيد ما صليته خلفك.قال:لماذا ؟ قال:لأن من شك في الرزق شك في الرازق.قال الشاعر:

و لا تهلكن النفس وجدا و حسرة

على الشي‏ء أسداه لغيرك قادرة

و لا تيأسن من صالح أن تناله

و إن كان نهبا بين أيد تبادره

فإنك لا تعطي أمرا حظ نفسه

و لا تمنع الشق الذي الغيث ناصره

قال عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب:قد مللت الناس و أحببت أن ألحق بصاحبي،فقال:إن سرك اللحوق بهما فقصر أملك و كل دون الشبع،و اخصف النعل،و كن كميش الإزار مرقوع القميص تلحق بهما.

١٦١

و قال بعض شعراء العجم:

غلا السعر في بغداد من بعد رخصة

و إني في الحالين بالله واثق

فلست أخاف الضيق و الله واسع

غناه و لا الحرمان و الله رازق

قيل لعلي(عليه‌السلام )لو سد على رجل باب بيت و ترك فيه من أين كان يأتيه رزقه قال:من حيث كان يأتيه أجله.قال بعض الشعراء:

صبرت النفس لا أجز

ع من حادثة الدهر

رأيت الرزق لا يكسب

بالعرف و لا النكر

و لا بالسلف الأمثل

أهل الفضل و الذكر

و لا بالسمر اللدن

و لا بالخذم البتر

و لا بالعقل و الدين

و لا الجاه و لا القدر

و لا يدرك بالطيش

و لا الجهل و لا الهذر

و لكن قسم تجري

بما ندري و لا ندري

سجاء فتح بن شخرف إلى منزله بعد العشاء فلم يجد عندهم ما يتعشى به و لا وجد دهنا للسراج،و هم في الظلمة فجلس ليلة يبكي من الفرح و يقول:بأي يد قد كانت مني ؟ بأي طاعة تنعم علي بأن أترك على مثل هذه الحال.لقي هرم بن حيان أويسا القرني،فقال:السلام عليك يا أويس بن عامر،فقال:و عليك السلام يا هرم بن حيان،فقال هرم:أما إني عرفتك بالصفة فكيف عرفتني ؟ قال:إن أرواح المؤمنين لتشام كما تشام الخيل فيعرف بعضها بعضا،قال:أوصني،

١٦٢

قال:عليك بسيف البحر،قال:فمن أين المعاش ؟ قال:أف لك خالطت الشك الموعظة أتفر إلى الله بدينك و تتهمه في رزقك.منصور الفقيه:

الموت أسهل عندي

بين القنا و الأسنه

و الخيل تجري سراعا

مقطعات الأعنه

من أن يكون لنذل

على فضل و منه

أعرابي:

أتيئس أن يقارنك النجاح

فأين الله و القدر المتاح

قال رجل لرسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )أوصني.قال:إياك و الطمع،فإنه فقر حاضر و عليك باليأس مما في أيدي الناس.حكيم أحسن الأحوال حال يغبطك بها من دونك و لا يحقرك لها من فوقك.أبو العلاء المعري:

فإن كنت تهوى العيش فابغ توسطا

فعند التناهي يقصر المتطاول

توقي البدور النقص و هي أهلة

و يدركها النقصان و هي كوامل

خالد بن صفوان كن أحسن ما تكون في الظاهر حالا أقل ما تكون في الباطن مالا،فإن الكريم من كرمت عند الحاجة خلته و اللئيم من لؤمت عند الفاقة طعمته.

١٦٣

شعر:

و كم ملك جانبته من كراهة

لإغلاق باب أو لتشديد حاجب

ولي في غنى نفسي مراد و مذهب

إذا أبهمت دوني وجوه المذاهب

بعض الحكماء ينبغي للعاقل أن يكون في دنياه كالمدعو إلى الوليمة إن أتته صحفة تناولها،و إن جازته لم يرصدها و لم يطلبها.

١٦٤

46.و من كلام له(عليه‌السلام )عند عزمه على المسير إلى الشام

(اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ اَلسَّفَرِ وَ كَآبَةِ اَلْمُنْقَلَبِ وَ سُوءِ اَلْمَنْظَرِ فِي اَلْأَهْلِ وَ اَلْمَالِ وَ اَلْوَلَدِ اَللَّهُمَّ أَنْتَ اَلصَّاحِبُ فِي اَلسَّفَرِ وَ أَنْتَ اَلْخَلِيفَةُ فِي اَلْأَهْلِ وَ لاَ يَجْمَعُهُمَا غَيْرُكَ ؛ لِأَنَّ اَلْمُسْتَخْلَفَ لاَ يَكُونُ مُسْتَصْحَباً وَ اَلْمُسْتَصْحَبُ لاَ يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً)،قال الرضيرحمه‌الله :و ابتداء هذا الكلام مروي عن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و قد قفاه أمير المؤمنين(عليه‌السلام )بأبلغ كلام و تممه بأحسن تمام من قوله و لا يجمعهما غيرك إلى آخر الفصل وعثاء السفر مشقته ،و أصل الوعث المكان السهل الكثير الدهس تغيب فيه الأقدام ،و يشق على من يمشي فيه أوعث القوم ،أي:وقعوا في الوعث و الكآبة الحزن و المنقلب مصدر من انقلب منقلبا ،أي:رجع و سوء المنظر قبح المرأى.

١٦٥

و صدر الكلام مروي عن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )في المسانيد الصحيحة،و ختمه أمير المؤمنين(عليه‌السلام )و تممه بقوله،و لا يجمعهما غيرك و هو الصحيح ؛ لأن من يستصحب لا يكون مستخلفا،فإنه مستحيل أن يكون الشي‏ء الواحد في المكانين مقيما و سائرا و إنما تصح هذه القضية في الأجسام ؛ لأن الجسم الواحد لا يكون في جهتين في وقت واحد،فأما ما ليس بجسم و هو البارئ سبحانه،فإنه في كل مكان لا على معنى أن ذاته ليست مكانية و إنما المراد علمه و إحاطته و نفوذ حكمه و قضائه و قدره،فقد صدق(عليه‌السلام )أنه المستخلف و أنه المستصحب و أن الأمرين مجتمعان له جل اسمه.و هذا الدعاء دعا به أمير المؤمنين(عليه‌السلام )بعد وضع رجله في الركاب من منزله بالكوفة متوجها إلى الشام لحرب معاوية و أصحابه ذكره نصر بن مزاحم في كتاب صفين،و ذكره غيره أيضا من رواة السيرة

أدعية علي عند خروجه من الكوفة لحرب معاوية

قال نصر:لما وضع علي(عليه‌السلام )رجله في ركاب دابته يوم خرج من الكوفة إلى صفين،قال:بسم الله،فلما جلس على ظهرها قال:( سبحان الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين و إنا إلى ربنا لمنقلبون ) ،اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر إلى آخر الفصل،و زاد فيه نصر و من الحيرة بعد اليقين قال،ثم خرج أمامه الحر بن سهم بن طريف و هو يرتجز و يقول:

يا فرسي سيري و أمي الشاما

و قطعي الحزون و الأعلاما

و نابذي من خالف الإماما

إني لأرجو إن لقينا العاما

١٦٦

جمع بني أمية الطغاما

أن نقتل العاصي و الهماما

و أن نزيل من رجال هاما

قال و قال حبيب بن مالك و هو على شرطة علي(عليه‌السلام )و هو آخذ بعنان دابته يا أمير المؤمنين،أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد بالقتال و تخلفني بالكوفة لحشر الرجال،فقال(عليه‌السلام ):إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلا كنت شريكهم فيه،و أنت هاهنا أعظم غناء عنهم منك لو كنت معهم،فخرج علي(عليه‌السلام )حتى إذا حاذى الكوفة صلى ركعتين.قال:و حدثنا عمرو بن خالد عن أبي الحسين،زيد بن علي(عليه‌السلام )عن آبائه:أن عليا(عليه‌السلام )خرج و هو يريد صفين حتى إذا قطع النهر أمر مناديه،فنادى بالصلاة،فتقدم فصلى ركعتين حتى إذا قضى الصلاة أقبل على الناس بوجهه،فقال:أيها الناس،ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم الصلاة،فإنا قوم سفر،ألا و من صحبنا فلا يصومن المفروض،و الصلاة المفروضة ركعتان.قال نصر:ثم خرج حتى نزل دير أبي موسى،و هو من الكوفة على فرسخين،فصلى به العصر،فلما انصرف من الصلاة قال:سبحان الله ذي الطول و النعم،سبحان الله ذي القدرة و الإفضال،أسأل الله الرضا بقضائه،و العمل بطاعته و الإنابة إلى أمره،إنه سميع الدعاء.قال نصر:ثم خرج(عليه‌السلام )حتى نزل على شاطئ نرس بين موضع حمام أبي بردة و حمام عمر،فصلى بالناس المغرب،فلما انصرف

قال:الحمد لله الذي يولج

١٦٧

الليل في النهار و يولج النهار في الليل،و الحمد لله كلما وقب ليل و غسق،و الحمد لله كلما لاح نجم و خفق،ثم أقام حتى صلى الغداة،ثم شخص حتى بلغ إلى قبة قبين و فيها نخل طوال إلى جانب البيعة من وراء النهر،فلما رآها قال:( و النخل باسقات لها طلع نضيد ) ،ثم أقحم دابته النهر فعبر إلى تلك البيعة فنزلها و مكث قدر الغداء.قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد،عن محمد بن مخنف بن سليم قال:إني لأنظر إلى أبي و هو يساير عليا(عليه‌السلام )،و علي يقول له:إن بابل أرض قد خسف بها فحرك دابتك لعلنا نصلي العصر خارجا منها،فحرك دابته و حرك الناس دوابهم في أثره،فلما جاز جسر الفرات نزل فصلى بالناس العصر،قال:حدثني عمر بن عبد الله،بن يعلى،بن مرة الثقفي،عن أبيه،عن عبد خير قال:كنت مع علي أسير في أرض بابل،قال:و حضرت الصلاة صلاة العصر،قال:فجعلنا لا نأتي مكانا إلا رأيناه أفيح من الآخر،قال:حتى أتينا على مكان أحسن ما رأينا،و قد كادت الشمس أن تغيب،قال:فنزل علي(عليه‌السلام )فنزلت معه،قال:فدعا الله فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر،قال:فصليت العصر،ثم غابت الشمس،ثم خرج حتى أتى دير كعب،ثم خرج منه فبات بساباط فأتاه دهاقينها يعرضون عليه النزل و الطعام،فقال:لا ليس ذلك لنا عليكم،فلما أصبح و هو بمظلم ساباط

١٦٨

قرأ:( أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ) .قال نصر:و بلغ عمرو بن العاص مسيره فقال:

لا تحسبني يا علي غافلا

لأوردن الكوفة القنابلا

بجمعي العام و جمعي قابلا

قال:فبلغ ذلك عليا(عليه‌السلام )،فقال:

لأوردن العاصي ابن العاصي

سبعين ألفا عاقدي النواصي

مستحقبين حلق الدلاص

قد جنبوا الخيل مع القلاص

أسود غيل حين لا مناص

نزول علي بكربلاء

قال نصر:و حدثنا منصور بن سلام التميمي،قال:حدثنا حيان التيمي عن أبي عبيدة عن هرثمة بن سليم،قال:غزونا مع علي(عليه‌السلام )صفين،فلما نزل بكربلاء صلى بنا فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها،ثم قال:واها لك يا تربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب.قال:فلما رجع هرثمة من غزاته إلى امرأته جرداء بنت سمير،و كانت من شيعة علي(عليه‌السلام )حدثها هرثمة فيما حدث،فقال لها:ألا أعجبك من صديقك أبي حسن،

١٦٩

قال:لما نزلنا كربلاء و قد أخذ حفنة من تربتها فشمها،و قال:واها لك أيتها التربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب و ما علمه بالغيب،فقالت المرأة له:دعنا منك أيها الرجل،فإن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لم يقل إلا حقا.قال:فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين(عليه‌السلام )كنت في الخيل التي بعث إليهم،فلما انتهيت إلى الحسين(عليه‌السلام )و أصحابه عرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع علي(عليه‌السلام )،و البقعة التي رفع إليه من تربتها و القول الذي قاله:فكرهت مسيري،فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين(عليه‌السلام )فسلمت عليه و حدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل،فقال الحسين(عليه‌السلام ):(أمعنا أم علينا)؟ فقلت:يا ابن رسول الله لا معك و لا عليك،تركت ولدي و عيالي أخاف عليهم من ابن زياد،فقال الحسين(عليه‌السلام ):(فول هربا حتى لا ترى مقتلنا،فو الذي نفس حسين بيده لا يرى اليوم مقتلنا أحد،ثم لا يعيننا إلا دخل النار).قال:فأقبلت في الأرض أشتد هربا حتى خفي على مقتلهم.قال نصر:و حدثنا مصعب،قال:حدثنا الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي جحيفة،قال:جاء عروة البارقي إلى سعد بن وهب فسأله فقال:حديث حدثتناه عن علي بن أبي طالب،قال:نعم بعثني مخنف بن سليم إلى علي عند توجهه إلى صفين فأتيته بكربلاء فوجدته يشير بيده،و يقول هاهنا،هاهنا،فقال له:

١٧٠

رجل و ما ذاك يا أمير المؤمنين ؟ فقال:(ثقل لآل محمد ينزل هاهنا،فويل لهم منكم،و ويل لكم منهم)،فقال له الرجل:ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين ؟ قال:(ويل لهم منكم تقتلونهم،و ويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم النار).قال نصر:و قد روي هذا الكلام على وجه آخر أنه(عليه‌السلام )قال:(فويل لكم منهم و ويل لكم عليهم)،فقال الرجل:أما ويل لنا منهم فقد عرفناه،فويل لنا عليهم ما معناه ؟ فقال:(ترونهم يقتلون لا تستطيعون نصرتهم)قال نصر:و حدثنا سعيد بن حكيم العبسي عن الحسن بن كثير عن أبيه أن عليا(عليه‌السلام )أتى كربلاء فوقف بها،فقيل له:يا أمير المؤمنين،هذه كربلاء ؟ فقال:(ذات كرب و بلاء)،ثم أومأ بيده إلى مكان،فقال:هاهنا موضع رحالهم و مناخ ركابهم،ثم أومأ بيده إلى مكان آخر،فقال:هاهنا مراق دمائهم،ثم مضى إلى ساباط.

خروج علي لحرب معاوية و ما دار بينه و بين أصحابه

و ينبغي أن نذكر هاهنا ابتداء عزمه على مفارقة الكوفة و المسير إلى الشام و،ما خاطب به أصحابه و ما خاطبوه به و ما كاتب به العمال و كاتبوه جوابا عن كتبه،و جميع ذلك منقول من كتاب نصر بن مزاحم.قال نصر:حدثنا عمر بن سعد عن إسماعيل بن أبي خالد،عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود،قال:لما أراد علي(عليه‌السلام )المسير إلى الشام دعا من كان معه من المهاجرين و الأنصار فجمعهم،ثم حمد الله و أثنى عليه و قال:أما بعد،فإنكم ميامين

١٧١

الرأي،مراجيح الحلم مباركو الأمر و مقاويل بالحق،و قد عزمنا على المسير إلى عدونا و عدوكم،فأشيروا علينا برأيكم.فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص فحمد الله و أثنى عليه،و قال:أما بعد يا أمير المؤمنين،فأنا بالقوم جد خبير هم لك و لأشياعك أعداء،و هم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء،و هم مقاتلوك و مجادلوك لا يبقون جهدا مشاحة على الدنيا و ضنا بما في أيديهم منها،ليس لهم إربة غيرها إلا ما يخدعون به الجهال من طلب دم ابن عفان،كذبوا ليس لدمه ينفرون،و لكن الدنيا يطلبون انهض بنا إليهم،فإن أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق إلا الضلال و إن أبوا إلا الشقاق فذاك ظني بهم،و الله ما أراهم يبايعون و قد بقي فيهم أحد ممن يطاع إذا نهى و يسمع إذا أمر.قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد،عن الحارث بن حصيرة،عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود،أن عمار بن ياسر،قام فحمد الله و أثنى عليه و قال:يا أمير المؤمنين،إن استطعت ألا تقيم يوما واحدا،فافعل اشخص بنا قبل استعار نار الفجرة و اجتماع رأيهم على الصدود و الفرقة،و ادعهم إلى حظهم و رشدهم،فإن قبلوا سعدوا و إن أبوا إلا حربنا،فو الله إن سفك دمائهم و الجد في جهادهم لقربة عند الله و كرامة منه،ثم قام قيس بن سعد بن عبادة،فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:يا أمير المؤمنين،انكمش بنا إلى عدونا و لا تعرج،فو الله لجهادهم أحب إلي من جهاد الترك

١٧٢

و الروم لإدهانهم في دين الله و استذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )من المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان،إذا غضبوا على رجل حبسوه،و ضربوه،و حرموه،و سيروه،و فيئنا لهم في أنفسهم حلال،و نحن لهم فيما يزعمون قطين،قال:يعني رقيق،فقال أشياخ الأنصار:منهم خزيمة بن ثابت و أبو أيوب و غيرهما لم تقدمت أشياخ قومك،و بدأتهم بالكلام يا قيس،فقال:أما إني عارف بفضلكم معظم لشأنكم،و لكني وجدت في نفسي الضغن الذي في صدوركم جاش حين ذكرت الأحزاب.فقال بعضهم لبعض:ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم،فقام سهل بن حنيف فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:يا أمير المؤمنين،نحن سلم لمن سالمت و حرب لمن حاربت و رأينا رأيك و نحن يمينك،و قد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة،فتأمرهم بالشخوص و تخبرهم بما صنع لهم في ذلك من الفضل،فإنهم أهل البلد و هم الناس،فإن استقاموا لك استقام لك الذي تريد و تطلب،فأما نحن فليس عليك خلاف منا متى دعوتنا أجبناك و متى أمرتنا أطعناك.

قال نصر:فحدثنا عمر بن سعد،عن أبي مخنف،عن زكريا بن الحارث،عن أبي خشيش،عن معبد قال:قام علي(عليه‌السلام )خطيبا على منبره،فكنت تحت المنبر أسمع تحريضه الناس،و أمره لهم بالمسير إلى صفين لقتال أهل الشام،فسمعته يقول:

١٧٣

سيروا إلى أعداء الله،سيروا إلى أعداء القرآن و السنن،سيروا إلى بقية الأحزاب و قتلة المهاجرين و الأنصار،فقام رجل من بني فزارة،فقال له:أتريد أن تسير بنا إلى إخواننا من أهل الشام،فنقتلهم لك كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة،فقتلتهم كلا ها الله إذا لا نفعل ذلك.فقام الأشتر،فقال:من هذا المارق.فهرب الفزاري و اشتد الناس على أثره،فلحق في مكان من السوق تباع فيه البراذين فوطئوه بأرجلهم و ضربوه بأيديهم و نعال سيوفهم حتى قتل،فأتى علي(عليه‌السلام )فقيل له:يا أمير المؤمنين،قتل الرجل،قال:و من قتله قالوا قتلته همدان و معهم شوب من الناس،فقال:قتيل عمية لا يدرى من قتله ديته من بيت مال المسلمين،فقال:بعض بني تيم اللات بن ثعلبة:

أعوذ بربي أن تكون منيتي

كما مات في سوق البراذين أربد

تعاوره همدان خفق نعالهم

إذا رفعت عنه يد وضعت يد

فقام الأشتر فقال:يا أمير المؤمنين،لا يهدنك ما رأيت و لا يؤيسنك من نصرنا ما سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن إن جميع من ترى من الناس شيعتك لا يرغبون بأنفسهم عن نفسك و لا يحبون البقاء بعدك،فإن شئت فسر بنا إلى عدوك،فو الله ما ينجو من الموت من خافه و لا يعطي البقاء من أحبه،و إنا لعلى بينة من ربنا و إن أنفسنا لن تموت حتى يأتي أجلها،و كيف لا نقاتل قوما هم كما وصف أمير المؤمنين،و قد وثبت عصابة منهم على طائفة من المسلمين بالأمس و باعوا خلاقهم بعرض من الدنيا يسير.

١٧٤

فقال علي(عليه‌السلام ):الطريق مشترك و الناس في الحق سواء و من اجتهد رأيه في نصيحة العامة،فقد قضى ما عليه،ثم نزل فدخل منزله.قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد،قال:حدثني أبو زهير العبسي عن النضر بن صالح أن عبد الله بن المعتم العبسي،و حنظلة بن الربيع التميمي لما أمر علي(عليه‌السلام )الناس بالمسير إلى الشام دخلا عليه في رجال كثير من غطفان و بني تميم،فقال له حنظلة:يا أمير المؤمنين،إنا قد مشينا إليك في نصيحة فاقبلها و رأينا لك رأيا فلا تردنه علينا،فإنا نظرنا لك و لمن معك أقم،و كاتب هذا الرجل،و لا تعجل إلى قتال أهل الشام،فإنا و الله ما ندري و لا تدري لمن تكون الغلبة إذا التقيتم و لا على من تكون الدبرة.و قال ابن المعتم:مثل قوله و تكلم القوم الذين دخلوا معهما بمثل كلامهما فحمد علي(عليه‌السلام )الله و أثنى،ثم قال:أما بعد،فإن الله وارث العباد و البلاد،و رب السموات السبع و الأرضين السبع،و إليه ترجعون يؤتي الملك من يشاء،و ينزع الملك ممن يشاء و يعز من يشاء و يذل من يشاء أما الدبرة،فإنها على الضالين العاصين ظفروا أو ظفر بهم و ايم الله إني لأسمع كلام قوم ما أراهم يعرفون معروفا،و لا ينكرون منكرا.فقام إليه معقل بن قيس الرياحي،فقال:يا أمير المؤمنين،إن هؤلاء و الله ما آثروك بنصح و لا دخلوا عليك إلا بغش فاحذرهم،فإنهم أدنى العدو.و قال له مالك بن حبيب:إنه بلغني يا أمير المؤمنين،أن حنظلة هذا يكاتب معاوية،فادفعه إلينا نحبسه حتى تنقضي غزاتك و تنصرف.

١٧٥

و قام من بني عبس قائد بن بكير و عياش بن ربيعة العبسيان،فقالا:يا أمير المؤمنين إن صاحبنا عبد الله بن المعتم قد بلغنا أنه يكاتب معاوية فاحبسه أو مكنا من حبسه حتى تنقضي غزاتك،ثم تنصرف.فقالا:هذا جزاء لمن نظر لكم و أشار عليكم بالرأي فيما بينكم و بين عدوكم.فقال لهما علي(عليه‌السلام ):الله بيني و بينكم و إليه أكلكم،و به أستظهر عليكم اذهبوا حيث شئتم قال نصر:و بعث علي(عليه‌السلام )إلى حنظلة بن الربيع المعروف بحنظلة الكاتب،و هو من الصحابة،فقال له:يا حنظلة،أنت علي أم لي ؟ فقال:لا لك و لا عليك.قال:فما تريد قال اشخص إلى الرها،فإنه فرج من الفروج اصمد له حتى ينقضي هذا الأمر.فغضب من قوله خيار بني عمرو بن تميم و هم رهطه،فقال:إنكم و الله لا تغروني من ديني دعوني،فأنا أعلم منكم،فقالوا:و الله إن لم تخرج مع هذا الرجل لا ندع فلانة تخرج معك لأم ولده و لا ولدها،و لئن أردت ذلك لنقتلنك.فأعانه ناس من قومه و اخترطوا سيوفهم،فقال:أجلوني حتى أنظر و دخل منزله و أغلق بابه حتى إذا أمسى هرب إلى معاوية،و خرج من بعده إليه من قومه رجال كثير،و هرب ابن المعتم أيضا حتى أتى معاوية في أحد عشر رجلا من قومه.و أما حنظلة فخرج إلى معاوية في ثلاثة و عشرين رجلا من قومه لكنهما لم يقاتلا مع معاوية و اعتزلا الفريقين جميعا.

١٧٦

و قال:و أمر علي(عليه‌السلام )بهدم دار حنظلة فهدمت هدمها عريفهم شبث بن ربعي و بكر بن تميم،فقال حنظلة بهجوهما:

أيا راكبا إما عرضت فبلغن

مغلغلة عني سراة بني عمرو

فأوصيكم بالله و البر و التقى

و لا تنظروا في النائبات إلى بكر

و لا شبث ذي المنخرين كأنه

أزب جمال قد رغا ليلة النفر

و قال أيضا:يحرض معاوية بن أبي سفيان:

أبلغ معاوية بن حرب خطة

و لكل سائلة تسيل قرار

لا تقبلن دنية ترضونها

في الأمر حتى تقتل الأنصار

و كما تبوء دماؤهم بدمائكم

و كما تهدم بالديار ديار

و ترى نساؤهم يجلن حواسرا

و لهن من ثكل الرجال جؤار

قال نصر:حدثنا عمر بن سعد عن سعد بن طريف عن أبي المجاهد عن المحل بن خليفة،قال:قام عدي بن حاتم الطائي بين يدي علي(عليه‌السلام )،فحمد الله و أثنى عليه و قال:يا أمير المؤمنين،ما قلت إلا بعلم و لا دعوت إلا إلى حق و لا أمرت إلا برشد،و لكن إذا رأيت أن تستأني هؤلاء القوم و تستديمهم حتى تأتيهم كتبك،و يقدم عليهم رسلك فعلت،فإن يقبلوا يصيبوا رشدهم و العافية أوسع لنا و لهم

١٧٧

و إن يتمادوا في الشقاق و لا ينزعوا عن الغي فسر إليهم،و قد قدمنا إليهم بالعذر،و دعوناهم إلى ما في أيدينا من الحق،فو الله لهم من الحق أبعد و على الله أهون من قوم قاتلناهم أمس بناحية البصرة لما دعوناهم إلى الحق فتركوه ناوجناهم براكاء القتال،حتى بلغنا منهم ما نحب و بلغ الله منهم رضاه.فقام زيد بن حصين الطائي و كان من أصحاب البرانس المجتهدين،فقال:الحمد لله حتى يرضى و لا إله إلا الله ربنا،أما بعد،فو الله إن كنا في شك من قتال من خالفنا،و لا تصلح لنا النية في قتالهم حتى نستديمهم و نستأنيهم ما الأعمال إلا في تباب و لا السعي إلا في ضلال،و الله تعالى يقول:( وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) إننا و الله ما ارتبنا طرفة عين فيمن يتبعونه،فكيف بأتباعه القاسية قلوبهم القليل من الإسلام حظهم أعوان الظلمة،و أصحاب الجور و العدوان ليسوا من المهاجرين،و لا الأنصار و لا التابعين بإحسان.فقام رجل من طيئ،فقال:يا زيد بن حصين،أكلام سيدنا عدي بن حاتم تهجن ؟ فقال زيد:ما أنتم بأعرف بحق عدي مني،و لكني لا أدع القول بالحق و إن سخط الناس.قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد عن الحارث بن حصين قال:دخل أبو زينب

١٧٨

بن عوف على علي(عليه‌السلام )،فقال:يا أمير المؤمنين،لئن كنا على الحق لأنت أهدانا سبيلا و أعظمنا في الخير نصيبا و لئن كنا على ضلال إنك لأثقلنا ظهرا و أعظمنا وزرا قد أمرتنا بالمسير إلى هذا العدو،و قد قطعنا ما بيننا و بينهم من الولاية و أظهرنا لهم العداوة،نريد بذلك ما يعلمه الله تعالى من طاعتك أليس الذي نحن عليه هو الحق المبين،و الذي عليه عدونا هو الحوب الكبير ؟

فقال(عليه‌السلام ):بلى شهدت أنك إن مضيت معنا ناصرا لدعوتنا صحيح النية في نصرنا قد قطعت منهم الولاية،و أظهرت لهم العداوة كما زعمت،فإنك ولي الله تسبح في رضوانه،و تركض في طاعته فأبشر أبا زينب.و قال له عمار بن ياسر:اثبت أبا زينب و لا تشك في الأحزاب أعداء الله و رسوله.فقال أبو زينب:ما أحب أن لي شاهدين من هذه الأمة شهدا لي عما سألت من هذا الأمر الذي أهمني مكانكما.قال:و خرج عمار بن ياسر،و هو يقول:

سيروا إلى الأحزاب أعداء النبي

سيروا فخير الناس أتباع علي

هذا أوان طاب سل المشرفي

وقودنا الخيل و هز السمهري

قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد عن أبي روق قال:دخل يزيد بن قيس الأرحبي على علي(عليه‌السلام )،فقال:يا أمير المؤمنين،نحن أولو جهاز و عدة و أكثر

١٧٩

الناس أهل قوة و من ليس به ضعف و لا علة فمر مناديك ،فليناد الناس يخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة ،فإن أخا الحرب ليس بالسئوم و لا النئوم و لا من إذا أمكنته الفرص أجلها و استشار فيها ،و لا من يؤخر عمل الحرب في اليوم لغد و بعد غد.فقال زياد بن النضر:لقد نصح لك يزيد بن قيس يا أمير المؤمنين ،و قال:ما يعرف فتوكل على الله و ثق به و اشخص بنا إلى هذا العدو راشدا معانا فإن يرد الله بهم خيرا لا يتركوك رغبة عنك إلى من ليس له مثل سابقتك و قدمك و إلا ينيبوا و يقبلوا و يأبوا إلا حربنا نجد حربهم علينا هينا ،و نرجو أن يصرعهم الله مصارع إخوانهم بالأمس.ثم قام عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ،فقال:يا أمير المؤمنين،إن القوم لو كانوا الله يريدون و لله يعملون ما خالفونا و لكن القوم إنما يقاتلوننا فرارا من الأسوة و حبا للأثرة و ضنا بسلطانهم ،و كرها لفراق دنياهم التي في أيديهم و على إحن في نفوسهم ،و عداوة يجدونها في صدورهم لوقائع أوقعتها يا أمير المؤمنين بهم قديمة قتلت فيها آباءهم و أعوانهم.ثم التفت إلى الناس ،فقال:كيف يبايع معاوية عليا و قد قتل أخاه حنظلة و خاله الوليد و جده عتبة في موقف واحد ،و الله ما أظنهم يفعلون و لن يستقيموا لكم دون أن تقصف فيهم قنا المران ،و تقطع على هامهم السيوف ،و تنثر حواجبهم بعمد الحديد و تكون أمور جمة بين الفريقين.

١٨٠

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

201

202

203

204

205

206

207

208

209

210

211

212

213

214

215

216

217

218

219

220

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

261

262

263

264

265

266

267

268

269

270

271

272

273

274

275

276

277

278

279

280

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351