كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

كتاب شرح نهج البلاغة0%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

كتاب شرح نهج البلاغة

مؤلف: ابن أبي الحديد
تصنيف:

الصفحات: 351
المشاهدات: 50795
تحميل: 7641


توضيحات:

الجزء 1 الجزء 2 الجزء 3 الجزء 4 الجزء 5 الجزء 6 الجزء 7 الجزء 8 الجزء 9 الجزء 10 الجزء 11 الجزء 12 الجزء 13 الجزء 14 الجزء 15 الجزء 16 الجزء 17 الجزء 18 الجزء 19 الجزء 20
بحث داخل الكتاب
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 50795 / تحميل: 7641
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء 3

مؤلف:
العربية

و لا يزاد على ما قدر له

سليمان بن المهاجر البجلي:

كسوت جميل الصبر وجهي فصانه

به الله عن غشيان كل بخيل

فلم يتبذلني البخيل و لم أقم

على بابه يوما مقام ذليل

و إن قليلا يستر الوجه أن يرى

إلى الناس مبذولا لغير قليل

وقف بعض الملوك على سقراط و هو في المشرقة،فقال له:سل حاجتك.قال:حاجتي أن تزيل عني ظلك فقد منعتني الرفق بالشمس،فأحضر له ذهبا و كسوة ديباج،فقال:إنه لا حاجة بسقراط إلى حجارة الأرض و لعاب الدود إنما حاجته إلى أمر يصحبه حيثما توجه.صلى معروف الكرخي خلف إمام فلما انفتل سأل ذلك الإمام معروفا من أين تأكل ؟ قال:اصبر علي حتى أعيد ما صليته خلفك.قال:لماذا ؟ قال:لأن من شك في الرزق شك في الرازق.قال الشاعر:

و لا تهلكن النفس وجدا و حسرة

على الشي‏ء أسداه لغيرك قادرة

و لا تيأسن من صالح أن تناله

و إن كان نهبا بين أيد تبادره

فإنك لا تعطي أمرا حظ نفسه

و لا تمنع الشق الذي الغيث ناصره

قال عمر بن الخطاب لعلي بن أبي طالب:قد مللت الناس و أحببت أن ألحق بصاحبي،فقال:إن سرك اللحوق بهما فقصر أملك و كل دون الشبع،و اخصف النعل،و كن كميش الإزار مرقوع القميص تلحق بهما.

١٦١

و قال بعض شعراء العجم:

غلا السعر في بغداد من بعد رخصة

و إني في الحالين بالله واثق

فلست أخاف الضيق و الله واسع

غناه و لا الحرمان و الله رازق

قيل لعلي(عليه‌السلام )لو سد على رجل باب بيت و ترك فيه من أين كان يأتيه رزقه قال:من حيث كان يأتيه أجله.قال بعض الشعراء:

صبرت النفس لا أجز

ع من حادثة الدهر

رأيت الرزق لا يكسب

بالعرف و لا النكر

و لا بالسلف الأمثل

أهل الفضل و الذكر

و لا بالسمر اللدن

و لا بالخذم البتر

و لا بالعقل و الدين

و لا الجاه و لا القدر

و لا يدرك بالطيش

و لا الجهل و لا الهذر

و لكن قسم تجري

بما ندري و لا ندري

سجاء فتح بن شخرف إلى منزله بعد العشاء فلم يجد عندهم ما يتعشى به و لا وجد دهنا للسراج،و هم في الظلمة فجلس ليلة يبكي من الفرح و يقول:بأي يد قد كانت مني ؟ بأي طاعة تنعم علي بأن أترك على مثل هذه الحال.لقي هرم بن حيان أويسا القرني،فقال:السلام عليك يا أويس بن عامر،فقال:و عليك السلام يا هرم بن حيان،فقال هرم:أما إني عرفتك بالصفة فكيف عرفتني ؟ قال:إن أرواح المؤمنين لتشام كما تشام الخيل فيعرف بعضها بعضا،قال:أوصني،

١٦٢

قال:عليك بسيف البحر،قال:فمن أين المعاش ؟ قال:أف لك خالطت الشك الموعظة أتفر إلى الله بدينك و تتهمه في رزقك.منصور الفقيه:

الموت أسهل عندي

بين القنا و الأسنه

و الخيل تجري سراعا

مقطعات الأعنه

من أن يكون لنذل

على فضل و منه

أعرابي:

أتيئس أن يقارنك النجاح

فأين الله و القدر المتاح

قال رجل لرسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )أوصني.قال:إياك و الطمع،فإنه فقر حاضر و عليك باليأس مما في أيدي الناس.حكيم أحسن الأحوال حال يغبطك بها من دونك و لا يحقرك لها من فوقك.أبو العلاء المعري:

فإن كنت تهوى العيش فابغ توسطا

فعند التناهي يقصر المتطاول

توقي البدور النقص و هي أهلة

و يدركها النقصان و هي كوامل

خالد بن صفوان كن أحسن ما تكون في الظاهر حالا أقل ما تكون في الباطن مالا،فإن الكريم من كرمت عند الحاجة خلته و اللئيم من لؤمت عند الفاقة طعمته.

١٦٣

شعر:

و كم ملك جانبته من كراهة

لإغلاق باب أو لتشديد حاجب

ولي في غنى نفسي مراد و مذهب

إذا أبهمت دوني وجوه المذاهب

بعض الحكماء ينبغي للعاقل أن يكون في دنياه كالمدعو إلى الوليمة إن أتته صحفة تناولها،و إن جازته لم يرصدها و لم يطلبها.

١٦٤

46.و من كلام له(عليه‌السلام )عند عزمه على المسير إلى الشام

(اَللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ وَعْثَاءِ اَلسَّفَرِ وَ كَآبَةِ اَلْمُنْقَلَبِ وَ سُوءِ اَلْمَنْظَرِ فِي اَلْأَهْلِ وَ اَلْمَالِ وَ اَلْوَلَدِ اَللَّهُمَّ أَنْتَ اَلصَّاحِبُ فِي اَلسَّفَرِ وَ أَنْتَ اَلْخَلِيفَةُ فِي اَلْأَهْلِ وَ لاَ يَجْمَعُهُمَا غَيْرُكَ ؛ لِأَنَّ اَلْمُسْتَخْلَفَ لاَ يَكُونُ مُسْتَصْحَباً وَ اَلْمُسْتَصْحَبُ لاَ يَكُونُ مُسْتَخْلَفاً)،قال الرضيرحمه‌الله :و ابتداء هذا الكلام مروي عن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،و قد قفاه أمير المؤمنين(عليه‌السلام )بأبلغ كلام و تممه بأحسن تمام من قوله و لا يجمعهما غيرك إلى آخر الفصل وعثاء السفر مشقته ،و أصل الوعث المكان السهل الكثير الدهس تغيب فيه الأقدام ،و يشق على من يمشي فيه أوعث القوم ،أي:وقعوا في الوعث و الكآبة الحزن و المنقلب مصدر من انقلب منقلبا ،أي:رجع و سوء المنظر قبح المرأى.

١٦٥

و صدر الكلام مروي عن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )في المسانيد الصحيحة،و ختمه أمير المؤمنين(عليه‌السلام )و تممه بقوله،و لا يجمعهما غيرك و هو الصحيح ؛ لأن من يستصحب لا يكون مستخلفا،فإنه مستحيل أن يكون الشي‏ء الواحد في المكانين مقيما و سائرا و إنما تصح هذه القضية في الأجسام ؛ لأن الجسم الواحد لا يكون في جهتين في وقت واحد،فأما ما ليس بجسم و هو البارئ سبحانه،فإنه في كل مكان لا على معنى أن ذاته ليست مكانية و إنما المراد علمه و إحاطته و نفوذ حكمه و قضائه و قدره،فقد صدق(عليه‌السلام )أنه المستخلف و أنه المستصحب و أن الأمرين مجتمعان له جل اسمه.و هذا الدعاء دعا به أمير المؤمنين(عليه‌السلام )بعد وضع رجله في الركاب من منزله بالكوفة متوجها إلى الشام لحرب معاوية و أصحابه ذكره نصر بن مزاحم في كتاب صفين،و ذكره غيره أيضا من رواة السيرة

أدعية علي عند خروجه من الكوفة لحرب معاوية

قال نصر:لما وضع علي(عليه‌السلام )رجله في ركاب دابته يوم خرج من الكوفة إلى صفين،قال:بسم الله،فلما جلس على ظهرها قال:( سبحان الذي سخر لنا هذا و ما كنا له مقرنين و إنا إلى ربنا لمنقلبون ) ،اللهم إني أعوذ بك من وعثاء السفر إلى آخر الفصل،و زاد فيه نصر و من الحيرة بعد اليقين قال،ثم خرج أمامه الحر بن سهم بن طريف و هو يرتجز و يقول:

يا فرسي سيري و أمي الشاما

و قطعي الحزون و الأعلاما

و نابذي من خالف الإماما

إني لأرجو إن لقينا العاما

١٦٦

جمع بني أمية الطغاما

أن نقتل العاصي و الهماما

و أن نزيل من رجال هاما

قال و قال حبيب بن مالك و هو على شرطة علي(عليه‌السلام )و هو آخذ بعنان دابته يا أمير المؤمنين،أتخرج بالمسلمين فيصيبوا أجر الجهاد بالقتال و تخلفني بالكوفة لحشر الرجال،فقال(عليه‌السلام ):إنهم لن يصيبوا من الأجر شيئا إلا كنت شريكهم فيه،و أنت هاهنا أعظم غناء عنهم منك لو كنت معهم،فخرج علي(عليه‌السلام )حتى إذا حاذى الكوفة صلى ركعتين.قال:و حدثنا عمرو بن خالد عن أبي الحسين،زيد بن علي(عليه‌السلام )عن آبائه:أن عليا(عليه‌السلام )خرج و هو يريد صفين حتى إذا قطع النهر أمر مناديه،فنادى بالصلاة،فتقدم فصلى ركعتين حتى إذا قضى الصلاة أقبل على الناس بوجهه،فقال:أيها الناس،ألا من كان مشيعا أو مقيما فليتم الصلاة،فإنا قوم سفر،ألا و من صحبنا فلا يصومن المفروض،و الصلاة المفروضة ركعتان.قال نصر:ثم خرج حتى نزل دير أبي موسى،و هو من الكوفة على فرسخين،فصلى به العصر،فلما انصرف من الصلاة قال:سبحان الله ذي الطول و النعم،سبحان الله ذي القدرة و الإفضال،أسأل الله الرضا بقضائه،و العمل بطاعته و الإنابة إلى أمره،إنه سميع الدعاء.قال نصر:ثم خرج(عليه‌السلام )حتى نزل على شاطئ نرس بين موضع حمام أبي بردة و حمام عمر،فصلى بالناس المغرب،فلما انصرف

قال:الحمد لله الذي يولج

١٦٧

الليل في النهار و يولج النهار في الليل،و الحمد لله كلما وقب ليل و غسق،و الحمد لله كلما لاح نجم و خفق،ثم أقام حتى صلى الغداة،ثم شخص حتى بلغ إلى قبة قبين و فيها نخل طوال إلى جانب البيعة من وراء النهر،فلما رآها قال:( و النخل باسقات لها طلع نضيد ) ،ثم أقحم دابته النهر فعبر إلى تلك البيعة فنزلها و مكث قدر الغداء.قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد،عن محمد بن مخنف بن سليم قال:إني لأنظر إلى أبي و هو يساير عليا(عليه‌السلام )،و علي يقول له:إن بابل أرض قد خسف بها فحرك دابتك لعلنا نصلي العصر خارجا منها،فحرك دابته و حرك الناس دوابهم في أثره،فلما جاز جسر الفرات نزل فصلى بالناس العصر،قال:حدثني عمر بن عبد الله،بن يعلى،بن مرة الثقفي،عن أبيه،عن عبد خير قال:كنت مع علي أسير في أرض بابل،قال:و حضرت الصلاة صلاة العصر،قال:فجعلنا لا نأتي مكانا إلا رأيناه أفيح من الآخر،قال:حتى أتينا على مكان أحسن ما رأينا،و قد كادت الشمس أن تغيب،قال:فنزل علي(عليه‌السلام )فنزلت معه،قال:فدعا الله فرجعت الشمس كمقدارها من صلاة العصر،قال:فصليت العصر،ثم غابت الشمس،ثم خرج حتى أتى دير كعب،ثم خرج منه فبات بساباط فأتاه دهاقينها يعرضون عليه النزل و الطعام،فقال:لا ليس ذلك لنا عليكم،فلما أصبح و هو بمظلم ساباط

١٦٨

قرأ:( أَتَبْنُونَ بِكُلِّ رِيعٍ آيَةً تَعْبَثُونَ ) .قال نصر:و بلغ عمرو بن العاص مسيره فقال:

لا تحسبني يا علي غافلا

لأوردن الكوفة القنابلا

بجمعي العام و جمعي قابلا

قال:فبلغ ذلك عليا(عليه‌السلام )،فقال:

لأوردن العاصي ابن العاصي

سبعين ألفا عاقدي النواصي

مستحقبين حلق الدلاص

قد جنبوا الخيل مع القلاص

أسود غيل حين لا مناص

نزول علي بكربلاء

قال نصر:و حدثنا منصور بن سلام التميمي،قال:حدثنا حيان التيمي عن أبي عبيدة عن هرثمة بن سليم،قال:غزونا مع علي(عليه‌السلام )صفين،فلما نزل بكربلاء صلى بنا فلما سلم رفع إليه من تربتها فشمها،ثم قال:واها لك يا تربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب.قال:فلما رجع هرثمة من غزاته إلى امرأته جرداء بنت سمير،و كانت من شيعة علي(عليه‌السلام )حدثها هرثمة فيما حدث،فقال لها:ألا أعجبك من صديقك أبي حسن،

١٦٩

قال:لما نزلنا كربلاء و قد أخذ حفنة من تربتها فشمها،و قال:واها لك أيتها التربة ليحشرن منك قوم يدخلون الجنة بغير حساب و ما علمه بالغيب،فقالت المرأة له:دعنا منك أيها الرجل،فإن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )لم يقل إلا حقا.قال:فلما بعث عبيد الله بن زياد البعث الذي بعثه إلى الحسين(عليه‌السلام )كنت في الخيل التي بعث إليهم،فلما انتهيت إلى الحسين(عليه‌السلام )و أصحابه عرفت المنزل الذي نزلنا فيه مع علي(عليه‌السلام )،و البقعة التي رفع إليه من تربتها و القول الذي قاله:فكرهت مسيري،فأقبلت على فرسي حتى وقفت على الحسين(عليه‌السلام )فسلمت عليه و حدثته بالذي سمعت من أبيه في هذا المنزل،فقال الحسين(عليه‌السلام ):(أمعنا أم علينا)؟ فقلت:يا ابن رسول الله لا معك و لا عليك،تركت ولدي و عيالي أخاف عليهم من ابن زياد،فقال الحسين(عليه‌السلام ):(فول هربا حتى لا ترى مقتلنا،فو الذي نفس حسين بيده لا يرى اليوم مقتلنا أحد،ثم لا يعيننا إلا دخل النار).قال:فأقبلت في الأرض أشتد هربا حتى خفي على مقتلهم.قال نصر:و حدثنا مصعب،قال:حدثنا الأجلح بن عبد الله الكندي عن أبي جحيفة،قال:جاء عروة البارقي إلى سعد بن وهب فسأله فقال:حديث حدثتناه عن علي بن أبي طالب،قال:نعم بعثني مخنف بن سليم إلى علي عند توجهه إلى صفين فأتيته بكربلاء فوجدته يشير بيده،و يقول هاهنا،هاهنا،فقال له:

١٧٠

رجل و ما ذاك يا أمير المؤمنين ؟ فقال:(ثقل لآل محمد ينزل هاهنا،فويل لهم منكم،و ويل لكم منهم)،فقال له الرجل:ما معنى هذا الكلام يا أمير المؤمنين ؟ قال:(ويل لهم منكم تقتلونهم،و ويل لكم منهم يدخلكم الله بقتلهم النار).قال نصر:و قد روي هذا الكلام على وجه آخر أنه(عليه‌السلام )قال:(فويل لكم منهم و ويل لكم عليهم)،فقال الرجل:أما ويل لنا منهم فقد عرفناه،فويل لنا عليهم ما معناه ؟ فقال:(ترونهم يقتلون لا تستطيعون نصرتهم)قال نصر:و حدثنا سعيد بن حكيم العبسي عن الحسن بن كثير عن أبيه أن عليا(عليه‌السلام )أتى كربلاء فوقف بها،فقيل له:يا أمير المؤمنين،هذه كربلاء ؟ فقال:(ذات كرب و بلاء)،ثم أومأ بيده إلى مكان،فقال:هاهنا موضع رحالهم و مناخ ركابهم،ثم أومأ بيده إلى مكان آخر،فقال:هاهنا مراق دمائهم،ثم مضى إلى ساباط.

خروج علي لحرب معاوية و ما دار بينه و بين أصحابه

و ينبغي أن نذكر هاهنا ابتداء عزمه على مفارقة الكوفة و المسير إلى الشام و،ما خاطب به أصحابه و ما خاطبوه به و ما كاتب به العمال و كاتبوه جوابا عن كتبه،و جميع ذلك منقول من كتاب نصر بن مزاحم.قال نصر:حدثنا عمر بن سعد عن إسماعيل بن أبي خالد،عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود،قال:لما أراد علي(عليه‌السلام )المسير إلى الشام دعا من كان معه من المهاجرين و الأنصار فجمعهم،ثم حمد الله و أثنى عليه و قال:أما بعد،فإنكم ميامين

١٧١

الرأي،مراجيح الحلم مباركو الأمر و مقاويل بالحق،و قد عزمنا على المسير إلى عدونا و عدوكم،فأشيروا علينا برأيكم.فقام هاشم بن عتبة بن أبي وقاص فحمد الله و أثنى عليه،و قال:أما بعد يا أمير المؤمنين،فأنا بالقوم جد خبير هم لك و لأشياعك أعداء،و هم لمن يطلب حرث الدنيا أولياء،و هم مقاتلوك و مجادلوك لا يبقون جهدا مشاحة على الدنيا و ضنا بما في أيديهم منها،ليس لهم إربة غيرها إلا ما يخدعون به الجهال من طلب دم ابن عفان،كذبوا ليس لدمه ينفرون،و لكن الدنيا يطلبون انهض بنا إليهم،فإن أجابوا إلى الحق فليس بعد الحق إلا الضلال و إن أبوا إلا الشقاق فذاك ظني بهم،و الله ما أراهم يبايعون و قد بقي فيهم أحد ممن يطاع إذا نهى و يسمع إذا أمر.قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد،عن الحارث بن حصيرة،عن عبد الرحمن بن عبيد أبي الكنود،أن عمار بن ياسر،قام فحمد الله و أثنى عليه و قال:يا أمير المؤمنين،إن استطعت ألا تقيم يوما واحدا،فافعل اشخص بنا قبل استعار نار الفجرة و اجتماع رأيهم على الصدود و الفرقة،و ادعهم إلى حظهم و رشدهم،فإن قبلوا سعدوا و إن أبوا إلا حربنا،فو الله إن سفك دمائهم و الجد في جهادهم لقربة عند الله و كرامة منه،ثم قام قيس بن سعد بن عبادة،فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:يا أمير المؤمنين،انكمش بنا إلى عدونا و لا تعرج،فو الله لجهادهم أحب إلي من جهاد الترك

١٧٢

و الروم لإدهانهم في دين الله و استذلالهم أولياء الله من أصحاب محمد(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )من المهاجرين و الأنصار و التابعين بإحسان،إذا غضبوا على رجل حبسوه،و ضربوه،و حرموه،و سيروه،و فيئنا لهم في أنفسهم حلال،و نحن لهم فيما يزعمون قطين،قال:يعني رقيق،فقال أشياخ الأنصار:منهم خزيمة بن ثابت و أبو أيوب و غيرهما لم تقدمت أشياخ قومك،و بدأتهم بالكلام يا قيس،فقال:أما إني عارف بفضلكم معظم لشأنكم،و لكني وجدت في نفسي الضغن الذي في صدوركم جاش حين ذكرت الأحزاب.فقال بعضهم لبعض:ليقم رجل منكم فليجب أمير المؤمنين عن جماعتكم،فقام سهل بن حنيف فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:يا أمير المؤمنين،نحن سلم لمن سالمت و حرب لمن حاربت و رأينا رأيك و نحن يمينك،و قد رأينا أن تقوم بهذا الأمر في أهل الكوفة،فتأمرهم بالشخوص و تخبرهم بما صنع لهم في ذلك من الفضل،فإنهم أهل البلد و هم الناس،فإن استقاموا لك استقام لك الذي تريد و تطلب،فأما نحن فليس عليك خلاف منا متى دعوتنا أجبناك و متى أمرتنا أطعناك.

قال نصر:فحدثنا عمر بن سعد،عن أبي مخنف،عن زكريا بن الحارث،عن أبي خشيش،عن معبد قال:قام علي(عليه‌السلام )خطيبا على منبره،فكنت تحت المنبر أسمع تحريضه الناس،و أمره لهم بالمسير إلى صفين لقتال أهل الشام،فسمعته يقول:

١٧٣

سيروا إلى أعداء الله،سيروا إلى أعداء القرآن و السنن،سيروا إلى بقية الأحزاب و قتلة المهاجرين و الأنصار،فقام رجل من بني فزارة،فقال له:أتريد أن تسير بنا إلى إخواننا من أهل الشام،فنقتلهم لك كما سرت بنا إلى إخواننا من أهل البصرة،فقتلتهم كلا ها الله إذا لا نفعل ذلك.فقام الأشتر،فقال:من هذا المارق.فهرب الفزاري و اشتد الناس على أثره،فلحق في مكان من السوق تباع فيه البراذين فوطئوه بأرجلهم و ضربوه بأيديهم و نعال سيوفهم حتى قتل،فأتى علي(عليه‌السلام )فقيل له:يا أمير المؤمنين،قتل الرجل،قال:و من قتله قالوا قتلته همدان و معهم شوب من الناس،فقال:قتيل عمية لا يدرى من قتله ديته من بيت مال المسلمين،فقال:بعض بني تيم اللات بن ثعلبة:

أعوذ بربي أن تكون منيتي

كما مات في سوق البراذين أربد

تعاوره همدان خفق نعالهم

إذا رفعت عنه يد وضعت يد

فقام الأشتر فقال:يا أمير المؤمنين،لا يهدنك ما رأيت و لا يؤيسنك من نصرنا ما سمعت من مقالة هذا الشقي الخائن إن جميع من ترى من الناس شيعتك لا يرغبون بأنفسهم عن نفسك و لا يحبون البقاء بعدك،فإن شئت فسر بنا إلى عدوك،فو الله ما ينجو من الموت من خافه و لا يعطي البقاء من أحبه،و إنا لعلى بينة من ربنا و إن أنفسنا لن تموت حتى يأتي أجلها،و كيف لا نقاتل قوما هم كما وصف أمير المؤمنين،و قد وثبت عصابة منهم على طائفة من المسلمين بالأمس و باعوا خلاقهم بعرض من الدنيا يسير.

١٧٤

فقال علي(عليه‌السلام ):الطريق مشترك و الناس في الحق سواء و من اجتهد رأيه في نصيحة العامة،فقد قضى ما عليه،ثم نزل فدخل منزله.قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد،قال:حدثني أبو زهير العبسي عن النضر بن صالح أن عبد الله بن المعتم العبسي،و حنظلة بن الربيع التميمي لما أمر علي(عليه‌السلام )الناس بالمسير إلى الشام دخلا عليه في رجال كثير من غطفان و بني تميم،فقال له حنظلة:يا أمير المؤمنين،إنا قد مشينا إليك في نصيحة فاقبلها و رأينا لك رأيا فلا تردنه علينا،فإنا نظرنا لك و لمن معك أقم،و كاتب هذا الرجل،و لا تعجل إلى قتال أهل الشام،فإنا و الله ما ندري و لا تدري لمن تكون الغلبة إذا التقيتم و لا على من تكون الدبرة.و قال ابن المعتم:مثل قوله و تكلم القوم الذين دخلوا معهما بمثل كلامهما فحمد علي(عليه‌السلام )الله و أثنى،ثم قال:أما بعد،فإن الله وارث العباد و البلاد،و رب السموات السبع و الأرضين السبع،و إليه ترجعون يؤتي الملك من يشاء،و ينزع الملك ممن يشاء و يعز من يشاء و يذل من يشاء أما الدبرة،فإنها على الضالين العاصين ظفروا أو ظفر بهم و ايم الله إني لأسمع كلام قوم ما أراهم يعرفون معروفا،و لا ينكرون منكرا.فقام إليه معقل بن قيس الرياحي،فقال:يا أمير المؤمنين،إن هؤلاء و الله ما آثروك بنصح و لا دخلوا عليك إلا بغش فاحذرهم،فإنهم أدنى العدو.و قال له مالك بن حبيب:إنه بلغني يا أمير المؤمنين،أن حنظلة هذا يكاتب معاوية،فادفعه إلينا نحبسه حتى تنقضي غزاتك و تنصرف.

١٧٥

و قام من بني عبس قائد بن بكير و عياش بن ربيعة العبسيان،فقالا:يا أمير المؤمنين إن صاحبنا عبد الله بن المعتم قد بلغنا أنه يكاتب معاوية فاحبسه أو مكنا من حبسه حتى تنقضي غزاتك،ثم تنصرف.فقالا:هذا جزاء لمن نظر لكم و أشار عليكم بالرأي فيما بينكم و بين عدوكم.فقال لهما علي(عليه‌السلام ):الله بيني و بينكم و إليه أكلكم،و به أستظهر عليكم اذهبوا حيث شئتم قال نصر:و بعث علي(عليه‌السلام )إلى حنظلة بن الربيع المعروف بحنظلة الكاتب،و هو من الصحابة،فقال له:يا حنظلة،أنت علي أم لي ؟ فقال:لا لك و لا عليك.قال:فما تريد قال اشخص إلى الرها،فإنه فرج من الفروج اصمد له حتى ينقضي هذا الأمر.فغضب من قوله خيار بني عمرو بن تميم و هم رهطه،فقال:إنكم و الله لا تغروني من ديني دعوني،فأنا أعلم منكم،فقالوا:و الله إن لم تخرج مع هذا الرجل لا ندع فلانة تخرج معك لأم ولده و لا ولدها،و لئن أردت ذلك لنقتلنك.فأعانه ناس من قومه و اخترطوا سيوفهم،فقال:أجلوني حتى أنظر و دخل منزله و أغلق بابه حتى إذا أمسى هرب إلى معاوية،و خرج من بعده إليه من قومه رجال كثير،و هرب ابن المعتم أيضا حتى أتى معاوية في أحد عشر رجلا من قومه.و أما حنظلة فخرج إلى معاوية في ثلاثة و عشرين رجلا من قومه لكنهما لم يقاتلا مع معاوية و اعتزلا الفريقين جميعا.

١٧٦

و قال:و أمر علي(عليه‌السلام )بهدم دار حنظلة فهدمت هدمها عريفهم شبث بن ربعي و بكر بن تميم،فقال حنظلة بهجوهما:

أيا راكبا إما عرضت فبلغن

مغلغلة عني سراة بني عمرو

فأوصيكم بالله و البر و التقى

و لا تنظروا في النائبات إلى بكر

و لا شبث ذي المنخرين كأنه

أزب جمال قد رغا ليلة النفر

و قال أيضا:يحرض معاوية بن أبي سفيان:

أبلغ معاوية بن حرب خطة

و لكل سائلة تسيل قرار

لا تقبلن دنية ترضونها

في الأمر حتى تقتل الأنصار

و كما تبوء دماؤهم بدمائكم

و كما تهدم بالديار ديار

و ترى نساؤهم يجلن حواسرا

و لهن من ثكل الرجال جؤار

قال نصر:حدثنا عمر بن سعد عن سعد بن طريف عن أبي المجاهد عن المحل بن خليفة،قال:قام عدي بن حاتم الطائي بين يدي علي(عليه‌السلام )،فحمد الله و أثنى عليه و قال:يا أمير المؤمنين،ما قلت إلا بعلم و لا دعوت إلا إلى حق و لا أمرت إلا برشد،و لكن إذا رأيت أن تستأني هؤلاء القوم و تستديمهم حتى تأتيهم كتبك،و يقدم عليهم رسلك فعلت،فإن يقبلوا يصيبوا رشدهم و العافية أوسع لنا و لهم

١٧٧

و إن يتمادوا في الشقاق و لا ينزعوا عن الغي فسر إليهم،و قد قدمنا إليهم بالعذر،و دعوناهم إلى ما في أيدينا من الحق،فو الله لهم من الحق أبعد و على الله أهون من قوم قاتلناهم أمس بناحية البصرة لما دعوناهم إلى الحق فتركوه ناوجناهم براكاء القتال،حتى بلغنا منهم ما نحب و بلغ الله منهم رضاه.فقام زيد بن حصين الطائي و كان من أصحاب البرانس المجتهدين،فقال:الحمد لله حتى يرضى و لا إله إلا الله ربنا،أما بعد،فو الله إن كنا في شك من قتال من خالفنا،و لا تصلح لنا النية في قتالهم حتى نستديمهم و نستأنيهم ما الأعمال إلا في تباب و لا السعي إلا في ضلال،و الله تعالى يقول:( وَ أَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ ) إننا و الله ما ارتبنا طرفة عين فيمن يتبعونه،فكيف بأتباعه القاسية قلوبهم القليل من الإسلام حظهم أعوان الظلمة،و أصحاب الجور و العدوان ليسوا من المهاجرين،و لا الأنصار و لا التابعين بإحسان.فقام رجل من طيئ،فقال:يا زيد بن حصين،أكلام سيدنا عدي بن حاتم تهجن ؟ فقال زيد:ما أنتم بأعرف بحق عدي مني،و لكني لا أدع القول بالحق و إن سخط الناس.قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد عن الحارث بن حصين قال:دخل أبو زينب

١٧٨

بن عوف على علي(عليه‌السلام )،فقال:يا أمير المؤمنين،لئن كنا على الحق لأنت أهدانا سبيلا و أعظمنا في الخير نصيبا و لئن كنا على ضلال إنك لأثقلنا ظهرا و أعظمنا وزرا قد أمرتنا بالمسير إلى هذا العدو،و قد قطعنا ما بيننا و بينهم من الولاية و أظهرنا لهم العداوة،نريد بذلك ما يعلمه الله تعالى من طاعتك أليس الذي نحن عليه هو الحق المبين،و الذي عليه عدونا هو الحوب الكبير ؟

فقال(عليه‌السلام ):بلى شهدت أنك إن مضيت معنا ناصرا لدعوتنا صحيح النية في نصرنا قد قطعت منهم الولاية،و أظهرت لهم العداوة كما زعمت،فإنك ولي الله تسبح في رضوانه،و تركض في طاعته فأبشر أبا زينب.و قال له عمار بن ياسر:اثبت أبا زينب و لا تشك في الأحزاب أعداء الله و رسوله.فقال أبو زينب:ما أحب أن لي شاهدين من هذه الأمة شهدا لي عما سألت من هذا الأمر الذي أهمني مكانكما.قال:و خرج عمار بن ياسر،و هو يقول:

سيروا إلى الأحزاب أعداء النبي

سيروا فخير الناس أتباع علي

هذا أوان طاب سل المشرفي

وقودنا الخيل و هز السمهري

قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد عن أبي روق قال:دخل يزيد بن قيس الأرحبي على علي(عليه‌السلام )،فقال:يا أمير المؤمنين،نحن أولو جهاز و عدة و أكثر

١٧٩

الناس أهل قوة و من ليس به ضعف و لا علة فمر مناديك ،فليناد الناس يخرجوا إلى معسكرهم بالنخيلة ،فإن أخا الحرب ليس بالسئوم و لا النئوم و لا من إذا أمكنته الفرص أجلها و استشار فيها ،و لا من يؤخر عمل الحرب في اليوم لغد و بعد غد.فقال زياد بن النضر:لقد نصح لك يزيد بن قيس يا أمير المؤمنين ،و قال:ما يعرف فتوكل على الله و ثق به و اشخص بنا إلى هذا العدو راشدا معانا فإن يرد الله بهم خيرا لا يتركوك رغبة عنك إلى من ليس له مثل سابقتك و قدمك و إلا ينيبوا و يقبلوا و يأبوا إلا حربنا نجد حربهم علينا هينا ،و نرجو أن يصرعهم الله مصارع إخوانهم بالأمس.ثم قام عبد الله بن بديل بن ورقاء الخزاعي ،فقال:يا أمير المؤمنين،إن القوم لو كانوا الله يريدون و لله يعملون ما خالفونا و لكن القوم إنما يقاتلوننا فرارا من الأسوة و حبا للأثرة و ضنا بسلطانهم ،و كرها لفراق دنياهم التي في أيديهم و على إحن في نفوسهم ،و عداوة يجدونها في صدورهم لوقائع أوقعتها يا أمير المؤمنين بهم قديمة قتلت فيها آباءهم و أعوانهم.ثم التفت إلى الناس ،فقال:كيف يبايع معاوية عليا و قد قتل أخاه حنظلة و خاله الوليد و جده عتبة في موقف واحد ،و الله ما أظنهم يفعلون و لن يستقيموا لكم دون أن تقصف فيهم قنا المران ،و تقطع على هامهم السيوف ،و تنثر حواجبهم بعمد الحديد و تكون أمور جمة بين الفريقين.

١٨٠