كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

كتاب شرح نهج البلاغة16%

كتاب شرح نهج البلاغة مؤلف:
تصنيف: أمير المؤمنين عليه السلام
الصفحات: 351

الجزء ١ الجزء ٢ الجزء ٣ الجزء ٤ الجزء ٥ الجزء ٦ الجزء ٧ الجزء ٨ الجزء ٩ الجزء ١٠ الجزء ١١ الجزء ١٢ الجزء ١٣ الجزء ١٤ الجزء ١٥ الجزء ١٦ الجزء ١٧ الجزء ١٨ الجزء ١٩ الجزء ٢٠
  • البداية
  • السابق
  • 351 /
  • التالي
  • النهاية
  •  
  • تحميل HTML
  • تحميل Word
  • تحميل PDF
  • المشاهدات: 53092 / تحميل: 8397
الحجم الحجم الحجم
كتاب شرح نهج البلاغة

كتاب شرح نهج البلاغة الجزء ٣

مؤلف:
العربية

1

2

3

4

5

6

7

8

9

10

11

12

13

14

15

16

17

18

19

20

21

22

23

24

25

26

27

28

29

30

31

32

33

34

35

36

37

38

39

40

41

42

43

44

45

46

47

48

49

50

51

52

53

54

55

56

57

58

59

60

61

62

63

64

65

66

67

68

69

70

71

72

73

74

75

76

77

78

79

80

81

82

83

84

85

86

87

88

89

90

91

92

93

94

95

96

97

98

99

100

101

102

103

104

105

106

107

108

109

110

111

112

113

114

115

116

117

118

119

120

121

122

123

124

125

126

127

128

129

130

131

132

133

134

135

136

137

138

139

140

141

142

143

144

145

146

147

148

149

150

151

152

153

154

155

156

157

158

159

160

161

162

163

164

165

166

167

168

169

170

171

172

173

174

175

176

177

178

179

180

181

182

183

184

185

186

187

188

189

190

191

192

193

194

195

196

197

198

199

200

و مقدمة الجيش بكسر الدال أوله و ما يتقدم منه على جمهور العسكر،و مقدمة الإنسان بفتح الدال صدره،و الملطاط حافة الوادي و شفيرة و ساحل البحر.قال رؤبة:نحن جمعنا الناس بالملطاط.قال الأصمعي:يعني به ساحل البحر،و قول ابن مسعود هذا الملطاط طريق بقية المؤمنين هرابا من الدجال يعني به شاطئ الفرات.فأما قول الرضيرحمه‌الله تعالى:الملطاط السمت الذي أمرهم بلزومه،و هو شاطئ الفرات،و يقال ذلك لشاطئ البحر فلا معنى له ؛ لأنه لا فرق بين شاطئ الفرات و شاطئ البحر،و كلاهما أمر واحد،و كان الواجب أن يقول الملطاط السمت في الأرض،و يقال أيضا لشاطئ البحر.و الشرذمة نفر قليلون.و موطنين أكناف دجلة،أي:قد جعلوا أكنافها وطنا أوطنت البقعة و الأكناف الجوانب واحدها كنف،و الأمداد جمع مدد،و هو ما يمد به الجيش تقوية له.و هذه الخطبة خطب بها أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،و هو بالنخيلة خارجا من الكوفة،و متوجها إلى صفين لخمس بقين من شوال سنة سبع و ثلاثين ذكرها جماعة من أصحاب السير و زادوا فيها،قد أمرت على المصر عقبة بن عمرو الأنصاري،و لم آلكم و لا نفسي فإياكم و التخلف و التربص،فإني قد خلفت مالك بن حبيب اليربوعي،و أمرته ألا يترك متخلفا إلا ألحقه بكم عاجلا إن شاء الله.

٢٠١

و روى نصر بن مزاحم عوض قوله فأنهضهم معكم إلى عدوكم،فأنهضهم معكم إلى عدو الله،قال نصر:فقام إليه معقل بن قيس الرياحي،فقال:يا أمير المؤمنين،و الله ما يتخلف عنك إلا ظنين،و لا يتربص بك إلا منافق،فمر مالك بن حبيب فليضرب أعناق المتخلفين،فقال قد أمرته بأمري و ليس بمقصر إن شاء الله.

أخبار علي في جيشه و هو في طريقه إلى صفين

قال نصر بن مزاحم ثم سار(عليه‌السلام )حتى انتهى إلى مدينة بهرسير،و إذا رجل من أصحابه يقال له حر بن سهم بن طريف،من بني ربيعة بن مالك،ينظر إلى آثار كسرى و يتمثل بقول الأسود بن يعفر:

جرت الرياح على محل ديارهم فكأنما كانوا على ميعاد

فقال له(عليه‌السلام )ألا قلت:( كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنَّاتٍ وَ عُيُونٍ وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ وَ نَعْمَةٍ كانُوا فِيها فاكِهِينَ كَذلِكَ وَ أَوْرَثْناها قَوْماً آخَرِينَ فَما بَكَتْ عَلَيْهِمُ اَلسَّماءُ وَ اَلْأَرْضُ وَ ما كانُوا مُنْظَرِينَ ) ،إن هؤلاء كانوا وارثين،فأصبحوا مورثين و لم يشكروا النعمة،فسلبوا دنياهم بالمعصية إياكم،و كفر النعم لا تحل بكم النقم انزلوا بهذه الفجوة.

٢٠٢

قال نصر:و حدثنا عمر بن سعد عن مسلم الأعور عن حبة العرني،قال:أمر علي(عليه‌السلام )الحارث الأعور،فصاح في أهل المدائن من كان من المقاتلة،فليواف أمير المؤمنين(عليه‌السلام )صلاة العصر،فوافوه في تلك الساعة فحمد الله و أثنى عليه،ثم قال:أما بعد،فإني قد تعجبت من تخلفكم عن دعوتكم و انقطاعكم عن أهل مصركم في هذه المساكن الظالم أهلها الهالك أكثر ساكنيها لا معروف يأمرون به،و لا منكر ينهون عنه.قالوا:يا أمير المؤمنين،إنا ننتظر أمرك مرنا بما أحببت فسار و خلف عليهم عدي بن حاتم أقام عليهم ثلاثا،ثم خرج في ثمانمائة رجل منهم،و خلف ابنه زيدا بعده فلحقه في أربعمائة رجل منهم.و جاء علي(عليه‌السلام )حتى مر بالأنبار فاستقبله بنو خشنوشك دهاقينها،قال نصر:الكلمة فارسية أصلها خش،أي:الطيب.قال:فلما استقبلوه نزلوا عن خيولهم،ثم جاءوا يشتدون معه،و بين يديه و معهم براذين قد أوقفوها في طريقه،فقال ما هذه الدواب التي معكم و ما أردتم بهذا الذي صنعتم قالوا:أما هذا الذي صنعنا فهو خلق منا نعظم به الأمراء،و أما هذه البراذين فهدية لك و قد صنعنا للمسلمين طعاما و هيأنا لدوابكم علفا كثيرا.

فقال(عليه‌السلام ):أما هذا الذي زعمتم أنه فيكم خلق تعظمون به الأمراء،فو الله ما ينفع ذلك الأمراء و إنكم لتشقون به على أنفسكم و أبدانكم،فلا تعودوا

٢٠٣

له و أما دوابكم هذه،فإن أحببتم أن آخذها منكم و أحسبها لكم من خراجكم أخذناها منكم،و أما طعامكم الذي صنعتم لنا،فإنا نكره أن نأكل من أموالكم إلا بثمن،قالوا:يا أمير المؤمنين،نحن نقومه،ثم نقبل ثمنه قال إذا لا تقومونه قيمته نحن نكتفي بما هو دونه،قالوا:يا أمير المؤمنين،فإن لنا من العرب موالي و معارف أتمنعنا أن نهدي لهم أو تمنعهم أن يقبلوا منا،فقال كل العرب لكم موال،و ليس ينبغي لأحد من المسلمين أن يقبل هديتكم،و إن غصبكم أحد فأعلمونا،قالوا:يا أمير المؤمنين،إنا نحب أن تقبل هديتنا و كرامتنا،قال:ويحكم،فنحن أغنى منكم و تركهم و سار.قال نصر:و حدثنا عبد العزيز بن سياه،قال:حدثنا حبيب بن أبي ثابت،قال:حدثنا أبو سعيد التيمي المعروف بعقيصي،قال:كنا مع علي(عليه‌السلام )في مسيره إلى الشام،حتى إذا كنا بظهر الكوفة من جانب هذا السواد عطش الناس،و احتاجوا إلى الماء،فانطلق بنا علي(عليه‌السلام )حتى أتى بنا إلى صخرة ضرس في الأرض،كأنها ربضة عنز،فأمرنا فاقتلعناها،فخرج لنا من تحتها ماء فشرب الناس منه و ارتووا،ثم أمرنا فأكفأناها عليه،و سار الناس حتى إذا مضى قليلا.قال(عليه‌السلام )أمنكم أحد يعلم مكان هذا الماء الذي شربتم منه ؟ قالوا:نعم،يا أمير المؤمنين.قال:فانطلقوا إليه فانطلق منا رجال ركبانا و مشاة،فاقتصصنا الطريق إليه حتى انتهينا إلى المكان الذي نرى أنه فيه،فطلبناه فلم نقدر على شي‏ء حتى إذا عيل علينا انطلقنا إلى دير قريب

٢٠٤

منا فسألناهم أين هذا الماء الذي عندكم،قالوا ليس قربنا ماء،فقلنا:بلى إنا شربنا منه.قالوا:أنتم شربتم منه ؟ قلنا:نعم،فقال صاحب الدير:و الله ما بني هذا الدير إلا بذلك الماء،و ما استخرجه إلا نبي أو وصي نبي.

قال نصر:ثم مضى(عليه‌السلام )حتى نزل بأرض الجزيرة،فاستقبله بنو تغلب و النمر بن قاسط بجزور،فقال(عليه‌السلام )ليزيد بن قيس الأرحبي:يا يزيد،قال:لبيك يا أمير المؤمنين،قال:هؤلاء قومك من طعامهم فاطعم و من شرابهم فاشرب.قال:ثم سار حتى أتى الرقة و جل أهلها عثمانية فروا من الكوفة إلى معاوية،فأغلقوا أبوابها دونه و تحصنوا،و كان أميرهم سماك بن مخرقة الأسدي في طاعة معاوية،و قد كان فارق عليا(عليه‌السلام )في نحو من مائة رجل من بني أسد،ثم كاتب معاوية و أقام بالرقة حتى لحق به سبعمائة رجل.قال نصر:فروى حبة أن عليا(عليه‌السلام )لما نزل على الرقة نزل بموضع يقال له البليخ على جانب الفرات،فنزل راهب هناك من صومعته،فقال لعلي(عليه‌السلام ):إن عندنا كتابا توارثناه عن آبائنا كتبه أصحاب عيسى ابن مريم أعرضه عليك،قال:نعم،فقرأ الراهب الكتاب بسم الله الرحمن الرحيم الذي قضي فيما قضي،و سطر فيما كتب أنه باعث في الأميين رسولا منهم يعلمهم الكتاب و الحكمة،و يدلهم على سبيل الله لا فظ و لا غليظ،و لا صخاب في الأسواق،و لا يجزي بالسيئة السيئة بل يعفو و يصفح أمته الحمادون الذين يحمدون الله على كل نشر،و في كل صعود و هبوط تذل ألسنتهم

٢٠٥

بالتكبير،و التهليل،و التسبيح،و ينصره الله على من ناواه،فإذا توفاه الله اختلفت أمته من بعده،ثم اجتمعت،فلبثت ما شاء الله،ثم اختلفت فيمر رجل من أمته بشاطئ هذا الفرات،يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر،و يقضي بالحق،و لا يركس الحكم الدنيا أهون عليه من الرماد في يوم عصفت به الريح،و الموت أهون عليه من شرب الماء على الظمآن يخاف الله في السر،و ينصح له في العلانية لا يخاف في الله لومة لائم فمن أدرك ذلك النبي من أهل هذه البلاد،فآمن به كان ثوابه رضواني و الجنة و من أدرك ذلك العبد الصالح فلينصره،فإن القتل معه شهادة.ثم قال له:أنا مصاحبك فلا أفارقك حتى يصيبني ما أصابك فبكى(عليه‌السلام )،ثم قال:الحمد لله الذي لم أكن عنده منسيا الحمد لله الذي ذكرني عنده في كتب الأبرار.فمضى الراهب معه،فكان فيما ذكروا يتغدى مع أمير المؤمنين،و يتعشى حتى أصيب يوم صفين،فلما خرج الناس يدفنون قتلاهم.قال:(عليه‌السلام )اطلبوه،فلما وجدوه صلى عليه و دفنه،و قال هذا منا أهل البيت و استغفر له مرارا.روى هذا الخبر نصر بن مزاحم في كتاب صفين عن عمر بن سعد،عن مسلم الأعور،عن حبة العرني،و رواه أيضا إبراهيم بن ديزيل الهمداني بهذا الإسناد عن حبة أيضا في كتاب صفين.و روى ابن ديزيل في هذا الكتاب،قال:حدثني يحيى بن سليمان،حدثني يحيى بن عبد الملك،بن حميد بن عتيبة،عن أبيه،عن إسماعيل بن رجاء عن أبيه،و محمد

٢٠٦

بن فضيل،عن الأعمش،عن إسماعيل بن رجاء،عن أبي سعيد الخدريرحمه‌الله ،قال:كنا مع رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،فانقطع شسع نعله،فألقاها إلى علي(عليه‌السلام )يصلحها،ثم قال:إن منكم من يقاتل على تأويل القرآن كما قاتلت على تنزيله،فقال أبو بكر الصديق،أنا هو يا رسول الله ؟ فقال:لا،فقال عمر بن الخطاب:أنا هو يا رسول الله ؟ قال:لا،و لكنه ذاكم خاصف النعل،و يد علي(عليه‌السلام )على نعل النبي(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يصلحها.قال أبو سعيد،فأتيت عليا(عليه‌السلام )فبشرته بذلك فلم يحفل به كأنه شي‏ء قد كان علمه من قبل.و روى ابن ديزيل في هذا الكتاب أيضا عن يحيى بن سليمان،عن ابن فضيل،عن إبراهيم الهجري،عن أبي صادق قال:قدم علينا أبو أيوب الأنصاري العراق،فأهدت له الأزد جزرا فبعثوها معي،فدخلت إليه فسلمت عليه و قلت له:يا أبا أيوب،قد كرمك الله عز و جل بصحبة نبيه(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و نزوله عليك،فما لي أراك تستقبل الناس بسيفك تقاتلهم هؤلاء مرة،و هؤلاء مرة.قال:إن رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )عهد إلينا أن نقاتل مع علي الناكثين،فقد قاتلناهم و عهد إلينا أن نقاتل معه القاسطين،فهذا وجهنا إليهم يعني معاوية و أصحابه،و عهد إلينا أن نقاتل معه المارقين و لم أرهم بعد.و روى ابن ديزيل أيضا في هذا الكتاب عن يحيى عن يعلى بن عبيد الحنفي عن إسماعيل السدي عن زيد بن أرقم قال:كنا مع رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )و هو

٢٠٧

في الحجرة يوحى إليه،و نحن ننتظره حتى اشتد الحر،فجاء علي بن أبي طالب،و معه فاطمة،و حسن،و حسين(عليهم‌السلام )،فقعدوا في ظل حائط ينتظرونه،فلما خرج رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )رآهم،فأتاهم و وقفنا نحن مكاننا،ثم جاء إلينا و هو يظلهم بثوبه ممسكا بطرف الثوب و علي ممسك بطرفه الآخر،و هو يقول:(اللهم إني أحبهم فأحبهم،اللهم إني سلم لمن سالمهم،و حرب لمن حاربهم)،قال:فقال ذلك ثلاث مرات.

قال إبراهيم في الكتاب المذكور،و حدثنا يحيى بن سليمان،قال:حدثنا ابن فضيل،قال:حدثنا الحسن بن الحكم النخعي،عن رباح بن الحارث النخعي،قال:كنت جالسا عند علي(عليه‌السلام )إذ قدم عليه قوم متلثمون،فقالوا:السلام عليك يا مولانا،فقال:لهم أو لستم قوما عربا ؟ قالوا:بلى،و لكنا سمعنا رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )يقول يوم غدير خم:(من كنت مولاه فعلي مولاه،اللهم وال من والاه و عاد من عاداه،و انصر من نصره و اخذل من خذله)،قال فلقد رأيت عليا(عليه‌السلام )ضحك حتى بدت نواجذه،ثم قال:اشهدوا.ثم إن القوم مضوا إلى رحالهم،فتبعتهم فقلت لرجل منهم:من القوم ؟ قالوا:نحن رهط من الأنصار،و ذاك يعنون رجلا منهم أبو أيوب صاحب منزل رسول الله(صلى‌الله‌عليه‌وآله‌وسلم )،قال:فأتيته فصافحته.

قال نصر:و حدثني عمر بن سعد،عن نمير بن وعلة،عن أبي الوداك أن عليا(عليه‌السلام )بعث من المدائن معقل بن قيس الرياحي في ثلاث آلاف،و قال له:خذ على

٢٠٨

الموصل،ثم نصيبين،ثم القنى بالرقة،فإني موافيها و سكن الناس و أمنهم،و لا تقاتل إلا من قاتلك و سر البردين و غور بالناس أقم الليل،و رفه في السير،و لا تسر أول الليل،فإن الله جعله سكنا أرح فيه بدنك و جندك و ظهرك،فإذا كان السحر أو حين يتبلج الفجر فسر.فسار حتى أتى الحديثة،و هي إذ ذاك منزل الناس،و إنما بنى مدينة الموصل بعد ذلك محمد بن مروان،فإذا بكبشين ينتطحان و مع معقل بن قيس رجل من خثعم يقال له شداد بن أبي ربيعة،قتل بعد ذلك مع الحرورية،فأخذ يقول:إيه إيه،فقال معقل:ما تقول ؟ فجاء رجلان نحو الكبشين فأخذ كل واحد منهما كبشا و انصرفا،فقال الخثعمي لمعقل:لا تغلبون و لا تغلبون،فقال معقل:من أين علمت ؟ قال:أما أبصرت الكبشين أحدهما مشرق و الآخر مغرب التقيا فاقتتلا و انتطحا،فلم يزل كل واحد من مصاحبه منتصفا حتى أتى كل واحد منهما صاحبه،فانطلق به،فقال معقل:أو يكون خيرا مما تقول يا أخا خثعم،ثم مضى حتى وافى عليا(عليه‌السلام )بالرقة.قال نصر:و قالت طائفة من أصحاب علي(عليه‌السلام )له يا أمير المؤمنين،اكتب إلى معاوية و من قبله من قومك،فإن الحجة لا تزداد عليهم بذلك إلا عظما،فكتب إليهم(عليه‌السلام ):(بسم الله الرحمن الرحيم)،من عبد الله علي أمير المؤمنين إلى معاوية و من قبله من قريش

٢٠٩

سلام عليكم ،فإني أحمد إليكم الله الذي لا إله إلا هو ،أما بعد ،فإن لله عبادا آمنوا بالتنزيل و عرفوا التأويل ،و فقهوا في الدين ،و بين الله فضلهم في القرآن الحكيم ،و أنتم في ذلك الزمان أعداء للرسول تكذبون بالكتاب مجمعون على حرب المسلمين من ثقفتم منهم حبستموه أو عذبتموه أو قتلتموه ،حتى أراد الله تعالى إعزاز دينه و إظهار أمره ،فدخلت العرب في الدين أفواجا ،و أسلمت له هذه الأمة طوعا و كرها ،فكنتم فيمن دخل في هذا الدين إما رغبة و إما رهبة على حين فاز أهل السبق بسبقهم،و فاز المهاجرون الأولون بفضلهم ،و لا ينبغي لمن ليست له مثل سوابقهم في الدين و لا فضائلهم في الإسلام ،أن ينازعهم الأمر الذي هم أهله و أولى به فيجور و يظلم ،و لا ينبغي لمن كان له عقل أن يجهل قدره و يعدو طوره و يشقى نفسه بالتماس ما ليس بأهله ،فإن أولى الناس بأمر هذه الأمة قديما و حديثا أقربها من الرسول ،و أعلمها بالكتاب ،و أفقهها في الدين ،أولها إسلاما و أفضلها جهادا ،و أشدها بما تحمله الأئمة من أمر الأمة اضطلاعا ،فاتقوا الله الذي إليه ترجعون ،و لا تلبسوا الحق بالباطل ،و تكتموا الحق و أنتم تعلمون ،و اعلموا أن خيار عباد الله الذين يعملون بما يعلمون ،و أن شرارهم الجهال الذين ينازعون بالجهل أهل العلم ،فإن للعالم بعلمه فضلا ،و إن الجاهل لا يزداد بمنازعته العالم إلا جهلا ،ألا و إني أدعوكم إلى كتاب الله و سنة نبيه و حقن دماء هذه الأمة ،فإن قبلتم أصبتم رشدكم و اهتديتم لحظكم و إن أبيتم إلا الفرقة و شق عصا هذه الأمة لم تزدادوا من الله إلا بعدا ،و لا يزداد الرب عليكم إلا سخطا و السلام).فكتب إليه معاوية جواب هذا الكتاب سطرا واحدا ،و هو أما بعد ،فإنه

٢١٠

ليس بيني و بين قيس عتاب

غير طعن الكلي و ضرب الرقاب

فقال علي(عليه‌السلام ):لما أتاه هذا الجواب:( إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اَللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ ) قال نصر:و قال علي(عليه‌السلام )لأهل الرقة:جسروا لي جسرا أعبر عليه من هذا المكان إلى الشام،فأبوا و قد كانوا ضموا السفن إليهم فنهض من عندهم ليعبر على جسر منبج و خلف عليهم الأشتر،فقال:يا أهل هذا الحصن،إني أقسم بالله إن مضى أمير المؤمنين(عليه‌السلام )و لم تجسروا له عند مدينتكم حتى يعبر منها لأجردن فيكم السيف فلأقتلن مقاتلكم،و لأخربن أرضكم،و لآخذن أموالكم.فلقي بعضهم بعضا فقالوا:إن الأشتر يفي بما حلف عليه،و إنما خلفه علي عندنا ليأتينا بشر،فبعثوا إليه إنا ناصبون لكم جسرا،فأقبلوا فأرسل الأشتر إلى علي(عليه‌السلام )فجاء و نصبوا له الجسر فعبر الأثقال و الرجال،و أمر الأشتر فوقف في ثلاثة آلاف فارس حتى لم يبق من الناس أحد إلا عبر،ثم عبر آخر الناس رجلا.قال نصر:و ازدحمت الخيل حين عبرت فسقطت قلنسوة عبد الله بن أبي الحصين،فنزل فأخذها و ركب،ثم سقطت قلنسوة عبد الله بن الحجاج فنزل فأخذها،ثم ركب،فقال لصاحبه:

فإن يك ظن الزاجري الطير صادقا

كما زعموا أقتل وشيكا و تقتل

فقال عبد الله بن أبي الحصين:ما شي‏ء أحب إلي مما ذكرت فقتلا معا يوم صفين.

٢١١

قال نصر:فلما قطع علي(عليه‌السلام )الفرات دعا زياد بن النضر،و شريح بن هانئ،فسرحهما أمامه نحو معاوية على حالهما الذي كانا عليه حين خرجا من الكوفة في اثني عشر ألفا،و قد كانا حيث سرحهما من الكوفة مقدمة له أخذا على شاطئ الفرات من قبل البر مما يلي الكوفة حتى بلغا عانات،فبلغهم أخذ علي(عليه‌السلام )طريق الجزيرة،و علما أن معاوية قد أقبل في جنود الشام من دمشق لاستقباله،فقالا:و الله،ما هذا برأي أن نسير و بيننا و بين أمير المؤمنين هذا البحر،و ما لنا خير في أن نلقى جموع الشام في قلة من العدد منقطعين عن المدد،فذهبوا ليعبروا من عانات ف،منعهم أهلها و حبسوا عنهم السفن،فأقبلوا راجعين حتى عبروا من هيت و لحقوا عليا(عليه‌السلام )بقرية دون قرقيسيا،فلما لحقوا عليا(عليه‌السلام )عجب و قال:مقدمتي تأتي من ورائي،فقام له زياد،و شريح،و أخبراه بالرأي الذي رأيا،فقال:قد أصبتما رشدكما فلما عبروا الفرات قدمهما أمامه نحو معاوية،فلما انتهيا إلى معاوية لقيهما أبو الأعور السلمي في جنود من أهل الشام،و هو على مقدمة معاوية فدعواه إلى الدخول في طاعة أمير المؤمنين(عليه‌السلام )،فأبى،فبعثوا إلى علي(عليه‌السلام )إنا قد لقينا أبا الأعور السلمي بسور الروم في جند من أهل الشام،فدعوناه و أصحابه إلى الدخول في طاعتك فأبى علينا،فمرنا بأمرك.فأرسل علي(عليه‌السلام )إلى الأشتر،فقال:يا مال،إن زيادا و شريحا أرسلا إلي يعلمانني أنهما لقيا أبا الأعور السلمي في جند من أهل الشام بسور الروم،و نبأني الرسول أنه تركهم متواقفين فالنجاء النجاء إلى أصحابك،فإذا أتيتهم فأنت عليهم،و إياك أن تبدأ القوم بقتال إن لم يبدءوك،و ألقهم و اسمع منهم و لا يجرمنك شنآنهم على قتالهم قبل

٢١٢

دعائهم و الإعذار إليهم مرة بعد مرة،و اجعل على ميمنتك زيادا و على ميسرتك شريحا و قف من أصحابك وسطا و لا تدن منهم دنو من يريد أن ينشب الحرب و لا تتباعد عنهم تباعد من يهاب الناس حتى أقدم عليك،فإني حثيث السير إليك إن شاء الله قال:و كتب علي(عليه‌السلام )إليهما و كان الرسول الحارث بن جمهان الجعفي،أما بعد،فإني قد أمرت عليكما مالكا فاسمعا له و أطيعا أمره،و هو ممن لا يخاف رهقه و لا سقاطه و لا بطؤه عما الإسراع إليه أحزم و لا إسراعه إلى ما البطء عنه أمثل،و قد أمرته بمثل الذي أمرتكما ألا يبدأ القوم بقتال حتى يلقاهم و يدعوهم و يعذر إليهم إن شاء الله.قال:فخرج الأشتر حتى قدم على القوم،فاتبع ما أمره به علي(عليه‌السلام )و كف عن القتال،فلم يزالوا متواقفين حتى إذا كان عند المساء حمل عليهم أبو الأعور،فثبتوا له و اضطربوا ساعة،ثم إن أهل الشام انصرفوا،ثم خرج هاشم بن عتبة في خيل و رجال حسن عدتها و عددها،فخرج إليهم أبو الأعور السلمي فاقتتلوا يومهم ذلك تحمل الخيل على الخيل،و الرجال على الرجال،و صبر بعضهم لبعض،ثم انصرفوا و بكر عليهم الأشتر،فقتل من أهل الشام عبد الله بن المنذر التنوخي قتله ظبيان بن عمارة التميمي،و ما هو يومئذ إلا فتى حديث السن و إن كان الشامي لفارس أهل الشام،و أخذ الأشتر يقول ويحكم أروني أبا الأعور.ثم إن أبا الأعور دعا الناس فرجعوا نحوه فوقف على تل من وراء المكان الذي كان فيه أول مرة،و جاء الأشتر حتى صف أصحابه في المكان الذي كان فيه أبو الأعور أول مرة،فقال الأشتر لسنان بن مالك النخعي:انطلق إلى أبو الأعور فادعه إلى المبارزة

٢١٣

فقال:إلى مبارزتي أم إلى مبارزتك ؟ فقال:أو لو أمرتك بمبارزته فعلت ؟ قال:نعم،و الذي لا إله إلا هو لو أمرتني أن أعترض صفهم بسيفي لفعلت حتى أضربه بالسيف،فقال:يا ابن أخي،أطال الله بقاءك قد و الله ازددت فيك رغبة لا ما أمرتك بمبارزته إنما أمرتك أن تدعوه لمبارزتي،فإنه لا يبارز إن كان ذلك من شأنه إلا ذوي الأسنان و الكفاءة و الشرف،و أنت بحمد الله من أهل الكفاءة و الشرف،و لكنك حديث السن و ليس يبارز الأحداث فاذهب فادعه إلى مبارزتي،فأتاهم فقال:أنا رسول فآمنوني فجاء حتى انتهى إلى أبي الأعور.قال نصر:فحدثني عمر بن سعد عن أبي زهير العبسي،عن صالح بن سنان،عن أبيه قال:فقلت له:إن الأشتر يدعوك إلى المبارزة،قال:فسكت عني طويلا،ثم قال:إن خفة الأشتر و سوء رأيه و هوانه دعاه إلى إجلاء عمال عثمان و افترائه عليه يقبح محاسنه و يجهل حقه،و يظهر عداوته و من خفة الأشتر و سوء رأيه أنه سار إلى عثمان في داره و قراره،فقتله فيمن قتله و أصبح متبعا بدمه لا حاجة لي في مبارزته.فقلت إنك قد تكلمت فاسمع حتى أجيبك،فقال:لا حاجة لي في جوابك و لا الاستماع منك اذهب عني،و صاح بي أصحابه فانصرفت عنه و لو سمع لأسمعته عذر صاحبي و حجته.فرجعت إلى الأشتر فأخبرته أنه قد أبى المبارزة،فقال لنفسه نظر.قال:فتواقفنا،فإذا هم قد انصرفوا قال:و صبحنا علي(عليه‌السلام )غدوة سائرا نحو معاوية،فإذا أبو الأعور قد سبق إلى سهولة الأرض و سعة المنزل و شريعة الماء مكان

٢١٤

أفيح و كان أبو الأعور على مقدمة معاوية و اسمه سفيان بن عمرو،و قد جعل على ساقته بسر بن أرطاة العامري و على الخيل عبيد الله بن عمر بن الخطاب،و دفع اللواء إلى عبد الرحمن بن خالد بن الوليد،و جعل على ميمنته حبيب بن مسلمة الفهري و على رجالته من الميمنة يزيد بن زحر الضبي،و على الميسرة عبد الله بن عمرو بن العاص،و على الرجالة من الميسرة حابس بن سعيد الطائي،و على خيل دمشق الضحاك بن قيس الفهري،و على رجالة أهل دمشق يزيد بن أسد بن كرز البجلي،و على أهل حمص ذا الكلاع و على أهل فلسطين مسلمة بن مخلد،و كان وصول علي(عليه‌السلام )إلى صفين لثمان بقين من المحرم من سنة سبع و ثلاثين.

٢١٥

٤٩.و من خطبة له(عليه‌السلام )

(اَلْحَمْدُ لِلَّهِ اَلَّذِي بَطَنَ خَفِيَّاتِ اَلْأَمُوُرِ وَ دَلَّتْ [ ذَلَّتْ ] عَلَيْهِ أَعْلاَمُ اَلظُّهُورِ وَ اِمْتَنَعَ عَلَى عَيْنِ اَلْبَصِيرِ فَلاَ عَيْنُ مَنْ لَمْ يَرَهُ تُنْكِرُهُ وَ لاَ قَلْبُ مَنْ أَثْبَتَهُ يُبْصِرُهُ سَبَقَ فِي اَلْعُلُوِّ فَلاَ شَيْ‏ءَ أَعْلَى مِنْهُ وَ قَرُبَ فِي اَلدُّنُوِّ فَلاَ شَيْ‏ءَ أَقْرَبُ مِنْهُ فَلاَ اِسْتِعْلاَؤُهُ بَاعَدَهُ عَنْ شَيْ‏ءٍ مِنْ خَلْقِهِ وَ لاَ قُرْبُهُ سَاوَاهُمْ فِي اَلْمَكَانِ بِهِ لَمْ يُطْلِعِ اَلْعُقُولَ عَلَى تَحْدِيدِ صِفَتِهِ وَ لَمْ يَحْجُبْهَا عَنْ وَاجِبِ مَعْرِفَتِهِ فَهُوَ اَلَّذِي تَشْهَدُ لَهُ أَعْلاَمُ اَلْوُجُودِ عَلَى إِقْرَارِ قَلْبِ ذِي اَلْجُحُودِ تَعَالَى اَللَّهُ عَمَّا يَقُولُهُ اَلْمُشَبِّهُونَ [ اَلْمُشْتَبِهُونَ ] بِهِ وَ اَلْجَاحِدُونَ لَهُ عُلُوّاً كَبِيراً)بطنت سر فلان،أي:أخفيته.و الأعلام جمع علم و هو المنار يهتدى به،ثم جعل لكل ما دل على شي‏ء،فقيل لمعجزات الأنبياء أعلام لدلالتها على نبوتهم و قوله(عليه‌السلام ):أعلام الظهور أي الأدلة الظاهرة الواضحة.و قوله:فيما بعد أعلام الوجود،أي:الأدلة الموجودة،و الدلالة هي الوجود نفسه و سيأتي شرح ذلك.و قوله و امتنع على عين البصير يقول إنه سبحانه ليس بمرئي بالعين و مع

٢١٦

ذلك فلا يمكن من لم يره بعينه أن ينكره لدلالة كل شي‏ء عليه بل لدلالته سبحانه على نفسه.ثم قال:و لا قلب من أثبته يبصره،أي:لا سبيل لمن أثبت وجوده أن يحيط علما بجميع أحواله،و معلوماته،و مصنوعاته أو أراد أنه لا تعلم حقيقة ذاته كما قاله قوم من المحققين.و قد روي هذا الكلام على وجه آخر قالوا في الخطبة:فلا قلب من لم يره ينكره،و لا عين من أثبته تبصره،و هذا غير محتاج إلى تفسير لوضوحه.و قوله(عليه‌السلام ):فلا استعلاؤه باعده،أي:ليس علوه و لا قربه كما نعقله من العلو و القرب المكانيين،بل هو علو و قرب خارج من ذلك فليس علوه يقتضي بعده بالمكان عن الأجسام،و لا قربه يقتضي مساواته إياها في الحاجة إلى المكان و الجهة.و الباء في به متعلقة بساواهم معناه و لا قربه ساواهم به في الحاجة إلى المكان،أي:لم يقتض قربه مماثلته و مساواته إياهم في ذلك.

فصول في العلم الإلهي

و هذا الفصل يشتمل على عدة مباحث من العلم الإلهي،أولها:كونه تعالى عالما بالأمور الخفية.و الثاني:كونه تعالى مدلولا عليه بالأمور الظاهرة يعني أفعاله.و الثالث:أن هويته تعالى غير معلومة للبشر.و الرابع:نفي تشبيهه بشي‏ء من مخلوقاته.

٢١٧

و الخامس:بيان أن الجاحد لإثباته مكابر بلسانه و عارف به بقلبه.و نحن نذكر القول في جميع ذلك على سبيل اقتصاص المذاهب و الأقوال و نحيل في البرهان على الحق من ذلك،و بطلان شبه المخالفين فيه على ما هو مذكور في كتبنا الكلامية إذ ليس هذا الكتاب موضوعا لذلك،و إن كنا قد لا نخلي بعض فصوله من إشارة إلى الدليل موجزة و تلويح إلى الشبهة لطيف فنقول أما.

الفصل الأول:و هو الكلام في كونه تعالى عالما بالأمور الخفية

فاعلم أن أمير المؤمنين(عليه‌السلام )إنما قال بطن خفيات الأمور،و هذا القدر من الكلام يقتضي كونه تعالى عالما يعلم الأمور الخفية الباطنة،و هذا منقسم قسمين أحدهما أن يعلم الأمور الخفية الحاضرة.و الثاني:أن يعلم الأمور الخفية المستقبلة.و الكلام من حيث إطلاقه يحتمل الأمرين فنحمله عليهما معا،فقد خالف في كل واحدة من المسألتين قوم فمن الناس من نفى كونه عالما بالمستقبلات،و من الناس من نفى كونه عالما بالأمور الحاضرة،سواء كانت خفية أو ظاهرة،و هذا يقتضينا أن نشرح أقوال العقلاء في هذه المسائل،فنقول:إن الناس فيها على أقوال القول الأول قول جمهور المتكلمين،و هو أن البارئ سبحانه يعلم كل معلوم الماضي،و الحاضر،و المستقبل،ظاهرها و باطنها و محسوسها و غير محسوسها،فهو تعالى العالم بما كان و ما هو حاضر و ما سيكون و ما لم يكن،أن لو كان كيف كان يكون كقوله

٢١٨

تعالى:( وَ لَوْ رُدُّوا لَعادُوا لِما نُهُوا عَنْهُ ) ،فهذا علم بأمر مقدر على تقدير وقوع أصله الذي قد علم أنه لا يكون.القول الثاني:قول من زعم أنه تعالى لا يعلم الأمور المستقبلة،و شبهوه بكونه مدركا قالوا:كما أنه لا يدرك المستقبلات،فكذلك لا يعلم المستقبلات،و هو قول هشام بن الحكم.القول الثالث:قول من زعم أنه لا يعلم الأمور الحاضرة،و هذا القول نقيض القول الثاني،و شبهوه بكونه قادرا،قالوا:كما أنه لا يقدر على الموجود فكذلك لا يعلم الموجود،و نسب ابن الراوندي هذا القول إلى معمر بن عباد أحد شيوخنا و أصحابنا يكذبونه في ذلك و يدفعون الحكاية عنه.القول الرابع:قول من زعم أنه تعالى لا يعلم نفسه خاصة،و يعلم كل ما عدا ذاته و نسب ابن الراوندي هذه المقالة إلى معمر أيضا،و قال:إنه يقول إن العالم غير المعلوم،و الشي‏ء لا يكون غير نفسه و أصحابنا يكذبون ابن الراوندي في هذه الحكاية،و ينزهون معمرا عنها.القول الخامس:قول من قال إنه تعالى لم يكن فيما لم يزل عالما بشي‏ء أصلا،و إنما أحدث لنفسه علما علم به الأشياء،و هو قول جهم بن صفوان.القول السادس:قول من قال إنه تعالى لا يعلم كل المعلومات على تفاصيلها،و إنما يعلم ذلك إجمالا و هؤلاء يسمون المسترسلية ؛ لأنهم يقولون يسترسل علمه على المعلومات

٢١٩

إجمالا لا تفصيلا،و هو مذهب الجويني من متكلمي الأشعرية.القول السابع:قول من قال إنه تعالى يعلم المعلومات المفصلة ما لم يفض القول به إلى محال،و زعموا أن القول بأنه يعلم كل شي‏ء يفضي إلى محال،و هو أن يعلم و يعلم أنه يعلم،و هلم جرا إلى ما لا نهاية له،و كذلك المحال لازم إذا قيل إنه يعلم الفروع،و فروع الفروع،و لوازمها،و لوازم لوازمها إلى ما لا نهاية له،قالوا:و محال اجتماع كل هذه العلوم غير المتناهية في الوجود،و هذا مذهب أبي البركات البغدادي صاحب المعتبر.القول الثامن:قول من زعم أنه تعالى لا يعلم الشخصيات الجزئية،و إنما يعلم الكليات التي لا يجوز عليها التغيير،كالعلم،بأن كل إنسان حيوان و يعلم نفسه أيضا،و هذا مذهب أرسطو و ناصري قوله من الفلاسفة كابن سينا و غيره.القول التاسع:قول من زعم أنه تعالى لا يعلم شيئا أصلا لا كليا و لا جزئيا،و إنما وجد العالم عنه لخصوصية ذاته فقط من غير أن يعلمه كما أن المغناطيس يجذب الحديد لقوة فيه من غير أن يعلم بالجذب،و هذا قول قوم من قدماء الفلاسفة.فهذا تفصيل المذاهب في هذه المسألة.و اعلم أن حجة المتكلمين على كونه عالما بكل شي‏ء،إنما تتضح بعد إثبات حدوث العالم،و أنه فعله بالاختيار فحينئذ لا بد من كونه عالما ؛ لأنه لو لم يكن عالما بشي‏ء أصلا لما صح أن يحدث العالم على طريق الاختيار ؛ لأن الإحداث على طريق الاختيار إنما يكون بالغرض و الداعي و ذلك يقتضي كونه عالما،فإذا ثبت أنه عالم بشي‏ء أفسدوا حينئذ أن يكون عالما بمعنى اقتضى له العالمية أو بأمر خارج عن ذاته مختارا كان أو غير مختار

٢٢٠

221

222

223

224

225

226

227

228

229

230

231

232

233

234

235

236

237

238

239

240

241

242

243

244

245

246

247

248

249

250

251

252

253

254

255

256

257

258

259

260

عندهم أن عندي رأيا أن محمدا ليس يغزوكم حتى يعذر إليكم و يخيركم في خصال كلها أهون عليكم من غزوة قالوا ما هي قال يرسل إليكم أن تدوا قتلى خزاعة أو تبرءوا من حلف من نقض العهد و هم بنو نفاثة أو ينبذ إليكم العهد فقال القوم أحر بما قال ابن أبي سرح أن يكون فقال سهيل بن عمرو ما خصلة أيسر علينا من أن نبرأ من حلف نفاثة فقال شيبة بن عثمان العبدري حطت أخوالك خزاعة و غضبت لهم قال سهيل و أي قريش لم تلد خزاعة قال شيبة لا و لكن ندي قتلى خزاعة فهو أهون علينا فقال قريظة بن عبد عمرو لا و الله لا نديهم و لا نبرأ عن نفاثة أبر العرب بنا و أعمرهم لبيت ربنا و لكن ننبذ إليهم على سواء فقال أبو سفيان ما هذا بشي‏ء و ما الرأي إلا جحد هذا الأمر أن تكون قريش دخلت في نقض العهد أو قطع مدة فإن قطعه قوم بغير هوى منا و لا مشورة فما علينا قالوا هذا هو الرأي لا رأي إلا الجحد لكل ما كان من ذلك فقال أنا أقسم أني لم أشهد و لم أوامر و أنا صادق لقد كرهت ما صنعتم و عرفت أن سيكون له يوم غماس قالت قريش لأبي سفيان فاخرج أنت بذلك فخرج قال الواقدي و حدثني عبد الله بن عامر الأسلمي عن عطاء بن أبي مروان قال قال رسول الله ص لعائشة صبيحة الليلة التي أوقعت فيها نفاثة و قريش بخزاعة بالوتير يا عائشة لقد حدث الليلة في خزاعة أمر فقالت عائشة يا رسول الله أ ترى قريشا تجترئ على نقض العهد بينك و بينهم أ ينقضون و قد أفناهم السيف فقال العهد لأمر يريده الله بهم فقالت خير أم شر يا رسول الله فقال خير

قال الواقدي و حدثني عبد الحميد بن جعفر قال حدثني عمران بن أبي أنس عن ابن عباس قال قام رسول الله ص و هو يجر طرف ردائه و يقول

٢٦١

لا نصرت إن لم أنصر بني كعب يعني خزاعة فيما أنصر منه نفسي قال الواقدي و حدثني حرام بن هشام عن أبيه قال قال رسول الله ص لكأنكم بأبي سفيان قد جاءكم يقول جدد العهد و زد في الهدنة و هو راجع بسخطه و قال لبني خزاعة عمرو بن سالم و أصحابه ارجعوا و تفرقوا في الأودية و قام فدخل على عائشة و هو مغضب فدعا بماء فدخل يغتسل

قالت عائشة فأسمعه يقول و هو يصب الماء على رجليه لا نصرت أن لم أنصر بني كعب قال الواقدي فأما أبو سفيان فخرج من مكة و هو متخوف أن يكون عمرو بن سالم و رهطه من خزاعة سبقوه إلى المدينة و كان القوم لما رجعوا من المدينة و أتوا الأبواء تفرقوا كما أوصاهم رسول الله ص فذهبت طائفة إلى الساحل تعارض الطريق و لزم بديل ابن أم أصرم الطريق في نفر معه فلقيهم أبو سفيان فلما رآهم أشفق أن يكونوا لقوا محمدا ص بل كان اليقين عنده فقام للقوم منذ كم عهدكم بيثرب قالوا لا عهد لنا بها فعرف أنهم كتموه فقال أ ما معكم من تمر يثرب شي‏ء تطعموناه فإن لتمر يثرب فضلا على تمر تهامة قالوا لا ثم أبت نفسه أن تقر فقال يا بديل هل جئت محمدا قال لا و لكني سرت في بلاد خزاعة من هذا الساحل في قتيل كان بينهم حتى أصلحت بينهم قال يقول أبو سفيان إنك و الله ما علمت بر واصل فلما راح بديل و أصحابه جاء أبو سفيان إلى أبعار إبلهم ففتها فإذا فيها النوى و وجد في منزلهم نوى من تمر عجوة كأنه ألسنة العصافير فقال أحلف بالله لقد جاء القوم محمدا و أقبل حتى قدم المدينة فدخل على النبي ص فقال يا محمد إني كنت غائبا في صلح الحديبية فاشدد العهد و زدنا في المدة فقال رسول الله ص و لذلك قدمت يا أبا سفيان قال نعم قال فهل كان قبلكم حدث

٢٦٢

فقال معاذ الله فقال رسول الله فنحن على موثقنا و صلحنا يوم الحديبية لا نغير و لا نبدل فقام من عنده فدخل على ابنته أم حبيبة فلما ذهب ليجلس على فراش رسول الله ص طوته دونه فقال أ رغبت بهذا الفراش عني أم رغبت بي عنه فقالت بل هو فراش رسول الله ص و أنت امرؤ نجس مشرك قال يا بنية لقد أصابك بعدي شر فقالت إن الله هداني للإسلام و أنت يا أبت سيد قريش و كبيرها كيف يخفى عنك فضل الإسلام و تعبد حجرا لا يسمع و لا يبصر فقال يا عجبا و هذا منك أيضا أ أترك ما كان يعبد آبائي و أتبع دين محمد ثم قام من عندها فلقي أبا بكر فكلمه و قال تكلم أنت محمدا و تجير أنت بين الناس فقال أبو بكر جواري جوار رسول الله ص ثم لقي عمر فكلمه بمثل ما كلم به أبا بكر فقال عمر و الله لو وجدت السنور تقاتلكم لأعنتها عليكم قال أبو سفيان جزيت من ذي رحم شرا ثم دخل على عثمان بن عفان فقال له إنه ليس في القوم أحد أمس بي رحما منك فزدني الهدنة و جدد العهد فإن صاحبك لا يرد عليك أبدا و الله ما رأيت رجلا قط أشد إكراما لصاحب من محمد لأصحابه فقال عثمان جواري جوار رسول الله ص فجاء أبو سفيان حتى دخل على فاطمة بنت رسول الله ص فكلمها و قال أجيري بين الناس فقالت إنما أنا امرأة قال إن جوارك جائز و قد أجارت أختك أبا العاص بن الربيع فأجاز محمد ذلك فقالت فاطمة ذلك إلى رسول الله ص و أبت عليه فقال مري أحد هذين ابنيك يجير بين الناس قالت إنهما صبيان و ليس يجير الصبي فلما أبت عليه أتى عليا ع فقال يا أبا حسن أجر بين الناس و كلم محمدا ليزيد في المدة فقال علي ع ويحك يا أبا سفيان إن رسول الله ص قد عزم

٢٦٣

ألا يفعل و ليس أحد يستطيع أن يكلمه في شي‏ء يكرهه قال أبو سفيان فما الرأي عندك فتشير لأمري فإنه قد ضاق علي فمرني بأمر ترى أنه نافعي قال علي ع و الله ما أجد لك شيئا مثل أن تقوم فتجير بين الناس فإنك سيد كنانة قال أ ترى ذلك مغنيا عني شيئا قال علي إني لا أظن ذلك و الله و لكني لا أجد لك غيره فقام أبو سفيان بين ظهري الناس فصاح ألا إني قد أجرت بين الناس و لا أظن محمدا يحقرني ثم دخل على رسول الله ص فقال يا محمد ما أظن أن ترد جواري فقال ع أنت تقول ذلك يا أبا سفيان و يقال إنه لما صاح لم يأت النبي ص و ركب راحلته و انطلق إلى مكة و يروى أنه أيضا أتى سعد بن عبادة فكلمه في ذلك و قال يا أبا ثابت قد عرفت الذي كان بيني و بينك و إني كنت لك في حرمنا جارا و كنت لي بيثرب مثل ذلك و أنت سيد هذه المدرة فأجر بين الناس و زدني في المدة فقال سعد جواري جوار رسول الله ص ما يجير أحد على رسول الله ص فلما انطلق أبو سفيان إلى مكة و قد كان طالت غيبته عن قريش و أبطأ فاتهموه و قالوا نراه قد صبا و اتبع محمدا سرا و كتم إسلامه فلما دخل على هند ليلا قالت قد احتبست حتى اتهمك قومك فإن كنت جئتهم بنجح فأنت الرجل و قد كان دنا منها ليغشاها فأخبرها الخبر و قال لم أجد إلا ما قال لي علي فضربت برجلها في صدوره و قالت قبحت من رسول قوم قال الواقدي فحدثني عبد الله بن عثمان عن أبي سليمان عن أبيه قال لما أصبح أبو سفيان حلق رأسه عند الصنمين أساف و نائلة و ذبح لهما و جعل يمسح بالدم رءوسهما و يقول لا أفارق عبادتكما حتى أموت على ما مات عليه أبي قال فعل ذلك ليبرئ نفسه مما اتهمته قريش به

٢٦٤

قال الواقدي و قالت قريش لأبي سفيان ما صنعت و ما وراءك و هل جئتنا بكتاب من محمد و زيادة في المدة فإنا لا نأمن من أن يغزونا فقال و الله لقد أبى علي و لقد كلمت عليه أصحابه فما قدرت على شي‏ء منهم و رموني بكلمة منهم واحدة إلا أن عليا قال لما ضاقت بي الأمور أنت سيد كنانة فأجر بين الناس فناديت بالجوار ثم دخلت على محمد فقلت إني قد أجرت بين الناس و ما أظن محمدا يرد جواري فقال محمد أنت تقول ذاك يا أبا سفيان لم يزد على ذلك قالوا ما زاد علي على أن يلعب بك تلعبا قال فو الله ما وجدت غير ذلك

قال الواقدي فحدثني محمد بن عبد الله عن الزهري عن محمد بن جبير بن مطعم قال لما خرج أبو سفيان عن المدينة قال رسول الله ص لعائشة جهزينا و أخفي أمرك و قال رسول الله ص اللهم خذ عن قريش الأخبار و العيون حتى نأتيهم بغتة و روي أنه قال اللهم خذ على أبصارهم فلا يروني إلا بغتة و لا يسمعون بي إلا فجأة قال و أخذ رسول الله ص الأنقاب و جعل عليها الرجال و منع من يخرج من المدينة فدخل أبو بكر على عائشة و هي تجهز رسول الله ص تعمل له قمحا سويقا و دقيقا و تمرا فقال لها أ هم رسول الله ص بغزو قالت لا أدري قال إن كان هم بسفر فآذنينا نتهيأ له قالت لا أدري لعله أراد بني سليم لعله أراد ثقيفا أو هوازن فاستعجمت عليه فدخل على رسول الله ص فقال يا رسول الله أردت سفرا قال نعم قال أ فأتجهز قال نعم قال و أين تريد قال قريشا و أخف ذلك يا أبا بكر و أمر رسول الله ص الناس فتجهزوا و طوى عنهم الوجه الذي يريد و قال له أبو بكر يا رسول الله أ و ليس بيننا و بينهم مدة فقال إنهم غدروا و نقضوا العهد

٢٦٥

فأنا غازيهم فاطو ما ذكرت لك فكان الناس بين ظان يظن أنه يريد سليما و ظان يظن أنه يريد هوازن و ظان يظن أنه يريد ثقيفا و ظان يظن أنه يريد الشام و بعث رسول الله ص أبا قتادة بن ربعي في نفر إلى بطن ليظن الناس أن رسول الله ص قدم أمامه أولئك الرجال لتوجهه إلى تلك الجهة و لتذهب بذلك الأخبار قال الواقدي حدثني المنذر بن سعد عن يزيد بن رومان قال لما أجمع رسول الله ص المسير إلى قريش و علم بذلك من علم من الناس كتب حاطب بن أبي بلتعة إلى قريش يخبرهم بالذي أجمع عليه رسول الله ص في أمرهم و أعطى الكتاب امرأة من مزينة و جعل لها على ذلك جعلا على أن تبلغه قريشا فجعلت الكتاب في رأسها ثم فتلت عليه قرونها و خرجت به و أتى الخبر إلى النبي ص من السماء بما صنع حاطب فبعث عليا ع و الزبير فقال أدركا امرأة من مزينة قد كتب معها حاطب كتابا يحذر قريشا فخرجا و أدركاها بذي الحليفة فاستنزلاها و التمسا الكتاب في رحلها فلم يجدا شيئا فقالا لها نحلف بالله ما كذب رسول الله ص و لا كذبنا و لتخرجن الكتاب أو لنكشفنك فلما رأت منهما الجد حلت قرونها و استخرجت الكتاب فدفعته إليهما فأقبلا به إلى رسول الله ص فدعا حاطبا و قال له ما حملك على هذا فقال يا رسول الله و الله إني لمسلم مؤمن بالله و رسوله ما غيرت و لا بدلت و لكني كنت امرأ ليس لي في القوم أصل و لا عشيرة و كان لي بين أظهرهم أهل و ولد فصانعتهم فقال عمر قاتلك الله ترى رسول الله ص يأخذ بالأنقاب و تكتب إلى قريش تحذرهم دعني يا رسول الله أضرب عنقه فإنه قد نافق ،فقال رسول الله ص

٢٦٦

و ما يدريك يا عمر لعل الله قد اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم قال الواقدي فلما خرج رسول الله ص من المدينة بالألوية المعقودة و الرايات بعد العصر من يوم الأربعاء لعشر خلون من شهر رمضان لم يحل عقده حتى انتهى إلى الصلصل و المسلمون يقودون الخيل و قد امتطوا الإبل و قدم أمامه الزبير بن العوام في مائتين قال فلما كان بالبيداء نظر إلى عنان السماء فقال إني لأرى السحاب تستهل بنصر بني كعب يعني خزاعة قال الواقدي و جاء كعب بن مالك ليعلم أي جهة يقصد فبرك بين يديه على ركبتيه ثم أنشده:

قضينا من تهامة كل نحب

و خيبر ثم أحمينا السيوفا

فسائلها و لو نطقت لقالت

قواضبهن دوسا أو ثقيفا

فلست بحاضر إن لم تروها

بساحة داركم منها ألوفا

فننتزع الخيام ببطن وج

و نترك دوركم منها خلوفا

قال فتبسم رسول الله ص و لم يزد على ذلك فجعل الناس يقولون و الله ما بين لك رسول الله ص شيئا فلم تزل الناس كذلك حتى نزلوا بمر الظهران قال الواقدي و خرج العباس بن عبد المطلب و مخرمة بن نوفل من مكة يطلبان رسول الله ص ظنا منهما أنه بالمدينة يريدان الإسلام فلقياه بالسقيا

٢٦٧

قال الواقدي فلما كانت الليلة التي أصبح فيها بالجحفة رأى فيها أبو بكر في منامه أن النبي ص و أصحابه قد دنوا من مكة فخرجت عليهم كلبة تهر فلما دنوا منها استلقت على قفاها و إذا أطباؤها تشخب لبنا فقصها على رسول الله ص فقال ذهب كلبهم و أقبل درهم و هم سائلونا بأرحامهم و أنتم لاقون بعضهم فإن لقيتم أبا سفيان فلا تقتلوه قال الواقدي و إلى أن وصل مر الظهران لم يبلغ قريشا حرف واحد من حاله فلما نزل بمر الظهران أمر أصحابه أن يوقدوا النار فأوقدوا عشرة آلاف نار و أجمعت قريش أن يبعثوا أبا سفيان يتجسس لهم الأخبار فخرج هو و حكيم بن حزام و بديل بن ورقاء قال و قد كان العباس بن عبد المطلب قال وا سوء صباح قريش و الله إن دخلها رسول الله ص عنوة إنه لهلاك قريش آخر الدهر قال العباس فأخذت بغلة رسول الله ص الشهباء فركبتها و قلت ألتمس حطابا أو إنسانا أبعثه إلى قريش فيلقوا رسول الله ص قبل أن يدخلها عليهم عنوة فو الله إني لفي الأراك ليلا أبتغي ذلك إذ سمعت كلاما يقول و الله إن رأيت كالليلة نارا قال يقول بديل بن ورقاء إنها نيران خزاعة جاشها الحرب قال يقول أبو سفيان خزاعة أذل من أن تكون هذه نيرانها و عسكرها فعرفت صوته فقلت أبا حنظلة فعرف صوتي فقال لبيك أبا الفضل فقلت ويحك هذا رسول الله ص في عشرة آلاف و هو مصبحكم فقال بأبي و أمي فهل من حيلة فقلت نعم تركب عجز هذه البغلة فأذهب بك إلى رسول الله ص فإنه إن ظفر بك دون ذلك ليقتلنك قال و الله أنا أرى ذلك فركب خلفي و رحل

٢٦٨

بديل و حكيم فتوجهت به فلما مررت به على نار من نيران المسلمين قالوا من هذا فإذا رأوني قالوا عم رسول الله ص على بغلة رسول الله حتى مررت بنار عمر بن الخطاب فلما رآني قال من هذا قلت العباس فذهب ينظر فرأى أبا سفيان خلفي فقال أبو سفيان عدو الله الحمد لله الذي أمكن منك بغير عهد و لا عقد ثم خرج يشتد نحو رسول الله ص و ركضت البغلة حتى اجتمعنا جميعا على باب قبة رسول الله ص فدخلت و دخل عمر بن الخطاب على أثري فقال عمر يا رسول الله هذا أبو سفيان عدو الله قد أمكن الله منه بغير عقد و لا عهد فدعني أضرب عنقه فقلت يا رسول الله إني قد أجرته ثم لزمت رسول الله ص فقلت و الله لا يناجيه الليلة أحد دوني فلما أكثر عمر فيه قلت مهلا يا عمر فإنه لو كان رجلا من عدي بن كعب ما قلت هذا و لكنه أحد بني عبد مناف فقال عمر مهلا يا أبا الفضل فو الله لإسلامك كان أحب إلي من إسلام الخطاب أو قال من إسلام رجل من ولد الخطاب لو أسلم فقال رسول الله ص اذهب به فقد أجرناه فليبت عندك حتى تغدو به علينا إذا أصبحت فلما أصبحت غدوت به فلما رآه رسول الله ص قال ويحك يا أبا سفيان أ لم يأن لك أن تعلم لا إله إلا الله قال بأبي أنت ما أحلمك و أكرمك و أعظم عفوك قد كان يقع في نفسي أن لو كان مع الله إله آخر لأغنى قال يا أبا سفيان أ لم يأن لك أن تعلم أني رسول الله قال بأبي أنت ما أحلمك و أكرمك و أعظم عفوك أما هذه فو الله إن في النفس منها لشيئا بعد قال العباس فقلت ويحك تشهد و قل لا إله الله محمد رسول الله قبل أن تقتل فتشهد و قال العباس يا رسول الله إنك قد عرفت أبا سفيان و فيه الشرف و الفخر فاجعل له شيئا فقال من دخل دار أبي سفيان فهو آمن و من أغلق داره فهو آمن ثم قال خذه فاحبسه بمضيق الوادي إلى خطم الجبل

٢٦٩

حتى تمر عليه جنود الله فيراها قال العباس فعدلت به في مضيق الوادي إلى خطم الجبل فحبسته هناك فقال أ غدرا يا بني هاشم فقلت له إن أهل النبوة لا يغدرون و إنما حبستك لحاجة قال فهلا بدأت بها أولا فأعلمتنيها فكان أفرخ لروعي ثم مرت به القبائل على قادتها و الكتائب على راياتها فكان أول من مر به خالد بن الوليد في بني سليم و هم ألف و لهم لواءان يحمل أحدهما العباس بن مرداس و الآخر خفاف بن ندبة و راية يحملها المقداد فقال أبو سفيان يا أبا الفضل من هؤلاء قال هؤلاء بنو سليم و عليهم خالد بن الوليد قال الغلام قال نعم فلما حاذى خالد العباس و أبا سفيان كبر ثلاثا و كبروا معه ثم مضوا و مر على أثره الزبير بن العوام في خمسمائة فيهم جماعة من المهاجرين و قوم من أفناء الناس و معه راية سوداء فلما حاذاهما كبر ثلاثا و كبر أصحابه فقال من هذا قال هذا الزبير قال ابن أختك قال نعم قال ثم مرت به بنو غفار في ثلاثمائة يحمل رايتهم أبو ذر و يقال إيماء بن رحضة فلما حاذوهما كبروا ثلاثا قال يا أبا الفضل من هؤلاء قال بنو غفار قال ما لي و لبني غفار ثم مرت به أسلم في أربعمائة يحمل لواءها يزيد بن الخصيب و لواء آخر مع ناجية بن الأعجم فلما حاذوه كبروا ثلاثا فسأل عنهم فقال هؤلاء أسلم فقال ما لي و لأسلم ما كان بيننا و بينهم ترة قط ثم مرت بنو كعب بن عمرو بن خزاعة في خمسمائة يحمل رايتهم بشر بن سفيان فقال من هؤلاء قال كعب بن عمرو قال نعم حلفاء محمد فلما حاذوه كبروا ثلاثا ثم مرت مزينة في ألف فيها ثلاثة ألوية مع النعمان بن مقرن و بلال بن الحارث و عبد الله بن عمرو فلما حاذوهما كبروا قال من هؤلاء قال مزينة قال يا أبا الفضل ما لي و لمزينة قد جاءتني تقعقع من شواهقها

٢٧٠

ثم مرت جهينة في ثمانمائة فيها أربعة ألوية مع معبد بن خالد و سويد بن صخر و رافع بن مكيث و عبد الله بن بدر فلما حاذوه كبروا ثلاثا فسأل عنهم فقيل جهينة ثم مرت بنو كنانة و بنو ليث و ضمرة و سعد بن أبي بكر في مائتين يحمل لواءهم أبو واقد الليثي فلما حاذوه كبروا ثلاثا قال من هؤلاء قال بنو بكر قال نعم أهل شؤم هؤلاء الذين غزانا محمد لأجلهم أما و الله ما شوورت فيهم و لا علمته و لقد كنت له كارها حيث بلغني و لكنه أمر حم قال العباس لقد خار الله لك في غزو محمد إياكم و دخلتم في الإسلام كافة ثم مرت أشجع و هم آخر من مر به قبل أن تأتي كتيبة رسول الله ص و هم ثلاثة يحمل لواءهم معقل بن سنان و لواء آخر مع نعيم بن مسعود فكبروا قال من هؤلاء قال أشجع فقال هؤلاء كانوا أشد العرب على محمد قال العباس نعم و لكن الله أدخل الإسلام قلوبهم و ذلك من فضل الله فسكت و قال أ ما مر محمد بعد قال لا و لو رأيت الكتيبة التي هو فيها لرأيت الحديد و الخيل و الرجال و ما ليس لأحد به طاقة فلما طلعت كتيبة رسول الله ص الخضراء طلع سواد شديد و غبرة من سنابك الخيل و جعل الناس يمرون كل ذلك يقول أ ما مر محمد بعد فيقول العباس لا حتى مر رسول الله ص يسير على ناقته القصوى بين أبي بكر و أسيد بن حضير و هو يحدثهما و قال له العباس هذا رسول الله ص في كتيبته الخضراء فانظر قال و كان في تلك الكتيبة وجوه المهاجرين و الأنصار و فيها الألوية و الرايات و كلهم منغمسون في الحديد لا يرى منهم إلا الحدق و لعمر بن الخطاب فيها زجل و عليه الحديد و صوته عال و هو يزعها فقال يا أبا الفضل من هذا المتكلم قال هذا

٢٧١

عمر بن الخطاب قال لقد أمر أمر بني عدي بعد قلة و ذلة فقال إن الله يرفع من يشاء بما يشاء و إن عمر ممن رفعه الإسلام و كان في الكتيبة ألفا دارع و راية رسول الله ص مع سعد بن عبادة و هو أمام الكتيبة فلما حاذاهما سعد نادى يا أبا سفيان:

اليوم يوم الملحمة

اليوم تسبى الحرمة

اليوم أذل الله قريشا فلما حاذاهما رسول الله ص ناداه أبو سفيان يا رسول الله أمرت بقتل قومك أن سعدا قال:

اليوم يوم الملحمة

اليوم تسبى الحرمة

اليوم أذل الله قريشا و إني أنشدك الله في قومك فأنت أبر الناس و أرحم الناس و أوصل الناس فقال عثمان بن عفان و عبد الرحمن بن عوف يا رسول الله إنا لا نأمن سعدا أن يكون له في قريش صولة

فوقف رسول الله ص و ناداه يا أبا سفيان بل اليوم يوم المرحمة اليوم أعز الله قريشا و أرسل إلى سعد فعزله عن اللواء و اختلف فيمن دفع إليه اللواء فقيل دفعه إلى علي بن أبي طالب ع فذهب به حتى دخل مكة فغرزه عند الركن و هو قول ضرار بن الخطاب الفهري و قيل دفعه إلى قيس بن سعد بن عبادة و رأى رسول الله ص أنه لم يخرجه عن سعد حيث دفعه إلى ولده فذهب به حتى غرزه بالحجون قال و قال أبو سفيان للعباس ما رأيت مثل هذه الكتيبة قط و لا أخبرنيه مخبر سبحان الله ما لأحد بهؤلاء طاقة و لا يدان لقد أصبح ملك ابن أخيك يا عباس عظيما قال فقلت ويحك إنه ليس بملك و إنها النبوة قال نعم قال الواقدي قال العباس فقلت له انج ويحك فأدرك قومك قبل أن يدخل

٢٧٢

عليهم فخرج أبو سفيان حتى دخل من كداء و هو ينادي من دخل دار أبي سفيان فهو آمن و من أغلق عليه بابه فهو آمن حتى انتهى إلى هند بنت عتبة فقالت ما وراءك قال هذا محمد في عشرة آلاف عليهم الحديد و قد جعل لي أنه من دخل داري فهو آمن و من أغلق عليه بابه فهو آمن و من ألقى سلاحه فهو آمن فقالت قبحك الله من رسول قوم و جعلت تقول ويحكم اقتلوا وافدكم قبحه الله من وافد قوم فيقول أبو سفيان ويحكم لا تغرنكم هذه من أنفسكم فإني رأيت ما لم تروا الرجال و الكراع و السلاح ليس لأحد بهذا طاقة محمد في عشرة آلاف فأسلموا تسلموا و قال المبرد في الكامل أمسكت هند برأس أبي سفيان و قالت بئس طليعة القوم و الله ما خدشت خدشا يا أهل مكة عليكم الحميت الدسم فاقتلوه قال الحميت الزق المزفت قال الواقدي و خرج أهل مكة إلى ذي طوى ينظرون إلى رسول الله ص و انضوى إلى صفوان بن أمية و عكرمة بن أبي جهل و سهيل بن عمرو ناس من أهل مكة و من بني بكر و هذيل فلبسوا السلاح و أقسموا لا يدخل محمد مكة عنوة أبدا و كان رجل من بني الدؤل يقال له حماس بن قيس بن خالد الدؤلي لما سمع برسول الله ص جلس يصلح سلاحه فقالت له امرأته لم تعد السلاح قال لمحمد و أصحابه و إني لأرجو أن أخدمك منهم خادما فإنك إليه محتاجة قالت ويحك لا تفعل لا تقاتل محمدا و الله ليضلن هذا عنك لو رأيت محمدا و أصحابه قال سترين و أقبل رسول الله ص و هو على ناقته القصواء معتجرا ببرد حبرة و عليه عمامة سوداء و رايته سوداء و لواؤه أسود حتى وقف بذي طوى و توسط الناس و إن عثنونه ليمس واسطة الرحل أو يقرب منه تواضعا لله حيث رأى ما رأى من الفتح و كثرة المسلمين وقال لا عيش إلا عيش الآخرة

٢٧٣

و جعلت الخيل تعج بذي طوى في كل وجه ثم ثابت و سكنت و التفت رسول الله ص إلى أسيد بن حضير فقال كيف قال حسان بن ثابت قال فأنشده:

عدمنا خيلنا إن لم تروها

تثير النقع موعدها كداء

تظل جيادنا متمطرات

تلطمهن بالخمر النساء

فتبسم رسول الله ص و حمد الله و أمر الزبير بن العوام أن يدخل من كداء و أمر خالد بن الوليد أن يدخل من الليط و أمر قيس بن سعد أن يدخل من كدى و دخل هو ص من أذاخر قال الواقدي و حدثني مروان بن محمد عن عيسى بن عميلة الفزاري قال دخل رسول الله ص مكة بين الأقرع بن حابس و عيينة بن حصن قال الواقدي و روى عيسى بن معمر عن عباد بن عبد الله عن أسماء بنت أبي بكر قالت صعد أبو قحافة بصغرى بناته و اسمها قريبة و هو يومئذ أعمى و هي تقوده حتى ظهرت به إلى أبي قبيس فلما أشرفت به قال يا بنية ما ذا ترين قالت أرى سوادا مجتمعا مقبلا كثيرا قال يا بنية تلك الخيل فانظري ما ذا ترين قالت أرى رجلا يسعى بين ذلك السواد مقبلا و مدبرا قال ذاك الوازع فانظري ما ذا ترين قالت قد تفرق السواد قال قد تفرق الجيش البيت البيت قالت فنزلت الجارية به و هي ترعب لما ترى فقال يا بنية لا تخافي فو الله إن أخاك عتيقا لآثر أصحاب محمد عند محمد قالت و عليها طوق من فضة فاختلسه بعض من دخل

٢٧٤

فلما دخل رسول الله ص مكة جعل أبو بكر ينادي أنشدكم الله أيها الناس طوق أختي فلم يرد أحد عليه فقال يا أخية احتسبي طوقك فإن الأمانة في الناس قليل قال الواقدي و نهى رسول الله ص عن الحرب و أمر بقتل ستة رجال و أربع نسوة عكرمة بن أبي جهل و هبار بن الأسود و عبد الله بن سعد بن أبي سرح و مقيس بن صبابة الليثي و الحويرث بن نفيل و عبد الله بن هلال بن خطل الأدرمي و هند بنت عتبة و سارة مولاة لبني هاشم و قينتين لابن خطل قريبا و قريبة و يقال قرينا و أرنب قال الواقدي و دخلت الجنود كلها فلم تلق حربا إلا خالد بن الوليد فإنه وجد جمعا من قريش و أحابيشها قد جمعوا له فيهم صفوان بن أمية و عكرمة بن أبي جهل و سهيل بن عمرو فمنعوه الدخول و شهروا السلاح و رموه بالنبل و قالوا لا تدخلها عنوة أبدا فصاح خالد في أصحابه و قاتلهم فقتل من قريش أربعة و عشرون و من هذيل أربعة و انهزموا أقبح انهزام حتى قتلوا بالحزورة و هم مولون من كل وجه و انطلقت طائفة منهم فوق رءوس الجبال و اتبعهم المسلمون و جعل أبو سفيان بن حرب و حكيم بن حزام يناديان يا معشر قريش علام تقتلون أنفسكم من دخل داره فهو آمن و من أغلق عليه بابه فهو آمن و من وضع السلاح فهو آمن فجعل الناس يقتحمون الدور و يغلقون عليهم الأبواب و يطرحون السلاح في الطرق حتى يأخذه المسلمون قال الواقدي و أشرف رسول الله ص من على ثنية أذاخر فنظر إلى البارقة فقال ما هذه البارقة أ لم أنه عن القتال قيل يا رسول الله خالد بن الوليد

٢٧٥

قوتل و لو لم يقاتل ما قاتل فقال قضاء الله خير و أقبل ابن خطل مدججا في الحديد على فرس ذنوب بيده قناة يقول لا و الله لا يدخلها عنوة حتى يرى ضربا كأفواه المزاد فلما انتهى إلى الخندمة و رأى القتال دخله رعب حتى ما يستمسك من الرعدة و مر هاربا حتى انتهى إلى الكعبة فدخل بين أستارها بعد أن طرح سلاحه و ترك فرسه و أقبل حماس بن خالد الدؤلي منهزما حتى أتى بيته فدقه ففتحت له امرأته فدخل و قد ذهبت روحه فقالت أين الخادم التي وعدتني ما زلت منتظرتك منذ اليوم تسخر به فقال دعي هذا و أغلقي الباب فإنه من أغلق بابه فهو آمن قالت ويحك أ لم أنهك عن قتال محمد و قلت لك إني ما رأيته يقاتلكم مرة إلا و ظهر عليكم و ما بابنا قال إنه لا يفتح على أحد بابه ثم أنشدها:

إنك لو شهدتنا بالخندمه

إذ فر صفوان و فر عكرمه

و بو يزيد كالعجوز المؤتمه

و ضربناهم بالسيوف المسلمه

لهم زئير خلفنا و غمغمه

لم تنطقي في اللوم أدنى كلمه

قال الواقدي و حدثني قدامة بن موسى عن بشير مولى المازنيين عن جابر بن عبد الله قال كنت ممن لزم رسول الله ص يومئذ فدخلت معه يوم الفتح من أذاخر فلما أشرف نظر إلى بيوت مكة فحمد الله و أثنى عليه و نظر إلى موضع قبة بالأبطح تجاه شعب بني هاشم حيث حصر رسول الله ص و أهله ثلاث

٢٧٦

سنين و قال يا جابر إن منزلنا اليوم حيث تقاسمت علينا قريش في كفرها قال جابر فذكرت كلاما كنت أسمعه في المدينة قبل ذلك كان يقول منزلنا غدا إن شاء الله إذا فتح علينا مكة في الخيف حيث تقاسموا على الكفر قال الواقدي و كانت قبته يومئذ بالأدم ضربت له بالحجون فأقبل حتى انتهى إليها و معه أم سلمة و ميمونة قال الواقدي و حدثني معاوية بن عبد الله بن عبيد الله عن أبيه عن أبي رافع قال قيل للنبي ص أ لا تنزل منزلك من الشعب قال و هل ترك لنا عقيل من منزل و كان عقيل قد باع منزل رسول الله ص و منازل إخوته من الرجال و النساء بمكة فقيل لرسول الله ص فانزل في بعض بيوت مكة من غير منازلك فأبى و قال لا أدخل البيوت فلم يزل مضطربا بالحجون لم يدخل بيتا و كان يأتي إلى المسجد من الحجون قال و كذلك فعل في عمرة القضية و في حجته قال الواقدي و كانت أم هانئ بنت أبي طالب تحت هبيرة بن أبي وهب المخزومي فلما كان يوم الفتح دخل عليها حموان لها عبد الله بن أبي ربيعة و الحارث بن هشام المخزوميان فاستجارا بها و قالا نحن في جوارك فقالت نعم أنتما في جواري قالت أم هانئ فهما عندي إذ دخل علي فارس مدجج في الحديد و لا أعرفه فقلت له أنا بنت عم رسول الله فأسفر عن وجهه فإذا علي أخي فاعتنقته و نظر إليهما فشهر السيف عليهما فقلت أخي من بين الناس تصنع بي هذا فألقيت عليهما ثوبا فقال أ تجيرين المشركين فحلت دونهما و قلت لا و الله و ابتدئ بي قبلهما قالت فخرج و لم يكد فأغلقت عليهما بيتا و قلت لا تخافا و ذهبت إلى خباء رسول الله ص

٢٧٧

بالبطحاء فلم أجده و وجدت فيه فاطمة فقلت لها ما لقيت من ابن أمي علي أجرت حموين لي من المشركين فتفلت عليهما ليقتلهما قالت و كانت أشد علي من زوجها و قالت لم تجيرين المشركين و طلع رسول الله ص و عليه الغبار فقال مرحبا بفاختة و هو اسم أم هانئ فقلت ما ذا لقيت من ابن أمي علي ما كدت أفلت منه أجرت حموين لي من المشركين فتفلت عليهما ليقتلهما فقال ما كان ذلك له قد أجرنا من أجرت و أمنا من أمنت ثم أمر فاطمة فسكبت له غسلا فاغتسل ثم صلى ثماني ركعات في ثوب واحد ملتحفا به وقت الضحى قالت فرجعت إليهما و أخبرتهما و قلت إن شئتما فأقيما و إن شئتما فارجعا إلى منازلكما فأقاما عندي في منزلي يومين ثم انصرفا إلى منازلهما و أتى آت إلى النبي ص فقال إن الحارث بن هشام و عبد الله بن أبي ربيعة جالسان في ناديهما متفضلان في الملإ المزعفر فقال لا سبيل إليهما قد أجرناهما قال الواقدي و مكث رسول الله ص في قبة ساعة من النهار ثم دعا براحلته بعد أن اغتسل و صلى فأدنيت إلى باب القبة و خرج و عليه السلاح و المغفر على رأسه و قد صف له الناس فركبها و الخيل تمعج ما بين الخندمة إلى الحجون ثم مر و أبو بكر إلى جانبه على راحلة أخرى يسير و يحادثه و إذا بنات أبي أحيحة سعيد بن العاص بالبطحاء حذاء منزل أبي أحيحة و قد نشرن شعورهن فلطمن وجوه الخيل بالخمر فنظر رسول الله ص إلى أبي بكر فتبسم و أنشده قول حسان

٢٧٨

تظل جيادنا متمطرات

تلطمهن بالخمر النساء

فلما انتهى إلى الكعبة تقدم على راحلته فاستلم الركن بمحجنه و كبر فكبر المسلمون لتكبيره و عجوا بالتكبير حتى ارتجت مكة و جعل رسول الله ص يشير إليهم أن اسكتوا و المشركون فوق الجبال ينظرون ثم طاف بالبيت على راحلته و محمد بن مسلمة آخذ بزمامها و حول الكعبة ثلاثمائة و ستون صنما مرصوصة بالرصاص و كان هبل أعظمها و هو تجاه الكعبة على بابها و إساف و نائلة حيث ينحرون و يذبحون الذبائح فجعل كلما يمر بصنم منها يشير بقضيب في يده و يقول( جاء الحق و زهق الباطل إن الباطل كان زهوقا ) فيقع الصنم لوجهه ثم أمر بهبل فكسر و هو واقف عليه فقال الزبير لأبي سفيان يا أبا سفيان قد كسر هبل أ ما إنك قد كنت منه يوم أحد في غرور حين تزعم أنه قد أنعم فقال دع هذا عنك يا ابن العوام فقد أرى أن لو كان مع إله محمد غيره لكان غير ما كان قال الواقدي ثم انصرف رسول الله ص فجلس ناحية من المسجد و أرسل بلالا إلى عثمان بن طلحة يأتيه بالمفتاح مفتاح الكعبة فقال عثمان نعم فخرج إلى أمه و هي بنت شيبة فقال لها و المفتاح عندها يومئذ إن رسول الله ص قد طلب المفتاح فقالت أعيذك بالله أن يكون الذي يذهب مأثرة قومه على يده فقال فو الله لتأتيني به أو ليأتينك غيري فيأخذه منك فأدخلته في حجرتها و قالت أي رجل يدخل يده هاهنا فبينما هما على ذلك و هو يكلمها إذ سمعت صوت أبي بكر و عمر في الدار و عمر رافع صوته حين رأى عثمان أبطأ يا عثمان اخرج فقالت أمه خذ المفتاح فلأن تأخذه أنت أحب إلي من أن يأخذه تيم و عدي فأخذه فأتى به رسول الله ص فلما تناوله بسط العباس بن عبد المطلب يده و قال يا رسول الله بأبي أنت اجمع لنا بين السقاية و الحجابة فقال إنما أعطيكم ما ترضون فيه و لا أعطيكم ما ترزءون منه

٢٧٩

قالوا و كان عثمان بن طلحة قد قدم على رسول الله ص مع خالد بن الوليد و عمرو بن العاص مسلما قبل الفتح قال الواقدي و بعث رسول الله ص عمر بن الخطاب و معه عثمان بن طلحة و أمره أن يفتح البيت فلا يدع فيه صورة و لا تمثالا إلا صورة إبراهيم الخليل ع فلما دخل الكعبة رأى صورة إبراهيم شيخا كبيرا يستقسم بالأزلام قال الواقدي و قد روي أنه أمره بمحو الصور كلها لم يستثن فترك عمر صورة إبراهيم فقال لعمر أ لم آمرك ألا تدع فيها صورة فقال عمر كانت صورة إبراهيم قال فامحها و قال قاتلهم الله جعلوه شيخا يستقسم بالأزلام قال و محا صورة مريم قال و قد روي أن رسول الله ص محا الصور بيده

روى ذلك ابن أبي ذئب عن عبد الرحمن بن مهران عن عمير مولى ابن عباس عن أسامة بن زيد قال دخلت مع رسول الله ص الكعبة فرأى فيها صورا فأمرني أن آتيه في الدلو بماء فجعل يبل به الثوب و يضرب به الصور و يقول قاتل الله قوما يصورون ما لا يخلقون

قال الواقدي و أمر رسول الله ص بالكعبة فأغلقت عليه و معه فيها أسامة بن زيد و بلال بن رباح و عثمان بن طلحة فمكث فيها ما شاء الله و خالد بن الوليد واقف على الباب يذب الناس عنه حتى خرج رسول الله ص فوقف و أخذ بعضادتي الباب و أشرف على الناس و في يده المفتاح ثم جعله في كمه و أهل مكة قيام تحته و بعضهم جلوس قد ليط بهم فقال الحمد لله الذي

٢٨٠

281

282

283

284

285

286

287

288

289

290

291

292

293

294

295

296

297

298

299

300

301

302

303

304

305

306

307

308

309

310

311

312

313

314

315

316

317

318

319

320

321

322

323

324

325

326

327

328

329

330

331

332

333

334

335

336

337

338

339

340

341

342

343

344

345

346

347

348

349

350

351